الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6/ 8 - "آخرُ أربعاءَ في الشهر يومُ نَحْسٍ مستمرٍّ". وكيع [في الغرر، وابن مردويه في التفسير، (خط) عن ابن عباس]
قال الشارح: ابن الجراح أبو سفيان الرؤاسى في الغرر وابن مردويه في التفسير خط عن ابن عباس.
[فائدة: في الفرق بين وكيع بن الجراح ووكيع صاحب الغرر]
قلت: ينتقد على المؤلف إطلاقه لفظ وكيع في عزو الحديث إليه فإنه يتبادر إلى الذهن أنه وكيع بن الجراح الرؤاسى الحافظ المشهور الإمام القديم أحد شيوخ أحمد وابن معين صاحب المصنف والزهد وغيرهما المتوفى سنة ست وتسعين ومائة وليس كذلك، بل المراد به محمد بن خلف القاضى الحنفى المتأخر كما سيأتى، وقد وهم الشارح فيه كما ترى وكنت أظن أن ذلك مبلغ علمه، ونبهت عليه في حاشية الكتاب حتى وقفت على شرحه الكبير فوجدته كتب فيه على قوله: وكيع، أى القاضى أبو بكر محمد بن خلف المعروف بوكيع، فعلمت أن ما وقع له في الشرح الصغير سبق قلم وذهول أوقعه فيه إطلاق المصنف، فإن المشهور بوكيع هو ابن الجراح، أما صاحب الغرر فوكيع إنما هو لقب له واسمه محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد أبو بكر الضبى، كان عالما فاضلا عارفا بالسير والأخبار نبيلا فصيحا من أهل القرآن والفقه والنحو، حدث عن الزبير بن بكار والحسن بن عرفة وأبي حذافة السهمى والعلاء بن سالم وعلى بن مسلم الطوسى ومحمد بن عبد اللَّه المخرمى والحسن ابن محمد الزعفرانى ومحمد بن عبد الرحمن الصيرفى ومحمد بن عثمان بن كرامة وخلق كثير من شيوخ أصحاب الكتب الستة وغيرهم، وصنف المصنفات الكثيرة منها كتاب "الغرر من الأخبار" الذي خرج فيه هذا الحديث، وكتاب "عدد آى القرآن والاختلاف فيه" و"طبقات القضاة" وكتاب "الشريف"
وكتاب "الرمى والنضال" وكتاب "المكاييل والموازين" وغير ذلك، إلا أن تصانيفه لم تشتهر ولم يحملها عنه كثير من الناس للين شُهِرَ به كما قال ابن المنادى، وكان يتقلد القضاء على كور الأهواز كلها مات سنة ست وثلاثمائة.
أما الحديث فرواه الخطيب [14/ 405] من طريق مسلمة بن الصلت:
ثنا أبو الوزير صاحب ديوان المهدى ثنا المهدى أمير المؤمنين عن أبيه عن جده عن ابن عباس به مرفوعا.
ومسلمة بن الصلت قال أبو حاتم [8/ 269، رقم 1228]: متروك الحديث.
وقال الأزدى: ضعيف الحديث ليس بحجة.
وأما ابن حبان فذكره في الثقات [9/ 180] وقال: روى عنه أحمد بن حنبل، قال الحافظ: ورأيت له حديثا منكرا رواه أبو الحسن على بن نجيح العلاف:
حدثنا أحمد بن القاسم الرشيدى ثنا محمد بن صالح ثنا مسلمة بنت الصلت السنانى حدثنى أبو عمر مطرف صاحب ديوان أمير المؤمنين أبي جعفر قال: حدثنى المهدى عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: "آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر" اهـ.
فاقتصر الحافظ على الحكم بنكارته موقوفا وكأنه لم يستحضر رواية الخطيب المرفوعة، وهذا من اضطرابه وضعفه، لكنه ورد موقوفا من غير طريقه.
ذكر ابن الجوزى فىِ الموضوعات [2/ 73] أن الأبزارى رواه عن إبراهيم بن سعيد عن المأمون عن الرشيد عن المهدى عن المنصور عن جده عن ابن عباس به
موقوفا، والأبزارى كذاب، وتابعه حمزة بن محمد الكاتب عن إبراهيم بن سعيد خرجه الطيورى وفيه من لا يعرف.
وقد ورد مرفوعا أيضا من حديث جابر وعائشة وعلى وأسنده بأسانيد كلها واهية.
فرواه ابن مردويه من طريق إبراهيم بن أبي حية عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا: "يوم الأربعاء يوم نحس مستمر".
وإبراهيم بن أبي حية متروك منكر الحديث، وقال ابن حبان: روى عن جعفر وهشام مناكير وأوابد يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها (1).
ورواه أيضا من طريق إبراهيم بن هراسة عن سفيان الثورى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا: "يوم نحس يوم الأربعاء"، وإبراهيم بن هراسة -وهى أمه- ضعيف متروك، قال النسائى: لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: كان من العباد، غلب عليه التقشف فأغضى عن تعاهد [كتبه] حتى صار كأنه يكذب، وقال الأجرى: سمعت أبا داود يطلق فيه الكذب.
ورواه أيضا من طريق يحيى بن العلاء عن على بن عمر بن على بن أبي طالب عن أبيه عن جده مرفوعا: "يوم الأربعاء يوم نحس مستمر" ويحيى بن العلاء، قال أحمد: كذاب يضع الحديث.
ورواه أيضا من طريق عباد بن يعقوب عن عيسى بن عبد اللَّه حدثنى أبي عن أبيه عن جده قال: "نزل جبريل باليمين مع الشاهد والحجامة، ويوم الأربعاء يوم نحس مستمر".
وعيسى بن عبد اللَّه قال الدارقطنى: متروك الحديث.
(1) انظر "المجروحين"(1/ 103).
ورواه أيضا من طريق أبي الأخيل خالد بن عمرو الحمصى حدثنا يزيد بن خالد القرشى حدثنى عبد الرحمن بن كسرى عن مسلم بن عبد اللَّه عن سعيد بن ميمون عن أنس قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيام، وسئل عن يوم الأربعاء فقال: يوم نحس، قال: وكيف ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أغرق اللَّه فيه فرعون وقومه وأهلك عادا وثمود".
خالد بن عمرو والحمصى كذبه الفريابى، ووهَّاه ابن عدى وغيره.
وقال ابن عراف في تنزيه الشريعة [2/ 55، 56] بعد إيراد هذه الطرق مختصرة:
ليس فيها ما يصلح للاستشهاد غير أنى رأيت له شاهدا عن زر بن حبيش من قوله، أخرجه ابن أبي حاتم، وذكر الحليمى الحديث في شعب الإيمان (1) وأوله فقال:"أى على المفسدين لا على المصلحين كالأيام النحسات، كانت نحسات على الكفار من قوم عاد لا على نبيهم ومن آمن منهم"، قال: ويحتمل أن يكون هذا هو سر ما ورد من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين.
قال جابر: فلم ينزل بى أمر غائظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. قال: فيكون يوم الأربعاء نحسا على الظالم ويستجاب فيه دعوة المظلوم عليه كما استجيب فيه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار، وفى قول جابر:"غائظ" إشارة إلى كونه مظلوما اهـ، قال ابن عراف: وفيه دلالة على أن الحديث عنده ليس بموضوع.
قلت: لا عبرة به في هذا الباب لأنه ليس من أهل الفن، قال ابن عراف: ومما
(1) الحديث بتمامة في شعب الإيمان 4/ 157 رقم 4647.
اشتهر على الألسنة في نقيض هذا، حديث:"ما ابتدئ بشئ يوم الأربعاء إلا تم".
وهو حديث لا أصل له، ونسب لصاحب "هداية الحنفية" أنه كان يوقف بداية الدروس على يوم الأربعاء، ويحتج بهذا الحديث وكذا كان جماعة من أهل العلم يتحرون البداية يوم الأربعاء، والأولى أن يلحظ في ذلك ما في الصحيح من أن اللَّه عز وجل خلق النور يوم الأربعاء، والعلم نور فيتفاءل لتمامه ببداية يوم خلق النور إذ يأبى اللَّه إلا أن يتم نوره كما قال جل شأنه اهـ.
وقال الحافظ السخاوى في "المقاصد الحسنة"[ص 574، 575، رقم 943]:
حديث "ما بدئ بشئ يوم الأربعاء إلا تم"، لم أقف له على أصل، لكن ذكر برهان الإسلام في كتابه "تعليم المتعلم طريق التعليم" عن شيخه المرغينانى صاحب الهداية في فقه الحنفية أنه كان يوقف بداية السبق على يوم الأربعاء وكان يروى في ذلك بحفظه ويقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء بدئ به يوم الأربعاء إلا وقد تم"، قال: وهكذا كان يفعل أبي فيروى هذا الحديث بإسناده عن أحمد بن عبد الرشيد اهـ.
قال السخاوى: ويعارضه حديث جابر مرفوعا "يوم الأربعاء يوم نحس مستمر"، أخرجه الطبرانى في الأوسط، ونحوه ما يروى عن ابن عباس: أنه لا أخذ فيه ولا عطاء، وكلها ضعيفة، وبلغنى عن بعض الصالحين ممن لقيناه أنه قال:"شكت الأربعاء إلى اللَّه سبحانه تشاؤم الناس بها فمنحها أنه ما ابتدئ بشئ فيها إلا تم"(1) اهـ.
(1) انظر لسان الميزان 5/ 221، في ترجمة محمد بن عبد اللَّه أبو رجاء الحبطى.
قلت: وحديث ابن عباس الذي أشار إليه رواه أبو يعلى في مسنده [4/ 479، رقم 2612]:
ثنا عمرو بن الحصين ثنا يحيى بن العلاء ثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن ابن عباس قال: "يوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الاثنين يوم سفر، ويوم الثلاثاء يوم دم، ويوم الأربعاء يوم لا أخذ ولا عطاء فيه، ويوم الخميس يوم دخول على السلطان، ويوم الجمعة يوم تزويج وباءة".
عمرو بن الحصين متروك، ويحيى بن العلاء كذاب.
وورد من حديث أبي سعيد مرفوعا رواه تمام في فوائده:
حدثنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن راشد ثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد ثنا سلام بن سليمان أبو العباس ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفى عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق، ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس، ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء، ويوم الخميس يوم طلب الحوائج ودخول على السلطان، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح"، سلام وشيخه وشيخ شيخه كلهم ضعفاء.
وروى ابن الجوزى في الموضوعات [2/ 71] من طريق عبد الرحمن بن خالد الزاهد السمرقندى:
حدثنى يحيى بن عبد اللَّه عن أبي معاوية الرملى عن أبي هريرة مرفوعا "يوم السبت يوم مكر ومكيدة، قالوا: ولم ذاك يا رسول اللَّه؟، قال: إن قريشا أرادوا أن يمكروا فيه فأنزل اللَّه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30]، ويوم الأحد يوم بناء وغرس، قالوا: ولم ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: لأن الجنة
بنيت وغرست فيه، ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة، ويوم الثلاثاء يوم دم قالوا: ولم ذاك؟، قال: لأن ابن آدم قتل أخاه فيه، ويوم الأربعاء يوم نحس، وفيه أرسل اللَّه الريح على قوم عاد، وفيه ولد فرعون، وفيه ادعى الربوبية، وفيه أهلكه اللَّه، ويوم الخميس يوم دخول على السلطان وقضاء الحوائج، قالوا: ولم يا رسول اللَّه؟ قال: لأن إبراهيم خليل الرحمن دخل على ملك مصر فرد عليه امرأته وقضى حوائجه، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح، قالوا: ولم يا رسول اللَّه؟ قال: لأن الأنبياء ينكحون ويخطبون فيه لبركة يوم الجمعة".
قال ابن الجوزى: موضوع فيه ضعفاء ومجاهيل ويحيى ليس بشيء، وكذا السمرقندى اهـ.
