المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: المدخل النظري - المصطلح الأصولي ومشكلة المفاهيم

[علي جمعة]

الفصل: ‌ثانيا: المدخل النظري

‌ثانياً: المدخل النظري

1 -

يحسن للباحث فى مسألة وضع المصطحات بإزاء المفاهيم، ومدى

مطابقتها، لإطاره المرجعى أن يلم بشيء من طريقة المواضعة وإنشاء المصطلح.

2 -

لقد وضع عضد الدين الإيجي رسالته فى علم الوضع فكان بذلك أول

من أفرد هذا المعنى بالتأليف حتى صار فرعاً من فروع علم اللغة، والوضع هو: جعل اللفظ بإزاء المعنى.

3 -

وتقاسم الوضع ثلائة: -

أ - من جهة نفس الوضع ينقسم إلى قسمينِ:

- تحقيقى: وهو تعيين اللفظ بإزاء المعنى للدلالة عليه بنفسه أى من غير

علاقة ولا قرينة، وهو ما يسمى بالحقيقة عند البلاغيين فالحقيقة عندهم هى

استعمال اللفظ فيما وضع له أولاً فى اصطلاح التخاطب، فاستعمال كلمة (دين)

فى معناه الذى وضع له فى الشرع وهو وضع إلهى سائق لذوى العقول السليمة باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات هذا الاستعمال حقيقة، لأن وضعه لهذا المعنى تحقيقى.

- تأويلى: وهو تعيين اللفظ بإزاء المعنى لدلالة عليه بواسطة العلاقة

والقرينة، مثل المجاز حيث عرفوه بأنه استعمال اللفظ فى غير ما وضع له أولاً فى اصطلاح التخاطب، فاستعمال كلمة الدين فى العبادات والشعائر فقط استعمال مجازى لأن وضعه لهذا المعنى تأويلى.

ب - من جهة اللفظ الموضوع ينقسم إلى: -

- مشخص: وهو ما كان اللفظ الموضوع فيه ملحوظ بخصوصه فاللفظ

شخصى سواء أكان المعنى كذلك كوضع (زيد) اسماً لشخص معين، أو كان

المعنى كليا كوضع "إنسان " بإزاء الحيوان الناطق (فلا علاقة بين شخصية اللفظ وشخصية المعنى هنا فالتشخيص هو للفظ وليس للمعنى لأنه قد يكون كلياً.

- نوعى: وهو ألا يكون اللفظ الموضوع ملاحظاً بخصوصه وعلى ذلك فهو

يمثل قاعدة كلية يندرج تحتها حزئيات كثيرة مثل لفظ على هيئة (فاعل) يدل فى العربية على من قام بالفعل و (مفعول) يدل على من وقع عليه الفعل وهكذا فهو يشمل المجازات.

جـ - ومن جهة ملاحظة الواضع عند الوضع:

ص: 16

- خاص

- والموضوع له خاص أيضاَ وهو وضع أعلام الأشخاص كزيد وعمرو أو

أعلام الأحناس كأسامة علم على الأسد، والوضع الخاص لموضوع خاص يتعقل الواضع موضوعاً له بخصوصه وشخصيته ثم يضع بإزائه اللفظ.

والموضوع له قد يكون موجوداَ فعلاً أو تقديراً فى الذهن فقط.

- عام

- والموضوع له عام أيضاً وهو أن يلاحظ الواضع معنى كلياً ثم يضع بإزائه

لفظاً كوضع إنسان ورجل وقام وضرب، بإزاء معانيها، كوضع لفظة العلم بإزاء كل إدراك جازم.

4 -

اللفظ بالنسبة إلى مدلوله قد يكون كلياً أو جزئياً، فالكلى ما لا يمنع

نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه، والجزئي ما يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه، والكلى إما أن يدل على حدث أو ذات أو مركب منهما أو ملحق بذلك.

