الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- ثانيا:
التعلق بالمساجد:
المسجد له دور كبير في تنوير القلوب
…
ففي ختام قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يقول تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النور: 35) وفى الآية التي تلتها حدد سبحانه أعظم مكان لتلقى نوره بقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} (النور: 36) ففي المسجد تربط القلوب على طاعة الله وتحبس النفس عن معصيته .. يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكارة وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط» (1).
إن قلب المؤمن كثير التقلب من حالة إلى حالة نتيجة التنازع المستمر بين داعي الإيمان وداعي الهوى، وهو بحاجه إلى ربطه وتثبيته على حالة الإيمان .. وهنا يأتي دور المسجد، قال أبو هريرة في قوله تعالى:{اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} (آل عمران: 200) لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة (2).
فلنبكر بالذهاب إلى المسجد ولا نترك أماكننا بعد الصلاة إلا لضرورة كي ننعم بصلاة الملائكة علينا .. قال صلى الله عليه وسلم: «الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث: اللهم اغفر له اللهم ارحمه» (3).
وعلى الأخت المسلمة أن تخصص مكانًا في بيتها تتخذه مسجدًا فتبكر في الذهاب إليه وانتظار الصلاة وترديد الأذان وطول المكث فيه كلما سنحت ظروفها.
- ثالثاً:
القرآن الكريم
رمضان شهر القرآن وقد كان من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مدارسة القرآن فيه
…
فهو وسيلة عظيمة لشفاء القلوب وهدايتها وتنويرها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 57) وعلى قدر صلة المسلم بالقرآن تكون صلته بالله .. قال صلى الله عليه وسلم: «أبشروا!! فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً» (4).
هذه الوسيلة العظيمة لن تحقق مقصودها ولن تكون هدي وشفاءً ونوراً إلا إذا تعاملنا معها بالشكل الذي يريده الله عز وجل ..
لقد نزل القرآن لنتدبره ونستخرج منه ما ينفعنا لا لنقرأه بألسنتنا فقط، قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ} (ص: 29).
قال بعض السلف: لا يجالس أحد القرآن ويقوم سالما إما أن يربح أو يخسر قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (الإسراء: 82).
لقد قرأنا القرآن بألسنتنا قبل ذلك مرات ومرات، وكان هم الواحد منا الانتهاء من ختمه، بل وكان بعضنا يتنافس في عدد المرات التي يختمه فيها وبخاصة في رمضان، فأي استفادة حقيقية استفدناها من ذلك؟! ماذا غير فينا القرآن؟!
(1) رواه مسلم (1/ 219، رقم 251).
(2)
شعب الإيمان 3/ 70.
(3)
أخرجه أحمد (2/ 312، رقم 8106)، وأبو داود (1/ 127، رقم 469)، والنسائي (2/ 55، رقم 733)، وصححه الشيخ أحمد محمد شاكر.
(4)
أخرجه البزار (8/ 346، رقم 3421)، والطبراني في الكبير (2/ 126، رقم 1539)، وفى الصغير (2/ 209، رقم 1044)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (34).
إن القراءة باللسان فقط - دون حضور القلب - كالنخالة كبيرة الحجم قليلة الفائدة، وهذا ما كان يؤكده الصالحون على مر العصور، قال على رضي الله عنه: لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، وقال الحسن، كيف يرق قلبك وإنما همك أخر السورة؟ ويؤكد هذا المعنى ابن القيم فيقول رحمه الله: لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العالمين، ومقامات العارفين .. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواه، فقراءة آية بتفكر خير من ختمة بغير تدبر وتفهم.
فليكن رمضان هو البداية الحقيقية للتعامل الصحيح مع القرآن.
كيف ننتفع بالقرآن؟
القرآن هو أهم وسيله لترقيق القلوب .. قال وهيب بن الورد: نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئا أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره.
وتلاوة القرآن حق تلاوته - كما يقول أبو حامد الغزالي - هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزعاج والائتمار
…
فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ (1).
وهذه بعض الوسائل العملية التي من شأنها أن تيسر لنا - بعون الله - الانتفاع بالقرآن:
1 -
قبل بدء القراءة: دعاء الله والإلحاح عليه بأن يفتح قلوبنا لأنوار كتابه، وأن يكرمنا ويعيننا على التدبر والتأثر، فهذا الدعاء له دور كبير في تهيئه القلب لاستقبال القرآن {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (غافر: 13،14).
2 -
الإكثار من تلاوة القرآن، وإطالة فترة المكث معه ويفضل أن يكون اللقاء بالقرآن في مكان هادئ - قدر المستطاع - وبعيداً عن الضوضاء ليساعد المرء على التركيز وعدم شرود الذهن، ولا ننسى الوضوء والسواك قبل القراءة.
3 -
القراءة من المصحف وبصوت مسموع وبترتيل: فالترتيل له وظيفة كبيرة في الطرق على المشاعر ومن ثم استثارتها وتجاوبها مع الفهم الذي سيولده التدبر، لينشأ بذلك الإيمان حينما يتعانق الفهم مع التأثر.
4 -
القراءة الهادئة الحزينة: علينا ونحن نرتل القرآن أن نعطي الحروف والغُنَّات والمدود حقها حتى يتيسر لنا معايشة الآيات وترنمها وتدبرها والتأثر بها، وعلينا كذلك أن نقرأ القرآن بصوت حزين لاستجلاب التأثر.
5 -
الفهم الإجمالي للآيات: من خلال إعمال العقل في تفهم الخطاب، وهذا يستلزم منا التركيز التام مع القراءة، وليس معنى إعمال العقل في تفهم الخطاب أن نقف عند كل كلمة ونتكلف في معرفة معناها وما ورائها، بل يكفى المعنى الإجمالي الذي تدل عليه الآية أو الآيات حتى يتسنى لنا الاسترسال في القراءة، ومن ثم التصاعد التدريجي لحركة المشاعر فنصل إلى التأثر والانفعال في أسرع وقت.
6 -
الاجتهاد في التعامل مع القرآن: كأنه أنزل عليك، وكأنك المخاطب به، والاجتهاد كذلك في التفاعل مع هذا الخطاب من خلال الرد على الأسئلة التي تتضمنها الآيات، والتأمين عند مواضع الدعاء، ...... وهكذا.
7 -
تكرار وترديد الآية أو الآيات التي حدث معها تجاوب وتأثر قلبي حتى يتسنى للقلب الاستزادة من النور الذي يدخل، والإيمان الذي ينشأ في هذه اللحظات.
8 -
لا بأس من وجود تفسير مختصر بجوارنا: لجلاء شبهة أو معرفة معنى شق علينا فهمه، وإن كان من الأفضل الرجوع إليه بعد انتهاء القراءة حتى لا نخرج من جو القرآن والانفعالات الوجدانية التي نعيش في رحابها، إلا إذا ألحت علينا كلمة نريد معرفة معناها في التو واللحظة.
(1) إحياء علوم الدين 2/ 58.