المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌حتى لا نخسر رمضان

- ‌سل الواقع

- ‌تحصيل الثواب

- ‌أين الثمرة

- ‌إحسان ثم إكثار:

- ‌الفهم الصحيح أولًا

- ‌حتى لا يضيع علينا رمضان

- ‌الغنيمة الباردة:

- ‌في رمضان العمل مع أنفسنا أهم واجباتنا:

- ‌البنا يؤكد:

- ‌ماذا نريد من رمضان

- ‌تمهيد

- ‌هل من مشمر للجنة

- ‌أحوال الناس مع رمضان:

- ‌علامات صلاح القلب:

- ‌القسم الأولمع الله

- ‌ الصيام

- ‌ التعلق بالمساجد:

- ‌ القرآن الكريم

- ‌ قيام الليل

- ‌اسجد واقترب:

- ‌ الاستفادة من الأوقات الفاضلة

- ‌ الاعتكاف

- ‌ الدعاء

- ‌ الصدقة

- ‌ الفكر والذكر

- ‌ محاسبة النفس

- ‌مجالات المحاسبة:

- ‌خلاصة القسم الأول

- ‌القسم الثانيمع الناس

- ‌1 - الإحسان إلى الزوجة والأولاد:

- ‌2 - الجود والكرم:

- ‌3 - صلة الرحم:

- ‌4 - إطعام الطعام:

- ‌5 - الإصلاح بين الناس:

- ‌6 - قضاء حوائج الناس:

- ‌7 - أنقذ غيرك:

- ‌خلاصة القسم الثاني

- ‌رمضان وعودة الروح

- ‌الهدايا الإلهية:

- ‌رمضان والروح الجديد:

- ‌حاجة الأمة إلى رمضان

- ‌لماذا نحن

- ‌القرآن يجيب:

- ‌أصابنا الوهن:

- ‌البداية:

- ‌لا أستطيع:

- ‌روح جديد:

- ‌إنه القرآن:

- ‌دواء مجرب:

- ‌القرآن هو الحل:

- ‌دواء يصلح للجميع:

- ‌لماذا لا يغيرنا القرآن

- ‌كيف ننتفع بالقرآن

- ‌ترديد الآية التي تؤثر في القلب:

- ‌إياك ثم إياك:

- ‌رمضان والروح المفقودة:

- ‌الميلاد الجديد:

- ‌سريان الروح في الأمة:

الفصل: ‌حتى لا نخسر رمضان

‌حتى لا نخسر رمضان

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .. سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فعندما يذهب شخص إلى الطبيب شاكيًا من علة ما، فالمتوقع أن يستمع الطبيب إلى شكواه ثم يقوم بالكشف السريري عليه، ثم يكتب له الدواء الذي يراه مناسبًا لحالته.

ولن يفوت الطبيب تذكير مريضه بطريقة أخذ الدواء؛ فهذا قبل الأكل وهذا بعده، وذاك قبل النوم .. ثم ينصحه بالانتظام في تناوله، وفي النهاية يطلب منه مراجعته بعد عدة أيام.

ومن المتوقع أن أول سؤال سيسأله الطبيب لمريضه عند المقابلة الثانية سيكون عن مدى تحسن حالته الصحية، فإن وجد تحسنًا ملحوظًا فسيطلب منه الاستمرار على أخذ الأدوية ـ كلها أو بعضها ـ مدة زمنية أخرى حتى يتم له الشفاء ـ بإذن الله ـ وإن لم يلحظ هذا التحسن فسيتوجه إلى مريضه بالسؤال عن مدى جديته في تناول الدواء بالطريقة الصحيحة، فإن وجد منه التزامًا في هذا الأمر فسيتجه تفكيره نحو تغيير جرعات الدواء، أو استبداله بآخر، وكيف لا وهو يعلم بأن هدف مجيء المريض إليه هو بحثه عن الشفاء بإذن الله، ويعلم كذلك أن الأدوية ما هي إلا وسائل لتحقيق هذا الهدف.

إن العلاقة بين الأدوية والعافية تمثل العلاقة بين الوسائل والأهداف، فالوسائل ليست مطلوبة لذاتها بل لتتحقق الأهداف من خلالها.

