المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المبحث الثاني الاصطلاح تثير قضية المصطلح بعض المشكلات النى نعالجها فى هذا - المصطلح الأصولي ومشكلة المفاهيم

[علي جمعة]

الفصل: ‌ ‌المبحث الثاني الاصطلاح تثير قضية المصطلح بعض المشكلات النى نعالجها فى هذا

‌المبحث الثاني

الاصطلاح

تثير قضية المصطلح بعض المشكلات النى نعالجها فى هذا البحث فى نقاط

متتالية إن شاء الله تعالى.

وقضية المصطح تتصل بقضية الوضع، والوضع، كما عرفه العلماء

جعل اللفظ بإزاء المعنى، وهذا قد يكون فى مجال اللغة فيسمى لغوياً،، أو

العرف فيسمى عرفياً، والعرف إما عرف الشرع، أو عرف الناس أو طائفة معينة منهم، فيقال: معنى تلك اللفظة شرعا أوعرفا أو اصطلاحا.

كذا وقد اختلفوا فى علم الأصول في واضع اللغة أى واضع الألفاظ بإزاء المعانى على أقوال عشرة: منها أنه الله سبحانه وتعالى أى أنها توقيفية - واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا.

ومنها: أن البشر هم الذين جعلوا اللفظ بإزاء معناه واصطلحوا على ذلك

بالوضع.

وقول ثالث يقول: إن الله سبحانه وتعالى، قد علم آدم بعض الأسماء

وعلمه كيف يضع، ثم بعد ذلك أكمل البشر، فجعلوا لكل محدث من المحدثات لفظاٌ جديداً واصطلحوا فيما بينهم عليه.

ومن هذه المذاهب الوقف، وهو أن هذه القضية ليست من القضايا التى

ينبغى أن نبحثها ولا يترتب عليها كثير فائدة.

ص: 27

فعلينا أن نتوقف فيها دون أن نعرف من الواضع، لأن هذا لا يفيدنا فى

شيء ومنها غير ذلك مما لا أطيل فيه، لأنه ليس هو المقصود بالذات.

ولم يقتصر الأمر على الوضع اللغوي وجعل الألفاظ بإزاء المعانى فى اللغة

التى تعارف عليها الناس والتى نقلت الأفكار من ذهن إلى ذهن، ومن شخص إلى آخر حيث جاء الشرع الشريف بوضع جديد وبألفاظ جديدة بإزاء معانى لم تكن معهودة أمام هذه الألفاظ فى اللغة، فأصبح عندنا حقائق شرعية، وحقائق لغوية،

والحقيقة هى اللفظ المستعمل فيما وضع له أولاً فى اصطلاح التخاطب.

فإذا أطلقت الصلاة فى لغة الشرع أو عند علماء الشرع انصرفت إلى

الأقوال والأفعال المبتدئة بالتكبير المختتمة بالتسليم ذات الشروط الخاصة المعروفة عند أهل الشرع، على أنها فى اللغة، كانت أولا تعنى العطف كما نص على ذلك ابن هشام وغيره من أئمة اللغة وفرعوا من العطف الدعاء والصلة وما إلى ذلك من معان أخرى، وكذلك الصيام والزكاة والحج والنية.

فكل هذه الألفاظ لها فى الشرع معان ولها فى اللغة معان أخرى، ومعانيها

فى الشرع لها ثمة علاقة بمعانيها فى اللغة. ولكن ليس هى نفسها.

وهذا الوضع الجديد لتلك الألفاظ بإزاء معانيها التى حددها الشرع، وهو

ما يسمى بالوضع الشرعى -

وقد تضع اللغة لفظة بإزاء معنى من المعانى ويأتى العرف فيخرحها عن

معناها إلى معنى آخر، وهذا ما يسمى بالوضع العرفى العام، فكلمة دابة مثلاً

تعنى فى اللغة كل ما يدب على الأرض، ولكن الناس فى العراق وفى مصر قديما

ص: 28

وحديثاً أطلقوها بصفة خاصة على الحصان وعلى الحمار وبحيث إذا أطلقت كلمة الدابة انصرفت إلى هذا الحيوان بالذات دون سواه.

