الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّلَاقِ
يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكْلِيفُ
ــ
كتاب الطلاق
هو في اللغة: حل القيد والإطلاق، يقال: ناقة طالق، أي: مرسلة ترعى حيث شاءت.
وفي الشرع: اسم لحل قيد النكاح، وهو لفظ جاهلي ورد الشرع باستعماله يقال: طلقت المرأة بفتح اللام على الأصح- ويجوز ضمها- تطلُق بالضم فيهما فهي طالق وطالقة.
قال الأعشى في (ديوانه)] 216 [من (الطويل):
أجارَتَنا بِينِي فإنك طالقة .... كذاك أمور الناس غاد وطارقة
والأصل فيه من الكتاب العزيز قوله:} الطَّلَقُ مَرَّتَانِصلى {.
وقوله:} يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ {.
ومن السنة النبوية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها) رواه ابن عساكر] 3/ 204 [وغيره، وروى الحاكم] 2/ 196 [والدارقطني] 4/ 35 [وأبو داوود] 2171 [والحافظ المنذري] 2/ 719 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق).
وفي (الصحيحين)] خ 3331 - م 1468 [حديث: (المرأة خلقت من ضلع إن أقمتها .. كسرتها، وإن تركتها .. استمتعت لها على عوج فيها وكسرها طلاقها) ولا خلاف بين المسلمين فيه.
قال: (يشترط لنفوذه التكليف) فلا يقع طلاق الصبي ولا المجنون تنجيزاً ولا تعليقاً؛ لأن عبارتهما غير معتبرة، والقلم مرفوع عنهما فلا يلزمهما حكم.
إِلَاّ السَّكْرَانَ
ــ
وفي (الترمذي)] 1191 [موقوفاً: (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه).
وكذلك الحكم في كل زائل العقل، لكن قد يتصور طلاق النائم والمغمى عليه والمجنون فيما إذا علق طلاقها في حال التكليف بصفة فوجدت وهو غير مكلف.
ويشترط الاختيار، فلا ينفذ من المكره كما سيأتي.
قال: (إلا السكران) فإنه ينفذ طلاقه في الأظهر؛ لإجماع الصحابة على مؤاخذته بالقذف، وهذا الاستثناء من زيادته على (المحرر) و (الشرحين).
قال في (الروضة): كذا اقتصر عليه الغزالي وغيره، وقد يورد عليه السكران؛ فإنه يقع طلاقه على المذهب وهو غير مكلف كما قاله أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول، ولكن مرادهم أنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا هنا: أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد. اهـ
وما قاله عن الأصوليين فيه نظر، فجمهورهم على أنه مكلف وهو المنصوص،
وَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَبِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ:
ــ
وبه صرح الجويني والقاضي حسين في (باب الأذان)، وابن الصباغ والجرجاني وابن أبي عصرون وصاحب (الإستقصاء) وغيرهم في هذا الباب، فالصواب: حذف هذا الاستثناء.
قال: (ويقع بصريحه بلا نية) حتى لو قال: لم أنو به طلاقاً .. لم يقبل بالإجماع، واحتج له الخطابي بقوله تعالى:} وَلَا تَتَّخِذُ?اءَايَتِ الله هُزُواًج {، ولأنا لو لم نقل بذلك .. لتعطلت الأحكام، ولم يخالف في ذلك إلا داوود؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(الأعمال بالنيات).
فإن قيل: قول الغزالي: (لا بد من قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق) كيف يجمع بينه وبينقولهم: الصريح لا يحتاج إلى نية؟ .. أجاب الشيخ بأنه لا منافاة بين الكلامين؛ فإنه احترز بـ (قصد اللفظ) عن سبق اللسان ومن جريان اللفظ من النائم والعجمي الذي لا يعرف مدلوله.
وقوله: (لمعناه) يريد به المعنى الذي وضع له، وليس المراد اشتراط نية الطلاق كما في الكناية، بل إذا قال: أنت طالق .. فيه ثلاثة أشياء: النظق بالحروف وكونها مستعملة في معناها وقصد إيقاع الطلاق.
فقصد إيقاعه لا يشترط وهو الذي يحتاج إليه في الكناية دون الصريح، وقصد اللفظ لا بد منه، واستحضار معناه شرط أيضاً وهو المراد بقوله:(لمعنى الطلاق) أي: مستعملاً لمعناه لا من حيث إرادة الإيقاع بل قصد أن ينطق بهذا اللفظ مستعملاً له في معناه.
نعم؛ يستثنى المكره، فصريح الطلاق كناية في حقه، إن نوى به .. وقع، وإلا .. فلا على الأصح.
قال: (وبكناية بنية)؛ لما روى البخاري] 5254 [عن عائشة: أن ابنة الجون لما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم .. قالت: أعوذ بالله منك، قال:(لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك) فكان ذلك طلاقاً لها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أراد الفراق، فإن لم ينوه .. لم يقع بالإجماع.
ووقع في (الوسيط) في أول (كتاب النكاح): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها .. علمها نساؤه أن تقول له ذلك عند لقائه، وقلن: هذه كلمة تعجبه، فاتفق ما اتفق وهذه الزيادة في (طبقات ابن سعد)] 8/ 144 [بإسناد ضعيف.
وروى الشافعي] أم 7/ 236 [عن مالك بلاغاً: أن رجلاً على عهد عمر يطوف إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال: من أنت؟ قال: أنا الذي أمرت بحملي إليك، فقال: أَنشدك برب هذا البيت هل أردت بحبلك على غاربك الطلاق؟ فقال لو استحلفتني على غير هذا المكان .. ما صَدَقْتُك، أردت الفراق، فقال عمر: هو ما أردت، بانت منك امرأتك.
ومن (الصحيحين)] خ 4418 - م 2769 [: أن كعب بن مالك قال لامرأته: الحقي بأهلك حتى يقضي الله ما يشاء، ولم يقع به طلاق؛ لأنه لم ينوه، فكذا بقية الكنايات.
وعن ابن سيرين ومالك: أن الطلاق يقع بمجرد النية من غير احتياج إلى لفظ، ويرد عليهما ما في (الصحيحين)] خ 2528 - م 127 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به) فهذا الحديث حجة لعدم المؤاخذة بذلك في كل ما له متعلق في الخارج.
وأما ما لا متعلق له في الخارج من أعمال القلوب .. فمنها ما يؤاخذ به قطعاً ولا يندرج تحت الحديث.
قال الشيخ: وكثير من الناس يغلطون فيه ويجرون القسمين مجرىً واحداً، حتى رأيت شيخنا الشيخ علم الدين العراقي صنف كتاباً في المؤاخذة بالعزم، وذكر من القرآن أربع مئة وخمسين موضعاً يدل له، وأكثرها مما هو من أعمال القلوب.
فَصَرِيحُهُ: الطَّلَاقُ، وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ عَلَى الْمَشْهُورِ
ــ
تنبيهات:
أحدها: المراد بالكناية: ما احتمل معنيين فصاعداً، وهي في بعض المعاني أظهر، كذا قاله الرافعي في آخر الركن الرابع.
الثاني: يستثنى السكران؛ فإنه لا يقع طلاقه بالكناية، قاله في (المطلب) ونوزع فيه.
الثالث: لنا طلاق يقع على زوج من غير لفظ صريح ولا كناية، وهي: إذا اعترف الزوج بفسق شاهدي العقد وأنكرته المرأة كما تقدم.
وكذلك إذا زوج الأمة ثم قال: نكحتها وأنا واجد طَول حُرة .. فإنه يجعل طلاقاً، بخلاف ما إذا ادعت المرأة زوجية رجل فأنكر .. لم يكن طلاقاً على الأظهر، ولم يحل لها نكاح غيره، كذا في (فتاوى القفال).
قال: (فصريحه: الطلاق)؛ لإجماع العلماء عليه، المراد: ما اشتق من لفظه من فعل واسم فاعل واسم مفعول.
قال: (وكذا الفراق والسراح على المشهور)؛ لورودهما في القرآن وتكررهما على ألسنة حملة الشرع.
وفي (مراسيل أبي داوود)] 220 [: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى:} الطَّلَقُ مَرَّتَانِصلى {قيل: أين الثالثة يا رسول الله؟ قال:} أَوْ تَسْرِيُح بِإِحْسَنٍ {فسماه الشارع طلاقاً وهذا هو الجديد.
والثاني: أنهما كنايتان؛ لاستعمالهما فيه وفي غيره كالحرام، وهذا قديم، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر، فلو قال الكافر: لم أرد بالطلاق معناه .. لم يسمع.
كطلقتك وأنت طالق ومطلقة ويا طالق، لا أنت طلاق والطلاق في الأصح
…
ــ
تنبيهان:
أحدهما: تقدم أن لفظ الخلع مع ذكر المال صريح، وكذا إن يذكر معه المال على مقتضى تفريغ الأكثرين وإن كان في (الروضة) خلافه، فكان ينبغي أن يذكره هنا كما فعل في (المحرر).
الثاني: تستثنى مسألتان لا يكون لفظ الطلاق فيهما صريحاً مع النية:
إحداهما: لو لقن كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها ولم يعلم أن معناها الطلاق ولكن نوى بها قطع النكاح .. فإنه لا يقع، كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها وقال: أردت بها الطلاق.
والثانية: العجمي إذا قال: أنت طالق وقال: أردت بهذه اللفظة مدلولها بالعربية .. لا يقع على الأصح؛ لأنه لا يعلم معناها، وهذا غريب لفظ أريد به معناه ولا ينفذ؛ لجهله بأن الكلمة موضوعة لذلك المعنى.
قال: (كطلقتك وأنت طالق ومطلقة) أي: بتشديد اللام (ويا طالق) ومثله يا مطلقة، فصراحة (طلقتك) و (أنت طالق) بالإجماع، وأما (أنت مطلقة) و (يا طالق) .. فعن أبي حنيفة: أنهما ليسا بصريح، وعندنا وجه مثله، لكن صراحة (يا طالق) محله فيمن لم يكن اسمها، فإن كان اسمها طالق .. فهو كناية.
قال: (لا أنت طلاق والطلاق في الأصح) بل هما كنايتان؛ لأن المصادر غير موضوعة للأعيان، لكنها قد تجيء بمعنى اسم الفاعل كقوله تعالى:} قُلْ أَرَيَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً {أي: غائراً، قال الشاعر (من الطويل):
فأنت طلاق والطلاق عزيمة .... ثلاثاً ومن يخرق أعق وأظلم
فبيني بها أن كنت غير رفيقة .... فما لامرىء بعد الثلاثة مقدم
والوجه الثاني: أنهما صريحان كيا طالق، وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ لأن لفظ الطلاق لا يطلق كيف ما فرض إلا للفراق، فإذا جرى على خلاف المألوف .. فالاعتبار بأصل الكلمة، ويجريان في (أنت طلقة) وفي (أنت الفراق والسراح).
وترجمة الطلاق بالعجمية صريح على المذهب. وأطلقتك وأنت مطلقة كناية.
وَلَوِ اشْتَهَرَ لَفَّظُ الطَّلَاقِ كَالْحَلَالِ أَوْ حَلَالُ اللهِ عَلَىَّ حَرَامٌ .. فَصَرِيحٌ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
قال: (وترجمة الطلاق بالعجمية صريح على المذهب) وكذا سائر اللغات؛ لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغة.
والثاني: ليست صريحة؛ لأن اللفظ الوارد في القرآن عربي.
قال: (وأطلقتك وأنت طالق) أي: بإسكان الطاء فيهما وتخفيف اللام (كناية)؛ لعدم الاشتهار، وقيل: صريح؛ لتقارب الإطلاق والتطليق كالإكرام والتكريم.
قال: (ولو اشتهر لفظ الطلاق كالحلال أو حلال الله علىَّ حرام .. فصريح في الأصح)؛ لغلبة الاستعمال وحصول الفهم، ونظيره: أنت علي حرام، والحرام يلزمني، وعليَّ الحرام، ووافق ابن الرفعة الرافعي في ذلك.
قال: (قلت: الأصح: أنه كناية والله أعلم)؛ لأنها لم تتكرر في القرآن ولا على ألسنة حملة الشرع، هذا عليه الأكثرون، وهو منصوص (الأم) والبويطي، وللخلاف التفات إلى أن الاصطلاح الخاص هل يقضى به كالاصطلاح العام؟ وأصله مسألة صداق السر والعلانية.
قال الروياني: كان القفال يقول إذا استفتي عن هذه المسألة: إذا سمعت غيرك حلف بهذا ما كنت تفهم منه؟ إن فهمت منه الصريح .. فصريح لك، واختار هذا الأستاذ أبو إسحق وكثير من فقهاء خراسان، ومما تعم به البلوى: عليّ الطلاق والطلاق يلزمني.
وفي (شرح الكفاية) للصيمري: أن ذلك صريح، وهو الصواب المفتى به في هذا الزمان؛ لاشتهاره في معنى التطليق.
وأفتى الشيخ الطوسي تلميذ محمد بن يحيى وابن الصلاح بعده بأنه لا يقع بذلك شيء؛ لخروج اللفظ عن صيغة الاشتراط.
وَكِنَايَتُهُ كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَتْلَةٌ، بَائِنٌ، اعْتَدِّي، اسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ،
ــ
وفي (البحر) عن (المنثور) للمزني: إن نوى .. كان طلاقاً، وإلا .. فلا.
قال: (وكنايته كأنت خلية) أي: من الزوج، فعيلة بمعنى فاعلة؛ أي: خالية، وجعلت كناية؛ لاحتمال أنها خالية من غيره.
والكناية تنقسم إلى خلية وحفية، فالخلية: التي يكثر استعمالها في الفراق وهذه منها، والحفية بعد ذلك.
قال: (برية) أي: من عصمتي وزوجيتي.
قال: (بتة) أي: مقطوعة الوصلة من نكاحي.
وفي الحديث: أن ركانة بن عبد يزيد طلق زوجته سهيمة بنت عويمر البتة، فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت إلا واحدة فجعلها واحدة، ثم طلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان، رواه الشافعي (شم 1/ 153) والراقطني] 4/ 33 [وأبو داوود] 2189 [والترمذي] 1177 [وابن ماجه] 2501 [والحاكم] 2/ 199 [وقال: صحيح، وقال البخاري وأحمد: إنه مضطرب الإسناد.
وفي (شرح أدب الكاتب): أن سيبويه قال: لا يجوز إلا البتة بالألف واللام، وأجاز الفراء بتة بغير ألف ولام.
قال (بتلة) أي: متروكة النكاح، ومنه نهي عن التبتل.
والمرأة البتول: المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم، وبها سميت مريم أم المسيح عليهما السلام، وسميت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى.
قال: (بائن) أي: مفارقة من البين وهو الفراق.
وبائن هي اللغة الفصيحة كطالق، ويجوز في لغة قليلة بائنة.
قال: (اعتدي، استبرئي رحمك) هذان اللفظان يحتاجان لإضمار؛ لأن الاستعداد والاستبراء من آثار الطلاق فذكرهما يقتضي إضمار الطلاق لاستحالة وجودهما بدونه وكأنه قال: اعتدي واستبرئي؛ لأني طلقتك، وسواء المدخول بها وغيرها.
اَلْحَقِي بِأَهْلِكِ، حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، لَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ، اعْزُبِي، اغْرُبَي، دَعِينِي، وَدِّعِينِي، وَنحْوِهَا
ــ
وقيل: إن لم يدخل بها .. لم يقع به طلاق وإن نوى.
قال: (اِلحقي بأهلك) سواء كان لها أهل أم لا؛ لحديث كعب بن مالك المتقدم، وهو بكسر الهمزة وفتح الحاء.
قال: (حبلك على غاربك) أي: خليت سبيلك بالطلاق كما يخلى البعير بالصحراء بإلقاء زمامه على غاربه، وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العنق.
قال: (لا أنده سربك) أي: تركتك فلا أهتم بشأنك؛ لأني طلقتك.
ومعنى (أنده) أزجر، و (السرب) بفتح السين: الإبل.
وكان هذا طلاقهم في الجاهلية، كانوا إذا قال أحدهم ذلك لامرأته .. بانت منه، لكنها الآن كناية خفية؛ لقلة استعمالها، وألحق بها ابن الصباغ قوله لها: سلام عليك؛ لأنه يستعمل عند الفراق، ولذلك قالها إبراهيم عليه لأبيه؛ لأنها تحية مفارق، ولذلك قال النقاش: حليم خاطب سفيهاً مثل:} وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَماً {.
قال: (اعزبي، اغربي) الأولى بعين مهملة وزاي؛ أي: ابعدي، والثانية بمعجمة وراء مهملة؛ أي: صبري غريبة مني وفيه معنى البعد.
قال: (دعيني) أي: اتركيني.
قال: (ودِّعيني) من الوداع.
قال: (ونحوها) أشار به إلى أن ألفاظ الكنايات لا تنحصر في ذلك، فمنها: أنت كالميتة، واستتري، وتقنعي، وتجرعي، وابعدي، واذهبي، وتجردي، وتزودي، واخرجي، وسافري.
ومنها: لفظ العفو والإبراء، فإذا قال: عفوت عنك، أو أبرأتك، ونوى الطلاق .. وقع، ولا تكاد ألفاظها تنحصر.
وقال جد الروياني: إذا قال: أوقعت الطلاق في قميصك أو ثوبك .. كان كناية.
وَالإِعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ
ــ
وعد ابن القاص منها: أغناك الله؛ لقوله تعالى:} وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلَاً مِّن سَعَتِهِج {.
واحترز بقوله: (ونحوها) عما لا إشعار له بالطلاق ككلي واشربي، فلا يقع به طلاق وإن نواه؛ لأن مثل ذلك لا يعبر به عنه، وعما إذا أضاف إلى الكناية ما يدل على المراد كقوله: أنت بائنة بينونة لا تحلي لي أبداً .. فإنه لا يخرجه بذلك عن الكناية، بخلاف ما تقدم في (الوقف) أنه إذا قال: تصدقت بكذا .. كان كناية فإن زاد: لا يباع ولا يوهب .. فالأصح: صراحته.
وعلم من إطلاق المصنف أن الكنايات لا تلحق بالصرائح بسؤال المرأة الطلاق، ولا بقرينة اللجاج والغضب؛ لأن اللفظ محتمل في نفسه، وقد يقصد المتكلم باللفظ خلاف ما تشعر به القرينة، وألحق مالك وأحمد الكنايات بالصرائح بذلك.
قال: (والإعتاق كناية طلاق وعكسه)؛ لأن كلاً منهما وضع لإزالة الملك فناب أحدهما مناب الآخر، فصريح العتق كناية في الطلاق بلا خلاف.
وأما صرائح الطلاق وكناياته .. فهي عندنا كناية في العتق، فإذا قال لأمته: أنت طالق أو طلقتك ونوى العتق .. عتقت، خلافاً لأبي حنيفة إلا في قوله: لا ملك لي عليك، أو لا سلطان؛ فإنه يوافق على أنهما كناية في العتق.
ويستثنى لفظ الاعتداد واستبراء الرحم فلا يعتق بهما العبد؛ لاستحالة معناهما في حقه بخلاف الأمة، وكذلك يستثنى إذا قال لعبده أو أمته: أنا منك حر، أو أعتقت نفسي ونوى العتق .. فالأصح: لا عتق بخلاف الزوجة؛ لأن الزوجية تشمل الجانبين، بخلاف الرق؛ فإنه يختص بالمملوك.
ولو وكل سيد الأمة زوجها في عتقها فطلقها أو أعتقها وقال: أردت به الطلاق والعتق معاً .. وقعا ويصير كإرادة الحقيقة والمجاز باللفظ الواحد.
قال: (وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه)؛ لأن كل واحد منهما وجد نفاذاً في موضوعه فلا يعمل في غيره بالنية.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَىَّ حَرَامٌ، أَوْ حَرَّمْتُكِ وَنَوَى طَلَاقاً أَوْ ظِهَاراً .. حَصَلَ، أَوْ نَوَاهُمَا .. تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ- وَقِيلَ: طَلَاقٌ، وَقِيلَ: ظِهَارٌ- أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا .. لَمْ تَحْرُمْ
ــ
قال: (ولو قال: أنت علي حرام، أو حرمتك ونوى طلاقاً أو ظهاراً .. حصل) أي: ما نواه فيهما؛ لأن التحريم ينشأ عن الطلاق وعن الظهار بعد العود، فصحت الكناية عنهما من باب إطلاق المسبب على السبب.
وفي وجه: لا يقع به الطلاق إذا قلنا: إنه صريح في اقتضاء الكفارة، فإن قال: أنت حرام ولم يقل: عليَّ .. فهو كناية بلا خلاف، وإن قال: أنت علي كالميتة أو الدم أو الخنزير أو الخمر .. فكما لو قال: أنت علي حرام.
قال: (أو نواهما .. تخير وثبت ما اختاره)؛ لاستحالة توجه القصد إلى الظهار واللاق، وللإمام احتمال أن لا يقع واحد منهما.
هذا إذا نواهما دفعة، فإن نواهما مرتباً .. فعن ابن الحداد: إن تقدم الظهار .. حصلا، أو الطلاق .. فالظهار موقوف، فإن راجع .. فصحيح والرجعة عود، وإلا .. فلغو.
وقال الشيخ أبو علي: لا فرق بين أن ينويهما دفعة أو مرتباً، ووافقه على ذلك الرافعي في (الشرح الصغير)، وكذلك أطلق في (المحرر) وتبعه المصنف.
قال: (وقيل: طلاق)؛ لأنه أقوى إذ هو يزيل الملك.
قال: (وقيل: ظهار)؛ لأن الأصل بقاء النكاح، والتصريح بهذين الوجهين من زوائد المصنف على (المحرر)؛ فإنه جعل التخيير أظهر ولم يذكر مقابله.
ووجه رابع: يثبت ما أقر به أولاً، فإن قال: أردت الطلاق والظهار .. وقع الطلاق، وإن قال: أردت الظهار والطلاق .. لزمه الظهار.
قال: (أو تحريم عينها .. لم تحرم)؛ لأن الأعيان لا توصف بذلك.
وفي (سنن النسائي)] 6/ 151 [عن ابن عباس: أن رجلاً قال له: إني جعلت امرأتي علي حراماً فقال: كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا:} يَأَيُّهَا اَلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَ اللهُ لَكَصلى {الآية.
وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَا إِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فِي الأَظْهَرِ، وَالثَّانِي: لَغْوٌ. وَإِنْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقَهَا .. ثَبَتَ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ .. فَكَالزَّوْجَةِ
ــ
وكذلك الحكم لو نوى تحريم فرجها أو وطئها، وكذا لو قال لها: الحل منك علي حرام.
قال: (وعليه كفارة يمين)؛ لقوله تعالى:} قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْج {.
وروى النسائي] سك 8857 [عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم مارية على نفسه .. أنزل الله تعالى الآية.
وقاس الشافعي تحريم الزوجة على تحريم الأمة.
والمراد: مثل كفارة اليمين، وليست هذه يميناً، وما وقع في (الوسيط) من كونها يميناً خلاف الصواب؛ لأن اليمين لا تنعقد إلا باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته.
ثم هل تجب الكفارة في الحال أو بعد الوطء؟ وجهان: أصحهما: الأول؛ لأن الله تعالى فرضها دون شرط الإصابة.