و من العجيب أن هذا التصور لتلك العلاقة نمارسه بصورة تلقائية، وفي أمور كثيرة فيما يخص أمور دنيانا أما أمور ديننا فالأمر يختلف، بمعنى أن الأهداف في كثير من الأحوال تُنسى، وذلك حين تتحول الوسائل إلى أهداف وغايات.

حياة القلب بالإيمان هي الهدف:

لقد خلقنا الله عز وجل، وأسكننا الأرض لنقوم بمهمة عظيمة، ألا وهي ممارسة العبودية له سبحانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

هذه العبودية لها حقيقة ينبغي أن يعيش المرء في أجوائها، وأن تظهر آثارها على سلوكه وتعاملاته ..

فالعبودية لله عز وجل معناها الانكسار والاستسلام التام له سبحانه، وطاعة أوامره، ودوام خشيته، والشعور بالاحتياج المطلق والافتقار التام إليه، ومن ثمَّ دوام سؤاله، والتمسكن بين يديه، والتوكل عليه، وإخلاص التوجه له، مع حبه وإيثار محابه ومراضيه على كل شيء

لينعكس ذلك على السلوك فيصبح همُّ المرء فعل كل ما يرضي مولاه ويستجلب به رحمته وفضله وجزاءه الذي وعد به عباده المتقين فيزداد سعيه لكل ما يقربه من الجنة ويبعده عن النار.

فالعبودية الحقيقية تعني غلبة الإيمان بالله على قلب المرء ومشاعره، فيصير حبه سبحانه أحب الأشياء لديه، وخشيته أخوف الأشياء عنده.

ص: 3

يطمئن إليه، ويثق فيه وفي قدرته غير المتناهية، وفي قربه، وعلمه وإحاطته بكل شيء، ومن ثم يتوكل عليه ويتقيه، ويحبه، ويشتاق إليه، و

.

فالتوكل على الله عز وجل، ومحبته، وخشيته دليل على قوة الإيمان به والعبودية له:

{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

{فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 13].

{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57].

وكلما تمكن الإيمان من القلب تحسن السلوك تبعًا لذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (1).

فالإيمان هو الدافع للاستقامة وللسلوك الصحيح {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].

{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

العبادات وسائل:

فإن كانت حياة القلب بالإيمان هي الهدف الذي به تتحقق العبودية لله عز وجل فكيف يصل المسلم لهذا الهدف؟!

أرشدنا الله عز وجل إلى الوسائل التي من شأنها أن تبلِّغنا هذا الهدف .. هذه الوسائل هي العبادات بقسميها القلبية والبدنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]

فالعبادات أدوية ناجحة تحقق للقلب عبوديته التامة لله عز وجل ..

فالصلاة من شأنها أن تُشعر المسلم بخضوعه وانكساره لربه، وهي وسيلة عظيمة للاتصال به سبحانه، ومناجاته، واستشعار القرب منه، والأنس به، والشوق إليه فتكون نتيجتها زيادة خضوع المشاعر لله {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]، {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109].

وبهذا يزداد الإيمان من خلال تلك الصلاة، وتظهر آثاره في دوافع المرء وسلوكه، فتزداد مسارعته لفعل الخير، ويقوى وازعه الداخلي ومقاومته لفعل المعاصي أو الاقتراب منها فيحقق قوله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

والصدقة عبادة عظيمة تقوم بمعالجة القلب من داء حب الدنيا والتعلق بها .. أي أنها تطهر القلب وتزيده قوة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

والصيام يساعد المرء على السيطرة على نفسه وإلزامها تقوى الله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

والذكر بصفة عامة يهدف إلى تذكُّر الله .. تذكُّر عظمته وجلاله وجماله وإكرامه فيزداد به المرء اطمئنانًا وثقة وإيمانًا {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

وهكذا في بقية العبادات القلبية والبدنية، والتي تشكل منظومة متكاملة، يتحقق من خلال القيام الصحيح بها الهدف العظيم من وجودنا على الأرض

فما من عبادة أرشدنا الله إليها إلا وتُعد بمثابة وسيلة و"مَركبة" تنقلنا إلى الأمام في اتجاه القرب منه سبحانه حتى نصل إلى الهدف العظيم في الدنيا (أن تعبد الله كأنك تراه) وفي الآخرة {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر: 61].

تهيئة الأجواء لتحقيق الهدف:

(1) متفق عليه: البخاري (1/ 28، رقم 52)، ومسلم (3/ 1219، رقم 1599).