وهذا مخالف للوضع اللغوى، ولذلك سمي الوضع العرفى العام، لأن الكافة

والجميع مشتركرن فى فهم معناه عند إطلاقه من غير إلى رجوع إلى الوضع اللغوى الأول.

كذلك يتواضع أهل فن معين أو طائفة خاصة من الصناع أو الحرفيين

أوغيرها من الطوائف على ألفاظ بإزاء معانى خاصة بذلك الفن أو تلك الحرفة، حتى إذا اطلق هذا اللفظ عندهم انصرفت ذهنهم إلى ذلك المعنى مباشرة فكان فى ذلك توفير للوقت وللجهد، وكان في ذلك أيضا تخاطب سريع بين أهل الفن الواحد، فهذا ما يسمى بالوضع العرفى الحاص أو ما يسمى أيضا بالاصطلاح -

ص: 29

وبناء على ما تقدم، فإن الاصطلاح كما هو الوضع العرفى الخاص.

قال ابن عابدين فى حاشيته فى المجلد الأول هـ 36:

" الاصطلاح لغة: الاتفاق ".

وقال الشيخ الباجورى فى حاشيته على ابن قاسم فى المجلد الأول هـ 20.

وكذلك قال مثله أبو النجا فى حاشيته على شرح الشيخ خالد على الآجرومية:

"الاصطلاح لغة مطلق الاتفاق، فالاصطلاح افتعال من اصطلح على وزن

افتعل، وقلبت التاء طاء لوروده بعد حروف الإطباق الأربعة وهى الصاد والضاد والطاء والظاء.

قال ابن مالك، طاتا افتعال رد أثر مطبق* والدان وازدد وادكر والابقى.

ولو رجعنا إلى العرف لوجدنا أن صيغة الافتعال تأتي فى اللغة بمعان كثيرة

لكن المراد منها هنا التشارط والإظهار فافتعل تأتى للتشارط وتأتى للإظهار،

فالاصطلاح كأنه يشترط فيه تشارط طائفة فى الاتفاق عليه ثم إظهار هذا

التشارط، وسترى أثر ذلك عندما نحدد شروط الاصطلاح.

ص: 31

إذن الاصطلاح لغة هومطلق الاتفاق، أما اصطلاحاً، ويتحدث عنه

الجرجانى فى التعريفات ص 28 ويورد له عدة تعريفات وليس تعريفاً واحداً،

فيقول:

هو إخراج اللفظ من معنى لغوى إلى آخر لمناسبة بينهما، وقيل هو اتفاق

طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى، وقيل: إخراج الشيء عن معنى لغوى إلى معنى آخر لييان المراد، فمرة عير باللفظ ومرة عبر بالشيء، ثم قال: وقيل الاصطلاح لفظ معين بين قوم معينين، فرجع ليعبر باللفظ مرة أخرى.

وفى كل تلك التعريفات للاصطلاح، نرى أنه لا يكون إلا فى الألفاظ

التى وضعت لمعان جارية فى فن معين أو علم خاص، حتى من عرفه بأنه: إخراج الشيء. كما جاء فى التعريف الثالث الذى ذكرناه، فإنه ينصرف إلى اللفظ، حيث إن قوله: عن معنى لغوي، يحتم أن يكون الشيء هنا. بمعنى اللفظ.

هذا هو الاتجاه الأول فى تعريف الاصطلاح.

- 6 -

وهناك اتجاه آخر نجده عند أبى النجا فى حاشيته على الشيخ خالد، يقول:

هو اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود، فلم يقل لفظ، ولكن قال: على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه.

وقد سار على هذا المنهج الشيخ الباجورى

فى حاشيته على ابن قاسم حيث يقول:

هو اتفاق طائفة على وضع أمر لأمر حتى إذا أطلق انصرف إليه.

وهذا الاتجاه فى تعريف الاصطلاح يدخل فيه الإشارة والعقد والنصب

والخط، وكل أنواع الدوال وما شاكل ذلك، فهو لا يقتصر على الألفاظ فقط.

