الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن الأعرابي والأصمعي وغيرهما: ظن رؤبة أن الكبريت ذهب. وفي العقد: سمع بالكبريت أنه أحمر فظن أنه ذهب. وفي شفاء الغليل: ((وذكره رؤبة في شعره بمعنى الذهب، وخطئ فيه لأن العرب القدماء يخطئون في المعاني دون الألفاظ)) .
قلنا: ولا يخرج ما في اللسان عن ذلك، ولكنه ذكر تفسير الكبريت بالذهب الأحمر في قول لبعضهم، وهو كما لا يخفى يناقض ما اعترض به هؤلاء الأئمة، فلعله حدث بعد نظم البيت وبنى على ما فيه وثوقاً من قائله بالشاعر وليحقق.
(ومن قبيله) قول أبي ذؤيب في وصف الدرة:
فجاء بها ما شئت من لطمية
…
يدوم الفرات فوقها ويموج
قالوا: والدرة لا تكون في الماء العذب، وإنما تكون في الماء الملح، كذا في اللسان والعقد والوساطة وما يجوز للشاعر في الضرورة وغيرها وذكر أبو هلال في الصناعتين: أن من يحتج له يرى أن مراده ماء الدرة، وقد وقفت في شرح السيرافي على كتاب سيبويه على تفصيل لذلك بما نصه:((قال الأصمعي: هذا غلط، وذلك أنه ظن أن اللؤلؤ يخرج من الماء العذب لبعده عن مواضع اللؤلؤ، ومعنى يدوم الفرات فوقها ويموج: أي يسكن مرة ويهيج أخرى بالريح أو زيادة الماء. وذكر بعض أهل اللغة: أن هذا صحيح، وأن الأصمعي هو الغالط، وكيف يذهب هذا على أبي ذؤيب، وهو من هذيل، ومساكنهم جبال مكة المطلة على البحر ومواضع اللؤلؤ، وإنما أراد أبو ذؤيب بالفرات هاهنا ماء اللؤلؤة الذي قد علاها وجعله فراقاً، إذ كان أعلى المياه ما كان فراقاً. وقوله: يدوم الفرات، أي يسكن. ويموج، أي يضطرب. إنما أراد في الناظر مرة، ويضطرب أخرى لصفائها وبريقها، وأن الماء هو ماء اللؤلؤة)) انتهى.
(ومن ذلك) قول لبيد:
ومقام ضيق فرجته
…
بمقامي ولساني وجدل
لو يقوم الفيل أو فياله
…
زل عن مثل مقامي وزحل
أي لو يقوم الفيل أو صاحبه في هذا المقام لزل وتنحى، ولم يثبت مثل ثباتي، ولا معنى لذكر الفيال هنا، ولكنه لما سمع بعظم خلق الفيل وشدة أيده، ظن أن لسائسه مثل قوته فأخطأ.
(ومنه) قول الآخر:
وألين من مس الرخامات يلتقي
…
بمارنه الجادي والعنبر الورد
أنشده السيوطي في المزهر، ونقل عن القالي في أماليه أنه قال:((غلط الأعرابي لأن العنبر الجيد لا يوصف إلا بالشهبة)) .
قلنا: البيت وارد في الأمالي، وهو من أبيات أولها:(سقى دمنتين ليس لي بهما عهد) وليس في النسخة المطبوعة ما نقل في المزهر من الانتقاد، فلعل القالي ذكره في كتاب آخر له.
(ومنه) قول خالد بن زهير:
وقاسمها بالله جهداً لأنتمُ
…
ألذ من السلوى إذا ما نشورها
ظن السلوى العسل فقال نشورها، أي تجنيها من الخلية. قال الزجاج: أخطأ خالد إنما السلوى طائر، وتمحل الفارسي في الرد عليه بأن السلوى كل ما سلاك. وقيل للعسل: سلوى لأنه يسليك بحلاوته، وتأتيه عن غيره مما تلحقك فيه مؤونة الطبخ وغيره من أنواع الصناعة انتهى ولا يخفى ما فيه.