قال: (وكذا إن لم تكن نية في الأظهر)؛ لعموم ما تقدم من تحريم مارية.
وفي (الصحيحين)] خ 4911 - م 1473 [عن ابن عباس: أنه كان يقول: في ذلك كفارة يمين وقال:} لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {، ولأن لفظة التحريم صريحة في وجوب الكفارة فلا معنى للنية.
وروى البيهقي] 7/ 351 [: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت الآية أمر كل من حرم على نفسه ما كان حلالاً أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم).
قال: (والثاني: لغو)؛؟ لأنه لو كان صريحاً .. لما انصرف إلى غيره بالنية. وفي قول: يجب في الأمة دون الزوجة للآية.
قال: (وإن قاله لأمته ونوى عتقها .. ثبت)؛ إذ الأعمال بالنيات، وهذا لا خلاف فيه.
قال: (أو تحريم عينها أو لا نية .. فكالزوجة) فلا تحرم، وعليه كفارة يمين في الأولى وكذا في الثانية على الأظهر.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوِ الطَّعَامُ أَوِ الْعبْدُ عَلَيَّ حَرَامٌ .. فَلَغْوٌ
ــ
كل هذا في أمة تحل له، فإن كانت محرمة عليه على التأييد كالأخت .. لم يلزمه شيء؛ لصدقه في وصفها، وإن كانت معتدة أو مرتدة أو مجوسية أو مزوجة أو صائمة أو حائضاً أو نفساء .. فثلاثة أوجه:
أحدها: أن الجواب كذلك.
الثاني: تجب الكفارة.
والثالث: أن التحريم إن كان سريع الزوال كالصوم والحيض والنفاس .. وجبت، وإن كان بطيئه كالنكاح والعدة .. لم تجب.
ويجري الخلاف فيما إذا قال لزوجته وهي متصفة بشيء من هذه الصفات التي يمكن اتصافها به كعدة الشبهة والإحرام، ولو خاطب الرجعية به .. لم يلزمه شيء.
قال: (ولو قال: هذا الثوب أو الطعام أو العبد علي حرام .. فلغو) لا يتعلق به كفارة ولا غيرها؛ لما روى الترمذي] 3054 [عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إني إذا أصبت اللحم .. انتشرت للنساء وأجد شهوة، وإني حرمته على نفسي، فأنزل الله تعالى:} يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَتِ مَآ أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ {وقال: حسن غريب.
وحكى ابن الصلاح في (طبقاته) عن أبي عبيد علي بن الحسين بن حربويه: أنه أوجب الكفارة على من حرم ذلك، وسوى بينه وبين تحريم البضع من الزوجة.
فروع:
قال: كل ما أملكه حرام علي، وله زوجات وإماء ومال، ونوى تحريمهن أو أطلق وجعلناه صريحاً، أو قال لأربع زوجات: أنتن علي حرام .. اكتفى في الجميع بكفارة واحدة على المذهب.
ولو قال لزوجته: أنت حرام مراراً ونوى تحريم عينها أو لم ينوه، فإن كان في مجلس .. كفته كفارة واحدة، أو مجالس وأراد التأكيد .. فكذلك، وإن أراد الاستئناف .. فالأصح: أن عليه لكل مرة كفارة، وإن أطلق .. ففي تعددها قولان.
وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ: اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ،
ــ
ولو قال: متى ما قلت لامرأتي: أنت علي حرام فإني أريد الطلاق، ثم قال لها ذلك بعد مدة .. فالأصح: أنه كما لو ابتدأ؛ لاحتمال أن نيته تغيرت.
ولو قال: انت طالق ثلاثاً أوْ لا- بإسكان الواو- لم يقع شيء كما لو قال: هل أنت طالق.
ولو قال: أنت طالق أوَّلاً- بتشديد الواو- وهو يعرف العربية .. طلقت، والمعنى: أنت أوَّلةٌ في الطلاق.
ولو قال: لست لي بزوجة .. فوجهان:
أحدهما: لا يقع شيء.
وأصحهما: أنه كناية.
ولو قال: أنت طال ولم ينطق بالقاف .. طلقت؛ حملاً على الترخيم، وقال البوشنجي: ينبغي أن لا تطلق وإن نوى.
حادثة:
سئل الشيخ عن رجل قا لزوجته: الطلاق يلزمني ما تكوني لي يا امرأة، فقال: تطلق بذلك الطلاق الذي حلف، إن كان ثلاثاً .. فثلاث، وإن كان واحدة .. فواحدة.
ونظير المسألة: ما أفتى به ابن الصلاح أنه لو قال لجماعة عند سفره: اشهدوا عليَّ أني إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج ولا هي لي بامرأة .. فأجاب بأن هذا في الظاهر إقرار بزوال الزوجية بعد سنة، فيحكم بصحته ظاهراً ولها التزوج بعد انقضاء عدتها، وأما باطناً فيتوقف على أن يكون نوى الطلاق بذلك، أو وجد منه سبب من أسباب الفرقة.
قال: (وشرط نية الكناية: اقترانها بكل اللفظ)؛ لأنها إذا قارنت البعض .. فالذي قارنته غير مستقل بالإفادة.
وقيل: يشترط اقترانها بأوله؛ إذ بذلك يعرف قصده من اللفظ ويلحق بالصريح،
وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ لَغْوٌ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ. وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُلُول، فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَةُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ .. فَصَرِيحَةٌ، وَإِنِ اخْتَصَّ بِهَا فَطِنُونَ .. فَكِنَايَةٌ
ــ
ولا يضر أن تعزب في آخره، وهذا رجحه في (الشرح الصغير)، ونقل ترجيحه في (الكبير) عن الإمام والغزالي، وهو المفتى به خلاف ما وقع في الكتاب، ولم يتعرضوا لاقترانها بوسط اللفظ كما إذا اقترنت بالتاء من أنت وبالياء من بائن.
وقضية ما ذكره الرافعي عن المتولي من تشبيه الخلاف هنا بالخلاف في الجمع بين الصلاتين: أن يأتي خلاف هنا أيضاً في الاكتفاء بها في الوسط كما هو في الجمع بين الصلاتين، وبه صرح في (التتمة) و (البيان).
قال: (وإشارة ناطق بطلاق لغو) وإن أفهم بها كل أحد؛ لأن عدوله عن العبارة إلى الإشارة يوهم أنه غير قاصد للطلاق.
قال: (وقيل: كناية)؛ لحصول الإفهام بها كما كتب.
وفي ثالث: إن وقعت جواباً للسؤال بأن قالت: طلقني فأشار بيده اذهبي ونوى .. كان كناية، وإلا .. فلا.
قال: (ويعتد بإشارة الأخرس في العقود والحلول)؛ لما تقدم في البيع، وسواء أمكنه الكتابة أم لا، وقيل: إن أحسنها .. فكإشارة الناطق.
ودخل في الحلول والفسوخ ما أشبهها من الطلاق والعتاق ونحو ذلك، وكذلك يعتبر في الأوقارير والدعاوى، وقد تقدم ما يستثنى من ذلك.
قال: (فإن فهم طلاقه بها كل أحد .. فصريحة، وإن اختص بها فطِنون .. فكناية) كما في لفظ الناطق، فإذا لم يفهم .. فلا اعتبار بها قطعاً، ومن الأصحاب من جعل إشارته صريحة مطلقاً.
و (الفطنون) جمع فطن وهو: الفاهم، وضده الغبي، ومن الأمثال الشهيرة: البطنة تذهب الفطنة.
وإذا كتب الأخرس الطلاق .. فالأصح: أنه كناية في حقه؛ لاحتمال تجربة القلم.
وَلَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ طَلَاقاً، وَلَمْ يَنْوِهِ .. فَلَغْوٌ، وَإِنْ نَوَاهُ .. فَالأَظْهَرُ: وُقُوعُهُ، فَإِنْ كَتَبَ: إِذَا بَلَغَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .. فَإنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ،
ــ
قال: (ولو كتب ناطق طلاقاً، ولم ينوه .. فلغو)؛ إذ لا لفظ ولا نية ويحتمل تجربة القلم، وقيل: تطلق ويكون ذلك صريحاً؛ لأن الكتابة أحد الخطابين.
وصورة مسألة الكتاب: أن لا يتلفظ بما كتبه، فإن تلفظ بها واقترنت به نية .. طلقت جزماً
قال: (وإن نواه. ز فالأظهر: وقوعه)؛ لأنها قويت بالنية.
والثاني: لا؛ لأنه فعل من قادر على القول فلم يقع بها الطلاق كإشارته، وقطع بهذا قوم، وبالأول آخرون، فكان ينبغي أن يعبر بـ (المذهب)، لكن المصحح طريقة القولين، والأصح: طردهما في الغائب والحاضر.
وضابط المكتوب عليه: كل ما ثبت الخط عليه من كاغد ولوح ورَقٍّ وثوب وحجر وعظم ونحوه، سواء كتب بحبر أو مداد أو غيرها، أو نقر صورة الأحرف في خشب أو حجر، وكذا لو خط على الأرض.
فلو رسم صورة الحروف في الماء والهواء .. فليس ذلك بكتابة على المذهب، وقال الإمام: لا يمتنع أن يلحق ذلك بإشارة القادر، ونازعه الرافعي فيه.
قال: (فإن كتب: إذا بلغك كتابي فأنت طالق .. فإنما تطلق ببلوغه) وكذا إذا جاءك ووصل إليك؛ لأنه تعليق، لكن المراد ببلوغه على صفته، ووراء ذلك أحوال:
أحدها: أن يصل وقد انمحى جميع ما فيه بحيث لا تمكن قراءته .. فلا تطلق على الصحيح.
الثاني: أن ينمحي ويبقى أثره بحيث تمكن قراءته .. فتطلق.
الثالث: أن يصل بعض القرطاس دون بعض، فإن كات الضائع موضع الطلاق .. لم تطلق؛ لأن الذاهب مقصود الكتاب فلم ينطلق الاسم على الباقي، أو لأن الكتاب اسم لجميع أجزائه ولم يأتها جميعه.
وَإِنْ كَتَبَ: إِذَا قَرَاتِ كِتَابِي- وَهِيَ قَارِئَةٌ- فَقَرَأَتْهُ .. طَلَقَتْ، وَإِنْ قُرِىءَ عَلَيْهَا .. فَلَا فِي الأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِىءَ عَلَيْهَا .. طَلَقَتْ
ــ
وفي وجه: يقع؛ لأن الكتاب قد جاء.
وقيل: إن كتب إذا بلغك كتابي هذا الكتاب .. لم تطلق، وإلا .. طلقت.
وإن كان الذاهب السوابق واللواحق كالبسملة والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. فالأصح: الوقوع أيضاً.
فروع:
كتب: إذا أتاك طلاقي فأنت طالق. ز طلقت، وإن أتاها غيره .. فلا، وإن كتب: إذا أتاك نصف كتابي فأتاها كله .. ففي الوقوع وجهان، أصحهما عند المصنف: نعم.
ولو ادعت أن كتابه وصل إليها بالطلاق فأنكر الكتابة .. صدق بيمينه، فإن أقامت بينة أنه خطه .. لم تسمع إلا أن يراه الشاهد يكتبه ويحفظه معه بحيث لا يغيب عنه إلى حين الشهادة؛ لاحتمال التزوير.
قال: (وإن كتب: إذا قرأت كتابي- وهي قارئة- فقرأته .. طلقت)؛ لوجود المعلق عليه، سواء تلفظت بذلك أم لا، بل يكفي فهم ذلك، وهذا ميل للمعنى لا للفظ وهو يخالف ما سيأتي، فإن قرأت بعضه .. فكما لو وصل إليها بعض الكتاب دون بعض.
قال: (وإن قرئ عليها .. فلا في الأصح)؛ لأنها لم تقرأه.
والثاني: نعم؛ لأن المقصود علمها بما فيه كالتعليق بررؤية الهلال، وهذا بخلاف القاضي إذا كتب إليه من ولاه إذا قرأت كتابي فانت معزول- وهو يحسن القراءة- فقرىء عليه .. فإنه ينعزل في الأصح؛ لأن المقصود إعلامه بالحال، والفرق: أن العادة في الحكام أن تقرأ عليهم المكاتيب.
قال: (وإن لم تكن قارئة فقرىئ عليها .. طلقت)؛ لأن القراءة في حق الأمية محمولة على الاطلاع بخلاف القارئة.
وقيل: لا تطلق كالتعليق بالمستحيل.
فَصْلٌ: لهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إِلَيْهَا. وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ
ــ
تتمة:
جميع ما تقدم إذا كان الزوج يعلم حالها، فإن لم يعلم هل هي قارئة أو أمية .. فأقوى احتمالي الرافعي انعقاد التعليق على قراءتها بنفسها؛ نظراً إلى حقيقة اللفظ، وعلى هذا فترد هذه الصورة على المصنف.
قال: (فصل:
له تفويض طلاقها إليها) بالإجماع، هذا في تفويض التنجيز، أما تفويض التعليق فلا يصح؛ لأنه يمين، واليمين لا تدخلها النيابة.
وصورة التفويض الصحيح: أن يقول لها: طلقي نفسك أو طلقي نفسك إن شئت.
قال: (وهو تمليك في الجديد)؛ لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله: ملكتك.
قال: (فيشترط لوقوعه تطليقها على الفور)؛ لأن شأن التمليك القبول على الفور، وأتى المصنف ب (الفاء)؛ ليدل على أن الأحكام مفرعة على الجديد، وهو الذي عليه الجمهور.
وقال ابن القاص وغيره: يكفي في الفور أن تقع في مجلس التخاطب، ونص عليه الشافعي ما لم يعرض قاطع من موته أو جنونه أو رجوعه أو التشاغل عنه بقول أو فعل.
وقال ابن المنذر: لها أن تطلق متى شاءت.
كل هذا إذا لم يقل لها: طلقي نفسك متى شئت، فإن قاله .. طلقت متى شاءت، وكذلك إذا صرح بلفظ التوكيل بأن قال لها: وكلتك في طلاق نفسك .. فالصحيح: أنه لا يشترط الفور.
وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي بِألْفٍ فَطَلَّقتْ .. بَانَتْ وَلَزِمَهَا الأَلْفُ. وَفِي قَوْلٍ: تَوْكِيلٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الأَصَحِّ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلَافُ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا. وَلَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي .. لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ. وَلَوْ قَالَ: أَبِينِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَبَنْتُ وَنَوَيَا .. وَقَعَ، وَإِلَاّ .. فَلَا
ــ
قال: (وإن قال لها: طلقي بألف فطلقت .. بانت ولزمها الألف) ويكون تمليكاً بعوض كالبيع، ويعتبر فيها جواز التصرف كالخلع.
قال: (وفي قول: توكيل) كما لو قال لأجنبي: طلقها.
قال: (فلا يشترط فور في الأصح) أي: في قبوله أو تطليقها كما في توكيل الأجنبي.
والثاني: يشترط؛ لما فيه من شائبة التمليك، وهذا احتمال للقاضي حسين لا وجه محقق.
قال: (وفي اشتراط قبولها خلاف الوكيل) أي: المتقدم في بابه، ويأتي الوجه الفارق بين صيغة الأمر كطلقي نفسك وبين صيغة العقد كوكلتك في طلاق نفسك.
قال: (وعلى القولين: له الرجوع قبل تطليقها)؛ لأنه إما توكيل أو تمليك لم يتصل به قبول، وإذا صح الرجوع فطلقت قبل علمها به .. فوجهان في (الحاوي) كوكيل القصاص.
قال: (ولو قال: إذا جاء رمضان فطلقي .. لغا على التمليك) كما إذا قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر، وعلى مقابله: يصح كما لو قال لأجنبي: طلقها إذا جاء رمضان أو بعد شهر ونحوه.
قال: (ولو قال: إبيني نفسك فقالت: أبنت ونويا) أي: هو التفويض إليها وهي تطليق نفسها بذلك (.. وقع)؛ لأن الكناية مع النية كالصريح.
قال: (وإلا .. فلا) يعني إذا لم ينويا أو لم ينو أحدهما .. لم يقع، أما إذا لم ينو الزوج .. فلأنه لم يفوض الطلاق إليها، وأما إذا لم تنو هي .. فلأنها ما امتثلت.
وعن أبي حنيفة: تكفي نية الزوج، ولا حاجة لنيتها.
وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي فَقَالَتْ: أَبَنْتُ وَنَوَتْ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ .. وَقَعَ. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي وَنَوى ثَلَاثاً فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَنَوَتْهُنُّ .. فَثَلَاثٌ، وَإِلَاّ .. فَوَاحِدَةٌ فِي الأَصَحِّ. لَوْ قَالَ: ثَلَاثاً فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ .. فَوَاحِدَةٌ
ــ
قال: (ولو قال: طلقي فقالت: أبنت ونوت) أي: نفسها (أو أبيني ونوى فقالت: طلقت .. وقع) كما لو قال: بع فباع بلفظ التمليك، وقال ابن خيران وابن حربويه: لا يقع للمخالفة.
تنبية:
عبر في (المحرر) عن الأولى بقوله: طلقي نفسك، وفي الثانية بأبيني نفسك، وهي تقتضي اعتبار النفس فيهما، وحذفها المصنف؛ لينبه على أنه ليس بشرط، وهو الأصح في (الكفاية) و (تعليق القاضي حسين)، ونقله عن النص؛ لأن تقديره: طلقت نفسي.
وأفهمت عبارته أيضاً: أن التخالف في الصريح لا يضر من باب أولى كما لو قال: طلقي نفسك فقالت: سرحت، ولا خلاف فيه.
قال: (ولو قال: طلقي ونوى ثلاثاً فقال: طلقت ونوتهنّ .. فثلاث)؛ لأن اللفظ يحتمل وقد نوياه.
قال: (وإلا .. فواحدة في الأصح) المراد: إذا لم تنو هي العدد.
والأصح: واحدة؛ لأن صريح الطلاق كناية في العدد وهي لم تنو عدداً.
والثاني: ثلاث، وكأنه فوض إليها أصل الطلاق وتولى بنفسه قصد العدد.
ومحل الوجهين إذا نوى هو الثلاث ولم تنو هي عدداً، أما إذا لم ينو واحد منهما أو نوت هي دونه .. فواحدة لا يتجه غيره.
قال: (ولو قال: ثلاثاً فوحدت أو عكسه .. فواحدة) أما الأولى .. فلأن ما أوقعته داخل في المفوض إليها، وقال مالك: لا يقع شيء.
وأما في الثانية .. فلآن من ملك إيقاع طلقة تقع الطلقة إذا طلق ثلاثاً، كما لو لم يملك الزوج إلا واحدة فقال أنت
طالق ثلاثاً.
فَصْلٌ:
مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاقٌ .. لَغَا. لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ .. لَغَا،
ــ
تنبيه:
في (فتاوى البغوي): لو قال: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة فراجع .. فلها أن تطلق ثانية وثالثة.
ولو قال: طلقي نفسك ثلاثاً فقالت: طلقت ولم تذكر عدداً ولا نوته .. فالمذهب: وقوع الثلاث، وفيه احتمال للإمام: أنه يقع واحدة، وغذا كان التفويض أو تطليقها بكناية .. فالقول قول الناوي مثبتاً كان أو نافياً، قاله المتولي وغيره.
قال ابن الرفعة: صورة المسألة: أن يقع الاختلاف بينها وبين الوارث فتقول: إنها نوت ليحرمها الإرث، فلو كان الزوج هو المدعي .. واخذناه بدعواه؛ لأنه حق عليه إلا أن يبدي عذراً كما لو قال: هذا ملكي وملك من اشتريت منه ثم ظهر مستحقاً .. فإنه يرجع بالثمن.
قال: (فصل:
مر بلسان نائم طلاق .. لغا)؛ لرفع القلم عنه، فلو استيقظ وقال: أجزت ذلك الكلام أو أوقعته فلغو أيضاً، خلافاً لأبي حنيفة في أوقعته.
والمبرسم والمغمى عليه كالنائم، وكأن المصنف يستغني عن هذا باشتراط التكليف في أول الباب.
ولو تلفظ بالطلاق ثم قال: كنت حينئذ صبياً أو نائماً .. قال أبو العباس الروياني: يصدق بيمينه، قال في (الروضة): وفي تصديق النائم نظر بخلاف الصبي. قال: (ولو سبق لسانه بطلاق بلا قصد .. لغا) كاليمين بالله تعالى، وكذلك إذا تلفظ بالطلاق حاكياً كلام غيره، وكذا الفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره ودرسه، وكذلك إذا ظن طهارتها من الحيض فقال أنت الآن طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق.
وَلَا يُصَدَّقُ طَاهِراً إلَاّ بِقَرِينَةٍ. وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقاً فَقَالَ: يَا طَالِقْ، وَقَصَدَ النِّدَاءَ .. لَمْ تُطَلَّقْ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقاً أَوْ طَالِباً فَقَالَ: يَا طَالِقُ، وَقَالَ: أَرَدْتُ النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ .. صُدِّقَ
ــ
قال: (ولا يصدق ظاهراً إلا بقرينة)؛ لأن الظاهر الغالب أن البالغ العاقل لا يتكلم بكلام إلا ويقصده، فإذا قال: طلقتك ثم قال: سبق لساني وإنما أردت طلبتك .. فالنص: أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه، وعن الماوردي وغيره: أن هذا في المتهم، فإن ظنت صدقه بأمارة فلها القبول ولا مخاصمة، ولمن سمعه وعرف الحال أن لا يشهد عليه.
ونقل الشيخان عن أبي العباس الروياني في (الفروع المنثورة): أن من سمع لفظ طلاق من رجل وتحقق أنه سبق لسانه إليه .. لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق، ويؤيد ذلك نص الشافعي فيمن سمع رجلاً سبق لسانه إلى كلمة كفر أنه لا يحل له أنه يشهد عليه بذلك.
قال: (ولو كان اسمها طالقاً فقال: يا طالق، وقصد النداء .. لمتطلق)؛ لأنه صرفه عن معناه، وكون اسمها كذلك قرينة تسوغ تصديقه.
وكذلك الحكم لو كان له عبد اسمه حر أو معتوق فناداه بذلك قاصداً النداء .. لم يعتق.
قال: (وكذا إن أطلق في الأصح)؛ لأن الظاهر إرادة الاسم.
والثاني: تطلق؛ لصراحة اللفظ، وهما يقربان من القولين فيما إذا كرر أنت طالق ولم يقصد تأكيداً ولا تكرراً.
وضبط المصنف (يا طالقْ) بتسكين القاف، وكأنه يشير إلى أنه إذا قال: يا طالقُ بالضم .. لا تطلق؛ لأنه يرشد إلى العلمية، وإن قال: يا طالقاً بالنصب .. تعين صرفه إلى التطليق، وينبغي في الحالين أن لا يرجع إلى دعوى خلافه.
قال: (وإن كان اسمها طارقاً أو طالباً فقال: يا طالق، وقال: أردت النداء فالتف الحرف .. صدق) أي: ظاهراً؛ لأنها قرينة واضحة فيصدق جزماً، وخالف
وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلاً أَوْ لَاعِباً، أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ .. وَقَعَ
ــ
ما إذا قال: أنت طالق وهو يحل وثاقها وقال: أردت الطلاق من الوثاق؛ فإن في تصديقه خلافاً.