وسيأتى في حرف "الحاء" حديث فيه "ما يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء" وهو حديث واه خرجه ابن ماجه [2/ 1554، رقم 3488] والحاكم [4/ 211، رقم 7479] وغيرهما، وسيأتى الكلام عليه إن شاء اللَّه تعالى.
7/ 9 - "آدمُ في السماءِ الدُّنيا تُعرَضُ عليه أعمالُ ذريتِهِ، ويوسفُ في السماءِ الثانيةِ، وابنا الخالةِ يَحْيَى وعيسى في السماءِ الثالثةِ، وإدريسُ في السماءِ الرابعةِ، وهارونُ في السماءِ الخامسةِ، وموسى في السماءِ السادسةِ، وإبراهيمُ في السماءِ السابعةِ". ابن مردويه عن أبي سعيد
قلت: هذه رواية مختصرة من حديثه الطويل في الإسراء، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقى في دلائل النبوة [2/ 367] من طرق متعددة كلها ترجع إلى أبي هارون العبدى عن أبي سعيد، وأبو هارون العبدى ضعيف
وحديثه في الإسراء فيه غرابة ونكارة، لكن ذكر الأنبياء المذكور هنا ورد مثله في حديث مالك بن صعصعة المخرج في مسند أحمد [4/ 207] والصحيحين (1)، وليس فيه مخالفة إلا في ذكر يوسف وابنى الخالة يحيى وعيسى، فإن في حديث مالك المذكور أن في الثانية يحيى وعيسى وفى الثالثة يوسف، وحديث أبي سعيد بعكس ذلك والباقى سواء، وقد وقع في روايات أنس في الصحيحين اختلاف في ذلك.
قال الحافظ في الكلام [على] حديث مالك بن صعصعة المروى من طريق قتادة عن أنس عنه ما نصه: وقد توافقت هذه الرواية مع رواية ثابت عن أنس عند مسلم أن في الأولى آدم وفى الثانية يحيى وعيسى، وفى الثالثة يوسف، وفى الرابعة إدريس، وفى الخامسة هارون، وفى السادسة موسى، وفى السابعة إبراهيم"، وخالف ذلك الزهرى في روايته عن أنس عن أبي ذر أنه لم يثبت أسماءهم وقال فيه: "وابراهيم في السماء السادسة"، ووقع في رواية شريك عن أنس: "أن إدريس في الثالثة، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة"، وسياقه يدل على أنه لم يضبط منازلهم أيضا كما صرح به الزهرى، ورواية من ضبط أولى، ولاسيما مع اتفاق قتادة وثابت، وقد وافقهما يزيد ابن أبي مالك عن أنس إلا أنه خالف في إدريس وهارون، فقال: "هارون في الرابعة، وإدريس في الخامسة"، ووافقهم أبو سعيد إلا أن في روايته "يوسف في الثانية، وعيسى ويحيى في الثالثة" والأول أثبت (2) اهـ.
(1) البخارى (4/ 133، رقم 3207)، مسلم (1/ 149، 150، رقم 164/ 264، 265).
(2)
انظر فتح البارى (7/ 210، تحت حديث رقم 3787).
8/ 10 - "آفَةُ الظرْفِ الصَّلَفُ، وآفَةُ الشَّجَاعَة البَغْىُ، وآفَةُ السَّمَاحَةِ المَن، وآفة الجَمَالِ الخُيلَاءُ وآفَةُ العِبَادَة الفَتْوَةُ وآفَةُ الحَدِيثِ الكَذِبُ وآفَةُ العِلْمِ النِّسْيَانُ وآفَةُ الحِلْمِ السَّفَهُ وآفَةُ الحَسَبِ الفَخْرُ وآفَةُ الجُودِ السرْفُ". (هب) وضعفه عن على
قال الشارح وفيه كذاب وبين في الكبير اسم الكذاب، فقال: ثم إن اقتصار المؤلف على عزو تضعيفه للبيهقى يؤذن بأنه غير موضوع وقد رواه الطبرانى بتقديم وتأخير عازيا لعلى أيضا، وتعقبة الهيثمى بأن فيه أبا رجاء الحبطى وهو كذاب، وبما تقرر عرف خطأ من زعم -كبعض شراح الشهاب- أنه حسن.
قلت: الحديث رواه البيهقى في شعب الإيمان في الباب الثالث والثلاثين مطولا من طريق محمد بن عبد اللَّه أبي رجاء الحبطى:
ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث عن على مرفوعا: "لا مال أعوز من العقل ولا فقر أشد من الجهل ولا وحدة أشد من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق ولا عبادة كالتفكر وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان"، الحديث، وقال: تفرد به الحبطى عن شعبة وليس بالقوى.
وقال القضاعى في مسند الشهاب [2/ 38، رقم 836]:
أخبرنا أبو الحسن محمد بن إسحاق القُهُستانى أنبأنا أبو الحسن على بن الحسن ابن القاسم بن الفضل بن حسان الدميمى ثنا محمد بن عبد اللَّه بن سليمان ابن جعفر مطين ثنا على بن المنذر ثنا يحيى بن سعيد الزيات ثنا محمد بن عبد اللَّه أبو رجاء الحبطى من أهل تستر ثنا شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق عن
الحارث عن على عليه السلام قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: وذكر ذلك في حديث الوصية.
قلت: ولم يذكر الحديث بتمامه، إنما ذكر نحو ما ذكره المصنف ولفظه "آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغى، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر".
ورواه الطبرانى في الكبير [3/ 68، رقم 688]:
عن محمد بن عبد اللَّه بن سليمان مطين بسنده مطولا بتمام حديث الوصية المذكور.
وعن الطبرانى رواه أبو نعيم في الحلية [2/ 35]، ورواه ابن حبان في الضعفاء [2/ 299]، وقال: إن الحبطى روى عن شعبة عن إبى إسحاق ما ليس من حديثه اهـ.
وكأن الهيثمى [10/ 283] أخذ قوله في الحبطى أنه كذاب من هذا، وإلا فالذهبى لم يحك تكذيبه عن أحد، ولم يزد على حكاية كلام ابن حبان، وذكر له هذا الحديث، ولم يزد على ذلك أيضا الحافظ في اللسان (1).
ومع ذلك فالحديث ورد من غير طريقه، قال ابن بابويه في كتاب التوحيد:
ثنا أبو الحسن على بن عبد اللَّه بن أحمد الأصبهانى ثنا مكى بن أحمد بن سعدويه البردعى ثنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكى ثنا محمد بن الأشرس ثنا إبراهيم بن نصر ثنا وهب بن وهب أبو البخترى ثنا
(1) انظر لسان الميزان (5/ 221) في ترجمة محمد بن عبد اللَّه أبو رجاء الحبطى.
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا على إن اليقين أن لا تُرضى أحدا بسخط اللَّه، ولا تحمدن أحدًا على ما آتاك اللَّه، ولا تلومن أحدًا على ما لم يؤتك اللَّه فإن الرزق لا يجره حرص حريص، ولا يخرجه كراهة كاره فإن اللَّه عز وجل بحكمته وفضله جعل الروح والفرج في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، فإنه لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعوز من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاروة ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وذكره، لكن وهب بن وهب كذاب، ومحمد بن أشرس متهم.
وله طريق آخر، قال القضاعى [1/ 79، رقم 75]:
أخبرنا أبو الحسن على بن خلف الواسطى ثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين ثنا أبو عبد الرحمن عبد اللَّه بن الحسن بن نصر الواسطى ثنا إسحاق بن وهب العلاف الواسطى ثنا أبو عبد الملك بن يزيد أنبأنا حماد (1) بن عمرو النصيبى أبو إسماعيل عن السرى بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن على عليه السلام، قال:"دعانى رسول صلى الله عليه وسلم" وذكر وصيته لعلى، وذكر الحديث وفيه زيادة:"وآفة الجود السرف، وآفة الدين الهوى"، وعبد الملك بن يزيد مجهول، والسرى بن خالد، قال الأزدى: لا يحتج به.
وله طريق ثالث أيضا، قال الديلمى في مسند الفردوس:
(1) في الأصل: "كمال بن عمرو"، وفى مسند الشهاب:"عمرو بن حماد" وكلاهما تصحيف عن حماد بن عمرو النصيبى، وانظر الجرح والتعديل (4/ 284)، الميزان (1/ 598)، اللسان (2/ 350، 351) واللَّه أعلم.
أخبرنا أبي أخبرنا أبو الفرج على بن محمد البجلى أخبرنا ابن لال أخبرنا أحمد بن الحسن بن ماجه ثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا محمد بن بكير الحضرمى حدثنا الحسين بن عبد الحميد الكرجى عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن على مرفوعا: "آفة الظرف الصلف وآفة الشجاعة البغى وآفة السماحة المن وآفة الجمال الخيلاء وآفة العبادة الفترة".
ومن طريق أخرى: "وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه وآفة الحسب الفخر وآفة الجود السرف"، رجال هذا السند من فوق ابن لال لم أعرف منهم أحدا.
9/ 11 - "آفَةُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ: فقَيِهٌ فَاجِرٌ، وَإِمَامٌ جَائِرُ، وَمُجْتهَدٌ جَاهِل". (فر) عن ابن عباس
قلت: الحديث رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان [2/ 328] في ترجمة نهشل ابن سعيد:
ثنا محمد بن أحمد بن عبد الوهاب ثنا عامر بن إبراهيم بن عامر قال: وجدت في كتاب جدى بخطه سمعت نهشل بن سعيد الترمذى يحدث عن الضحاك عن ابن عباس به.
ومن طريق أبي نعيم رواه الديلمى، فقال:
أخبرنا الحداد أخبرنا أبو نعيم به، قال الحافظ في زهر الفردوس: فيه ضعف وانقطاع.
قلت: لأنه وجادة، ولأن الضحاك قيل: إنه لم يسمع من ابن عباس، ومن الغريب اقتصار الحافظ في الحكم على هذا الحديث بالضعف مع أنه انفرد به
وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال النسائى وأبو حاتم: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
وقال أبو سعيد النقاش: روى عن الضحاك الموضوعات، وضعفه آخرون، وحكم ابن الجوزى بوضع أحاديث وأعلها به، وكذلك فعل المؤلف في ذيل اللآلئ في كتاب التوحيد وكتاب المبتدأ والطهارة والجامع منه، فكان من الواجب أن يحكم بوضع هذا أيضا وأن لا يورده في الكتاب الذي صانه عما انفرد به كذاب، وقد حكى الشارح في الكبير عنه أنه قال في "درر البحار": إن سنده واه.
10/ 12 - "آفَةُ العِلْم النسْيَانُ وإضاعَتُهُ أنْ تحُدِّثَ بِهِ غَيْر أَهْلِهِ". (ش) عن الأعمش مرفوعا معضلا
وأخرج صدره فقط عن ابن مسعود موقوفا.
قلت: التعبير بالمعضل فيما رفعه الأعمش بدون واسطة لا يوافق عليه الاصطلاح وإن كان صحيحا في المعنى، لأن الأعمش تابعى بلا خلاف، لرؤيته أنس بن مالك وابن أبي أوفى وأبا بكرة، وإنما الخلاف في سماعه منهم، والتابعى إذا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحديثه مرسل لا معضل بقطع النظر عن تعدد الوسائط، فكم من تابعى كبير روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطتين فأكثر ومع ذلك فلا يقال لحديثه إلا المرسل، نظرا لرتبته لا لروايته.
ولهذا عبر السخاوى في المقاصد الحسنة [ص 39، رقم 2] عن هذا الحديث بقوله عن الأعمش معضلا أو مرسلا، وكذلك فعل الحافظ في حديث ذكره عن الزهرى في الأطعمة فقال: وهذا مرسل أو معضل اهـ. لأنه بالنظر إلى المعنى معضل وبالنظر إلى الرتبة مرسل، والأخير هو المعتبر في الاصطلاح.