القسم الثاني
وكما أنهم يخطئون فيما لم يروه ويعهدوه، نراهم يخطئون أيضاً فيما نشأوا عليه، وألفوا رؤيته صباح مساء. ومأتي هؤلاء من تعرضهم لما عرفوا جملته، ولم يحيطوا بتفصيله، لأن المعرفة تتفاوت كثرةً وقلة بحسب ملابسة الأشياء ومجانبتها، فمن كان أشد علاقة بالشيء كان بالضرورة أخبر به وأبصر ممن ضعفت علاقته به، أو قصرت معرفته له على مجرد الألف والمشاهدة. ألا ترى أن قيم الغراس لا يجهل السيف، كما لا يجهله سائر العرب، ولكنا إذا اختبرناه فيه لا نصيب عنده من العلم به وبدقائق أجزائه ومختلف حالاته وصفاته ما نصيبه عند الطباع والصيقل. وكذلك صاحب الظلف أعرف بالشاة والعنز منه بالفرس والبعير، وصاحب الخيل أبصر بها من الملاح أو البزاز، وقس على ذلك سائر الأمور في الكثير الغالب ومن هذه الناحية تطرق الخطأ لرؤبة في قوله يصف فرساً ويذكر قوائمه:
بأربع لا يعتنفن العفقا
…
يهوين شتى ويقعن وفقا
فجعله يضبر، أي يجمع يديه ثم يثب فيقع مجموعة يداه، وهو عيب، لأن الجياد من الخيل لا تقع حوافرها معاً، إنما المستحب من الفرس أن يسبح بيديه. ولما قيل له: أخطأت يا أبا الجحاف جعلته مقيداً يضبر، قال: أي بني لا علم لي بالخيل، ولكن أدنني من ذنب البعير أصفه كما يجب، قال الأصمعي: فأدني منه فلم يصنع شيئاً.
(ومثله) قول أبي النجم يصف فرساً أجراه في الحلبة:
يسبح أخراه ويطفو أوله
قال الأصمعي: أخطأ في هذا لأنه إذا سبح أخراه كان حمار الكساح أسرع منه، وإنما يوصف الجواد بأنه تسبح أولاه وتلحق رجلاه، كذا في الأغاني. وفي العقد: أن اضطرب مؤخر الفرس قبيح، والوجه ما قال أعرابي في وصف فرس أبي الأعور السلمي.
مر كلمح البرق ناظره
…
يسبح أولاه ويطفو آخره
فما يمس الأرض منه حافره
وقال ابن قتيبة في طبقات الشعراء: ((وكأن أبو النجم وصافاً للفرس وأخذ عليه في صفته يسبح أخراه ويطفو أوله)) ثم ذكر قول الأصمعي ولم يزد، ولكن علي بن حمزة البصري نقل عنه في التنبيهات قولاً عن غير الأصمعي فيه تصويب لما في الرجز، فلعله ذكره في كتاب آخر غير الطبقات. وعزا على بن حمزة انتقاد الأصمعي إلى تعصبه على أبي النجم ومن يستقر كلامه في هذا الكتاب يجد عجباً من تعصبه هو على الأصمعي ورده ما يقول بحق وبغير حق، وكان خيراً له أن يعتذر هنا لأبي النجم اعتذار رؤبة لنفسه.
(ومما) خطىء فيه أبو النجم ونبه عنه ابن قتيبة في طبقات الشعراء قوله في وصف الفرس:
كأنها ميجنة القصار
ولم يبين وجهه بسوى قوله: إن الميجنة لصاحب الأدم، أي الجلد، وأنها أيضاً التي يدق عليها الأدم من حجر وغيره، فإن كان يريد أنها لا تكون لقصار الثياب كما يؤخذ من كلامه وكلام أبي هلال في الصناعتين فليس بشيء لأنها تكون لكليهما، وإن كان الخطأ في تشبيه الفرس بها فربما ولكن لم يظهر لنا يظهر لنا وجهه (مما) أخطأ فيه أبو النجم أيضاً قوله في الإبل:
وهي على عذب روى المنهل
…
دحل أبي المرقال خير الأدحل
من نحت عاد في الزمان الأول ففي الأغاني: ((قال الأصمعي: الدحل لا تورده الإبل إنما تورد الركايا، وقد عيب بهذا وعيب بقوله في البيت الذي يليه: إن هذا الدحل من نحت عاد، قال: والدحلان لا تحفر ولا تنحت إنما هي خروق وشعاب في الأرض والجبال لا تصيبها الشمس فتبقى فيها المياه، وهي هوة في الأرض يضيق فمها ثم تتسع فيدخلها ماء السماء)) .
(ومما) أخطأ فيه الإبل أيضاً قوله يصف ورودها:
جاءت تسامي في الرعيل الأول
…
والظل عن أخفافها لم يفضل
فقوله: والظل لم يفضل عن أخفافها يدل على أنها وردت الماء في الهاجرة.