بل يدخل باقى الدوال التى تدل على شيء من قبيل الاصطلاح وعلى ذلك

فإشارة المرور عندهم من الاصطلاح العام لأنها تمثل عرفا بين الناس جميعاً، فاللون الأحمر دال على التوقف، واللون الأخضر دال على المسير، وأنا أختار الاتجاه الأول، وأرى أن المصطلح هو اللفظ الموضوع من طائفة مخصوصة بإزاء معنى مخصوص بينه وبين المعنى اللغوي مناسبة.

- 7 -

إذا وصلنا إلى هذا الحد اعترضتنا أسئلة منها: هل الآلات والوسائل

- والأدوات وطرق البحث تعد مما يصطلح عليه، حتى إذا ما عالجنا المصطلح، فلابد

ص: 32

علينا أن ندخل هذه الأشياء فى كلمة مصطح؟ وهل الأشخاص أيضاً يمكن أن

ندخلهم تحت طائلة الاصطلاح.

إن كلمة جعل اللفظ بإزاء المعنى فى أصلها يمكن

أن تشمل كل ذلك، لأن المعنى هو الصورة الذهنية للشئ الخارجي، وقد تكلم العلماء عن الوجودات الأربعة، وهى وجود في الأذهان، ووجود في الأذهان، ووجود على اللسان، ووجود فى البنان والوجود فى البنان والوجود المتعين المخصص هو الوجود الخارجي الذى له صورة فى الذهن، ولفظ يترجم عنه على اللسان، وبالكتابة بما يشير إلى ذلك اللفظ.

فالمعنى إذن يمكن أن يكون لكل شىء، وباعتبار أن الاصطلاح هو عملية

وضع جديد فإن الاصطلاح يمكن أن يشمل كل ما ذكرناه.

- 8 -

وعلى سبيل المثال، فإن الدبوس فى اللغة هو آلة من آلات الحرب ويعنى

به عند طائفة من الصناع نوعاً من الكماشات، هذا الدبوس فى اللغة إذا أطلقناه عند العربى لانصرف ذهنه إلى آلة الحرب المعروفة، وهى كرة بها بروزٌ من حوانب متعددة، ولها يد يمسكها المحارب ويضرب بها خصمه وعدوه.

ولكننا إذا أطلقناها عند طائفة الصناع هولاء وقال أحدهم لصبيه: ائتني بالدبوس، فلابد عليه أن يأتيه بهذه الآلة المتعارف عليها بين أهل هذه الصناعة بهذا الاسم، هذا على حين أنه يطلق عند طائفة النساء على ما يشبك به مثلا.

وأطلق فى العصر الحديث على أداة من معدن على هيئة المسمار الصغير.

وهكذا نرى أن كلمة واحدة عرض لها الاصطلاح عند طوائف متعددة،

وعلى ذلك يمكن عندما نتعرض لصناعة من الصناعات أو فن من الفنون أو علم من العلوم أن نتعرض ونعد من المصطلح ما يدل على الآلة وما يدل على الوسيلة.

وما يدل على الأداة وما يدل على طريقة البحث وهكذا، لأن الاصطلاح فى

حقيقته وضع، وعندما يتوفر الوضع وتتوفر هذه العملية فلا بأس علينا من أن

نسمى ذلك اصطلاحاً، وأن نسمى تلك الألفاظ مصطلحاً.

بالنسبة للأشخاص إذا ما تأملنا ما بين أيدينا من التراث نجد أن الشافعى

رضى الله عنه يطلق كلمة الثقة، ويريد بها محمد بن إبراهيم بن أبى يحيى، فإذا

ص: 33

قال: حدثنى الثقة انصرف ذهن الرواة عنه إلى ذلك الشخص، فهم أسموه ثقة لأغراض عندهم تخصه وتخص علمه، وذلك فى حين أن مالكاً رضى الله تعالى عنه كان يقول: إنه زنديق ولا يقبل الرواية عنه، وكان الشافعى رضى الله عنه يروى عنه ويبجله ويجله، ويقول الشافعية إنهم تتبعوا روايات فيه فلم يجدوا فيها خللا أبدا، وأما مالك فقد اتهمه بذلك لغموض بينهما رآها كذلك ولم يرها الشافعى.