أما الحديث فقال ابن أبي شيبة [8/ 546، رقم 6190]:
ثنا وكيع ثنا الأعمش/ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "آفة العلم النسيان وإضاعته أن تحدث به غير أهله".
وقال أيضا [8/ 546، رقم 6191]:
حدثنا وكيع عن أبي العميس عن القاسم قال: قال عبد اللَّه -يعنى ابن مسعود-: آفة العلم النشان.
وروى هذا الأخير الموقوف البخارى في التاريخ الكبير [1/ 265، رقم 844] في ترجمة محمد بن يوسف الفريابى عنه قال:
حدثنا سفيان عن طارق بن عبد الرحمن عن حكيم بن جابر عن ابن مسعود قال: لكل شيء آفة وآفة العلم النشان.
وروى الدارمى في مسنده هذه الآثار الثلاثة أيضا فقال [1/ 158، رقم 624].
أخبرنا عبد اللَّه بن سعيد ثنا أبو أسامة عن الأعمش مرفوعا مثله.
وقال [1/ 158، رقم 622]: أخبرنا جعفر بن عون أنبأنا أبو العميس عن القاسم قال: قال عبد اللَّه: "آفة الحديث النسيان".
وقال [1/ 158، رقم 623]: أخبرنا محمد بن يوسف بمثل ما رواه عنه البخارى.
وقد سبق هذا الحديث موصولا من حديث على عليه السلام في حديث: "آفة الظرف الصلف".
11/ 13 - "آكِلُ الرِّبَا وموكله وَكَاتبُهُ وَشَاهِدَاهُ إِذَا عَلموا ذَلِكَ، وَالوَاشِمَةُ وَالموشُوَمةُ لْلحْسنِ وَلَاوِى الصَّدَقَةِ وَالمُرْتَدُّ اعْرَابِيًا بَعْدَ الهِجْرَةِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَد يَوْمَ القِيَامَةِ". (ن) عن ابن مسعود
قال الشارح في الصغير: عن ابن مسعود، وهو ضعيف لضعف الحارث الأعور.
وقال في الكبير: فيه الحارث الأعور.
قال الهيثمى بعد عزوه لأحمد وأبي يعلى والطبرانى: وفيه الحارث الأعور ضعيف وقد وثق، وعزاه المنذرى لابن خزيمة وابن حبان وأحمد ثم قال: رووه كلهم عن الحارث الأعور عن ابن مسعود، إلا ابن خزيمة فعن مسروق عن ابن مسعود وإسناد ابن خزيمة صحيح اهـ. فأهمل المصنف الطريق الصحيح وذكر الضعيف ورمز لصحته فانعكس عليه، والحاصل أنه روى بإسنادين أحدهما صحيح والآخر ضعيف، فالمتن صحيح اهـ.
قلت: في هذا أمور، أولها: أن النسائى لم يخرج الحديث في السير كما قال الشارح، بل خرجه في كتاب الزينة (1)، وليس في سنن النسائى الصغرى التي يعزى إليها بإطلاق -كما هو مقرر معروف- كتاب مترجم بكتاب السيرة أو السير.
ثانيها: أنه جزم في الشرح الكبير بأن المتن صحيح، ثم أطلق في شرحه الصغير القول بأنه ضعيف، ولم يقيد ذلك بالطريق المذكورة في الكتاب على أن مهمته هى/ تعريف رتبة الحديث بإطلاق لا بخصوص الطريق المذكورة في
(1) انظر السنن الكبرى (5/ 423، 424، رقم 9389، 9390).
الكتاب، لأن ذلك من شأن كتب العلل والجرح والتعديل وصناعة أهلها لا من شأن الشروح المبينة للأحاديث ومعانيها ومراتبها التي يترتب عليها الأحكام ردا وقبولا ونفيا واثباتا.
ثالثها: أنه انتقد على المصنف الحكم للحديث بالصحة، ثم رجع إلى ذلك فجزم بأنه صحيح تقيلدا للحافظ المنذرى، فأقر ما أنكر وأثبت ما نفى في موضوع واحد.
رابعها: أن الحكم الذي نقله عن الحافظ المنذرى فيه نظر، فإن الحديث رواه البيهقى [9/ 19] أيضا من طريق يحيى بن عيسى الرملى عن الأعمش عن عبد اللَّه بن مرة عن مسروق عن عبد اللَّه ثم قال البيهقى: تفرد به يحيى بن عيسى هكذا.
ورواه الثورى وغيره عن الأعمش عن عبد اللَّه بن مرة عن الحارث.
قلت: ممن وافق الثورى على ذلك شعبة وأبو معاوية ويحيى بن سعيد ووكيع
فرواية الثورى ويحيى بن سعيد ووكيع في مسند أحمد [1/ 409، 430].
ورواية شعبة في مسند أحمد [1/ 393] وسنن النسائى [8/ 147].
ورواية أبي معاوية في مسند الطيالسى [ص 53، رقم 401]، وهؤلاء كلهم أوثق وأرجح من يحيى بن عيسى الرملى لو خالفه واحد منهم فكيف بجميعهم؟!.
بل يحيى بن عيسى ضعيف، وإن خرج له مسلم، فقد قال الدورى عن ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائى: ليس بالقوى، وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، فرجع الحديث إلى رواية الحارث الأعور.
واتضح أن رواية ابن خزيمة معلولة، وأن الحافظ المنذرى رضى اللَّه عنه لم يتنبه لذلك فسقط تقليد المناوى إياه.
خامسها: وإذ رجع الحديث إلى الحارث فإنه اضطرب فيه فقال مرة: عن ابن مسعود كما سبق، وقال مرة: عن على عليه السلام، وأرسله مرة أخرى.
قال النسائى [8/ 147]:
أخبرنى زياد بن أيوب حدثنا هشيم قال أنبأنا حصين ومغيرة وابن عون عن الشعبى عن الحارث عن على: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه ومانع الصدقة، وكان ينهى عن النوح".
ورواه أيضا [8/ 147] من طريق يزيد بن زريع قال:
حدثنا ابن عون عن الشعبى عن الحارث قال: "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والواشمة والمتوشمة، قال: إلا من داء؟ قال: نعم، والحال والمحلل له، ومانع الصدقة، وكان ينهى عن النوح، ولم يقل: لعن".
نعم يجوز أن يكون الحارث سمع الحديث من على وابن مسعود فحدث به كل منهما، ويؤيده ورود الحديث عن ابن مسعود من طرق أخرى في مسند أحمد [1/ 393، 394] وصحيح مسلم [3/ 1219، رقم 1598/ 106]، والسنن الأربعة (1) لكن مختصرا بلفظ:"لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه"، ووقع في صحيح مسلم [3/ 1218، رقم 1597/ 105] من حديث مغيرة قال: سأل شِباكٌ إبراهيمَ فحدثنا عن علقمة عن عبد اللَّه قال: "لعن
(1) أبو داود (3/ 241، 242، رقم 3333)، الترمذى (3/ 503، رقم 1206)، النسائى (8/ 147)، ابن ماجه (2/ 764، رقم 2277).
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، قال: قلت: وكاتبه وشاهديه؟ قال: إنما نحدث بما سمعنا"، ولما رواه الترمذى قال: وفى الباب عن عمر وعلى وجابر، فدل على أن الحديث واراد عن ابن مسعود وعلى وأن الحارث سمعه منهما واللَّه أعلم.
سادسها: أن الحافظ الهيثمى واهم في إيراده هذا الحديث في مجمع الزوائد [4/ 118]، لأنه في سنن النسائى باللفظ الذي ذكره ومن نفس الطريق أيضا فليس هو من الزوائد، فكان ينبغى للشارح إذ نقل كلامه أن يتعقبه، لأنه يرى الحديث في المتن المشروح له معزوا للنسائى وهو رحمه الله كثير التعقب بمثل هذا والتشنيع به على المصنف، لا يكاد يغمض عينه عنه مرة.
12/ 14 - "آكُل كَمَا يَأكُلُ العَبْدُ وَأجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ العَبْدُ". ابن سعد (ع. حب) عن عائشة
قلت: قال ابن سعد:
أخبرنا هاشم بن القاسم ثنا أبو معشر عن سعيد المقبرى عن عاثشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "يا عائشة لو شئت لصارت معى جبال الذهب أتانى مَلَكٌ وإن حجزته لتساوى الكعبة فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا، فأشار إلى جبريل ضع نفسك فقلت: نبيا عبدا، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل متكئا، ويقول: آكل كما يأكل" الحديث.
وفى الباب عن البراء بن عازب وأبي هريرة وأنس وابن عمر وابن عباس وعبد اللَّه بن بسر، ومرسلا عن يحيى بن أبي كثير وعطاء بن أبي رباح والحسن وعبد اللَّه بن عبيد والزهرى وعطاء بن يسار وغيرهم.
فأما حديث البراء فقال الديلمى:
أخبرنا والدى أخبرنا موسى بن محمد البقال أخبرنا ابن سلمة أخبرنا إبراهيم ابن محمد المرى أخبرنا أحمد بن محمد الأزهرى ثنا حفص بن عبد الواحد ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدى ثنا المثنى بن رفاعة، عن الأعمش عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد ابن عبد أجلس جلسة العبد وآكل أكل العبد"(1).
وأما حديث أبي هريرة فقال الديلمى أيضا [1/ 417، رقم 1367]:
أخبرنا محمد بن الحسين الثقفى إجازة أخبرنا أبي أخبرنا الفضل بن الفضل الكندى ثنا زكريا الساجى ثنا سهل بن بحر ثنا عبد اللَّه بن رشيد ثنا أبو عبيدة عن قتادة (2) عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه أتى بهدية فلم يجد شيئا يضعها عليه قال: ضعها على الحصى يعنى الأرض، ثم نزل فأكل ثم قال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب العبد".
وأما حديث أنس فرواه ابن عدى في الكامل [5/ 334]، وسيأتى عند المصنف في حرف "إنما".
وأما حديث ابن عمر فقال أبو نعيم في التاريخ [2/ 273]:
ثنا عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه بن الموفق أبو عمر إملاء حدثنى أبي ثنا أحمد ابن عمرو البزار ثنا أحمد بن المعلى أبو بكر الآدمى ثنا حفص بن عمار ثنا
(1) لم أجده في فردوس الأخبار المطبوع، إلا أنى وجدت الحافظ ابن حجر في تسديد القوس بهامش الفردوس (1/ 417) تحت حديث "إنما أنا عبد. . " يقول: وقد تقدم في "أنا عبد ابن عبد" اهـ.
(2)
في الأصل: "عن قتادة، عن قتادة" بالتكرار.
مبارك بن فضاله عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد".
وأما حديث ابن عباس فرواه النسائى [7/ 49] والبيهقى [4/ 171، رقم 6743] في سننيهما الكبرى بنحو حديث عائشة إلا أنه ليس فيه لفظ المرفوع هنا، بل فيه "فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقى ربه عز وجل".
وأما حديث عبد اللَّه بن بسر فرواه ابن ماجه [2/ 1086، رقم 3263] والطبرانى والبيهقى [7/ 283] بسند حسنه الحافظ من رواية محمد بن عبد الرحمن بن عرق عن عبد اللَّه بن بسر قال: "أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ركبتيه يأكل فقال أعرابى: ما هذه الجلسة؟ فقال: إن اللَّه جعلنى عبدا كريما ولم يجعلنى جبارا عنيدا"(1).
وأما مرسل يحيى بن أبي كثير فقال ابن سعد:
أخبرنا محمد بن مقاتل الخراسانى أنا عبد اللَّه بن المبارك أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس محتفزا.
وأما مرسل عطاء بن أبي رباح فقال أحمد بن حنبل في الزهد [ص 17، رقم 19]:
ثنا محمد بن يزيد الواسطى ثنا عبدة بن أيمن عن عطاء بن أبي رباح قال: دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة وبين يديه طبق عليه رغيف قال: فوضع الرغيف على الأرض ونحى الوسادة فقال: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد".