- فما يدل على الحديث يسمى مصدراً كالعدل والظلم.

- فما يدل على الذات يسمى اسم جنس كالإنسان.

ِ - والمركب منهما يسمى المشتق من الأسماء.

- وما يلحق به يسمى الفعل وهو مشتمل على حدث وزمان ونسبة بينهما

مثل (ذهب) .

5 -

المشتق إما فعل أو غير الفعل، وغير الفعل يدل على ذات وحدث

ونسبة بينهما يقصد بها ربط ذلك الحدث بتلك الذات، وأعنى بالذات هنا ما

يشمل المكان والزمان حتى يدخل معنا اسم المكان واسم الزمان والواضع للمشتق بإزاء معناه يلاحظ مادته وهيئته.

أما المادة فهى عبارة عن الحروف بغض النظر عن ترتيبها أو حركتها

وسكناتها فهى كالمادة الخام، وأما الهيئة فهى عبارة عن ذلك الترتيب وتلك

الحركات والسكنات.

ص: 17

6 -

ثم إن الواضع قد يكون هو واضع اللغة، فيقال معنى هذه اللفظة فى

اللغة كذا أي وضعها واضع اللغة بإزاء هذا المعنى، وقد يكون الشرع فيقال

معناها شرعا كذا، وقد يكون العرف أما العام فيقال عرفا كذا أو عرف أهل فن أو علم أو حرفة أو مهنة معينة وهذا ما يدعى (الاصطلاح) فيقال فى الاصطلاح (كذا) فلابد من تجديد أهل ذلك الاصطلاح.

7 -

ويمكن أن نعرف أى علم من العلوم سواء أكان تجريبياً أو اجتماعياٌ

عن طريق التكلم عن قواعده، أو عن الملكة التى هى كيفية راسخة فى النفس بها تدرك النفس الجزئيات فى ذلك العلم، عن طريق الإدراك الذى هو حصول لصورة مسألة من مسائل العلم فى الذهن، ومن الملاحظ أن القواعد تصورها لا ْيحتاج إلى عالم أما الملكة والإدراك فيحتاج إلى عالمٍ بالفن المعروف، وهذا التنوع لا يمثل آراء مختلفة بل يمثل اختيارات ممكنة.

- وعلى ذلك فإن هناك فرقاً يمكن إدراكه بين العلم باعتباره قواعد وبين

العالم المتخصص في هذا الفن أو ذاك، ومصطلحات كل علم إنما يحددها

المشتغلون فيه، وهولاء المششغلون قد تكون لهم مدارس مختلفة ومضارب متنوعة يختلف بموجبها معالجتهم لكل علم أو فن، بل قد يختلفون فِى المصطلحات الأساسية أو فى مسائل الفن أو مداخل العلم.

والذى يجعلهم جميعا من أهل علم أو فن معين وليس فنون متعددة يتعدد مشاربهم هو ما يسمى (بموضوع العلم) .

وموضوع كل علم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، فموضوع علم الطب هو جسم الإنسان من حيث الصحة والمرض وعلى ذلك تتكون مسائل الطب فى صورة جمل مفيدة فيها جسم الإنسان من ناحية الصحة أو المرض مبتدأ وما توصل إليه العلم وأهل الفن خبر فيقال جسم الإنسان يمرض بكذا إن حدث كذا ويصح من كذاً إن أخذ كذا. -. . إلخ.

وباتحاد موضوع العلم يطلق عليه اسماً معيناً.

8 -

وشروط وضع المصطلح بإزاء المعنى فى فن من فنون العلم يمكن

تلخيصها فيما يلى:

أ - وجود ثمة علاقة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى وإلا وصلنا إلى

قضية الرمز، والاصطلاح بالرمز أمر آخر غير الاصطلاح باللفظ، ونحن هنا فى بحثنا نعالج أموراً حول الأخير وليس الأول. فهناك علاقة بين معنى مصطح

ص: 18

السلطة فى معناها اللغوي ومعناها السياسى أو بين القياس فى معناه اللغوي ومعناه الأصولى وهكذا.

