المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ ــ   كتاب الصداق هو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٧

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ ــ   كتاب الصداق هو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو

‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

ــ

كتاب الصداق

هو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء، سمي صداقًا لإشعاره بصدق رغبة باذله، ويجوز فتح صاده وكسرها، ويقال: صدقة بفتح الصاد وضم الدال، وبضم الصاد وإسكان الدال، ولفظه مأخوذ من الصَّدق بالفتح، وهو الشديد الصلب، فكأنه أشد الأعواض ثبوتًا من حيث إنه لا يسقط بالتراضي.

وله عشرة أسماء نطق الكتاب العزيز بستة منها: الصداق والنحلة والفريضة والأجر والطول والنكاح، قال تعالى:{وَليَسْتَّعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} ، ووردت السنة بالمهر والعقر والعليقة والحباء، وسيأتي ذكره عند قول المصنف:(إذا توافقوا على مهر في السر وأعلنوا زيادة) وقال مهلهل (من المنسرح):

أنكحها فقدها الأراقم من .... جنب وكان الحباء من أدم

وصحفه ابن دريد مع جلالته.

والتعبير بـ (العليقة) وقع في (البحر) و (الروضة) وغيرهما، وقال القاضي عياض والهروي وابن الأثير: العلاقة، والجمع العلائق.

والأصل فيه من الكتاب: قوله تعالى: {وَءَاتُوا النِسَاءَ صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَة} أي: عطية من الله مبتدأة، والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين، وقيل: الأولياء؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذونه.

ويسمى نحلة؛ لأن المرأة تستمتع بالزوج كاستمتاعه بها أو أكثر، فكأنها تأخذ الصداق من غير مقابل.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (أدوا العلائق) قالوا: يا رسول الله؛

ص: 295

تَسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ إِخْلَاؤُهُ مِنْهُ

ــ

ما العلائق؟ قال: (ما تراضى به الأهلون) رواه الدارقطني والبيهقي.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يسأل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته) وقال: (من ظلم زوجته صداقها .. لقي الله يوم القيامة وهو زان).

وانعقد الإجماع عليه.

قال: (تسن تسميته في العقد) وإن لم يجب كنكاح عبده بأمته؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه عقد نكاحًا إلا وسمى فيه صداقًا، ولأنه أدفع للخصومة والمنازعة.

وفي (الصحيحين) في حديث الواهبة: (هل عندك من شيء تصدقها؟) قال: لا، قال:(فالتمس ولو خاتمًا من حديد).

وقال المتولي: يكره إخلاء النكاح عنه.

قال: (ويجوز إخلاؤه منه)؛ لقوله تعالى: {لَاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} .

وفي (سنن أبي داوود) و (الحاكم) و (ابن حبان) عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النكاح أيسره) وقال لرجل: (أترضى أن أزوجك فلانة؟) قال: نعم، فقال لها:(أترضين أن أزوجك فلانًا؟) قالت: نعم، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرض صداقًا، فدخل بها فلم يعطها شيئًا، فلما حضرته الوفاة .. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أعطها شيئًا، وقد أعطيتها سهمي بخيبر، وكان له سهم فيها، فأخذته فباعته بمئة ألف.

ص: 296

وَمَا صَحَّ مَبِيعًا .. صَحَّ صَدَاقًا

ــ

وكان الصواب أن يقول: إخلاؤه منها؛ أي: من التسمية كما عبر به في (الروضة) وغيرها؛ لأن النكاح لا يخلو من المهر، لكن تستثنى أربع مسائل لا يجوز فيها إخلاؤه عن التسمية:

إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف، أو مملوكة لغير جائز التصرف.

وإذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها ولم تفوض.

والوكيل عن الولي من غير صورة التفويض .. الصحيح: أنه لا يجوز له إخلاؤه عنه.

وإذا كان الزوج غير جائز التصرف، وحصل الاتفاق على مسمى هو بعض مهر مثلها .. فتتعين التسمية.

قال: (وما صح مبيعًا .. صح صداقًا) قل أو كثر؛ لقوله تعالى: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(ولو خاتمًا من حديد)، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وهي اسم لخمسة دراهم.

وعبارة (التنبيه): (ما جاز أن بكون ثمنًا .. جاز أن يكون صداقًا) وهو أحسن؛ لأن الصداق أشبه بالثمن.

ومراد المصنف: أن كل ما يجوز أن يجعل عوضًا في البيع ثمنًا أو أجرة .. يجوز أن يجعل صداقًا، فإذا تزوج امرأة على أن يرد عبدها الآبق أو جملها الناد، فإن كان موضعه معلومًا .. جاز، وإن كان مجهولاً .. لم يصح على الصحيح، ويجب مهر المثل؛ لأن الجعالة عقد جائز احتملت الجهالة فيها لذلك، فإن رده في صورة الجهل .. فله أجرة المثل، ولها عليه مهر المثل.

واحترز المصنف عما لا يتقوم كحبة الحنطة ونواة التمر؛ فإنه لا يصح به، لكن يرد عليه ما أورده ابن الرفعة على (التنبيه) من جعل رقبة العبد صداقًا لزوجته الحرة، وجعل الأب أم ابنه صداقًا عن ولده، وجعل أحد أبوي الصغيرة صداقًا لها؛ فإنه لا يصح في جميع ذلك وإن كانت أعيانًا تباع ولا ترد، فإن هذه الأمور يصح إصداقها في الجملة، وإنما امتنع ذلك لمانع آخر.

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويستحب أن لا يزيد على صداق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، وذلك حمس مئة درهم خالصة، وأما أم حبيبة فأصدقها عنه النجاشي أربع مئة دينار؛ إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمستحب أن لا ينقص عن عشرة دراهم، وقدره أبو ثور وأبو حنيفة ومالك بنصاب السرقة، وهو عند الأول خمسة، والثاني عشرة، والثالث ثلاثة.

واحتج أصحابنا بما روى الدارقطني: (ولو قضيبًا من أراك) وبأن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟) قالت: نعم، فأجازه، رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وتزوج عبد الرحمن بخمسة دارهم كما تقدم، وتزوجت امرأة بكف من طعام فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم صداقًا، رواه أبو داوود.

وروى ابن السكن في (سننه الصحاح) والبيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من استحل بدرهم .. فقد استحل) أي: طلب الحل، قال عروة بن الزبير: أول شؤم المرأة أن يكثر صداقها.

واستحب العلماء كلها ترك المغالاة فيه، ولم يقولوا: عن المغالاة فيه مكروهة، بل خلاف الأولى؛ لقوله تعالى:{وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} وعمر رضي الله عنه مع ما كان ينهى عنه من المغالاة - تزوج أم كلثوم بنت علي على أربعين ألفًا، وتزوج طلحة أم كلثوم بنت أبي بكر بمئة ألف، وتزوج مصعب بن الزبير ابنتها عائشة بنت طلحة فأصدقها ألف ألف درهم، فقال عبد الله بن هشام السلولي (من الكامل):

أبلغ أمير المؤمنين رسالة .... من ناصح لك لا يريد دفاعا

بضع الفتاة بألف ألف كامل .... وتبيت سادات الجيوش جياعا

ثم تزوجها بعده عمر بن عبد الله بن معمر التميمي فأصدقها مئة ألف دينار، وكانت

ص: 298

وَإِذَا أَصْدَقَ عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ .. ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ، وَفِي قَوْلٍ: ضَمَانً يَدٍ،

ــ

من أجمل نساء قريش، روى لها الجماعة، وذكرها ابن حبان في (الثقات).

ولما حضرت عليًا الوفاة .. قال لزوجته أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا آمن أن يخطبك هذا الطاغية بعد موتي - يعني معاوية - فإن كان لك في الرجال حاجة .. فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل بن الحارث عشيرًا.

فلما مات وانقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان أن يخطبها له، وبذل لها مئة ألف دينار، فلما خطبها .. أرسلت إلى المغيرة بن نوفل تخبره بذلك، فتزوجها المغيرة.

فائدة:

بوب النسائي للتزويج على الإسلام، وروى فيه عن أنس فقال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان الصداق بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة، فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمتَ .. نكحتكَ، فأسلم، فكان الصداق بينهما الإسلام.

فرع:

يجوز جعل القصاص الواجب له عليها أو على عبدها صداقاً لها، بخلاف ترك الشفعة وحد القذف؛ لأن ذلك لا يقابل بعوض، وأسقط من (الروضة) مسألة العبد، وجزم الرافعي بها قبل (الديات)، وفرع عليها ما إذا طلق قبل الدخول .. هل يرجع بنصف أرش الجناية أو بنصف مهر المثل.

قال: (وإذا أصدق عينًا فتلفت في يده .. ضمنها ضمان عقد) كالمبيع في يد البائع؛ لأن الصداق مملوك بعقد معاوضة.

قال: (وفي قول: ضمان يد)؛ لأنه لا ينفسخ النكاح بتلفه فكان كالمستعار والمستام، والقول بضمان العقد جديد، وهو اختيار المزني، وبضمان اليد قديم، وقد أطال الأصحاب في مأخذ القولين؛ فإن الصداق فيه مشابهة العوض كثمن

ص: 299

فَعَلَى الأَوَّلِ: لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ

ــ

المبيع، ويقول: زوجتك بكذا كما يقول: بعتك بكذا، وترد بالعيب كما يرد المبيع والثمن، ولها أن تحبس نفسها لتستوفيه كما يحبس البائع المبيع.

ولو مهرها شقصًا .. ثبت للشريك الشفعة عندنا، وهذه كلها أحكام الأعواض، وبها رجحوا القول به، وقالوا: الصحيح: أنه عوض، وأنه مضمون ضمان عقد، وفيه مشابهة النحلة الخالية عن العوض؛ لأنه يجوز إخلاء النكاح عنه إجماعًا، ولا يفسد النكاح بفساده، ولا ينفسخ بردة، واستمتاع كل من الزوجين مقابل بمثله، وتمسكوا بقوله تعالى:{نِحْلَةً} .

والمصنف فرض المسألة فيما إذا أصدقها عينًا، وكذا في (الشرح) و (الروضة)، والخلاف لا يختص بالعين، ولكن أكثر ما يظهر أثره فيها.

وموضع الخلاف حيث أمكن تقويم الصداق، فإن لم يمكن .. فهو مضمون ضمان عقد قطعًا، كذا ذكره الشيخان في أوائل (الصداق الفاسد) في فرع: لو أصدقها عبدًا أو ثوبًا غير موصوف .. فالتسمية فاسدة، ويجب مهر المثل قطعًا، وإن وصفها .. وجب المسمى.

قال: (فعلى الأول: ليس لها بيعه قبل قبضه) كالمبيع، وإن قلنا بضمان اليد .. جاز، وبه قال أبو حنيفة.

وذكره البيع مثال، ولو عبر بالتصرف .. كان أعم، وقياس إلحاقه بالبيع نفوذ العتق كما في البيع، لكن يرد عليه ما لو كان دينًا .. فإنه يجوز الاعتياض عنه على الصحيح، فلو قال: بيعها - يعني العين - لسلم منه.

ص: 300

وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ .. وَجَبَ مَهْرُ مِثْلِ

ــ

قال: (ولو تلف في يده .. وجب مهر مثل) يعني: إذا تلف الصداق المعين في يده، فإن قلنا: إنه مضمون ضمان عقد .. انفسخ عقد الصداق، ويقدر عود الملك إليه قبل التلف، حتى لو كان عبدًا .. كان عليه مؤنة تجهيزه، كالعبد المبيع يتلف في يد البائع، ولها عليه مهر المثل؛ لأن النكاح مستمر، والبضع كالتالف فيرجع إلى بدله، كما لو رد المبيع بعيب وقد تلف العوض في يد البائع .. يلزمه بدله، إما المثل وإما القيمة، وكما لو هلك الثمن في يد المشتري بعد ما قبض المبيع وتلف عنده .. فإنه يجب على المشتري بدل المبيع من المثل أو القيمة.

وإن قلنا: مضمون ضمان يد .. فالصداق الذي تلف تلف على ملك الزوجة، حتى لو كان عبدًا .. كان عليها تجهيزه، ولا ينفسخ الصداق على هذا القول، ولكن بدل ما وجب على الزوج تسليمه يقوم مقامه، فيجب لها عليه مثل الصداق إن كان مثليًا، وقيمته إن كان متقومًا، ويروى هذا عن أبي حنيفة وأحمد.

ولو طالبها الزوج بالقبض فامتنعت .. ففي بقاء الصداق مضمونًا عليه وجهان: أصحهما: الضمان كما أن البائع لا يخرج عن عهدة المبيع بهذا القدر.

لكي يستثنى ما لم طالبته بالتسليم فامتنع .. فإنه ينتقل إلى ضمان اليد، كذا نص عليه في (البويطي)، وجزم به الماوردي، وصحح الشيخان خلافه، والمعتمد الأول.

ص: 301

وَإِنْ أَتَلَفَتْهُ .. فَقَابِضَةٌ. وَإِنْ أَتَلَفَهُ أَجْنَبِيٌ .. تَخَيَّرَتْ عَلَى اَلْمَذْهَبِ، فَإِنْ فَسَخَتِ اَلصَّدَاقَ .. أَخَذْت مِنَ الَزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلِ، وَإِلَاّ .. غَرَّمَتِ اَلْمُتْلِفَ

ــ

قال: (وإن أتلفته .. فقابضة)؛ لأنها أتلفت حقها، ويبرأ الزوج، وهذا على القولين، كذا أطلقه الشيخان، ويجب تقييده بما إذا كانت أهلاً للقبض، فإن كانت غيره رشيدة .. فلا؛ لأن قبضتها غير معتد به، ولهذا لو وجب للمجنون قصاص على إنسان فوثب إليه فقتله .. لا يكون مستوفيًا للقصاص على الأصح.

وتقدم في إتلاف المشتري وجه: أنه ليس قبضًا.

قال الرافعي: فالقياس مجيئه هنا، وحكاه ابن الرفعة وجهًا مستقلاً، فتغرم وتأخذ مهر المثل، وذكر المصنف في (زوائده) هناك: أنه لو كان المبيع عبدًا فقتله المشتري لصياله عليه .. لم يكن قبضًا على الأصح، فينبغي أن يستثنى هذا أيضًا من إطلاقه هنا.

قال: (وإن أتلفه أجنبي .. تخيرت على المذهب) كما يتخبر المشتري على الأصح إذا أتلف الأجنبي المبيع.

قال: (فإن فسخت الصداق .. أخذت من الزوج مهر مثل)؛ لأنه المرد الشرعي، أما إذا قلنا بضمان اليد .. فلا تخيير.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يفسخ (

غرمت المتلف) بكسر اللام؛ لأنه المتعدي، وقرار الضمان عليه، ولها على قول ضمان اليد تغريم الزوج أيضًا، والزوج يرجع على المتلف، وعلى قول ضمان العقد ليس لها مطالبة الزوج.

هذا إذا كان الأجنبي بحيث يضمنه بالإتلاف، فإن لم يضمنه كقصاص وجب له على العبد ونحو ذلك .. فلا تخيير، بل هو كالآفة، ولها على الزوج مهر المثل، وكذا ينبغي إذا قتله الإمام قصاصًا أو لحرابة ونحوه.

ص: 302

وَإِنْ أَتَلَفَهُ اَلْزَّوْجُ .. فَكَتَلَفِهِ وَقِيلَ: كَأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ أَصْدَقَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ عَبْدٌ قَبْلَ قَبْضِهِ .. أَنْفَسَخَ فِيهِ لَا فِي اَلْبَاقِي عَلَى اَلْمَذَهبِ، وَلَهَا اَلْخِيَاُر، فَإِنْ فَسَخَتْ .. فَمَهْرُ مِثْلِ، وَإِلَاّ .. فَحِصَّةُ الْتَّالِفِ مِنْهُ. وَلَوْ تغَيبَ قَبْلَ قبْضِهِ .. تَخَيَّرَتْ عَلَى اَلْمَذْهَبِ،

ــ

قال: (وإن أتلفه الزوج .. فكتلفه) ينفسخ الصداق جزمًا، ويرجع بمهر المثل.

قال: (وقيل: كأجنبي) فتتخير، وصححه في (الشرح الصغير)، والخلاف ينبني على أن إتلاف البائع كتلفه أو كإتلاف الأجنبي، والأصح: الأول.

قال: (ولو أصدق عبدين فتلف عبد قبل قبضه .. انفسخ فيه لا في الباقي على المذهب) هو الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام، هذا على ضمان العقد، أما على ضمان .. اليد فيرجع إلى قيمة التالف، ولا ينفسخ في شيء.

وتقدم في (البيع) في نظير هذه الصورة: أن هذا إذا لم يقبض الآخر، فإن كان قد قبض وهو باق .. فأولى بعدم الانفساخ، وإن تلف بعد قبضه .. فأولى، لعدمه أيضًا، فيظهر مجيئه هنا.

قال: (ولها الخيار)؛ لعدم سلامة المعقود عليه.

قال: (فإن فسخت .. فمهر مثل) هذا على ضمان العقد، وعلى مقابلة: تأخذ قيمة العبدين.

قال: (وإلا .. فحصة التالف منه) يعني: إذا لم يفسخ .. فالواجب لها حصة قيمة التالف من مهر المثل على قول ضمان العقد، وقيمة التالف على القول الآخر، هذا إذا تلف بافة سماوية، فإن أتلفته هي .. جعلت قابضة لقسطه من الصداق، وإن أتلفه أجنبي .. تخيرت.

قال: (ولو تعيب قبل قبضه) كعمى العبد ونسيان الحرفة ونحوها (

تخيرت على المذهب) هذا على القولين معًا كما صرح به الغزالي وغيره.

ص: 303

فَإِنْ فَسَخَتْ .. فَمَهْرُ مِثْلِ، وَإِلَاّ .. فَلَا شَيْءَ. وَاَلْمَنَافِعُ اَلْفَائِتَةُ فِي يَدِ اَلزَّوْجِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ طَلَبَتَ اَلْتَسْلِيمَ فَأَمْتَنَعَ عَلَى ضَمَانِ اَلْعَقْدِ، وَكَذَا اَلْتِي اَسْتَوْفَاهَا بِرُكُوبِ وَنَحْوِهِ عَلَى اَلْمَذْهَبِ

ــ

قال: (فإن فسخت .. فمهر مثل) هذا ظاهر على ضمان العقد، وأما على ضمان اليد .. فيرجع إلى قيمته.

قال: (وإلا .. فلا شيء) لها كما لو رضي المشتري بعيب المبيع، وعلى ضمان اليد: لها أرش النقصان.

فروع:

الأول: إذا أطلعت على عيب قديم .. فلها الخيار بلا خلاف، فإن فسخت .. فلها مهر المثل أو قيمة العين سالمة، وإن أجازت وقلنا بضمان اليد .. فلها الأرض، وفيه تردد للقاضي حسين.

الثاني: أصدقها دارًا فانهدمت في يده ولم يتلف من النقض شيء .. فالحاصل نقصان صفة، وإن تلف بعضه أو كله باحتراق أو غيره فهل الحاصل نقصان صفة كأطراف العبد أو نقصان جزء كأحد العبدين؟ فيه وجهان: أحصهما: الثاني.

الثالث: زاد الصدق في يد الزوج، فإن كانت الزيادة متصلة كالسمن وتعلم الصنعة .. تبعت الأصل، وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد كسب الرقيق، فإن استمر العقد وقبضت الأصل .. فالزوائد لها، وإن هلك الأصل في يد الزوج وبقيت الزوائد أو ردت الأصل بعيب .. ففي الزوائد وجهان: أصحهما: لها.

قال: (والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها وإن طلبت التسليم فامتنع على ضمان العقد) كما لو اتفق ذلك من البائع، فإن قلنا بضمان اليد .. فيضمنها بأجرة المثل من وقت الامتناع، كذا قاله الرافعي، وعند الغزالي لا يضمنها على القولين إلا إذا قيل: إنها تضمن ضمان المغصوب، ويكون الأقصى.

قال: (وكذا التي استوفاها بركوب ونحوه على المذهب)، بماء على أن جنايته كالآفة، وهو الأصح، فإن قلنا: إنه كالأجنبي .. ضمنها بأجرة المثل، وفيه بحث

ص: 304

وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَقْبِضَ اَلْمَهْرَ اَلْمُعَيَّنَ وَاَلْحَالَّ لَا اَلْمُؤَجَّلَ، فَلَوْ حَلَّ قَبْلَ اَلتَّسْلِيمِ .. فَلَا حَبْسَ فِي اَلأَصَحِّ

ــ

لابن الصلاح وابن الرفعة مع الرافعي.

قال: (ولها حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحال) كما يثبت للبائع حق الحبس، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع، فإذا طلب منها تسليم نفسها وقد أخر تسليم الصداق لعذر أو لغير عذر .. لم تلزمها الإجابة إلا أن يسلمها الصداق بتمامه في الصورتين المذكورتين، وهما إذا كان معينًا أو دينًا حالاً، كيلاً يفوت عليها.

قال: (لا المؤجل)؛ لأنها رضيت بالتأخير فليس لها حبس نفسها.

قال: (فلو حل قبل التسليم .. فلا حبس في الأصح)؛ لأنها رضيت أولاً بكونه في ذمته، ووجب عليها التسليم قبل القبض فلم ترتفع بحلول الحق.

والثاني: أن لها الحبس؛ لاستحقاقها المطالبة بعد الحلول كما في الابتداء.

قال في (المهمات): والذي صحه من رجحان عدم الحبس في هذه الصورة خلاف المذهب المنصوص، والصواب: أن لها الحبس كما رجحه في (الشرح الصغير)، وللمسألة نظيران:

أحدهما: إذا باع بثمن مؤجل وحل قبل التسليم .. فالأصح أنه لا يمكن من الحبس.

والثاني: إذا اشترى سلعة بثمن مؤجل وأفلس ولم يتفق للحاكم بيعها حتى حل الأجل .. ففي جواز الرجوع فيها وجهان، قال في زوائد (الروضة): أصحهما في (الوجيز): الجواز.

ولو كان بعضه مؤجلاً وبعضه حالاً .. ففي (الحاوي) وغيره: لها الامتناع لقبض الحال، والظاهر أنه ليس لها الحبس؛ لأنها رضيت بتأجيل بعضه، وقال ابن

ص: 305

وَلَوْ قَالَ كُلِّ: لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلَّمَ .. فَفِي قَوْلِ: يُجْبَرُ هُوَ، وَفِي قَوْلِ: لَا إِجْبَارَ، فَمَنْ سَلِّمَ .. أُجْبِرِ صَاحِبهٌ، وَالأَظْهَرُ يُجْبَرَانِ؛ فَيُؤْمَرُ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلِ، وَتُؤْمَرُ بِاَلْتَّمْكِينِ، فَإِذَا سَلَّمَتْ .. أَعْطَاهَا اَلْعَدْلُ

ــ

الصلاح: إذا قبضت البعض ليس لها أن تمتنع، ويكون كما لو كان بعضه مؤجلاً وتستثنى صور لا حبس فيها:

أحدها: الأمة الزوجة إذا باعها السيد .. فإن المهر يبقى له كما تقدم، ومع ذلك لا حبس له.

الثانية: إذا كانت كذلك وأعتقها.

الثالثة: إذا زوج السيد أم ولده ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث .. فليس له حبسها.

الرابعة: أعتقها وأوصى لها بصداقها .. فليس لها حبس نفسها لاستيفائه؛ لأن الاستحقاق ههنا بالوصية لا بالنكاح، ذكره الرافعي في نكاح الإماء.

قال: (ولو قال كل: لا أسلم حتى تسلم .. ففي قول: يجبر هو)؛ لأن استرداد الصداق ممكن دون البضع.

قال: (وفي قول: لا إجبار، فمن سلم .. أجبر صاحبه)؛ دفعًا للضرر عنهما.

قال: (والأظهر يجبران، فيؤمر بوضعه عند عدل، وتؤمر بالتمكين، فإذا سلمت .. أعطاها العدل)؛ لأن كل واحد منهما قد استحق التسليم، فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه، قال الإمام: فلو سلمت نفسها فلم يأت .. فالذي أراه أن على العدل تسليم الصداق إليها.

فلم سلم إليها فهم بالوطء فامتنعت .. فالوجه: استرداد الصداق منها، وهذه الأقوال سبق مثلا في البيع.