(1) وكذلك رواه أبو داود (3/ 348، رقم 3773).
وأما مرسل الحسن، فقال أحمد في الزهد [ص 18، رقم 21] أيضا:
حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام أمر به فألقى على الأرض وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد".
وأما مرسل عبد اللَّه بن عبيد فقال ابن المبارك في الزهد [ص 53 رقم 193](1):
أخبرنا عبيد اللَّه بن الوليد الوصافى عن عبد اللَّه بن عبيد قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام فقالت له عائشة: لو أكلت يا نبي اللَّه وأنت متكئ كان أهون عليك فأصغى بجبهته حتى كاد يمس بجبهته الأرض قال: بل آكل كما يأكل العبد وأنا جالس كما يجلس العبد وأنا عبد"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس محتفزا.
وأَما مرسل الزهرى فرواه ابن سعد من حديث معمر عنه بنحو حديث عائشة، وكذلك رواه ابن بطال من طريق أيوب عن الزهرى.
وأما مرسل عطاء بن يسار فرواه ابن سعد عن سعيد بن منصور وخالد بن خداش قالا: ثنا عبد العزيز ين محمد عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة يأكل متكئا فقال له: يا محمد أكل الملوك؟! فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
ورواه ابن شاهين في. الناسخ والمنسوخ عنه مختصرا "أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه".
13/ 15 - "آلُ مُحَمَّد كُلُّ تَقِى". (طس) عن أنس
قلت: قال الطبرانى:
(1) وهو من زوائد نعيم بن حماد.
حدثنا جعفر بن إلياس بن صدقة الكباش المصرى ثنا نعيم بن حماد ثنا نوح بن أبي مريم عن يحيى بن سعيد الانصارى عن أنس بن مالك قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم من آل محمد؟ فقال: "كل تقى، وقرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} "[الأنفال: 34]، ثم قال الطبرانى: لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا نوخ تفرد به نعيم اهـ.
هكذا أسنده في الصغير [1/ 200، رقم 318] والأوسط، ورواه عنه ابن مردويه في تفسيره بهذا الإسناد، ونوح بن أبي مريم كذاب وضاعٌ، وقد حكم المؤلف بوضع أحاديث وأعلها به، لكنه لم ينفرد به فرواه الحاكم في التاريخ، قال:
أخبرنا محمد بن القاسم العتكى ثنا محمد بن أسريس ثنا عمر بن عقبة ثنا محمد بن مزاحم ثنا النضر بن محمد الشيبانى عن يحيى بن سعيد به مثله، ومحمد بن مزاحم متروك، وفيمن قبله من لا يعرف، وبهذا الإسناد يتعقب قول الطبرانى أنه لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا نوح بن أبي مريم، وقد يكون بعض الضعفاء أسقطه من الإسناد وسواه وله طريق آخر عن أنس.
قال أحمد بن عبيد الصفار في مسنده:
أخبرنا عباس بن الفضل الأسفاطى ثنا محمد بن يونس ثنا أيو هرمز نافع بن هرمز قال: سمعت أنسا يقول: قيل يا نبي اللَّه: من آل محمد؟ قال: "كل تقى".
ورواه تمام في فوائده من طريق شيبان بن فروخ عن نافع بن هرمز به.
ورواه ابن حبان في الضعفاء:
حدثنا محمد بن عبد الرحمن الشامى ثنا أحمد بن عبد العزيز بن يونس ثنا نافع
أبو هرمز به، ونافع كذاب متروك وقد حكم ابن الجوزى بوضع أحاديث أعلها به، وكذلك المصنف في الذيل، وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث، وقال النسائى: ليس بثقة، وتابعه مسلم بن إبراهيم عند العقيلى بسند ضعيف أيضا.
ورواه البيهقى في الدلائل من طريق شريك عن أبي إسحاق السبيعى عن الحارث الأعور عن على عليه السلام قال: قلت: يا رسول اللَّه من آل محمد؟ قال: "كل تقى" وسنده ساقط، وقال الحافظ السخاوى [ص 40، رقم 3]: طرقه كلها ضعيفة.
وقال الشارح في الكبير: رواه (طس)، وكذا في الصغير وكذا ابن لال وتمام والعقيلى والحاكم في تاريخه والبيهقى عن أنس فذكره، قال الهيثمى: وفيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف جدا، وقال البيهقى: هو حديث لا يحل الاحتجاج به، وقال ابن حجر: رواه الطبرانى عن أنس وسنده واه جدا، وأخرجه البيهقى عن جابر من قوله: وإسناده واه ضعيف، وقال السخاوى: أسانيده كلها ضعيفة اهـ كلام المناوى.
وبالطرق التي قدمناها يعلم ما فيه، فإن نوح بن أبي مريم ليس في أسانيد من استدركهم على المصنف، بل هو في إسناد الطبرانى وحده الذي أتى به المصنف من عنده، بل جعل ممن خرَّج حديث أنس البيهقى، وهو عنده من حديث على إلا أن يكون خرجه في موضع آخر من حديث أنس.
ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن الثورى من قوله: فقال أبو نعيم:
حدثنا أحمد بن بندار ثنا على بن رستم ثنا فضلك ثنا عصمة بن الفضل النيسابورى ثنا الحمانى قال: سألت الثورى من آل محمد؟ قال: "كل
تقى"، وهذا لو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان مؤولا جزما مقطوعا به بإجماع الأمة إذ لا تحرم الزكاة على اتقياء أمته وإنما تحرم على آله من النسب، وإذ لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل افتراه النواصب أعداء آل اليت النبوي أو ذو الأغراض الموالون لأعدائهم من الحكام، وقد استشهد له كثيرون بحديث: "إن أوليائى منكم المتقون"، وهو بعيد فإنه لا لزوم بين الآل والأولياء، فقد يكون من آل الرجل من [هو] عدو له غير ولى له، ويكون في الأباعد من هو ولى له غير عدو مع ثبوت القرابة في الأول وانتفائها في الثانى، فحديث "آل محمد كل تقى" في واد، و"إن أوليائى منكم المتقون" في واد آخر، ولهذا الموضوع بحث طويل لا يتسع له المقام، والمقصود أن حديث الباب منكر واه لا يعتضد بحديث "إن أوليائى منكم المتقون" لأنه ليس في معناه.
14/ 16 - "آلُ القُرْآنِ آلُ اللَّه". (خط) في رواة مالك عن أنس
وبين الشارح في الكبير أنه من رواية محمد بن بزيع عن مالك عن الزهري عن أنس، ثم قال: قال مخرجه الخطيب: بزيع مجهول، وفى الميزان: خبر باطل، وأقره عليه المؤلف في الأصل يعنى الجامع الكبير، وقال غيره موضوع اهـ.
قلت: الذهبى حكم على الحديث بالبطلان من جهة السند لا من جهة المتن يريد أنه باطل من رواية مالك عن الزهرى عن أنس لا أنه باطل بإطلاق، وقد ذكره المصنف أيضا بلفظ:"إن للَّه أهلين من الناس أهل القرآن هم أهل اللَّه وخاصته".
وعزاه لأحمد [3/ 127، 242] والنسائى (1) وابن ماجه [1/ 78، رقم 215] والحاكم [1/ 556، رقم 2046] من حديث أنس أيضا وكتب عليه الشارح، قال الحاكم: روى من ثلاثة أوجه هذا أجودها، وذكره أيضا بلفظ:"أهل القرآن أهل اللَّه وخاصته"، وعزاه لأبي القاسم بن حيدر في مشيخته عن على فكتب عليه الشارح إسناده حسن، فكيف يتفق هذا مع المذكور هنا من أنه باطل موضوع؟!
15/ 19 - "آمَنَ شِعْرُ أُمَيَّةَ بِنْ أبي الصَّلْتِ وَكَفَرَ قَلبُهُ".
أبو بكر بن الأنبارى في المصاحف (خط) وابن عساكر عن ابن عباس
قلت: لم أجد هذا الحديث في تاريخ الخطيب.
16/ 20 - "آمِين خَاتَمُ رَبِّ العَالمِينَ عَلَى لِسَانِ عِبَادِهِ". (عد. طب) في الدعاء عن أبي هريرة
قال الشارح: وهو كما قال المصنف في حاشية القاضى ضعيف لضعف مؤمل الثقفى اهـ.
قلت: رواه أيضا الديلمى في مسند الفردوس [1/ 501، رقم 1676]:
أخبرنا عبد الصمد بن أحمد العنبرى أخبرنا ابن بادشاه أخبرنا الطبرانى ثنا يحيى ابن أيوب ثنا سعيد بن عفير ثنا مؤمل بن عبد الرحمن الثقفى عن أبي أمية ابن يعلي عن سعيد المقبرى عن أبي هريرة به، قال الحافظ في زهر الفردوس: أبو أمية ضعيف.
قلت: وتعليله به أولى من الاقتصار على تعليله بمؤمل، فإنه أحسن حالا
(1) انظر السنن الكبرى (5/ 17، رقم 8031).
منه، على أن الشارح أعله بهما في الكبير، وهو الأليق، فقال: وفيه مؤمل الثقفى، أورده الذهبى في الضعفاء عن أبي أمية بن يعلى: الثقفى لا شيء ومن ثم قال المؤلف في حاشية الشفا: إسناده ضعيف، ولم يرمز له هنا بشيء.
كذا قال: في حاشية الشفا، والصواب ما في الصغير:"حاشية القاضى" ولعل بعض النساخ ظن أن القاضى هو عياض فكتب "الشفا" بدله والمراد به البيضاوى، فإن المؤلف ذكر ذلك في حاشيته على تفسير البيضاوى المسما "بنواهد الأبكار"، ثم إن للحديث شاهدا، قال البخارى في التاريخ الكبير [الكنى ص 32]:
قال محمد بن يوسف: ثنا صبيح (1) بن محرز الحمصى عن أبي المصبح المقرائى عن أبي زهير النميرى قال: كنا معه، فقال: اختموا بآمين فإن مثل آمين مثل الطابع على الصحيفة، وذلك أنا كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال:"اختموا بآمين فقد وجبت" -يعنى الجنة- هكذا رواه مختصرا.
ورواه أبو داود في باب التأمين وراء الإمام من سننه [1/ 244، رقم 938] من طريق الفريابى، وهو محمد بن يوسف شيخ البخارى فيه عن صبيح بن محرز عن أبي المصبح المقرائى قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميرى وكان من الصحابة فيتحدث بأحسن الحديث، وإذا دعا الرجل منا قال: اختمها بآمين، فإن آمين في الدعاء مثل الطابع على الصحيفة، قال أبو زهير: وأخبركم عن
(1) وقد وقع في المطبوع من التاريخ الكبير "صالح بن محرز" وهو تصحيف، ولا يوجد ذكر لصالح بن صبيح في تهذيب الكمال، والذي يروى عن أبي المصبح المقرائى هو صبيح بن محرز، والذي يروى عنه هو محمد بن يوسف الفريابى، انظر التهذيب (13/ 110، 111، ت 2849)، (27/ 52، ت 5726)، (34/ 294، ت 7630).
ذلك: "خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نمشى ذات ليلة فمررنا على رجل في خيمة قد ألحف في المسألة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال: أوجب إن ختم، فقال له رجل من القوم: بأى شيء يختم؟ قال: بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب، فانصرف الرجل الذي سمعه فأتى الرجل فقال: اختم بآمين يا فلان في كل شيء وأبشر".
ورواه ابن منده في الصحابة بهذا اللفظ، ثم قال: هذا حديث غريب تفرد به الفريابى اهـ.
وقال ابن عبد البر: إسناده ليس بالقائم كذا قال، ومن العجيب أن الحافظ ذكره في الإصابة [7/ 156، 994] وعزاه لابن منده، وغفل عن كونه في سنن أبي داود وفى التاريخ الكبير للبخارى.
