المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ بِهَا فَحَدَّثَهُمْ بِالأَرْبَعِمِائَةَ الحَدِيث».   هذا هو النص التاريخي لقول - المستشرقون والتراث

[عبد العظيم الديب]

الفصل: حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ بِهَا فَحَدَّثَهُمْ بِالأَرْبَعِمِائَةَ الحَدِيث».   هذا هو النص التاريخي لقول

حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ بِهَا فَحَدَّثَهُمْ بِالأَرْبَعِمِائَةَ الحَدِيث».

هذا هو النص التاريخي لقول الزُّهْرِي، وقد رواه الخطيب بلفظ آخر وهو:«كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ الْعِلْمِ - أَيْ كِتَابَتَهُ - حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الأُمَرَاءُ فَرَأَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . اهـ.

ونترك التعليق لقلم المرحوم الدكتور مصطفى السباعي إذ يقول: «فانظر كم الفرق بين أنْ يكون قول الزُّهْرِِي كما روى جولدتسيهر: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» وبين أنْ يكون قوله كما رواه المُؤَرِّخُونَ: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ الأَحَادِيثِ» أو كما رواه الخطيب «عَلَى كِتَابَةِ الْعِلْمِ» ثم انظر إلي هذه الأمانة العلمية حذف «الـ» من «الأَحَادِيثِ» فقلبت الفضيلة رذيلة

حيث كان النص الأصلي يدل على أمانة الزُّهْرِي وإخلاصه في نشر العلم، فلم يرض أَنْ يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس إِلَاّ أَنْ يبذله للناس جميعاً، فإذا (أمانة) هذا المُسْتَشْرِقِ تجعله ينسب لِلْزُّهْرِِي أنه وضع للأمراء أحاديث أكرهوه عليها، فأين هذا من ذاك؟؟» (26).

‌وِلْ دْيُورَانْتْ:

وإذا شئنا نماذج أخرى لتحريفاتهم، فإليك ما أورده (ول ديورانت) في كتابه " قصة الحضارة "(27).

يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد أعانه نشاطه وصحته على أداء واجبات الحب والحرب، ولكنه أخذ يضعف حين بلغ التاسعة والخمسين من عمره،

(26)" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 221 - 223.

(27)

قامت على ترجمة هذا الكتاب الإدارة الثقافية بالجامعة العربية، وصدر على نفقتها في أكثر من ثلاثين جزءًا. وقد نقد هذا التصرف من الجامعة العربية الأستاذ الجليل محمد محمد حسين رحمه الله، وقال: «

إنَّ اختيار هذا الكتاب للترجمة جريمة دبَّرتها الصهيونية الهَدَّامة المُتَخَفِّيَةِ في زوايا اليونسكو

إلخ» انظر " حصوننا مهددة ن داخلها ": ص 187 - 189 لترى نقداً موضوعياً علمياً لهذا الكتاب.

ص: 31

وظن أنَّ يهود خيبر قد دَسُّوا له السم في اللحم قبل عام من ذلك الوقت، فأصبح بعد ذلك الحين عرضة لحميات، ونوبات غريبة

إلخ» (28).

ولا يعنينا أنْ نناقش القبح والفحش الذي كتب به المؤلف ما كتبه عن نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلَاةِ وَالسَّلَامُ - بأبي هو وأمي وبنفسي وبالناس أجمعين - فليس هذا مجال مناقشته، ولكن الذي يعنيني أنْ أضبط هذا المُسْتَشْرِقَ العلَاّمة، مُتَلَبِّساً بخيانة المنهج، وذلك قوله:«وَظَنَّ أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ قَدْ دَسُّوا لَهُ السُمَّ فِي اللَّحْمِ» . فهذا التعبير بـ «ظَنَّ» يريد به أنْ ينفي صحة الخبر، ليبرئ اليهود بالتالي من جريمة محاولة قتله صلى الله عليه وسلم بالسُمِّ، ومن قتل الصحابي الجليل الذي أكل معه.