ص: 306

وَلَوْ بَاَدَرْتْ وَمَكَّنَتْ .. طَالَبَتْهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَا .. اَمْتَنَعَتْ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَإِنْ وَطِئ. َ. فَلَا

ــ

وهناك قول رابع: أن البائع يجبر على التسليم أولاً، وهنا لا يمكن الابتداء بالمرأة، وهي نظيره هنا؛ لأن منفعة البضع إذا فاتت .. تعذر استدراكها، بخلاف المال.

وموضع القول الأول إذا كانت متهيئة للاستمتاع، فإن كانت محبوسة أو ممنوعة بعذر أخر كمرض .. لم يلزم تسليم الصداق، وسيأتي الكلام في الصغيرة.

واستشكل ابن الرفعة وضع الصداق عند عدل على القول الأظهر؛ لأن العدل إن كان نائبًا عنها في القبض - كما قال الجيلي - فال الأمر إلى إجبار الزوج وهو القول الأول، وإن لم يكن نائبًا عنها - فقد أجبر أولاً.

ويمكن أن يجاب بأنه نائب عنهما كما هو مقتضى كلام الأصحاب فيما إذا أخذ السلطان الدين من الممتنع .. فإن المأخوذ يملكه الغريم، وتبرأ ذمة المأخوذ منه.

فرع:

لولى غير المكلفة منع تسليمها حتى تقبض، وله تسليمها قبله إن رآه مصلحة، وعن مالك لا يجوز ما لم تقبض أقل ما يصلح أن يكون صداقًا.

قال: (ولو بادرت ومكنت .. طالبته) على كل قول؛ لبقاء حقها.

قال: (فإن لم يطأ .. امتنعت حتى يسلم)، ولها العود إلى الامتناع، وتصير كمن لم تمكن إلى أن تسلم الصداق.

قال: (وإن وطئ .. فلا) كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع قبل قبض الثمن .. ليس له بعد ذلك أخذه وحبسه.

وقال أبو حنيفة: لها العود إلى الامتناع، وعندنا وجه مثله.

ص: 307

وَلَوْ بَادَرَ وَسَلَّمَ .. فَلْتُمَكِّنَ، فَإِنِ أمْتَنَعَتْ بِلَا عُذْرٍ .. اُسْتَرَدَّ إِنْ قُلْنَا .. إِنَّهُ يُجْبَرُ. وَلَوِ اَسْتَمْهَلَتْ لِتَنَظًّفِ وَنَحْوِهِ .. أُمْهِلَتْ مَا يَرَاهُ فَاضٍ

ــ

هذا إذا وطئها مطاوعة، فإن أكرهها .. فلها الامتناع بعده على الأصح، كما لو غصب المشتري المبيع قبل تسليم الثمن .. يجوز للبائع رده إلى حبسه.

والثاني: لا؛ لأن البضع بالوطء كالتالف، فأشبه ما إذا غصب المشتري المبيع قبل تسليم الثمن وتلف عنده.

قال: (ولو بادر وسلم .. فلتمكن)؛ لأنه فعل ما عيليه.

قال: (فإن امتنعت بلا عذر .. استرد إن قلنا: إنه يجبر)؛ لأن الإجبار شرطه التمكين؛ فإن قلنا: لا يجبر .. فوجهان:

أحصهما: لا يسترد؛ لأنه تبرع بالمبادرة وسلم، فلا يتمكن من الرجوع كما لو عجل المال المؤجل.

والثاني: له الاسترداد؛ لأنه لم يحصل على العوض.

قال: (ولو استمهل لتنظف ونحوه .. أمهلت)؛ لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف، وهذا الإمهال واجب على الأصح، وقيل: مندوب؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تطرقوا النساء ليلاً، حتى تمشط الشعثة، وتستحد المغيبة) متفق عليه [خ 5246 - م 715/ 181]:، فإن امتنع الزوج الغائب من طروق امرأته معافصة مع تقدم الصحبة .. فلأن يمتنع ذلك في ابتداء الحال أولى.

والثاني: لا تمهل، كما لو سلم المشتري الثمن لا يمهل البائع.

وقيل: تمهل قطعًا، قاله العراقيون.

قال: (ما يراه قاض) من يوم أو يومين أو أقل؛ لأنه أمر مجتهد فيه.

ص: 308

وَلَا يُجِاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَا لِيَنْقَطِع حَيْضٌ. ولَا تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ وَلَا مِرِيضَةٌ حَتَّى يَزْولَ مَانِعُ وَطْءٍ

ــ

قال: (ولا يجاوز ثلاثة أيام)؛ لأنها أقل الكثير وأكثر القليل، ولأن الحاجة تحصل بها، ومنهم من قدرة بما يحتاج إليه عادة؛ لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.

وتدخل فيها الليالي المشتملة عليها كخيار الثلاث، ولا نقول ثلاثة أيام وثلاث ليال كمسح الخف؛ فهي بالخيار أشبه.

ولا خلاف أنها لا تمهل لتهيئة الجهاز والتسمين ونحو ذلك.

هذا إذا لم يظهر تعنتها في الاستمهال، فإن ظهر ذلك .. فيشبه عدم إجابتها، وتأثم بذلك.

قال: (لا لينقطع حيض)؛ لأنه يستمتع بها من فوق الإزار من غير وطء كالقرناء والرتقاء، وتردد الإمام فيه إذا خشيت المواقعة، وقال المتولي: إن كان زمن حيضها لا يزيد على ثلاثة أيام .. أمهلت، وقال الغزالي: إذا علمت من عادته أن يغشاها في الحيض .. فلها الامتناع من مضاجعته والنفاس كالحيض.

قال: (ولا تسلم صغيرة ولا مريضة حتى يزول مانع وطء)؛ لأن العادة لم تجر بتسليم مثلها.

ومقتضى عبارته: أن التسليم في هذه الحال حرام، والمجزوم به الكراهة في الصغيرة، ولا يجوز للزوج وطؤها إلا إلى الاحتمال، فلو قال الزوج: سلموا إلى الصغيرة أو المريضة ولا أقربها إلى أن يزول ما بها .. قال الغزالي: لا يجاب، وقال البغوي: يجاب في المريضة دون الطفلة.

لكن تستثنى المرأة النحيفة الجبلة، فليس لها أن تمتنع بهذا العذر؛ لأنه لا شيء يتوقع زواله، فكانت كالرتقاء.

ص: 309

وَيَسْتَقِرُّ اَلْمَهْرُ بِوَطْءٍ وَإِنْ حَرُمَ كَحَائِضٍ،

ــ

فروع:

لم يذكر المصنف محل التسليم، وهو منزل الزوج كما قال في (التنبيه) في آخر (كتاب النكاح)، هذا إذا لم ينتقل إلى بلد آخر، فإن انتقل .. لم يجب عليها التسليم، بلم الواجب عليها في هذه الحالة التمكين، فلو تزوج ببغداد امرأة بالكوفة، ثم انتقل إلى الموصل وطلب إحضارها .. فمؤنة التسليم من الكوفة إلى بغداد عليها، ومن بغداد إلى الموصل عليه كما نقله الشيخان عن (مجرد الحناطي) وأقراه.

وللزوج أن يمتنع من تسلم الصغيرة؛ لأنه تزوج للاستمتاع لا للحضانة، وليس له في المريضة الامتناع على أقيس الوجهين.

ولو اختلف الزوج وأبو الزوجة فقال أحدهما: هي صغيرة لا تحتمل الجماع، وقال الآخر: تحتمله .. فهل القول قول منكر الاحتمال أو تعرض على أربع نسوة أو رجلين من المحارم؟ وجهان: أصحهما في زوائد (الروضة): الثاني.

وقيل: يكتفى بقول امرأة واحدة سلوكًا به مسلك الخبر، حكاه في (الكفاية).

ولو قال الزوج: زوجتي حية فسلمها إلى، وقال الأب: ماتت .. فالقول قول الزوج.

قال: (ويستقر المهر بوطء وإن حرم كحائض)، وكذلك النفساء والوطء في

ص: 310

وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا

ــ

الإحرام ونهار رمضان؛ لأن وطء الشبهة يوجب المهر ابتداء، فالوطء في النكاح أولى أن يقرر المهر الواجب، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(فإن أصابها .. فلها المهر بما استحل من فرجها).

وكذا يتقرر بالوطء في الدبر على الأصح، لا بالمباشرة فيما دون الفرج، ولا باستدخال المني على الصحيح فيهما.

فرع:

اشترت الحرة زوجها بعد الدخول والصداق باق .. سقط على الصحيح؛ إذ لا يجب للسيد على عبده شيء، وبهذا أجاب القفال لما سئل في المنام عن هذه المسألة، فهذا يستثنى، وكذا إذا كان الواطئ أو الموطوءة خنثى مشكلاً؛ لاحتمال زيادة العضو، قاله البغوي، لكن تقدم أنه لا يصح نكاح الخنثى المشكل.

قال: (وبموت أحدهما)؛ لإجماع الصحابة على ذلك، ولأنها نهاية النكاح فكانت كآخر مدة الإجارة، وانتهاء العقد كاستيفاء المعقود عليه في إيجاب البدل، وما جزم به المصنف هو المعروف.

ص: 311

لَا بِخَلْوَةٍ فِي اَلْجَدِيدِ

ــ

وحكى الرافعي عن صاحب (التتمة) وجهين فيه أسقطهما من (الروضة).

ويستثنى من كون الموت مقررًا: ما إذا قتل السيد الأمة، أو قتلت نفسها قبل الدخول كما تقدم في الباب قبله، ثم إن الموت إنما يقرر إذا كان النكاح صحيحًا، فإن كان فاسدًا .. لم يقرر مهرًا إجماعًا.

قال: (لا بخلوه في الجديد) سواء استمتع بها معانقة أو تقبيلاً أم لا؛ لقوله تعالى: {وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ولا مسيس، ولقوله تعالى:{وكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ} ، وقال ابن عباس: الإفضاء هنا: الوطء، وقول الفراء: إنه الخلوة .. مردود بقول ابن عباس.

والقديم .. وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد-: أن الخلوة كالوطء في تقرير المهر وإيجاب العدة؛ لما روي عن عمر وعلي أنهما قالا: (إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا .. فلها الصداق كاملاً، وعليها العدة).

ومحل القولين في النكاح الصحيح، أما الفاسد .. فلا تقرر الخلوة فيه مهرًا إجماعًا كما تقدم.

ص: 312

فصل:

نَكَحَهَا بِخَمْرِ أَوْ حُرِّ أَوْ مَغْصُوبٍ .. وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ،

ــ

تتمة:

على القديم: هل يشترط في تقرير المهر بالخلوة أن لا يكون هناك مانع شرعي بهما أو بأحدهما كالحيض والنفاس وصوم الفرض والإحرام؟ فيه وجهان: أظهرهما: أنه يشترط، وجزم المتولي بمقابلة، ويشترط أن لا يكون مانع حسي كرتق أو قرن فيها، أو جب أو عنة فيه قطعًا.

وعلى الجديد: ولو اتفقا على الخلوة وادعت الإصابة .. لم يرجح جانبها، وكان القول قوله مع يمينه، فلو أقامت بينه على إقراره بالوطء .. سمعت، ويقبل فيها شاهد وامرأتان، ولا خلاف أنها لو أتت بولد .. لحقه.

قال: (فصل)

عقده للصداق الفاسد وله أسباب: عدم المالية، وتفريق الصفقة، والشرط، وتفريط الولي، والمخالفة.

وقد تقدم: أن إخلاء النكاح عن تسمية المهر صحيح بلا خلاف، أما إذا عقده على مهر فاسد .. ففي انعقاده خلاف:

الجديد: الصحيح الانعقاد، ويجعل كأنه أخلاه عنه.

والقديم: يفسد النكاح بفساد الصداق؛ لأنه لما ذكره .. جعله ركنًا فيه فيفسد بفساده.

قال: (نكحها بخمر أو حر أو مغصوب .. وجب مهر مثل)؛ لأنها لم ترض بإتلاف بضعها من غير بدل، ولم يسلم لها .. فوجب بدله.

وذكر المصنف ثلاثة أمثلة: الخمر والحر وهما ليسا بمال، والمغصوب مال، ولكنه لا يمكنه تصحيح العقد فيه؛ لعدم ملك الزوج له، وعجزه عن نقله إلى غيره، ونبه به على أن ما لا يقدر على تسليمه كالآبق والمرهون في معناه.

ص: 313

وَفِي قَوْلٍ: قِيمَتُهُ، أَوْ بِمَمْلْوكٍ وَمَغْصُوبٍ .. بَطَلَ فِيهِ وَصَحَّ فِي اَلْمَمْلُوكِ فِي اَلأَظْهَرِ

ــ

والقول بوجوب المهر جديد، وبه قال أبو حنيفة، والقول بوجوب بدل الصداق الفاسد قديم، وبه قال أحمد.

قال: (وفي قول: قيمته)؛ لأن ذكر العوض يقتضي قصده.

والمراد بـ (القيمة): التقدير، فيقدر الرق في الحر، والعصير في الخمر، والخلاف ينبني على أنه مضمون في يد الزوج ضمان عقد أو ضمان يد.

واختلفوا في محل القولين في الحر فقيل: مطلقًا، والأصح: أنهما فيما إذا قال: أصدقتك هذا العبد على ظن أنه رقيق، أو مع العلم بأنه حر، أما إذا قال: أصدقتك هذا الحر .. فالعبارة فاسدة، ويجب مهر المثل قطعًا.

والتعبير بـ (القيمة) فيه تساهل؛ فإن الخمر لا قيمة لها، والمغصوب قد يكون مثليًا، فلو عبر بالبدل .. كان أولى، والعجب أن الرافعي أنكر على الغزالي تعبيره بـ (القيمة) ثم وقع فيه في (المحرر) فوافقه المصنف.

وتصويرهم المسألة بالخمر أو الخنزير يقتضي أن محلها فيما كان مقصودًا، فأما غير المقصود كالدم والحشرات .. فلا يأتي ذلك فيه، وينبغي أن تكون كالمفوضة، وهو قياس ما ذكروه في (الخلع): أنه إذا خالعها على ذلك .. يقع رجعيًا؛ لأنه لا يقصد بحال، فكأنه لم يطمع في شيء، لكنهم صرحوا هنا بأنه لا فرق، وعلى هذا: يحتاج للفرق بينه وين الخلع.

وحيث وجب مهر المثل لفساد التسمية .. استقر بالموت أو الدخول.

هذا كله في غير أنكحة الكفار، فأما في أنكحتهم .. فهو صحيح إذا اعتقدوه صحيحًا كما تقدم.

قال: (أو بمملوك ومغصوب .. بطل فيه وح في المملوك في الأظهر) كما إذا باع خلاً وخمرًا، أو عبده حرًا، وقد تقدم في (البيع) بيانه.

ص: 314

وَتَتَخيَّرُ؛ فَإِنْ فَسَخَتْ .. فَمَهْر مِثْلٍ، وَفِي قَوْلِ: قِيمَتُهُمَا، وَإِنْ أَجَازَتْ .. فَلَهَا مَعَ اَلْمَمْلُوكِ حِصَّةُ اَلْمَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا، وَفِي قَوْلٍ: تَقْنَعُ بِهِ. وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ ثَوْبَهَا بِهَذَا اَلْعَبْدِ .. صَحَّ اَلْنَكَاحُ، وَكَذَا اَلْمَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي اَلأَظْهَرِ،

ــ

قال: (وتتخير) هي؛ لأن المسمى بتمامه لم يسلم لها.

قال: (فإن فسخت. فمهر مثل، وفي قول: قيمتها) هما القولان المتقدمان، وكذلك يأتي هذان القولان إذا قلنا بمقابل الأظهر وهو: عدم الصحة في المملوك أيضًا.

قال: (وإن أجازت .. فلها مع المملوك حصة المغصوب من مهر مثل بحسب قيمتهما، وفي قول: تقنع به) ولا شيء لها غيره، وهما القولان في أن الإجازة عند تفريق الصفقة بالقسط أو بالجميع، وقد تقدما في (البيع).

فرع:

أصدقها عبدًا أو ثوبًا ولو يصفه .. فالتسمية فاسدة والواجب مهر المثل.

وقال الأئمة الثلاثة: يجب عبد أو ثوب وسط وتصح، وإن وصف العبد والثوب .. صحت التسمية ووجب المسمى.

قال: (ولو قال: زوجتك بنتي وبعتك ثوبها بهذا العبد .. صح النكاح)؛ لأنه لا يفسد بفساد الصداق.

قال: (وكذا المهر والبيع في الأظهر) هما القولان السابقان في تفريق الصفقة في الحكم، والمسألة تقدمت في آخر (المناهي) حيث قال:(أو بيع ونكاح .. صح النكاح، وفي اليوم والصداق القولان).

ص: 315

وَيُوَزَّعُ اَلْعَبْدُ عَلَى اَلْثَّوْبِ وَمَهْرِ اَلْمِثْلِ. وَلَوْ نَكَحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأّبِيهَا أَلْفًا أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفا .. فَالْمَذْهَبُ: فَسَادُ اَلصَّدَاقِ وَوُجُوبُ مَهْرِ اَلْمِثْلِ

ــ

وصورة المسألة: أن يكون وليًا على مالها أو وكيلاً، وأن يكون الثوب معينًا.

وأفهمت عبارة المصنف أن صورة المسألة: أن يكون من أحد الطرفين عرض ومن الآخر نقد، فلو كانا نقدين كما لو كان لها مئة درهم فقال: زوجتك بنتي وملكتك هذه الدراهم بهاتين المئتين .. فالعقد والصداق باطلان على النص؛ لأنه من قاعدة: (مد عجوة ودرهم)، وأن كان من أحدهما ذهب .. فهو جمع بين بيع وصرف.

وكلام المصنف هنا وفي (البيع) يقتضي أن النكاح صحيح بلا خلاف، وليس كذلك، بل فيه وجه بناء على القول المخرج: أنه يفسد بفساد الصداق.

قال: (ويوزع العبد على الثوب ومهر المثل) فإذا كان مهر المثل ألفًا والثوب يساوي ألفًا والعبد يساوي ألفًا .. فنصف العبد صداق ونصفه ثمن مبيع، فإن طلقها قبل الدخول .. رجع إليه نصف الصداق وهو ربع العبد، وإن فرضت ردة أو فسخ .. رجع إليه جميع الصداق وهو نصف العبد.

ولو نلف العبد قبل القبض .. يسترد الثوب ولها مهر المثل في الأظهر، ونصف قيمة العبد في القول الآخر.

ولو وجد الزوج بالثوب عيبًا ورده .. استرد نصف العبد.

ولو وجدت العبد معيبًا وردته .. استردت الثوب وترجع بمهر المثل في الأصح، وينصف القيمة في الثاني.

وإذا قلنا بالتوزيع .. فشرطه: أن تكون حصة النكاح مهر المثل، فإن كانت أقل

وجب مهر المثل بلا خلاف كما ذكره في (شرح المهذب) في (باب تفريق الصفقة).

قال: (ولو نكح بألف على أن لأبيها ألفًا أو أن يعطيه ألفًا .. فالمذهب: فساد الصداق ووجوب مهر المثل) نقل المزني عن الشافعي:: أنه نص في الأولى على فساد

ص: 316

وَلَوْ شَرَطَ خِيَارًا فِي اَلْنَّكَاحُ .. بَطَلَ اَلْنَّكَاحُ، أَوْ فِي اَلْمَهْرِ .. فَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ اَلْنَّكَاحُ

ــ

الصداق، وفي الثانية على صحته، فاختلف الأصحاب فيهما في ذلك على طرق:

المذهب منها: فساد الصداق في الصورتين، ويجب مهر المثل كما يفسد بشرط الاستحقاق، وعلى هذا: مهم من غلط المزني في نقله الصورة الثانية، ومنهم من تأوله.

والطريق الثاني: فساد الصداق في الأولى دون الثانية، جريًا على ظاهر النص.

والفرق: أن قوله: (على أن لأبيها ألفًا) فيه شرط عقد في عقد، فأشبه ما إذا قال: بعتك بكذا على أن تهب لفلان كذا، وفي الصورة الثانية المشروط الإعطاء معطوفًا على الألف الأول، فيشعر بأن الصداق ألفان، والزوج نائب عنها في دفع أحد الألفين إلى الأب، أو الأب نائب عنها في القبض.

والطريق الثالث: أن الصورتين على قولين، وجه الفساد فيهما ما تبين، ووجه الصحة: أن الألفين ملتزمان في مقابلة البضع، وهي المالكة له فتستحقهما، وتلغو الإضافة إلى الأب.

وقيل: إن شرطة الزوج .. فسد، أو هي

فلا.

هذا إذا قرئ (يعطيه) بالياء آخر الحروف، فإن قرئ بالتاء ثالثة الحروف ..

فهو وعد هبة منها لأبيها.

قال: (ولو شرط خيرا في النكاح .. بطل النكاح)؛ لأن مبناه على اللزوم، فشرط ما يخالف مقتضاه يمنع صحته، وقال أبو حنيفة: يصح النكاح ويلغو الشرط.

قال: (أو في المهر، فالأظهر: صحة النكاح)؛ لأن فساد الصداق لا يؤثر فيه.

والثاني: يبطل النكاح، وفي سببه وجهان:

أحدهما: فساد الشرط وتأثيره في فساد العوض، وهذا القائل يقول بفساد النكاح بجميع الشروط الفاسد والأعواض الفاسدة.

ص: 317

لَا اَلْمَهْرِ. وَسَائِرُ اَلْشُّرُوطِ إَنْ وَافَقَ مُقْتَضَى اَلْنِّكَاحِ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ .. لَغَا، وَصَحَّ اَلْنِّكَاحُ وَاَلْمَهْرُ. وَإِنْ خَالَفَ وَلَمْ يُخِل َّبَمَقْصُودِهِ اَلأَصْلِيِّ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا .. صَحَّ اَلْنِّكَاحِ وَفَسَدَ اَلْشَّرْطُ

ــ

والثاني: أن سبب الفساد: أن الصداق أحد العوضين، والخيار في احد العوضين يتداعى إلى الثاني، فكأنه شرط الخيار في المنكوحة.

قال: (لا المهر)؛ فإن الأصح أنه يفسد ويجب مهر المثل؛ لأن الصداق لا يتمحض عوضًا، بل فيه معنى النحلة فلا يليق به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمى إلا بشرط الخيار.

والثاني: يصح ويثبت فيه الخيار؛ لأن الصداق عقد مستقل بنفسه فالمقصود منه المال، فلا يبطل بشرط الخيار كالبيع، وعلى هذا: ففي ثبوت الخيار وجهان: أصحهما: الثبوت، وبه قال أبو حنيفة.

قال: (وسائر الشروط) أي: باقيها (إن وافق مقتضى النكاح أو لم يتعلق به غرض .. لغًا، وصح النكاح والمهر) الشرط في النكاح إن لم يتعلق به غرض .. فهو لغو محض كنظيره من البيع، وإن وافق مقتضى العقد .. لم يؤثر في النكاح ولا في الصداق كما إذا شرط أن يقسم لها أو ينفق عليها، أو يسترى أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج إلا بإذنه، فهذا لا يؤثر في صحة النكاح، ولأنه غير مناف له، بل هو مؤكد له، ويصح المهر؛ الصحة الشرط.

قال: (وإن خالف ولم يخل بمقصوده الأصلي كشرط أن لا يتزوج عليها أو لا نفقة لها .. صح النكاح)؛ لأنه لا يمنع المقصود وهو الاستمتاع، ولأن فساد العوض لا يؤثر فيه، ففساد الشرط أولى، وقيل: يبطل بناء على البطلان بفساد الصداق.

قال: (وفسد الشرط)؛ لأنه مخالف لموجب العقد، وقال أحمد: إن شرط ما ينفعها .. صح الشرط، فإن لم يف .. فلها الخيار.

ص: 318

وَاَلْمَهْرُ، وَإِنْ أَخَلَّ كَأَنْ لَا يَطَأَ أَوْ يُطَلِّقَ .. بَطَلَ اَلنِّكَاحُ

ــ

واحتج الأصحاب بقوله صلي الله عليه وسلم: (وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) متفق عليه [خ 251 - م 1504/ 8].

وأما صحة النكاح .. فهو المشهور؛ لأن فساد العوض لا يؤثر فيه، ففساد الشرط أولى، وحكي وجه أو قول: أنه يبطل النكاح

وأغرب الترمذي فحكى في (جامعة)[3/ 434] عن الشافعي: أن من تزوج امرأة بشرط أن لا يخرج بها من بلدها

أنه يلزمه الشرط كمذهب أحمد.