17/ 21 - "آيَةُ الكُوْسِى رُبْعُ القرآنِ". أبو الشيخ في الثواب عن أنس
قلت: قال أبو الشيخ: حدثنا ابن أبي عاصم ثنا إبراهيم بن المنذر حدثنى ابن أبي فديك عن سلمة بن وردان عن أنس به.
ورواه الترمذى مطولا، فقال:
حدثنا عقبة بن مكرم العمى البصرى حدثنى ابن أبي فديك أخبرنى سلمة بن وردان عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: "هل تزوجت يا فلان؟، قال: لا والله يا رسول اللَّه ولا عندى ما أتزوج [به](1)، قال: أليس معك {قُلْ هُوَ اللَّهُ [أَحَدٌ] (2)} ؟ قال: بلى، قال: ثلث القرآن قال: أليس معك {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ؟ قال: بلى، قال: ربع
(1) و (2) الزيادة من جامع الترمذى.
القرآن، قال: أليس معك {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن، قال: أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} ؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن (1)، قال: تزوج تزوج".
قال الترمذى: هذا حديث حسن كذا قال مع أن سلمة بن وردان ضعيف، ووقع عنده اختصار ذكر آية الكرسى.
ورواه أحمد في مسنده [3/ 221] عن عبد اللَّه بن الحارث حدثنى سلمة بن وردان به، مثل سياق الترمذى وزاد في آخره "أليس معك آية الكرسى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن" وقد غفل الشارح عن استدراك عزو الحديث إلى أحمد والترمذى على المصنف كما هى عادته، فهذا استدراك عليه.
وقال في شرحه الكبير: فيه سلمة بن وردان، أورده الذهبى في الضعفاء والمتروكين، وقد حسنه المؤلف ولعله لاعتضاده اهـ. وليس كذلك، بل حسنه تبعا للترمذى، وإنما لم يعزه إليه لأنه يتبع اللفظ الوارد في الكتب عن الرواة واللفظ الذي أورده إنما رواه كذلك أبو الشيخ وإن كان مختصرا من الحديث الذي خرجه الترمذى وحسنه، وقد نقل تحسينه الحافظ المنذرى وصدر الحديث بـ "عن"، ولكن تعقبه بأن الحديث من رواية سلمة بن وردان وذكر أن مسلما تكلم في الحديث في كتاب التمييز.
(1) كتب في الأصل بعد قوله: "ربع القرآن. قال: بلى" كذا، والصواب حذفها وانظر جامع الترمذى، واللَّه أعلم.
18/ 22 - "آيَةُ مَا بَيْنَنَا وبَيْنَ المُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ". (تخ. هـ. ك) عن ابن عباس
قال الشارح: قال الحاكم: إن كان عثمان سمع من ابن عباس فهو على شرطهما: فقال الذهبى: لا واللَّه ما لحقه اهـ. لكن قال ابن حجر: الحديث حسن.
قلت: لو راجع الشارح سنن ابن ماجه لعرف أن الحديث عنده متصل غير منقطع وكذلك عند البخارى في التاريخ [1/ 158، 468] فإن الحاكم [1/ 472، رقم 1738] رواه من طريق محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن عثمان بن الأسود قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: من أين جئت؟ قال: شربت من زمزم فقال له ابن عباس: أشربت منها كما ينبغى؟ قال: وكيف ذاك يا ابن عباس؟ قال إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم اللَّه وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت منها فاحمد اللَّه فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "آية بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم"، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إن كان عثمان بن الأسود سمع من ابن عباس. قال الذهبى: لا واللَّه ما لحقه توفى عام خمسين ومائة وأكبر مشيخته سعيد بن جبير اهـ.
وقد بيَّنت رواية ابن ماجه أن سند الحاكم وقع فيه انقطاع، قال ابن ماجه [2/ 1017، رقم 3061]:
ثنا على بن محمد ثنا عبيد اللَّه بن موسى عن عثمان ابن الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس جالسا فجاءه رجل فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم قال: فشربت منها كما ينبغ؟، فذكر مثله، قال الحافظ البوصيرى في زوائد ابن ماجه: إسناده صحيح ورجاله موثقون اهـ.
قلت: لكنه معلول بالاضطراب، فقد اختلف فيه على عثمان بن الأسود في اسم شيخه على أقوال ذكرها البخارى والدارقطنى والبيهقى، فقال البخارى في ترجمة محمد بن عبد الرحمن أبي غرازة القرشى من التاريخ الكبير [1/ 158، رقم 468]:
حدثنى ابن منير سمع سلمة أخبرنا عبد اللَّه قال: أخبرنا عثمان بن الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم به، بالمرفوع المذكور في الكتاب فقط.
ثم قال: ثنا عبيد اللَّه بن موسى عن عثمان عن محمد بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال لى إسحاق: أخبرنا الفضل حدثنا عثمان عن عبد الرحمن بن أبي مُليكة مثله.
وقال لى يوسف: أخبرنا الفضل قال: أخبرنا عثمان عن ابن أبي مُليكة وقال عبد الرزاق: أخبرنا عبد الرحمن بن بوذويه قال: ثنا عثمان عن ابن أبي مُليكة.
وقال محمد بن الصباح: ثنا إسماعيل بن زكريا عن عثمان قال: حدثنا عبد اللَّه ابن أبي مُليكة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال الدارقطنى في سننه [2/ 288]:
ثنا عبد اللَّه بن محمد البغوى ثنا محمد بن بكار بن الريان ثنا إسماعيل بن زكريا أبو زياد عن عثمان بن الأسود حدثنى عبد اللَّه بن أبي مُليكة قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فذكر الحديث.
ثم قال: حدثنا محمد بن مخلد ثنا أحمد بن منصور الرمادى ثنا محمد بن
الصباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن عثمان بن الأسود حدثنى عبد اللَّه بن أبي مليكة عن ابن عباس نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البيهقى [5/ 147]:
أخبرنا أبو الحسن على بن محمد المقرى أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا عبد الوهاب الثقفى ثنا عثمان بن الأسود حدثنى جليس لابن عباس قال: قال لى ابن عباس: من أين جئت؟ قلت: شربت من زمزم، فذكر الحديث.
ثم قال: وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ أنبانا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفى ثنا أحمد بن يحيى الحلوانى ثنا محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له: من أين جئت؟ فذكره بنحوه، قال: ورواه الفضل بن موسى السينانى عن عثمان بن الأسود عن عبد الرحمن بن أبي مليكة، وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ أنبانا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفى ثنا عبد الصمد بن الفضل ثنا مكى بن إبراهيم ثنا عثمان بن الأسود عن محمد بن عبد الرحمن قال: جاء إلى ابن عباس رجل، فذكر مثله اهـ.
فهذا اضطراب يمنع من صحة الحديث لا سيما وهو يدل على أن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر هو ابن عبد اللَّه بن أبي مليكة أبو غرازة المكى لا محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشى أبو الثورين، والأول ضعيف مختلف فيه، ولم يدرك ابن عباس، والثانى أدركه وروى عنه كما صرح به في بعض الروايات المتقدمة لكنه ليس بابن أبي مليكة مجال الحديث كما ترى ولذلك استبعد الحكم له بالحسن كما نقله الشارح عن الحافظ واللَّه أعلم.
19/ 26 - "آيَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ المُنَافِقِينَ شُهُودُ العِشَاءِ وَالصُّبْحِ، لَا يَسْتَطِعُيونَهُمَا". (ص) عن سعيد بن المسيب مرسلا
قلت: رواه مالك في الموطأ [ص 101، رقم 5] عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمى عن سعيد ابن المسيب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونهما" أو نحو هذا.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطأ لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا، ومعناه محفوظًا من وجوه ثابتة اهـ.
20/ 27 - "آيَتَانِ هُمَا قُرْآنٌ، وَهُمَا يَشْفِيَانِ، وَهُمَا مِمَّا يُحبُّهُمَا اللَّه: الآيَتَانِ مِن آخِرِ سُوَرةِ البَقَرةِ". (فر) بن أبي هريرة
قال الشارح: ضعيف لضعف إبراهيم بن أبي يحيى.
وقال في الكبير: فيه محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجانى، فإن كان اليزدى فصدوق، أو الكيال فضعيف كما في الميزان.
قلت: المذكور في السند هو الأول، لأنه الذي يروى عنه سليمان بن إبراهيم أبو مسعود الأصبهانى الحافظ، وهو الراوى عنه في هذا الحديث.
قال الديلمى [1/ 501، رقم 1677]:
أخبرنا والدى أخبرنا سليمان بن إبراهيم ثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر ثنا محمد بن محمد بن عبد اللَّه البغدادى ثنا أحمد بن محمد بن رزيق ثنا أبو سالم بن جعثم ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة به.
قال الحافظ في زهر الفردوس: ابن أبي يحيى ضعيف اهـ.
فالصواب ما فعله الشارح في الصغير لا ما ذكره في الكبير.
21/ 28 - "ائْتِ المَعْرُوفَ وَاجْتَنِبْ المُنْكرَ، وَانْظُرْ مَا يُعْجِبُ أُذُنَكَ أَنْ يَقُولَ لَكَ القَوْمُ إِذَا قُمْتَ مِن عَنْدهِمْ فَأْتِهِ، وَانْظُرِ الَّذِي تَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لك القَوْمُ إِذَا قُمْتَ مِنْ عِنْدِهِمْ فَاجْتَنِبْهُ".
(خد) وابن سعد والبغوى والباوردى في المعرفة
(هب) عن حرملة بن عبد اللَّه بن أوس، وما له غيره
قال الشارح: وهو ضعيف لضعف عبد اللَّه بن رجاء.
وقال في الكبير: فيه عبد اللَّه بن رجاء، أورده الذهبى في ذيل الضعفاء وقال: قال الفلاس: كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة، وقال أبو حاتم: ثقة اهـ. لكن كلام الحافظ ابن حجر مصرح بحسن الحديث فإنه قال: حديثه -يعنى حرملة- في الأدب المفرد للبخارى، ومسند الطيالسى وغيرهما بإسناد حسن.
قلت: عليه فيه مؤاخذات، منها: أن الحديث لم يرو من طريق واحدة بل روى من طريقين أو ثلاث.
ومنها: أن الحديث مع تعدد طرقه ليس في واحد منها عبد اللَّه بن رجاء، وإنما في بعضها عبد اللَّه بن حسان، فلعل حسان تحرف في بعض النسخ بـ "رجاء".
قال البخارى في الأدب المفرد [ص 89، رقم 222]:
ثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد اللَّه بن حسان العنبرى ثنا حبان بن عاصم وكان حرملة أبا أمه وحدثتنى صفية ابنة عليبه ودحيبة ابنة عليبه، وكان
جدهما حرملة أبا أبيهما أنه أخبرهم عن حرملة بن عبد اللَّه أنه خرج حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكان عنده حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم. فلما ارتحل قلت في نفسى: واللَّه لآتين النبي صلى الله عليه وسلم حتى أزداد من العلم، فجئت أمشى حتى قمت بين يديه فقلت: ما تأمرنى أعمل؟ قال: يا حرملة ائت المعروف واجتنب المنكر ثم رجعت حتى جئت الراحلة ثم أقبلت حتى قمت مقامى قريبا منه فقلت: يا رسول اللَّه: ما تأمرنى أعمل؟ قال: "يا حرملة ائت المعروف واجتنب المنكر وانظر ما يعجب أذنك أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فأته، وانظر الذي تكره أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فاجتنبه، فلما رجعت تفكرت فإذا هما لم يدعا شيئا".
وقال ابن سعد [1/ 2/ 59]:
أخبرنا عفان بن مسلم ثنا عبد اللَّه بن حسان قال: حدثنى حبان بن عاصم وكان جدى أبا أمى عن حديث حرملة بن عبد اللَّه جده أبي أمه الكعبى من كعب بَلْعَنْبَرَ، وحدثتنى جدتاى صفية بنت عليبه ودحيبة بنت عليبه، وكان جدهما حرملة أن حرملة خرج حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان عنده حتى عرفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
وقال أبو نعيم في الحلية [1/ 359]:
حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنى عبد اللَّه بن حسان حدثنى حبان ابن عاصم حدثنى حرملة بن إياس به كذا أسماه حرملة بن إياس، ويقال أيضًا كما سبق.