والعرب إنما تصف الورود غلساً والماء بارد كقول الشاعر:
فوردت قبل الصباح الفاتق
وقول الآخر:
فوردت قبل تبين الألوان
وقول لبيد:
إن من وردى تغليس النهل
(ومما) خطأوا فيه أبا النجم قوله في وصف راعي الإبل:
صلب العصا جاف عن التعزل
قالوا: ولا يوصف الراعي بالصلابة على إبله. والعرب إذا أرادت وصفه قالت: (هو ضعيف العصا) كأنه لحسن رعايته لا يحتاج إلى شدة وغلظة كما قال الشاعر:
ضعيف العصا بادى العروق ترى له
…
عليها إذا ما أمحل الناس إصبعا
صدى إبل أن تتبع الريح مرة
…
يدعها ويخفى الصوت حتى تربعا
إذا سرحت من مبرك نام خلفها
…
بميثاء مبطان الضحى غير أروعا
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت
…
بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
فهذا ما توصف به حذاق الرعاة. ومثله قول الراجز:
إذا الركاب عرفت أبا مطر
…
مشت رويداً وأسفت في الشجر
لأنها ألفت منه الرفق بها وتركها ترعى كما تشاء. وقيل: لم يرد أبو النجم بصلابة العصا شدته عليها، وإنما أراد وصفه بصلابة الظهر وقوة البدن، كما يقال: فلان صلب القناة. وقيل: بل أراد أنه صلب العصا على الحقيقة لأن الراعي إذا كان جلداً صارماً اختار عصاه من أصلب ما يقدر عليه، وإلا هلكت إبله وضاعت، وعبثت بها الوحوش والسابلة. وقد أطال على بن حمزة البصري في التنبيهات في الانتصار له بما لا يخرج عما ذكرناه وقد آن لنا أن ندع أبا النجم وننتقل إلى الملك الضليل لنرى كيف ضل في وصف فرسه فقال:
فللسوط ألهوب وللساق درة
…
وللزجر منه وقع أخرج مهذب
الألهوب والدرة: شدة الجرى: والأخرج، الظليم. والمهذب: السريع العدو. أراد امرؤ القيس أن يصف فرسه بالسرعة، فذكر أنه يضربه بالسوط فيلهب، ويركضه بساقه فيدر جريه، ويزجره فيقع الزجر منه موقعه من الظليم فيعدو عدوه. قالوا: ولو أستعين بهذه الأشياء على أخس حمار وأضعفه فعدا لم يستحق أن ينعت بالسرعة. ويقال: إن أول من عاب عليه هذا البيت امرأته أم جندب لما احتكم إليها هو وعلقمة ابن عبدة الفحل في أيهما أشعر؟ فقالت: سمعتك زجرت وضربت وحركت، وفرس ابن عبدة أجود من فرسك حيث يقول فيه:
فأقبل يهوى ثانياً من عنانه
…
يمر كمر الرائح المتحلب
فغلبت علقمة عليه، ولله در ابن المعتز فإنه ذكر السياط ولكنه احترس احتراساً حسناً فقال:
صببنا عليها ظالمين سياطنا
…
فطارت بها أيد سراع وأرجل
فقوله: ظالمين من أحسن ما يحترس به هنا.
(ومما) أخذ على امرئ القيس قوله في وصف فرس أيضاً:
لها متنتان خظاتا كما
…
أكب على ساعديه النمر
ومعنى الخظاة: المكتنزة، أراد لها متنان كثيرا اللحم كساعدي النمر البارك في الغلظ، وليس هذا مما تمدح به الجياد، وإنما المستحب في المتن والوجه التعريق كما قال طفيل:
معرفة الألحى تلوح متونها
وفي اللسان. ((ويستحب من الفرس أن يكون معروق الخدين قال:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني
…
جرداء معروقة اللحيين سرحوب
ويروى: معرقة الجنبين، وإذا عرى لحياها من اللحم فهو من علامات عتقها، وفرس معرق: إذا كان مضمراً، يقال: عرق فرسك تعريقاً، أي أجره حتى يعرق ويضمر ويذهب رهل لحمه)) انتهى.
(وتبعه) أبو ذؤيب الهذلي فقال في فرس:
قصر الصبوح لها فشرج لحمها
…
بالني فهي تتوخ فبها الإصبع
تأبى بدرتها إذا ما استكرهت
…
إلا الحميم فإنه يتبضع
أي قصر صاحبها عليها اللبن فسمنت حتى شرج لحمها بالنى، أي خلط بالشحم فلو غمزته بإصبعك تاخت فيه، فجعلها كثيرة اللحم رخوة، وهو عيب، لأن الجياد توصف بقلة لحمها وصلابته، وأما الذي قاله فالأحرى به شاة يضحى بها قالوا: وأخطأ في البيت الثاني أيضاً فقال: تأبى بدرتها، أي تأبى الجرى إذا أكرهت عليه فجعلها حروناً إذا حركت قامت، وأخذ الحميم. أي العرق، يتبضع منها، أي يتفجر ويسيل. قال أبو هلال في الصناعتين: وما وصف أحد الفرس بترك الانبعاث إذا حركت غير أبي ذؤيب، وإنما توصف بالسرعة في جميع حالاتها إذا حركت أو لم تحرك، فتشبه بالكوكب والبرق والحريق والريح إلى آخر ما ذكره.