قال: (والمهر)؛ لبطلان ما شرطه، وهو يقتضي سقوط ما يقابله إن كان الشرط له وهو مجهول، والمجهول إذا أسقط من المعلوم .. يصير الباقي مجهولاً، أو ضم ما يقابله إن كان الشرط لها ولا قيمة له، والمجهور إذا ضم إلى المعلوم يصير الكل مجهولاً، وإذا فسد .. وجب مهر المثل؛ دفعًا للضرر، سواء زاد على ما في العقد أو نقص، ولأنه يتاثر بالشرط الفاسد فيكون الواجب مهر المثل.

وقال ابن خيران: إن زاد المسمى والشرط لها كأن لا يتزوج عليها أولا يتسرى أو لا يطلق أن تخرج متى شاءت، أو نقص والشرط عليها كترك النفقة والقسم .. وجب المسمى، كذا نقل الرافعي هذا الوجه، وعكسه في (الروضة) وهو وهم لا يساعده عليه المعنى.

قال: (وإن أخل كأن لا يطأ أو يطلق

بطل النكاح).

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أما الأول .. فملنافاته لمقصود العقدز

وأما الثاني: فسبق في (التحليل)، ومثلها إذا شرط أن لا يطأ في السنة إلا مرة.

ويستثنى من الأول: الميؤوس من احتمالها الوطء إذا شرط الزوج تركه في صلب العقد .. لا يضر كما أفنى به البغوي، وقياسه: لو كان الزوج ممسوحًا وشرط ذلك .. لا يضر، وإذا صححنا النكاح .. أثر الشرط في الصداق كسائر الشروط الفاسدة.

فروع:

نكحها على ألف إن لم يخرجها في البلد، وعلى ألفين إن أخرجها .. فالصداق فاسد، والواجب مهر المثل أخرجها أو لم يخرجها.

وإن تزوجها على أن لا ترث منه، أو على أن لا يرث منها، أ، على أن لا يتوارثا، أو على أن النفقة على غير الزوج .. بطل النكاح على المشهور.

ولو زوج أمته عبد غيره بشرط أن يكون الأولاد بين السيدين .. صح النكاح وبطل

ص: 320

وَلَوْ نَكَحَ نِسْوَةَ بِمَهْرٍ .. فَاَلأَظْهَرُ: فَسَادُ اَلْمَهْرِ، وَلِكُلِّ مَهْرُ مِثْلٍ

ــ

الشرط، نص عليه في (الإملاء)، وفي قول: يبطل النكاح.

قال: (ولو نكح نسوة بمهر) هذا يتصور عند اتحاد الولي بأن يكون له بنات بنين، أو إخوة أو أعمام أو معتقات، ويتصور مع تعدد الولي بأن وكل أولياء نسوة رجلاً .. فالنكاح صحيح جزمًا.

قال: (فالأظهر: فساد المهر)؛ لأن كل واحدة تجهل ما يخصها في الحال فلم يصح.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أن الصداق يصح؛ لأن الجملة معلومة، والتفصيل يعلم بالتوزيع، وإذا علمت الجملة والتفصيل .. كفى ذلك لصحة العقد، كما لو باع عبيدًا له أو شقصًا وعبدًا .. يجوز وإن كانت حصة كل واحد مجهولة.

ولو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم .. يصح وإن كانت الجملة مجهولة.

وجوابه: أن المالك هناك واحد وهو عقد واحد، وهنا المالك متعدد، والزوجات كالعاقدين، وتعد العاقد يوجب تعدد العقد، والصداق مجهول في كل عقد فيفسد، وعلى هذا: فيوزع المسمى على مهر أمثالهن، وقيل: على عدد رؤوسهن، وضعفه الإمام.

ويجري القولان فيما لو خالع نسوة على عوض واحد .. هل يفسد العوض؟ وأما البينونة .. فتحصل قطعًا.

وقال: (ولكل مهر مثل)؛ لجهالة المذكور، هذا هو الصحيح.

وقيل: يوزع المسمى على مهور أمثالهن، ولكل واحدة ما يقتضيه التوزيع،

ص: 321

وَلَوْ نَكَحَ لِطِفْلٍ بِفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، أَوْ نَكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً، أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إِذْنٍ بِدْوِنِه .. فَسَدَ اَلْمُسَمَّىَ،

ــ

ويكون الحاصل لهن على هذا القول كالحاصل إذا قلنا بصحة المسمى.

ويستثنى من جريان الخلاف ما لو زوج امتيه بعبد على صداق واحد .. فإنه يصح الصداق جزمًا؛ لاتحاد المستحق فكان ذلك كبيع عبدين بثمن.

ونظير المسالة: ما إذا كاتب عبيدًا بعوض واحد، والنص فيها الصحة.

ولو اشترى عبيدًا لملاك لكل عبد بثمن واحد صفقة .. فالنص فيها: البطلان.

والأصح: طرد القولين فيهما، وقيل بتقرير النصين.

والفرق: أن البيع معاوضة محضة، وفساد العوض يلغيه بالكلية، وفي الكتابة شائبة التعليق، ففساد العوض لا يلغيها بالكلية، بل إذا أدى المسمى .. عتق بالصفة، وقد تقدمت مسألة البيع فيه ومسألة الكتابة تأتي في بابها.

قال: (ولو نكح لطفل بفوق مهر مثل، أو نكح بنتًا لا رشيدة، أو رشيدة بكرًا بلا إذن بدونه .. فسد المسمى)؛ لأن تصرف الأب بخلاف الغبطة لا يصح، وهو بالزيادة في الأول والنقص في الثاني، والمجنون في ذلك كالطفل، وقال الأئمة الثلاثة: يصح بالمسمى.

ص: 322

وَاَلأَظْهَرُ: صِحَّةُ اَلْنِّكَاحِ بِمَهْرِ مِثْلٍ

ــ

لنا: القياس على ما لو باع مالهما بدون ثمن المثل.

وقوله: (بنتًا) ضبطه المصنف بخطه بالباء الموحدة ثم بالنون ثم بالتاء المثناة من فوق، وعبارة (المحرر): ابنته الصغيرة أو المجنونة، فعبر عنه في الكتاب بقوله:(لا رشيدة)، وهو يشمل البالغة العاقلة غير الرشيدة؛ فإن إذنها بدون مهر المثل غير معتبر، غير أن هذا التركيب لا يستقيم من جهة العربية؛ فإن من قواعدهم: أن (لا) إذا دخلت على مفرد وهو صفة لسابق .. يجب تكرارها نحو: {إنَّهَا بَقَرَةٌ لَاّ فَارِضٌ ولا بِكْرٌ} {زَيْتُونَةٍ لَاّ شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ} .

ومقتضى كلام المصنف الفساد فيما إذا كانت الزيادة من مال الأب أيضًا، وهو أحد احتمالي الإمام؛ لأنه يدخل في ملك الابن ثم يكون متبرعًا بالزيادة.

والاحتمال الثاني - وبه قطع الغزالي والبغوي، وبه جزم في (الحاوي الصغير) -: أنه لا يفسد الصداق، ويجب المسمى سواء كان عينيًا أو دينًا، والظاهر الأول، وبه قطع المارودي وغيره؛ لأنه يدخل تبعًا لا مقصودًا.

والذي ذكره المصنف هنا من تصحيح بطلان الجميع صحح في (كتاب النكاح) في الكلام على المولى عليه أن الزائد على مهر المثل فقط يبطل، وكذلك وقع الموضعان في (الشرح الصغير) و (الروضة) و (المحرر).

قال: (والأظهر: صحة النكاح بمهر مثل) كما في سائر الأسباب المفسدة للصداق، وفيما إذا أصدقها عينًا وجه: أنه تصح التسمية في قدر مهر المثل.

والثاني: لا يصح النكاح؛ لأنه على خلاف المصلحة كتزويجها من غير كفء.

هذا إذا كان مهر مثلها يليق به، فلو نكح له شريفة يستغرق مهر مثلها ماله .. فقياس ما صححوه في السفينة: أنه لا يصح هنا أيضًا، لأنه على خلاف المصلحة.

ص: 323

وَلَوْ تَوَافَقْوا عَلَى مَهْرِ سِرّاً وَأَعْلَنُوا زِيَادَةَ .. فَاَلْمَذْهَبُ: وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ. وَلَوْ قَالَتْ لِوليِّهَا: زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ .. بَطَلَ اَلْنِّكَاحَ،

ــ

فرع:

أصدق رشيد زوجة نقدًا في ذمته، فعوضها أبوه عوضًا من غير إذنه .. قال ابن الصلاح: يصح ويقدر انتقال الملك إليه، ثم منه إلى الزوجة، وبمثله أجاب صاحب (البيان).

قال: (ولو توافقوا على مهر سرًا وأعلنوا زيادة .. فالمذهب: وجوب ما عقد به)، لأن الصداق يجب بالعقد فوجب ما عقد به.

روى أحمد [2/ 182] وأبو داوود [2122] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء قبل عصمة النكاح .. فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح .. فهو لمن أعيطه).

والثاني: أن المهر مهر السر اعتبارًا بتراضيهم واصطلاحهم.

وللشافعي في المسألة نصان منزلان على هذا حيث قال: مهر السر، أراد إذا جرى العقد بألف في السر ثم ذكروا في العلن ألفين تجملاً، وحيث قال: مهر العلانية .. أراد ما إذا تواعدوا أن يكون المهر ألفًا ولم يعقدوا في السر، ثم عقدوا في العلانية، فيكون المهر ما عقد به العقد.

وقيل: قولان مطلقًا.

وقيل: يفسد المسمى ويجب مهر المثل، والخلاف كالخلاف في أن الاصطلاح الخاص هل يقضي على الاصطلاح العام.

وقال ابن المنذر: قال الشافعي: المهر مهر العلانية إلا أن يكون شهود المهرين واحدًا .. فيثبتون على أن المهر مهر السر، فتستثنى الصورة من إطلاقهم.

قال: (ولو قالت لوليها: زوجني بألف فنقص عنه

بطل النكاح) كما لو قالت: زوجني من زيد فزوجها من عمرو، وأفهم البطلان من باب أولى إذا زوجها بلا مهر، أو زوجها مطلقًا وسكت عن المهر، سواء زوجها بنفسه أو بوكيله.

ص: 324

فَلَوْ أَطْلَقَتَ فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ اَلْمِثْلِ .. بَطَلَ، وَفِي قَولٍ: يَصحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ. قُلْتُ: اَلأَظْهَرُ: صَحَّةُ اَلْنِّكَاحِ فِي الصُّورَتَينِ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَالله أَعْلَمُ

ــ

قال: (فلو أطلقت فنقص عن مهر المثل

بطل)؛ لأن الإطلاق يقتضي مهر المثل عرفًا، فكأنها قيدت به.

قال: (وفي قول: يصح بمهر مثل) كسائر الأسباب المفسدة للمهر، وهذا الوجه صححه في (اصل الروضة) والرافعي لم يصححه، بل حكي قولين.

قال: (قلت: الأظهر: صحة النكاح في الصورتين بمهر مثل والله أعلم) وهذه طريقة العراقيين.

فرع:

خطب الصغيرة من أبيها كفآن أحدهما بمهر المثل والثاني بأزيد، فزوجها الولي الأول، فهل يصح على قولنا: إنه لا يصح إذا زوجها بدون مهر المثل؟ فيه وجهان: أصحهما في (البحر): المنع؛ لأن النكاح على هذا القول معتبر بالبيع.

وجزم الإمام بالصحة إذا رأى المصلحة في ذلك، وهو الأظهر.

تتمة:

قال الولي للوكيل زوجها من شاءت بكم شاءت، فزوجها برضاها بغير كفء بدون مهر المثل .. صح، ولو قال: زوجها بألف، فزوجها بخمس مئة برضاها .. قال المتولي: الصحيح صحة النكاح؛ لأن المهر حقها، وقيل: لا يصح؛ لأنه باشر غير ما وكل فيه.

ولو جاء رجل وقال: أنا وكيل فلان في قبول نكاح فلانة بكذا، وصدقه الولي والمرأة وجرى النكاح وضمن الوكيل الصداق، ثم إن فلانًا أنكره وصدقناه باليمين

فهل يطالب الوكيل بشيء من الصداق؟ وجهان:

ص: 325

فَصْلٌ:

قَالَتْ رَشِيدَةٌ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ، فَزَوَّجَ وَنَفَى اَلْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ .. فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ،

ــ

أحدهما: لا؛ لأن مطالبة الأصيل سقطت، والضامن فرعه.

وأصحهما - وهو محكي عن نصه في (الإملاء) -: أنه يطالب بنصف الصداق؛ لأن المال ثابت عليهما بزعمه، فصار كما لو قال: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنه، فأنكر عمرو .. يجوز لزيد مطالبة الضامن.

قال: (فصل:

قالت رشيدة: زوجني بلا مهر، فزوج ونفى المهر أو سكت .. فهو تفويض صحيح) التفويض: إخلاء النكاح عن المهر، وأصل التفويض: أن يجعل الأمر إلى غيره ويكله إليه، وقيل: هو الإهمال، ومنه:

لا يصلح الناس فوضى

وسميت مفوضة؛ لتفويضها أمرها إلى غيرها بلا مهر، أو لأنها أهملت المهر، ومفوضة بفتح الواو؛ لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج.

والتفويض ضربان: تفويض بضع وتفويض مهر، فتفويض المهر: أن تقول المرأة: زوجني

ص: 326

وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ: زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ. وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ

ــ

بما شئت، أو على ما يشاء الخاطب أو فلان، والتفويض الصيح أن يكون من المستحق الرشيد كما فرضه المصنف.

وقول قالت الرشيدة: زوجني وسكتت عن المهر .. فوجهان:

أحدهما - وبه جزم الإمام -: أن هذا ليس بتفويض؛ لأن النكاح يعقد غالبًا بمهر فيحمل الإذن على العادة، فكأنها قالت: زوجني بمهر المثل، فتستحقه بالعقد، قال في (الشرح الصغير): وهذا هو الظاهر.

والثاني: أنه تفويض صحيح، وهذا هو الصواب المنصوص في (الأم) كما قاله في (المهمات).

قال: (وكذا لو قال سيد أمة: زوجتكها بلا مهر)؛ لأنه المستحق للمهر فأشبه الرشيدة، وكذا لو قال: زوجتكها وسكت عن ذكر المهر كما نص عليه في (الأم) أيضًا.

قال: (ولا يصح تفويض غير رشيدة)؛ لأن التفويض تبرع، فإذا قالت

ص: 327

وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيءٌ بِنَفْسِ اَلْعَقْدِ، فَإِنْ وَطِئَ .. فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَيُعْتَبَرُ بِحَالِ اَلْعَقْدِ فِي اَلأَصَحِّ

ــ

السفيهة لوليها: زوجني بلا مهر .. كان إذنها في عدم المهر غير معتبر، ويستفيد به الولي جواز التزويج، ولو أذنت الحرة لوليها في التزويج على أن لا مهر لها في الحال ولا عند الدخول ولا غيره، فزوجها الولي كذلك .. فوجهان:

أحدهما: بطلان النكاح.

وأصحهما: صحته، وعلى هذا: هل هو تفويض فاسد فيجب مهر المثل، أو يلغي النفي في المستقبل ويكون تفويضًا صحيحًا؟ وجهان، وبالأول قال أبو إسحاق؛ لأنه شرط فاسد، والشرط الفاسد في النكاح يوجب مهل المثل.

قال: (وإذا جرى تفويض صحيح .. فالأظهر: أنه لا يجب شيء بنفس العقد)؛ لأنه لو وجب به .. لتنصف بالطلاق، ولأن المهر حقها فإذا رضيت بأن لا يثبت .. وجب أن لا يثبت، كما أنها إذا رضيت بأن لا يبقى .. لا يبقى.

والثاني: يجب لها مهر المثل؛ لأنه لو لم يجب .. لما استقر بالموت.

قال: (فإن وطئ .. فمهر مثل)؛ لأن البضع حق الله تعالى، ولأنه لا يباح، بالإباحة، فيصان عن التصور بصورة المباحات.

وفيه وجه مخرج: أنه لا يجب بالوطء مهر؛ لحصول الإذن من مالك البضع كما إذا أذن الراهن للمرتهن ف يوطء المرهونة.

وهناك قول: إنه لا مهر، لكن هذا الوجه ههنا كان أن يكون خارقًا للإجماع.

والفرق بينه وبين المرهونة: أن وطء المرهونة من غير عقد، وهذا في عقد، لكن يستثنى ما تقدم في آخر الباب الذي قبله ويأتي في تتمة هذا الفصل: أن الكافر لو نكح كافرة تفويضًا ثم أسلما .. فلا شيء لها بالوطء.

قال: (ويعتبر بحال العقد في الأصح)؛ لأن العقد هو الذي يقتضي الوجوب عند الوطء.

ص: 328

وَلَهَا قَبْلَ اَلْوَطْءِ مُطَالَبَةُ اَلْزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ مَهْرًا، وَحَبْسُ نَفْسِهَا لِيَفْرِضَ،

ــ

والثاني: يعتبر مهر المثل بحالة الوطء؛ لأنه وقت الوجوب، وهذا صححه في (الروضة) و (الشرح الكبير)، والذي صحه هنا تبع فيه (المحور) و (الشرح الصغير).

قال: (ولها قبل الوطء مطالبة الزوج بأن يفرض مهرًا)؛ لأن خلو النكاح عن المهر خاص بالنبي صلي الله عليه وسلم، ولتكون على ثب مما تسلم نفسها به، وهذا تفريع على أن لا مهر بالعقد، فإن أوجبناه به .. فالأصح: أن لها طل بالفرض؛ ليتقرر الشطر، فلا يسقط لو طلقها قبل المسيس، وخالف هذا المطالبة بوطأة واحدة، حيث لم يكن لها ذلك في الأصح وإن كانت تقرر المهر؛ لأن الزوج يقدر على الفرض متى شاءت، بخلاف الوطء، وكلام الشيخ كالصريح في مطالبته بأي مهر كان لا مهر المثل، وهذا هو القول القديم.

والجديد: الصحيح أنها تملك أن تطالبه بمهر المثل، فلو زاد المصنف لفظه المثل .. لاستقام.

وهنا سؤال وهو: أنا إذا قلنا: يجب مهر المثل بالعقد .. فما معنى المفوضة؟ وإن قلنا: لم يجب شيء .. فكيف تطلب ما لم يجب لها؟ لا جرم استشكله الإمام وقال: من طمع أن يلحق ما وضعه على الإشكال بما هو بين .. طلب مستحيلاً، والمطلع على الحقائق هو الله سبحانه.

قال: (وحبس نفسها ليفرض) فتصل إلى حقها.

ص: 329

وَكَذَا لِتَسْليمِ اَلْمَفْرُوضِ فِي اَلأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ اَلزِّوْجُ لَا عِلْمُهَا بِقَدْرِ مَهْرِ اَلْمِثْلِ فِي اَلأَظْهَرِ. وَيَجُوزُ فَرْضُ مُؤَجَّلٍ فِي اَلأَصَحِّ، وَفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ: لَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ

ــ

قال: (وكذا لتسليم المفروض في الأصح) كما لها ذلك في المسمى في ابتداء العقد، وكذا صححه في زوائد، (الروضى) تبعًا لـ (المحرر)، وهو الذي أورده الغزالي.

والثاني: لا؛ لأنها سامحت بالمهر فاكيف تليق بها المضايقة؟!

قال: (ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج)؛ لأن الحق لها، فإذا لم ترض به .. فكأنه لم يفرض، وغذا لم تطلب ففرض لها أقل من مهر مثلها .. ففي (النهاية): لا يثبت، وإن فرض لها مهر مثلها .. احتمل أني ثبت، ويظهر أن يقال: لا يثبت ما لم تطلب؛ لأن طلبها منزل منزلة القبول في العقود.

قال: (لا علمها بقدر مهر المثل في الأظهر) فيصح مع الجهل اكتفاء بالتراضي، وهذا منصوص (الأم).

والثاني: يشترط كالعوض في البيع، فلابد من العلم بالبدل، ورجح القاضي الروياني اعتبار علم الزوجين، والجمهور على خلافه.

هذا فيما قبل الدخول، أما بعده .. فلا يصح إلا مع علمها بقدره قولاً واحدًا، لأنه ههنا قيمة مستهلك، قاله الماوردي.

قال: (ويجوز فرض مؤجل في الأصح) كما يجوز تأجيل المسمى ابتداء.

والثاني: لا؛ لأن الأصل مهر المثل، ولا مدخل للتأجيل فيه فكذلك في بدله.

قال: (وفوق مهر مثل) سواء كان من جنسه أم لا؛ لأن الأمر إلى تراضيهما، أما النقص .. فلا خلاف في صحته، قاله الإمام.

قال: (وقيل: لا إن كان من جنسه)؛ لأن مهر المثل هو الأصل فلا يزاد البدل عليه، وهذا ضعيف.

ص: 330

وَلَوِ اَمْتَنَعَ مِنَ اَلْفَرضِ أَوْ تَنَازَعًا فِيهِ .. فَرَضَ اَلْقَاضِي نَقْدَ اَلْبَلَدِ حَالاًّ. قَلْتُ: وَيَفْرِضُ مَهْرَ مِثْلٍ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهِ، وَالله أَعْلَمُ

ــ

قال: (ولو امتنع من الفرض أو تنازعًا فيه

فرض القاضي)؛ قطعًا للنزاع، وهذا من القاضي نيابة قهرية أثبتها له الشارع استيفاء للحق من الممتنع.

قال: (نقد البلد) كما في قيم المتلفات.

قال: (حالاً)؛ لأن القاضي ليس له أن يفرض مؤجلاً وإن فرعنا على جواز تأجيل الفرض بتراضيهما؛ لأن منصب القاضي إلزام الغير فلا يليق به التأجيل، وليس هذا كبيع القاضي مال الطفل بمؤجل إذا رأى المصلحة فيه؛ لأن هذا إلزام من القاضي كإلزام الممتنع، كذا ذكره الإمام عن المحققين وهو محمول على الغالب، فلو جرت العادة في ناحية بفرض الثياب وغيرها .. فعن الصميري: أنه يفرضها، وقياسه: أنه لو جرت عادة نسائها بالتأجيل .. جاز أن يؤجله، وهو مقتضى كلام صاحب (البحر).

فرع:

إذا زوج القاضي امرأة لا ولي لها سواه .. هل له أن يزوجها بمؤجل؟ هذا الفرع يتوقف فيه القضاة، وعمل الناس على الجواز كماي بيه ما لها بالنسيئة للمصلحة، وليس المقصود بالتزويج المهر، بل المؤن، وقد صرح في (البيان) بجواز تزويجها بالعرض.

قال: (قلت: ويفرض مهر مثل)؛ لأنه لا موجب للزيادة عليه ولا ينقص عنه كما في قيم المتلفات.

قال الرافعي: لكن الزيادة والنقص اليسير الذي يقع في محل الاجتهاد لا اعتبار به.

وإذا فرض القاضي .. لم يتوقف لزومه على رضاها؛ فإنه حكم منه، وحكم القاضي لا يفتقر لزومه إلى رضا المتخاصمين.

قال: (ويشترط علمه به والله أعلم)؛ ليتحقق ما يفرضه، فلا يزيد عليه ولا ينقص عنه.

ص: 331

وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيَّ مِنْ مَاِلهِ فِي اَلأَصَحِّ. وَاَلْفَرْضُ اَلصِّحِيحُ كَمُسَمَّىَ؛ فَيَشَطَّرُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطءٍ، َوَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطءٍ .. فَلَا شَطْرَ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُمَا .. لَمْ يَجِبْ مَهْرُ اَلْمِثْلِ فِي اَلأَظْهَرِ. قُلْتُ: اَلأَظْهَرُ: وُجُوبُهُ، وَالله أَعْلَمُ

ــ

قال: (ولا يصح فرض أجنبي من ماله في الأصح)؛ لأنه تعيين لما يقتضيه العقد وتصرف فيه فلا يليق بغير المتعاقدين، إلا إذا فرضت وكالة أو ولاية.

والثاني: يصح؛ لأن للأجنبي أن يؤدي الصداق عن الزواج بغير إذنه فكذا يجوز أن يفرض، وعلى هذا: لها مطالبة الأجنبي بالمفروض، ويسقط طلبها عن الزوج، ولو طلقها قبل المسيس .. عاد نصف المفروض إلى الزوج على الأصح.