على كل حال نحن هنا فى إطلاق كلمة الثقة، على محمد بن إبراهيم بن أبى

يحيى، الذى صار مصطلحاً للشافعى ومصطلحاً لمن أتى بعده فى الرواية، حيث يقول: حدثنا الشافعى قال حدثنا الثقة، وعلى ذلك تصحح الأحاديث وتضعف بناء على علم مصطلح الحديث.

كذلك جرى علماء الحديث علي أنهم إذا أطلقوا الحسن غير منسوب فإنه

ينصرف إلى البصري ولا ينصرف إلى الحسن بن على، فإذا قالوا قال الحسن، انصرف ذهن المحدث بل ذهن الفقيه إلى أن تلك من قول الحسن البصرى وليس من قوله الحسن بن علي، والذى دفعهم إلى ذلك أمر آخر، وهو أنهم أرادوا أن يتبركوا بذكر الإمامين، فيكون الحسن بن على إن أرادوا أن يتكلموا عن الحسن بن علي، كما أن مرويات الحسن بن علي بسيطة وقليلة، ولذلك ميز لأنه أقل.

أما مرويات الحسن البصري فكثيرة، وفقه الحسن البصرى كبير، حتى إنه

عندما جمع وصل إلى ثمانية مجلدات.

فإذا أطلقت كلمة الحسن عند علماء الحديث أو عند علماء الفقه انصرف

ذلك إلى الحسن البصري فهل هذا اصطلاحاً يجد المتأمل أنه ليس اصطلاحا، لأنه لم تتفق طائفة من الناس لوضع هذه الكلمة بإزاء هذا المعنى بهذه الكيفية.

ولكننى أرى أن كثرة الاستعمال دون نكير من أحد فى قوة المصطلح،

وحتى وإن لم يمن مصطلحا بالمعنى الفنى الدقيق إلا أنه فى قوة المصطلح.

ويظهر لنا الاصطلاح فى مقابلة الأشخاص إذا نظرنا فى أصول الفقه،

ْفمثلا هم يطلقون كلمة الإمام، ويعنون بها الإمام الرازي، حتى إذا ما قيل فى أى كتاب من كتب أصول الفقه قال الإمام: فهو فخر الدين الرازي المتوفني سنة 606 هـ.

ولم يخرج عن هذا سوى مختصر ابن الحاحب وهو كتاب أصولى.

انفرد ابن الحاجب فيه باصطلاح خاص من بين الأصوليين وأرجع الناس ذلك

إلى كثرة تفننه فى العلوم، فكان إذا أطلق كلمة الإمام فإنه يعنى بها الإمام الجويني.

ص: 34

وعند الشافعية، القاضى، هو القاضى حسين، فى حين إنه عند المفسرين

إذا قالوا قال القاضي، انصرف الذهن مباشرة إلى القاضى البيضاوي، فى حين إن المتكلمين إذا قالوا القاضى فإنه ينصرف مباشرة إلى الشيخ الباقلانى، وكذلك فإن الإمام فى الفقه ينصرف إلى الجوينى وليس إلى الرازي والاسفرائينى إلى أبى إسحاق الإسفرائينى وليس إلى أبى حامد.

يمكن إذن أن نجيب على سؤال: هل الآلات وما شابهها، والأشخاص

يمكن أن يصطلح عليها بالإيجاب.

على أننا يجب أن ننبه إلى أن أسماء الأعلام لا تدخل فى المصطلح، فمالك

والشافعى وأبو حنيفة ليست مصطلحات، وإنما يدخل منها من صار إطلاق أسمه بهيئة معينة كالحسن غير منسوب، أو وصف كالإمام والقاضى والأستاذ، أو الكنية أو اللقب تصبح مصطلحا إذا أطلقت فى فن بعينه ينصرف به أهل ذلك الفن إليه.

وكذلك فإن الآلات والوسائل لابد أن يخرج اللفظ عن معناه اللغوى فإن لم

يخرج عن معناه اللغوى فليس بمصطح.

فكلمة الشاكوش والمشط والحبل وغيرها من الأدوات، ليست مصطلحات حيث إن وضعها أمام وبإزاء معانيها من وضع

اللغة ولم تخرج عن هذا الوضع إلى معنى جديد، فكل شخص سواء من أهل الفن. أو من خارج أهل الفن يفهم الشاكوش، شاكوشاً والحبل حبلاً، فالألفاظ التى خرجت عن معانيها اللغوية هى التى نستطع أن نسميها مصطلحاً.