وقيل: كان أبو ذؤيب لا يجيد وصف الخيل فظن أن هذا مما توصف به.
قلنا: وفي الذي أخذوه عليه في البيت الثاني نظر لأنه علق إباءها على الإكراه، والمعروف في صفة الفرس الجواد أنك إذا حركته للعدو أعطاك ما عنده عفواً، فإذا أكرهته بساق وبسوط لتحمله على الزيادة حملته عزة نفسه على ترك العدو، فهو يقول: إنها تأبى بدرتها عند إكراهها ولا تأبى العرق، كذا في اللسان وشرح ديوانه.
_ومنه) قول سلمة بن الخرشب:
إذا كان الحزام لقصرييه
…
أماماً حيث يمتسك البريم
قال القاضي الجرجاني في الوساطة: ((يقول: إن الحزام يقرب في جولانه إذا كثر من عدوه فيصير أمام القصريين. قال الأصمعي: أخطأ في الوصف لأن خير جرى الإناث الخضوع، وإنما يختار الإشراف في جرى الذكور، فإذا اختضعت تقدم الحزام كما قال بشر بن أبي خازم:
تسوق للحزام بمرفقيها
…
يسد خواء طبييها الغبار
وقد ساعد متمم بن نويرة على هذا الوصف سلمة فقال:
وكأنه فوق الحبائل جائباً
…
ريم تضايقه كلاب أخضع
فوصف الذكر بالخضوع وإنما يختار له الإشراف)) انتهى.
(ومنه) قول عدي بن زيد في صفة فرس:
فصاف يجري جله عن سراته
…
يبذ الجياد فارهاً متتايعا
أي صاف هذا الفرس يشق جله عن ظهره من السمن. قالوا: وقد أخطأ في قوله فارهاً لأنه لا يقال للفرس: فاره، وإنما يقال له: جواد وكريم وعتيق، وأما الفاره فالكودن والحمار والبغل. وفي لسان العرب:((زعم أبو حاتم أن عدياً لم يكن له بصر بالخيل وقد خطئ عدي في ذلك)) . ووقفت في نبذة عندي مخطوطة منقولة من الفوائد النجفية لسليمان بن عبد الله البحراني على نقول من كتاب لحن العامة لأبي حاتم السجستاني، منها قوله:((ويقال: فرس رائع ولا يقال: فاره، الفاره للحمار والكلب، وفي شعر عدي فارهاً متتايعاً فسألت الأصمعي عنه فقال: لم يكن صاحب خيل، قلت: فيقال: برذون فاره، فقال: لعله، ولعله يقال في البختي)) .
(وممن) أخطأ بوضع الغلظ موضع الدقة كعب بن زهير في قوله يصف الناقة:
ضخم مقلدها عبل مقيدها
…
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
فقد عد أبو هلال في الصناعتين قوله: ضخم مقلدها من خطأ الوصف لأن النجائب توصف بدقة المذبح، وهو قول غيره من الأئمة أيضاً.
(ومثله) قول الشماخ في ناقته:
فنعم المعترى ركدت إليه
…
رحا حيزومها كرحا الطحين
الحيزوم: الصدر. والرحا الأولى: الكركرة، وهي ما يمس الأرض من صدر البعير إذا برك، شبهها في العظم بالرحا التي يطحن بها.
قال المرزباني في الموشح: وإنما توصف النجائب بصغر الكركرة ولطف الخف. وذكر ابن رشيق في العمدة: أن الأصمعي خطاه في هذا لأنه ظنه يصفها بالكبر، وهو عيب لا محالة، وإنما وصفها بالصلابة لا غير. وفي الصناعتين لأبي هلال: ((وقال: من احتج للشماخ إنما شبهها بالرحا لصلابتها كما قال:
قلائص يطحن الحصا بالكراكر))
(وأخطأ) أبو النجم في وصفه بالقصر ما يوصف بالسبوطة، فقال في البعير:
أخنس في مثل الكظام مخطمه))
الأخنس: القصير الأنف. والمخطم: الأنف، يقول: كأن أنفه لقصره مشدود بحبل. قال أبو هلال: إنه من خطأ الوصف لأن المشافر إنما توصف بالسبوطة.