قال: (والفرض الصحيح كمسمى؛ فيتشطر بطلاق قبل وطء) سواء كان الفرض من الحاكم أو الزوجين؛ لعموم قوله تعالى: {وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} .

واحترز بـ (الصحيح) عن الفاسد كفرض الخمر؛ فإنه يلغى ولا يؤثر في تشطير مهر المثل، بخلاف التسمية الفاسدة في العقد؛ فإنها تشطره.

وعند أبي حنيفة: يسقط المفروض بالطلاق وتجب المتعة.

قال: (وإن طلق قبل فرض ووطء .. فلا شطر)؛ لمفهوم الآية، وهذا تفريع على الأصح أنه لا يجب بالعقد، فإن قلنا: يجب به .. فقيل: يتشطر به، والأصح يسقط إلى المتعة.

قال: (وإن مات أحدهما قبلهما) أيك قبل الوطء والفرض (

لمي جب مهر المثل في الأظهر)؛ قياسًا على الفرقة بالطلاق، وبهذا قال مالك.

قال: (قلتك الأظهر: وجوبه والله أعلم) وبه قال أحمد؛ لأن الموت بمثابة الوطء في تقرير المسمى، فكذلك في إيجاب المهر في صورة التفويض، وهذا هو الحق، وقيل: إن الشافعي رجع إليه.

وأصل الخلاف: أن النبي صلي الله عليه وسلم قصى في بروع بنت واشق - وقد

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نكحت بلا مهر فمات زوجها - بمهر نسائها وبالميراث، لكن في رواية اضطراب، قيل: معقل بن يسار، وقيل: ابن سنان، وقيل: رجل من أشجع، فلذلك تردد الشافعي، لكنه قال: إن ثبت الحديث .. قلت به.

والحديث في (سنن أبي داوود)[2107] بإسناد مجموع على صحته: أن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم قصى في بروع بنت واشق بذلك، وزوجها هلال بن مروان، وحسنة الترمذي [1145] ورواه بن ماجه [1891]، وصححه ابن حيان [4100] والحاكم [2/ 180] وابن حزم والبيهقي [7/ 244] وغيرهم.

قال الحاكم: لو حضرت الشافعي .. قمت على رؤوس أصحابه وقلت: قد صح الحديث فقل به.

لكن روايته عن معقل بن يسار تصحيف، والصواب: معقل بن سنان الأشجعي، والقصة كانت فيهم.

قال الشيخ: وأنا أدين الله تعالى بأن لها الصداق، ولا أعتقد قولاً سواء.

ووقع في (الكفاية) تبعًا (للوسيط) أن عليًا لم يقبل هذا الحديث وقال: كيف تقبل في ديننا قول أعرابي بوال على عقبيه، ومعاذ الله أن يقول على ذلك، ومعقل شهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فتح مكة، وكان يحمل لواء قومه ذلك اليوم، وبعثه النبي صلي الله عليه وسلم ونعيم بن مسعود إلى أشجع يأمرهم بحضور المدينة لغزو مكة.

قال الجوهري: يروع بنت واشق بفتح الياء، وأصحاب الحديث يقولونها بكسرها، والصواب الفتح؛ لأنه ليس في كلام العرب فعول إلا خروع وعتود اسم واد. أهـ

وقد جاء فعول أيضًا في عتور بالراء اسم لواد خشن، وذرود اسم لجبل معروف، ذكرهما في (العباب).

ص: 333

فَصّلٌ:

مَهْرُ اَلْمِثْلِ: مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا، وَرُكْنُهُ اَلأَعْظَمُ نَسَبٌ؛

ــ

تتمة:

قال المتولي: لو نكح كافر على أن لا مهر لها وترافعا إلينا .. حكمنا فيه حكمنا بين المسلمين.

وقال أبو حنيفة: إن اعتقدا أن النكاح لا يخلو عن المهر .. فكذلك، وإن جوزا خلوه عن المهر .. فلا مهر لها، لا بالعقد ولا بالدخول.

وإذا أبرأت المفوضة قبل الفرض والدخول من المهر، فإن قلنا بوجوبه بالعقد .. صح الإبراء إن كان مهر المثل معلومًا لها، وإن كان مجهولاً .. فلا في الأصح.

ولو قالت أسقطت حقي من طلب الفرض .. لم يسقط.

ولو أبرأته من المتعة قبل الطلاق .. فهو إبراء عن الشيء قبل وجوبه، وإن أبرأته بعده .. فهو إبراء عن مجهول.

ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير فأبرأه من المسمى .. فهو لغة؛ لأن الواجب غيره، وإن أبرأته عن مهر المثل وهي عاملة به .. صح، ولو تيقنت أن مهرها لا ينقص عن ألف ولا يزيد على ألفين، وترددت فيما بينهما ورغبت في البراءة .. فينبغي أن تبرئه من ألفين.

قال: (فصل:

مهر المثل: ما يرغب به في مثلها) لما كانت الحاجة تمس إلى معرفته في المفوضة تفويضًا صحيحًا وتفويضًا فاسدًا، وفي تسمية الصداق الفاسد، وفيما إذا نكح نسوة على صداق واحد .. وذكره وعقب ذلك وأن كان يحتاج إلى معرفته في غير ذلك.

قال: (وركنه الأعظم نسب)؛ لأن المهر تقع به المفاخرة فكان كالكفاءة في النكاح، فأما في العرب .. فيعتبر قطعًا، وأما في الهجم .. فقال القفال والعبادي: النكاح، فأما في العرب .. فيعتبر قطعًا، وأما في العجم .. فقال القفال والعبادي: لا يعتبر فيهم؛ لعدم اعتنائهم بحفظ الأنساب، وظاهر كلام الأكثرين أنه يعتبر هنا وإن لم يعتبر هناك.

ص: 334

فَيْرَاعَى أَقْرَبَ مَنْ تُنْسَبُ إَلْى مَنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَأَقْرَبُهُنَّ، أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبِ، ثُمَّ بَنَاتُ أُخِ، ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ. فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ اَلْعَصَبَةِ أَوْ لَمْ يَنْكِحْنَ أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ .. فَأَرْحَامُ كَجَدَّاتِ وَخَالَاتٍ

ــ

قال: (فيراعى أقرب من تنسب إلى من تنسب إليه) فينظر إلى نساء عصباتها، وهن اللواتي ينتسبن إلى من تنسب هذه كالأخوات وبنات الإخوة والعمات وبنات الأعمام، ولا ينظر إلى ذوات الأرحام كالبنات والأمهات، بخلاف ما تقدم في (الحيض) أن المبتدأة ترد إلى عادة نساء عشيرتها من الأبوين على الأصح؛ لأن ذلك أمر يرجع إلى الخلفة والجبلة، والأب والأم يشتركان فيه.

قال: (وأقربهن: أخت لأبوين ثم لأب) يعني: أنه يراعي في ناء العصبة قرب الدرجة، وأقربهن الأخوات من الأبوين، لأن المدلي بجهتين مقدم على ذي الجهة، ولم يحك الشيخان فيه خلافًا، لكن حكى المارودي فيه وجهين وهو ظاهر؛ لأن الأنوثة لا مدخل لها هنا في الابتداء.

قال: (ثم بنات أخ، ثم عمات كذلك) أي: لأبوين ثم لأب، وهو أحسن من قول (المحرر): ثم بنات الإخوة كذلك ثم العمات؛ لخروج عمات الأم من عبارة (المصنف) صريحًا، ولم يذكر بنات العم كذلك؛ أي: لأبوين ثم لأب، ولابد منه، وهكذا بنات أولاد العم.

قال: (فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهن .. فأرحام كجدات وخالات)؛ لأنهن أولى بالاعتبار من الأجانب، وتقديم القربى فالقربى من الجهات، ولذلك تقدم القربى، فالقربى من الجهة الواحدة كالجدات.

وقال في (الحاوي) و (البحر): تقدم الأم ثم الأخت لأم ثم الجدات ثم الخالة ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخوال، فلو لم يكن في القرائب إلا واحدة أو

ص: 335

وَيُعْتَبَرُ سِنِّ وَعَقْلٌ وَيَسَارٌ وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ وَمَا اَخْتَلفَ بِهِ غَرَضٌ،

ــ

ثنتان

توقف ابن الرفعة في اعتبارها، فغن كن ثلاثًا

اعتبرن.

ولا يتعذر اعتبار نساء العصبة بموتهن، بل يعتبر وإن كن ميتات، وإنما يعذر بفقدهن من الأصل، أو لأنهن لم ينكحن، أو جهل مهرهن كما قال المصنف.

فإن تعذر الاعتبار بذوي الأرحام أيضًا

اعتبر مثلها من النساء الأجانب، وكذا إن لم يكن نسب المرأة معلومًا.

ويعتبر مهر العربية بعربية مثلها، أو الأمة بأمه مثلها، وينظر إلى شرف السيد وخسته، ومهر العتيقة بعتيقة مثلها، وفي وجه: تعتبر المعتقة بنساء الموالي.

قال: (ويعتبر سن وعقل ويسار وبكارة وثيوبة وما اختلف به غرض) من الصفات المرغوب فيها، وإنما اعتبر اليسار هنا على الصحيح، لأن الرغبة في الموسرة أكثر لتوقع الرفق بها وانتفاع الأولاد بمالها، وقيل: لا يعتبر اليسار كالكفاءة، وهو بعيد.

وكذا تعتبر الكفاءة والعفة والجمال أكثر، وليس كما ي الكفاءة؛ فإن المرعى هنا التحرز عما يوجب عارًا.

وكذا يعتبر ما يرغب فيه من الأوصاف كالعلم والفصاحة والصراحة، فالصريح: الذي كون أبواه عربيين، والذي أبوه عربي دون أمه هجين، وعكسه مقرف، والمذرع: الذي أمه أشرف من أبيه، وهو بفتح الذال المعجمة والراء.

قال الشاعر [من الطويل]:

إذا باهلي تحته حنظلية .... له ولد منها فذاك المذرع

فباهله أرذل القبائل، وحنظلة أكرم قبيلة من تميم، ولذلك يقال لها: حنظلة الأكرمون.

وينظر مع ذكرنا إلى البلد، فيعتبر مهر نساء عصباتها في تلك البلدة، فإذا كان نساء عصباتها ببلدتين هي في إحداهما .. اعتبر بعصبات بلدها، فإن كن كلهن في بلدة أخرى .. فالاعتبار بهن لا بأجنبيات بلدها، كذا في (الشرحين) و (الروضة) تبعًا (للمهذب) وغيره.

ص: 336

فَإِنِ اَخْتَصَّتُ بِفَضْلٍ أَوْ نُقِصَ .. زيدَ أَوْ نُقِصَ لَائِقٌ بِاَلْحَالَ. وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ .. لَمْ تَجِبْ مُوَافَقَتُهَا. وَلَوْ خَفَضْنَ لِلْعَشِيرَةِ فَقَطْ .. اعْتُبِرَ

ــ

وقال المارودي وابن الصباغ: إنما تعتبر العصبة إذا كن ببلدها، وإلا .. لم يعتبرن؛ لأنه قيمة متلف فيعتبر محل الإتلاف.

قال: (فإن اختصت بفضل أو نقص .. زيد أو نقص لائق بالحال) والرأي في ذلك إلى الحاكم؛ لأنه يحتاج إلى فطنة ومعرفة ممن يعرف ذلك ويرجع إليه فيه.

قال: (ولو سامحت واحدة .. لم تجب موافقتها)؛ لأن ذلك لغرض خاص فلا يقصى به على العموم، كما لو سمح شخص ببيع نوع من ماله بدون قيمته .. لم يجعل ذلك قيمة يرجع إليها، اللهم إلا أن يكون ذلك لنقص دخل في النسب أوجب قلة الرغبات.

قال: (ولو خفضن للعيرة فقط .. أعتبر) يعني: إذا جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم .. خفننا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرهم، وكذا إذا كن يخففن إذا كان الزوج شريفًا .. خفف في حق الشريف دون غيره.

وعن الشيخ أبي محمد: أنه لا يلزم التخفيف في حق العشيرة والشريف، كما أن قيم الأموال لا يختلف بين أن يكون المتلف صديقًا أو قريبًا أو غيرهما.

وقيل: مهر المثل للواجب بالعقد يجوز أن يختلف دون الواجب بالإتلاف.

والمراد بـ (العشيرة) الأقارب كما قالوه في الوصية، وكما يعتبر فيها ما سبق

يعتبر بحال الزوج أيضًا في اليسار والعلم والعفة والنسب؛ لأن مهر المثل يختلف باختلاف الخاطب؛ فإن الشريف والعالم يسامح في مهره، ويرغب فيه ما لا يرغب في غيره، وقد صرح بذلك صاحب (الكافي) و (الاستقصاء) وابن يونس والفارقي

ص: 337

وَفِي وَطْءِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ يَوْمَ اَلْوَطْءِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ .. فَمَهْرٌ

ــ

وغيرهم، فعلى هذا: إذا وجد في النساء مثل صفتها وصفة زوجها .. اعتبر، وإلا .. فلا يعتبر بها.

فروع:

مهر المثل إنما يجب حالاً من نقد البلد وإن رضيت بالتأجيل، فإن كن ينكحن بالعرض .. قوم ووجبت قيمته من نقد البلد، وفي (البيان) عن الصميري: إن اعتدن به .. قضى لها به، وإن كن ينكحن بمؤجل كله أو بعضه .. لم يؤجله الحاكم، بل ينقص ما يليق بالأجل، قال الماوردي: إلا إذا وجب لها مهر المثل فلم تطلبه حتى مضي قدر أجلهن .. فيجب قدر مؤجلهن حالاً.

وتقادم العهد لا يوجب سقوط مهر المثل، كما لا تسقط قيم الأموال وإن احتيج فيها إلى معرفة الصفات وعسر الوقوف عليها إذا تقادم العهد، وعن أبي حنيفة أنه يسقط.

قال: (وفي وطء نكاح فاسد مهر مثل يوم الوطء) كالوطء الشبهة، ولا يعتبر يوم العقد؛ فإنه لا حرمة للعقل الفاسد، ولا يجب به شيء، وإنما يجب ما يجب بالإتلاف، فينظر إلى يوم الإتلاف، وأراد المصنف بهذا التنبيه على أنه ليس كالمفوضة، لأن المفوضة عقدها صحيح، والعقد هنا فاسد.

قال (فإن تكرر .. فمهر)؛ لأنه وطء في نكاح فاسد، فهو شبهة واحدة كما أن الوطآت في النكاح الصحيح لا توجب إلا مهرًا واحدًا، ويدل له عموم قوله صلي الله عليه وسلم:(فإن مسها .. فلها المهر بما استحل من فرجها) ولم يفرق بين مرة ومرات.

وعن المزني: القياس أن لكل وطء مهرًا.

والمراد بـ (التكرار) كما تقدم في (الحج): أن يحصل بكل مرة قضاء الوطر مع تعدد الأزمنة، فلو كان ينزع ويعود والأفعال متواصلة ولم يقض الوطر إلا آخرًا .. فهو وقاع واحد بلا خلاف.

ص: 338

فِي أَعْلَى اَلأَحْوَالِ .. قُلْتُ: وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةَ وَاحِدَةٍ .. فَمَهْرٌ، فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا .. تَعَدِّدَ اَلْمَهْرُ، وَلَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ عَلَى زِنًا .. تَكَرَّرَ اَلْمَهْرُ،

ــ

قال: (في أعلى الأحوال) يعني: إذا لو يجب إلا مهر واحد واختلفت أحوال الوطآت .. اعتبر أعلى أحوالها؛ لأنه لو لم يوجد غلا الوطأة الواقعة في تلك الحال .. لوجب ذلك المهر، فالوطآت الباقية إذا لم تقتض زيادة لا توجب نقصانًا، فينظر في ذلك إلى الجمال والسن والسمن ونحوها.

قال: (قلت: ولو تكرر وطء بشبهة واحدة .. فمهر)؛ لاتحادها كالإيلاجات في الوطأة الواحدة، وهذا لا شك فيه إذا ظنها زوجته أو أمته واستمر يطأ على ذلك الظن، ومحله: ما لم يؤد المهر، فإن أداه قبل الوطء الثاني .. وجب مهر جديد، قاله الماوردي وغيره.

لكن يستثنى ما لو وطئ حربية بشبهة .. فإنها لا تستحق مهرًا وإن تكرر؛ لأن ما لها غير مضمون بالإتلاف فكذا منفعة بضعها، وقد تقدم هذا ف يخلو عن عقر وعقوبة.

قال: (فإن تعدد جنسها .. تعدد المهر)؛ لتغايرها كما إذا وطئ بشبهة فزالت ثم وطئ بشبهة أخرى.

قال: (ولو كرر وطء مغصوبة أو مكرهة على زنا .. تكرر المهر) فيجب بكل وطء مهر؛ لأن الوجوب هنا بالإتلاف وقد تعدد، ومن أصحابنا من قال: عليه مهر واحد كثر الوطء أو قل؛ لأنه سبب واحد.

والمسألة مفروضة فيما إذا كان عالمًا ووجب المهر لكونها مكرهة، فإن كان جاهلاً .. لم يجب إلا مهر؛ لأن الجهل شبهة واحدة مطردة فأشبهت الوطء في نكاح فاسد مرارًا.

فإن وطئها مرة عالمًا ومرة جاهلاً .. وجب مهران، ولو أدعت الإكراه ونازعها .. ففي المصدق منهما قولان سبقا في (الغصب).

ص: 339

وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ اَلأَبِ وَاَلشِّريكِ وَالسَّيٌدِ مُكَاتَبَةَّ .. فَمَهْرٌ، وَقِيلَ: مُهُورٌ، وَقِيلَ: إِنِ أَتَّحَدَ اَلْمَجْلِسُ .. فَمَهْرٌ، وَإِلَاّ .. فَمُهُورٌ، وَاَلله أَعْلَمُ

ــ

قال: (ولو تكرر وطء الأب والشريك والسيد مكاتبة .. فمهر)؛ لأن الشبهة واحدة وهي وجوب الإعفاف، وهي شاملة لجميع الوطآت.

وقيد الرافعي التعدد في وطء الأب بما إذا لمي حصل بالأول إحبال؛ لأنه إذا أحبلها وقلنا: تصير مستولد .. فالوطء حصل في ملكه.

قال: (وقيل: مهور)؛ لتعدد الإتلاف في ملك الغير مع العلم بحقيقة الحال.

قال: (وقيل: إن اتحد المجلس .. فمهر، وإلا .. فمهور والله أعلم)؛ لأن اختلاف المجلس كاختلاف السبب، وفي كل سبب مهر كفدية المرض وفدية الأذى، وإذا اتحد السبب .. اتحد المسبب، كمن حلق جميع رأسه .. تجب عليه فدية واحدة وإن كان في كل جزء منها فدية، وهذا اختاره القاضي والبغوي، ورجحه الشيخ.

تتمة:

وطء الشريك المشتركة، السيد المكاتبة مرارا كوطآت جارية الابن، كذا أطلقه الشيخان، وهو في المكاتبة مقيد بشرط نص عليه في (الام)، وهو: أنه لا يجبر، فتختار الصداق، فإن خيرت فعاد السيد فأصابها .. فلها مهر أخر، وكذا كلما خيرت فاختارته .. تكرر صداقها، كنكاح المرأة نكاحًا فاسدًا يلزمه مهر واحد، فإذا فرق بينهما وقضي بالصداق ثم وطئها في نكاح آخر فاسد .. فلها صداق آخر.

ص: 340

فَصْلٌ:

اَلْفُرْقَةُ قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبهَا .. كَفَسْحِةِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ اَلْمَهْرَ، وَمَا لَا كَطَلَاقٍ وَإِسْلَامِه وَرِدَّتِهِ وَلعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أَمِّهِ أَوْ أُمَّهَا

يُشَطَّرُهُ

ــ

قال: (فصل)

عقده لتشطير المهر بالطلاق، وقد تقدم في (باب الخيار)، وإنما أعاده توطئة لما بعده.

قال: (الفرقة قبل وطء منها أو بسببها .. كفسخة بعيبها تسقط المهر)؛ لأنها إن كانت هي الفاسخة .. فهي المختارة للفرقة، وإن كان هو الفاسخ بعيبها فكأنها هي الفاسخة كما إذا أسلمت بالمباشرة أو التبعية، أو ارتدت، أو فسخت النكاح بعتق أو عيب، أو أرضعت زوجة أخرى له صغيرة، أو فسخ النكاح بعيبها.

قال: (وما لا كطلاق وإسلامه وردته ولعانه وإرضاع أمه أو أمها .. يشطره) الأصل في تشطير الطلاق قبل الدخول قوله تعالى: {وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} واتفق العلماء على ذلك، لكن عند مالك لا تملك الزوجة بالعقد إلا النصف، وعندنا تملك الجميع، فالطلاق عنده قاطع للسبب وعندنا قاطع للملك.

ولما كان الطلاق فرقة من جهة الزوج .. قيس عليها ما في معناها، فمن ذلك: إسلام الرجل، وردته، ولعانه، وإرضاع أمه أو أمها.

واندرج في قوله: (طلاق) الخلع، وتطليقها نفسها بتفويضه، وإذا علقه على دخولها فدخلت، أو طلقها بعد مدة الإيلاء بطلبها.

وينبغي أن يجب على مباشر الإسلام مهر المثل؛ لأنه أفسد نكاح غيره بإسلامه وإن كان واجبًا عليه كما في نظيره من الرضاع الواجب.

وأغرب الماوردي فقال: إذا قال لها قبل الدخول: أنت طالق إن شئت فشاءت .. فلا مهر لها؛ لوقوع الطلاق بمشيتها، وقياسه، الطرد في كل فعل من جهتها علق به طلاق.

ص: 341

ثُمَّ قَيِلَ: مَعْنَى اَلتَّشْطِيرِ: أَنَّ لَهُ خِيارَ اَلرُّجُوعِ،

ــ

ثم لا فرق بين أن يكون الطلاق من الزوج وحده - كما ذكرنا - أو منه معها، أو مع غيرها كالخلع فهو وإن تم بها .. فالمغلق فيه جانب الزوج؛ لأن المقصود الأصلي فيه الفراق وهو مستقل به.

وفسخ النكاح بسبب إعسار الزوج بالصداق .. صرح الرافعي في (باب المتعة) وجماعة فيه بأنه فرقة من جهتها حتى يسقط الجميع قبل الدخول، وشراؤها زوجها يسقط الجميع على الأصح، وشراؤه زوجته يشطر على الأصح.

وإذا طلق المفوضة قبل الدخول والفرض .. فلا تشطير كما سبق، وإن طلقها بعد الفرض .. يشطر.

وأما غير المفوضة .. فكل صداق واج بورد عليه الطلاق قبل الدخول شطره، سواء فيه المسمى الصحيح في العقد والمفروض بعده ومهر المثل إذا جرت تسمية فاسدة في العقد ابتداء؛ لشمول قوله تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} .

وعند أبي حنيفة: لا يتشطر المفروض بعد العقد، ولا مهر المثل الواجب بالتسمية الفاسدة.

وإذا خالع زوجته المدخول بها ثم نكحها في العدة وطلقها قبل الدخول في النكاح الثاني .. يتشطر المهر عندنا.

وقال أبو حنيفة: يجب جميعه.

وأفاد المصنف بتعبيره بـ (الإرضاع): أن المعتبر الفعل، فلو دبت زوجته الصغيرة وارتضعت من أمه .. لم تستحق الشطر؛ لانفساخ النكاح بفعلها، فلو أرضعت ابنته الزوجة وهي صغيرة، أو أرضعته بنت الزوجة وهو صغير .. كان الحكم كذلك، فلو قال: فلو أرضعت أم أحدهما أو ابنته الآخر .. كان أحسن.

قال: (ثم قيل: معنى التشطير: أن له خيار الرجوع) يعني: في النصف، إن شاء .. تملكه، وإن شاء .. تركه كالشفيع يثبت له حق الشفعة بالشراء، وبهذا قال أبو حنيفة؛ لأن الشخص لا يدخل في ملكه شيء بغير اختياره سوى الإرث؛ فلابد بعد الطلاق من اختيار التملك.

ص: 342

وَاَلْصَّحِيحُ: عَوْدُةُ بِنَفْسِ اَلْطَّلَاقِ

ــ

ورد الأصحاب ذلك بأن الإنسان لو أخذ صيدًا لينظر إليه - لا ليتملكه - ملكه بالحوز من غير اختيار التملك، قاله صاحب (البيان).

