الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
تُعدُّ رواية الحديث النَّبويّ الشَّريف، وقوانينها المُحكمة، والأنماط المُتَّبعة لروايتها منَ العُلومِ التي أدّت دوراً بارزاً في الحفاظ على السُّنَّةِ وعلومها، ولا تزال هذهِ القوانينُ والأنماط مجهولة لدى الكثير من المشتغلين في توثيق النُّصوصِ وضبطها، وتفتقر إلى المزيد من البحوثِ المُعاصرة كي تسترعي نظر الباحثينَ والمُحللين، وتميط اللثام عن أهميَّة هذا العلم ومنهجه الفريد، واتجاهاته المُختلفة التي حالت دون العبث بتراثنا، وقدَّمت برهاناً ساطعاً غير مشكوك فيه على دقَّةِ المُحدِّثينَ وسلامة منهجهم في توثيقِ النُّصوصِ وضبطها.
وبحثنا هذا حاول أن يبرز جانباً من جوانب علم الرِّواية عند المُحَدِّثين، وأثره المميز الذي تفتقده معظم الحضارات القديمة والحديثة على حدٍّ سواء.
إنَّ الأمثلة التي حرصنا على ذِكرها في بحثنا هذا والتي كان معظمها من كتاب (الجامع الصَّحيح) للإمام البُخاريِّ، رحمه اللَّهُ تعالى، قد وفرت لنا مادةً علميَّةً أعطت لنا القُدرة على التَّحركِ للكتابةِ في مجال المُدَبَّجِ وروايةِ الأقران.
وعلى الرّغم من فقدانِ المؤلَّفات المُستقلَّة التي كتبها المتقدمونَ، عن هذا النَّوع من أنواع علم الرِّوايةِ، أو أنَّها ماتزال في طيّ المجهول - ووضعت بين أيدينا الحجج التي ساعدتنا على إثبات المزيد مِنَ الأفكار التي قدمت لنا مُعطيات علميَّةٍ عن علم الرِّواية وأثرهِ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، وأعطتنا صوراً واضحةً مفادها أنَّ هذا العلمَ لم يكن ارتجالياً، وإنَّما هو عِلْمٌ قائمٌ على قواعدَ واضحة المعالمِ، ويسودها طابع الدَّقَّةِ، والوحدة الموضوعيَّةِ، وأنَّ هذا النَّوعَ من أنواعِ علم الرِّواية، هو حلقة من حلقات علم توثيق النُّصوصِ وضبطها عند المُحَدِّثين، وأنَّها تتميز بالتحليل العميق، والدِّراسة المنظمةِ لفنِّ الرِّواية عند
المسلمينَ، والذي يمكننا أن نقول وبكل اطمئنان: إنَّ هذا الفنَّ لقي العناية الفائقة، وأنَّهُ استطاعَ أن يُثبت لنا صِحَّةَ النُّصوصِ، وصدقَ رواتها، ودقَّةَ أدائهم، من غير أن نخشى الخطأ والزلل الذي قد يتطرقُ إلى أذهان الرواةِ.
كما أنَّ بحثنا هذا على وجازته استطاعَ أن يُثبتَ لنا أنَّ علمَ الرِّواية وقواعدها المُحكمة عند المُحدِّثينَ، هو مِنَ العلوم التي تفيض ذكاء، وتتميَّزُ بالابتكارِ، والإبداعِ، والمهارة، وأنَّهُ من العلومِ المُنسَّقةِ التي تمتلئ بالحيويَّةِ، وأنَّ الكثيرَ مِنَ النَّاقدينَ للسُّنَّةِ والمشككينَ في صحتها، قد أسرفوا على أنْفُسِهم، وأنَّ الجماهير منهم لم يكن علم الرِّواية عندَ المُحدِّثينَ قد وضحَ في مَخيلتهِ، فانقضُّوا في النَّقدِ مترسمينَ آثاراً، ذات نزعةٍ مُغاليةٍ لا يمكن أن تسعفهم، في رحلتهم، أو أن تحقق لهم الطَّابع العلميَّ الذي يجب أن يتَّسمَ به الدَّارسونَ للمؤلَّفات القديمة، وتتطلبه الأمانة العِلميَّة، وأنَّ ما سطرتهُ أقلام كبار المنتقدين للسُّنَّةِ وتدوينها، لم يكن كلامهم سوى شططٍ، لجهلهم بقوانين الرِّوايةِ وأنماط التَّصنيف فيها.