وهذا الخبر (خبر دس السم) موجود مشهور في مصادر السيرة النبوية المختلفة، فقد أورده ابن هشام في سياق غزوة خيبر، وأورده ابن سعد في " طبقاته "، ورواه " البخاري " في غير موضع: 5/ 176، و " مسلم ": 7/ 14 - 15 كلاهما من حديث أنس، وأحمد برقم 2885 من حديث ابن عباس و " أبو داود ": 1/ 146، و " الدارمي ": 1/ 33 عن جابر

[وفيه اعتراف اليهود بدس السم وعفو الرسول صلى الله عليه وسلم، عن هذا الجُرْمِ الفظيع، مع موت الصحابي الجليل البراء بن معرور بهذا السُمِّ].

ومع ثبوت هذا الخبر ووفرة مصادره تأبي (الأمانة العلمية) و (الحيدة الأكاديمية) و (منهج البحث) على هذا المُسْتَشْرِق العتيد إلَاّ أنْ يُزَيِّفَ ويُحَرِّفَ، فينكر الخبر، وينسب الحادثة في إيجاز بارع إلى مجرد ظَنٍّ ووهم.

وعلى حين ينكر هذا الخبر الثابت، يُحَرِّفُ وَيُزَيِّفُ خبراً آخر، يزيد فيه وينقص منه.

فيقول في ص 77 وهو يتحدَّثُ عن الثراء الذي جاء المسلمين نتيجة للفتح: «

وكان للزبير بيوت في عدة مدن مختلفة، وكان يمتلك ألف جواد، وعشرة آلاف عبد

».

(28) الجزء الثاني من المجلد الرابع، مسلسل رقم 13 ص 46 سطر 7 - 10.

ص: 32

وهذا الخبر بهذه الصورة وبهذا الإيجاز يجمع ألواناً وأفانين من التحريف، ففيه زيادة، وفيه نقص، وفيه تغيير وتبديل. وبيان ذلك:

أنَّ الخبر ورد في المصادر المعروفة والمشهورة هكذا: «وكان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يُدْخَلُ إلى بيته منها درهماً واحداً يتصدَّق بذلك جميعه» .

هكذا ورد الخبر في:

1 -

" الإصابة " لابن حجر العسقلاني: 1/ 546.

2 -

" أسد الغابة " لابن الأثير: 2/ 198.

3 -

" البداية والنهاية " لابن كثير: 7/ 251.

4 -

" صفة الصفوة " لابن الجوزي: 1/ 346.

5 -

" الاستيعاب " لابن عبد البر (بهامش " الإصابة "): 1/ 583.

وبعض هذه المراجع من منشورات المُسْتَشْرِقِينَ، أعني هذا الخبر بهذه الصبغة كان متاحاً له وبين يديه، «وهم يزعمون، ويزعم تلاميذهم أنهم يستقصون المراجع، ولا يخطون حرفاً إلَاّ بعد جمع كل تلاميذهم أنهم يستقصون المراجع، ولا يخطون حرفاً إلَاّ بعد جمع كل ما يتصل بموضوعهم) ولكنه كما ترى ارتكب التحريفات الثلاثة الآتية» .

1 -

زيادة ألف جواد من عنده، فقد أقحمها في الخبر، ولا وجود لها فيه أصلاً.

2 -

نقص الجزء الأخير من الخبر عن تصدق الزبير بخراج هؤلاء المماليك.

3 -

زيادة الألف مملوك إلى عشرة آلاف.

وهكذا تكون (الأمانة العلمية) و (النزاهة) و (الحيدة) و (التجرد) و (المنهج) إلى آخر هذا الركام من الأحجار التي يُلقمونها لمن يريد أنْ ينظر في عمل المُسْتَشْرِقِينَ.

ص: 33

وهاك نموذج آخر للتحريف وخيانة المنهج، وهو ما قاله هذا المُسْتَشْرِقُ عن هارون الرشيد، ذلك الخليفة العظيم، وعلاقته بالبرامكة، قال:«وكان هارون يحب جعفر حباً أطلق ألسنة السوء في علاقتهما الشخصية، ويقال: إنَّ الخليفة أمر بأنْ تصنع له جبة ذات طوقين، يلبسها هو وجعفر معاً، فيبدوان كأنهما رأسان فوق جسم واحد، ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد الليلية» (29)(كذا).