قال: (والصحيح: عودة بنفس الطلاق)؛ قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي: فلكم نصف ما فرضتم، ولأن ما يؤثر في كل الصداق كالردة والفسخ بالعتق والعيب يؤثر بنفسه ولا يتعلق بالاختيار، فكذلك ما يؤثر في النصف.

والثالث: لا يرجع إليه بقضاء القاضي.

وحكي العبادي: أن أبا الفضل القاشاني الزاهد كحاه قولاً قديمًا، ومنهم من حكاه وجهًا، وأنكر جمهور الأصحاب كونه قولاً أو وجهًا.

وموضع الخلاف إذا لم يعرض مانع، فإن عرض .. توقف الملك على ما يتوافقا عليه كما سيأتي في كلام المصنف، لكن تستثنى صور لا يرجع فيها الزوج.

إذا أدى الصداق عن ابنه البالغ .. فإنه لا يرجع النصف إلى الأب كما لو أداه عنه أجنبي.

وإذا أدى عنه الولي الذي يتولى الطرفين الصداق .. فالراجع بالفرقة المؤدي على الأصح.

وإذا أسلم العبد الصداق من كسبه ثم طلق قبل الدخول .. فإن النصف يعود للسيد، وإن عتق ثم طلق قبله .. فالعبرة بمالكه عند الفراق لا عند ملك الزوجة الصداق على الأصح.

ص: 343

فَإِنْ زَادَ بَعْدَهُ .. فَلَهُ. وَإِنْ طَلَّقَ وَاَلْمَهْرُ تَالِفٌ .. فَنِصْفُ بَدَلِهِ مِنِ مِثْلِ أَوْ قِيمَةِ

ــ

قال: (فإن زاد بعده .. فله) هذا تفريع على الصحيح، ولذلك أشار إليه بـ (الفاء).

وأما على الوجه الأول .. فالجميع للزوجة كما لو حدثت بل الطلاق.

هذا في الزيادة المنفصلة، فإن كانت متصلة وقلنا: يملك النصف بالطلاق .. فالنصف مع الزيادة له، وإن قلنا: لا يملك إلا بالاختيار .. فوجهان: أشبههما: أن له أن يرجع فيه من غير رضاها؛ لأن هذه زيادة حدثت بعد تعلق حق الزوج به، فصار ككبر الأشجار في الشقص المشفوع بعد البيع وقبل علم الشفيع؛ فإن هذه الزيادة لا تمنع الأخذ وإن حدث فيه نقصان.

فإن قلنا: يملك بالاختيار، فإن شاء .. أخذه ناقصًا ولا أرش له، وإن شاء تركه وأخذ نصف قيمته صحيحًا، وإن قلنا: يملك بنفس الطلاق، فإن وجد منها تعد بأن طالبها برد النصف فامتنعت .. فله النصف مع أرش النقص.

وإن تلف الكل والحالة هذه .. فعليها الضمان، وإن لم يوجد عدوان .. فظاهر النص - وبه قال العراقيون والروياني -: أنها تعزم أرش النقصان إذا نقصن، وجميع البدل إذا تلف؛ لأنه مقبوض عن معاوضة كالمبيع في يد المشتري بعد الإقالة، وفي (الأم) نص يشعر بأنه لا ضمان، وبه قال المراوزة؛ لأنه في يدها بلا تعد فأشبه الوديعة.

فرع:

إذا كان الصداق دينًا .. سقط نصفه بمجرد الطلاق على الصحيح، وعند الاختيار على الثاني، ولو أدى الدين والمؤدى باق

فهل لها أن تدفع قدر النصف من موضع آخر؛ لأن العقد لم يتعبلق بعينه أو يتعين حقه فيه لتعينه بالدفع؟ وجهان: أصحهما الثاني.

قال: (وإن طلق والمهر تالف .. فنصف بدله من مثل أو قيمة) الذي سبق كان في التغيير بعد الطلاق، وهذا في التغيير قبله، فإذا طلق والمهر تالف .. وجب للزوج

ص: 344

وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا، فَإِنْ قَنِعَ بِهِ، وِإِلَاّ .. فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سِلِيِمًا. وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهَا .. فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلَا خِيَارٍ. فَإِنْ عَابَ بِجِنَايَةِ وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا .. فَاَلأَصَحُّ: أَنَّ لّهُ نِصْفَ اَلأَرْشِ. وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ

ــ

نصف مثله إن كان مثليًا، ونصف قيمته إن كان متقومًا؛ لأنه لو كان باقيًا .. لأخذ نصفه، فإذا فات .. رجع بنصف بدله كما في الرد بالعيب في المبيع وغيره، فإن اختلفت قيمته من حين العقد إل حين قبضه .. فالمعتبر الأقل، وسيأتي في كلام المصنف.

قال: (وإن تعيب في يدها، فإن قنع به، وإلا .. فنصف قيمته سليمًا) كالمبيع يتعيب عند البائع .. فيتخير المشتري بين أن يقنع به بلا أرش أو يفسخ ويأخذ الثمن، والاقتصار على نصف القيمة محمول على المتقوم، فإن كان مثالثًا .. وجب مثل نصفه.

قال: (وإن تعيب قبل قبضها .. فله نصفه ناقصًا بلا خيار)، لأنه نقص من ضمانه على قول ضمان اليد، ولم يدخل في ضمانها، سواء قلنا بضمان اليد أو بضمان العقد، ولا فرق بين أن يكون الصداق بعد في يده، أو قبضته معيبًا بالعيب الحادث بعد العقد ثم طلقها.

قال: (فإن عاب) أي: صار ذا عيب (بجناية وأخذت رأشها .. فالأصح: أن له نصف الأرش) أي: مع نصف العين؛ لأن الأرش بدل الفائت، ولو بقي الصداق بحاله .. لأخذ نصفه.

والثاني: لا شيء له من الأرش؛ لأن الفوات كان من ضمان الزوج، وهي أخذت الأرش بحق الملك، فلا يعتبر في حقه، ويجعل ما أخذته كزيادة منفصلة، وهذا قول القاضي حسين.

والتقييد بـ (أخذ الأرش) لا حاجة إليه؛ لأنها لو عفت عنه .. أخذ منها نصفه على قياس ما قالوه في هبة الصداق.

قال: (ولها زيادة منفصله) سواء حصلت في يدها أو في يد الزوج؛ لأن الطلاق إنما يقطع الملك من حينه لا من أصله.

ص: 345

وَخِيَارٌ فِي مُتَّصِلَةٍ،

ــ

والزيادة المنفصلة كاللبن والثمرة والكسب والولد في غير الجواري، أما الجواري .. فليس له الرجوع في نصف الأم بسبب التفريق بين الأم والولد، ويرجع إلى القيمة.

فإن قيل: جوزتم الرد بالعيب على الصحيح وإن لزم منه التفريق، فهلا كان هنا كذلك؟! فالجواب: أنه لو امتنع في البيع .. لتضرر ببقاء المعيب في ملكه، والأرش بلا يجبره من كل وجه، والقيمة هنا دافعة للضرر من كل وجه، وإذا منعنا التفرقة بين الأم والولد في سائر الحيوان .. امتنع هنا أيضًا.

قال: (وخيار في متصلة) كالسمن وتعلم القرآن أو الصنعة، فلا يستقل الزوج بالرجوع إلى عين الصداق، ولكن الخيار لها، وهذا مما فارق فيه الصداق غيره؛ فإن الزيادة المتصلة لا تمنع الرجوع في جميع الأبواب إلا هنا؛ لأن عود الملك بالطلاق ابتداء ملك لا على سبيل الفسخ، ولهذا لو سلم العبد الصداق من كسبه ثم عتق وطلق .. عاد النصف إليه لا إلى السيد بخلاف غير هذا الباب.

تنبيه:

هذا الخيار ليس على الفور، ولكن إذا طلبه الزوج .. كلفت اختيار أحدهما على الفور، والزوج لا يجزم بدعواه في القيمة ولا في العين، بل يطالبها بحقه عندها، فإن منعت .. قال الإمام: لم يكف حبسها، بل تحبس العين عنها إن كان حاضرة، فإن أصرت، فإن كان نصف القيمة أقل من نصف العين .. باع الحاكم ما يفي بالواجب، فإن تعذر .. باع الكل وأعطاها الفاضل، وإن ساوت نصف القيمة نصف

ص: 346

فَإِنْ شَحَّتْ .. فَنِصْفُ قِيمَةٍ بِلَا ِزيَادَةٍ، وَإِنْ سَمَحَتْ .. لَزِمَهُ اَلْقَبُوُل. وَإِنْ زَادَ وَنَقَصَ كَكِبَرِ عَبْدٍ وَطْولٍ نَخْلَةٍ وَتَعَلّمِ صَنَعَةٍ مَعَ بَرَصٍ؛

ــ

العين .. فللإمام احتمالان: أظهرهما - وهو ما ذكر الغزالي - أنه يعطي نصف العين، ولكن لا يملكها ما لم يقض القاضي به، والزيادة بارتفاع الأسواق لا أثر لها في منع الرجوع.

قال: (فإن شحت .. فنصف قيمة بلا زيادة)؛ لأن الزيادة غير مفروضة، ولا يمكن الرد بدونها، فجعل المفروض كالهالك، وليس له إجبارها على العين.

ثم إنما يمتنع الاستقلال بالرجوع إذا كان بسبب عارض كالطلاق، فإن كان الرجوع بسبب مقارن للعقد كالفسخ بعيبه أو عيبها .. فإنه يعود بزيادة إلى الزوج، ولا حاجة إلى رضاها على الأصح كفسخ المبيع بالعيب.

قال: (وإن سمحت) أي: بالزيادة (لزمه القبول)، لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز.

والثاني: لا؛ لما فيه من المنة.

والجواب: أنه تابع لا تعظم المنة فيه.

مهمة:

إذا امتنع الرجوع إلى نصف عين الصداق .. رجع إلى نصف قيمة الجملة بغير زيادة ولا نقص، ولا يقال يرجع بقيمة النصف، ووقع في كلام لغزالي: بقيمة النصف، وهو تساهل في العبارة، والصواب ما ذكرنا؛ لأن التشقيص عيب، هذه عبارة (الروضة)، وهي قريبة من عبارة (الرافعي)، والذي أنكره على الغزالي جزم به إمامه في (النهاية) فقال: يرجع بقيمة النصف، وعلله بأنه لم يفته إلا ذلك، والذي قاله هو القياس الذي لا يتجه غيره، إلا أن الشافعي في (الأم) عبر بنصف القيمة كما قال الرافعي، ذكر ذلك في مواضع كثيرة من هذا الباب، وتعليل الرافعي بان الشتقيص عيب تعليل صحيح، ثم ذكر للمسألة نظائر.

قال: (وإن زاد ونقص ككبر عبد طول نخلة وتعلم صنعة مع برص) كبر العبد زيادة ونص بسبب واحد؛ فالكبر ينقص قيمته من جهة أن الصغير أقبل للتأديب.

ص: 347

فَإِنِ اَتَّفَقَا .. فَنِصْفُ اَلْعَيْنِ، وَإِلَاّ .. فَنِصْفُ اَلْقِيمَةَ. وَزِرَاعَةْ اَلأَرْضِ نَقْصٌ، وَحَرْثُها زِيَادَةٌ. وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةَ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ، وَقِيلَ: اَلْبَهِيمَةُ زِيَادَةٌ. وَإِطْلَاعُ نَخْلٍ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ،

ــ

وأبعد عن الغوائل، ويصلح للقرب من الحرم، والكبير أقوى على الشدائد والأسفار، وأحفظ لما يستحفظه، وطول النخلة أيضًا كذلك ينقص ثمرها ويزيد حطبها، وتعلم الصنعة مع البرص زيادة ونقص بسببين، ففي كلا القسمين يثبت لكل منهما الخيار، فللزوج أن لا يقبل العين لنقصانها ويعدل إلى نصف القيمة، وللزوجة أن لا تبدل العين وتعدل إلى نصف القيمة.

قال: (فإن اتفقا .. فنصف العين)، وحينئذ لا شيء لأحدهما على الآخر.

قال: (وإلا .. فنصف القيمة)؛ طلبًا للعدل، ونفيًا للضرر والضرار.

قال: (وزراعة الأرض نقص)؛ لأنها تستوفى قوتها.

قال: (وحرثها زيادة) مراده: إذا كانت معدة للزراعة؛ لدلالة تقدم ذكر الزراعة عليه، فإن كانت الأرض معدة للبناء أو العمارة .. فحرثها نقصان محض.

قال: (وحمل أمة وبهيمة زيادة ونقص) أما الزيادة .. فلتوقع الولد، وأما النقص .. فللضعف في الحال والخطر عند الولادة.

قال: (وقيل: البهيمة زيادة)؛ إذ لا يخاف عليها من الولادة.

والأصح: أنه كما ف يالجواري نقص من وجه وزيادة من وجه؛ لأنه لا يحمل عليها حاملاً ما يحمل عليها حائلاً، ولأن لحم الحامل أراد، قال الرافعي: لأنه ضرب مرض، وهذا ينفعنا فيما سيأتي في (الأضاحي): أنه عيب فيها.

قال: (وإطلاع نخل زيادة متصلة) فيمتنع الرجوع القهري؛ لحدوثه على ملكها، فإن رضيت المرأة بأن يأخذ نصف النخل مع نصف الطلع .. أجبر عليه، وليس له طلب نصف القيمة، ومنهم من نزل الطل منزلة الثمرة المؤبرة.

وظهور النور في سائر الأشجار كبدو الطلع في النخل، وانعقاد الثمار مع تناثر النور كالتأبير في النخل.

ص: 348

وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ .. لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ، فَإِنْ قُطِفَ .. تَعَيَّنَ نِصْفُ اَلْنَّخْلِ وَلَوْ رَضِيَ بِنِصْفِ اَلْنَّخْلِ وَتَبَقْيِهِ اَلَثَّمَرِ إِلَى جَذَاذِهِ .. أُجْبِرِتْ فِي اَلأَصَحِّ، وَيَصِيرُ اَلْنَّخْلُ فِي يَدِهَا، وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ .. فَلَهُ اَلِامْتِنَاعُ وَاَلْقِيمَةُ

ــ

قال: (وإن طلق وعليه ثمر مؤبر .. لم يلزمها قطفة)؛ لأنه ملكها فتمكن من إيقائه إلى الجذاذ، فلو طلقها وقد استجد .. لزمها جذاذة ليأخذ نصف الشجر.

قال: (فإن قطف .. تعين نصف النخل)؛ لزوال المانع، هذا إذا بادرت به أو قالت: اقطفه ليرجع، ولم يمتد زمن القطف، ولم يحدث به نقص في الشجر بانكسار سعف وأغصان.

قال: (ولو رضي بنصف النخل وتبيقية الثمر إلى جذاذه .. أجبرت في الأصح، ويصبر النخل في يدها) كسائر الأشجار المشتركة.

والثاني: لا تجبر، ورجحه المتولي، وأشار إلى ترجيحه الإمام الغزالي؛ لأنها قد لا ترضى بيده ودخوله البستان، قال الإمام: ولأنه لابد من تنمية الثمار بالسقي، ولا يمكن تكليفها السقي: لأنه نفعه غير مختص بالثمر، بل ينتفع به الشجر أيضًا، ولا يمكن تكليفها ترك السقي؛ لتضرر الشجر، ولمن قال بالأول أن يقول: حكم السقي هنا حكمه فيما إذا اشترك اثنان في الشجر وانفرد أحدهما بالثمر في غير الصداق.

قال: (ولو رضيت به) أي: برجوعه في نصف الشجر وترك ثمرها إلى الجذاذ (

فله الامتناع والقيمة) أي: طلب القيمة؛ لأن حقه في شجرة خالية، وليس لها تكليفه تأخير الرجوع إلى الجذاذ؛ لأن حقه ناجز في العين أو القيمة.

ولو قال: أؤخر الرجوع إلى الجذاذ .. فلها الامتناع؛ لأن نصيبه يكون مضمونًا عليها، كذا وجهوه، وهو تفريع على أن النصف الراجع إليه يكون مضمونًا عليها، وفيه خلاف سبق.

ولو قال: أرجع ويكون نصيبي وديعة عندك، وقد أبرأتك عن ضمانه .. فوجهان لهما التفات إلى إبراء الغاصب مع بقاء المغصوب في يده.

ص: 349

وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ أَوْ لَهَا .. لَمْ يَمْلِكُ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو الاِخْتِيارِ. وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةِ اَلْنِّصْفِ أَعْتُبِرَ اَلأَقَلُّ مِنْ يِوْمَيِ اَلإصَدَاقِ وَاَلْقَبْضِ. وَلَوْ أَصْدَقَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ .. فَاَلأَصَحُّ: تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ،

ــ

فرع:

أصدقها حليًا فكسرته، أو انكسر في يدها فأعادته حليًا ثم طلقها، فإن كان على غير هيئة الأولى .. فزيادة من وجه ونقص من وجه آخر، فإن اتفقا على الرجوع في نصفه .. جاز، وإن اختلفا .. تعين نصف القيمة، وإن أعيد على هيئته الأولى فهل يرجع في نصف العين بغير رضاها أو برضاها؟ وجهان: أصحهما الثاني.

قال: (ومتى ثبت خيار له) أي: لنقصان الصداق (أو لها) أي: لزيادته، أو لهما لاجتماع الأمرين (

لم يملك نفه حتى يختار ذو الاختيار)؛ إذ لو لم يكن كذلك .. لبطلت فائدة التخيير، وليس هذا على الفور، لكن إذا طالب الزوج .. كلفت اختيار أحدهما على الفور كما تقدم، ولا يعين الزوج في الطلب عينًا ولا قيمة، بل يطالب بحقه.

قال: (ومتى رجع بقيمة النصف .. اعتبر الأقل من يومي الإصداق والقبض)؛ لأنه إن كان يوم الإصداق أقل .. فالزيادة على ملكها لا تعلق للزوج بها، وإن كانت قيمة يوم القبض أقل .. فما نقص قبل ذلك فهو من ضمانه، فكيف ترجع عليها؟! والذي اعتبره المصنف هنا وافق فيه (المحرر) وذكره في (الشرح الصغير)، وقال في (المهمات): وليس هو المفتى به.

والصواب: اعتبار يوم القبض كما جزم به الرافعي في (الزكاة المعجلة)، ونص عليه الشافعي في مواضع متعددة، لكن يستثنى ما لو تلف في يدها بعد الطلاق وقلنا: إنه مضمون عليها .. فتعتبر قيمة يوم التلف؛ لأن الرجوع وقع في عين الصداق، ثم تلف تحت يد ضامنة.

وجميع ما ذكر المصنف في المتقوم، أما المثلى .. فالرجوع إلى نصف مثله.

قال: (ولو أصدق تعليم قرآن وطلق قبله .. فالأصح: تعذر تعليمه)؛ لأنها صارت محرمة عليه، ولا تؤمن التهمة والوقوع في الخلوة المحرمة، ويعسر إحضار

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

محرم معها بأجرة وبغير أجرة، وليس كسماع الحديث من المرأة؛ لأنا لو لم نجوزه .. لضاع، والتعليم له بدل يرجع إليه، وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، وهو أحسن من قول (الحاوي): وبانت؛ فإن الطلاق الرجعي فيه كالبائن، ولو عبر بـ (الفراق) .. كان أعلم؛ ليشمل الفسخ والانفساخ.

والوجه الثاني: لا يتعذر التعليم؛ لإمكان ذلك من وراء حجاب من غير خلوة، والصحيح المنصوص في (المختصر): الأول، وقد تقدم في أول النكاح من زيادات المصنف إباحة النظر للتعليم.

قال الشيخ: ولعل الجمع بين الكلامين أن التعذر هنا من جهة الاختلاف في النصف المشروط؛ لاختلاف القرآن صعوبة وسهولة، وصوبه في (المهمات)، فلذلك تعين المصير إلى البدل، أما إذا كانت آيات يسيرة يمكن تعلمها في مجلس واحد بحضور محرم من وراء حجاب .. فلا يتعذر كما صرح به الإمام، لا سيما إذا مست الحاجة إليه؛ لتوقف الصلاة عليه.

واحترز بقوله: (قبله) عما إذا طلقها بعد التعليم، فإن كان بعد الدخول .. فذاك، وإن كان قبله .. فيرجع عليها بنصف أجرة التعليم.

كل هذا إذا كان الفرض أن يعلمها بنفسه، فإن كان في الذمة .. فلا يتعذر بلاطقها، بل يستأجر امراة أو محرمًا يعلمها.

ص: 351

وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ بَعْدَ وَطْءٍ، وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ

ــ

قال: (ويجب مهر مثل بعد وطء، ونصفه قبله)؛ جريًا على القاعدة، وهذان الوجهان مفرعان على الأصح وهو: تعذر التعليم.

فروع:

صرح المتولي بأنه لا كراهة في إصداق تعليم القرآن، ويشترط كونه قدرًا فيه كلفة كما تقدم في (كتاب الإجارة).

ولو أصدق ذمية تعليم قرآن .. صح إن توقع منها الإسلام، وإلا .. فسد.

ولو نكح مسلمة أو ذمية على تعليم التوراة أو الإنجيل .. لم يجز؛ لأن ما في أيديهم مبدل لا يجوز الاشتغال به، والواجب مهر المثل.

وإذا كان الزوج لا يحسن قراءة ما شرط تعليمهن فإن كان الشرط أن يعلمها بنفسه .. لم يصح في الأصح، وإن شرط أن يتعلم ثم يعلمها .. لم يصح؛ لأن التعليم متعلق بعينه، والأعيان لا تقبل التأجيل.

وإن أرادت أن تقيم غيرها مقامها في التعليم .. لم يجبر الزوج على ذلك في الأصح؛ لاختلاف الناس في الفهم والحفظ، وإن أصدقها تعليم ولدها .. لم يصح الإصداق كما لو شرط الصداق لولدها، كذا في (الشرح) و (الروضة)، واختار الشيخ جوازه.

وإن أصدقها تعليم غلامها .. قال البغوي .. لا يصح كالولد، وقال المتولي: يصح، وهو الأصح.

وحكم تعليم الفقه والعلم والشعر المباح حكم تعليم القرآن.

ص: 352

وَلَوْ طَلَّقَ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ .. فَنِصْفُ بَدَلِهِ،

ــ

وسئل المزني: هل يجوز النكاح على تعليم الشعر؟ فقال: يجوز إن كان مثل قول أبي الدرداء [من الوافر]:

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبى الله إلا ما أراد

يقول المرء: فائدئتي ومالي

وتقوى الله أفصل ما استفادا

وإن كان الشعر محظورًا كالهجو والفحش .. لم يصح.

وإن نكح امرأة على أن يرد عبدها الآبق أو بعيرها الناد، إن كان الموضع معلومًا .. جاز، وإلا .. فلا على الصحيح، ويجب مهر المثل.

ولو نكحها على خياطة ثوب معلوم .. جاز، وله أن يأمر بالخياطة إن التزم في الذمة، وإن نكح على أن يخيطه بنفسه فعز بأن سقطت يده أو مات أو تلف الثوب .. فقولان:

أظهرهما: يرجع إلى مهر المثل.

والثاني: أجرة الخياطة.

قال: (ولو طلق وقد زال ملكها عنه .. فنصف بدله) وهو المثل إن كان مثليًا، أو القيمة إن كان متقومًا كما لو تلف ولا يملك الزوج نقض ذلك التصرف.

وأفهم أنه إذا لم يزل ملكها عنه أن الحكم بخلافه، والأمر كذلك إذا لم تحصل فيه زيادة، أو تعلق به حق لازم كما لو رهنته وأقبضته .. فيمتنع الرجوع، ويتعين نصف بدله، بخلافهما إذا أوصت به أو وهبته ولم يقبضه .. فله الرجوع على الأصح.

فرع:

روي المزني عن الشافعي أنه لو أصدقها عبدًا فدبرته ثم طلقها قبل الدخول .. لم يرجع في نصفه؛ لأنه قربة لها فيه غرض، فكان كالزيادة المتصلة التي لا تؤثر في القيمة، فمن الأصحاب من قطع به، ومنهم من قطع بعدم الرجوع، ومنهم من حكى قولين: إن قلنا: التدبير وصية .. رجع، أو عتق بصفة .. فلا.