قال: (ولو خاطبها بطلاق هازلاً أو لاعباً، أو وهو يظنها أجنبية؛ بأن كانت في ظلمة، أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم .. وقع) أما وقوع طلاق الهازل .. فحكى ابن المنذر فيه الإجماع، وأما ما عداه .. فمقيس عليه.
وروى أيو داوود] 2188 [والترمذي] 1184 [والحاكم] 2/ 198 [كلهم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة).
قال البغوي في (شرح السنة): وخص الثلاث؛ لتأكد أمر الفرج، ولأن البيع وسائر التصرفات تنعقد بالهزل على الأصح وإن كان ظاهر الحديث يقتضي المنع فيما سوى الثلاث.
وظاهر إطلاق المصنف: أنه يق ظاهراً وباطناً، وهو كذلك في الهازل، خلافاً للإمام، فإنه قال: يدين كالجاد.
وأما في الثانية .. ففي (الروضة): أن في الوقوع باطناً وجهين بناهما المتولي على البراءة من المجهول، إن قلنا: لا يصح .. لم تطلق باطناً. اهـ وهو يقتضي ترجيح المنع.
والهزل واللعب في كلام الفقهاء واللغويين كالمترادف.
وقال في (الفائق): الهزل واللعب من وادي الاضطراب، والذي يشهد له الاستعمال: أن الهزل يخص الكلام واللعب أعم، وقد يقال: الهزل قصد اللفظ دون المعنى بأن يختار التلفظ بالكلمة ولا يرضى بمعناها.
وَلَوْ لَفَظَ عَجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ .. لَمْ يَقَعْ
ــ
مهمة:
في (البسيط): أن واعظاً طلب شيئاً من الحاضرين فلم يعطوه فقال متضجراً منهم: طلقتكم ولم يعلم أن زوجته فيهم، ثم تبين أنها فيهم .. فأفتى الإمام بطلاقها، وفي القلب منه شيء.
قال الرافعي: ينبغي أن لا تطلق؛ لأنه عام يقبل الاستثناء بالنية، فأشبه استثناء بعض من سلم عليهم بالنية فإنه إذا لم يعلم أنها فيهم مقصوده غيرها.
وفق المصنف بأن المسلم علم بوجود المستثنى فاستثناه، وهنا بخلافه، فإفتاء الإمام عجيب؛ فإنه لم يقصد بلفظ الطلاق معناه، وأيضاً النساء لا يدخلن في خطاب الرجال عند الجمهور إلا بدليل، فلا تطلق لهذا إلا لما قاله الرافعي. اهـ
والحق: أن مسألة الواعظ ومسألة ما إذا خاطبها وهو يظنها أجنبية واحدة، فإما أن يقال بالوقوع فيهما أو لا فيهما، ثم يرد على الشيخين أنهما نقلا عن الروياني أنه لو قال: كل امرأة لي في السكة طالق وزوجته .. فيها تصحيح: أنها تطلق ولم يتعقباه بنكير.
وعن (فتاوى الغزالي): لو زاحمته امرأة فقال: تأخري يا حرة فبانت أمته: أنها لا تعتق وهما نظير مسألة الواعظ.
قال: (ولو لفظ عجمي به بالعربية ولم يعرف معناه .. لم يقع) كما لو لقن كلمة الكفر وهو لا يعرف معناها فتكلم بها .. لا يحكم بكفره.
قال المتولي: هذا إذا لم يكن له مع أهل ذلك اللسان اختلاط، فإن كان .. لم يصدق في الحكم ويدين باطناً.
وقال في (الإستقصاء): يصدق في أنه لا يعرف معناها مطلقاً، والمسألة في (الشرحين) و (الروضة) و (المحرر) مصورة بما إذا تلفظ بذلك بعد التلقين، وتعبير المصنف يقتضي أنه لا فرق.
والمراد بـ (العجمية): لغة لا يعرفها، لا خصوص لغة.
وَقِيلَ: إِنْ نوَى مَعْنَاهَا .. وَقَعَ. وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ
ــ
قال: (وقيل: إن نوى معناها) أي: عند أهل تلك اللغة (.. وقع)؛ لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه، واختاره الماوردي.
قال: (ولا يقع طلاق مكره)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) رواه أبو داوود] 2187 [وابن ماجه] 2046 [، وصححه الحاكم] 2/ 198 [.
قال الشافعي وأبو عبيد والخطابي والقتبي: (الإغلاق): الإكراه، وبالقياس على الردة بالإكراه.
وفي (سنن البيقهي)] 7/ 357 [: أن رجلاً على عهد عمر تدلى من جبل يشتار عسلاً فأمسكت امرأته الحبل وقالت: طلقني ثلاثاً وإلا قطعته، فذكرها الله والإسلام فأبت، فطلقها ثلاثاً، ثم أخبر بذلك عمر فقال:(ليس هذا بطلاق) ووافقه علي وابن عباس وابنه عبد الله وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهم من الصحابة فصار إجماعاً، واحتج له البخاري بحديث:(الأعمال بالنيات) أراد: ان المكره طلق لفظاً من غير نية.
وحكى القاضي قولاً إنه يقع؛ لعموم قوله تعالى:} فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ {والمراد: من أكره بغير حق، أما المكره بحق .. فيقع طلاقه كإكراه القاضي المولى بعد المدة، واستشكله الرافعي وابن الرفعة بأنه لا يؤمر بالطلاق عيناً بل به أو الفيئة، ولأن القاضي لا ينتهي في ذلك إلى صفة الإكراه من القتل أو القطع، ولذلك أسقط مسألة المولى من (الشرح الصغير) و (المحرر)، وأيضاً القاضي هو المطلق على المولى على الأصح، لكن يستثنى ما إذا نوى المكره حال التلفظ الطلاق .. فإنه يقع على الأصح كما تقدم.
وأما إذا أكرهه غيره على طلاق زوجة نفسه .. فيقع على الأصح؛ لأنا إنما سلبناه حكم لفظه لدفع الضرر عنه، وليس في إيقاع الطلاق ضرر عليه، ومن الأصحاب من قال: لا يقع؛ لعموم الإكراه.
ولو نذر عتق عبد بعينه وامتنع من عتقه فأكره عليه .. نفذ، قاله في (البحر)، وجعله إكراهاً بحق.
فَإِنْ ظَهَرَ قَرِينَةُ اخْتِيَار؛ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَحَّدَ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَى أَوْ نَجَّزَ، أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ، أَوْ بِالْعُكُوسِ .. وَقَعَ. وَشَرْطُ الإِكْرَاهِ: قُدْرَهُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايِةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَظَنُّهُ أَنَّهُ امْتَنَعَ .. حَقَّقَهُ
ــ
قال: (فإن ظهر قرينة اختيار؛ بان أكره على ثلاث فوحد، أو صريح أو تعليق فكنى أو نجز، أو على طلقت فسرح، أو بالعكوس) بأن أكره على واحدة فثلث، أو على أن يلطق بكناية فصرح، أو على أن ينجز فعلق، أو على أن يقول: سرحتها فقال: طلقتها.
قال: (.. وقع)؛ لأن مخالفته تشعر باختياره فيما أتى به.
وكذا إذا أكره على طلاق إحدى امرأتيه فطلق واحدة معينة .. فالمذهب: الوقوع، خلافاً للقاضي حسين، ويجريان فيما إذا قال: اقتل أحدهما وإلا قتلتك.
قال: (وشرط الإكراه: قدرة المكرِهِ على تحقيق ما هَدَّد به بولايةٍ أو تغلُّبٍ، وعجز المكرَهُ عن دفعه بهرب أو غيره، وظنه أنه إن امتنع .. حققه)؛ لأنه لا يتحقق العجز عن الدفع إلا بهذه الأمور الثلاثة.
والتهديد بقتل الولد أو الوالد إكراه على الأصح، لا بقتل ابن العم ونحوه على الصحيح، وأمرُ السلطانِ هل هو إكراه؟ فيه قولان: أرجحهما لا، إلا أن يعلم بالعادة أنه متى خولف أوقع الفعل .. ففيه خلاف.
قال ابن الرفعة: والقياس أنه كالإكراه.
وتعبير المصنف بـ (الظن) يقتضي أنه لا يشترط التحقق وهو الأصح.
وكان ينبغي أن يقول: قدرة المكره عاجلاً فلو قال: لأقتلنك غداً .. فليس بإكراه.
وأهمل من الشروط: أن لا يكون المهدد به مستحقاً عليه فلو قال وَليُّ القصاص للجاني: طلقها وإلا اقتصصت منك .. لم يكن إكراهاً، كذا جزم به الرافعي، وحكى الدارمي فيه وجهين.
وَيَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إِتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، وَقِيلَ: قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ. وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا،
ــ
قال: (ويحصل الإكراه بتخويف بضرب شديد أو حبس أو إتلاف مال ونحوها)؛ فإنه يعد في العرف إكراهاً، وذلك كشتم الوجيه وصفعه، وهي من زياداته على (المحرر).
والمراد: ان ذلك يختلف باختلاف الناس، ومداره على العرف الشائع، لكنهأطلق الحبس وهو مقيد بالطويل كما نقله في (الشامل) عن النص، وصحح في (الروضة) أن إتلاف المال ليس بإكراه، والصواب ما في الكتاب؛ فإنه المنصوص، لكنه يختلف باختلاف الناس، فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم إكراهاً.
قال: (وقيل يشترط القتل)؛ لحرمة النفس.
قال: (وقيل: قتل أو قطع أو ضرب مخوف)؛ لإفضائها إلى الهلاك، هذه الأوجه الثلاثة هي الموجودة للمتقدمين من العراقيين وغيرهم، ووراءها أربعة أخرى:
أحدها- وهو الأرجح عند الإمام-: لا يحصل إلا إذا خوفه بما يسلب الاختيار، ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى النار والشوك ولا يبالي.
والثاني- وهو المختار عند القاضي-: تشترط عقوبة بدنية يتعلق بها قود؛ ليخرج عنه أخذ المال والحبس المؤبد.
والثالث: تشترط عقوبة شديدة تتعلق ببدنه، فيدخل فيه الحبس الطويل، وكذا النفي من البلد؛ لشدة مفارقة الوطن.
والرابع- وهو الأصح في (الروضة) -: لا يشترط سقوط الاختيار سقوط الاختيار، بل إذا أكرهه علىفعل يُؤْثِر العاقل الإقدام عليه حذراً مما يهدد به .. حصل الإكراه، فينظر فيما طلب منه وما هدد به، فقد يكون الشيء إكراهاً في مطلوب دون مطلوب وشخص دون شخص.
قال: (ولا تشترط التورية بأن ينوي غيرها) أو يقول عقب اللفظ: إن شاء الله.
وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ .. وَقَعَ. وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ .. نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلاً وَفِعْلاً عَلَى الْمَذْهَبِ،
ــ
وضابطه: ان ينوي ما لو صرح به .. لقبل ولم يقع الطلاق، وليس منحصراً في أن ينوي غيرها كما توهمه عبارة المصنف.
وأصل (التورية) من وراء، كأنه جعل البيان وراء ظهره وأعرض عنه.
قال: (وقيل: إن تركها بلا عذر .. وقع)؛ لإشعاره بالاختيار.
والأصح: المنع؛ لأنه مجبر على اللفظ، ولا نية له تشعر بالاختيار، فإن ترك التورية لدهشة أو نحوها .. فلا تؤثر قطعاً واندفع الطلاق.
فرع:
أمسك السلطان شخصاً بسبب غيره وطالبه به فقال: لست من أزليائه، أو لا أعرف موضعه، أو طلب منه مالاً فقال: ليس عندي شيء فلم يتركه حتى يحلف بالطلاق فحلف كاذباً .. قال القفال وغيره: يقع الطلاق؛ لأنه لم يكرهه، بل هو متوصل به إلى دفع الطلب عنه، بخلاف ما إذا قال له اللصوص: لا نتركك حتى تحلف بالطلاق أنك لا تذكر ما جرى أو لا تخبر بنا أحداً فحلف ثم أخبر بما جرى لا يقع؛ لأنهم أكرهوه على الحلف بالطلاق.
قال الروياني: والفتوى عندي أنه يحلف ويوري ولا يقع الحنث.
قال: (ومن أثم بمزيل عقله من شراب أو دواء .. نفذ طلاقه وتصرفه له وعليه قولاً وفعلاً على المذهب)؛ لما قدم أن شرط المطلق التكليف إلا السكران أخذ في بيان ذلك، فمن تعدى بتعاطي ما يزيل عقله من مسكر أو دواء مجنن أو غير ذلك كإلقاء نفسه من شاهق .. وقع طلاقه؛ لأنه عاص بسبب الزوال فيجعل كأنه لم يزل، ويكون كالصاحي، ويجعل زوال العقل لكونه تعدى كعدم الزوال.
أما السكران .. فلما تقدم في أول الباب من إجماع الصحابة عليه، واستدل له الشافعي بحديث:(رفع القلم عن ثلاث) قال: والسكران ليس في معنى واحد من هؤلاء، وبأنه يجب عليه قضاء الصلاة والصوم وغيرهما، والقلم غير مرفوع عنه بخلاف المجنون.
وَفِي قَوْلٍ: لَا، وَقِيلَ: عَلَيْهِ
ــ
وأورد عليه النائم؛ فإنه يقضي ولا ينفذ طلاقه، وأجيب بأنه غير عاص بتأخير الصلاة.
قال الشافعي: وهو قول أكثر من لقيت من المفتين.
وأما المتعدي بالتداوي .. فلأنه في معناه، واحترز به عمن أوجر خمراً أو أكره على شربها، أو لم يعلم أنه من جنس ما يسكر، أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي .. فإنه لا يقع طلاقه ولا يصح تصرفه.
قال الرافعي: ولك أن تقول: في التداوي بالخمر خلاف، فإن جرى في الدواء المزيل للعقل قليله وكثيره .. فالمذكور هنا جواب على جواز التداوي، ويمكن ان يقدر تخصيص الخلاف بالقدر الذي يزيل العقل.
وتصوير هذه الصورة فيما إذا ظن أن القدر الذي يتناوله لا يزيل العقل وبذلك صرح بعضهم، وإن لم يجر الخلاف في الدواء فسببه: أن الطبع يدعو إلى الخمر فاحتيج إلى الزجر، بخلاف الدواء.
والتعبير بـ (الشراب) يتناول الخمر والنبيذ، بخلاف اقتصار (المحرر) على الخمر.
قال: (وفي قول: لا)؛ لاختلال نظره فأشبه المجنون، واختاره المزني وابن سريج وأبو طاهر الزيادي وأبو سهل الصعلوكي وابنه سهل.
والأصح: الوقوع، وبه قال أبو حنيفة، وعن أحمد روايتان كالقولين، وعن مالك قولان.
قال: (وقيل: عليه) كالقتل دون ماله كالاتهاب والاحتطاب؛ تغليظاً عليه.
فائدة:
السكر: عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة متصاعدة من المعدة على معادن الفكر، واختلفت عبارة الأصحاب في حده:
فعن الشافعي: السكران: الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم.
وَلَوْ قَالَ: رُبُعُكِ أَوْ جُزْؤُكِ أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفْرُكِ طَالِقٌ .. وَقَعَ
ــ
وعن المزني: الذي لا يفرق بين الأرض والسماء وبين أمه وامرأته.
وقيل: الذي يفضح بما كان يحتشم منه.
وقيل: من يتمايل ماشياً ويهذي في كلامه.
وقيل: الذي لا يعلم ما يقول.
والأقرب الرجوع فيه إلى العادة، فإذا انتهى إلى حالة يقع عليه اسم السكران .. فهو موضع الكلام، ولم يرتض الإمام هذه العبارات، بل قال: له ثلاثة أحوال:
- أن تعتريه هزة وطرب، ولا يستولي عليه الخمر ولا يزول عقله في هذه الحالة.
والثانية: نهاية السكر أن يصير طافحاً ويسقط كالمغمى عليه، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك.
والثالثة: متوسطة بينهما، وهي: أن تختلط أحواله ولا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وفهم، فهذه في نفوذ الطلاق فيها الخلاف، وفي الأولى ينفذ لا محالة.
وأما الثانية .. فالأظهر عند الإمام- وهو الذي ذكره الغزالي-: أنه لا ينفذ.
وقيل: على الخلاف، قال الرافعي: وهو أوفق؛ لإطلاق أكثرهم.
قال: (ولو قال: ربعك أو بعضك أو جزؤك أو كبدك أو شعرك أو ظفرك طالق .. وقع) فيما عدا الشعر والظفر بالإجماع، وبالقياس على العتق.
قال ابن الرفعة: وكان بعض مشايخي يستشكل قياسه عليه؛ لأنه ميغوض لله تعالى والعتق محبوب لديه.
وعدد المصنف الأمثلة؛ ليشير إلى أنه لا فرق بين الجزء الشائع والمعين، وأما إذا أضاف الطلاق إلى ما ينفصل كالشعر والسن والظفر .. فكذلك على المشهور.
وفي قول: لا تطلق كما لا يبطل الوضوء بلمسه، وبناه في (البحر) على أن فيه روحاً أم لا، وهو يقوي ما حاوله الرافعي من طرد الوجه في الظفر.
ولو أضاف إلى عضو زائد .. وقع كالأصلي، وشرط الوقوع: دوام الاتصال،
وَكَذَا دَمُكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الأَصَحِّ
ــ
فلو التصقت أذنها بعد انفصالها ثم أضاف الطلاق إليها .. لم يقع؛ بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يعد.
وحيث حكمنا بالوقوع هل نقول: وقع على ما سماه ثم سرى إلى باقيها، أو وقع على الجملة ابتداء؟ وجهان، أشبههما: الأول، وتظهر فائدتهما فيما لو قال لمقطوعة يمين: يمينك طالق كما سيأتي.
ولو قال سِمَنُك طالق .. جزم القاضي والبغوي والمتولي والغزالي بأنه يقع، وهو المجزوم به في (الشرح الصغير)، ووقع في (الكبير) و (الروضة): أنه لا يقع، والمنقول المعتمد: الوقوع، ونُسَخُ (الرافعي) في ذلك مضطربة.
ولو قال: اسمك طالق .. لم تطلق، قال المتولي: إلا أن يريد بالاسم ذاتها ووجودها.
ولو قال: حسنك طالق .. لم تطلق على الصحيح.
قال: (وكذا دمك على المذهب)؛ لأن به قوام البدن كالروح، بخلاف غيره الفضلات كالريق.
والثاني: لا، كالدمع والعرق.
قال: (لا فضلة كريق وعرق)؛ لانها غير متصلة اتصال الخلقة فلا يلحقها حل ولا تحريم، وإنما البدن وعاء لها، وفيهما وجه ضعيف، ويجريان في سائر الفضلات كالبول والمخاط، وفي الأخلاط كالبلغم والمِرَتَيْن.
وفي الشحم تردد للإمام، وميله إلى عدم الوقوع، والأقرب عند الرافعي الوقوع، وعبر في (الروضة) ب (طلقت في الأصح) فأشعر بوجهين ليسا في (الشرح).
قال: (وكذا مني ولبن في الأصح) فاشعر بوجهين ليسا في (الشرح).
والثاني: الوقوع؛ لأن أصل كل واحد منهما الدم، والظاهر في الإضافة إلى الدم الوقوع.
وَلَو قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ: يَمِمينُك طَالِقٌ .. لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَاَ .. طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقاً .. فَلَا، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتْهُ إِلَيْهَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ .. أشْترِطَ نِيِّةُ الطَّلَاقِ، وَفِي الإضَافَةِ الْوَجْهَانِ
ــ
وشمل التعبير بـ (المني) ما لو قال: جنينك طالق، والحكم كذلك على الصحيح؛ فإنه مني منعقد.
قال: (ولو قال لمقطوعة يمين: يمينك طالق .. لم يقع على المذهب)؛ لأنا وإن جعلنا البعض عبارة عن الكل فلا بد من دخول المضاف إليه؛ لتنتظم الإضافة، فإذا لم تكن .. لغت الإضافة كما لو قال لها: ذكرك طالق.
والطريق الثاني: تخريجه على الخلاف، فإن جعلناه من باب التعبير بالبعض عن الكل .. وقع، أو من باب السراية .. فلا.
ولو قال: أنت طالق إلا يدك .. طلقت؛ لأنها لا تتبعض.
قال: (ولو قال: أنا منك طالق ونوى تطليقها .. طلقت) خلافاً لأبي حنيفة وأحمد.
لنا: أن على الزوج حجراً من جهتها، فلا ينكح أختها ولا أربعاً سواها، فإذا أضاف الطلاق إلى نفسه .. أمكن حمله على هذا السبب، ومن الأصحاب من زعم أن الرجل معقود عليه وهو ضعيف؛ لأنها لا تستحق من منافعه شيئاً.
قال: (وإن لم ينو طلاقاً .. فلا)؛ لأن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله فشرط فيه ما شرط في الكناية.
قال: (وكذا إن لم ينو إضافته إليها في الأصح)؛ لأن محل الطلاق المرأة دون الرجل، واللفظ مضاف إليه فلا بد من النية الصارفة.
والثاني: يقع الطلاق؛ لأنه وجد اللفظ وقصده فيقع ويحل محله.
وقال: (ولو قال: أنا منك بأئن .. اشترط نية الطلاق)؛ لأنه كناية.
قال: (وفي الإضافة) أي: نية الإضافة إليها (الوجهان) أي: في قوله: أنا منك طالق، وقد عرف تقريرهما.
وَلَوْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْكِ .. فَلَغْوٌ، وَقِيلَ: إِنْ نَوَى طَلَاقَهَا .. وَقَعَ.
فَصْلٌ:
خِطَابُ الأَجْنَبِيَّةِ بِطَلاقٍ، وَتَعْلِقُهُ بِنكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ
ــ
فإن قيل: هذه الصورة كان المصنف مستغنياً عنها بما قبلها؛ لأنه إذا شرطت النية في: أنا منك طالق – وهي من الصرائح – اشترطت في: أنا منك بائن بطريق أولى .. فالجواب: أنه صرح به للتفصيل في الكنايات بين القريبة والبعيدة.
وأيضاً: فإذا لم ينو طلاقاً في قوله: أنا منك طالق .. فيه خلاف، ولا خلاف في اشتراط النية في: أنا منك بائن؛ لكونه كناية.
قال: (ولو قال: استبرئي رحمي منك .. فلغو)؛ لأن اللفظ غير منتظم في نفسه، والكناية شرطها: أن تحتمل معنيين فصاعداً، وهي في بعض المعاني أظهر.
قال: (وقيل: إن نوى طلاقها .. وقع)، ويكون المعنى: استبرئي الرحم التي كانت لي، ورجحه البغوي فيما لو قال لها: انا معتد منك.
تتمة:
قال المتولي: لو قال لرجل: طلق امرأتي فقال: طلقتكَ ونوى وقوعه عليها .. لم تطلق؛ لان النكاح لا تعلق له به، بخلاف المرأة مع الزوج.
ولو قال: مالي طالق .. قال جد الروياني: إن لم ينو التصدق به .. لم يلزمه شئ، وإن نواه .. فالأصح: يلزمه التصدق، وفيه وجهان:
أحدهما: يتصدق بجميعه.
والثاني: يتخير بينه وبين كفارة يمين.