طريق آخر، قال أبو داود الطيالسى [ص 167، رقم 1207]: حدثنا قرة بن خالد قال حدثنى ضرغامة بن عليبة بن حرملة العنبرى قال حدثنى أبي عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ركب الحى فلما أردت الرجوع قلت: يا رسول
اللَّه أوصنى قال: "اتق اللَّه وإذا كنت في مجلس وقمت منه وسمعتهم يقولون ما يعجبك فأْته فإذا سمعتهم يقولون ما تكره فلا تأته".
ورواه أبو نعيم في الحلية [1/ 358، 359] من طريق الطيالسى، فهذان طريقان ليس في واحد منهما عبد اللَّه بن رجاء.
ومنها أن عبد اللَّه بن رجاء، ذكره الذهبى في الضعفاء وذكر فيه هذا الكلام فلا حاجة إلى ذيله.
22/ 29 - "ائتِ حَرْثَكَ أنَّى شِئْتَ وأَطْعِمْها إذا طَعِمْتَ واكْسُهَا إذا اكْتَسيتَ ولا تُقبح الوجهَ ولا تَضْرِبْ".
(د) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قال الشارح: وهو ضعيف لضعف بهر اهـ.
وقال في الكبير: فيه بهز. أورده الذهبى في الضعفاء، وقال: صدوق فيه لين. وفى اللسان: ضعيف.
وحكيم، قال في التقريب: صدوق.
وسئل ابن معين عن بهر عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان مَنْ دون بهز ثقة.
ولذلك رمز المصنف لحسنه، قال: وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص ولا كذلك، بل لفظه: قال -أي معاوية ابن حيدة-: "نساؤنا ما نأتى منها وما نذر؟ قال: هى حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا لما حل عليها"، أى جاز اهـ.
قلت: هذا كلام عجيب مشتمل على أوهام:
أولها: أن اقتصاره في الصغير على تضعيف الحديث وتعليله ببهز يناقض كلامه في الكبير وتوثيقه وتصحيح حديثه عن ابن معين وإقرار المصنف على الحكم بحسنه.
ثانيها: أن المصنف أعاد هذا الحديث في حرف الحاء بلفظ: "حق المرأة" عازيا إياه للطبرانى [19/ 425، رقم 1034] والحاكم [2/ 187، رقم 2764]، فكتب عليه الشارح، قال الحاكم: صحيح وأقروه.
وقال في الكبير: قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبى، وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرَّجا لأحد من الستة والأمر بخلافه، فقد رواه أبو داود وابن ماجه في النكاح والنسائى في عشرة النساء عن معاوية المذكور، وصححه الدارقطنى في العلل، وعلقه البخارى. وممن عزاه لأبي داود النووى وغيره اهـ.
وفى هذا أوهام أيضًا، كما سيأتى بيانه في محله إن شاء اللَّه تعالى والمقصود منه اعترافه بصحته وأن الحديث واحد، وكل ذلك تناقض.
ثالثها: أن قوله في بهز: وفى اللسان، ضعيف اهـ. نقل لا أصل له فإن اللسان لا ذكر لبهز فيه ولا هو من شرطه، لأنه لا يذكر في اللسان رجال الكتب الستة وبهز من رجالها.
رابعها: أن بهزا لم ينفرد بالحديث، بل ورد من غير طريقه كما سأذكره.
خامسها: أن قوله: وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص، ولا كذلك، بل لفظه. . . إلخ، عجيب جدا ووهم غريب من جهتين: الأولى أن هذا اللفظ الذي ذكره هو لا يوجد في سنن أبي
داود أصلا وإنما الموجود ما ذكره المصنف بالحرف مع لفظ آخر لم يذكره لا المصنف ولا الشارح. الثانية أن اللفظ الذي ذكره الشارح لو كان في سنن أبي داود كذلك لكان الواجب على المصنف أن يورده في حرف الهاء، لأن صدره:"هى حرثك فأت حرثك" فكيف يورده في حرف الألف؟! فاعجب لهذه الأوهام.
وبعد، فاسمع ألفاظ الحديث وطرقه في سنن أبي داود، قال أبو داود [2/ 251، رقم 2143]:
حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى ثنا بهز بن حكيم حدثنى أبي عن جدى قال: "قلت: يا رسول اللَّه نساؤنا ما نأتى منهن وما نذر قال: ائت حرثك أنى شئت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب".
فهذا لفظ أبي داود وهو كما أورده المصنفه حرفا حرفا.
ثم رواه أبو داود من وجه آخر من غير طريق بهز فقال [2/ 251، رقم 2144]:
حدثنا أحمد ين يوسف المهلبى النيسابورى ثنا عمر بن عبد اللَّه بن رزين ثنا سفيان بن حسين عن داود الوراق عن سعيد بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده معاوية القشيرى، قال:"أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن".
ورواه البيهقى [7/ 295] من هذا الوجه مطولا من طريق أبي بكر محمد بن الحسين القطان عن أحمد بن يوسف شيخ أبي داود بسنده عن معاوية بن حيدة القشيرى قال: "أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما رفعت إليه قال: أما إنى سألت اللَّه عز وجل أن يعيننى عليكم بالسنة تحفيكم وبالرعب أن يجعله في قلوبكم،
قال: فقال: بيديه جميعا أما إنى قد حلفت هكذا وهكذا أن لا أؤمن لك ولا أتبعك، فما زالت السنة تحفينى والرعب يجعل في قلبى حتى قمت بين يديك، أفباللَّه الذي أرسلك أهو الذي أرسلك بما تقول؟ قال. نعم، قال فهو أمَركَ بما تأمرنا؟ قال: نعم، قال: فما تقول في نسائنا؟ قال: هن حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وأطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن. قال: فينظر أحدنا إلى عورة أخيه إذا اجتمعنا؟ قال: لا، قال: فإذا تفرقنا؟ قال: فضم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إحدى فخذيه إلى الأخرى ثم قال: اللَّه أحق أن يستحيا منه قال: وسمعته يقول: "يحشر الناس يوم القيامة عليهم القدام فأول ما ينطق من الإنسان كفه وفخذه".
ورواه أبو داود أيضا من وجه ثالث فقال [2/ 251، رقم 2142]:
حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أنا أبو قزعة الباهلى عن حكيم بن معاوية القشيرى عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه ما حق زوجة أحدنا عليه قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت"، قال أبو داود "ولا تقبح" أن تقول: قبحك اللَّه.
ومن هذا الوجه رواه الحاكم في المستدرك [2/ 187، 188 رقم 2764]، والبيهقى في السنن [7/ 295] عنه عن أبي النضر محمد بن يوسف الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمى ثنا موسى بن إسماعيل به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه الخطيب في الكفاية من طريق أبي جعفر محمد بن عبد الملك الدقيقى ثنا يزيد بن هارون قال: أنا شعبة عن أبي قزعة به.
ورواه أحمد [4/ 447] عن يزيد بن هارون به.
23/ 30 - "ائتوا المساجدَ حسرا ومعصّبين فإن العَمَائِمَ تيجانُ المسلمين". (عد) عن على
قال الشارح في الكبير: رواه ابن عدى من طريق ميسرة بن عبيد عن الحكم ابن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن على، قال جدنا الأعلى من قبل الأم الزين العراقى في شرح الترمذى: وميسرة بن عبيد متروك، ومن ثم رمز المؤلف لضعفه، لكن يشهد له ما رواه ابن عساكر بلفظ "ائتو المساجد حسرا ومقنعين فإن ذلك من سيما المسلمين".
قلت: إنما يكون ذلك شاهدا له لو ذكر أن ابن عساكر رواه من طريق آخر، أما مجرد المخالفة في اللفظ، فلا دلالة فيه على ذلك ولا شاهد فيه، وما ذكره عن العراقى من أن ميسرة بن عبيد متروك، كذلك وقع في النسخة ابن عبيد، وليس في الرواة ميسرة بن عبيد وإنما الموجود ميسرة بن عبد ربه وهو كذاب وضاع.
24/ 32 - "ائتَدِمُوا بالزيتِ وادَّهنُوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركةٍ". (هـ. ك. هب) عن عمر
قال الشارح: ذكر الترمذى عن البخارى أنه مرسل وأنكر كونه عن عمر.
قلت: سيأتى الكلام عليه في حرف "الكاف" إن شاء اللَّه تعالى في حديث: "كلوا الزيت وادهنوا به".
25/ 33 - "ائتدموا ولو بالماءِ". (طس) عن ابن عمر
زاد الشارح: ابن الخطاب.
وقال في الكبير: عن ابن عمرو بن العاص. وزاد عزوه إلى أبي نعيم والخطيب وتَمَّام، ونقل عن الهيثمى أنه قال: فيه غزيك بن سنان لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وعن ابن الجوزى أنه قال: حديث لا يصح، فيه مجهول وآخر ضعيف.
قلت: لعل للطبرانى فيه سندين، فقد أخرجه الخطيب من طريقه بسند ليس فيه من ذكر الهيثمى [5/ 157].
قال الخطيب [7/ 430]:
أخبرنا أبو بكر البرقانى أخبرنا الحسن بن موسى بن بندار الديلمى ببغداد وحدثنى الحسن بن سعيد بن الفضل الآدمى ثنا أبو نصر أحمد بن حمدون الخفاف وأخبرنا أبو بكر الحافظ ثنا سليمان بن أحمد الطبرانى حدثنا أحمد بن حمدون الموصلى ثنا عفيف بن سالم ثنا سفيان الثورى عن ليث عن طاوس عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ائتدموا ولو بالماء".
زاد الآدمى قال: وحدثنا عفيف عن محمد بن عبيد اللَّه العرزمى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وبهذا يعلم أن الصواب ما في الكبير، وأما الذي وقع للشارح في الصغير سبق قلم في قوله: عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب وليس في هذا السند أيضا مجهول كما قال ابن الجوزى، وإنما فيه ليث بن أبي سليم، وحاله معروف وبهذا أيضًا يعلم أن للحديث أسانيد متعددة، لأن الحافظ الهيثمى يقول: بقية رجاله ثقات.
فكأن السند الذي فيه المجهول ليس فيه ليث بن أبي سليم، بل هو سند آخر.
ثم إنى لم أجد الحديث عند أبي نعيم في الحلية، فلعله في الطب النبوى له أو غيره، فكان الواجب على الشارح تقييده بالعزو إلى الكتاب المخَرّجِ فيه.
26/ 34 - "ائتدموا من هذه الشجرة -يعنى الزيت- ومن عرضَ عليه طيبٌ فَلْيُصبْ منه". (طس) عن ابن عباس
قال الشارح: رمز المصنف لضعفه.
وقال في الكبير: قال الحافظ العراقى في شرح الترمذى وتبعه الهيثمى: فيه النضر بن طاهر وهو ضعيف، وبه يعرف ما في قول المؤلف في الكبير حسن.
قلت: إن ثبت ذلك عن المصنف فإنه رمز لضعفه نظرا لسنده على انفراده، ولحسنه باعتبار شواهده الكثيرة، فإن في هذا المعنى أحاديث كثيرة يأتى في الكتاب كثير منها، على أن النضر بن طاهر قد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ ووهم وقال البزار في مسنده: كان كثير الذكر للَّه.
وقال الذهبى في الميزان [4/ 258، رقم 9070]: قيل: كان من الصلحاء الذاكرين.
فاعتبار هذا قد يحكم لحديثه بالحسن أيضا، فكيف مع شواهده الثابتة؟!
27/ 35 - "ائتزروا كما رأيتُ الملائكة تأتزرُ عند ربِّها إلى أنصافِ سُوقِها".