ص: 353

فَإِنْ كَانَ زَالَ وَعَادَ .. تَعَلَّقَ بِاُلْعَيْنِ فِي اَلأَصَحٌ. وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ لَهُ نِصْفَ بَدَلِهِ

ــ

والأصح: المنع مطلقًا، سواء كانت المرأة موسرة أو معسرة، وخص أبو إسحاق وغيره الخلاف بما إذا كانت موسرة بالقيمة، فإن كانت مفلسة .. فله الرجوع إلى نصفه قطعًا.

فإن قيل: إذا باع عبدًا بثوب وتقابضًا، ودبر المشتري العبد، ثم وجد البائع بالثوب عيبًا .. الأصح أن ذلك لا يمنع الرجوع، وكذلك لا يمنع رجوع الواهب فيه على الأصح، وينتقض التدبير فيهما، فلم لا كان الصداق كذلك؟ فالجواب: أن استحقاق الفسخ في البيع والهبة سابق على التدبير، بخلاف الطلاق؛ فإن سلطنة الزوج على الرجوع بالطلاق متأخرة عن التدبير، فلذلك لم يتسلط عليه، بخلاف البائع والواهب.

قال: (فإن كان زال وعاد .. تعلق بالعين في الأصح)؛ لأن حقه لا يختص بالعين، بل يتعلق بالبدل، فالعين العائدة أولى من البدل وكأنه لم يزل.

والثاني: يتعلق حقه بالبدل وكأنه لم يعد.

والفرق على الأصح بين هذا وبين هبة الوالد لولده: أن ح الأب انقطع بزوال ملك الولد ولم يعد، وحق الزوج لم ينقطع بدليل أنه يرجع إلى البدل فعاد بالرجوع.

وحاصله: أن حق الزوج في العين والمالية، وحق الأب في العين فقط.

قال:) ولو وهبته لم ثم طلق .. فالأظهر: أن له نصف بدله)؛ لأنه ملك جديد حصل لو قبل الطلاق فلا يمنع الرجوع المستحق بالطلاق كما لو انتقل إليه من أجنبي أو وهبته منه.

والثاني - وهو نصه في القديم، وبه قال الأئمة الثلاثة والمزني والبغوي:-

لا يرجع عليها بشيء؛ لأنها عجلت له ما يستحقه بالطلاق، كمن عجل الزكاة

ص: 354

وَعَلَى هَذَا، لَوْ وَهَبَتْهُ اَلْنِّصْفَ .. فَلَهُ نِصْفُ اَلْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهٍ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفُ اَلْبَاقِي، وَفِي قَوْلٍ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلَّهِ أَوْ نِصْفِ اَلْبَاقِي وَرُبْعِ بَدَلِ كُلِّهٍ. وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ .. لَمْ يَرْجِع عَلَيْهَا عَلَى اَلْمَذْهَبِ

ــ

لا يطالب بها عند الحول، وكالمديون إذا عجل الدين .. لا يطالب به عند حلوله.

والتبعير بـ (نصف بدله) وقع في (الروضة) أيضًا، والصواب: بدل نصفه كما عبر به فيما سيأتي.

وقيل: إن وهبت قبل القبض .. لم يرجع قطعًا، والمذهب: طرد القولين، سواء قبضت أم لا.

قال: (وعلى هذا: لو وهبته النصف .. فله نصف الباقي وربع بدل كله)؛ لأن الهبة وردت عل الجملة فتشيع.

قال: (وفي قوله: نصف الباقي)؛ لأنه استحق النصف بالطلاق، وتنحصر هبتها في نصيبها، وهذان القولان يعبر عنهما بقولي الحصر والإشاعة.

قال: (وفي قول: يتخير بين بدل نصف كله أو نصف الباقي وربع بدل كله)؛ لأنه لابد من الإشاعة، وهي تقضي إلى تبعيض حقه، وهذه الأقوال هي التي في (الزكاة) إذا أصدقها أربعين شاة فأخرجت منها واحدة للزكاة ثم طلقها قبل الدخول، أما إذا قلنا: هبة الجميع تمنع الرجوع .. فهنا أيضًا ثلاثة أقوال:

أصحها - وبه قال أبو حنيفة:- لا يرجع بشيء، وحقه هو الذي يعجله.

والثاني: تنزل الهبة على خالص حقها، ويرجع الزوج بجميع النصف الباقي.

والثالث - وبه قال المزني -: يرجع عليها بنصف الباقي عندها، ويجعل النصف الموهوب مشاعًا، فكأنها عجلت نصف حقه ووهبت منه نصف حقها الحاصل لها، فحصل في المسألة خمسة أقوال.

قال: (وإن كان دينًا فأبرأته .. لم يرجع عليها على المذهب)؛ لأنها لم تأخذ

ص: 355

وَلَيْسَ لِوَلىِّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ عَلَى اَلْجَدِيدِ

ــ

منه مالاً، ولم تتحصل على شيء، فأشبه ما إذا شهد شاهدان بدين على إنسان وحكم به حاكم، ثم أبرأ المحكوم له المحكوم عليه عن الدين، ثم رجع الشاهدان .. فإنهما لا يغرمان للمحكوم عليه شيئًا.

والثاني: يرجع، وهو مرتب على القولين في الهبة للعين، ولم يرجح الرافعي في (شرحيه) شيئًا من الطريقين.

فرعان:

أحدهما .. وهبته صداقها وهو دين عليه، أو أبرأته منه على أن يركمها ولا يتزوج عليها .. أفتى ابن الصلاح بأنه لا يصح، سواء قلنا: إنه إسقاط أو تمليك.

الثاني: قال الغزالي: إنما يصح الإبراء إذا كان عن طيب نفس منها، أما إذا أساء إليها وضيق عليها بسوء الخلق فاضطرت إلى إبرائه طلبًا للخلاص .. فإنه لا يصح باطنًا؛ لأنه إبراء لا عن طيب نفس، وطيبة النفس من طيبة القلب، والقلب قد يريد ما لا تطيب به النفس كما يريد الحجامة والنفس تكرهها، وطيب النفس: أن تسمح بذلك لا لدفع ضرر عنها.

قال: (وليس لولى عفو عن صداق على الجديد) كسائر الديون، والحقوق التي للمولى عليه ليس للولي إسقاطها.

والقديم: أن له ذلك، وهو مذهب مالك بشروط سنذكرها.

والأصل في هذا الحكم قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَاّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ومعنى الآية: أن الصداق قبل الدخول ينصف بالطلاق، إلا أن تعفو الزوجة وتبرع بحقها، فيعود جميع الصداق إلى الزوج.

وفيمن بديه عقدة النكاح قولان:

الجديد: أنه الزوج، وبه قال أبو حنيفة، ويروى عن علي رضي الله عنه، والمعنى: أو يعفو الزوج عن حقه فيخلص لها جميع الصداق ولا يتنصف.

والقديم: أن الذي بيده عقدة النكاح الولي، والمعنى: إلا أن تعفو المرأة أو وليها

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إن لم تكن هي أهلاً للعفو، وإلى هذا ذهب مالك.

وسببه: أن الولي ينظر بالمصلحة، وقد تكون المصلحة في عفوه، فالصداق على هذا القول إما أن ينتصف عند عدم العفو، وإما أن يكون كله للزوج بعفوها أو عفو الولي، ويروي عن ابن عباس ما يوافق القديم، ووجه بأن أول الآية خطاب للأزواج، فلو كان المراد بالذي بيده عقدة النكاح (هم)

لما عدل عن الخطاب إل الغيبة، بل قال: إلا أن يعفون أو تعفوا أنتم.

وينبني على الخلاف مسائل: منها: لو ادعى الزوج تسليم الصداق المولي، وسيأتي قبيل وليمة العرس.

تتمة:

للقديم خمس شروط: أن يكون أبًا أو جدًا، وأن تكون بكرًا عاقله صغيرة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون قبل الدخول، وأن يكون الصداق دينًا، هذا هو المذهب تفريعًا على القديم.

وفي وجه: له العفو عن الثيب والمجنونة والبالغة المحجور عليها والرشيدة، وقبل الطلاق إن رآه مصلحة، وعن العين أيضًا، والصحيح الأول.

ص: 357

فصل:

لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةُ إِنْ لَمْ يَجِبْ شَطْرُ مَهْرٍ،

ــ

ولو زوجها الأب ومات .. ففي صحة عفو الجد وجهان؛ لأن الصداق لم يثبت به لكنه ولي.

ولو خلعها الولي على نصف الصداق وجوزنا العفو .. صحت المخالعة، قاله المتولي وغيره، وفي (الوسيط) في صحة الخلع مع صحة العو وجهان، والأول أشبه.

ولو زوج ابنه السفيه أو الصغير أو السفيهة بمهر فيرجع إليه بانفساخ النكاح برضاع أو ردة المرأة قبل الدخول، أو ابنه الكبير السفيه فعاد المهر إليه بذلك أو نصفه بالطلاق .. لم يجز للأب والجد العفو عنه قولاً واحدًا.

قال: (فصل:

لمطلقة قبل وطء متعة) المتعة بضم الميم: من التمتع، وهو الانتفاع، والمراد هنا: المال الذي يدفعه الرجل إلى المرأة عند الفراق.

وآيات المتعة في القرآن خمس: ثلاث في القرة وآيتان في الأحزاب.

قال المصنف في (الفتاوى): إن وجوب المتعة مما يغفل عن العمل بها، ولا تعرفها النساء، فينبغي تعريفهن وإشاعة حكمها؛ ليعرفن ذلك.

قال: (إن لم يجب شطر مهر) × لقوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ} .

وهل وجبت بالعقد أو الطلاق؟ فيه قولان: أصحهما - وهو الجديد - الثاني.

واحترز بـ (المطلقة) عن المفارقة بالموت فلا متعة لها بالإجماع؛ لأن النكاح قد انتهى نهايته فلا إيذاء فيه.

ص: 358

وَكَذَا لِمَوْطُوءَةٍ فِي اَلأَظْهَرِ، وَفُرْقُةِّ لَا بِسَبَبِهَا كَطَلَاقٍ

ــ

وعن مالك رحمه الله: أن المتعة مستحبة؛ لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى المُحْسِنِينَ} .

والجواب: أنه تعالى قال: {حَقًا عَلَى المُتَّقِينَ} ، ولأنها لو لم تجب .. لخلا بعضها عن البدل، وأما التي وجب لها شطر مهر بتسمية في العقد صحيحة كانت أو فاسدة أو فرض بعد العقد في المفوضة .. فلا متعة لها؛ لمفهوم الآية، ويكفيها شطر المهر، وحكى إلكيا الطبري فيه الإجماع؛ لأن الله تعالى لم يجعل لها سواه بقوله:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وقد صرح بهذه في (المحرر) فحذفه المصنف اكتفاء بالمفهوم.

وحكى المرعشي قولاً في التي فرض لها ولم يدخل بهاك أنها تستحق المتعة.

وفي (صحيح البخاري)[5257]: أن النبي صلي الله عليه وسلم لما فارق الجنونية قبل مسها قال لأبي أسيد الساعدي: (أكسها رازقيتين).

قال الجوهري: والرازقية ثياب كتان بيض.

قال: (وكذا لموطوءة في الأظهر)؛ لعموم: {ولِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} ، ولخصوص:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} وكان قد دخل بهن، وفي الآية تقديم وتأخير؛ أي: فتعالين أسرحكن وأمتعكن.

وفي (سنن البيهقي)[7/ 257]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر زوج فاطمة بنت قيس أن يمتعها) لكن في إسناده عبد الله بن عقيل، وقد تقدم ما فيهز

وفيه [7/ 257] بإسناد صحيح عن ابن عمر: (أن لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر).

والثاني - وهو القديم، وبه قال أبو حنيفة -: لا متعة لها؛ لأنها إذا لم تجب عند وجوب شطر المهر .. فعند جميعه أولى.

وعن أحمد روايتان كالمذهبين، فعلى القديم: لا متعة إلا لمطلقة واحدة، وعلى الجديد: لكل مطلقة متعة إلا واحدة.

قال: (وفرقة لا بسببها كطلاق) في إيجاب المتعة كما إذا ارتد أو أسلم أو لا عن، أو وطئ أبوه أو ابنه زوجته بشبهة، أو أرضعت أمه أو ابنته زوجته الصغيرة.

ص: 359

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا

ــ

وصورة ذلك: أن تكون أمة زوجها سيدها بالتفويض لعبد، والأصح: أن الزوج لا يرجع على المرضعة في هذه الصورة بما غرفه من المتعة، والخلع وإن كان يتم بها .. فهو كالطلاق على المشهور، سواء كان معها أو مع أجنبي، وكذا لو طلقت نفسها بتفويضه، أو علق بفعلها ففعلت، أو طلق المولى بطلبها، وفيها وجه.

ولو ارتد معًا .. فلا متعة على الأصح، وكل فرقة منها أو بسبب فيها لا متعة فيها، كردتها وإسلامها وفسخها بإعساره أو عتقها أو تغريره أو عيبه أو فسخه بعيبها.

ولو كانت ذمية صغيرة تحت ذمي فأسلم أحد أبويها وانفسخ النكاح .. فلا متعة كما أسلمت بنفسها.

ولو اشترى زوجته .. فلا متعة على الأظهر، وقال أبو إسحاق: إن استدعاء الزوج .. وجبت، وإن استدعاء السيد .. فلا.

ويستوي في المتعة المسلم والذمي، والحر والعبد، والحربية والذمية، وهي في كسب العبد ولسيد الأمة كالمهر.

قال: (ويستحب أن لا تنقص عن ثلاثين درهمًا) رواه البيهقي عن ابن عمر [7/ 224] قال الرافعي: وعن ابن عباس أيضًا - وهو منصوص (المختصر)، ونقل غيره عن النص -: أنه يمتعها خادمًا أو مقنعة، وإلا .. فقدر ثلاثين درهمًا، وليس ذلك اختلاف قول، بل أعلاه خادم، وللمعسر مقنعة، وللمتوسط ثلاثون درهمًا، والواجب ما تراضيا عليه.

والمراد بالمقنعة ههنا: التي لا تبلغ ثلاثين درهمًا.

واستشكل في (شرح التعجيز) إطلاق الثلاثين؛ فإن من النساء من يكون هذا المقدار مهر مثلها، ومقتضى إطلاق الشيخين: أنه لا فرق في ذلك بين الغني

ص: 360

فَإِنْ تَنَازَعَا

قَدَّرَهَا اَلْقَاضِي بِنَظَرِهِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا، وَقِيلَ: حَالَهُ، وَقِيلَ: حَالَهَا، وَقِيلَ: أَقَلَّ مَالٍ

ــ

والفقير، ولا شك في إضرار الفقير بذلك، وجرت عادة الحكام بتقدير عشرة دراهم، وذلك قريب.

وقال أبو بكر الخفاف في (الخصال): لم يقل الشافعي بالاستحسان إلا في ست مواضع: تقرير الصداق بالخلوة، وكتاب القاضي إلى القاضي، وأن الشفعة ثلاثة أيام، والتحليف بالمصحف، وأن المتعة ثلاثون درهمًا، استحسان مراسيل سعيد بن المسيب.

قال: (فإن تنازعا

قدرها القاضي بنظره)؛ لاختلافها فاختلاف العادات.

قال: (معتبر حالهما)؛ لقوله تعالى: {مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فيعتبر حال الرجل في اليسار والإعسار، والزوجة في اللائق بها وفي نسبها وصفاتها، وإلى هذا ذهب الغزالي وطائفة.

قال: (وقيل: حاله) كالنفقة، وظاهر الآية يدل له، وهو قول أبي إسحاق.

قال: (وقيل: حالها)؛ لأنه كالبدل عن المهر، وهو مخالف لظاهر القرآن.

وحكي الماوردي وجهين فيما يعتبر به حالها:

أحدهما: في السن والنسب والجمال كمهر المثل.

والثاني: بما سبق من جهازها من يسار وإعسار، وهو بعيد.

قال: (وقيل: أقل مال) كما أنه يجوز أن يكون صداقًا.

فرع:

حكى عصام بن يوسف عن المزني عن الشافعي أنه قال - إذا طلقها ثم مات قبل أن يمتعها-: إن متعتها في جميع المال، وإن المكاتب إذا عتق ولم يعطه سيده شيئًا حتى مات .. يعطى من الثلث، قال أبو إسحاق المروزي: لأن إيتاء المكاتب قربه الله تعالى، والمتعة حق آدمي فقدمت من رأس المال.

ص: 361

فصل:

اَخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ أَوْ صِفَتِهِ

تَحَالفَاَ،

ــ

وعصام المذكور حنفي، إمام من أئمة مذهبه، معروف كما صرح به العبادي في (الطبقات).

تتمة:

هل يجوز أن تزيد المتعة على نصف مهرها؟ وجهان:

أحدهما - ويحكى عن صاحب (التقريب) -: لا؛ لأنها بدل عن شطر المهر فلا يزاد عليه.

وأصحهما: نعم؛ لإطلاق الآية، وهذا ما أروده المتولي والبغوي وغيرهما.

وحكى الحناطي وجهًا ثالثًا: أن تنقص عن شطر الصداق كماي حط التعزيز عن الحد.

وقال أبو حنيفة: تقدر المتعة بثلاثة أثواب: درع وخمار ومقنعة، إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك.

وعن أحمد رواية: أنها تتقدر بما تجزئ فيه الصلاة، وفي رواية: يقدرها الحاكم.

قال: (فصل

اختلفا في قدر مهر أو صفته: تحالفا) كما في البيع، ولا فرق بين أن يكون الاختلاف بعد الدخول أو قبله، سواء كانت الزوجية باقية بينهما أو انقطعت، لأن الصداق عقد مستقل، وأثر التحالف إنما يظهر فيه لا في النكاح.

وعند أبي حنيفة: إن كان قبل الدخول .. فالقول قولها في قدر المهر، وقول الزوج فيما زاد.

وعند مالك: يتحالفان، ويفسخ النكاح؛ بناء على أصله: أن فساد الصداق يوجب فساد العقد.

ص: 362

وَيَتَحَالَف وَارِثَاهُمَا، وَوَارِث وَاحِدٍ وَالآَخَرُ،

ــ

وقال أحمد: القول قول الزوج، إلا أن يدعي ما يستنكر

ومحل ما ذكره في العين إذا كان الزوج يدعي الأقل، فلو أدعى الأكثر كما لو قال: بألفين، وقالت بل بألف .. فلا تحالف؛ لأنه معترف لها بما تدعيه وزيادة، ويبقى الباقي في يده كما هو الصحيح في المسألة.

ومحله أيضًا في الاختلاف في المسمى، فلو حصل في مهر المثل لفساد التسمية ونحوه واختلفا في مقداره

فلا تحالف، بل يصدق الزوج بيمينه؛ لأنه غارم، والأصل براءة ذمته عما زاد.

والكلام في كيفية اليمين، وفيمن يبدأ به كما تقدم في (البيع)، لكن المنصوص هنا: البداءة بالزوج، لقوة جانبه بعد التحالف ببقاء البضع له، فهو كالبائع؛ إذ يرجع المبيع إليه.

وقيل: يبدأ بالمرأة؛ لأنها كالبائع، والزوج كالمشتري.

وقيل: يبدأ الحاكم بأيهما شاء؛ لتساويهما.

وقيل: يقرع بينهما

والخلاف في الاستحباب، وقيل: في الاستحقاق.

قال: (ويتحالف وأرثاهما، ووارث واحد والآخر)؛ لأن الصداق كعقد مستقل بنفسه، وأثر التحالف يظهر فيه لا في النكاح، فإذا حلف الزوجان .. حلفا على البت في النفي والإثبات، والوارث على نفي العلم في النفي، وعلى البت في الإثبات، كما هو شأن اليمين على فعل الغير، فيقول وارث الزوج: والله لا أعلم أن مورثي نكحها بألف، إنما نكحها بخمس مئة، ويقول وارث الزوجة: والله لا أعلم أنه نكح مورثتي على خمس مئة، وإنما نكحها بألف، هذا هو المشهور.

ص: 363

ثُمَّ يُفْسَخُ اَلْمَهْرُ وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوِ أَدَّعَتْ تَسْمِيَةَّ وَأَنْكَرَهَا .. تَحَالَفًا فِي اَلأَصَحِّ

ــ

قال الرافعي: أحسن بعض الشارحين فقال: في الوارث عندي أنه يحلف على البت فيهما؛ لأن من قطع بألف .. قطع بأنه غير ألفين، فلا معنى لقوله: لا أعلم أنه نكحها بألفين مع قوله: ولقد نكحها بألف.

وكأنه أراد بن ابن داوود، وهو أبو بكر الصيدلاني، فهو قال في (شرحه للمختصر) ذلك.

قال: (ثم يفسخ المهر ويجب مهر المثل) هذا أثر التحالف؛ لأن الصداق عقد مستقل، وهو الذي ينفسخ، وأما النكاح .. فلا تطرق إليه.

قال الرافعي: وقد سبق في (البيع) وجه: أنه ينفسخ بنفس التحالف، فليجيء هنا مثله، وليكن القول فيمن يتولى الفسخ وفي الانفساخ باطنًا على ما سبق في (البيع)، وقد صرح بجميع هذا الحناطي، وسواء في الرجوع إلى مهر المثل زاد ما تدعيه المرأة أم لا.

وقال ابن خيران وابن الوكيل: إن كان مهر المثل زائدًا .. فليس لها إلا ما ادعته، والصحيح الأول، هذا في الظاهر، وأما في الباطن، فإن قلنا: لا ينفسخ .. لم يخف ما يحل لها.

قال: (ولو ادعت تسمية وأنكرها .. تحالفا في الأصح)؛ لأنه يقول: الواجب مهر المثل، وهي تدعي مسمى، فحاصله: الاختلاف في قدر المهر.

والثاني: يصدق الزوج؛ لأن الأصل عدم التسمية.

قال الرافعي: وإنما يحسن وضع هذه المسالة إذا ادعت أكثر من مهر المثل، وقد صرح به في (البحر) قال ابن الرفعة: بل يحسن الإيراد وإن أدعت قدر مهر المثل إذا كان من غير نقد البلد؛ لاختلاف الغرض بأعيان الأموال.

ص: 364

وَلَوِ اَدَّعتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ فَأَقَّرَّ بِالَنَّكَاحِ وَأَنْكَرَ اَلْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ .. فَالأَصَحُّ: تَكْلِفُهُ اَلْبَيَانَ؛

ــ

ولو أنكرت التسمية وادعاها الزوج .. فهل القول قولها أو يتحالفان؟ القياس: مجيء الوجهين، ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر التسمية، فإن أوجبتا المهر في التفويض بالعقد .. فهو كما لو ادعى أحدهما السكوت والآخر التسمية، وإلا .. فالأصل عدم التسمية من جانب وعدم التفويض من جانب، ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر أنه لم يجر للمهر ذكر .. فيشبه أن يكون القول قول الثاني.

والصواب: أن الزوج إذا مات وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفًا فقا الوارث: لا أعلم كم سمى .. لم يتحالفا، بل يحلف الوارث على نفي العلم، ثم يقضي لها بمهر المثل.

قال: (ولو ادعت نكاحًا ومهر مثل فأقر بالنكاح وأنكر المهر أو سكت .. فالأصح: تكليفه البيان) فلا يسمع إنكاره، لاعترافه بما يقتضي المهر.

والثاني: لها المهر بيمينها؛ لأن الظاهر معها، وبه جزم الإمام، وقال مشايخ طبرستان: القول قول الزوج، وعليها البينة.

ص: 365

فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ .. تَحَالَفًا، وَإِنْ أَصَرَّ مُنْكِرًا .. حَلَفَتْ وَقُضِيَ لَهَا .. وَلَوِ اَخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِىُّ صَغِيَرةٍ أَوْ مَجْنُونَةِ

تَحَالَفَا فِي اَلأَصَحِّ

ــ

وحكي الغزالي ثالثًا: وهو التحالف، وأنكروه عليه.

قال: (فإن ذكر قدرًا وزادت .. تحالفًا، وإن أصر منكرًا .. حلفت وقصي لها).

قال الروياني: رأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا، وهو القويم؛ أي: المستقيمن وظنه ابن الرفعة بالدال فقال: فالجديد إذن خلافه.

قال: (ولو اختلف في قدره زوج وولى صغيرة أو مجنونة .. تحالفًا في الأصح)؛ لأن الولي هو المالك للعقد المستوفي لصداق، فكان اختلافه مع الزوج كاختلاف البالغة مع الزوج، ولأن إقراره في النكاح مقبول فيه وفي الصداق، فإذا قبل إقراره .. لم يبعد تحلفه، هذا هو الذي نص عليه في (الأم)، وهو المفتى به كما سيأتي في (باب الدعاوى) في عدم تحليف الولي.