ب - أن يقره فريق من العلماء من أهل ذلك العلم ليصبح مقبولاً كمصطح

قبولاً عاماً، وقبل إقراره إنما هو اقتراح مصطلح.

جـ - أن يتعلق معناه الجديد بموضوع العلم الموضوع هو فيه، وإلا فإنه

يكون مستعاراً من علم آخر، وحينئذ فهو من المفاهيم الرحالة.

9 -

كذلك فيتعلق بتلك المسألة قولهم لا مشاحة فى الاصطلاح أى لا

منازعة لأنه هناك فرق بين الخلاف اللفظي بين فريقين وهو الذى لو اطلع كل

فريق على معنى ما يقوله الآخر لقال به.

فالمعنى واحد والخلاف راجع للفظ، وعلى هذا لا يترتب على الخلاف اللفظى أثر، وبين الخلاف المعنوى.

والذى لو اطلع كل فريق على معنى ما يقوله الآخر لم يقل به فيترتب على ذلك الخلاف أثر فالخلاف اللفظى يقال فيه إنه لا مشاحة فى الاصطلاح.

وعلى هذا فينبغى أن يحصر استعمال المصطح داخل العلم، ولا يجوز أن

يخرج عن قاعة التباحث والتدارس إلى جمهور الناس، لأن اختلاف جمهور الخطاب من المتعلمين إلى العوام يؤدى إلى فوضى فى الاستعمال، واضطراب وتلبيس فى نقل المفاهيم ورسوخها ثم عملها وترتب الآثار عليها.

ومن ثّمَّ يكون هناك مشاحة فى مضمون ذلك المصطح حيث تغيرت رسالته من التباحث المتخصص بين أهل علم بعينه إلى العمل على نشر مضمون المنطلق من إطار مرجعى معين لفاعليه ملاحظات.

مثال ذلك لفظة العلم التى عنى بها ما قام على الحس والتجربة وجعلوه

الطريق الوحيد لحدوث اليقين، فنشأ عن هذا أن قضية الألوهية خارج نطاق العلم بهذا المفهوم فهى غير علمية على ما فى غير علمية من ظلال توحى بضدها وهو الجهل أو جهلية، كما تصبح المسألة راجعة للوجدان فمن أراد الاعتماد على تجربته مع الله فليؤمن ومن لم تكن له تجربة فليس فليكفر على ذلك أن تصبح الدعوة إلى الله والإيمان به مستحيلة حيث تحول الأمر إلى وحدانيات والوجدان لا يقام عليه دليل وحيث أصبح الأمر ظنياً ولا سبيل للقطع فيه فلنترك على زعمهم الأمور خالية من تلك القضية.

10 -

ويتعلق بمسألة المصطلح عملية الحد أو التعريف التى ذكرها المناطقة

الصوريون وسموها القول الشارح وجعلوه يتوصل به إلى توصيل معنى المفرد إلى ذهن المخاطب من أقرب طريق، ووضعوا له شروطا وأقساما وتكلموا

ص: 19

لضبطه على الكلى والجزئي، وعلى الصورة القائمة للشيء فى الذهن وعلى ما يصدق عليها فى خارج الذهن مما يجعل مقدمة المنطق العربى مهمة التلخيص لهذا البحث ومهمة الحضور فى ذهن المهتم بمسألة المفاهيم.

11 -

فالمصطلح إذن يتكون من عملية وضع يقوم بها دارس فن معين

لتوصيل معنى فى ذهنه إلى المخاطب من دارسى نفس الفن، ثم إنه من الملاحظ أن المصطلح الواحد قد تختلف معانيه داخل العلم الواحد لاختلاف المدارس الفكرية والأطر المرجعية للمفكرين والعلماء داخل هذا العلم أو ذاك.