ص: 4

والمتأمل لتوجيهات الشرع يجد أنها تحثنا وتساعدنا على تهيئة الأجواء المناسبة للتفاعل القلبي مع العبادات ومن ثم زيادة الإيمان من خلالها، فعلى سبيل المثال: الصلاة .. نجد أن الشرع يحثنا على تفريغ الذهن من الشواغل وعدم تعلق القلب بشيء من شأنه أن يمنعنا من التركيز فيها، فإذا حضر الطعام مع دخول وقت الصلاة يفضل البدء بالطعام حتى يدخل المرء إلى الصلاة وذهنه غير مشغول به.

وكذلك عند مدافعة الأخبثين .. قال صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» (1).

ولا ينبغي للمرء أن يُسرع في خطواته إلى المسجد ليدرك الصلاة، بل عليه أن يمشي في سكينة وهدوء، فالإسراع من شأنه أن يجعله يذهب إلى الصلاة وهو مضطرب فيصعب عليه جمع قلبه ..

والحث على التبكير في الذهاب للمسجد قبل إقامة الصلاة له دور مهم في صرف شواغل الدنيا عن الذهن ..

وكذلك فإن الحث على تذكر الموت قبل الصلاة من شأنه أن يستجيش المشاعر نحو الرجاء والطمع في عفو الله والخوف والرهبة من عقوبته ..

كل ذلك وغيره يهيئ المسلم للاستفادة من الصلاة وما فيها من قراءةٍ للقرآن، وذكر، ودعاء في تحقيق هدفها بزيادة الإيمان وتحسين السلوك ..

غياب الرؤية:

عندما تغيب هذه الرؤية ويصبح الهدف هو أداة العبادة، بأي شكلٍ كانت، فإن ثمرة العبادة لا تكاد تظهر للوجود، ومن ثمَّ يظل العبد في مكانه؛ فلا يتقدّم في مضمار سباق السائرين إلى الله، ولا يجد حلاوة الإيمان، ولا يشعر بتحسن ملحوظ في سلوكه، لتكون النتيجة: إنسانًا ذو شخصيتين متناقضتين؛ فقد تجده كثير الصلاة والصيام والحج والاعتمار، ومع ذلك تجده لا يؤدي الأمانة، ولا يتحرى الصدق، ويسيء معاملة الآخرين، ويحسدهم على كل خير يبلغهم .. يصاب بالهلع والفزع إذا ما تعرَّضت أمواله وممتلكاته أو دنياه لمكروه

هذه المظاهر السلبية وغيرها تدل على أن صاحبها لم يَسْتَفِد من عباداته، ولم يتحسن إيمانه من خلالها، وبالتالي لم ينتج منها الأثر الصحيح الذي من شأنه أن يصلح السلوك والمعاملات ..

وتأكيدًا لهذا التشخيص، لك أخي القارئ أن تتأمل قوله صلى الله عليه وسلم:«رُبَّ قائم حظه من قيامه السهر، ورُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» (2) ..

وكذلك قوله «واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» (3).

وقوله «ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار» ، قالوا: يا رسول الله مصلين؟ قال: «نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنة من الليل فإذا عُرض عليهم شيء من الحرام وثبوا عليه» (4).

فالمقصد من العبادة ليس فقط أداؤها من الناحية الشكلية، بل المهم والأهم هو أداؤها بطريقة تحقق هدفها؛ فإراقة دماء الهَدْي في الحج على سبيل المثال ليست مقصودة لذاتها، بل المقصود هو زيادة الإيمان والتقوى من خلال أداء هذه الشعيرة {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37].

إحسان العمل أولًا:

من هنا نقول بأنه ينبغي علينا أن نهتم بتحسين العمل ليتحقق من خلاله مقصود العبادة، ويزداد الإيمان في القلب ..

وفي هذا المعنى يقول الحافظ بن رجب:

كان السلف يوصون بإتقان العمل وتحسينه دون الإكثار منه، فإن العمل القليل مع التحسين والإتقان، أفضل من الكثير مع الغفلة وعدم الإتقان.

(1) رواه مسلم (1/ 393، رقم 560).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 373، رقم 8843)، والحاكم (1/ 596، رقم 1571)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب (1083).

(3)

أخرجه الترمذي (5/ 517، رقم 3479)، والحاكم (1/ 670، رقم 1817) السلسلة الصحيحة (594).

(4)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 178).

ص: 5