انظر: مؤرِّخُ الحضارة، عملاق الفكر، وربيب الأكاديمية، وسادن العلم، وأستاذ البحث والمنهج، ينكر الحديث الثابت والخبر المتفق عليه، الذي تردَّد في كل الكتب تقريباً، «عن دَسِّ اليهود السُمَّ للرسول صلى الله عليه وسلم» ، وَيُضِيفُ وَيُغَيِّرُ في خبر ثروة الزبير رضي الله عنه، ويأتي هنا بخبر (لقيط) لا يُدْرَى له أصل، فيحتفي به أيما احتفاء، بل يبني عليه من عنده، فيتَّخذ منه مناسبة ليطعن بغداد دار السلام عاصمة الدنيا كلها في ذلك الوقت، فيقول:«ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد اليلية» هكذا يقذف المجتمع كله بهذ الفرية، ولنا على هذا الكلام ملاحظتان:

الملاحظة الأولى:

أنَّ الخبر على فرض صِحَّتِهِ، كان الأولى به أنْ يعف عن ذكره، فلا (يُلَوِّثُ) به كتابه، ولا يؤذي به حياء قارئه، فهذا شأن العلماء، والباحثين، لا سيما وأنَّ الخبر في سياقه مقحم لا قيمة له، فإثبات قوة الصلة بين هارون الرشيد والبرامطة لا تحتاج إلى مثل هذا الفحش، الذي يعف عنه عامة الناس، بله كبار العلماء، (آهٍ متى يعود لأمَّتنا مكانها حتى تقيم حدود الله، وتجلد هؤلاء القذفة).

(29) الجزء الثاني من المجلد الرابع (مسلسل رقم 13) ص 93 سطر 5 - 8. ولا يعفي " ديورانت " أنه عزا هذا الكلام إلى " مرجليوث " في كتابه " محمد ومطلع الإسلام " بل إنَّ هذا يضاعف الجرم (أفعى ترضع سُمًّا) ويشهد بعراقة الإفساد، وتمكن الحقد من نفوس القوم، وإحكام الكيد وسوء المكر، وإنَّ الإنسان ليعجب أيَّ علاقة لهذا الكلام عن هارون الرشيد بكتاب عن " محمد ومطلع الإسلام "؟؟ أية منهجية هذه؟؟؟

ص: 34

الملاحظة الثانية:

أنَّ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ دائماً يدعون إلى العقل، وتحكيم العقل في الخبر مهما كانت صحة سنده، والسؤال للمستشرق العملاق، هل يقبل عقلُ غافل (أي عاقل)، بله عقل متحضر، بله عقل (مؤلف عالمي) هل يقبل العقل أنْ يمشي رجلان في ثوب واحد؟؟ وكيف؟ وبأي سعة يكون هذا الثوب؟ وأيهما يمشي أولاً؟ وأيهما يمشي ثانيا؟ أم كان هناك إيقاع موسيقي يضبط حركتهما؟؟.

وإذا تركنا هذا الإمكان (العلمي)، فهل يقبل العقل أنَّ حاكماً في مثل منزلة هارون الرشيد كان فارغاً لهذا العبث، بل لهذا الفساد؟ وهل يعقل أنَّ من يصل إلى هذا الحد من (السقوط) يمكن أنْ يكون صاحب هذا التارخ الذي زحم الدنيا، من الغزوات والانتصارات والسفارات، والبناء، وقيادة (الدنيا كلها) في طريق الحضارة والنور، هذه الخطوات الفساح التي تمت في عهد الرشيد، هل يقبل عقلُ عاقل أنَّ هارون الرشيد الذي كان يقود الجيوش بنفسه، ويقضي الشهور تلو الشهور في ملابس الميدان، هذا الذي أَذَلَّ أباطرة الروم، ودفع عن ثغور المسلمين دسائسهم ومؤامرتهم، حتى مات مجاهداً ودفن هناك في (طوس) على أطراف دولته، بعيداً عن عاصمته و (قصره) مسيرة أيام، هل يعقل عاقل أنَّ هذا المجاهد يصل إلى هذا المنحدر من السقوط؟؟ إلَاّ في عقل هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ.

بل إنَّ جعفر البرمكي هذا كان قائداً مُحَنَّكاً، ولا شك أنَّ مُؤَرِّخَ الحضارة قرأ عن أعماله الحربية العظيمة، وأنَّ هارون الرشيد كان يرمي به في أخطر المآزق، ويلجأ إليه في أشق المضايق، فطالما قمع الفتنة، وردع

ص: 35