قال: (فصل:
خطاب الأجنبية بطلاق، وتعليقه بنكاح وغيره لغو) أما المنجز .. فبالإجماع، وأما المعلق .. فاحتج له ابن عباس بقوله تعالى:{إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} الآية.
وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ تَعلِيقِ الْعَبْدِ ثَالِثةً كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الْدَّارَ .. فَأنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، فَيَقَعْنَ إِذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ
…
ــ
وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق إلا بعد نكاح) رواه الأربعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم [2/ 419]: إنه أصح شيء ورد في الباب.
وروى الدارقطني [4/ 19]: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن أمي عرضت علي قرابة لها أتزوجها فقلت: هي طالق إن تزوجتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا بأس) فتزوجها، وبهذا قال جماعة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار.
وقال شريك: النكاح عقد والطلاق حَل، ولا يكون الحل إلا بعد العقد، وتعليق العتق بالملك كتعليق الطلاق بالنكاح، فلا فرق.
وقال مالك: إن عمم بان قال: كل امرأة أتزوجها طالق .. لم يقع، وإن خص بمحصورات أو بامرأة معينة .. وقع.
وقال أبو حنيفة: يقع عمم أو خصص، وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
قال: (والأصح: صحة تعليق العبد ثالثة كقوله: إن عتقت أو إن دخلت الدار .. فأنت طالق ثلاثاً، فيقعن إذا عتق أو دخلت بعد عتقه)؛ لأنه ملك أصل الطلاق فاستتبع الصفة، ولأن مطلق النكاح يفيد الطلقات الثلاث غير أن الرق مانع من تنجيز الثالثة، ولا يلزم من منعه من تنجيزها منعه من تعليقها، كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة ويملك تعليقه.
والثاني: لا يصح تعليقها؛ لأنه لا يملك تنجيزها منعه من تعليقها، كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة ويملك تعليقه.
والثاني: لا يصح تعليقها؛ لأنه لا يملك تنجيزها.
وأورد الشيخ زين الدين الكتناني على هذه المسألة: أن الراجح فيما إذا ملك نصاباً وتوقع حصول نصاب من غيره فعجل عنه: عدم الجواز، فيحتاج إلى الفرق، والجامع أن ملك الأصل أقيم مقام ملك الفرع، والنكاح أولى، ويمكن الفرق بأن
وَيَلْحَقُ رَجْعيَّةَ لَا مُخْتَلَعَةً. وَلَوْ عَلّقَ بِدُخُولِ فَبَانَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ .. لَمُ يَقَعْ إِنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُونَةِ، وَكَذا إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الأَظْهَرِ،
ــ
التعجيل عن النصاب المتوقع فيه صحة إخراج الزكاة قبل سببها وهو النصاب وشرطها وهو الحول، وهنا إذا صححنا التعليق .. فإنما صححناه بعد وجود سببه وهو النكاح وانتفاء شرطه وهو الحرية، أو وجود مانعه وهو الرق.
قال: (ويلحق رجعية)؛ لبقاء ولايته عليها؛ لأنها في عصمته ولذلك ترثه ويرثها. وحكى الجيلي وجهاً – وعزاه إلى (الوسيط) -: أنه لا يلحقها، وأنكره عليه ابن الرفعة، والعجب أن الروياني حكاه في (الظهار) وهو مثل الطلاق.
قال: (لا مختلعة)؛ لأنه ليست زوجة، وبهذا قال كافة العلماء.
وقال أبو حنيفة: يلحقها صريح لفظ الطلاق، ولا تلحقها الكناية، ولا مرسل الطلاق بأن يقول: كل امرأة لي طالق، وبه قال ابن مسعود وأبو الدرداء، واحتجوا بما روى أبو يوسف في (أماليه) بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة) والحديث موضوع، ويروى بإسناد ضعيف موقوفاً على أبي الدرداء.
قال: (ولو علق بدخول فبانت ثم نكحها ثم دخلت .. لم يقع إن دخلت في البينونة)؛ لان اليمين انحلت بذلك الدخول، ولأنه تعليق سبق هذا النكاح فلا يؤثر كما لو علق طلاقها بالنكاح.
وقوله: (فبانت) أحسن من قول (المحرر): فبانت بالطلاق؛ فإن التقييد بالطلاق مضر، وبينونتها بالفسخ كالطلاق كما جزم به الرافعي في (الردة).
قال: (وكذا إن لم تدخل في الأظهر)؛ لأنه لا جائز أن يريد النكاح الثاني؛ لأنه يكون تعليق طلاق قبل نكاح، فتعين أن يريد الأول، والأول قد أرتفع، والثاني يقع؛ لأن التعليق والصفة وجدا في الملك، وتخلل البينونة لا يؤثر؛ لأنه ليس وقت الإيقاع ولا وقت الوقوع.
وَفِي ثَالِثٍ: يَقَعُ إِنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلاثٍ. وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ أوْ جَدَّدّ وّلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ .. عَادَتْ بِثَلَاثٍ. وَلِعَبْدٍ طَلْقَتَانِ فَقَطْ،
ــ
قال: (وفي ثالث: يقع إن بانت بدون ثلاث)؛ لأن العائد الباقي من الطلاق فتعود بصفتها وهي: التعليق بالفعل المعلق عليه.
ولا يقع إن أبانها بثلاث؛ لأنه أستوفى ما علق من الطلاق، وهذه الطلقات جديدة.
وتجري الأقوال في عود الإيلاء والظهار، فإن قلنا بالأول وكانت الصفة مما لا يمكن إيقاعه في البينونة كقوله: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً .. فيتخلص إذا أبانها ثم نكحها، ولا يقع في النكاح الثاني.
قال: (ولو طلق دون ثلاث وراجع أو جدد ولو بعد زوج .. عادت ببقية الثلاث).
أما إذا جدد قبل أن تتزوج بغيره أو تزوجت بغيره ولم يدخل بها .. فبالإجماع تعود بما بقي، وإن تزوجت بغيره ووطئها الزوج .. فالحكم كذلك عندنا وعند مالك وأحمد؛ لما روى البيهقي [7/ 364]: أن عمر سئل عمن طلق امرأته طلقتين فانقضت عدتها وتزوجت غيره وفارقها ثم تزوجها الأول فقال: (هي عنده على ما بقى من الطلاق) ، ووافقه على ذلك علي وأبي بن كعب وعمران بن حصين، ولا مخالف لهم.
وقال أبو حنيفة: إذا دخل بها زوج آخر .. عادت بالثلاث، ويهدم الزوج ما بقى من طلقات الزوج الأول؛ لأن ذلك روي عن ابن عمر وابن عباس.
وأشار المصنف بقوله: (ولو بعد زوج) إلى أنه موضع الخلاف، لكن كان ينبغي أن يقول:(وإصابة) كما عبر به في (المحرر).
قال: (وإن ثلث .. عادت بثلاث) بالإجماع؛ لأنه نكاح مستقل ثبت أحكامه.
قال: (ولعبد طلقتان فقط) سواء كانت الزوجة حرة أو أمة؛ لأن الاعتبار في الطلاق بالزوج؛ لأنه المالك له.
وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ. وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَيَتَوَراَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيَّ لَا بَائِنٍ، وَفِي الْقَدِيمِ: تَرِثْهُ
ــ
روى البيهقي [7/ 369]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطلاق بالرجال والعدة بالنساء) لكن قال ابن الجوزي: الصواب: أنه من كلام ابن عباس.
وقال عمر رضي الله عنه: (العبد يطلق طلقتين وتعتد الأمة بقرئين).
وروى الدارقطني مرفوعاً [4/ 39]: (طلاق العبد اثنتان).
والمبعض كالقن، قاله الرافعي في أثناء الباب.
لكن قد يملك العبد الثالثة، وصورته: أن يطلق الذمي طلقتين ثم يحارب ويسترق ثم يريد نكاحها
…
فالأصح: أنها تحل له ويملك عليها الثالثة؛ لأنها لم تحرم عليه بالطلقتين، وطرآن الرق لا يمنع الحل الثابت.
وقيل: لا تحل؛ لأنه رقيق طلق طلقتين.
قال: (وللحر ثلاث) وإن كانت الزوجة أمة؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن قوله تعالى: {الطلاق مرتان} فأين الثالثة؟ فقال: {أو تسريح بإحسان} ، وعمومها يشمل الأمر، ولأن الطلاق مشروع بحالة الزوج ةفاعتبر بجانبه.
واعتبره أبو حنيفة بالنساء كالعدة، واختاره ابن سريج في (كتاب الودائع).
قال: (ويقع في مرض موته) كما يقع في صحته، وحكى في ذلك الإجماع، لكن نقل خلافه عن الشعبي. قال:(ويتوارثان في عدة رجعي) بالإجماع أيضاً؛ لبقاء آثار الزوجية.
قال: (لا بائن)؛ لانقطاع العصمة وكما لا يرثها لو ماتت قبله بالاتفاق.
قال: (وفي القديم: ترثه)؛ لأنه متهم بدفع الإرث، كما يحجب القاتل؛ لأنه متهم بجلب الإرث، وبهذا قال الأئمة الثلاثة مستدلين بأن عبد الرحمن بن عوق طلق زوجته تماضر الكلبية في مرض موته .. فورثها عثمان، رواه مالك في (الموطأ)[2/ 571].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابن داود والماوردي: فصولحت من ربع الثمن على ثمانين ألف دينار، وقيل: دراهم.
فإن قيل: اتفقوا على أن أسباب التوارث أربعة: القرابة والنكاح والولاء والإسلام، وتوريث المبتوتة خارج عن ذلك .. فالجواب: أنه داخل في سبب النكاح، وهذا القديم منصوص عليه في الجديد أيضاً، كما نقله سليم في (المجرد) ، والمحاملي في (المجموع)، وإنما ترث عليه بشروط:
أحدها: كون الزوجة وارثة، فلو طلق المسلم زوجته الذمية في المرض فأسلمت في العدة، أو الحر زوجته الرقيقة فعتقت، أو العبد امرأته ثم عتق ومات الزوج في هذه الصورة .. لم ترث.
الثاني: عدم اختيارها، فلو اختلعت أو سألت، أو قال: أنت طالق إن شئت فشاءت، أو اختاري نفسك فقالت: اخترت، أو علق الطلاق بفعلها الذي لا ضرورة لها به ولا حاجة ففعلته .. فليس بفارٍّ، ولا ترثه.
الثالث: كون البينونة في مرض مخوف ومات بسببه، فإن برئ منه .. فلا قطعاً، أو بسبب فسيأتي.
الرابع: كونها بالطلاق، فلو فسخ نكاحها بعيبها في المرض .. فليس بفارٍّ على الصحيح.
ولو قذفها في الصحة أو في المرض ولاعنها المرض .. لم يكون فارّاً، نص عليه.
الخامس: كونه منجزاً، فلو علق طلاقها بصفة تحتمل أن توجد في الصحة والمرض،. ولم يتعلق بفعله كقوله: إذ قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت طالق فقدم أو جاء وهو مريض .. فقولان: أصحهما – وبه جزم العراقيون -: أنه ليس بفارٍّ.
ثم إلى متى ترثه؟ فيه أقوال:
أحدها: ترثه في أي وقت مات.
والثاني: إن مات قبل أن تنقضي العدة .. ورثت، وإن مات بعده .. لم ترث.
والثالث: إن مات قبل أن تتزوج .. ورثته، وإن تزوجت .. لم ترث.
فَصْلٌ:
قَالَ: طَلَّقْتُكِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى عَدَدَاً .. وَقَعَ، وَكَذَا الْكِنَايِةُ
ــ
تتمة:
مات بسبب آخر بأن قتل في ذلك المرض .. قال المتولي وابن الصباغ: ترث، وقطع صاحب (المهذب) وغيره بانها لا ترث، وحكاهما الروياني قولين، وهذا يلتفت إلى أصل تقرر في (كتاب الوصية).
ولو أبان في مرض موته أربع نسوة ونكح أربعاً ثم مات .. فالإرث للجميع على الأصح في القديم.
وقيل: للأوليات، وقيل: للأخريات.
ولو طلق امرأة ونكح أخرى .. فلا وجه إلا توريثهما.
ولو أقر في المرض أنه أبانها في الصحة .. لم يجعل فارّاً على الصحيح.
قال: (فصل:
قال: طلقتك، أو أنت طالق، ونوى عدداً .. وقع) سواء المدخول بها أو غيرها؛ لأن اللفظ صالح له وللوحدة، فتصرف بالنية إلى العدد؛ لأن الأعمال بالنيات.
وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يقع بقوله: (أنت طالق) إلا واحدة وإن نوى العدد؛ لأنه صريح في الوحدة، فلم يجز أن يجعل كناية في الثلاث؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون اللفظ الواحد صريحاً وكناية في حالة واحدة بخلاف نية الكناية.
وأجيب بأن المصدر مضمر فيه وهو محتمل للعدد؛ لانه يفسر بأعداد المصادر فيقال: أنت طالق ثلاث تطليقات.
قال: (وكذا الكناية) أي: إن نوى لها عدداً .. وقع وقبل منه؛ لحديث ركانة المتقدم؛ فإنه دل على أنه لو أراد الزيادة على الواحدة .. لوقعت.
ويشترط في نية العدد: اقترانها بكل اللفظ، فإن نوى في أثنائه .. فعلى ما تقدم في نية أصل الطلاق، قاله المتولي وغيره.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى عَدداً .. فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: الْمَنْوِيُّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ وَنَوَى عَدَداً .. فَالْمَنْوِيُّ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
وعلم من قوله: (عدداً) أن الواحدة تقع من غير نية؛ لانها لا تسمى عدداً.
قال: (ولو قال: أنت طالق واحدة ونوى عدداً .. فواحدة)؛ لان المنوي مناقض للملفوظ به، والنية مع اللفظ الذي لا يحتمل لا تعمل.
وضبط المصنف بخطة (واحدة) بالنصب ولا يختص به، بل الرفع والجر والسكون مثله، والتقدير في الجر: أنت ذات واحدة أة متصفة بواحدة، أو يكون المتكلم لاحناً، واللحن لا يمنع الحكم.
قال: (وقيل: المنْوي)؛ لان الأعمال بالنيات، وكأنه صيرها متوحدة منه بالطلاق الذي أوقعه، وهذا هو الصحيح في (الروضة) ، وكلام الرافعي مشعر به؛ فإنه نقل الأول عن الغزالي وحده، والثاني عن البغوي وغيره.
وفي وجه ثالث: إن بسط النية على جميع اللفظ .. فواحدة، أو على أنت طالق فقط .. فالمنوي، ويلغو ذكر الوحدة، وهو مشكل.
ولو قال: أنت واحدة – بالخفض أو بالسكون على الوقف – فلا يبعد جريان الخلاف فيه.
قال: (قلت: ولو قال: أنت واحدة) أي: بالرفع (ونوى عدداً .. فالمنوي)؛ حملاً للتوحيد على التوحيد عن الزوج بالعدد المنوي، والمطلقة تتوحد مرة بطلقة ومرة بأكثر فاعتبرت النية.
قال: (وقيل: واحدة والله أعلم)؛ لأن السابق إلى الذهن من أنت واحدة أنها طالق واحدة كما لو قال: أنت طالق، والخلاف جار في أنت طالق واحدة بالرفع، لكنهم لم يفرقوا في هذه المسائل بين من يعرف النحو وغيره، وللفرق اتجاه.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ .. لَمْ يَقَعْ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلَاثٍ .. فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: لَا شَيء ْ
ــ
قال: (ولو أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثاً فماتت قبل تمام طالق .. لم يقع)؛ لان الطلاق إنما يقع بآخر اللفظ، وآخره لم يصادف زوجية.
واختلفوا في إعراب ثلاثاً من قوله: (أنت طالق ثلاثاً)، فقيل: منصوب بالتفسير والتمييز؛ قال الإمام: وهذا جهل بالعربية، وإنما هو صفة لمصدر مذكر محذوف؛ أي: طالق طلاقاً ثلاثاً كقوله: ضربت زيداً شديداً؛ أي: ضرباً شديداً.
قال: (أو بعده قبل ثلاث .. فثلاث)؛ لأنه كان قاصداً الثلاث عند قوله: (أنت طالق) وهذه اللفظة مع قصد الثلاث تقتضي إيقاع الثلاث، وأيضاً قوله:(ثلاثاً) مبين للمراد من الطلاق بدليل أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثاً .. وقع الثلاث، ولا تبين بقوله: أنت طالق فقط حتى تقع واحدة.
قال: (وقيل: واحدة) أي بقوله (أنت طالق) ولا تقع الثلاث؛ لوقوع لفظ الثلاث بعد خروجها عن محل الطلاق كما لو جن الزوج قبل قوله: ثلاثاً.
قال: (وقيل: لا شيء) وبه قال أبو حنيفة؛ لأن الكلام الواحد لا يفصل بعضه عن بعض، وقد طرأ الموت قبل تمامه فيلغو.
وردتها وإسلامها إذا لم يكن مدخولاً بها كموتها قبل قوله: ثلاثاً، وكذا لو أخذ شخص على فيه ومنعه أن يقول: ثلاثاً.
فروع:
قال: أنت طالق ملئ البيت أو البلد أو السماء أو الأرض، أو مثل الجبل، أو أكبر الطلاق أو أعظمه أو أطوله أو أعرضه .. فطلقة.
ولو قال: عدد التراب .. قال الإمام: تقع واحدةٌ، وقال البغوي: ثلاث، والخلاف ينبني على أن التراب جمع أو اسم جنس، والأكثرون على الثاني، فيتجه وقوع طلقة، وهو الراجح عند المصنف في قوله:(أنت طالق بعدد شعر إبليس).
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ .. فَثَلَاثٌ، وَإِلَاّ: فَإِنْ وَإِلَاّ قَصَدَ تَاكِيداً .. فَوَاحِدَةٌ،
ــ
ولو قال: أنت طالق ألواناً من الطلاق ورجع إلى نيته، فإن لم ينو شيئاً .. وقعت واحدة.
ولو قال: أنت طالق وزن درهم أو درهمين أو ثلاثة أو أحد عشر درهماً ولم ينو عدداً .. لم يقع إلا طلقة.
ولو قال: أنت طالق وزن درهم أو درهمين أو ثلاثة أو أحد عشر درهماً ولم ينو عدداً .. لم يقع إلا طلقة.
وقيل: يعتبر تعدد الصنجة، ففي خمس وعشر وعشرين وخمسين ومئة طلقة، وفي ثلاثة وسبعة طلقتان، وفي ثلاثة عشر وخمسة وثلاثين ثلاث.
ولو قال: أنت طالق لا قليل ولا كثير .. وقع الثلاث.
ولو قال: أنت طالق لا كثير ولا قليل .. وقعت طلقة، قاله في (المطارحات)، وعلله بأنه لما قال: لا قليل .. وقع الكثير وهو الثلاث، ثم أراد أن يرفعه بعد وقوعه فلم يرتفع، وفي الثانية بقوله: لا كثير .. وقع القليل وهو واحدة، وقوله بعد ذلك:(ولا قليل) رفع له والطلاق لا يرتفع.
قال: (ولو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وتخلل فصل .. فثلاث)؛ لأن كل واحدة من هذه الألفاظ موقعه للطلاق، سواء قصد التأكيد أم لا؛ لأن التأكيد لا يكون مع الفصل، فلو قال أردت التأكيد وكررت قولي الأول .. لم يقبل في الحكم، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، وفرقوا بينه وبين ما إذا أقر في مجلس بألف ثم في مجلس آخر بألف وقال: أردت الأول حيث يقبل بأن الإقرار إخبار، والمخبر عنه لا يتعدد بتعدد الخبر، والطلاق إيقاع وإنشاء، وإذا تعددت كلمة الإيقاع .. تعدد الواقع.
والمراد بـ (الفصل): أن يسكت فوق سكته التنفس.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يتخلل فصل (فإن قصد تأكيداً .. فواحدة) المراد: قصد تأكيد الاول بالأخيرين؛ لأن التأكيد معهود في كل اللغات، ووقع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، والتكرار أعلى درجاته؛ لان التأكيد فيه لفظي.
والدرجة الثانية: التأكيد بالنفس أو بالعين.
أَوِ اسْتِئْنَافاً .. فَثَلَاثٌ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَظْهَرِ
ــ
والثالثة بنحو: رأيت القوم أجمعين، والتأكيد فيهما معنوي.
وقال أبو حنيفة: لا تسمع منه إرادة التأكيد، بل تقع عليه الثلاث، واستدل عليه الأصحاب بقياسه على الإقرار؛ فإنه وافق فيه على قبول قوله: أردت التأكيد.
قال: (أو استئنافاً .. فثلاث)؛ لتكرر اللفظ بالنية، وهل يتعلق التحريم بالأخيرة أو بالمجموع. فيه خلاف تقدم.
قال: (وكذا إن أطلق في الأظهر) وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ لان كل لفظة موقعة لطلقة لو أنفردت، فإذا اجتمعت .. اجتمع حكمها.
والثاني: لا يقع إلا واحدة؛ لأن التأكيد والاستئناف محتملان فيؤخذ باليقين.
وقوله: أنت طالق أنت مفارقة أنت مسرحة كقوله: أنت طالق أنت طالق، وقيل: تقع ثلاث طلقات، وهذا الحكم يأتي في تكرر الكنايات كقوله: اعتدي اعتدي اعتدي كما حكاه الرافعي في (الفروع المنثورة) في الصريح والكناية عن القاضي شريح الروياني ثم قال: ولو كانت الألفاظ مختلفة ونوى بها الطلاق .. وقعت بكل لفظة طلقة، ويأتي أيضاً في السؤال والجواب، فلو قالت له: طلقني طلقني طلقني فقال: طلقتك أو قد طلقتك .. ففي (الرافعي) في السطر الثاني في (التعليقات) عن البوشنجي: إن نوى الثلاث .. وقعن، وإلا .. فواحدة.
ومثل الأصحاب التأكيد بقولهم: أنت طالق مرتين أو ثلاثاً، ولم يتعرضوا لما إذا زاد على ثلاث وقال: أردت بالجميع التأكيد، وقال ابن عبد السلام: إن العرب لم تؤكد أكثر من ثلاث مرات، وفي (البرهان) للإمام ما يشهد له.
وعلى هذا: يتجه أن لا تسمع منه إرادة التأكيد في الرابعة؛ لأن اللفظ لا يصلح له.
وفي (فتاوي الغزالي): لو قال: أنت طالق وكرر ذلك أربع مرات ينوي التكرار وقال في الرابعة: إن شاء الله .. رجع إلى الجميع؛ فإن الكلام ما دام متصلاً برابطة
وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأكِيداً وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافاً أَوْ عَكَسَ .. فَثِنْتَانِ، أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأكِيدَ الأُولَى .. فَثَلَاثٌ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: أنَتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ .. صَحَّ قَصْدُ تَأكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، لَا الأَوَّلِ بِالْثَّانِي
ــ
التكرار كالجملة الواحدة، وهذا كقوله: أنت طالق واحدة واثنتين وثلاثاً إن شاء الله. اه
وهذا يقتضي جواز الاستثناء في الرابعة؛ فإن الاستثناء كالتأكيد.
قال: (وإن قصد بالثانية تأكيداً) أي: تأكيد الأولى (وبالثالثة استئنافاً أو عكس .. فثنتان)؛ عملاً بقصده فيهما.