(فر) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قال الشارح: من حديث عمران القطان عن المثنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال: وعمران القطان، ضعفه الذهبى.
وقال في الكبير: ثم إن عمران القطان أورده الذهبى في الضعفاء وقال: ضعفه يحيى والنسائى، والمثنى ضعفه ابن معين، وقال النسائى: متروك، وقال الزين العراقى في شرح الترمذى: فيه المثنى بن الصباح ضعيف عند الجمهور، وقال ابن حجر في زهر الفردوس: ضعيف ضعيف وكرره، والحديث رواه الطبرانى في الأوسط باللفظ المذكور عن صحابيه المزبور، قال الهيثمى عقبه: وفيه المثنى بن الصباح ويحيى بن السكن ضعيفان، وعنه ومن طريقه خرجه الديلمى، فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى.
قلت: عليه في هذا مؤاخذات، منها: أنه اقتصر في الصغير على تضعيف الحديث بعمران القطان، والاقتصار على تضعيفه بالمثنى بن الصباح أولى كما فعل الحفاظ الذين نقل هو كلامهم، فإن المثنى أضعف من عمران القطان، وعمران قد وثقه جماعة، وإنما عيب عليه شيء في الفتوى والنحلة ومنها: أن ما نقله في الكبير عن العراقى والهيثمى والحافظ والذهبى تكرار لا فائدة فيه لتداخله، بل النقل الأول عن الذهبى يكفى.
ومنها: أنه لم ينقل كلام الهيثمى بنصه بل تصرف فيه، ولعله فعل ذلك في نص العراقى، فإن الهيثمى [5/ 123] قال:
فيه المثنى بن الصباح، وثقه ابن معين وضعفه أحمد وجمهور الأئمة، حتى
قيل: إنه متروك، ويحيى بن السكن صْعيف جدا. اهـ
على أن قول الهيثمى في يحيى بن السكن: ضعيفٌ جدًا غير صواب، بل عبَّر عنه الذهبى بقوله: ليس بالقوى، وضعفه صالح جزرة اهـ.
زاد الحافظ في اللسان [6/ 259، رقم 911]: وذكره ابن حبان في الثقات [9/ 253] وقال: أصله من البصرة سكن بغداد، روى عن شعبة روى عنه أحمد بن حنبل وأهل العراق والجزيرة، وقال الدارقطنى: ضعيف.
ومنها: أن الحافظ لم يقل في زهر الفردوس: ضعيف ضعيف مرتين ولا ذلك من عادته ولا عادة أهل زمانه، وإنما هو من صنيع الأقدمين، فلعل ذلك تكرر سهوًا من قلم الناسخ في نسخة المناوى.
ومنها: أن الديلمى لم يخرج الحديث من طريق الطبرانى كما زعم المناوى بل أخرجه من طريق ابن السنى فقال [1/ 126، رقم 287]:
أخبرنا الدونى أخبرنا ابن الكسار أخبرنا ابن السنى حدثنا ابن صاعد ثنا محمد ابن حرب ثنا يحيى بن السكن عن عمران القطان عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكره، فليس في إسناده الطبرانى كما ترى، نعم عزوه إليه أولى على كل حال.
28/ 36 - "ائذنوا للنساء أن يصلين بالليل في المسجدِ". الطيالسى عن ابن عمر.
قال الشارح في الكبير: رمز -يعنى المصنف- لحسنه، وفيه إبراهيم بن مهاجر، فإن كان البجلى الكوفى فقد أورده الذهبى في الضعفاء، أو المدنى فقد ضعفه النسائى، أو الأزدى الكوفى فقد تركه الدارقطنى.
قلت: لا لزوم لهذا التردد فإن الذكور في السند هو الأول وهو إبراهيم بن
مهاجر بن جابر البجلى، لأنه الذي يروى عن مجاهد وطبقته، ويروى عنه أبو الأحوص وهذا الحديث رواه الطيالسى [ص 257، رقم 1892] عن سلام عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد عن ابن عمر به وسلام هو أبو الأحوص، فلم يبق مجال للشك في أنه إبراهيم بن المهاجر البجلى، وهو من رجال الصحيح، روى له مسلم والأربعة، ووثقه جماعة، وتكلم فيه آخرون من جهة الوهم والخطأ لا من جهة الصدف فإنه صدوف، والحديث بلفظه تقريبا مخرج في الصحيحين من حديث ابن عمر أيضا كما سيأتى بعده، فهو صحيح لا حسن فقط. وكون الذهبى أورد إبراهيم بن المهاجر في الضعفاء [1/ 67، رقم 225] لا يضر، ولا يدل على ضعفه لأنه التزم أن يورد كل من تكلم فيه.
29/ 37 - "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد". (حم. م. د. ت) عن ابن عمر
قال الشارح: ورواه عنه البخارى أيضا خلافا لما يوهمه صنيع المصنف.
قلت: هو كذلك، فقد قال البخارى في باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم من كتاب الجمعة [2/ 7، 899]:
حدثنا عبد اللَّه بن محمد ثنا شبابة حدثنا ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد".
30/ 38 - "أبي اللَّهُ أن يجعلَ لقاتلِ المؤمنِ توبةً". (طب) والضياء في المختارة عن أنس
قلت: رواه أيضا الديلمى في مسند الفردوس [2/ 439، رقم 3220] بسياق آخر فقال:
أخبرنا أبي أخبرنا يوسف بن محمد الخطيب ثنا أبو سهل عبد الصمد بن محمد ابن عبد اللَّه المروزى بهمدان سنة ست وأربعمائة أخبرنا عبد اللَّه بن عمر بن أحمد الجوهرى ثنا يحيى بن سامويه حدثنا سويد بن نصر أخبرنا ابن المبارك عن سليمان التيمى عن حميد عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "سألت ربى عز وجل هل لقاتل مؤمن من توبة؟ فأبى عليَّ".
وفى الباب عن عقبة بن مالك في حديث طويل من قصة لرجلٍ قتل رجلا في سرية بعد ما أسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم[قال]:"إن اللَّه عز وجل أبَى عليَّ من قتل مؤمنا" قالها ثلاثا.
رواه أحمد [4/ 110] والطبرانى [17/ 335، رقم 980، 981] وأبو يعلى [12/ 210، رقم 6829] والحاكم في الإيمان من المستدرك [1/ 19، رقم 47]، وقال: على شرط مسلم ووقع عند أبي يعلى عقبة بن خالد بدل ابن مالك.
31/ 39 - "أبى اللَّهُ أنْ يرزقَ عبدَه المؤمنَ إِلَّا من حيثُ لا يَحْتَسِبُ". (فر) عن أبي هريرة (هب) عن على
قلت: قال الديلمى [/ 511، رقم 1719]:
أخبرنا أبو بكر بن منده أخبرنا عمى عبد الرحمن أنا عبيد اللَّه بن محمد بن عبيد اللَّه البطرى، أنا عبد الواحد بن الحسين الجنديسابورى، ثنا الحسين بن إسحاق التسترى ثنا عمران بن خالد ثنا عمر بن راشد عن عبد الملك بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أبى اللَّه أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يعلم"، كذا رواه مختصرا، وقال: في الإسناد عبد الملك بن حرملة، وصوابه عبد الرحمن بن حرملة.
ورواه الحاكم في تاريخ نيسابور من هذا الوجه مطولا فقال:
أنبأنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن عبدة القزاز ثنا الحسن بن إسحاق التسترى ثنا عمر بن خلف المخزومى حدثنا عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما جالسا في مجلسه فاطلع على بن أبي طالب وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف فلما رآهم قد وقفوا عليه تبسم ضاحكا فقال: جئتم تسألونى عن شيء إن شتم أعلمتكم وإن شئتم فاسألونى، قالوا: بل تخبرنا يا رسول اللَّه، قال: جئتم تسألونى عن الصنيعة لمن تحق، لن ينبغى صنيع إلا لذى حسب أو دين، وجئتم تسألونى عن جهاد الضعيفين: الحج والعمرة، وجئتم تسألونى عن جهاد المرأة، فإن جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها وجئتم تسألونى عن الأرزاق من أين أبى اللَّه أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يعلم".
قال الحاكم: هذا حديث غريب الإسناد والمتن، وعبد الرحمن بن حرملة المدينى عزيز الحديث جدا اهـ.
قلت: وعمر بن راشد كذاب وضاع، وقد اضطرب في إسناده، فمرة قال: عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كما سبق، ومرة قال: عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده.
كذلك أخرجه القضاعى في مسند الشهاب [1/ 341، رقم 585] فقال:
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر التجيبى أنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى بن عبد اللَّه بن حرملة بن عمران التجيبى حدثنا جدَّى حرملة بن يحيى قال: حدثنا عمر بن راشد المدنى ثنا مالك بن
أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: "اجتمع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فتماروا في شيء فقال لهم على عليه السلام: انطلقوا بنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما وقفوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: جئنا يا رسول اللَّه نسألك عن شيء، فقال: إن شئتم فاسألوا وإن شئتم أخبرتكم" فذكر الحديث، وقد سرقه منه بعض الوضاعين.
قال ابن حبان في الضعفاء [1/ 147]:
ثنا أبو الطيب أحمد بن عبيد اللَّه الدرامى ثنا أحمد بن داود بن عبد الغفار ثنا أبو مصعب ثنا مالك به، ثم قال ابن حبان: موضوع آفته أحمد بن داود.
قلت: أي من جهة روايته عن أبي مصعب عن مالك لا من جهة المتن، فإن الذي وضعه واللَّه أعلم هو عمر بن راشد ثم سرقه منه أحمد بن داود، لأن عمر أقدم منه، على أن الحديث ورد من غير طريقهما معًا كما سيأتى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد [21/ 20]:
ثنا خلف بن القاسم ثنا إبراهيم بن أحمد الحلبى ثنا أحمد بن داود الحرانى -هو ابن عبد الغفار- به، ثم قال ابن عبد البر: هذا حديث غريب من حديث مالك، وهو حديث حسن لكنه منكر عندهم عن مالك لا يصح عنه، ولا أصل له في حديثه.
وقد حدَّث بهذا الحديث أيضا أبو يونس المدينى عن هارون بن يحيى الحاطبى عن عثمان بن عمر بن خالد بن الزبير عن أبيه عن على بن أبي طالب به، وهذا حديث ضعيف أيضا، وعثمان بن عثمان بن خالد لا أعرفه ولا الراوى عنه.
قلت: وهذا الطريق الذي أشار إليه ابن عبد البر رواه البيهقى في شعب الإيمان [2/ 74، رقم 1197]، فقال:
حدثنا أبو محمد يوسف بن الأصبهانى ثنا أبو بكر أحمد بن سعيد الإخميمى ثنا عبد الجليل بن عاصم ثنا هارون بن يحيى الحاطبى ثنا عثمان بن عمر بن خالد، وقال مرة: عثمان بن خالد بن الزبير عن أبيه عن عليٍّ به مطولا، ثم قال البيهقى: لا أحفظه على هذا الوجه إلا بهذا الإسناد، وهو ضعيف بمرة اهـ. وفيه كما سبق هارون بن يحيى الحاطبى، ذكره الحافظ في اللسان [6/ 183، رقم 645] وقال: وجدت من روايته حديثا منكرا -يريد هذا الحديث- ووقفت له على عدة أحاديث مناكير وما عرفته إلى الآن، ثم وجدته في كتاب الضعفاء للعقيلى، فقال: مدنى لا يتابع على حديثه.
وأخرج الطبرانى من طريقه ثم من حديث زيد بن ثابت حديثا في قصة الأعرابى الذي اتهم بسرقة البعير، فدعا بدعاء فيه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فشهد البعير ببراءته، وهو حديث طويل ظاهر النكارة اهـ.
وكذلك حديث الباب، فكان ينبغى حذفه من هذا الكتاب.