كما يلاحظ أنه قد يعتريه التطور ويحتاج إلى البحث عن تطور المصطلح الدلالى وهذا شائع فى كل

العلوم خاصة الاجتماعية والإنسانية.

12 -

وتختلف معانى المصطلح الواحد أيضاً بين العلوم المختلفة، وهذا لا

إشكال فيه فكلمة الموضوع تعنى فى علم الحديث القول المكذوب المنسوب إلى قائله وزراً فى حين تعنى فى المنطق ما عليه الحمل فى حين تعنى فى مداخل العلوم معنى يقارب هذا وهو ما يتكلم العلم عن عوارف الذاتية.

13 -

أما عملية انتقال المفهوم أو نقله من الاستعمال التخصصى ومجال

الجماعة العلمية إلى مخاطبة عموم الناس فيكتنفها شيء من الخطورة، حيث يأخذ اللفظ الواحد معان شتى، طبقا لمستويات الخطاب وجمهوره، وبدلاً من عمليات الوضع المنظم التى كان ينبغى أن تتم داخل قاعات البحث لتحقيق هدف توصيل المعلومات وقيام العلم بدوره نرى عملية أخرى يمكن أن نسميها الخط المفهومى ونعنى بها أن يفسر كل مخاطبٍ المصطلح الواصل إلبه عبر الصحافة وأخواتها من وسائل الاتصال تفسيرا عشوائيا، فيصبح للمصطلح الواحد أكثر من مفهوم، وحيئذ تظهر المشاحنة والمنازعة، حيث إن هذا يسبب الخطأ فى الاستعمال طبقاً للخطأ الحاصل فى ذهن المستعمل، لذا فهو يحمل فى طياته تلبيساً خطيراً.

أما خطاً الاستعمال هذا فهو بالمقارنة بين الواقع وما قام بالذهن كما لو

رأى شخص شيئا فظنه حجراً فسماه به، فإطلاق الحجر على مدلوله القائم

بالذهن صحيحاً وإن كان الشيء لخارجى فى الواقع ليس حجراً، فإن تبين له أنه طائر سماه به فإن تأكد أنه إنسان أطلق عليه هذا، فهذه الإطلاقات كذب

لمخالفتها للواقع ونفس الأمر على أنها صحيحة بالنسبة لما قام بذهنه من صور

ص: 20

ولذا نبه علماء الإسلام إلى أن من المصطلحات ما لا يذكر إلا وسط الجماعة

العلمية.

14 -

هذا الفصل بين قاعة البحث أو الجماعة العلمية وبين عموم الناس

وعوامهم كان فى العصور السابقة منضبطاً، ولكن بعد تطور وسائل المواصلات الشديد وظهور الطباعة أصبح صوت الدارسين داخل قاعات البحث مسموعاً عند عموم الناس وزال الحاجز الذى بينهما، فألقى هذا عبثاً جديداً على الواضع حيث ينبغى أن يراعى فى عملية الوضع ثقافة الأمة وإطارها المرجعى، فلم تعد المسألة

قاصرة على الجماعة العلمية بل أصبحت تلك المفاهيم شائعة وسط عموم الناس، بل تدهور الحال وأعطى للعموم حق وشرعية الوضع، وأصبح للمصطلح عشرات بل مئات التعريفات، فوصلنا إلى رطانة غير مفهومة بين الباحثين، فكرَّ هذا على جواز الاختلاف بالبطلان وأصبح الذى معه الحق ويؤيده العلم وما ينبغى أن يكون عليه الأمر هو من دعاء إلى قيم دينه وثقافته ومن خرج عن هذا الاطار إثما هو

تلاعب بالعلم مضر بالحياة الثقافية ومفسد لها.

ولقد تدهور الحال أكثر عندما خرج جماعة من المثقفين بدعوى أن يكون

لكل واحد قاموسه الخاص به ومصطحاته التى يجب أن نفهم كلامه من خلالها

فوصل الحال إلى قطع الصلة بين الباحثين وغدا الأمر مضحكاً بشكل محير.

15 -

وهنا تبرز مشكلة علاقة الوحى، وهو مقوم ومعيار مع تلك المفاهيم

الشائعة، ومخالفة هذه المفاهيم للوحى ينشأ منه أن يكون رفضنا لها هو موقف واع لا عن تجاهل، كما أن مشكلة علاقة التراث وكيف اختلف مفهوم ذلك المصطلح عما كان عليه عند السلف ينشأ عنه خرف على ثقافتنا من الناقض من ناحية وحذر من أثر ذلك التغير فى تهميش الإطار المرجعى واختلال السلوك المنبثق عن العقيدة من ناحية ثانية، ومحاولة للفرار من التبعية الفكرية للغير من ناحية أخرى.

وتبرز أيضاٌ مشكلة علاقة العرف وتأثيره وتأثره (فى دائرة متصلة) بتلك

المفاهيم وما يترتب على ذلك من تغير فى المنظومة الاجتماعية والنسق العرفى

العام.

16 -

قال الف سمرفلت فى مطلع مقاله "الاتجاهات الحديثة فى علم اللغة"

الذى نشره فى مجلة ديوجين عدد رقم 1 ص 64 - 70 "إن أهمية اللغة لفهم

ص: 21

الثقافة حق الفهم أمر أخذ يحس به من يعرضون لدراسة الحضارات، وذلك لأن أى نظام لغوي تعبير عن نظام إدراك جماعة من الجماعات لبيئتها ولنفسها وإن لم يكن هذا التعبير كاملاً، ومن ثم فلا يستطع أن يفهم حضارة ما حق الفهم من

يجهل وسيلتها اللغوية فى التعبير.

وقال د. إبراهيم أنيس: اللغة مع أنها مجرد وسيلة ولكن لارتباطها

بالغاية الارتباط الوثيق أصبحت فى نظر الإنسان أسمى من مجرد رمز،

ومن المغالاة أن تعد الأصوات اللغوية كالرموز الأخرى فهى أسمى وأرقى، الأمر الذى يجعلنا كلما سمعنا لفظاً ينطق به أمامنا نشعر نحوه بالاعتزاز فنتبناه ونعتز به كأنه جزء لا يتجزأ من دلالته أو معناه.

17 -

وعند التحامل مع أى مفهوم يننبغى الالتفات إلى علم الدلالة وما

يشتمل عليه في تحليل لفكرة المعنى، وعلاقة اللغة بالفكر سواء كان المصطلح

مفردا أو مركباً، مع مبحث الدلالة عند الأصوليين المسلمين.

كما أنه ينبغى الالتفات إلى مسألة الاشتقاق والتعريبِ وعملية الترجمة بتوسع يمكننا من التعامل الواعى مع المفاهيم موضع البحث.

18 -

فمن الملاحظ أن المصطلح الواحد قد تختلف معانيه داخل العلم

الواحد لاختلاف الدارس الفكرية والأطر المرجعية للمفكرين والعلماء داخل هذا العلم أو ذاك.

كما يلاحظ أنه قد يعتريه التطور ويحتاج إلى البحث عن تطور

المصطلح الدلالى، مثال الأول مصطلح العلم له عند الأصوليين تعاريف وحقائق كثيرة وعند القياس عندهم عرف بأنه إثبات مثل حكم معلوم فى معلوم آخر

ص: 22

لاشتراكهما فى علة الحكم عند المثبت، عرفرا العلم هنا بمطلق الإدراك فى حين أنهم عرفره بأنه الإدراك الجازم الثابت المطابق للواقع عن دليل فى كل أمر.

وسبب ذلك أن القياس يجرى عندهم فى القطعيات والظنيات، فناسب

تفسير العلم الذى حدث منه الاشتقاق فى لفظ معلوم بمطلق الإدراك الشامل للظن واليقين لا العلم بالمعنى الأخص وهو الإدراك الجازم. . . إلخ.