والمراد بقوله: (عكس) أي: أراد بالثالثة تأكيد الثانية وبالثانية الاستئناف، وبقي ما لو قصد بالثانية الاستئناف ولم يقصد بالثالثة شيئاً، أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئاً .. فثلاث في الأظهر، وقيل: ثنتان.
قال: (أو بالثالثة تأكيد الأولى .. فثلاث في الأصح)؛ لتخلل الفصل.
والثاني: يقبل ويحتمل الفصل اليسير.
قال: (ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق .. صح قصد تأكيد الثاني بالثالث)؛ لاستوائهما، ويكون حرف العطف الثاني تأكيداً لحرف العطف الأول كما أن المتعاطفين كذلك.
قال: (لا الأول بالثاني)؛ لان الواو الأولى لم يتقدم لها مثلها فيقول: هي مؤكدة لواو سابقة فتعين أنها عاطفة، والعطف يقتضي المغايرة، وعطف الشيء على نفسه وإن كان واقعاً في كلام العرب .. فهو قليل، بخلاف التأكيد فإنه كثير.
وعلم من عبارته: أنه لو قصد تأكيد الأول بالثالث .. كان أولى بعدم الصحة؛ للفصل وعدم الاستواء.
والحكم في العطف بـ (الفاء) و (ثم) كالعطف بـ (الواو)، فإن اختلف الحرف كقوله: وطالق فطالق .. فإنه تقع الثلاث.
وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوءَةٍ، فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا .. فَطَلْقَةٌ بِكْلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ: إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ .. فَثِنْتَان فِي الأَصَحَّ.
ــ
قال: (وهذه الصور في موطوءةة، فلو قالهن لغيرها .. فطلقة بكل حال)؛ لأنها تبين بالأولى فلا يقع ما بعدها.
وفي وجه أو قول قديم: أنه كما لو قاله للمدخول بها؛ لان الكلام الواحد لا ينفصل بعضه عن بعض فأشبه ما إذا قال: أنت طالق ثلاثاً.
والفرق على المذهب: أن (ثلاثاً) تفسير لما أراده ببقوله: أن طالق، وأما العطف والتكرار .. فليس متعلقاً بالأولى.
قال: (ولو قال لهذه) أي: غير المدخول بها (إن دخلت فأنت طالق وطالق فدخلت .. فثنتان في الأصح)؛ لأنهما معلقان بالدخول ولا ترتيب بينهما.
والثاني: لا تقع إلا واحدةٌ فقط كالمنجز وهو الأقيس كما لو قال في التنجيز: أنت طالق وطالق.
والثالث: إن أخر الجزاء كصورة الكتاب .. فثنتان، وإن عكس كقوله: أنت طالق وطالقإن دخلت الدار .. فواحدة، ولو قال ذلك لمدخول بها .. وقع ثلاثاً بالدخول قطعاً.
وبنى القاضي والمتولي الوجهين الأولين على أن (الواو) للجمع أو الترتيب؟ إن قلنا: للجمع .. وقعت الثلاث، أو الترتيب .. فواحدة.
أما إذا عطف ب (ثم) .. فلا يقع بدخول غير المدخول بها إلا واحدة؛ لان (ثم) للتراخي، سواء قدم الشرط أو أخره.
فرع:
قال لغير المدخول بها: أنت طالق أحد عشر طلقة طلقت ثلاثاً، وإن قال: إحدى وعشرين طلقة .. فوجهان، الأصح: واحدة؛ لانه معطوف كأنه قال: واحدة وعشرون، بخلاف أحد عشر؛ فإنه مركب.
وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَت طَلْقَةٌ .. فَثِنْتَان، وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ .. فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ، وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ .. فَطَلْقَتَانِ،
ــ
قال: (ولو قال لموطوءة: أنت طالق طلقة مع أو معها طلقة .. فثنتان)؛ لأن المعية تقتضي وقوعهما، فتقع طلقتان على المدخول بها، لكن هل يقعان معاً أو متعاقبين؟ فيه وجهان: أصحهما أولهما.
قال: (وكذا غير موطوءة في الأصح) هذا مرتب على الخلاف السابق إن قلنا: تقع الطلقتان مترتبتين .. وقع على غير المدخول بها واحدة؛ لانها بانت بالأولى، ولإن قلنا: تقعان معاً .. وقعتا كما لو قال لها: أنت طالق طلقتين.
قال: (ولو قال: طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة .. فثنتان في موطوءة)؛ لأن مضمون هاتين الطلقتين إيقاع طلقة تسبقها طلقة فكأنه قال: طلقتان.
قال: (وطلقة في غيرها)؛ لأن بها تحصل البينونة فلم تصادف الثانية نكاحاً.
قال: (ولو قال: طلقة بعد طلقة أو قبلها طلقة .. فكذا في الأصح) فتقع ثنتان في موطوءة وواحدة في غيرها، أما الواحدة في غيرها .. فلما سبق، وأما الثنتان في الموطوءة .. فلأنه وصف الطلقة التي أوقعها بأنها بعد طلقة، أو بأن قبلها طلقة، ومضمون ذلك إيقاع طلقة تسبقها طلقة فتقعان متعاقبين، ثم في كيفيته وجهان:
أصحهما: تقع المضمنة ثم المنجزة.
والثاني: عكسه ويلغو قوله: (قبلها).
ويقابل الأصح وجه: أنه تقع في الموطوءة واحدة؛ لجواز أن يكون المعنى قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة؛ أي: وقعت قبل ذلك، وفي غيرها .. قيل: لا شئ، وقيل: ثنتان.
قال: (ولو قال: طلقة في طلقة وأراد مع .. فطلقتان)؛ لقصده وصلاحية اللفظ، فإن (في) تستعمل بمعنى (مع) قال تعالى:{ادخلوا في أمم} ، {في عبادي} ، {في أصحاب الجنة} . (ذكرته في ملأ خير منهم).
أَوِ الظَّرْفَ أَوِ الْحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ .. فَطَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي طَلْقَةٍ .. فَطَلْقةٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً .. فَثَلَاثٌ، أَوْ ظَرْفاً .. فَوَاحِدَةٌ، أَوْ حِسَاباً وَعَرَفةُ .. فَثِنْتَانِ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ .. فَطَلْقَةٌ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ،
ــ
قال الغزالي: والاحتمال البعيد مقبول في الإيقاع وإن لم يقبل في نفي الطلاق.
قال: (أو الظرف أو الحساب أو أطلق .. فطلقة) أما الأولى .. فلأن ذلك مقتضاه في المسألتين، وأما الثالثة .. فلأن اللفظ المأتي به على سبيل الإيقاع ليس إلا واحدة.
قال: (ولو قال: نصف طلقة في طلقة .. فطلقة بكل حال) سواء نوى المعية أو الظرف أو الحساب أو أطلق، كذا في النسخة التي بخط المصنف.
ولا يصح قوله: (بكل حال)؛ فإنه إذا قصد به المعية .. تقع طلقتان، وكذلك عكسه طلقة في نصف طلقة إذا أراد المعية .. تقع طلقتان، والصواب: نصف طلقة في نصف طلقة كما هو في (الروضة) و (المحرر) وكثير من نسخ (المنهاج)؛ ليتم قوله: (فطلقة بكل حال) ، وكذلك هو مخرج في النسخة التي بخط المصنف لكن بغير خطه.
قال: (ولو قال: طلقة في طلقتين وقصد معية .. فثلاث)؛ لما تقرر في قوله: (طلقة في طلقة)
قال: (أو حساباً وعرفه .. فثنتان)؛ لان ذلك مقتضاه فيه، وعند أبي حنيفة: لا تقع إلا واحدة.
قال: (وإن جهله وقصد معناه) أي: عند أهل الحساب (.. فطلقة)؛ لأن ما لا يعلم لا تصح إرادته.
قال: (وقيل: ثنتان)؛ لانه موجبه في الحساب وقد قصده، وشبههما الأصحاب بالوجهين فيما إذا أتى العجمي بلفظ الطلاق وقال: أردت به ما يريد العربي وهو لا يعرف معناه.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئاً .. فَطَلْقَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: ثِنْتَانِ إِنْ عَرَفَ حِسَاباً. وَلَوْ قَالَ: بَعْضَ طَلْقَةٍ .. فَطَلْقَةٌ،
ــ
ويجريان فيما لو قال: طلقها مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد، وكذا لو نوى عدد طلاق زيد.
قال: (وإن لم ينو شيئاً .. فطلقة) سواء عرف الحساب أو جهله؛ لأنه الأقل والزائد مشكوك فيه.
ثم الإمام صور المسألة بالموطوءة ولم يتعرض لغيرها، قال ابن الرفعة: فيتجه أن يجئ في وقوع ما زاد على الواحدة الخلاف في قوله: (طلقة مع طلقة).
قال: (وفي قول: ثنتان إن عرف حساباً)؛ لانه الاستعمال المشهور في الأعداد والحالف عارف به.
وفي وجه ثالث: تقع ثلاث؛ لتلفظه بها.
قال: (ولو قال: بعض طلقة .. فطلقة) سواء أبهمه أو عينه كنصف أو ربع؛ لان الطلاق لا يتبعض، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع، ولم يخالف فيه إلا داوود.
ووقوع الطلقة هنا – قال الإمام والغزالي-: من باب التعبير بالبعض عن الكل، ومقتضى كلام الرافعي: ترجيح كونه بطريق السراية كما هو الراجح في تبعيض المحل، وللخلاف فائدتان:
إحداهما: إذا قال: أنت طالق ثلاث طلقات إلا نصف طلقة، فإن جعلناها من باب السراية .. أوقعنا ثلاثاً وهو الأصح؛ لان السراية في الإيقاع لا في الرفع.
والثانية: إذا قالت: طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها طلقة ونصفاً .. قيل: تستحق ثلثي الألف؛ لأنه أوقع طلقتين بناء على أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل.
وقيل: نصف الألف وهو الأصح كما تقدم في بابه؛ لانه أوقع نصف الثلاث، وهذا صريح في أن الراجح السراية.
ثم المشهور: أمن وقوع الطلقة لا يفتقر إلى نية، وحكى الرافعي وجعين في أنه صريح، أو كناية عن العبادي وأقره.
أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ .. فَطَلْقَةٌ إِلَاّ أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفَ مِنْ طَلْقَةٍ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ
ــ
قال: (أو نصفي طلقة .. فطلقة)؛ لان ذلك طلقة، وكذلك الحكم في ربعي طلقة وثلثيها.
قال: (إلا أن يريد كل نصف من طلقة) فتقع طلقتان؛ تكميلاً للبعضين.
قال: (والأصح: أن قوله: نصف طلقتين طلقة)؛ لأنها نصفهما.
والثاني: طلقتان؛ لانه أضاف النصف إلى طلقتين فيكون النصف من هذه والنصف من هذه، فيقع من كل طلقة نصفها ويكمل كما لو أقر بنصف عبدين.
ولو قال: عليَّ نصف درهمين .. فدرهم بالاتفاق.
قال: (وثلاثة أنصاف طلقة، أو نصف طلقة وثلث طلقة طلقتان) المسألتان معطوفتان على (الأصح) ، أما الأولى .. فوقع فيها طلقة ونصف وكمل، ووجه مقابلة فيها – وهو طلقة واحدة:- أن الأجزاء المذكورة مضافة إلى طلقة واحدة فتلغو الزيادة ويصير كأنه قال: نصفي طلقة أو ثلاثة أنصاف طلقة أو ثلاثة أثلاثها، وضابط الخلاف أنا هل ننظر إلى المضاف أو المضاف إليه؟
وأما المسألة الثانية .. فلأنه أضاف كل جزء إلى طلقة، وعطف البعض على البعض فاقتضى ذلك التغاير، ووجه مقابلة فيها – وهو وقوع طلقة:- أن الطلقة وإن كررت فهي محتملة للتأكيد والأجزاء، والمضاف يتبع المضاف إليه، فلو قال: ثلاثة أنصاف الطلاق .. فقال المتولي: تقع ثلاث طلقات، وتنصرف الألف واللام إلى الجنس، وحكى الحناطي وجهين:
أحدهما: هذا، والثاني: طلقة.
وجميع ما ذكره المصنف ما لم يزد على أجزاء طلقتين كخمسة أثلاث وسبعة أرباع، فإن زاد كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع .. فإن الخلاف يكون في طلقة أو ثلاث، قاله في زوائد (الروضة).
وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ .. فَطَلْقَةٌ. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلاثَاً أَوْ أَرْبَعاً .. وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ، فَإنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلًّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ .. وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأرْبَعٍ ثَلَاثٌ،
ــ
قال: (ولو قال: نصف وثلث طلقة .. فطلقة)؛ لأن مجموع النصف والثلث لا يزيد عليها، وكذلك لو قال: نصف وثلث وسدس طلقة، وهذا معطوف على الأصح أيضاً، ويقابله طلقتان.
واقعة:
قال: أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة .. قال القاضي: وقعت هذه المسألة بنيسابور، فافتى فيها الشيخ أبو المعالي بوقوع طلقتين، ومدركه ظاهر، وأفتى فيها الفقيه أبو إبراهيم بوقوع ثلاث؛ لأنه لما قال: أقل من طلقتين .. كأنه قال: طلقة وشيئاً، ولما قال: أكثر من طلقة .. وقعت أيضاً طلقتان، فيكون المجموع ثلاث طلقات وشيئاً فتقع الثلاث. اهـ
وصوب شيخنا في (الطبقات) و (الكوكب) الأول.
قال: (ولو قال لأربع: أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثاً أو أربعاً .. وقع على كلٍ طلقةٌ)؛ لانه إذا وزع عليهن .. أصاب كل واحدة منهن طلقة أو بعض طلقة وتكمل، وفيه وجه: أنه يوزع وإن لم يقصده.
ولو قال: خمساً أو ستاً أو سبعاً أو ثماني .. فطلقتان إلا أن يريد التوزيع، ولو قال: تسعاً .. فثلاث مطلقاً.
قال: (فإن قصد توزيع كل طلقة عليهن .. وقع في ثنتين ثنتان، وفي ثلاث وأربع ثلاث)؛ عملاً بقصده، وعند الإطلاق لا يحمل اللفظ على هذا التقدير؛ لبعده عن
وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ .. لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِراً فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا، أَوْ أَنْتِ كَهِيَ؛ فَإِنْ نَوَى .. طَلَقَتْ، وَإِلَاّ .. فّلَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لاِمْرَأَتِهِ
ــ
الفهم، ووقع في (المحرر): في ثلاث ثلاث وفي أربع أربع، وكذا في (الشرح) ، وغيِّرها في (الروضة) بعبارته هنا.
قال في (الدقائق): وذلك غلط؛ لسبق قلم أو من الناسخ، والصواب ما في (المنهاج).
قال: (وإن قال: أردت ببينكن بعضهن .. لم يقبل ظاهراً في الأصح)؛ لأن ظاهر اللفظ يقتضي الشركة.
والثاني: يقبل؛ لأنه إذا كانت الطلقة بينهن .. كان الطلاق بينهن.
ومحل الخلاف إذا قال: أوقعت بينكن كما قاله المصنف، فإن قال: عليكن .. لم يقبل قطعاً، قاله الإمام والبغوي، لكن نازع الرافعي فيه وطرد الخلاف.
قال: (ولو طلقها ثم قال لأخرى: أشركتك معها، أو أنت كهي؛ فإن نوى .. طلقت، وإلا .. فلا؛ لأن اللفظ التشريك كنايةٌ، هذا في التنجيز بلا خلاف.
أما لو علق طلاق امرأة بدخول الدار ونحوه ثم قال لأخرى: أشركتك معها .. روجع، فإن قال: قصدت أن الأولى لا تطلق حتى تدخل الأخرى .. لم يقبل، وإن قال: أردت إذا دخلت الأولى طلقت الثانية .. قبل؛ لأنه كناية، وإن قال: أردت تعليق طلاق الثانية بدخولها نفسها كما في الأولى .. ففي صحة هذا التشريك وجهان، أصحهما: الصجة؛ لأنه جائز في تنجيز الطلاق فكذا في تعليقه، كذا ذكره الشيخان في باب الإيلاء).
قال: (وكذا لو قال آخرُ ذلك لامرأته) يعني: إذا قال واحد لإمرأته: أنت طالق فقال غيره لزوجته: أشركتك معها أو أنت كهي، فإن نوى .. وقع، وإلا .. فلا؛ لأن الإشراك يحتمل أن يكون في الطلاقة وغيره، فإذا نوى الطلاق .. وقع، وإلا .. لم يقع.
فَصْلٌ:
يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ
ــ
تتمة:
قال لواحدة من نسائه: أنت طالق عشراً فقالت: يكفيني ثلاث فقال: الباقي على صواحباتك .. لا يقع عليهن الطلاق؛ لأنه لم يخاطبهن به، كذا قاله المتولي، ونقله في (الروضة) عن البغوي، ونقل في مسائل منثورة تتعلق بالصريح والكناية: أنه إذا نوى .. وقع، وإن قالت: تكفيني واحدة فقال: الباقي لضرتك .. وقع الثلاث عليها وعلى الضرة طلقتان إذا نوى، ونقله عن البغوي أيضاً.
قال: (فصل:
يصح الاستثناء)؛ لأنه معهود في الكتاب والسنة قال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس} .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة إلا لأحد ثلاثة).
واتفقوا على أنه صحيح معتبر في الأقارير وسائر الأيمان في الأعداد وغيرها وإن كان النحاة مختلفين في الاستثناء من العدد.
وهو ينقسم في الاستعمال إلى متصل ومنقطع، فالمتصل: إخراج بعض من كل بإلا، أو بإحدى أخواتها وهي: غير وسوى وخلا وعدا وحاشا وليس ولا يكون، وهو المراد هنا.
وأما المنقطع كقوله: عندي ثوب إلا درهم .. فليس مقصوداً هنا، وإطلاق لفظ الاستثناء عليه مجاز.
ولفظ الاستثناء يقع في عرف الشرع على التعليق بمشيئة الله تعالى كقوله: أنت طالق إن شاء الله، فأما التعليق بمشيئة غير الله والتعليق بسائر الأفعال .. فلا يكاد يطلق عليه استثناء في الشرع.
بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ، وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ
ــ
قال الإمام: ولا تبعد في اللغة تسمية كل تعليق استثناء؛ فإنه تثنية عن الإطلاق. قال: (بشرط اتصاله) أشار إلى أنه لا تكفي فيه النية، بل لابد فيه من اللفظ عند القدرة عليه، ولابد من اتصال لفظه بلفظ المستثنى منه بإجماع أهل اللغة، فالسكوت الطويل المؤذن بالإعراض يبطله، وقد تقدم عن الإمام أن الاتصال المشروط هنا أبلغ مما يشترط بين الإيجاب والقبول؛ لأنه يحتمل بين كلامي الشخصين ما لا يحتمل بين كلام الشخص الواحد، ولذلك لا ينقطع الإيجاب والقبول بتخلل كلام يسير في الأصح، وينقطع به الاستثناء على الصحيح، كذا في (الروضة) و (الشرح) ههنا، وجزماً في (البيع) بأن تخلل الكلام يضر، ولم يفرقا بين قليل وكثير، وما صححه الشيخان هنا من أن الكلام اليسير يقدح في الاستثناء يخالفه قولهم: إنه لو قال: أنت طالق ثلاثاً يا زانية إن شاء الله .. فإن الاستثناء يصح.
وما حكياه في (كتاب الإقرار) عن صاحبي (العدة) و (البيان) أنه لو قال: له علي ألف أستغفر الله إلا مئة .. يصح كما إذا قال: ألف يا فلان، قال المصنف: وفيه نظر.
وفي (الوسيط) وغيره عن ابن عباس تجويز الاستثناء المنفصل، ثم اختلفوا فقيل: إلى سنة، وقيل: إلى شهر، وقيل: أبداً، وهو الذي يقتضيه كلام الأكثرين في النقل عنه كالشيخ أبي إسحاق وإمام الحرمين وصاحب (المعتمد) وغيرهم، واستدل له بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:(من حلف واستثنى .. فله ثُنْيَاه) وبقول العباس: إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال: (إلا الإذخر).
قال: (ولا يضر سكتة تنفس وعيٍّ) وكذلك عروض السعال وانقطاع الصوت؛ لأنه يعد في العادة متصلاً.
قُلْتُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْويَ الاِسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الأصَحِّ، وَاللهُ أعْلَمُ. وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ،
ــ
قال (قلت: يشترط أن ينوي الاستثناء قبل فراغ اليمين في الأصح والله أعلم).
قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه إذا لم ينو بالاستثناء رفع اليمين .. لا يكون مستثنياً.
وفيما يشترط اقتران النية به أوجه:
أحدها: أول اللفظ المستثنى منه، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً من غير قصد استثناء، ثم بدا له عنده آخره أن يقول: إلا واحدة أو إلا أن يشاء الله متصلاً .. لم يصح الاستثناء وتقع الثلاث.
والثاني: يكفي اقترانه بلفظ الاستثناء، ولا يشترط اقترانه باللفظ المستثنى منه، قال الإمام: ولا وجه له، وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع على بطلانه، ونسبه ابن الصباغ إلى الأكثرين، وصححه الماوردي في الاستثناء بالمشيئة.
والثالث – وهو الذي صححه المصنف هنا وفي (التصحيح) وزوائد (الروضة) -: أنه يشترط وجوده في أثناء اللفظ المستثنى منه، وهو الذي نص عليه في (البويطي) صريحاً، ووجهه: أن اليمين إنما تعتبر بتمامها، فإذا نوى الاستثناء قبل تمام اللفظ بالطلاق .. امتنع نفوذه كما في الابتداء.
وقوله: (قبل فراغ اليمين) صادق على ثلاث صور: أن يوجد في أول اليمن فقط، أو في أثنائها، أو في آخرها، وأن الخلاف جار في الجميع، وهو صحيح.
قال: (ويشترط عدم استغراقه)؛ لأن المستغرق باطل بالإجماع كما حكاه الإمام فخر الدين والآمدي، وإن كان في (المدخل) لابن طلحة المالكي الأندلسي قول بصحته، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً .. بطل الاستثناء وطلقت ثلاثاً.
فإن قيل: لم لا بطل ما جاء منه الفساد – وهو الاستغراق – وتقع طلقتان؛ لان المستثنى جمع بين ما يجوز وما لا يجوز، فيخرج على تفريق الصفقة .. فالجواب: أن ذلك لم يذهب إليه أحد كما قاله ابن الرفعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلم من كلام المصنف: أنه يصح استثناء الأكثر، وهو كذلك.
فإن قيل: يرد على فساد استثناء المستغرق نحو: أنت طالق إن شاء الله؛ فإنه يرفع جميع الطلاق الذي أوقعه وهذا معنى الاستثناء .. فالجواب: أن هذا خرج بالنص فبقى ما عداه على الأصل.
فروع:
الأول: قال: كل امرأة لي غيرك أو سواك طالق ولم يكن له إلا المخاطبة .. لم يقع الطلاق كما جزم به الخوارزمي في (كتاب الإيمان)، ويؤيد ما نقله الشيخان عن القفال وأقراه أنه لو قال: النساء طوالق إلا عمرة ولا زوجة له سواها .. لم تطلق.