من هذا يمكن أن نتبين شروط وضع المصطلح وهى:

1 -

أن تقوم به طائفة من أهل فن أو علم أو صنعة معينة، فإن قام به فرد

أو فردان، فلا يصير هذا مصطح علم إنما يصير مصطح شخص.

2 -

أن يخرج اللفظ عن معناه اللغوى إلى معنى جديد، فإن لم يخرج فليس

بمصطلح.

3 -

على أن يكون هناك ثمة مناسبة بين المعنى الجديد والمعنى اللغوى،

وهذه المناسبة هى العلاقة التى يتكلم عنها علماء البلاغة فى المجاز المرسل والتى

أوصلها بعضهم إلى خمس وعشرين علاقة، وأحياناً إلى أربعين علاقة عند

التفصيل.

ص: 35

4 -

أن يشهر ذلك المعنى ويظهر بحيث ينصرف الذهن إليه عند إطلاق

اللفظ عند أهل الفن، فإن لم يشتهر لم يؤد وظيفته التى من أجلها كانت عملية الاصطلاح، وهى أن يصل المعنى إلى ذهن السامع من أقرب طريق للاستغناء به عن الإطالة فى الكلام وعن الشرح المستفيض، وهذا الاشتهار هو ما يمكن أن نسميه القبول العام من أهل الفن.

نأتى بعد ذلك لسؤال مهم هو هل الألفاظ الشرعية اصطلاح. أى هل تعد

من المصطلحات؟

إذا تاُملنا خريطة الوضع التى رسمناها لقلنا: إن الوضع يمكن أن يكون لغويا

أو عرفيا والعرفى إما عام وإما خاص.

وبناء على هذا التقسيم، فإن الألفاظ الشرعية تعد من قبيل الاصطلاح

العرفى الخاص بالشرع، ومن أجل ذلك نرى فى عبارات الكتاب عبارة

"وفى عرف الشرع كذا" أى فى اصطلاحهم، ولكن لما كان الشرع ليس خاصا بطائفة معينة من أهل العلوم والفنون، وكان اصطلاحه هذا يعرفه الكل حتى صار شبيهاً بالعرف العام، فقد قالوا معنى اللفظ لغة كذا، وشرعا كذا، وعرفا كذا، واصطلاحاً كذا، ففرقوا بين الشرعية والاصطلاحية،

وقولهم: لغة وشرعاً وعرفاً

أى فى اللغة وفى الشرع وفى العرف العام، وفى العرف الخاص، ونرى ذلك

مميزاً بين الشرعى والعرفى مثل الخاص والعام الاصطلاحى.

ويلخص الشيخ الباجورى هذه القضية فى سطور قليلة، فيقول: تارة

يعبرون بقولهم اصطلاحا، وتارة يعبرون بقولهم شرعا، والفرق بينهما أن الأول يكون فى الأمر المتلقى من الشارع كمعنى الصلاة، وهى أقوال وأفعال مبتدئة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة.

وقد يعبرون بقولهم شرعا فيما اصطلح

عليه الفقهاء من حيث أنهم حملة الشرع.

كما قال الشبراملسي، وقد نقل هذا عنه العلامة الجمل فى حاشيته على

شرح المنهج المجلد الأول ص 13 وكذلك البجيرمى على شرح المنهج للشيخ

زكريا الأنصارى المجلد الأول صـ 9 وقد قال الشبراملسي: العرف والاصطلاح متساويان، وقيل الاصطلاح هو العرف الخاص، وهو ما تعين ناقله، والعرف إذا أطلق يراد به العام، رهو ما لم يمَعين نامله، وعلى كل فالمراد من العرف والاصطلاح: اللفظ المستعمل في معنى غير لغوي، ولم يكن ذلك مستفاداً من

ص: 36

كلام الشارع بان أخذ من القرآن أو السنة وقد يطلق الشرعي مجازا على ما كان من كلام الفقهاء وليس مستفادا من الشارع.