وقد يقال: الذي رجحه المصنف هنا لا ينافى ما قاله هناك؛ لأن حلفه هناك على استحقاق الصبي، فهو حلف للغير فلم تقبل النيابة هنا، على أن العقد وقع هكذا فهو حلف لنفسه، والمهر يثبت ضمنًا فافترق البابان، ولهذا: إذا حلف هنا .. إنما يحلف على فعل نفسه، كما لو اختلف المشتري ووكيل البائع في الثمن .. فإنهما يتحالفان.

والوجه الثاني المقابل لكلام المصنف: لا تحالف؛ لأن اليمين لا تجري النيابة فيها، فعلى هذا: توقف إلى بلوغها فيتحالفان.

ويجوز أن يحلف الزوج ويوقف يمينها إلى بلوغها، وهذا الوجه نقله في (الكفاية) عن ابن سريج وأبي إسحاق، وهو سهو؛ فإن الذي ذهبا إليه الأول.

وإن قلنا: يحلف الولي .. فذلك إذا ادعى زيادة على مهر المثل، والزوج معترف

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمهر المثل، وأما إذا أدعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل .. فلا تحالف؛ لأنه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي.

ولو ذكر الزوج قدرًا يزيد على مهر المثل وادعى الولي زيادة عليه .. لم يتحالفا؛ كيلا يرجع الواجب إلى هر المثل، بل يأخذ الولي ما يقوله الزوج، والخلاف الذي ذكرناه في اختلاف الزوج وولي الصغيرة يجري فيما إذا اختلفت المرأة وولي الزوج الصغير، وفيما إذا اختلف وليًا الزوجين الصغيرين.

ولو بلغت الصغيرة قبل التحالف .. حلفت هي ولا يحلف الولي، وادعى البغوي الاتفاق عليه، وقال القاضي أبو الطيب: يحلف الولي، وصححه المتولي والفارقي.

وجميع ما ذكرناه في هذه المسألة هو فيما يتعلق بإنشاء الولي، أما ما لا يتعلق به بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل وأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين .. فوجهان:

أحدهما: أن الولي يحلف اليمين المردودة؛ إتمامًا للخصومة، واستخراجًا لحق الصبي.

ص: 367

وَلَوْ قَالَتْ: نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَيَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَثَبَتَ اَلْعَقْدَانٍ بِإِقْرَارَه أَوْ بِبَيِّنَةٍ .. لَزِمَهُ أَلْفَانٍ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَطَاهَا فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهَما .. صُدَّقَ بِيَمِيِنِهِ وَسَقَطَ اَلَشَّطْرُ، وَإِنْ قَالَ: كَانَ اَلْثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظِ لَا عَقْدًا .. لَمْ يُقْبَلْ

ــ

وأصحهما: المنع، لأنه لا يتعلق بتصرف الولي وإنشائه، وعلى هذا: فلا يقضى بالنكول، بل يتوقف إلى أن يبلغ الصبي فلعله يحلف.

وفي وجه: لا تعرض اليمين عليه، ويتوقف في أصل الخصومة.

قال: (ولو قالت: نكحني يوم كذا بألف، ويوم كذا بألف، وثبت العقدان بإقراره أو ببينة .. لزمه ألفان)؛ لإمكان ثبوت الألفين بأن يطأها في اليوم الأول ثم يخلعها ثم ينكحها في اليوم الثاني، ولا يحتاج إلى التعرض لتخلل الفرقة ولا لحصول الوطء؛ لأن كل عقد منهما ثبت مسماه، والأصل بقاؤه، كذا قالوه، والتحقيق: أنه يلزمه الألف ونصفها؛ لأن الأصل عدم الدخول في الأول، اللهم إلا أن يثبت الدخول فيه .. فيصح ما قالوه.

قال: (وإن قال: لم أطأها فيهما أو ف أحدهما .. صدق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم الوطء.

قال: (وسقط الشطر) أي: في النكاحين أو في أحدهما؛ لأن ذلك فائدة تصديقه.

ولو ادعى رجل أنه اشترى منه كذا يوم الخميس بألف، ثم يوم الجمعة بألف وطالبه بالثمنين، .. لزمه الثمنان إذا ثبت العقدان كما في المهرين.

قال: (وإن قال: كان الثاني تجديد لفظ لا عقدًا .. لم يقبل)؛ لمخالفة

ص: 368

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الظاهر، وهل له تحليف المرأة على نفي ذلك؟ وجهان: أصحهما: له ذلك؛ لإمكانه.

فرع:

في (فتاوي البغوي): رجل أراد أن يزوج ابنه امرأة، فخطبها لابنه وتوافقا على العقد، فقبل أن يعقد، أهدى لها أبو الزوج شيئًا ثم مات المهدي قبل العقد، ثم نكحها ابنه ثم طلقها قبل الزفاف واسترجع الهدايا .. قال: يكون ميراثًا بين الجميع؛ لأن الأب إنما أهدى لأجل العقد، ولم يعقد في حياته فيكون ميراثًا لورثة الأب، وفي استرجاع الهدايا نظر.

فائدة:

قال ابن الخل في (توجيه التنبيه): يجوز لولى المحجورة إذا تزوجت أن يصوغ لها الذهب والفضة حليًا وإن نقصت بذلك قيمته وتلف جزء منه، وأن يصيغ لها الثياب ويقطعها؛ لما فيه من المنفعة للمولى عليه في رغبة الأواج في الوصلة بها.

وفي (قضاة مصر) لابن زولاق عن أبي عبدي بن حربويه وابن الحداد: أنهما منعًا ذلك بأزيد من قدر صداقها كما يقوله مالك، وعمل الناس على الأول.

ووقع في (الفتاوى) هل لولي المحجورة أن يبيع عقارها ليشتري لها شورة

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يرغب فيها إلا بذلك؟ وأجي فيه بالجواز. وفيه أيضًا نظر.

تتمة:

من صور التنازع بين الزوجين: أن يختلفا في أداء المهر، فالقول قولها مع يمينها، سواء كان الاختلاف قبل الدخول أو بعده، خلافًا للمالك رحمه الله فيما بعد الدخول.

ولو اتفقا على قبض مال وقال الزوج: دفعته صداقًا، وقالت: بل هدية .. فقد أطلق مطلقون أن القول قول الزوج مع يمينه؛ لأنه أعرف بكيفية إزالة ملكه ونيته.

وفصل مفصلون فقالوا: إن كان الاختلاف في اللفظ فقال الزوج: ذكرت عند الدفع أنه صداق، وقالت: بل قلت: إنه هدية .. فالجواب هكذا، أما إذا اتفقا على أنه لم يجر لفظ واختلفا في نيته. لم يلتف إلى ما تقوله، والقول قوله بلا يمين.

قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا بناء على أن المعاطاة لا تكفي في الهدايا، والأصح: الاكتفاء بها، فعلى الصحيح: يجب أن تقبل دعواها، وأن يحتاج الزوج إلى اليمين.

ثم لا فرق بين أن يكون المقوض من جنس الصداق أو من غير جنسه، ولا بين الطعام وغيره.

وعنم أبي حنيفة: أن القول فيما لا يدخر قولها، وعنه: أن القول في الإطعام قولها، عن مالك مثله.

ولو ادعى الزوج دفع الصداق إلى ولي الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة .. فالدعوى مسموعة، وإن ادعى دفعه إلى ولي البالغة الرشيدة .. لم تسمع الدعوى عليها، إلا أن يدعي إذنها، ولا فرق بين البكر والثيب.

وفي البكر وجه آخر: أنه تسمع دعواه عليها من غير أن يدعي إذنها.

قال المتولي: والمسألة تنبني على القاعدة المتقدمة: أن الأب هل له أن يعفو عن

ص: 370

فصل:

وَلِيمَةُ اَلْعُرْسِ سُنَّةٌ،

ــ

صداقها أو لا؟ فإذا جوزنا له العفو .. جاز له أن يقبض

وعند أبي حنيفة: له أن يقبض صداقها ما لم يوجد منها تصريح بالنهي عن قبضه.

ومما يتعلق بكتاب الصداق: أصدقها جارية، ثم وطئ الجارية عالمًا بالحال، فإن كان بعد الدخول .. فعليه الحد، ولا يقبل قوله: لم أعلم أنها ملكتها بالدخول إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، وإن كان قبل الدخول .. فلا حد، وعللوه بشيئين:

أحدهما: لا يبعد أن تخفي مثل هذه الأحكام على العوام.

والثاني: اختلاف العلماء؛ فإن مالكًا رحمه الله قال: لا تملك قبل الدخول إلا نصف الصداق، فإن كان عالمًا بأنها تملك جميع الصداق بالعقد .. فعلى التعليل الأول: يحد، وعلى الثاني: لا.

وحيث قلنا: يحد فأولدها .. فالولد رقيق، وعليه المهر إن كانت مكرهة، وحيث لا يحد .. فالولد نسيب حر، وعليه قيمته يوم سقوطه.

وإذا خالع زوجته المدخول بها، ثم نكحها في العدة وطلقها قبل الدخول في النكاح الثاني .. يتشطر المهر عندنا.

وقال أبو حنيفة رحمه الله: يجب جميعه.

قال: (فصل:

وليمة العرس سنة)؛ لثبوتها عن النبي صلي الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، ففي (السنن الأربعة) عن أنس:(أن النبي صلي الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر).

وفي (الصحيحين)[خ 4213 - م 1365/ 84] عنه: (أنه عليه الصلاة والسلام جعل وليمتها التمر والسمن والأقط).

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيهما عنه [خ 2048 - م 1427/ 79]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) وصرفنا عن الوجوب قوله صلي الله عليه وسلم: (ليس في المال حق سو الزكاة)، ولأنها لا تختص بالمختاجين فأشبهت الأضحية، وأمره صلي الله ليه وسلم بها محمول على تأكد الندب.

وهي في اللغة: الطعام المتخذ للعرس.

وقال الماوردي: إصلاح الطعام واستدعاء الناس لأجله، ولفظها من الولم وهو الجمع؛ لأن الزوجين يجتمعان، وهي تقع على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من إملاك وختان وغيرهما، لكن استعمالها على الإطلاق في الإملاك أشهر، وفي غيره بقيد، يقال: وليمة الختان وغيره.

ويقال لوليمة الختان: إعذار بالعين المهملة والذال المهجمة، ولدعوة الولادة: عقيقة، ولسلامة امرأة عن اطلق: خرس- بضم المعجمة - وقيل: الخرس: طعام الولادة، ولقدوم المسافر: نيقعة - بالنون - تصنع له، وقيل: هو يصنعها، ولإحداث البناء: وكيرة، ولما يتخذ في امصيبة: وضيمة - بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة - وللإملاك: ملاك، قاله أبو داوود.

وسمى في (الكفاية) طعام الإملاك: الشندخي، ولختم القرآن: حذاق، ولغير سبب: مآدبة.

ولم يعد الأصحاب الوليمة للأخوة، وينبغي أن تكون سنة؛ لما روي البخاري عن أنس قال: آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري وقال له: (أولم ولو بشاة).

والجواب: أن هذه قطعة من حدي، وتمامه: قال أنس: لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة .. آخى النبي صلي الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه سعد أن يناصفه أهله وماله، وكان له امرأتان، فقال له

ص: 372

وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ: وَاجِبَهٌ

ــ

عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، قال: فأتى السوق، فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن، فرآه النبي صلي الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة فقال:(ميهم؟) قال: تزوجت امرأة من الأنصار، قال:(ما سقت إليها؟) قال: وزن نواة من ذهب، قال:(أولم ولو بشاة).

لكن بوب عليه ابن حبان والحافظ الطبري في (الأحكام)(باب الوليمة للإخوة)، وذكرا حديث أنسن، وعلم ما فيه.

ولم يتكلم الأصحاب على استحباب الوليمة للتسري، والظاهر استحبابه، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما اصطفى صفية واختلى بها .. قال الصحابة وهم يأكلون: هل هي من أمهات المؤمنين أو من الإماء؟ فقالوا: إن حجبها .. فهي من أمهات المؤمنين، فلما حجبها .. علموا أنها منهن، فدل على أن الوليمة كانت مشروعة لكل منهما، لكن لم ينقل أنه أو لم على مارية.

ومراد المصنف بـ (العرس): الدخول، لكنه في (الشرح) عبر بـ (الإملاك)، وفسره في (اصل الروضة) بالنكاح، ووليمة الإملاك غير وليمة العرس كما صرح به الشافعي في (الأم).

قال: (وفي قول أو وجه: واجبة)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم) وظاهر الأمر الوجوب، ولأنه عليه الصلاة والسلام ما تركها في حضر ولا سفر.

وقيل: فرض كفاية إذا أظهرها الواحد في عشيرته ظهورًا منتشرًا

سقط فرضها عمن سواه، وإلا .. حرجوا بتركها أجمعين.

وتردد المصنف في كون لخلاف قولاً وجهًا تبع فيه الرافعي، والصواب: أنه قول كما صرح به الماوردي وصححه الجرجاني، وقال في (المهذب): إنه المنصصو، وهو ظاهر نص (الأم) و (المختصر).

وأما غيرها من الولائم .. فالمذهب:: القطع بنديها، وطرد المتولي فيها قول الوجوب.

ص: 373

وَاَلإِجَابَةُ إَلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: كِفَايَةِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ. وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْصِّ اَلأَغْنِيَاءَ

ــ

ولو نكح أربعًا هل يولم لكل واحدة وليمة أو تكفيه عن الجميع واحدة أو يفصل بين العقد الواحد والعقود؟ فيه نظر.

وفي (رحلة ابن الصلاح) عن الفراوي ففيه الحرم: أن وليمة العرس ليلاً أصوب؛ لأنها في مقابلة نعمة ليلية، قال تعالى:{فَإذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} وكان ذلك ليلاً.

قال: (والإجابة إليها فرض عين)؛ لما روي الشيخان [خ 5173 - م 1429/ 96] عن ابن عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس .. فليأتها).

وفي (صحيح مسلم)[1429/ 98]: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة .. فليجب).

ونقل ابن عبد البر وغيره فيه الإجماع.

قال: (وقيل: كفاية)؛ لأن المقصود ظهور الحال، وتمييز النكاح عن السفاح، وذلك يحصل بحضور البعض.

قال: (وقيل: سنة)؛ لأنه تمليك مال فلم يجب كغيره، والخبر محمول على تأكد الاستحباب، وهما بعيدان؛ لما تقدم.

وموضع الخلاف إذا قلنا: لا تجب الوليمة، فإن أوجبناها .. وجبت الإجابة جزمًا، والمذهب في سائر الولائم غير وليمة العرس: استحباب الإجابة، وبالوجوب أجاب الشيخ أبو حامد والمحاملي، وقال صاحب (البيان): إنه الأظهر، واختاره الشيخ؛ لعموم الأحاديث الصحيحة؛ ففي (صحيح مسلم) [1429/ 98]:(إذا دعا أحدكم أخاه فليجب)، وفي (سنن أبو داوود) [3731]:(عرسًا كان أو غيره).

قال: (وإنما تجب أو تسن بشرط ألا يخص الأغنياء)؛ لما روى مسلم مرفوعًا [1432/ 107]: (شر الطعام طعام الوليمة؛ يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة .. فقد عصى الله ورسوله).

فقوله: (يدعى إليها) جملة حالية مقيدة بسببها، ويخرج عن التخصص بأن

ص: 374

وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي اَلْيَوْمِ اَلأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمِ ثَلاثَةَ .. لَمْ تجَبِ ْفِي اَلثَّانِي، وَتُكَرَهُ فِي اَلْثَالِثِ

ــ

يدعو جميع عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته، أغنياءهم وفقراءهم، فلو فرض أن أهل عشيرته كلهم أغنياء كلهم أغنياء أو كان فقيهًا فدعا الفقهاء وكلهم أغنياء .. جاز، ولم يكن ذلك من التخصيص المكروه.

قال: (وأن يدعوه في اليوم الأول)؛ لما روى الأربعة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (الوليمة في اليوم الأول حق، وفي الثاني معروف، وفي الثالث رياء وسمعة).

قال الشيخ: يمكن أن يجعل قوله: (يدعوه) شرطًا ثانيًا، و (في اليوم الثالث) شرطًا ثالثًا، لأن الرافعي قال: من الشروط أن يخصه بنفسه بالدعوة، أو بأن يبعث إليه غيره، فأما إذا فتح باب الدار ونادى: ليحضر من يد أو بعث رسوله ليحضر من شاء، أو دعا إنسانًا وقال له: أحضر معك من شئت فقال لغيره: احضر .. فلا تجب الإجابة ولا تستحب؛ لأن الامتناع في هذه الحالة لا يورث التأذي والوحشة.

فلو أولم في يوم مرتين، فإن كان بسببين .. فلكل حكم، وإن كان بسبب واحد .. فالظاهر: أن الثانية كاليوم الأول.

قال: (فإن أولم ثلاثة .. لم تجب في الثاني) بلا خلاف، بل يستحب له أن يجيب، وهو دون الاستحباب في اليوم الأول إن قلنا بندبه؛ لوصف النبي صلي الله عليه وسلم الثاني بالمعروف.

قال الشيخ: وظاهر هذا الكلام أنه سواء كان المدعو في اليوم الثاني هو المدعو في اليوم الأول أو غيره، وليس في كلام أصحابنا تعرض لذلك.

وقال أصحاب مالك: لا بأس للموسر أن يولم سبعة أيام.

قال: (وتكره في الثالث)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم وصفها فيه بالرياء والسمعة، وهما منهي عنهما شرعًا؛ قال صلي الله عليه وسلم: (من راءى ....

ص: 375

وَأَنْ لَا يُحْضَرِهُ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَتَأَذَى بِهِ أَوْ لَا تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ

ــ

راءى الله به، ومن سمع .. سمع الله به) والذي قاله المصنف هو المعروف في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر) وغيرها، لكنه في (تصحيح التنبيه) أقر الشيخ على أنه خلاف الأولى.

قال: (وأن لا يحضره لخوف أو طمع في جاهه)؛ فإن ذلك ليس من صنيع المتقين، وكذلك إذا كان يحضره ليعاونه على باطل أو ظلم، وإنما يجب أو يستحب إذا كان للتقرب أو التودد المطلوب بين عموم الناس.

وقال في (الإحياء): ينبغي أن يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة؛ لتكون من أمور الآخرة، ولا يقصد قضاء الشهوة فتكون من أمور الدنيا، ويقصد إكرام أخيه بذلك وزيارته؛ ليكون من المتحابين المتزاورين في الله.

قال: (وأن لا يكون ثم من يتأذى به أولا تليق به مجالسته)، فإن كان .. فيعذر في التخلف، وأشار في (الوسيط) إلى وجه فيه، ومستند من لم يجعل ذلك عذرًا عموم الحديث، وليس من الأعذار شبعه ولا انقباضه، ولا كون الداعي عدوه، ولا أن يكون هناك عدو له، ولا كثرة الزحام، بل يحضر، فإن وجد سعة وإلا

عذر في الرجوع ..

فروع:

إذا اعتذر المدعو إلى صاحب الدعوة فرضي بتخلفه .. زال الوجوب وارتفعت كراهة التخلف.

ص: 376

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولو دعاه اثنان فصاعدًا .. أجاب الأسبق، فغن جاء معًا .. أجاب الأقرب رحمًا، ثم الأقرب دارًا كما في الصدقة.

روى أحمد [5/ 408] وأبو داوود [3750]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا اجتماع داعيان .. فأجب أقربهما إليك بابًا، فإن أقربهما غليك بابًا أقربهما إليك جوازًا، وإن سبق أحدهما .. فأجب الذي سبق).

وأقل الوليمة للمتمكن شاة، وبه يشعر قوله صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:(أولم ولو بشاة).

قال الجرجاني: وهي كشاة العقيقة في الأوصاف، فإن لم يتمكن .. اقتصر على ما قدر عليه كما أولم صلي الله عليه وسلم على صفية بسويق وتمر، وكان في السفر كما تقدم.

ولا يتعين في الضيافة وغيرها من الولائم طعام، بل الخيرة إلى المضيف والمولم، وينبغي أن يعمل ما يليق بمنصبه وحاله.

وشرط المدعو: أن يكون بالغًا عاقلاً حرًا مسلمًا لا عذر له، والعبد إذا أذن له سيده .. لزمته الإجابة، والمكاتب إن أضر الحضور بكسبه .. لم يلزمه، وإن لم

ص: 377

وَلَا مُنْكَرٌ فَإِنْ زَالَ بِحُضُورِهِ .. فَلْيَحْضُرْ

ــ

يضر .. لزمه، والسفيه تلزمه الإجابة.

قال: (ولا منكر) كشرب الخمر والملاهي؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يقعدان على مائدة يدار عليها الخمر) حسنة الترمذي [2801] وصححه الحاكم [4/ 288].

ودخل في إطلاق المصنف: إذا كان هناك من يضحك بالفحش والكذب، وبه صرح في (الأحياء)، وجعل في (شرح مسلم) من الأعذار أن يكون هناك آنية ذهب أو فضة، وقيد صاحب (التعليقة) المسألة بالموضع الذي يجلسون يه دون غيره من موضع آخر من الدار.

قال: (فإن زال بحضوره .. فليحضر)؛ إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، فغن علم قبل حضوره أنه لا يزول بحضوره وهولا يقدر على إزالته .. فالأصح: تحريم الحضور.

وقيل: إنه خلاف الأولى، كما لو كان يفعل المنكر إلى جوار داره لا يلزمه الانتقال ولا سد أذنيه، إنما ينكر بقلبه، وعلى هذا جرى بعض العراقيين، قال المصنف: وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب (التنبيه) ونحوه ممن ذكره.

وإذا قلنا بالأصح فلم يعلم به حتى حضر أو لم يوجد إلا وهو حاضر .. نهاهم، فإن لم ينتهوا .. فليخرج، وفي جواز القعود وجهان: أصحهما: التحريم، فإن لم يمكنه الانصراف كما لو كان ليلاً وخشي على نفسه .. جاز القعود مع إنكاره بقلبه ولا يسمع، فإن سمع من غير قصد .. لم يأثم.

وإن كانوا يشربون النبيذ المختلف في حله .. قال ابن كج والرافعي والمصنف: لم ينكره؛ لأنه مجتهد فيه، قال الشيخ: والصواب عندي أنه ينكره؛ لضعف دليل

ص: 378

وَمِنَ اَلْمُنْكَرِ: فَرْشُ حَرِيرٍ

ــ

أباحته، ولذلك حده الشافعي رضي الله عنه، وأي إنكار أعظم من الحد؟!

هذا إذا كان الحاضرون ممن يعتقد إباحته، فإن كانوا يعتقدون تحريمه .. فكالمنكر المجتمع على تحريمه.

قال: (ومن المنكر: فرش حرير)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم نهى أن يجلس عليه، رواه البخاري [5837].

أما على القول بأن ذلك حرام على الرجال والنساء فظاهر، ومن يقول: فراش الحرير جائز للنساء، فإن كانت الدعوة لهن فليس ذلك بمنكر عنده في حقهن، وإن كان الدعوة للرجال فهو المنكر في حقهم، ولا يكفي أن يحضر ولا يجلس عليه؛ لأن فرشه هناك إعداد للاستعمال المحرم فيجب إنكاره.

قال الشيخ: وكان شيخنا ابن الرفعة أيام زينة المحمل لا يشق المدينة ولا ينظر إلى زينتها، لأنه كان يفتي بتحريم ذلك.

فإن قيل: سيأتي في (كتاب السير): أنه إنما ينكر ما أجمع على تحريمه، وفراش الحرير مختلف فيه، فكيف جعلوه هنا منكرًا؟ فالجواب: أنهم أرادوا هنا أنه منكر يمتنع معتقد تحريمه من الحضور لأجله، ويكون عذرًا في تحلفه، وليس المراد أنه ينكر على غيره، وعلى هذا يحمل إطلاق الأصحاب.

وخرج بـ (الفرش) ستر الجدر به، وهو حرام على النوعين، فلو حذف المصنف لفظ الافتراش .. كان أولى، ولو قال المصنف:(وفرش غير حلال) كما قاله الغزالي .. كان أولى؛ ليشمل فرش جلود النمور؛ لأنه حرام كما صرح به الحليمي وابن المنذر وغيرهما، وليشمل المغصوب والمسروق.