ولو كانت امرأته مع نسوة فقال: طلقت هؤلاء إلا هذه وأشار إلى زوجته .. لم تطلق زوجته، قال الشيخ: والذي استقر عليه رأيي أنه إن قدم (غير) فقال: كل امرأة لي غيرك طالق .. لم تطلق، وإن أخرها فقال: كل امرأة لي طالق غيرك ولا امرأة له غيرها .. طلقت، قال: وكذلك أقول في قوله: إلا أنت.
واختار ابن الرفعة أنه إن قال: غيرك بالفتح .. فهو استثناء مستغرق يوقع الطلاق، وإن قال: غيرُك أو غيرِك على الصفة .. لم تطلق.
الثاني: قال: أنت طالق طلقتين إحداهما لا تقع عليك .. فوجهان: أصحهما: تقع طلقتان.
والثاني: واحدة كقوله: اثنتين إلا واحدة، وبهذا جزم الماوردي، ويرد عليه: أنه استثناء بغير أداة استثناء، ومثله لم يعهد.
الثالث: إذا قدم المستثنى على المستثنى منه بأن قال: أنت إلا واحدة طالق ثلاثاً .. قال في (المهذب): عندي أنه يصح وتقع طلقتان، ونقل عن بعض الأصحاب – وعنى به الماوردي: أنه لا يصح الاستثناء، والمشهور الأول؛ ففي (الروضة) في أوائل (كتاب الأيمان): لو قال: لفلان علي إلا عشرة دراهم مئة درهم .. صح الاستثناء، وفيه وجه ضعيف.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً إِلَاّ ثِنْتَيْنِ وَوَاِحدَةٌ .. فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، أَو ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً .. فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ. وَهنِيَّ مِنْ نَفْي إِثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ، فَلَو قَالَ: ثَلَاثاً إِلَاّ طَلْقَةً .. فَثِنْتَانِ، أَوْ ثَلاثَاً إِلَاّ ثَلاثاً إِلَاّ اثْنَتَيْنِ .. فَثِنْتَانِ،
ــ
قال: (ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين وواحدة .. فواحدة، وقيل: ثلاث) هذا الخلاف ينبني على أنه إذا عطف بعد العدد على بعض في المستثنى أو المستثنى منه هل يجمع بينهما. فيه وجهان:
أحدهما: يجمع؛ لأنه لو قال: علي درهم ودرهم .. لزمه درهمان.
والأصح: المنع؛ لان الجملتين المعطوفتين تفردان بالحكم وإن كانت الواو للجمع؛ لأنه لو قال: لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق .. لا تطلق إلا طلقة، فوقوع الطلقة مفرع على عدم الجمع في المستثنى؛ إذ لو جمع .. لصار ثلاثاً إلا ثلاثاً فيستغرق فتقع الثلاث.
والقائل بالثاني ينظر إلى الجمع ويوقع الثلاث؛ لكونه مستغرقاً.
قال: (أو ثنتين وواحدة إلا واحدة .. فثلاث، وقيل: ثنتان) هو أيضاً ينبني على الأصل المذكور، فعلى الجمع: تكون الواحدة مستثناة من الثلاث فتقع طلقتان، وعلى مقابلة: لا يجمع وتكون الواحدة مستثناة من الواحدة فتقع الثلاث، فلو قال: واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة فثلاث قطعاً؛ لأنا إن جمعنا .. فقد استثنى ثلاثاً من ثلاث، وإلا .. فقد استثنى كل واحدة من واحدة.
قال: (وهي من نفي إثبات) بالاتفاق.
قال: (وعكسه) هذه خالفه فيها أبو حنيفة، ووافقه الإمام في (المعالم) ، وفي (الحاصل) و (المنتخب) اختار مذهب الشافعي.
قال: (فلو قال: ثلاثاً إلا ثنتين إلا طلقة .. فثنتان)؛ لأن المعنى ثلاثاً تقع إلا ثنتين لا تقع إلا طلقة تقع.
قال: (أو ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا اثنتين .. فثنتان)؛ لأنه لما عقب الاستثناء
وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، أَوْ خَمْساً إِلَاّ ثَلَاثاً .. فَثِنْتَانِ، ثَلَاثٌ، أَوْ ثَلَاثاً إِلَاّ نِصْفَ طَلْقَةٍ .. فَثَلَاثٌ عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
بالاستثناء .. خرج الأول عن أن يكون مستغرقاً، وكأنه استثنى ثلاثاً إلا اثنتين من ثلاث، فكأنه قال: ثلاثاً إلا واحدة.
قال: (وقيل: ثلاث) ويبطل الاستثناء الأول؛ لاستغراقه، فيصرف الثاني إلى أصل الكلام.
وضابط جريان هذا الخلاف: أ، يتعدد الاستثناء ويكون الأول مستغرقاً للمستثنى منه دون الثاني كقوله: عشرة إلا عشرة إلا أربعة.
قال: (أو خمساً إلا ثلاثاً .. فثنتان، وقيل: ثلاث) أشار به إلى ما إذا زاد على العدد المملوك هل ينصرف الاستثناء إلى الملفوظ به؛ لأنه لفظ فيتبع به موجب اللفظ، أو إلى المملوك؛ لأن الزيادة عليه لغو لا عبرة بها؟ وجهان، أصحهما: الأول، ومنه يعلم مأخذ الوجهين في مسألة الكتاب.
قال: (أو ثلاثاً إلا نصف طلقة .. فثلاث على الصحيح)؛ لانه إذا استثنى نصف طلقة .. بقى نصفها فكملت.
والثاني: تقع ثنتان ويجعل استثناء النصف كاستثناء الجميع، كما أن إيقاع النصف كإيقاع الجميع.
فروع:
قال: أنت طالق نصف طلقة إلا نصف طلقة وقعت طلقة.
وإن قال: طلقة ونصف إلا طلقة ونصف .. فالقياس وقوع طلقتين.
ولو قال لنسوته الأربع: أربعتكن طوالق إلا فلانة .. قال القاضي والمتولي: لا يصح هذا الاستثناء؛ لأن الأربع ليست صيغة عموم، وإنما هي اسم لعدد معلوم خاص، فقوله:(إلا فلانة) رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها، فهو كقوله: أنت
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ إِنْ لَمْ يَشَأ اللهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ،، لَمْ يَقَعْ،.
ــ
طالق طلاقاً لا يقع عليك، وقد تقدم في (الإقرار): أن الاستثناء صحيح من المعين على الوجه الشاذ في ذلك الباب [و] هو المنقول هنا عن القاضي والمتولي فطريقهما واحد، والمعتمد: صحة الاستثناء في المذكورات.
قال: (ولو قال: أنت طالق إن شاء الله، أو إن لم يشأ الله وقصد التعليق .. لم يقع).
أما الأولى .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف ثم قال: إن شاء الله .. فقد استثنى) رواه الأربعة وصححه الحاكم، وهو عام في الطلاق والأيمان.
وفي (معرفة الصحابة) لأبي موسى الأصبهاني من رواية معدي كرب مرفوعاً: (من أعتق أو طلق واستثنى .. فله ثنياه).
وروى الطبراني والدارقطني [4/ 35] عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاذ؛ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق، ولا خلق الله تعالى شيئاً أبغض إليه من الطلاق، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله .. فله استثناؤه ولا طلاق عليه) وبهذا قال مالك وأحمد.
والجواب: ضعف الحديث؛ فإنه من رواية حميد بن مالك اللخمي، وهو منكر الحديث.
وأما المسألة الثانية .. فلأن عدم المشيئة محال، فأشبه ما إذا قال: إن جمعت بين السواد والبياض.
ونظير قول المصنف: (إن شاء الله): متى شاء الله وإذا شاء الله فأنت طالق، وكذا بإسقاط (الفاء) على الأصح.
ولو قال: أنت طالق لو شاء الله .. فعن القفال أنه أستقر رأيه على أن يقع، وأجاب ابن القاص بعدم الوقوع.
وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ، وَعِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَكْلِّ تَصَرُّفٍ. وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ إِنْ شَاءَ اللهُ .. وَقَعَ فِي الأَصَحِّ
ــ
واحترز بـ (قصد التعليق) عما إذا سبق الكلمة إلى لسانه لتعوده بها، أو لقصد التبرك بذكر الله تعالى، أو إشارة إلى أن كل شيء بمشيئة الله تعالى .. وقع الطلاق والعتق.
قال: وكذا يمنع انعقاد تعليق كما إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله؛ لعموم قوله (من حلف) ، ولأن التعليق بالمشيئة يمنع الطلاق المنجز فالمعلق أولى.
قال: زعتق تنجيزاً وتعليقاً كأنت حر إن شاء الله، أو أنت حر إن دخلت الدار إن شاء الله ، خلافاً لمالك وأحمد؛ لعموم من أعتق أو طلق واستثنى .. فله ثنياه.
قال: (ويمين) كقوله: والله لأفعلن إن شاء الله؛ لما روى الشيخان [خ5242 - م1654] في حديث سليمان بن داوود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو قال: إن شاء الله .. لم يحنث).
قال: (ونذر) كقوله: لله علي كذا إن شاء الله.
وحكى الشيخان في (كتاب الأيمان) وجهين في تعقيب اليمين بالمشيئة هل يمنع الانعقاد أو لا؟ والأصح: ما صححاه هنا من عدم الانعقاد، وكذلك يمنع الظهار على المشهور كما حرره في (المهمات).
قال: وكل تصرف أي: حقه الجزم كالبيع والإقرار والإجارة، وكذلك يمنع انعقاد نية الوضوء والصلاة والصوم وغيرها من العبادات إذا قصد التعليق.
قال: (ولو قال: يا طالق إن شاء الله .. وقع في الأصح) ويكون الاستثناء لغواً؛ لأن الاستثناء إنما يعتاد ويعمل في الأفعال دون الأسماء، ولذلك لا يقال: يا أسود إن شاء الله.
والثاني: يصح؛ لأنه إنشاء في المعنى كقوله: طلقتك أو أنت طالق، والخلاف راجع إلى أنَّا هل نراعي الوضع في الاستثناء أو المعنى المراد باللفظ ونقيمه مقام الموضوع؟
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ
ــ
فرع:
قال: يا طالق أنت طالق ثلاثاً إن شاء الله .. وقعت طلقة بقوله: يا طالق فقط، ولو قال: أنت طالق ثلاثاً يا طالق إن شاء الله .. فقيل: تقع طلقة بقوله: يا طالق، وقيل: ثلاث؛ بناء على أن النداء يدخله الاستثناء، وقيل: لا يقع شيء.
قال في [الشرح] و [الروضة]: يشبه أن يكون الأول أظهر.
قال: (وإن قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله .. فلا في الأصح)؛ لأن معناه إلا أن يشاء الله عدم تطليقك .. فلا يقع شيء؛ لأن المشيئة لا اطلاع لنا عليها.
والثاني: يقع؛ لأنه أوقعه وشككنا في الرافع فصار كما لو قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد، فمات زيد ولم تعلم مشيئته .. فإنه يقع الطلاق، وهذا رجحه العراقيون، وقال الروياني وصاحب (الكافي): إنه المذهب، ورجحه القاضي البغوي والماوردي.
فروع:
الأول: قال: حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله .. نقل الرافعي عن (التهذيب): أن الاستثناء يرجع إلى عمرة على الأصح، وقيل: إليهما. اهـ
والذي في (التهذيب): لو قال حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله .. لا تطلق واحدة منهما. ولو قال: حفصة طالق وعمرة طالق إن شاء الله .. طلقت حفصة، ولا تطلق عمرة؛ لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه، وقيل: إليهما، والأول أصح.
الثاني: عن القفال لو قال: أنت طالق واحدة ثلاثاً إن شاء الله من غير واو) .. لم يقع شئ؛ لأن الواحدة المتقدمة عائدة في الثلاث، والاستثناء عائد إلى جميع الكلام.
الثالث: لو قال: علي الطلاق لا أفعل الشيء الفلاني إلا أن يسبقني القضاء والقدر ثم فعله وقال: قصدت إخراج ما قدر منه على اليمين .. أفتى ابن الصلاح بعدم الوقوع.
فَصْلٌ:
شَكَّ فِي طَلَاقٍ .. فَلَا، أَوْ فِي عَدَدٍ
ــ
تتمة:
فعل شيئاً ثم قال: والله ما فعلته إن شاء الله أو حلف بالطلاق أنه ما فعل ثم قال: إن شاء الله .. صرح المتولي بأنه لا يحنث، فإذا لم يفعل شيئاً شاء الله أنه لم يفعله؛ إذ لا يقع شيء إلا بمشيئة الله تعالى، وبهذا أفتى البارزي، وصوبه في (المهمات) هنا وفي (الدعاوى)، واستشهد له بقول الأصحاب: إن الحاكم لو حلفه على نفي الغصب فقال: والله ما غصبت إن شاء الله .. كان ناكلاً وتعاد اليمين، فلولا أن الاستثناء ينفع في الماضي .. ما جعلوه ناكلاً.
قال: (فصل: شك في طلاق .. فلا) إذا شك هل طلق أم لا؟ لا يقضى عليه بوقوعه بالإجماع، سواء استوى الطرفان أو رجح أحدهما بغير دليل، ولأن الأصل بقاء النكاح فاستصحب كما يستصحب أصل الطهارة عند الشك، وأستدل له الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم:(فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
قال في (المطلب): ولا يختلف الأصحاب في أنه لا يحرم عليه وطئها في هذه الحالة.
قال: (أو في عدد .. فالأقل)؛ لأنه المتيقن، والأصل عدم الزائد.
وقال مالك: يأخذ بالأكثر كما إذا تحقق النجاسة في ثوب ولم يعرف قدرها .. فإنه يأخذ بالأكثر ويغسله كله.
وأجاب الأصحاب بأنه ليس للنجاسة قدر معلوم حتى يستصحب أصل العدم فيما عداه، وقد تحققنا التحريم فوجب استصحابه إلى أن يتيقن الطهارة، وهنا عدد الطلاق من واحدة أو اثنتين معلوم فيستصحب أصل العدم فيما سواه، ونظير الطلاق من
وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَاباً .. فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرِأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ .. لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ وَاحِدِ،
ــ
النجاسة أن يتحققها في طرف من الثوب ويشك في إصابتها طرفاً آخر .. فلا يجب غسل الطرف المشكوك فيه.
قال: (ولا يخفى الورع) أي: في الصورتين وهو الأخذ بأسوء التقديرين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) رواه أحمد [1/ 200] والترمذي [2518] والنسائي [8/ 327] عن الحسن بن علي مرفوعاً، ففي الأولى يراجع إن كان له الرجعة، وإلا .. فيجدد النكاح إن كان له رغبة، وإلا .. فينجز طلاقها، وأما في هذه .. فالورع أن يبتدئ إيقاع طلقتين لا إيقاع ثلاث.
و (الورع): الكف عن المحارم والتخرج منها، هذا أصله، ثم استعير للكف عن المباح والحلال. وفي الحديث:(ملاك الدين الورع).
جاء رجل إلى أبي حنيفة رحمه اله فقال: لا أدري أطلقت امرأتي أم لا، فقال له: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك طلقتها، فتركه ثم جاء إلى سفيان الثوري فسأله فقال: اذهب فراجعها فإن كنت طلقتها .. فقد راجعتها، وإلا .. فلا تضرك المراجعة، فتركه وجاء إلى شريك فقال: اذهب فطلقها ثم راجعها، فتركه وجاء إلى زفر فسأله فقال: هل سألت أحداً؟ قال: نعم وقص عليه القصة، فقال قي جواب أبي حنيفة: الصواب ما قال لك، وقال في جواب سفيان: ما أحسن ما قال لك، فلما انتهى إلى قول شريك .. ضحك ملياً ثم قال: لأضربن لهم مثلاً: رجل يشك في ثوبه هل أصابته نجاسة .. فقال له أبو حنيفة: ثوبك طاهر حتى تستيقن، وقال سفيان: اغسله فإن كان نجساً .. فقد طهرته، وإلا .. فقد زدته طهارة، وقال شريك: بُلْ عليه ثم اغسله.
قال: (ولو قال: إن كان ذا الطائر غراباً .. فأنت طالق، وقال آخر: إن لم يكنه فامرأتي طالق وجهل .. لم يحكم بطلاق واحد)؛ لأن الأصل بقاء النكاح وشككنا في رافعه كما إذا سمعنا صوت حدث بين اثنين ثم قام كل منهما إلى الصلاة .. لم يكن
وَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ .. طَلُقَتْ إِحْدِاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ. وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَهِلَهَا .. وُقِفَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ،
ــ
للآخر أن يعترض عليه، وكذلك لو وقع التعليقان منهما في العتق، فأيهما ملك العبد الآخر فاجتمعا عنده .. منع من التصرف فيهما، ويؤمر بالتعيين، وعليه البحث عن طريق البيان.
وقيل: إنما يمتنع التصرف في المشتري دون الأول، فلو باع أحدهما عبده واشترى الآخر .. ففي (البسيط): لم أره مسطوراً، والقياس: نفوذ التصرف فيه، أما على طريقة العراقيين .. فيعتق الثاني بلا شك.
وقول المصنف: (يكنه) وصل الضمير بخبر كان، وهو اختيار شيخه ابن مالك، والجمهور على اختيار الانفصال.
قال: (وإن قالهما رجل لزوجتيه .. طلقت إحداهما)؛ لأنه لا بد فيه من أحد الوصفين، إذ ليس بين النفي والإثبات واسطة، وعليه أن يجتنبهما إلى أن يتيقن تحريم إحداهما كما لو طلق إحداهما على التعيين ثم التبست.
قال: (ولزمه البحث والبيان)؛ لجواز أن يكون عنده علم منه، هذا حيث أمكنه، فلو طار ولم يعلم حاله .. لم يلزمه جزماً.
فرع:
عن البوشنجي لو قال: أنت طالق بعدد كل شعرة على جسد إبليس .. فقياس مذهبنا: أنه لا يقع؛ لأنا لا ندري هل على جسده شعر أم لا، والأصل عدمه.
وعن بعض الحنفية: أنه تقع عليه طلقة، قال المصنف: وهو القياس، وليس هذا تعليقاً على صفة شككنا فيها، بل هو تنجيز طلاق وربط لعدده بشيء شككنا فيه، فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد، والواحدة ليست بعدد بل أقل العدد اثنان، فالمختار وقوع طلقة.
قال: (ولو طلق إحداهما بعينها ثم جهلها .. وقف حتى يتذكر) وذلك على سبيل
وَلَا يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إِنْ صَدَّقْنَاهُ فِي الْجَهْلِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْتُ الأَجْنَبِيَّةَ .. قُبِلَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً .. فَلَا فِي الأَصَحِّ
ــ
الوجوب؛ لأن إحداهما حرمت بالطلاق والأخرى بالاشتباه، كما لو اشتبهت محرمة بغيرها في عدد محصور .. فإنه يمتنع نكاحها.
قال: (ولا يطالب ببيان إن صدقناه في الجهل)؛ لأن الحق لهما فإن كذبتاه وبادرت إحداهما فقالت: أنا المطلقة .. لم يُقنع منه بقوله: نسيت أو لا أدري، بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها، فإن نكل .. حلفت وقضي لها.
قال: (ولو قال لها ولأجنبية: إحداكما طالق، وقال: قصدت الأجنبية .. قبل في الأصح) أي: بيمينه؛ لتردد الكلمة بينهما واحتمالهما معاً فإذا عين الأجنبية .. صار كقوله لها: أنت طالق، وكذا إذا خاطب زوجته وأمته وقال: أردت الأمة.
والثاني: لا يقبل منه وتطلق الزوجة؛ لأنه أرسل الطلاق بين محله وغير محله، فينصرف إلى محله لقوته، كما إذا أوصى بطبل وله طبل حرب وطبل لهو .. نزلت الوصية على طبل الحرب؛ تصحيحاً لها، والطلاق أقوى وأولى بالنفوذ من الوصية.
ولو قال ذلك لزوجته ورجل أو دابة ثم قال: أردت الرجل أو الدابة .. لم يقبل.
وأفهم قوله: (قصدت الأجنبية) أنه لو لم تكن له إرادة .. تطلق الزوجة، وكذلك نقله الشيخان عن (فتاوى البغوي) وأقراه.
قال في (المطلب): وفيه نظر؛ لما سبق في تعليل الأصح.
ولو قال لأم زوجته: ابنتك طالق ثم قال: أردت البنت التي ليست لي زوجة .. صدق، حكاه الرافعي في آخر الباب.
قال: (ولو قال: زينب طالق، وقال: قصدت أجنبية .. فلا في الأصح)؛ لأنه صرح باسم زوجته، فالظاهر انصرافه إليها، بخلاف المسألة قبلها؛ فإن قوله:(إحداكما) يتناولهما تناولاً واحداً ولم يوجد منه تصريح باسم زوجة ولا إشارة بالطلاق إليهما، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى.
وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً .. طَلُقَتْ، وَإِلَاّ .. فَإِحْدَاهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الأُولَى، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُعْزَلَانِ عَنْهُ إِلِى الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ، وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ لَهُمَا،
ــ
والثاني: يصدق بيمينه كالصورة السابقة؛ لأن التسمية محتملة، والأصل بقاء النكاح.
وفرق البوشنجي فقال: إن قال: زينب طالق، ثم قال: أردت الأجنبية .. قبل، وإن قال: طلقت زينب، ثم قال ذلك .. لم يقبل ولم يرتض الرافعي الفرق.
ولو كان تحته امرأتان إحداهما بنكاح فاسد فقال: إحداكما طالق ثم قال: أردت التي نكاحها فاسد .. ففيه الخلاف المتقدم.
قال: (ولو قال لزوجتيه: إحداكما طالق وقصد معينة .. طلقت)؛ لأن اللفظ صالح لهما، فإذا صرفه بالنية إلى إحداهما .. انصرف.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يقصد واحدة بعينها (.. فإحداهما)؛ لأنه لم يقصد معينة، وقال مالك: تطلقان، وأغرب الإمام فخر الدين فقال: لا تطلق إحداهما مطلقاً؛ لأن الطلاق معين فيستدعي محلاً معيناً.
وقوله: (وإلا .. فإحداهما) يشمل ثلاث صور: ما إذا نوى إحداهما لا بعينها، وما إذا أطلق، وما إذا نواهما معاً، وبالثالثة صرح الإمام كما نقله الرافعي عنه.
قال: (ويلزمه البيان في الأولى، والتعيين في الثانية) أي: على الفور؛ لتمييز الزوجة من المطلقة، وإطلاق الأصحاب يقتضي وجوب ذلك من غير طلب من الزوجتين.
قال ابن الرفعة: ولا وجه لإيجابه قبل الطلب، لأن الحق لهما لا يعدوهما، وحق الله فيه الانعزال عنهما وقد أوجبناه.
قال: (ويعزلان عنه إلى البيان والتعيين)؛ لأن الزوجة اشتبهت بالمطلقة، واجتمع الحل والحرمة، فغلب جانب التحريم احتياطاً للأبضاع فامتنع الجمع.
قال: (وعليه البدار لهما) أي البيان والتعيين؛ لما في ترك ذلك من تطويل العدد على المطلقة، فلو أخر بلا عذر .. عصى وعذر.
وَنَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُعَيِّنْ .. فَعِنْدَ التَّعْيِينِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بَيَاناً
ــ
ومقتضى كلام المصنف: أنه لا يمهل إذا استمهل، وقال ابن الرفعة: يمهل ثلاثة أيام كمن أسلم على أكثر من أربع نسوة، وهذا القياس صحيح فيما إذا عين ونسي أو أبهم، فإن عين ولم يدَّعِ النسيان .. فلا وجه للإمهال.
هذا في الطلاق البائن، أما الرجعي .. فلا يلزم فيه بيان ولا تعيين في الحال على الأصح في (أصل الروضة) و (الشرح الصغير)، وينبغي أن يكون محله مع بقاء العدة، فإن انقضت .. لزمه في الحال؛ لحصول البينونة، وتعليلهم يرشد إليه.
قال: (ونفقتهما في الحال)؛ لأنهما محبوستان عنده بعقد النكاح.
والمراد بـ (الحال): حال التوقف إلى البيان كما عبر به في (الشرحين) و (الروضة)، ولا يسترد الذي أنفقه على التي بانت مطلقة؛ لأنه لا تقصير من جهتها، قال الإمام: وهي من النوادر؛ لأنها نفقة لبائن.
قال: (ويقع الطلاق باللفظ) أما في المعينة المبينة .. فبلا خلاف، وأما في المبهمة .. فوجهان: أصحهما: كذلك؛ لأن لفظ الإيقاع قد وجد منجزاً فلا بد من الحكم بالوقوع، لكن محله غير معين، فإذا عينه .. عمل لفظ الإيقاع من حينئذ، كما لو أعتق في مرضه ثم مات وأقرعنا بينهم يتبين بخروج القرعة أنهم كانوا أحراراً يوم العتق.
قال: (وقيل: إن لم يعين .. فعند التعيين)؛ لأنه لو وقع قبله .. لوقع لا في محل والطلاق معين فيستدعي محلاً معيناً، فكأن الزوج أوجب الطلاق والتزمه ولم يوقعه فلزمه إتمامه وحصلت الحيلولة لذلك، وأما العدة .. فمن حين الطلاق؛ لأنه وقت وقوعه وكذا في المبهمة في الأصح.
وقيل: من التعيين، وهو الراجح في (أصل الروضة)، وقيل: بطرده في المعينة.
قال: (والوطء ليس بياناً) أي: للمعينة المنوية قطعاً؛ لأن الطلاق لا يقع بالفعل، فتبقى المطالبة بحالها.
ولَاَ تَعْيِيناً، وَقِيلَ: تَعْيِينٌ. وَلَوْ قَالَ مُشِيراً إِلَى وَاحِدَةٍ: هَذِهِ الْمُطَلَّقّةُ .. فَبَيَانٌ، أَوْ أَرَدْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ، أَوْ هَذِهِ بَلْ هّذِهِ ..
حُكِمَ بِطَلَاقِهَما
ــ
قال: (ولا تعييناً) أي: للموطوءة للنكاح كما لو كانت المطلقة المعينة.
قال: (وقيل: تعيين) أي: للطلاق في غير الموطوءة؛ لأن التعيين يحصل بالاختيار والوطء دال عليه كوطء المبيعة في زمن الخيار يجعل فسخاً، وفرق الأول بأن ملك النكاح لا يحصل بالفعل، ابتداء فلا يتدارك بالفعل، بخلاف ملك اليمين.
والذي رجحة المصنف تابع فيه (المحرر)، وقال في (الروضة): إنه المختار، والذي عليه الأكثرون- وهو ظاهر المذهب كما قاله الماوردي وغيره-: الثاني، فعلى هذا: في سائر الاستمتاعات وجهان.
قال: (ولو قال مشيراً إلى واحدة: هذه المطلقة .. فبيان)؛ عملاً بقوله؛ إذ لا يعلم إلا من جهته.
قال: (أو أردت هذه وهذه، أو هذه بل هذه .. حكم بطلاقهما)؛ لأنه أقر للأولى ثم رجع بإقراره للثانية فقبلنا إقراره دون رجوعه، فالوقوع بإقراره لا بقوله: إحداكما.
ونبه بقوله: (أردت هذه) على أنه أراد أولاً واحدة بعينها ولم يبهم الطلاق بينهما.
ومثل بـ (الواو) وبـ (بل) للتنبيه على أنه لا يسمع منه الإضراب عن الأولى؛ لتعينها.
ولو عطف بـ (الفاء) أو بـ (ثم) .. قال القاضي وصاحباه البغوي والمتولي: تطلق الأولى فقط؛ لاقتضاء الحرفين الترتيب، واعترض الإمام بأنه اعترف بطلاق الثانية أيضاً فليكن كقوله:(هذه وهذه)، وقوى الرافعي الاعتراض، وقال المصنف: قول القاضي أظهر.
ولو قال: هذه أو هذه .. استمر الإبهام وطولب بالبيان، كل هذا فيما إذا نوى معينة، فإن أبهم فطولب بالتعيين فأشار لواحدة فقال: هذه المطلقة .. فإنها تتعين ويلغو ذكر غيرها، سواء عطف غيرها بـ (الفاء) أو (ثم) أو (الواو)؛ لأن التعيين
وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ بيَانٍ وَتَعْيِينٍ .. بَقِيَتِ الْمُطَالَبَةُ لِبَيَانِ الإِرْثِ. وَلَوْ مَاتَ .. فَالأَظْهَرُ: قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لَا تَعْيِينِهِ
ــ
ليس اختياراً، بل هو إنشاء اختيار، سواء قلنا: الطلاق من اللفظ أو التعيين، كل هذا في الظاهر، أما في الباطن .. فالمطلقة من نواها، قاله الإمام.
قال: (ولو ماتتا أو إحداهما قبل بيان وتعيين) والحال أن الطلاق بائن (.. بقيت المطالبة لبيان الإرث)؛ لأنه قد ثبت إرثه في إحداهما بيقين، فيوقف من مال كل منهما نصيب زوج، هذا إذا كان كل منهما بصفة الوراثة، فإن كانت إحداهما كتابية والأخرى والزوج مسلمين .. فالأصح: المنع، صرح به الرافعي في (نكاح المشرك)، واستدركه في (الكفاية) هنا.
وقيل: إذا ماتتا .. سقط التعيين، وإن ماتت إحداهما .. تعين الطلاق في الأخرى بناء على الوقوع عند التعيين ولا وقوع بعد الموت وهو بعيد.
قال: (ولو مات) أي: قبل البيان أو التعيين (.. فالأظهر: قبول بيان وارثه لا تعيينه)؛ لأن البيان إخبار وقد نقف على مراد مورثه منه أو من غيره، والتعيين اختيار شهوة فلم نلحقه به كما لو أسلم على عشر ومات قبل الإخبار، وكما أنه لا ينوي لو أتى مورثه بكناية.
والثاني: يقبل فيهما كما في الرد بالعيب وحق الشفعة واستحقاق النسب.
والثالث: المنع مطلقاً؛ لأن حقوق النكاح لا تورث، ولأن الإرث لا يختلف بزوجة أو زوجتين، والذي صححه المصنف هنا صححه في (تصحيح التنبيه) أيضاً، وعبارة (المحرر) لا تعطي ذلك، وعبارة (الشرح) و (الروضة) تقتضي خلافه كما بينه في (المهمات).
وإذا ماتت إحداهما ثم مات الزوج ثم الأخرى وعين الوارث الأولى للطلاق .. قبل قطعاً؛ لأنه عليه لا له، وإن عين الأولى للنكاح أو مات الزوج بعد موتهما .. ففيه القولان، وإذا قلنا: يقوم أو لا يقوم فقال: لا أعلم، فإن مات الزوج قبلهما .. وقف ميراث زوجة حتى يصطلحا أو يصطلح ورثتهما بعد موتهما.
ولَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ ذّا الطَّائِرُ غُرَاباً فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَاّ فَعَبْدِي حُرٌ وَجُهِلَ .. مُنِعَ مِنْهُمَا إِلَى الْبَيَانِ، وَإِنْ مَاتَ .. لَمْ يُقْبَلْ بيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ فَإِنْ قَرَعَ .. عَتَقَ،
ــ
قال: (ولو قال: إن كان ذا الطائر غراباً فامرأتي طالق وإلا فعبدي حر وجهل .. منع منهما إلى البيان) فلا يستخدم العبد ولا يستمتع بالمرأة؛ لأنه علم زوال ملكه عن أحدهما فأشبه طلاق إحدى الزوجتين.
ولو كانت الزوجات الحالف بطلاقهن أربعاً .. حرم عليه نكاح سواهن.
قال الماوردي: ويسقط عنه القسم؛ لتحريمهن عليه، وكذلك يحرم على العبد أن يتصرف في نفسه تصرف الأحرار، وعليه نفقة الزوجة والعبد إذا لم يكن له كسب، فلو أراد الكسوب أن يكتسب وأراد السيد أن يستخدمه وينفق عليه .. ففي المجاب منهما وجهان.
وفي وجه: يقرع بينهما كما سيأتي عند موت الحالف، وجميع ما تقدم من الأمر بالبيان والتعيين والحبس والتعزير عند الامتناع يأتي مثله هنا.
قال: (وإن مات .. لم يقبل بيان الوارث على المذهب)؛ لأنه متهم في إخباره بالحنث في الطلاق ليرق العبد وسقط الإرث للزوجة، ولأن للقرعة مدخلاً في العتق فقدمت على الرجوع إلى الوارث.
والمصنف أطلق الخلاف تبعاً لـ (المحرر) وغيره، وخصه السرخسي بما إذا عين الوارث الحنث في المرأة، أما إذا عكس .. فيقبل مطلقاً؛ لإضراره بنفسه، واستحسنه الرافعي، وقال في (الروضة): إنه متعين وإنَّ غير السرخسي قاله أيضاً.
قال: (بل يقرع بين العبد والمرأة)؛ رجاء خروج القرعة على العبد، فإنها مؤثرة في العتق، وهي وإن لم تؤثر في الطلاق لكن هذا كما لو شهد رجل وامرأتان في سرقة .. فإنه يصغى إليها؛ لتأثيرها في الضمان وإن لم تؤثر في القطع.
قال: (فإن قرع) أي خرجت القرعة للعبد (.. عتق) هذا إذا كان التعليق في الصحة أو في المرض وخرج من الثلث.
أَوْ قَرَعَتْ .. لَمْ تَطْلُقْ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَرِقُّ
ــ
قال: (أو قرعت .. لم تطلق) خلافاً لأبي ثور؛ لأن القرعة لا مدخل لها في الطلاق بدليل ما لو طلق إحدى امرأتيه .. فإنه لا يقرع بينهما، بخلاف العتق فإن النص ورد به.
قال: (والأصح: أنه لا يرق) بل يبقى مبهماً؛ لأن القرعة لم تؤثر فيمن خرجت له ففي غيره أولى.
والثاني: يرق؛ لأنه مقروع، وقال شارح (التعجيز): إن جمهور النقلة قطعوا به، وقال الروياني: إنه ظاهر المذهب، وعلى هذا يزول الإشكال.
وعلى الأول قال ابن أبي هريرة: إن القرعة تعاد إلى أن يخرج عليه.
قال الإمام: وعندي يجب أن يخرج القائل بهذا عن أحزاب الفقهاء، ومن قال به .. فليقطع بعتق العبد وليترك تضييع الزمان من إخراج القرعة.
قال الرافعي: وهذا قويم ولكن الحناطي عزى هذا إلى ابن أبي هريرة وهو زعيم عظيم من الفقهاء لا يتأتى إخراجه من أحزابهم، وكان الشيخ يستأنس له بما اتفق في أمر عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج القدح عليه فزادوا الإبل عشراً عشراً.
وكذلك ما يرويه المفسرون في قصة يون عليه السلام من أن أهل السفينة اقترعوا ثلاثاً وهي تقع عليه.
وقوله: (يرق) ضبطه المصنف بفتح أوله وكسر ثانيه وهو الصواب.
تتمة:
قال لزوجاته الأربع وقد جلسن صفاً: الوسطى منكن طالق، قال البوشنجي: فيه وجهان:
أحدهما: لا يقع شيء، وبه قال أصحاب أبي حنيفة؛ إذ ليس للأربع وسطى.
والثاني: يقع الطلاق على الوسطين.
قال المصنف: كلا الوجهين ضعيف، والمختار ثالث وهو أنه تطلق واحدة من
فَصْلٌ:
اُلطَّلَاقُ: سُنِّيٌ وَبِدْعِيٌّ، وَيَحْرُمُ اُلْبِدْعِيُّ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: طَلَاقٌ فِي حَيْضِ مَمْسُوسَةٍ
ــ
الوسطيين ويعينها الزوج، والذي اختاره المصنف تفقهاً هو الصواب المنصوص في (الأم) في (أبوب الكناية).
قال: (فصل:
الطلاق سني وبدعي) اتفق العلماء على انقسامه إلى ذلك؛ لأنه يقع تارة حلالاً وتارة حراماً، ولهم في تفسير ذلك اصطلاحان:
أحدهما: أن السني: ما لا يحرم إيقاعه، والبدعي: ما يحرم، وعلى هذا فلا قسم سواهما.
والثاني- وهو المشهور-: أن السني: طلاق مدخول بها ليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة، والبدعي: طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه ولم يبن حملها، وعلى هذا يخرج عن القسمين طلاق غير المدخول بها وطلاق الحامل والصغيرة والآيسة فيكون الطلاق ثلاثة أقسام.
وقد قسم العلماء الطلاق إلى واجب كطلاق المولي وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه، وإلى مستحب كما إذا كانت حالتهما غير مستقيمة أو لم تكن عفيفة أو سيئة الخلق أو فيها بذاءة على أهله، وإلى محظور كطلاق البدعة، وإلى مكروه وهو عند استقامة الحال.
قالوا: وليس فيه مباح، وأشار الإمام إلى وجوده فيما إذا كان لا يهواها ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير حصول استمتاع .. فإنه لا يكره طلاقها.
قال: (ويحرم البدعي)؛ لحصول الضرر به بسبب طول العدة.
قال: (وهو ضربان: طلاق في حيض ممسوسة) وهو مجمع عليه بسبب أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء .. أمسكها، وإن شاء ..
وَقِيلَ: إَنْ سَأَلتْهُ .. لَمْ يَحْرُمْ- وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ لَا أَجْنَبِيٍّ فِي اُلأَصَحِّ
ــ
طلقها قبل أن يجامعها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) رواه مسلم [1471].
وهذه المرأة .. قال المصنف وابن باطيش: اسمها آمنة بنت غفار.
والنفاس كالحيض، قاله الرافعي هنا، وكلامه في (باب الحيض) يخالفه، والمسألة ذكرها المصنف هناك.
ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض: الحامل إذا حاضت .. لا يحرم طلاقها فيه على الأصح، وسيأتي في كلام المصنف:(وإذا قال: أنت طالق مع آخر حيضك ....) وطلاق المولي إذا طولب به فطلقها حائضاً .. قال الإمام والغزالي وغيرهما: لا يكون حراماً؛ لأنها راضية.
قال الرافعي: ويمكن أن يقال بتحريمه؛ لأنه أخرجها بالإيذاء إلى الطلب، وهو غير ملجئ؛ لتمكنه من الفيئة.
فلو طلق الحاكم عليه، إذا قلنا به .. فلا شك في عدم تحريمه، وإذا رأى الحكمان الطلاق في الحيض .. ففي (شرح مختصر الجويني): أنه لا يحرم ثم لا يخفى أن مرادهم الطلاق المنجز، فلو علق بدخول الدار مثلاً فدخلت في الحيض .. لا يكون بدعياً خلافاً للقفال، ويمكن أن يقال: إذا وجدت الصفة باختياره .. أثم بإيقاعه في الحيض، وإلا .. فلا.
قال: (وقيل: إن سألته .. لم يحرم)؛ لرضاها بتطويل العدة، والأصح: التحريم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما أنكر الطلاق في الحيض .. لم يستفصل.
قال: (ويجوز خلعها فيه) ويكون سنياً؛ لإطلاق قوله تعالى:
} فلا جناح عليهما فيما افتدت به {، ولأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الإذن لثابت بن قيس في الخلع على مال من غير استفصال عن حال زوجته.
قال: (لا أجنبي في الأصح)؛ لأنها لم ترض بذلك.
والثاني- وهو احتمال الإمام-: أنه غير بدعي؛ لأن المال يشعر بالضرورة.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتش طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِكِ .. فِسُنِّيٌّ فِي اُلأَصَحِّ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يَطَاهَا فِيهِ .. فَبِدْعِيٌّ عَلَى اُلْمَذْهَبِ. وَطَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ، فَلَوْ وَطِئَ حَائِضاً وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا .. فَبِدْعِيٌّ فِي اُلأَصَحِّ
ــ
قال: (ولو قال: أنت طالق مع آخر حيضك .. فسني في الأصح)؛ لاستعقابه الشروع في العدة.
والثاني: أنه بدعي؛ لاقترانه بالحيض، وصححه الروياني، ولو أتى بـ (في) بدل (مع) فهي كـ (مع) عند الجمهور.
وقال المتولي في آخر الحيض: بدعي قطعاً، وفي آخر الطهر: سني قطعاً، وألحق في (الكافي) لفظة (عند) بهما.
قال: (أو مع آخر طهر لم يطأها فيه .. فبدعي على المذهب)؛ بناء على أن الطهر المحتوش بدمين، فإن جعلناه الانتقال .. فوجهان: أصحهما: أنه سني.
وعلى المصحح: تستثنى الصورتان من تحريم الطلاق في الحيض؛ نظراً إلى المعنى، وهو التطويل في الثانية ومنعه في الأولى.
وقال ابن سريج: يقع في الصورتين بدعياً أخذاً بالأغلظ.
قال: (وطلاق في طهر وطئ فيه من قد تحبل ولم يظهر حمل) هذا الضرب الثاني من البدعي، واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر:(ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها) ولأنه ربما يندم على الطلاق لو ظهر الحمل؛ فإن الإنسان قد يطلق الحائل ولا يطلق الحامل.
واحترز بقوله: (من قد تحبل) عن الصغيرة والآيسة، وهل طلاقهما سني أو لا سنة فيه ولا بدعة؟ مبني على الاصطلاحين واستدخالهما ماءه كطلاقه فيحرم طلاقها في ذلك، وكذلك لو وطئها في الدبر على الأصح.
قال: (فلو وطئ حائضاً وطهرت فطلقها .. فبدعي في الأصح)؛ لاحتمال العلوق في الحيض، وكون البقية مما دفعته الطبيعة أولاً وتهيأ للخروج.
والثاني: لا يكون بدعياً؛ لأن لبقية الحيض إشعاراً بالبراءة.
وَيَحِلُّ خُلْعُهَا، وَطَلَاقٌ مَنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا. وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيّاً .. سُنَّ اُلرَّجْعَةُ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ .. طَلَّقَ بَعْدَ طُهْرٍ
ــ
وصورة المسألة: أن يطلقها قبل أن يمسها، وأشار المصنف إلى ذلك بتعبيره بـ (الفاء).
قال: (ويحل خلعها) يعني أن هذه الصورة تستثنى من التحريم في طهر جامعها فيه كمخالعتها في الحيض، وفي كونه سنياً خلاف من الاصطلاحين.
قال: (وطلاق من ظهر حلمها) فيحل لزوال الندم وعدم تطويل العدة، وحصره البدعي في الصورتين ممنوع؛ فإنه لو قسم لإحدى زوجتيه ثم طلق الأخرى قبل أن يوفيها حقها منه .. كان حراماً، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعياً.
قال: (ومن طلق بدعياً .. سن له الرجعة)؛ لحديث ابن عمر، وقال مالك:
تجنب لأنها توبة والتوبة واجبة.
لنا: القياس على ما إذا طلقها في طهر جامعها فيه؛ فإنه وافق فيها على أنها لا تجب مع أنه حرام، ثم لا يخفى أنه إنما سن له الرجعة إذا لم يستوف عدد طلاقها.
وقال الإمام: المراجعة وإن كانت مستحبة لا نقول تركها مكروه.
قال في (الروضة): في هذا نظر، وينبغي أن يقال: مكروه؛ للحديث الصحيح الوارد فيها، ولدفع الإيذاء.
ومقتضى إطلاقهم استحباب الرجعة ما بقيت العدة، وقيده الماوردي والروياني ببقية تلك الحيضة التي طلقت فيها، قالا: فإن طهرت منها سقط الاستحباب؛ لأنها صارت إلى طهر لا يحرم طلاقها فيه فلم يؤمر بارتجاعها، ووافقهما على ذلك شارح (التعجيز).
ثم إذا راجع هل يرتفع الإثم؟ حكى المصنف عن شيخه الكمال سلار رواية وجهين، ونقل في (تعليقه) على (الوسيط) أن جماعة من مشايخه قالوا: يرتفع؛ لأنها كفارة له، ولأنه رجوع عن المعصية؛ لأنها توبة وهي تجب ما قبلها. قال: وهو ظاهر، وبه يتقوى مذهب مالك.
قال: (ثم إن شاء .. طلق بعد طهر)؛ لحديث ابن عمر.
وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ .. وَقعَ فِي اُلْحَالِ، أَوْ لِلسُّنَّةِ .. فَحِينَ تَطْهُرُ، أَوْ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .. وَقَعَ فِي اُلْحَالِ، وَإِنْ مُسَّتْ .. فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ .. فَفِي اُلْحَالِ إِنْ مُسَّتْ فِيهِ، وَإِلَاّ .. فَحِينَ تَحِيضُ
ــ
قال: (ولو قال لحائض: أنت طالق للبدعة .. وقع في الحال)؛ لاتصال طلاقها بالبدعة وكذلك النفساء.
قال: (أو للسنة .. فحين تطهر) أي: تشرع في الطهر، ولا يتوقف ذلك على الاغتسال؛ لوجود الصفة قبله.
نعم؛ يرد عليه ما لو وطئها في آخر الحيض واستدام إلى انقطاعه، فإنها لا تطلق؛ لاقتران الطهر بالجماع، وكذا لو لم تستدم بناء على أصح أنه بدعي.
ولا بد من تقييد الطهر بأن تشرع في العدة، وإلا .. فقد تطهر ولا تشرع في عدته كوطء الشبهة في دوام زوجيته، وحينئذ لا يقع طلاقه فيه؛ لأنه بدعي، بل يتأخر وقوعه إلى طهر تشرع به في عدته.
قال: (أو لمن في طهر لم تمس فيه أنت طالق للسنة .. وقع في الحال)؛ لوجود الصفة، والمراد: لم يمسها هو فيه، أما لو مسها أجنبي بشبهة .. فلاكما تقرر.
قال: (وإن مست) أي: وطئها هو (.. فحين تطهر بعد حيض)؛ لوجود الصفة أيضاً.
قال: (أو للبدعة .. ففي الحال إن مست فيه، وإلا .. فحين تحيض)؛ لما تقرر.
وقال المتولي: بظهور الدم، فإن انقطع لدون أقله .. بان عدمه.