(ومن) وضع الشيء في غير موضعه قول المتلمس:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره
…
بناج عليه الصيعرية مكدم
الناحي هنا: البعير السريع، والصيعرية: سمة للإناث خاصة توسم بها الناقة في عنقها، وهو وسم لأهل اليمن فأخطأ المتلمس في جعلها للفحول وسمعه طرفة بن العبد، وهو صبي، ينشد هذا البيت فقال:(استنوق الجمل) أي صار ناقة، فضحك الناس وسار قوله مثلاً.
(وقال) لبيد:
ولقد أعوص بالخصم وقد
…
أملأ الجفنة من شحم القلل
أعوص به، أي ألوى عليه أمره، والقلل: جمع قلة، وهي أعلى السنام. قال أبو هلال والمرزباني: أراد السنام ولا يسمى السنام شحماً.
(ومن) الخطأ في المعاني ما رواه المرزباني في الموشح قال: قال الأصمعي: قرأت على أبي عمرو بن العلاء شعر النابغة الذبياني فلما بلغت قوله:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها
…
له صريف صريف القعو بالمسد
قال لي: ما أضر عليه في ناقته ما وصف، فقلت له: وكيف؟ قال: لأن صريف الفحول من النشاط، وصريف الإناث من الإعياء والضجر، كذا تكلمت العرب، فرآني بسكوتي مستزيداً فقال: ألم تسمع قول ربيعة بن مقروم الضبي:
كناز البضيع جمالية
…
إذا ما بغمن تراها كتوما
وكما قال الأعشى:
كتوم الرغاء إذا هجرت
…
وكانت بقية ذود كتم
وكما قال الأعشى أيضاً:
والمكاكيك والصحاف من الفض
…
ضة والضافرات تحت الرحال
انتهى. قلنا: والنصوص اللغوية التي وقفنا عليها تؤيد ما ذهب إليه ابن العلاء، وهو ما حكاه أيضاً الوزير أبو بكر البطليوسي في شرح ديوان النابغة، غير أنه ذكر قولاً آخر عن أبي زيد بأن الصريف يكون في الإناث والفحول من النشاط ومن الإعياء، قال: والبيت لا يحتمل أن يكون إلا من النشاط. ثم نقل قولاً آخر عن القتبي بأن الناس يغلطون في مراد النابغة، فيقولون: إنه وصفها لذلك لنشاطها، وليس هو كذلك، ولكنه أراد أنى تركتها بعد ما كانت فيه من الشدة يصرف نابها. والصريف: إذا كان من الإناث فهو من الإعياء.
(ومنه) قول بشامة بن الغدير يصف راحلته:
وصدر لها مهيع كالخليفِ
…
تخال بأن عليه شليلا
أي لها صدر واسع كالطريق في الجبل تخال عليه مسحا من صوف، أو شعر، لكثرة ما عليه من الوبر. قال ابن رشيق في العمدة: إن الأصمعي خطأه فيه لأن من صفة النجائب قلة الوبر.
(ومنه) قول عمر بن لجإ من أرجوزة وصف فيها إبله، فجعلها كالجبال في عظم الخلق، ثم قال في فحلها:
كالظرب الأسود من ورائها
والظرب: الجبل الصغير، ولا يوصف الفحل بأنه أصغر من إناثه في الخلقة، وقد عابه عليه جرير، فكان أحد الأسباب التي أهاجت الهجاء بينهما. وتفصيل الكلام في ذلك في خزانة البغدادي (1: 361) .
(ومنه) قول طرفة بن العبد في وصف نعجة:
من الزمرات أسبل قادماها
…
وضرتها مركنة درور
الزامرات: القليلات الصوف، وخصها بالذكر لأنها أغزر ألبانا.
والقادمان: الخلفان اللذان في الأمام، ويقال لما وراءهما: الآخران.
والمركنة: التي لها أركان. والدرور: الكثيرة الدر.