ص: 379

وَصُوَرُ حَيوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سَتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ،

ــ

فرع:

ستر الجدران بغير الحرير م الثياب والأكسية ونحوها مكروه؛ لما روى مسلم [2107] عن عائشة: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة واللبن).

وفي (سنن البيهقي)[7/ 227] عن ابن عباس: (لا تستروا الجدران بالثياب).

قال الشافعي: ولا أكره للمدعو في هذه الحالة أن يدخلها، وقد كرهه بعضهم؛ لما فيه من الخيلاء، واقتصر عليه المصنف في (الروضة) في آخر (صلاة الخوف)، وحكى عن الشيخ نصر المقدسي التحريم.

قال: (وصور حيوان على سقف أو جدار أو وسادة أو ستر أو ثوب ملبوس) سواء كان الحيوان كبيرًا أو صغيرًا، آدميًا أو غيره؛ لقوله صلي الله عليه وسلم:(إن البيت الذي فيه الصور والتماثيل لا تدخله الملائكه).

وقالت عائشة رضي الله عنه: قدم النبي صلي الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت على صفة لي سترًا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمر بنزعها، متفق عليه [خ 2105 - م 2107/ 90].

وفي رواية لمسلم [2107/ 96]: (قالت: فقطعنا منه وسادتين، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يرتفق بهما).

وعن أبي هريرة: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلي الله عليه وسلم فعرف صوته وهو خارج فقال: (ادخل) فقال: إن في البيت سترًا فيه تماثيل، فاقطعوا رؤوسها واجعلوه بطًا أو سائد، رواه أبو داوود [4155] والترمذي [2806] والنسائي [8/ 216] والبيهقي [7/ 270] واللفظ له، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وفيما علق عن الإمام الإشارة إلى وجه في الستور والوسائد المنصوبة: أنه لا يرخص فيها، والصحيح خلافه كما قاله المصنف.

ص: 380

وَيَجُوزُ مَا عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطِ وَمِخَدَّةٍ وَمَقْطُوعِ اَلْرَّاسِ

ــ

ومراد المصنف بـ (الوسادة): المنصوبة، وهي التي يتكأ عليها، قال الرافعي: وفي معناها: الطبق والخوان والقصعة، وقد صرح به في (الإحياء)، وأما المخدة .. فيأتي حكمها.

قال في (الجواهر): ولا فرق بين أن تكون الصورة على ما استعمل لزينة أو انتفاع كستر باد أهنج أو باب أو بشخانه لوقاية حر أو برد عند الجمهور.

قال: (ويجوز ما على أرض وبساط ومخدة)؛ لقما تقدم من حديث أبي هريرة.

وفي (الصحيحين)[خ 5954 - م 2107/ 92] عن عائشة قالت: (قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام على سهوة لي فيه تماثيل، فلما رآه .. هتكه، قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسائد).

قال الشيخ: وهذا لا دليل فيه؛ لجواز أنه لما قطع .. زالت كيفية الصور، وحديث:(لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) يشمل ذلك، والمراد: ملائكة التبرك، لا ملائكة قبض الروح والحفظة بالاتفاق.

قال: (ومقطوع الرأس)؛ لأنه ليس على صورة حيوان ولا هـ ذات روح، والذي ورد النهي عنه هو التصوير، ولا شك أنه حرام في ذلك كله.

وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه؟ فيه وجهان، وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد، وبالكراهة قاتل صاحب (التقريب) والصيدلاني،

ص: 381

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ورجحه الإمام والغزالي في (الوسيط).

ولو كانت الصور في الممر دون موضع الجلوس .. فلا بأس بالدخول والجلوس، ولا تترك إجابة الدعوة بهذا السبب، وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي على بابه الصور، كذا قاله الأصحاب.

قال الشيخ: ولعل هذا محمول على من لا يقدر على إزالتها، أما من يقدر على إزالتها .. فينبغي أن يجب عليه ذلك، فإن تركه .. أثم بتركه، وليس في كلام الأصحاب مخالفة لذلك، ولا يلزم من ذلك تحريم الدخول كما قالوه، وفي صورة حيوان لم يشاهد مثله كإنسان له جناح طائر وطائر له وجه إنسان وجهان:

أحدهما: قول القاضي أبي حامد: لا يحرم.

والثاني - وبه جزم المتولي -: المنع، ولا فرق بين أن يكون للصورة بروز وظل أو لا، وخصه بعضهم بما إذا كان له بروز، وقال في (شرح مسلم): أجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره، وحيث قلنا: لا يحرم .. فهو مكروه.

وتستثنى لعب البنات؛ لما روى مسلم [2440] عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلعب بهن عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، ونقل القاضي عياض جوازه عن

ص: 382

وَصْوَرِ شَجَرٍ، وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوانٍ

ــ

العلماء، وتابعه في (شرح مسلم)؛ لأنه يقصد بها أن تألف البنات التربية وتدبير المنزل.

ولما ولي الاصطخري حسبة بغداد .. أزال سوق المنكر، وأبقى سوق اللعب لذلك.

ويستثنى ما إذا كان الإناء متخذًا على شكل صورة كما إذا كان رأس المجمرة على شكل طائر .. فهو حرام يجب كسر قدر الصورة منه.

ولا يجوز لبس الثياب التي عليها صورة حيوان للرجال ولا للنساء، قاله الشيخ أبو محمد، قال الرافعي: ولعله أولى بالمنع من الصور التي على الستور المعلقة.

قال: (وصور شجر)؛ لما روى البخاري [2225] ومسلم [2110/ 100] عن ابن عباس: أنه لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من صور صورة عذب، وكلف أن ينفخ الروح فيها، وليس بنافخ) .. أتاه رجل مصور فقال: ما أعرف صنعة غيرها، قال ابن عباس: إن لم يكن بد .. فصور الأشجار.

وفي (شرح الجويني) وجه: أن صور الأشجار مكروهة؛ لأن منهم من كان يعبد الأشجار أيضًا.

قال الأصحاب: ولا بأس بتصوير الشمس والقمر وكل ما لا روح فيه، قال الشيخ: وعندي ان تصوير الشمس مكروه؛ لأنها عبدت من دون الله.

قال: (ويحرم تصوير حيوان)؛ لما في (الصحيحين)[خ 2105 - م 2107/ 96] وغيرهما: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلفتم).

وقال صلي الله عليه وسلم: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله).

والأحاديث في تحريم التصوير كثيرة، ولما في ذلك من مضاهاة خلق الله تعالى، وسواء عمل لها رأس أم لا، خلافًا لأبي حنيفة، ولا خلاف في تحريمه على الحيطان والسقوف، ولا يستحق فاعلها أجرة.

ص: 383

وَلَا تَسْقُطُ إِجَابَةٌ بِصَوْمٍ،

ــ

وفي نسج الثياب المصورة وجهان، جوزه أبو محمد؛ لأنها قد لا تلبس، ورجح الإمام والغزالي المنع، اختاره الشيخ، وصححه المصنف في (الروضة).

وطرد المتولي الوجهين في التصوير على الأرض ونحوها، وصحح المصنف التحريم على الأرض وغيرها، قال الشيخ: وهو كما قال، ولذلك أطل في (المنهاج)، وليس لمن قال بذلك دليل يعتمد.

فائدة:

سئل الشيخ عن الجلوس والمشي على بساط فيه أشكال حروف المعجم، وربما انتظمت منها كلمات مفهومة المعنى مثل: بركة وسعادة والعز الدائم ونحو ذلك .. فقالك يحرم المشي والجلوس عليها؛ لأن هذه الحروف ينتظم منها كلام رب العالمين، وكلام سيد المرسلين صلي الله عليه وعليهم أجمعين، وكلام الملائكة المقربين، والأذكار المطلوبات، والكلمات الواجبات والمندوبات، وقد قال الفقهاء: الورقة التي فيها اسم الله تعالى لا يجوز أن تجعل كاغدًا لفضة ونحوها. أهـ.

وفي (فتاوي قاضي خان): يكره الجلوس والمشي عليها وإن كانت أحرفًا متقطعة.

قال: (ولا تسقط إجابة بصوم)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى طعام .. فليجب، فإن كان مفطرًا .. فليطعم، وإن كان صائمًا .. فليصل) رواه مسلم [1431] من رواية أبي هريرة.

معنى (يصل): يدع، وقيل: المراد: الصلاة الشرعية، وفي رواية لابن السني [489]:(فليدع لهم بالبركة).

ص: 384

فَإِنْ شَقَّ عَلَى اَلْدَّاعِي صَوْم نَفْلٍ .. فَاَلْفِطْرُ أَفْضَلُ

ــ

ويستحب أن يدعو بما رواه مسلم [2042] عن عبد الله بن بشر: أن أباه أضاف النبي صلي الله عليه وسلم فقال) اللهم؛ أغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيها رزقتهم).

ولا يكره أن يقول: إني صائم، كما إذا شتمه إنسان فليقل: إني صائم، حكاه القاضي أبو الطيب في (تعليقه) عن الأصحاب.

قال: (فإن شق على الداعي صوم نقل .. فالفطر أفضل)؛ جبرًا لخاطر أخيه المسلم، ويقضي يومًا مكانه ندبًا، لما روى الدارقطني [2/ 177] والبيهقي [4/ 177] والبيهقي [4/ 226] من رواية إبراهيم بن عبيد قال: صنع أبو سعيد الخدري طعامًا، ودعا النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، فقال رجل ممن حضر معه: إني صائم، فقال صلي الله عليه وسلم:(تكلف أخوك المسلم وتقول: إني صائم!! أفطر واقض يومًا مكانه).

فإذا لم يشق صومه .. فالأفضل إتمامه، وأما الفرض .. فيحرم الفطر فيه بالاتفاق.

وأشعرت عبارة المصنف بأن المفطر يأكل، والأصح: أنه لا يجب؛ لما صح من قوله صلي الله عليه وسلم: (فإن شاء

أكل، وإن شاء .. ترك) وقيل: يجب، واختاره المصنف في (تصحيحه).

وحكي الماوردي ثالثًا: أنه فرض كفاية، وهو حسن.

وحيث وجب .. فتكفي لقمة واحدة؛ لحصول ما ينطبق عليه الاسم، صرح به البغوي والإمام وغيرهما، ولمن حضر أن يأكل إلى حد الشبع، وتحرم الزيادة عليه، فإن أكل أكثر من شبعه .. لم يضمن الزيادة.

ص: 385

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبقي من الشروط: أن يدعوه مسمل، فإن دعاه ذمي .. فهل هو كالمسلم أولاً يجب قطعًا؟ طريقان: أصحهما: الثاني، ولا يكون الاستحباب في إجابته كالاستحباب في إجابة دعوة المسلم؛ لأنه قد يرغب عن طعامه لنجاسته وتصرفه الفاسد.

وتكره مخالطة الذمي وموادته.

ومنها: أن لا يكون الداعي فاسقًا؛ لما روى البيهقي في (الشعب)[5803] عن عمران بن حصين: (أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن الإجابة لطعام الفاسقين).

ومنها: أن لا يكون أكثر ماله حرامًا، فهذا تكره إجابته كما تكره معاملته، فإن علم أن عين الطعام حرام .. حرمت إجابته.

ومنها: أن يقصده بالدعوة كما تقدم.

وأن لا يكون المدعو تعين عليه حق كأداء شهادة أو صلاة جنازة.

وأن [لا] يخالف عن ذهابه ضياع مال أو تلفه.

وأن لا يكون المدعو قاضيًا.

وأن لا يكن الداعي امرأة والمدعو رجلاً، فلا يجيبها إذا أفضى الحال إلى خلوة محرمة.

قال في زوائد (الروضة): قال إبراهيم المروروذي: لو دعته أجنبية وليس لها هناك محرم له ولا لها ولم تخل به، بل جلست في بيت وبعثت بالطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر في دارها .. لم يجبها مخافة الفتنة، قال الشيخ: وهذا هو الصواب، إلا أن يكون الحال على خلاف ذلك كما كان سفيان الثوري وأضرابه يزورون رابعة العدوية، ويسمعون كلامها، وكان الشافعي يأتي إلى السيدة نفيسة ويسمع عليها

ص: 386

وَيَاكُلُ اُلْضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ، وَلا َيَتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَاّ بِاَلأَكْلِ،

ــ

الحديث، فإذا وجدت امرأة كرابعة ونفيسة ورجل كسفيان والشافعي .. لم يكره لهم ذلك.

قال: (ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ) اكتفاء بقرينة الحال، وفي (سنن أبي داوود): أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول .. فذلك إذن له).

وفي وجه بعيد: لابد من لفظ، وفي وجه آخر: إن دعاه إلى بيته .. لم يحتج إلى لفظ، وإلا .. وجب.

ومحل الأول إذا لم ينتظر غيره، فإن كان ينتظره .. لم يأكل ما لم يحضر أو يأذن لفظًا، إلا إذا جعلنا المعاطاة بيعًا.

وأفهمت عبارته: أنه ليس للأراذل الأكل مما قدم للأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة بهم، وبذلك صرح الشيخ عز الدين.

وأفاد قوله: (مما) أنه لا أكل الجميع، وبه صرح ابن الصباغ، ولابد من النظر في ذلك إلى العرف.

قال: (ولا يتصرف فيه إلا بالأكل)؛ لأنه المأذون فيه عرفًا، فلا يجوز أن يحمل معه شيئًا، ولا أن يطعم هره ولا سائلاً إلا بإذن، لكن يجوز أن يلقم بعض الضيفان بعضًا ما لم يفاوت بينهم في الأطعمة كما تقدم.

وهل يملك الضيف ما يأكله؟ وجهان، قال القفال: لا، بل هو إتلاف بإذن

ص: 387

وَلَهُ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رَضَاهُ بِهِ

ــ

المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يأكل، واختاره ابن الصباغ، وقال الإمام: إنه الأصح وظاهر المذهب.

وقال الجمهور: يملكه، لكن بم يملكه؟ فيه وجوه:

أحدها: بالوضع بين يديه، وهو بعيد.

وثانيها: يأخذه بيده، وكل لقمة حصلت في يده ملكها.

وثالثها: بوضعه في فيه، وصححه القاضي.

ورابعهما: بالمضغ.

وخامسها: بالازدراد، يتبين حصول الملك قبله، ورجحه المتولي.

وسادسها: بهما، وتظهر فائدة الأوجه في الرجوع.

قال: (وله أخذ ماي علم رضاء به)، لأن مدار الباب على طيب النفس، فمتى علم ذلك بالقرائن .. كفى، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال، وبمقدار الأموال، وحال المضيف والدعوة، فإن تردد في وقوعه في حال المسامحة .. فوجهان: أظهرهما: أنه يحرم.

قال الغزالي: وإذا علم رضاه .. فينبغي مراعاة العدل والنصفة مع الرفقة، فلا ينبغي أن يأخذ إلا ما يخصه أو ما يرضى به رفيقه عن طوع لا عن حياء.

ولا يجوز التطفل، وهو إتيان الإنسان طعامًا لم يدع إليه، إلا إذا كان بينه وبين صاحب الدار انبساط وعلم أنه لا يكره ذلك، فإن تبع المدعو غيره .. لم يمنعه ولم

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يأذن له، بل يعلم به الداعي، ويستحب له أن يدعوه إن لم يكن فيه ضرر، وهذا التابع للضيف اسمه عند العرب: ضيفن.

وتحرم زلة الصوفية، وهو حملهم ما أحضر لهم للأكل إلى بيوتهم مع تناولهم قدر كفايتهم، إلا أن يؤذن لهم في ذلك، وإذا تكرر التطفل .. ردت به شهادته؛ لأنه يأكل محرمًا إذا كانت دعوة رجل بعينه فأما إن كان طعام سلطان أو رجل يتشبه بالسلطان فيدعو الناس .. فهذا مباح ولا بأس به.

ومن آداب الضيف: أن لا يخرج إلا برضا صاحب الدار وإذنه، ويسن للمضيف أن يشيعه عند خروجه إلى باب الدار، وينبغي للضيف أن لا يجلس في مقابلة حجرة النساء وسترهن، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي خرج منه الطعام.

ويستحب أن يكون على المائدة البقل، وإذا دخل الضيف .. عرفه صاحب المنزل القبلة الماء وموضع الوضوء.

ومن آداب الأكل: أن يغسل يديه قبله وبعده، وغسل الإمام مالك يديه قبل الطعام قبل القوم، وغسلهما بعده بعدهم وقال: هو أولى، ويقول في ابتدائه: باسم الله، والأولى أن يضم إليها: الرحمن الرحمي، وقال الغزالي: يقول مع اللقمة: الأولى باسم الله، ومع الثانية: باسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم.

ويستحب أن يسمى كل من الأكلين من كبير وصغير وطاهر وحائض وجنب، فإن سمى واحد منهم حصل أصل السنة؛ لأنها سنة على الكفاية، ويتسحب الجهر بها، فإن تركت في أوله .. استحبت في أثنائه فيقول: باسم الله أوله وآخره.

وأن ينوي بأكله وشربه التقوي على طاعة الله، وأن يدعو لصاحب الطعام إن كان ضيفًا فيقول: أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيمن عنده.

ويكره أن يأكل متكئًا، وقيل: إنه ليس من عادة العرب، وأن يأكل مما يلي أكيله، وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى الثريد ونحوه، وأن يأكل قائمًا، ولا بأس بذلك في الفواكه، ويكره أن يعيب الطعام، وأن يقرن بين تمرتين ونحوهما.

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويستحب أن يأكل ويشرب باليمين إلا لعذر، وأن يأكل بأصابعه الثلاث، قال الغزالي: ويبدأ بالملح ويختم به، ولا يكره الأكل على المائدة وإن كان بدعة.

ويكره أن يتنفس في الإناء، وأن ينفخ فيه، ولا يكره الشرب قائمًا، وحملوا النهي الوارد فيه على حالة السير، كذا قاله الرافعي، واختار المصنف أن الشرب قائمًا خلاف الأولى.

ويستحب أن يطيل مضغ القمة، ولا يهوي بيده إلى غيرها حتى يبتلعها، ولا يقطع اللحم، ولا يوضع على الخبز إلا ما يؤكل به، ولا ينفخ الطعام الحار، ويأكل التمر وترًا، ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق.

ويستحب أن يأكل اللقمة الساقطة ما لم تتنجس ويتعذر تطهيرها، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه أو يلعقها.

ويكره أن يفعل ما يستفذره غيره، فلا ينفض يده في القصعة، ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه، ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ولا عكسه.

وينبغي التحدث على الطعام بما لا إثم فيه، ويكره أن يذكر عليه شيئًا من المستقذرات، وأن يبصق أو يتمخط في تلك الحالة إلا لضرورة.

ولا يكره غسل اليد بالأشنان والنخالة ونحوها؛ ففي (سنن أبي داوود)[317]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر امرأة أن تجعل في الماء ملحًا ثم تغسل به الدم).

والأولى أن لا يأكل الإنسان وحده، وأن لا يرتفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز على جلسائه بنوع إلا لحاجة كدواء ونحوه، وأن يمد الأكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الأكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام.

ويستحب الترحيب بالضيف، وحمدًا لله تعالى على حصوله ضيفًا عنده، وسروره به، وثناؤه عليه، وفي (الصحيحين) [خ 6018 - م 47]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليكرم ضيفه).

ص: 390

وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي اَلإِمْلَاكِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي اَلأَصَحِّ، وَيَحِلُّ اَلْتِقَاطُهُ،

ــ

ويستحب أكل القثاء بالرطب؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم فعله، واستدل به على جواز الجمع بين طعامين.

والشراب بثلاثة أنفاس يحصل له فيها عشر حسنات: تسمية الله تعالى في الابتداء ثلاثًا، وحمده سبحانه في الآخر ثلاثًا، وإبانته القدح عن فيه مرتين، وتنفيسه مرتين؛ امتثالاً للأمر.

وإذا شرب .. تناوله الأمين فالأيمن، ويكون الساقي آخرهم شربًا.

قال: (ويحل نثر سكر وغيره في الإملاك) قال الماوردي: أجمع عليه الأصحاب في العرس والختان.

وفي (سنن البيهقي)[7/ 287] عن عائشة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا تزوج .. نثر تمرًا).

و (النثر) بالثاء المثلثة: مصدر نثر ينثر، ومعناه: الرمي متفرقًا، و (غير السكر) كالجوز واللوز، والزبيب وفي معناه، حكى في (البحر): أن أعرابيًا تزوج فنثر الزبيب ثم أنشأ يقول [من الطويل]:

ولما رأيت السكر العام قد غلا

وأيقنت أني لا محالة ناكح

نثرت على عرسي الزبيب لرفقتي

وقلت: كلوا أكل الحلاوة صالح

وألحق المسعودي بذلك نثر الدراهم والدنانير، وسكت عنه الأكثرون

قال: (ولا يكره في الأصح)؛ لأنه لم يرد فيه نهي مخصوص، لكنه خلاف الأولى بسبب أنه يورث العداوة والوحشة، وربما أخذه من غيره أحب إلى صاحب التثار.

والثاني: يكره للنهي عن أسباب التقاطع، وهذا منصوص (الأم)، وقال: الصميري: يستحب والالتقاط مكروه، وهو مذهب بعيد، ولمي قل أحد بتحريمه.

قال: (ويحل التقاطه)؛ لأن مالكه إنما نثره لمن يأخذه.

ص: 391

وَتَرْكُهُ أَوْلَى.

ــ

قال: (وتركه أولى) المراد: ترك المذكور من النثر والالتقاط، إلا إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض ولم يقدح الالتقاط في مروءته.

قال البيهقي: وليس في إباحتهما حديث صحيح، والذي في (البخاري) [2474]:(أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة).

قال: وجميع ما ورد من الرخصة فيه ضعف نحو قول معاذ: أن النبي صلي الله عليه وسلم حضر إملاك رجل من أصحابه، فجيء بأطباق عليها فاكهة وسكر - وفي رواية: عليها وز ولوز وتمر - فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (انتبهوا) فقالوا: يا رسول الله؛ لأنك نيهت عن النهبى! فقال: (إنما نهيتكم عن نهبي العساكر، أما العرسان

فلا، خذوا على اسم الله) قال: فجاذبنا وجاذبناه.

وممن كرهه مالك، وممن لم يكرهه أبو حنيفة وابن المنذر، وعن أحمد روايتان، وقال ابن سيرين: أدركت قومًا صالحين إذا أتوا بالسكر وضعوه وكرهوا النثار.

وعلى كل حال: ومن التقطه .. ملكه بالأخذ على الأصح؛ اعتبارًا بالعادة.

وقيل: لا؛ لأنه لم يوجد لفظ تمليك، فعلى هذا: للناثر الاسترجاع، قال ابن كج: ما لم يخرج به من المنزل، وعليه الغرم إن أتلفه.

ومن وقع في حجره شيء منه، فإن بسطه لذلك .. لم يبطل حقه في الأصح، فيمتنع على غيره أخذه، وإن سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه أو قام فسقط .. بطل اختصاصه، ومن لم يأخذه عادة ولا يرغب فيه .. لا اختصاص له به.

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تتمة:

لم يتعرض الفقهاء لوقت وليمة العرس، والصواب: أنها بعد الدخول، قال الشيخ: وهي جائزة قبله وبعده، ووقتها موسع من حين العقد كما صرح به البغوي، والظاهر: أنها تنتهي بانتهاء مدة الزفاف للبكر سبعًا وللثيب ثلاثًا، وبعد ذلك تكون قضاء.

وقد بوب البيهقي (باب وقت الوليمة)، وأسند فيه عن أنس:(أن النبي صلي الله عليه وسلم بنى بامرأة، ثم أرسله فدعا رجالاً إلى الطعام) وظاهره: أنه بعد الدخول، ورواه البخاري [5170] في تفسير (سورة الأحزاب) عنه، وصرح بأنه أو لم على زينب صبيحة بنائه بها، وفي (الصحيحين) [خ 2235 - م 1365/ 84]:(أنه لما اصطفى صفيه لنفسه وبنى بها .. صنع حيسًا في نطع صغير، ثم دعاهم فأكلوا).

خاتمة

النقوط المعتاد في الأفراح .. قال الشيخ نجم الدين البالسي: إنه كالدين، لدافعه أن يطالب به القابض، قال: ولا أثر للعرف في ذلك؛ فإنه مضطرب، فكم يدفع النقوط ثم يستحي أن يطالب به.

***

ص: 393

كتاب القسم والنشوز

ص: 395