وإذا نظرنا فى ذلك القول فإننا نرى أن اللفظ الواحد قد يكون له معان منعدة بتعدد العلوم، ومثال ذلك كلمة المفرد

التى تعنى فى علم النحو الكلمة الواحدة، وهى عند المناطقة والأصوليين:

ما لا يدل جزؤه على جزء معناه وهذا الخلاف فى المعنى يرجع إلى اختلاف العلوم.

وكلمة "الكلام " عند اللغوين تعنى: كل ما أفاد من كتابة أو إشارة أو

عقد أو نصب، بينما تعنى عند النحاة: اللفظ المركب المفيد بالوضع، وعند

الفقهاء كل ما أفسد الصلاة، ولو كان حرفا مبهماً أو حرفين وإن لم يفهما.

وهذا ما يسمى كلاماً عند الفقهاء.

أما عند المتكلمين فهو عبارة عن المعنى القديم القائم بذاته تعالى.

وهكذا نرى كلمة واحدة ومصطحا واحداً يختلف معانيه باختلاف العلوم

وهذا شيء طبيعى.

كذلك نجد أن المصطلح يختلف باختلاف المدارس داخل العلم الواحد،

فالواجب والفرض فى أصول الفقه. مترادفان عند الجمهور،

وقد قالت الحنيفة إن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني.

وكلمة: مال، عند فقهاء الحنيفة، تعنى موجود قابل للادخار فى حال

السعة والاختيار، له قيمة مادية بين الناس، فى حين إنه عند الجمهور ما كان فيه منفعة مقصودة مباحة شرعاً لغير حاجة أو ضرورة، حتى يخرج من المحرمات التى تباح بالضرورة، وله قيمة مادية بين الناس.

فعند الحنيفة المال، منه ما هو متقوم وما هو غير متقوم، واشترطواً فيه

قابليته للادخار، وذلك خلافاً للجمهور الذى لم يشترط ذلك، وقد بنى على

ذلك كثير من مسائل الفقه.

والمصطح قد يتطور مدلوله وتعريفه عبر القرون، وقد يكون الاختلاف فى

الصيغة فقط، وقد يكون فى مدلوله أيضاً ومعناه.

فالحكم عند الأصوليين كما قال الغزالي فى أواخر القرن الخامس وأوائل

السادس خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ثم يأتى الشراح ويقولون

ص: 37

(. . . من حيث هو مكلف - ويسمونه قيد الحيثية؛ لأنه أضاف إلى التعريف شيئا لم يذكره الإمام الغزالى، ولكن فهمه الناس من كلامه.

فلما عرفته مدرسة الإمام الرازي ومنهم البيضاوي قال إن الحكم "خطاب

الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير وهذا تطور فى الصياغة رغم أن المعنى واحد، ثم جاء ابن الحاحب واختلف معهم فى أمر جوهرى، وهو على ما يطلق الحكم الشرعى، أيطلق على التكليفي فقط أم على التكليفى والوضعى معا فزاد، أو الوضع.

والمناقشات فى هذا المضوع كثيرة، لأن إضافة كلمة واحدة لمدلول ذلك

المصطلح تغير مدلوله لتبنيه رأيا معينا فى مدرسته.

وقد يكون التغيير جوهرياً حتى فى المدرسة الواحدة، ونجد هذا فى علم

مصطلح الحديث.

فمثلا كلمة مرسل، تطلق عند الأقدمين مثل أحمد وأقرانه على

كل سند انقطع فى أي مكان منه، وبأي عدد، فى حين أن صاحب البيقونية

يقول: والمرسل منه الصحابى سقط وقل غريباً روى ما روى راوٍ فقط.

فغير بذلك معنى المرسل، وسار على هذا المعنى المتأخرون فيما عدا ابن

همات الدمشقي، حيث سار ابن حجر فى النخبة على ما قاله صاب

البيقونية.

وبالطع، فإن هذا التطور له أسبابه، ولكننا لسنا الآن بصدد بحث

الأسباب، بل فى مسألة الاصطلاح، وكيف تطور هذا الخلاف ليس فى الصياغة فقط وليس باختلاف المدارس أو العلوم فقط، بل من قبيل التطور الدلالى وعلى ذلك فالمصطلح الواحد قد نجد له فى العلم الواحد أكثر من تعريف لاعتبار من تلك الاعتبارت السابقة، أو لاختلاف مدخل تعريفه.