يقول: هذه النعجة أسبل خلفاها القادمان، وضرتها مملوءة تدر باللبن، وهذا من الخطأ، لأن النعجة ليس لها إلا خلفان، وإنما يصح ذلك في الناقة، لأن لها أربعة خلاف قادمان وآخران. قال المرزباني في الموشح بعد أن أورد هذا البيت: ((لا يكون القادمان إلا لما له آخران، وتلك الناقة لها أربعة أخلاف. ومثله قول امرئ القيس:
إذا مشت قوادمها أرنت
…
كأن الحي بينهم نعي))
انتهى. قلنا: هو من أبيات قالها لما نبهت إبله، ووهبه بنو نبهان معزى بدلها. والمعنى: إذا مسحت قوادمها عند الحلب صاحت كما يصيح قوم لنعى أتاهم. والخطأ على هذه الرواية كالخطأ في قول طرفة، لأن المعزى ليس لها إلا خلفان، وهي رواية تفرد بها المرزباني. والمعروف:(إذا مشت حوالبها) ويروى: (إذا ما قام حالبها) . وما أحسن ما عزى امرؤ القيس به نفسه في ختام هذه الأبيات فقال:
فتملأ بيتنا أقطاً وسمنا
…
وحسبك من غنى شبع ورى
(ومنه) قول رؤبة:
وكل زجاء سحام الخمل
…
تبرى له في زعلات خطل
الزجاء: النعامة. وسحام الخمل: سوداء الريش. وتبرى: أي تنبرى وتتعرض. والزعلات: الخطل النشيطات المضطربات. يقول: هذه الإناث من النعام تنبرى وتتعرض للظليم _أي ذكرها_ وهي في طائفة من نوعها نشيطات مضطربات بالتلوى والتبختر. قال أبو هلال وابن عبد ربه وابن قتيبة: أخطأ في جعله للظليم عدة إناث كما يكون للحمار، وليس للظليم إلا أنثى واحدة.
(ومنه) قول ذي الرمة بصف حمراً وحشية:
فأقبل الحقب والأكباد ناشزة
…
فوق الشراشيف من أحشائها تجب
حتى إذا زلجت عن كل حنجرة
…
إلى الغليل ولم يقصعنه نغب
رمى فأخطأ والأقدار غالبة
…
فانصعن والويل هجيراه والحرب
معناه: أقبلت الحقب _أي الحمر_ وأكبادها تضطرب خوفا من الصائد حتى إذا وردت الماء ودخلت منه نغب إلى أجوافها لم تكسر غليلها رماها فأخطأها وتفرقت عنه. قال أبو عمرو والأصمعي: وليس هذا من جيد الوصف لأنها إذا شربت ثقلت وإن كانت لم ترو: يريدان أن الثقل يقلل نشاطها في العدو ويمكن الصائد منها. فكأنه وصفها بما يفيد عكس ما أراد. وقد أصاب علي بن حمزة البصري في الرد عليهما في التنبيهات بما نصه: ((وهذا غلط إنما تثقل إذا رويت، وأما إذا شربت قليلا فإنه يقويها على العدو، ولولاه لهلكت عطشا. وقد زاده شرحا بقوله في غير هذه الكلمة:
فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها
…
وقد نشحن فلا ري ولا هيم
ولولا صحة ما قال لم يقل العجاج:
حتى إذا ما بلت الأغمارا
…
ريا ولما تقصع الأصرارا
أجلى نفارا وأنتحت نفارا))
انتهى. (ومنه) قول رؤبة:
كنتم كمن أدخل في جحرٍ يدا
…
فأخطأ الأفعى ولاقى الأسودا
يريد: نجوتم من شر فوقعتم في أشد منه. قالوا: وقد أخطأ في ظنه الأفعى دون الأسود، وهي أشد مضرة ونكاية منه.
(ومما) خطأوا فيه المسيب بن علس قوله:
وكأن غاربها رباوة مخرم
…
وتمد ثنى جديلها بشراع
أراد وصف هذه الناقة بطول العنق. وتشبيهه بالدقل، وهو خشبة طويلة تشد في وسط السفينة يمد عليها الشراع فقال: كأن زمامها ممدود بشراع لطول عنقها، فأخذوا عليه ذكره الشراع بدل الدقل. وقال بعضهم: إنما أراد بالشراع: الدقل إذ كان الشراع منوطاً به، ومثله لا يعد خطأ، ولمن يريد أن يخطئه من وجه آخر أن يقول: أراد أن يمدحها فذمها لأن طول العنق في الإبل هجنة عند أبي عمرو والأصمعي، وكانا يعيبان على رؤبة قوله في وصف بعير:
عن دوسري بتع ململمهْ
…
في جسم خدل صلهبي عممه
غير أن حمزة بن علي البصري خطأهما في هذا الزعم فقال في التنبيهات: ((قولهما طول العنق هجنة رد على كلام العرب المأثور، وشعرهم المشهور، لا على رؤبة وحده، وهذا سبيل من ركبه ضلل، ومن نصره جهل)) ثم أورد قول من قال: (أبين الإبل عتقا أطولها عنقا) وساق عشرين شاهداً من كلام العرب تفند ما ذهبا إليه.
(ومنه) قول أيمن بن خريم يمدح بشر بن مروان:
وإنا قد رأينا أم بشر
…
كأم الأسد مذكاراً ولودا
قالوا: أخطأ في أن جعل أم الأسد ولوداً لأن الحيوانات الكريمة عشرة نزرة النتاج، والصواب قول كثير:
بغاث الطير أكثرها فراخاً
…
وأم الصقر مقلات نزور
كذا في الموازنة والصناعتين، وهو المعروف والمشهور.
ومثله ما أنشده صاحب اللسان في مادة (قلت) لبعضهم:
لنا أم بها قلت ونزر
…
كأم الأسد كاتمة الشكاه
(ومنه) قول العجاج يصف بعيره:
كأن عينيه من الغؤور
…
قلتان أو حوجلتا قارور
صيرتا بالنضح والتصبير
…
صلاصل الزيت إلى الشطور
القلت (بفتح فسكون) : النقرة في الجبل تمسك بالماء. والحوجلة: القارورة. والصلاصل هنا: بقايا الزيت، شبه عينيه حين غارتا بقارورتين بقى ما فيهما من الزيت إلى نصفيهما بسبب النضح. قالوا: وقد أخطأ لأنه جعل الزجاج ينضح ويرشح، وإنما تنضح الجرار ونحوها.
(ومنه) قول يزيد بن محمد المهلبي من أرجوزة:
حتى إذا السرب انبرى فاجتهدا
…
حطت عليهن البزاة مددا
تجمع منها كل ما تبددا
…
تصيد بحراً وتصيد جددا
من كل ما أحببت أن تصيدا
…
سمكة أو طائراً أو أسدا
قال المزرباني في الموشح: ((قال محمد: أحال في هذا البيت لأنه ذكر البزاة، وليس السمك من صيد البزاة)) .
(ومنه) قول حميد بن ثور:
لما تخايلت الحمول حسبتها
…
دوماً بأيلة ناعماً مكموما
والتكميم لا يكون إلا في النخل، وهو أن تجعل الكبائس في أكمة تصونها كما تجعل عناقيد الكرم في الأغطية كما في المخصص. ولم يكن هذا العربي يجهل النخل والدوم، ولكنه لما رآهم يكمون النخل ورأى الدوم يشبهه ظن أن يكم مثله لجهله بالغرس وتعهد أنواع الغرس. قال التميمي في ما يجوز للشاعر في الضرورة: ومن يحتج له يرويه: (نخلاً) .
وفي معناه قول النابغة الجعدي:
كأن تواليها بالضحى
…
نواعم جعل من الأثاب
وقد أخطأ فيه أيضاً ولكن من وجه آخر لأنه شبه المطي بصغار النخل، والوجه أن توصف بالكبر والعظم كما فعل حميد. قال القاضي الجرجاني في الوساطة:((والجعل: صغار النخل، وإنما المراد الكبار، وبه يصح الوصف فيما زعموا)) انتهى.
وفي طبقات الشعراء لابن قتيبة: أن الذي أخذ عليه فيه جعله الجعل من الأثاب، قال:((ولا أراه إلا صحيحاً على التشبيه، كأنه أراد نواعم أثاب كالجعل، وقد تسمى العرب الشيء باسم الشيء إذا كان له مشبهاً، ولعل الأثاب أن تكون تسمى أفناؤه جعلاً، كما تسمى أفناء النخل وقصاره جعلاً)) انتهى ولا يخلو من نظر.
(ومنه) قول المرار بن منقذ يصف نخلاً:
كأن فروعها في كل ريح
…
جوار بالذوائب ينتصينا
يريد: كأن هذه النخل إذا أمالتها الريح وتلاقى سعفها جوار يتنازعن ويتبارين بأن تأخذ الواحدة بناصية الأخرى فذهب أبو عمرو والأصمعي إلى أن المرار لم يكن له علم بالنخل في وصفها بتقارب النبتات لأن أفضل الغرس ما بوعد بينه. ومما وضعته العرب على ألسنة الأشياء قول النخلة الأخرى:
أبعدي ظلي من ظلكِ
…
أحمل حملي وحملك
وتبعهما أبو حنيفة الدينوي في كتاب النبات، فقال في تفسير هذا البيت:
هذا من التقارب حتى ينال سعف بعضه سعف بعض، وذلك هو الحصر، أي التضايق ورد عليهم علي بن حمزة البصري في التنبيهات بكلام طويل خلاصته: أن الحصر تقارب ما بين الأصول وهو مذموم، وخطأهم في زعمهم أن النخل يتناصى من الحصر لأن سبيله أن يباعد بين غرسه، ولكن من جيد نعته أن يمتد جريده ويكثر خوصه ويتصل بعضه ببعض حتى لا ترى منه الشمس، ويمنع الطير من أن تشقه، وإن ما روى عن الأصمعي على لسان النخلة نقله عنه أبو حنيفة، وهو مخالف لما نقله عنه أبو حاتم فقال:((قال الأصمعي: في مثل للفرس والنبط: تقول النخلة لأختها: تباعدي عني، وأنا أحمل حملك وحملي)) أي فلم يذكر فيه تباعد الظل. ثم صوب قول المرار وقال: لا شيء أحسن من هذا الوصف للنخل، واستشهد على صحة كلامه بقول ذكوان العجلي:
نواضر غلباً قد تدانت رءوسها
…
من النبت حتى ما يطير غرابها
ترى الباسقات العم منها كأنها
…
ظعائن مضروب عليها قبابها
بعيدة بين الزرع لا ذات حشوة
…
قصار ولا صعل سريع ذهابها
(ومنه) قول أوس بن حجر:
كأن ريقتها بعد الكرى اعتبقت
…
من ماء أدكن في الحانوت نضاح
ومن مشعشة كالمسك تشربها
…
أو من أنابيب رمان وتفاح
قال أبو هلال في الصناعتين: ((ظن أن الرمان والتفاح في أنابيب.
وقيل: إن الأنابيب: الطرائق التي في الرمان، وإذا حمل على هذا الوجه صح المعنى)) .
(ومنه) قول بعضهم في وصف سيف:
وأبيض أخلص من ماء اليلب
قال ابن منقذ في كتاب البديع: ((والسيوف لا تعمل من ماء اليلب لأن اليلب جلود تتخذ منها دروع منسوجة، فتوهم الشاعر أنها حديد)) . ورواه القاضي الجرجاني في الوساطة: (ومحور) بدل وأبيض، ولعل المراد الحديدة التي تدور عليها البكرة، وقد خطأه فيه أيضاً فقال:((جعل اليلب حديداً وهي سيور)) .
قلنا: هما تابعان في ذلك لابن دريد لأن اليلب ليس عنده الحديد. وذهب غيره إلى أنه الحديد، وفسره به في قول عمرو بن كلثوم:
علينا البيض واليلب اليماني
…
وأسياف يقمن وينحنينا
وعلى هذا فلا خطأ، ولكن ابن السكيت خطأ الراجز من وجه آخر فقال بعد ذكره لبيت ابن كلثوم: سمعه بعض الأعراب فظن أن اليلب أجود الحديد فقال: (ومحور أخلص من ماء اليلب) وهو خطأ إنما قاله على التوهم. انتهى.
(ومنه) قول زهير:
يحيل في جدول تحبو ضفادعه
…
حبو الجواري ترى في مائه نطقا
يخرجن من شربات ماؤها طحل
…
على الجذوع يخفن الغم والغرقا
ففي العقد والوساطة والوشح وسر الفصاحة والموازنة والصناعتين وطبقات الشعراء لابن قتيبة: أنه أخطأ في ظنه أن الضفادع تخرج من الماء مخافة الغم والغرق، وإنما تخرج لتبيض وتفرخ في الشطوط. وقال الأعلم في شرحه لديوان زهير:((قوله: يخفن الغم والغرقا توهم أن خروج الضفادع مخافة الغرق فغلط، ويقال: إنما قال ذلك ليخبر بكثرة الماء وانتهائه، فأشار إلى ذلك بذكره الغرق وإن كانت لا تخاف ذلك)) ، ونحوه في العمدة لابن رشيق، وخلاصة ما قال: إنه لم يرد أن تخاف الغرق على الحقيقة، وإنما أراد المبالغة في كثرة ماء هذه الشربات، واقتدى فيه بقول أوس بن حجر:
فباكرن جوناً للعلاجيم فوقه
…
مجالس غرق لا يحلا ناهله
(ومما أخذوه) على طرفة قوله في وصف ناقته:
وأتلع نهاض إذا صعدت به
…
كسكان بوصي بدجلة مصعد
أراد لها عنق أتلع: أي طويل يرتفع إذا أشخصته في سيرها، فهو كسكان سفينة مصعدة في دجلة، والسكان (بضم الأول وتشديد الكاف) : ذنب السفينة الذي يقوم به سيرها ويعدل، ويقال له أيضاً: الخيزرانة والكوثل، وتسمية العامة بمصر الآن (الدفة) فذهب القاضي الجرجاني في الوساطة إلى أنه أخطأ، لأنه أراد تشبيه عنقها بالدقل: أي خشية الشراع، فذكر بدله السكان.