32/ 40 - "أبى اللَّه أن يقبلَ عملَ صاحبِ بدعةٍ حتى يدعَ بدعتهُ". (هـ) وابن أبي عاصم في السنة عن ابن عباس
قلت: قال ابن ماجه [1/ 19، رقم 50]:
حدثنا عبد اللَّه بن سعيد ثنا بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد عن أبي المغيرة عن ابن عباس به.
ورواه الطبرانى فقال: حدثنا فطين ثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي به.
ورواه الديلمى من طريق أبي الشيخ: ثنا ابن أبي حاتم ثنا الأشج هو عبد اللَّه بن سعيد حدثنا بشر بن منصور الخياط -وكان ثقة- به.
ومن هذا الوجه -أعنى من طريق ابن أبي حاتم- رواه الخطيب في
التاريخ [13/ 186] عن مهدى بن محمد بن العباس الهاشمى ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد الحاجى ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا أبو سعيد عبد اللَّه بن سعيد الأشج الكندى به.
ومن هذا الوجه رواه جماعة، وبشر بن منصور ومن فوقه لا يعرفون.
33/ 41 - "أبى اللَّه أن يجعلَ للبلى سلطانا على بدن عبده المؤمنِ". (فر) عن انس
قلت: هذا حديث موضوع انفرد به كذاب، فكان على المصنف أن لا يورده في هذا الكتاب لاسيما وقد حكم هو نفسه بوضعه فأورده في ذيل اللآلئ من عند الديلمى [1/ 512، رقم 1720] من رواية القاسم بن إبراهيم الملطى عن أبي أمية المبارك بن عبد اللَّه عن مالك عن ابن شهاب عن أنس به.
ثم قال: قال الخطيب [12/ 446 رقم 6921]: الملطى كذاب يضع الحديث، روى عن أبي أمية عن مالك عجائب من الأباطيل، وقال غيره: أبو أمية المبارك، أحد المجهولين.
34/ 43 - "ابتغوا الرفعةَ عند اللَّه، تحلَمُ عمن جهلَ عليك وتُعطى من حَرَمَك". (عد) عن ابن عمر
قال الشارح: ضعيف لضعف الوازع بن نافع.
قلت: الوازع يروى عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه وعن نافع عن سالم أيضا، وقد اختلف عليه في هذا الحديث، فرواه ابن عدى [7/ 96] عنه من هذا الوجه.
ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان من طريقه، فذكره بإسناد آخر، قال أبو نعيم [1/ 159]:
ثنا أحمد بن محمد بن موسى ثنا عبدان بن أحمد ثنا أيوب الوزان ثنا عثمان بن عبد الرحمن ثنا الوارع عن أبي سلمة عن أبي أيوب قال: "وقف علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ابتغوا الرفعة عند اللَّه، قلنا: وما هى يا رسول اللَّه؟ قال: تحلم عمن جهل عليك وتصل من قطعك وتعطى من حرمك".
لكن للحديث شواهد كثيرة: منها، حديث أبي هريرة بلفظه، قال ابن أبي الدنيا في الحلم [ص 20، رقم 4]:
حدثنى إدريس بن الحكم العمرى ثنا محمد بن عمر المدنى ثنا عبد الملك بن الحسن عن عبد اللَّه بن أبي سفيان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابتغوا الرفعة عند اللَّه قالوا: وما هى يا رسول اللَّه؟ قال: تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتحلم عمن جهل عليك".
35/ 44 - "ابتغوا الخيرَ عند حسانِ الوجوهِ". (قط) في الأفراد عن أبي هريرة
قلت: قد استوعبت طرق هذا الحديث في كتاب "الحسن والجمال"(1) ويأتى الكلام عليه إن شاء اللَّه تعالى في حديث "اطلبوا الخير" فإنه بذلك اللفظ أشهر.
(1) للمؤلف رحمه الله جزء في هذا لحديث سمَّاه في موطن آخر "جمع الطرق والوجوه لحديث اطلبوا الخير عند حسان الوجوه".
36/ 45 - "أَبْدِ المودةَ لمن وادَّك فإنها أثبتُ". الحارث بن أبي أسامة (طب) عن أبي حميد الساعدى
قال الشارح: قال الهيثمى: وفيه من لم أعرفهم اهـ.
زاد في الكبير: وحينئذٍ فرمز المؤلف لحسنه عليل.
قلت: قال الحارث بن أبي أسامة:
حدثنا داود بن رشيد ثنا عمر بن حفص عن أبي محمد الأنصارى الساعدى عن يزيد عن أبي حميد الساعدى به فالذين لم يعرفهم الحافظ نور الدين هو أبو محمد الأنصارى وشيخه.
أما عمر بن حفص فالظاهر أنه الأشقر البخارى، وقد قال فيه السليمانى: فيه نظر، وذكر الذهبى أنه يروى عن محمد بن عبد اللَّه الأنصارى، فيحتمل أيضا أن يكون هو المذكور في الإسناد، وعلى كل فالحكم بحسنه غريب.
37/ 46 - "ابدأْ بنفسك فتصدّق عليها، فإنْ فَضَلَ شيءٌ فلأهْلِكَ، فإن فَضَلَ شيءٌ عن أهِلك فلذى قرابَتِكَ، فإن فَضَلَ عن ذي قرابَتِك شيء فهكذا وهكذا". (ن) عن جابر
قال الشارح: ورواه عنه مسلم أيضا.
قلت: هو كذلك فقد رواه مسلم [2/ 692، رقم 997/ 41] من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: " أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "ألك مال غيره؟ فقال: لا، فقال من يشتريه منى؟ فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه العدوى بثمانمائة درهم، فجاء بها
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فَضَلَ شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك".
وبهذا اللفظ رواه أيضا النسائى عن قتيبة عن الليث.
وفى الباب عن جماعة.
38/ 47 - "ابدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". (طب) عن حكيم بن حزام
قال الشارح: وفيه من لا يعرف.
وقال في الكبير: رمز المؤلف لصحته، وليس كما قال، فقد قال الهيثمى: فيه أبو صالح مولى حكيم ولم أجد من ترجمه.
قلت: لا أصل لهذا التعقب، فإن الحديث صحيح من وجوه:
أحدها: أنه في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام (1) أيضا، وانما لم يعزه المصنف إليهما لأنه عندهما فيه زيادة، وأوله عندهما:"ليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى ومن يستعف يعفه اللَّه ومن يستغن يغنه اللَّه".
وهكذا رواه أحمد [3/ 402] والدرامى [2/ 400] والنسائى [5/ 69] والبيهقى [4/ 177] وجماعة.
ثانيها: أن الحديث له عن حكيم بن حزام طرق متعددة، فإذا كان في أحدها من لا يعرف فله أخرى معروفة الرجال في الصحيحين وغيرهما، ومنها ما عند
(1) البخارى (2/ 152، رقم 1472)، مسلم (2/ 717، رقم 1034/ 95).
القضاعى [2/ 221، 1227] من طريق على بن عبد العزيز البغوى في معجمه:
ثنا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة يذكر عن حكيم بن حزام به.
ثالثها: أنه لا يلزم من عدم معرفة النور الهيثمى لرجل ووجد (1) ترجمته أن لا يعرفه غيره ولا يجد له ترجمة، فقد يجدها غيره ويقف على ما لم يقف عليه.
رابعها: أن الحديث له طرق متعددة عن جماعة من الصحابة غير حكيم بن حزام منهم أبو هريرة وابن عمر وجابر وأبو أمامة وطارق المحاربى وابن مسعود وجابر بن سمرة وثعلبة بن زهدم وأكثرها صحيحح السند منها ما هو مخرج في الصحيح أيضا وقد أوردتها بأسانيدها وطرقها في مستخرجى على مسند الشهاب، ونشير إليها هنا باختصار: فحديث أبي هريرة رواه أحمد [2/ 230، 245، 278، 319] والبخارى [2/ 151، رقم 1470] وأبو داود [2/ 132، 1676] والترمذى [3/ 55، رقم 680] والنسائى [5/ 62] والدولابى [1/ 108] وأبو نعيم [2/ 181] والحاكم [1/ 415، رقم 1514] والبيهقى [4/ 178] والقضاعى [(1/ 368، رقم 634)، (2/ 222، 1232)](2) من طرق عنه.
وحديث ابن عمر رواه أحمد [2/ 152] والطبرانى في الكبير [رقم 12726].
وحديث جابر رواه أحمد [3/ 346].
وحديث أبي أمامة رواه أحمد [5/ 262] ومسلم [2/ 718، رقم 1036/ 97] وأبو عوانة في مستخرجه.
(1) هكذا بالأصل ولعلها سبق قلم والسياق يقتضى ولا وجد ترجمته.
(2)
أيضًا عن حكيم بن حزام برقم (1227، 1228، 1229).
وحديث طارق المحاربى رواه النسائى [5/ 61]، والحاكم في المستدرك.
وحديث ابن مسعود رواه أبو داود الطيالسى، وأبو نعيم في الحلية [2/ 181]، والبيهقى [4/ 178].
وحديث جابر بن سمرة رواه أحمد [5/ 86، 89] ومسلم [3/ 1453، 1454، رقم 1822/ 10] والخطيب في التاريخ.
وحديث ثعلبة رواه ابن أبي شيبة في المصنف [3/ 212].
39/ 50 - "أبردوا بالطعام فإِنَّ الحارَّ لا بركةَ فيه".
(فر) عن ابن عمر (ك) عن جابر وعن أسماء، مسدد عن أبي يحيى (طس) عن أبي هريرة (حل) عن أنس
قلت: أما الديلمى فقال [1/ 136، رقم 327]:
أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن الحسين بن زنجويه عن أبيه عن عبد اللَّه بن يونس ابن أحمد بن مالك عن أحمد بن موسى البغدادى عن عباس الدورى عن إسحاق بن كعب عن عبد الصمد بن سليمان عن خزيمة بن سويد عن عبد اللَّه ابن دينار عن بن عمر به، وإسحاق بن كعب وشيخه وشيخ شيخه ضعفاء.
وأما الحاكم فخرج حديث أسماء [4/ 118، رقم 7124] أولا ثم استشهد له بحديث جابر [4/ 118، رقم 7125] وإنما قدمه المصنف لأن حديث جابر بلفظ الكتاب وحديث أسماء بمعناه، فقال الحاكم:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرنى قرة ابن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر رضى اللَّه عنهما أنها كانت إذا أثردت غطته حتى يذهب فوره، وتقول: إنى سمعت
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه أعظم للبركة" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم في الشواهد ولم يخرجاه.
وله شاهد مفسّر من حديث محمد بن عبيد اللَّه العرزمى أخبرناه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حاتم الفقيه البخارى:
ثنا صالح بن محمد بن عبيد اللَّه العرزمى حدثنى أبي عن عطاء عن جابر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أبردوا الطعام الحار فإن الطعام الحار غير ذى بركة".
وأما الطبرانى فروى حديث أبي هريرة من طريق هشام بن عمار:
ثنا عبد اللَّه بن يزيد البكرى عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبوى عن أبي هريرة به، وقال: لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا البكرى تفرد به هشام اهـ.
وعبد اللَّه بن يزيد البكرى ضعفه أبو حاتم وقال: ذاهب الحديث.
وأما أبو نعيم فقال [8/ 252]:
حدثنا إبراهيم بن محمد ثنا محمد بن المسيب ثنا عبد اللَّه بن خبيق ثنا يوسف ابن أسباط عن العرزمى عن صفوان بن سليم عن أنس قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكره الكى والطعام الحار ويقول عليكم بالبارد فإنه ذو بركة، ألا وإن الحار لا بركة فيه، وكانت له مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا ثلاثا".
قال أبو نعيم: غريب من حديث صفوان لم نكتبه إلا من حديث يوسف.
40/ 52 - "أبعدُ الناسِ من اللَّهِ يومَ القيامةِ القاضِى الذي يُخالفُ إلى غيرِ ما أُمِرَ به". (فر) عن أبي هريرة
قلت: قال الديلمى: