الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(23) آدابُ المحدِّث:
تصحيحُ النيَّةِ من طالب العلم متعيَّنٌ. فَمَن طَلَب الحديثَ للمكاثرة، أو المفاخرة، أو ليَروِيَ، أو لِيتناوَلَ الوظائفَ، أو ليُثْنَى عليه وعلى معرفتِه: فقد خَسِر. وإنْ طلَبَه لله، وللعمل به، وللقُربةِ بكثرة الصلاة على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ولنفعِ الناس: فقد فاز. وإن كانت النيَّةُ ممزوجةً (1) بالأمرينِ: فالحكمُ للغالب.
وإن كان طَلَبَه لفَرْطِ المحبةِ فيه، مع قطع النظر عن الأجْرِ، وعن بني آدم: فهذا كثيراً ما يَعتري (2) طلبةَ العُلُوم، فلعلَّ النيَّةَ أن يَرزُقَها اللهُ بعدُ. وأيضاً فَمَن طَلَب العلم للآخِرة: كَسَاهُ العِلمُ خَشْيَةً لله (3)، واستَكانَ وتواضَعَ. ومَن طَلَبَه للدنيا: تكبَّرَ به وتَكَثَّر (4) وتجبَّر، وازدَرَى بالمسلمين العامَّة، وكان عاقبةُ أمرِه إلى سِفَالٍ وحَقَارة.
فليحتسِب المحدِّثُ بحديثهِ، رجاءَ الدخولِ في قوله صلى الله عليه وسلم:(نَضَّرَ اللهُ امرءاً سَمِعَ مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَن لم يَسمعها) .
(1) - في (ش) : "ممزوجةُ" بضم التاء المربوطة، وصوابها بالتنوين بالفتح.
(2)
- في (ش) : "يعتبري" بزيادة باء، وهو خطأ.
(3)
- في (ظ) : "كَسَرَهُ العلمُ وخَشَعَ لله". وقد نبّه المحقِّقُ إليها، لكنه تصرَّفَ في العبارة بحسب ما استساغه رحمه الله! ولو أُجيز مثلُ هذا الصنيع، لفَسَدَت المتون تباعاً. فالأَوْلَى بالصوابِ إثباتُ الأصلِ في المتنِ، وتعديلُه في الهامش - على افتراض خطئه - والله أعلم.
(4)
- سقطت من (ش) .
وَلْيَبْذُلْ نفسَه للطلبةِ الأخيار، لا سيما إذا تَفرَّد. وَلْيَمْتَنِعْ مع الهَرَمِ وتغيُّرِ الذهن. وَلْيَعْهَد إلى أهله وإخوانه حالَ صحته: أنكم متى رأيتموني تغيَّرتُ، فامنَعُوني مِن الرواية.
فمن تَغيَّرَ بسُوءِ حفظٍ، وله أحاديثُ معدودة قد أَتقَنَ روايتَها (1) : فلا بأس بتحديثِه بها زمنَ تغيُّره. ولا بأس بأن يُجيزَ مرويَّاتِه حالَ تغيُّره، فإنَّ أصولَه مضبوطةٌ ما تغيَّرَتْ، وهو فَقَدْ وَعَىَ (2) ما أجاز. فإن اختَلَط وخَرِفَ، امتُنِعَ مِن أخْذِ الإجازةِ منه.
ومِن الأدب أن لا يُحدِّثَ مع وجودِ مَن هو أَولَى منه، لِسِنِّه (3) وإتقانِه. وأن لا يُحَدِّث بشيءٍ يرويه غيرُه أعلى مِنه. وأن لا يَغُشّ المبتدئين (4) ، بل يَدُلّهم على المُهِمّ، فالدِّينُ النصيحة. فإنْ دَلَّهم على مُعَمَّرٍ عامِّيٍّ، وعَلِمَ قُصورَهم في إقامِة مرويَّاتِ العامِّيِّ، نَصَحهم ودَلَّهم على عارفٍ يَسمعون بقراءتهِ، أو حَضَر مع العامِّيِّ ورَوَى بنُزولٍ، جَمْعاً بين الفوائد.
ورُوي أنَّ مالكاً رحمه الله كان يَغتسِلُ للتحديث، ويَتبخَّرُ،
(1) - في (ظ) : "أدمَن في درْبَتها". وقد نبّه المحققُ إليها، لكنه تصرَّف فيها.
(2)
- في المطبوعة: "فَقَدَ وَعْيَ" بفتح الدال وسكون العين، وهو غَلَطٌ فاحشٌ من المحقِّق ومعناه لا يستقيم! والصوابُ بسكون الدال وفتح العين، لا سيّما وفي (ظ) فتحة ظاهرة على العين.
(3)
- في (ظ) : "لدينه". وقد تركها المحقِّقِ، وأثبتَ ما أثبته من (الاقتراح) كما نبّه. قال رحمه الله:"وأرجِّح أنها محرَّفة عن (لسِنّه) ، فلذا أثبتُّها"(ق) . اهـ
(4)
- سقط من (ش) . وهو سقطٌ فاحشٌ، أخلّ بضبط المعنى.
ويتطيَّبُ، ويَلبَسُ ثيابَه الحسنة، ويَلزمُ الوَقارَ والسَّكينة، ويَزْبُرُ (1) مَن يَرفعُ صوتَه، ويُرَتِّلُ الحديث.
وقد تَسمَّح الناسُ في هذه الأعصار بالإسراع المذموم، الذي يَخفَى معه بعضُ الألفاظ. والسماعُ هكذا لا ميزة له على الإجازة، بل الإجازةُ صِدْقٌ. وقولُك:"سَمِعتُ – أو قرأتُ – هذا الجزءَ كلَّه" مع التَّمْتَمَةِ ودَمْجِ بعض الكلمات: كَذِبٌ.
وقد قال النَّسائيُّ في عِدَّةِ أماكنَ مِن صحيحه: "وذَكَرَ كلمةً معناها: كذا وكذا". وكان الحُفَّاظُ يَعقِدون مجالسَ للإملاء، وهذا قد عُدِمَ اليومَ. والسَّماعُ بالإملاء يكون مُحقَّقاً ببيانِ الألفاظِ للمُسمِع والسامع.
ولْيجتنِبْ روايةَ المشكلات، مِمَّا لا تحملُه قلوبُ العامَّة. فإن رَوَى ذلك، فليكن في مجالس خاصة. وَيَحرُمُ عليه روايةُ الموضوع، وروايةُ المطروح، إلا أن يُبَيِّنه للناسِ ليَحْذَرُوه.
الثقة:
تُشتَرَطُ العدالةُ في الراوي، كالشاهد. ويمتازُ الثقةُ بالضبطِ
(1) - أي: ينهاه ويزجره. (ق)
والإتقان. فإن انضافَ إلى ذلك المعرفةُ والإكثارُ، فهو حافظٌ.
والحُفَّاظُ طبقات:
1-
في ذِرْوَتِها: أبو هريرة رضي الله عنه.
2-
وفي التابعين كـ: ابنِ المسيَّب.
3-
وفي صِغارِهم كـ: الزُّهريّ.
4-
وفي أتباعِهم كـ: سفيان، وشعبة، ومالك. ثم:
5-
ابن المبارك، ويحيى بن سعيد، ووكيع، وابن مهدي. ثم:
6-
كأصحابِ هؤلاء، كـ: ابن المَدِيني، وابن مَعِين، وأحمد، وإسحاق، وخَلْق. ثم:
7-
البخاريّ، وأبي زُرْعَة، وأبي
حاتم، وأبي داود، ومُسْلِم. ثم:
8-
النَّسائيّ، وموسى بن هارون، وصالح جَزَرَة، وابن خُزَيمة. ثم:
9-
ابن الشَّرْقي. ومِمَّن يُوصَفُ بالحفظ والإتقانِ، جماعةٌ من الصحابة والتابعين.
ثم:
10-
عُبَيد الله بن عمر، وابن عَوْن، ومِسْعَر. ثم:
11-
زائدة، واللَّيث، وحمَّاد بن زيد. ثم:
12-
يزيد بن هارون، وأبو أسامة، وابن وهب. ثم:
13-
أبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نُمَير، وأحمد بن صالح. ثم:
14-
عَبَّاس الدُّوْرِي، وابن وارَهْ، والترمذيّ، وأحمد بن أبي خَيْثَمة، وعبد الله بن أحمد. ثم:
15-
ابنُ صاعِد، وابن زياد النيسابوريّ، وابن جَوْصَا، وابن الأَخْرَم. ثم:
16-
أبو بكر الإسماعيليّ، وابن عَدِيّ، وأبو أحمد الحاكم. ثم:
17-
ابن مَنْدَه، ونحوه. ثم:
18-
الَبرْقَانيّ، وأبو حازم العَبْدَوِيّ. ثم:
19-
البيهقيّ، وابن عبد البَرّ. ثم:
20-
الحُمَيديّ، وابن طَاهِر. ثم:
21-
السِّلَفِيّ، وابن السَّمْعاني. ثم:
22-
عبد القادر، والحازميّ. ثم:
23-
الحافظ الضياء، وابن سيّد الناس خطيب تونس. ثم:
24-
حفيده حافظ وقتِه أبو الفتح.
ومِمَّن تقدَّم (1) من الحفاظِ في الطبقةِ الثالثة: عَدَدٌ من الصحابةِ وخلقٌ من التابعين وتابعيهم، وهلُمَّ جراً إلى اليوم. فمِثلُ يحيى القطان يقال فيه:
1-
إمامٌ، وحُجَّةٌ، وثَبْتٌ، وجِهْبِذٌ، وثِقَةٌ ثِقَةٌ. ثم:
2-
ثقةٌ، حافظٌ. ثم:
(1) - في (ظ) : "ومِمَّن تعدَّى". واشتبهت على المحقق، فقرأها بميم واحدة، ولذلك تصرّف فيها! قال رحمه الله:"وقع في الأصل: (ومن تعدي من الحفاظ) ". (ق) اهـ فانظر.
3-
ثقةٌ، مُتقِنٌ. ثم:
4-
ثقةٌ عارفٌ، وحافظٌ صَدوقٌ، ونحوُ ذلك.
فهؤلاء الحُفَّاظُ الثقات: إذا انفردَ الرجلُ مِنهم مِن التابعين، فحديثهُ:(صحيحٌ) . وإن كان مِن الأتباعِ، قيل:(صحيحٌ، غريبٌ) . وإن كان مِن أصحاب الأتباع، قيل:(غريبٌ، فَرْدٌ) . ويَنْدُرُ تفرُّدهم، فتجدُ الإمامَ مِنهم عندهَ مِئتا ألف حديث، لا يكادُ ينفرد بحديثينِ ثلاثة! ومَن كان بعدَهم: فأين ما يَنفرِدُ به؟ ما عَلِمْتُهُ، وقد يوُجَد.
ثم نَنْتَقِلُ إلى:
5-
اليَقِظ، الثقة، المتوسِّطِ المعرفةِ والطَّلَبِ (1) .
فهو الذي يُطلَقُ عليه أنه: "ثقة"، وهُمْ جُمهورُ رجالِ "الصحيحين". فتابِعِيُّهم إذا انفَرَد بالمَتْن، خُرِّجَ حديثُه ذلك في الصحاح. وقد يَتوقَّفُ كثيرٌ من النقَّاد في إطلاق "الغرابة" مع "الصحة" في حديثِ أتباعِ الثقات. وقد يُوجَدُ بعضُ ذلك في الصحاح دون بعض (2) .
وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم وحفص بن غِياثٍ: (منكراً) . فإن كان المنفردُ مِن طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ عَلَى
(1) - ترقيم هذه المرتبة مِنِّي على مقتضى المراتب، وليست من ترقيم المحقق.
(2)
- في (ظ) : "بعضه". وقد تصرّف فيها المحقق، فحذف الهاء، ونبّه إليها!