ص: 38

فمعنى الأصل اصطلاحاً يطلق على الدليل، ويطلق على القاعدة المستمرة،

ويطلق على الراجح ويطلق على الصورة المقتبس عليها إلى آخره.

وليس هناك ما يحدد معنى من تلك المعانى بخصوصها، بل إن السياق

والسباق هو الذى يحدد لنا تلك المعانى فى كل علم من العلوم.

- 17 -

وبالنسبة لترادف المصطحات، وقد ضربنا من قبل مثلاً حول الواجب

والفرض، فالواجب والفرض كما يقول البيضاوي مترادفان بينما قالت الحنيفة:

إن الواجب ما ثبت بدليل ظنى، والفرض ما ثبت بدليل قطعى.

فالواجب والفرض عند الجمهور أو عند مدرسة الرازي أوعند الشافعية

مترادفان فلو أطلقت كلمة الواجب أو الفرض عند جمهور الأصوليين، سنجد أن معناهما واحد، وكذلك الحال فى السلم والسلف، "والمساقاة والمعاملة""والمزارعة والمخابرة" فهذه كلها ألفاظ ترادفت وأصبحت مصطحات مترادفة

سواء فى الأصول أوفى الفقه أو فى غيرهما من العلوم.

- 18 -

أما بالنسبة لمسألة تداخل المصطحات فى العلم التراثي الواحد، وأعنى

بتداخل المصطلحات أى تشابكها، أى أن يكون للمصطح الواحد عدة معان، ويكون لبعض هذه المعانى مصطحات أخرى، وتلك المصطحات لها معان أخرى أيضاً بسبب من الأسباب السابقة وغيرها، ومثال ذلك كلمة العلة والسبب.

فالعلة لها تعريف أو تعريفات والسبب كذلك له تعريفات، والجمهور يرى أنهما مترادفان وعلى ذلك يمكن أن أعرف السبب أو أعرف العلة، بما أعرف به الآخر لأنهما مترادفان، ولكن الأحناف يرون أن العلة مؤثرة، وأن السبب معرف وعلى ذلك تفترق العلة عن السبب.

ثم نرى أن السبب له أيضاً تعريفات أخرى، وأن العلة لها تعريفات أخرى،

ومن هنا تتشابك الأمور تشابكاً دقيقا، لا يستطع حله سوى المتخصصين فى

ص: 39

ذلك العلم أو فى هذا المجال، فإذا لم تحدد الأمور والمصطلحات تحديداً دقيقاً يحدث اضطراب كبير، ويؤدى على المدى الطويل إلى نزاع واسع واختلاف وخلاف كما حدث فى تعريف الحسن والقبح، عند المعتزلة وأهل السنة، فكان أحدهما يطلق كلمة الحسن بمعنى بينما يفهمها الآخر بمعنى آخر، وبذلك لا يتصل التخاطب، ولا تتم القاعدة التى تقول: إن الاستعمال من صفة المتكلم والحمل من صفة السامع والوضع قبلها لأنهما لم يتواضعا على معنى محدد للمصطلحات الجارية فى النقاش وبهذا حدث الخلاف الواسع، وقد يكون هذا الخلاف قد استقر عند كثير جداً من المعتزلة، وعند كثير جدا من أهل السنة فيما بعد، ولكن لم نجد من نبه إليه حتى الآن، وأنه راجع إلى خلاف لفظى.

وأرى أن هناك جانبا كبيراً من المسألة يرجع إلى تحديد المصطلحات، وأنه

ْعندما اقتنع المتناظر بمدلولات المصطلحات انتهت كثير من المناقاشات حول هذه المسألة، فالحَسَن والقبيح، أو الحُسن والقُبح، هل هو بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته أو أنه ما يستوجب المدح وما يستوجب الذم، فهذان عقليان بالاتفاق أو أنه ما يترتب عليه ثواب فى الآخرة أوعقاب فى الآخرة، وهذا هو الذى وقع فيه النزاع أعقلى أم شرعى.

فلو أننا حددنا لانتهى كثير من الخلاف حول هذه المسألة.

ولما أنكر كثير من الناس الحسن والقبح العقلى، ولما وقع كثير من الناس

فى تأييده بالمعنى المتنازع فيه، أو عدم تأييده فى المعنى المتفق عليه، وهكذا نجد أن هناك مساحات للاتفاق ومساحات للخلاف يمكن أن تظهر عند تحديد

المصطحات.

كما يقول ابن حزم: لو اتففت مصطلحات الناس لانتهت ثلاثة أرباع

خلاف أهل الأرض.

على كل حال فإن الأمر كان يدرس رغم اضطرابه بشيء من الهدوء وطول

البال، وكان - على ما أدى إليه من اضطراب كان مقبولاً أو مقدورا عليه ولكن الأمر يزداد سوء إذا نظرنا فى اضطراب المصطلحات بين القديم والحديث وعلاقة ذلك بالتلاعب بالمفاهيم وأثار ذلك على قراءة التراث.

ص: 40

وهنا نشير إلى أن قضية المصطح قد شغلت علماء كثيرين قديماً وحديثاً

فألف فيها الخوازمى "مفتاح العلوم" والجرحانى "التعريفات " وهناك كتاب لكاتب مجهول اسمه "تحفة الخل الودود فى معرفة الضوابط والحدود"

وألف أبوالبقاء كتاب "الكليات " وهو مطبوع في خمسة مجلدات، وهناك أيضا "كشاف اصطلاحات الفنون "، للتهانوني وطبع فى إيران فى ستة مجلدات واسطنبول فى مجلدين، وأيضاً "دستور العلماء" لأحمد نجرو وهو فى أربعة مجلدات، "والتحفة النظامية فى الفروق "، "والمفردات في غريب القرآن " للأصفهانى، وفيه شيء من ذلك،

"والحدود" للكندى، "والحدود" للفارابى "والحدود" للباجى فى أصول الفقه،

"والحدود" لابن فودة "والحدود" للمرتضى "والمقدمة " للطوسى، وكثير جداً من الكتب التى اهتمت بهذا الجانب من العلم كما أن هناك من المحدثين من تكلم عن المصطحات العلمية قبل النهضة الحديثة مثل الأستاذ ضاحى عبد الباقى وقد طبع كتابه فى مصر فى عام 1979.

وهناك الأستاذ الدكتور لم محمد رشاد الحمزاوى وكتابه (فى المنهجية العامة

لترجمة المصطحات وتوحيدها وتنميطها) .

والذى تكلم فيه عن هذه القضية، وكذلك كتابه "العربية والمحادثة أو

الفصاحة فصاحات "، كما تكلم مصطفى الشهابى فى المصطحات العلمية والفنية فى اللغة العربية، وللأستاذ الدكتور محمد عمارة بحث بعنوان (منهج فى التعامل مع المصطحات) قدمه لجامعة الأمير عبد القادر بالجزائر فى ندوة قضايا المنهجية فى الفكر الإسلامى، وعالج فيه قول

"لا مشاحة فى الاصطلاح" وضرب فيه أمثلة كثيرة، وهناك أيضا بعض المقالات منها مقالين للأستاذ أحمد أبو حسن "منهج إلى علم المصطلح"

" والمصطح ونقد النقد العربى " وقد نشرا فى مجلة الفكر العربى

المعاصر فى العددين 60. 61 ومقال لمعن زيادة "مدخل لدراسة عصر النهضة"

وتكلم فيه عن المصطلحات فى عدد 2، 3 ومقال لجواد على الطاهر

"مصطلحات غربية نضطرب فى استعمالها " فى العدد 47 من مجلة الفكر"

"وصعوبات الاستعمال المنهجى للمفاهيم " والمصطلح السياسى العربى الحديث " لرضوان السيد.

وهذه الكتب والمقالات لا نقر كل ما فيها، إنما هى كتب ومقالات

تكلمت عن الموضوع، ويمكن الاستفادة منها بطريقة أو بأخرى فى دراسة تلك المسألة.

ص: 41

المبحث الثالث

التطبيق على شرح مصطلح القياس

ص: 43