19 -

وتختلف معانى المصطلح الواحد بين العلوم المختلفة وهذا لا إشكال

فيه فكلمة الموضوع فى علم الحديث تعني القول المكذوب المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حين تعنى فى المنطق مثلاً ما عليه الحمل: المبتداً والفاعل فى الجملة العربية.

20 -

ومن الملاحظ أيضاً أنه قد تتم عملية (تدليس) باستعمال الألفاظ التى

بإزاء معان معينة فى علم من العلوم أو فن من الفنون فى الحياة العرفية العامة فيتبادر ذهن السامع أو القارئ إلى معناها عنده، ويقصد الكاتب عن قصد أو عدم قصد معنى آخر غير ما يتبادر إلى الذهن.

مثال ذلك العلم فى عرف المسلمين يطلق على ما سبق من الإدراك الجازم

الثابت. . . . إلخ. فيشمل علوم العقل والنقل والحس فى حين يستخدمها بعض الكاتبين فى الصحافة بمعنى العلم التجربيى القائم على المشاهدة والحس وهذا وإن كان جزءا من المعنى الشائع عند أهل العرف العام إلا أن مقولة إن قضية الألوهية قضية غير علمية أي خارج قياس الحس ومشاهدته تسبب لبساً كبيراً (قد يكون مقصودا) حيث يتبادر إلى الذهن من مردود كلمة غير علمية عداء بين العلم الذى ما زال يعنى اليقين عند عامة الناس ويعنى مضادته للجهل والعلم فى عقول الناس وبين تلك القضية ومقابل العلم الجهل فهى قضية لابد أن تنحى.

وهنا فإن عبارة لا مشاحة فى اصطلاح قد فقدت شرطها وهى أن تستعمل

المصطحات بين أهل الفن الواحد العارفين بمعانيها لا بين أهل فن معين وأهل

العرف العام أو بين أهل فن معين وفن آخر.

21 -

وهذا المبحث يعالجه علم الوضع بتوسع وقد كثرت التآليف فيه.

22 -

كما أنه يحسن أن نحلل الألفاظ إلى معانيها حتى نكون على بينة من

الاستعمالات الحقيقية والمجازية لللفظة.

فالحقيقة هى استعمال اللفظ فيما وضع له أولاً فى اصطلاح التخاطب

والمجاز هو استعمال اللفظ فى غير ما وضع له فى اصطلاح التخاطب.

فإن الأسد إذا أريد منه الحيوان المفترس كان هذا حقيقة لأنه وضع فى اللغة

ص: 23

لهذا المعنى، وإذا قصد به الرجل الشجاع كان مجازاً لأنه يشتمل على شيء من التشبيه.

والقياس الذى فيه إثبات نقيض حكم شيء فى شيء آخر لنقيض العلة تسميته

قياساً مجاز لأن حقيقته ما سبق ذكره.

24 -

وتحليل الألفاظ إلى معانيها يساعد فى فهم استعمالها فكلمة جرى

معناها: -

1 -

الانتقال من مكان لمكان.

2 -

بسرعة.

3 -

مع إرادة.

فماذا قلنا جرى الغلام لكانت تلك الكلمة مشتملة على عناصرها التى

حددتها ولو قلت جرى القطار لقصد عنصر الإرادة ولو قلت جرى المطر لفقد ْعنصر الإرادة والسرعة ويكون بمعنى (سال) الذى فيه الانتقال وليس فيه السرعة.

فاستعمال اللفظ فى المثال الأول حقيقة والثانى والثالث مجاز إلا أن التجوز فى

الثالث أشد منه فى الثانى.

25 -

وعلم الدلالة قام بدور كبير خاصة الأبحاث الحديثة منه حول هذا

الموضوع.

ص: 24

المبحث الثاني

الاصطلاح

ص: 25