وقال الرافعي: يشبه أن يجي فيه الخلاف في (إن حضت) هل تطلق بالظهور أو بمضي أقله؟
فائدة:
اللام إن دخلت على ما يتكرر ويتعاقب كـ (للسنة) ولـ (رمضان) .. فهي للتأقيت، أي: إذا جاء ذلك .. فأنت طالق، وإلا .. فللتعليل كلرضي زيد فتطلق في الحال وإن
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ اُلطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ .. فَكَلِلسُّنَّةِ، وَطَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ اُلطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكّلِلبِدْعَةِ، أَوْ سُنِّيِّةً بِدْعِيَّةً، أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً .. وَقَعَ فِي اُلْحَالِ
ــ
سخط، سواء نوى التعليل أم لا على الصحيح، فإن نوى التأقيت .. لم يقبل في الأصح وَيُدَيَّنُ.
فرع:
قال لمن لا سنة لها ولا بدعة كصغيرة: أنت طالق للسنة .. طلقت في الحال، وحمل على التعليل وكذا للبدعة، قيل: ينتظر زمنهما، وقيل: لا تطلق؛ لتعليقه بمحال، وهو يطرد في قوله للسنة.
قال: (ولو قال: أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق أو أجمله .. فكللسنة)؛ لأن الأولى بالمدح ما وافق الشرع، وهذا عند الإطلاق، فإن قال: أردت طلاق البدعة؛ لأنه في حقها أحسن لسوء خلقها كأن كان في زمن البدعة .. قبل؛ لأنه أغلظ عليه، أو للسنة .. دُيِّنَ ولا يقبل ظاهراً.
قال: (وطلقة قبيحة أو أقبح الطلاق أو أفحشه .. فكللبدعة)؛ لأن الأولى بالذم ما خالف الشرع، وهذا عند الإطلاق، فإن قال: أردت به السني؛ لقبحه في حقها لحسن خلقها .. دُيِّنَ ولم يقبل ظاهراً.
قال: (أو سنية بدعية، أو حسنة قبيحة .. وقع في الحال)؛ لأنه وصف الطلاق بوصفين متضادين فيلغوان ويبقى أصل الطلاق، ولأن إحدى الحالتين حاصلة لا محالة فيقع الطلاق موصوفاً بما يناسب تلك الحالة وتلغو الصفة، هذا إذا كانت المخاطبة ذات أقراء.
ولو قال: أنت طالق كالثلج أو كالنار .. وقع في الحال والصفة لغو، قاله المتولي.
وقال أبو حنيفة: إن قصد التشبيه بالثلج في البرودة والنار في الحرارة والإحراق .. طلقت زمن البدعة، وإن قصد كالثلج في البياض والنار في الإضاءة. طلقت سنياً.
وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ اُلطَّلَقَاتِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً، أَوْ ثَلَاثاً لِلسُّنَّةِ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهَا عَلَى اُلأَقْرَاءِ .. لَمْ يُقْبَلْ إِلَاّ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ اُلْجَمْعِ، وَاُلأَصَحُّ: أَنَّهُ يُدَيَّنُ،
ــ
ولو قال: أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة .. طلقت طلقتين في الحال، فإذا حصلت في الحالة الأخرى .. وقعت الثالثة، فلو ادعى إرادة العكس .. قبل على المذهب.
قال: (ولا يحرم جمع الطلقات)؛ لأن عويمراً العجلاني لما لاعن امرأته عند رسول صلى الله عليه وسلم طلقها ثلاثاً، رواه الشيخان (خ5259 - م 1492)، ولو كان حراماً .. لأنكره عليه الصلاة والسلام، وقد تقدم في (باب ما يحرم من النكاح) ما يتعلق بهذه المسألة.
وسكت المصنف عن الكراهة، وظاهر ثبوتها، وفي ((الذخائر)): لا كراهة في الجمع.
وقال أبو حنيفة ومالك: جمع الطلقات بدعة.
ثم الأفضل تفريقها على الأقراء إن كانت ذات أقراء.
وعلى الأشهر: إن كانت كذلك ليتمكن من الرجعة، أو التجديد إن ندم.
قال: (وإن قال: أنت طالق ثلاثاً، أو ثلاثاً للسنة، وفسر بتفريقها على الأقراء .. لم يقبل) أي: ظاهراً؛ لأن دعواه تقتضي تأخر الطلاق، ومقتضى لفظه تنجيزه.
قال: (إلا ممن يعتقد تحريم الجمع) فتقبل منه ظاهراً؛ لأن الظاهر من حاله أنه لاا يقصد ارتكاب محظور في معتقدة.
وفي وجه: يقبل مطلقاً؛ إذ الأعمال بالنيات.
قال: (والأصح: أنه يُدّيَّنُ) أي: في الصورتين، ومعناه- كما قال الشافعي-:
أن له الطلب وعليها الهرب، فيقال للمرأة: أنت بأن للثلاث في الظاهر، وليس لك مطاوعته وتحرم عليك الخلوة به، ولك أن تطلبي من الحاكم أن يحكم عليه بالفرقة وتتزوجي، إلا إذا غلب على ظنك صدقة بقرينه، فإن استوى عندها الأمران
…
كره لها
وَيُدَيَّنُ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرْدتُ إِنْ دَخَلْتِ أَوْ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ. وَلَوْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، أَوْ كُلُّ اُمْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ بَعْضَهٌنَّ .. فَاُلصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يٌقْبَلُ ظَاهِراً إِلَا بِقَرينَةٍ بأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ: تَزَوَّجْتَ، فَقَالَ:
كُلُّ اٌمْرَأةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ: أَردْتُ غَيْرَ اُلْمُخَاصِمَةِ
ــ
تمكينه، ويقال له: لا يمكنك منها، ولك ذلك فيما بينك وبين الله إن كنت صادقاً، فإن ادعى عليها تصديقه
…
ففي تحليفه وجهان.
والوجه الثاني: لا يُدّيَنُ؛ لأن اللفظ لا يشعر به، بخلاف قوله: أردت الطلاق من وثاق؛ لأنه منتظم لغة، ومعنى التديين: أن يكله إلى دينه.
قال: (ويُدَيَّنُ من قال: أنت طالق، وقال: أردت إن دخلت أو إن شاء زيد)؛ لأنه لو صرح به، لانتظم، وهذا بخلاف قوله: أردت إن شاء الله فإنه لا يدين؛ لأن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم الطلاق جملة فلابد فيه من اللفظ، والتعليق بالدخول ومشيئة زيد لا ترفعه، لكن تخصصه بحال دون حال، وشبهوه بالنسخ لما كان رفعاً للحكم لم يجز إلا باللفظ، والتخصيص يجوز بالقياس كما يجوز باللفظ، وسوَّى الغزالي والقفال بين المسائل الثلاث في أنه يدين.
وذكر الماوردي: أنه لو حلف لا كاتبت فلاناً ولا كلمته ولا رأيته ولا عرفته ولاا أعلمه، ونوى بـ (الكتابة) عقد الكتابة، وبـ (ما ضربته) ما ضربت رأيه، وبـ (ما كلمته) ما جرحته، وبـ (ما عرفته) ما جعلته عريفاً، وبـ (ما أعلمته) ما قطعت شفته العليا .. حمل على ما نوى.
وكذا لو حلف ما أخذت له جملاً ولا بقرة ولا ثوراً ولا عنزاً، نوى بـ (الجمل) السحاب، وبـ (البقرة) العيال، وبـ (الثور) القطعة من الأقط، وبـ (العنز) الأكمة السوداء .. حمل على ما نوى.
قال: (ولو قال: نسائي طوالق، أو كل امرأة لي طالق، وقال: أردت بعضهن .. فالصحيح: أنه لا يقبل ظاهراً إلا بقرينه بأن خاصمته وقالت: تزوجت، فقال: كل امرأة لي طالق، وقال: أردت غير المخاصمة) عملاً بالقرينة؛ لأنها توجب الظن، بل العلم عند قوم، فإن انتفت .. لم يقبل ظاهراً؛ لأنه خلاف الظاهر.
فَصْلٌ:
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا، أَوْ فِي غُرَّتِهِ، أَوْ أَوَّلِهِ .. وَقَعَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ.
ــ
وقال ابن الوكيل: وغيره يقبل في الظاهر مطلقاً؛ لأن اللفظ محتمل للعموم والخصوص، فإذا ادعى إرادة أحدهما .. قبل.
والثالث: يقبل في الأولى عزل واحدة دون الثانية، وقد تقدم في (فصل الاستثناء) الكلام على كل امرأة لي غيرك طالق.
تتمة:
قال: أنت طالق إن. فوضع إنسان يده على فيه وقطع كلامه، وادعى بعد ذلك أنه أراد تعليق الطلاق بصفة .. قبل قوله بيمينه؛ لأن بعض الكلام يستدل به على الباقي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن عبادة:(كفى بالسيف شا) فمنعه جبريل من إتمام الكلام وكان مقصوده أن يقول: كفى بالسيف شاهداً.
قال المتولي: وإنما حلفناه؛ لأن من الجائز أنه أراد أن يذكر قرينه يتعجل معها الطلاق مثل قوله: إن كنت دخلت الدار أو كلمت زيداً وكانت فعلت ذلك.
قال: (فصل:
قال: أنت طالق في شهر كذا، أو في غرته، أو أوله .. وقع بأول جزء منه) إما برؤية الهلال في أول ليلة منه بعد الغروب، وإما باستكمال ما قبله؛ لأن الشهر اسم لما بين الهلالين، وقد جعله ظرفاً فوقع في أول جزء منه كما لو قال: إن دخلت الدار .. فإن الحكم يترتب على دخول أول جزء منها، فلو رئي الهلال قبل الغروب ..
لم تطلق حتى تغرب، ولو رئي بعده بساعة .. تبين وقوعه عند الغروي، وكذا لو
قال: في رأس الشهر أو في ابتدائه أو في استقباله أو في دخوله.
فلو قال وهو في رمضان: أنت طالق في رمضان طلقت في الحال، فلو قال: في أول رمضان .. ففي أوله من السنة القابلة.
أَوْ فِي نَهَارهِ، أَوْ أَوَّلِ يَوْم مِنْهُ .. فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْم مِنْهُ. أَوْ آخِرِهِ .. فَبِأخِرِ جُزْءٍ مِنَ اُلشَّهْرِ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ النّصْفِ الآخِرِ. وَلَوْ قَالَ لَيْلاً: إِذاَ مَضَى يَوْمٌ .. فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ، أَوْ نَهَاراً .. فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ،
ــ
ولو قال: في سلخ شهر كذا أو عند انسلاخه
…
فالصواب: أنها تطلق في آخر جزء منه، ولو قال: أنت طالق شعبان أو قال: رمضان - من غير ذكر شهر- قال ابن سراقة: وقع ساعة تكلم.
قال: (أو في نهاره، أو أول يوم منه .. فبفجر أول يوم منه)؛ لأن الفجر أول اليوم وأول النهار الشرعي.
قال: (أو آخره .. فبآخر جزء من الشهر)؛ لأنه المفهوم من اللفظ.
قال: (وقيل: بأول النصف الآخر) وهو أول جزء من ليلة السادس عشر، أو كله آخر الشهر، فيقع أوله كما في أول الشهر إذا قال: أنت طالق في شهر كذا.
وفي ((المهذب)) وجه اقتضت عبارته ترجيحه: أنه يقع في أول اليوم الآخر من الشهر.
ولو قال: أنت طالق أول آخر الشهر .. فثلاثة أوجه:
أصحها: تطلق في أول اليوم الآخر منه، سواء كان كاملاً أو ناقصاً.
وثانيها: تطلق أول النصف الآخر وهو ليلة السادس عشر.
والثالث: أول اليوم السادس عشر.
قال: (ولو قال ليلاً: إذا مضى يوم .. فبغروب شمس غده)؛ إذ به يتحقق مضي اليوم.
قال: (أو نهاراً .. ففي مثل وقته من غده)؛ لأن اليوم حقيقة في جميعه متواصلاً كان أو متفرقاً.
قال الرافعي: كذا أطلقوه، وفيه تلفيق اليوم، وهو خلاف ما صحح في نظيره من الاعتكاف أن من نذر اعتكاف يوم .. لم يجز تفريق ساعاته على الأصح؛ أي: فينبغي.
أَوِ اٌليَومُ؛ فَإِنْ قَالَهُ نَهَاراً .. فَبِغُرُوبِ اٌلشَمْسِ، وَإِلَاّ .. لَغَا. وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي اٌلْحَالِ مُسْتَنِداً إِلَيْهِ .. وَقَعَ فِي اٌلْحَالِ، وَقِيلَ: لَغْوٌ،
ــ
جريان الوجهين هنا، وهو عجيب؛ فإن صورة الاعتكاف فيما إذا تخلل بينهما زمان بلا اعتكاف، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في بابه.
قال: (أو اليوم) أي: إذا مضي اليوم فأنت طالق (فإن قاله نهاراً .. فبغروب الشمس)؛ لأجل التعريف فيصرف إلى اليوم الذي هو فيه.
وصورة مسألة الكتاب أن يقول: إذا مضي اليومُ .. فأنت طالق برفع اليوم، وأمال إذا قال: أنت طالق اليومَ بالنصب أو النهار أو الشهر أو السنة .. فإنها تطَلق في الحال ليلاً كان أو نهاراً؛ لأنه أوقعه وسمى الزمان بغير اسمه فغلبت التسمية.
قال: (وإلا .. لغا) أي إذا قاله في الليل .. فهو لغو لا يقع به شيء، وفي (التتمة): أنها تطلق.
قال: (وبه يقاس شهر وسنة) أي: في التعريف والتنكير، فإن قال في ابتداء الهلال: إذا مضي شهر .. طلقت بمضي الشهر تم أو نقص، وإن قاله ليلاً .. طلقت في نظيره من ليلة الحادي والثلاثين، أو نهاراً .. ففي نظيره من نهار الحادي والثلاثين، وإن عرف الشهر .. فيمضي بقية الشهر الذي هو فيه بالهلال وإن قلت.
وكذا الكلام في السنة، فإن نكرها .. اعتبر مضي اثني عشر شهراً بالأهلة إذا لم ينكسر شيء من الشهور، فلو قال: أنت طالق نصف النصف الأول من الشهر .. طلقت عند طلوع الفجر يوم الثامن؛ لأن نصف النصف سبع ليال ونصف وسبعة أيام ونصف، والليل سابق النهار في الوجود فيقابل ليلة بنصف يوم، فيكون ثمان ليال وسبعة أيام نصفها، وسبع ليال وثمانية أيام نصفها.
قال: (أو أنت طالق أمس وقصد أن يقع في الحال مستنداً إليه .. وقع في الحال)؛ لأنه أوقعه في الحال وأسنده إلى زمان سابق فيثبت ما يمكن ثبوته ويلغو ما لا يمكن، وكذلك الشهر الماضي.
قال: (وقيل: لغو)؛ لأنه لما أوقع طلاقاً مسنداً فإذا لم يمكن إسناده .. وجب
أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ وَهِيَ اٌلآن مُعْتَدَّةٌ .. صُدَّقَ بِيَمِيِنِهِ، أَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ فِي نِكَاحِ آخَرَ؛ فَإِنْ عُرِفَ .. صُدَّقَ بِيَمِيِنهِ، وَإِلَاّ .. فَلَا.
ــ
أن لا يقع، أما إذا قال: لم أوقع في الحال وإنما أردت إيقاعه أمس .. فالمذهب المنصوص: الوقع في الحال، وحكي الربيع قولاً: إنه لا يقع شيء كما لو قال: إن طرت.
قال: (أو قصد أنه طلق أمس وهي الآن معتدة .. صدق بيمينه)؛ لظهور ما ادعاه، ثم إن صدقته .. فعدتها من الوقت الذي ذكره، ويبقي النظر في أنه هل كان يخالطها أو لا؟ وإن كذبته .. فمن الإقرار.
قال: (أو قال: طلقت في نكاح آخر؛ فإن عرف) أي: النكاح السابق أو قامت عليه بينة (.. صدق بيمينه)؛ لظهور ما ادعاه.
قال (وإلا .. فلا) لبعده، وكذا لو قال: أردت أن زوجاً آخر طلقها في نكاح سابق، فإن عُرف ناكح سابق وطلاق منه أو قامت به بينة وصدقته في إرادته .. فذاك، وإن كذبته وقالت: إنما أنشأت طلاقي .. صدق بيمينه، فإن قال: لم أوقع الطلاق في الحال، بل أردت إيقاعه في الماضي .. فالمنصوص الذي قطع به الأكثرون: وقوعه في الحال.
وبقي من أحوال المسألة .. ما إذا لم ترد شيئاً أو تعذر معرفة مراده كموت أو خرس .. فالأصح: وقوعه في الحال؛ لأنه يعم جميع احتمالات لفظه.
فروع:
قال: أنت طالق قبل أن تخلقي .. قال الصيمري: تطلق إذا لم تكن له إرادة، وإذا قال: أنت طالق بين الليل والنهار .. قال القفال: لا تطلق ما لم تغرب الشمس، قال المصنف: هذا إذا قاله نهاراً، فإن قاله ليلاً .. فبطلوع الفجر.
وإذا قال: أنت طالق يوماً ويوماً ولم ينو شيئاً .. فواحدة، وقال البوشنجي: المفهوم منه وقوع ثلاث آخرهن في اليوم الخامس.
وَأَدَوَاتُ اٌلتَّعْلِيقِ: (مَنْ) كَمَنْ دَخَلَتْ، وَ (إِنْ)، وَ (إِذَا)، وَ (مَتَى)، وَ (مَتَى مَا)، وَ (كُلَّمَا)، وَ (أَيُّ)، وَكَـ (أَيَّ وَقْتِ دَخَلْتِ)،
ــ
وإن قال: أردت طلقة يثبت حكمها في يوم دون يوم أو يقع في يوم دون يوم .. فواحدة.
ولو قال: أنت طالق في شهر فبل ما قبله رمضان .. طلقت في القعدة، وإن قال: في شهر قبل ما بعد رمضان .. ففي جمادي الآخر، وإن قال: بعد ما قبل بعده رمضان .. ففي شعبان، أو قبل ما بعد قبله رمضان .. ففي شوال، وقد نظم بعض الفضلاء في المسألة بيتين فقال [من الخفيف]:
ما يقول الفقيه أيده الله
…
ولا زال عنده إحسان
في فتيَ علق الطلاق بشهر
…
فبل ما قبل قبله رمضان
فأجابه الشيخ جمال الدين بن الحاجب المالكي فقال: هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه؛ لأن (ما) بعد (قبل) الأولي قد يكون قبلين وقد يكون بعدين وقد يكونا مختلفين، فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل، وقد يكون قبله بعد صارت ثمانية.
وقاعدة ذلك: أن كلما اجتمع معك قبل وبعد .. تلغيها، فلا يبقي إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد فالأول هو الشهر الرابع من رمضان وهو الحجة، والثاني الرابع قبله وهو جماد الآخر، وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان، وبعد ما قبل قبله شوال.
قال: (وأدوات التعليق: (من) كمن دخلت، و (إن) و (إذا) و (متى) و (متى ما) و (كلما) و (أي) وكـ (أي وقت دخلت) هذه الصيغ منها ما هو موضوع للتعليق وهي (إن) التي هي أم الباب- وكان ينبغي للمصنف تقديمها- والباقي في معناها؛ لما فيها من العمود، فـ (إذا) و (متى) و (متى ما) ظروف، و (م) فيها معنى الشرط
وَلَا يَقتَضِينَ فَوْراً إِنْ عَلَّقَ بِإِثُبَاتِ فِي غَيْرِ خُلْعِ إَلَاّ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ،
ــ
غالباً، و (كل) في (كلما) منصوب على الظرفية، ومثل بـ (أي وقت) إشارة إلي إضافتها إلى اسم الزمان كـ (حين وساعة ويوم وزمان).
وتستعمل أيضاً في التعليق من غير إضافة إلى اسم زمان نحو: أي رجل كلمته، وهو بحسب ما يضاف إليه من زمان ومكان وحال.
وظاهر كلامه: حصرها في السبعة كما صرح به ابن الرفعة وغيره وليس كذلك؛ فإن من الأدوات (إذما) على مذهب سيبويه و (ما) الشرطية و (مهما) و (أيان) و (إذا ما) و (أياً ما) كقوله تعالى: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} ، و (أين) و (حيثما) لتعميم الأمكنة.
قال: (ولا يقتضين فوراً إن علق بإثبات) كإن دخلت الدار؛ لأن القصد التعليق ب متى وجد من غير دلالة على فورية ولا تراخ.
قال: (في غير خلع)؛ فإنها تفيد الفورية في بعض صيغه كـ (إن) و (إذا)، واقتضاء الفور في الخلع ليس من وضع الصيغة، بل من أن المعاوضة تقتضي ذلك؛ لأن القبول لابد أن يكون غير متراخ عن الإيجاب.
قال: (إلا أنت طالق إن شئت) وكذا إذا شئت فإنه يعتبر الفور في المشيئة؛ لأنه تمليك على الصحيح، بخلاف متى شئت.
حادثة:
قال رجل لزوجته: طلقتك إن دخلت الدار، أو أن دخلت الدار .. طلقتك، قال الكندي: عرضت هذه المسألة بدمشق منسوبة إلي الجامع الكبير لمحمد بن الحسن وليست مذكورة في كتب الشافعية ثم أجاب فيها بأن (طلقتك إن دخلت الدار) تطلق في الحال من غير تعليق، وأما (إن دخلت الدار .. طلقتك) فلا تطلق إلا عند دخول الدار.
قال الشيخ: أخطا الكندي فيما قال، والصواب: أن الطلاق في الأولي يقع عند دخول الدار لا قبله، وفي الثانية لا يقع أصلاً إلا أن ينوي بقوله: طلقتك معني أنت طالق فيقع عند وجود الشرط.
وَلَا تَكْرَاراً إِلَاّ (كُلَّمَا). وَلَوْ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ، أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِصِفَةِ فَوُجِدَتْ .. فَطَلْقَتانِ، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي فَطَلَّقَ .. فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ
ــ
قال: (ولا تكراراً)، بل إذا وجد مرة .. انحلت اليمين ولم يؤثر وجودها ثانياً.
قال: (إلا (كلما))؛ فإنها تقتضيه وضعاً واستعمالاً دون سائر الأدوات، وهذا هو الأصح.
والثاني: أن (متى) و (متى ما) كـ (كلما).
والثالث: أن (متى ما) كـ (كلما) دون (متى) والوجهان ضعيفان.
وشمل إطلاقه إذا قيد ما لا يقتضي التكرار بالأبد كقوله: إن خرجت أبد الآبدين فأنت طالق .. فهي باقية على معناها من عدم التكرار كما صرح به الرافعي في (كتاب الأيمان).
قال: (ولو قال: إذا طلقتك فأنت طالق، أو علق طلاقها بصفة فوجدت .. فطلقتان) واحدة بالتنجيز وأخرى بالتعليق مع الصفة.
قال الشيخ: وقول الأصحاب: التعليق مع الصفة تطليق لا يعنون به أنهما جزاء علة، بل الموقع التعليق؛ لأنه فعل المطلق والصفة شرط له، وبذلك صرح في (النهاية) في (باب التدبير).
ويشهد له وقوع الطلاق فيها إذا قال: إن طلقتك فأنت طالق ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت، ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن يوقع الطلاق بصريح أو كناية؛ لأن الشرط وجود الطلاق وهو يوجد بكل منهما.
والمراد بقوله: (طلق) أي: بنفسه، فلو وكل فطلق وكيله .. لم تطلق إلا طلقة الوكيل.
قال: (أو كلما وقع طلاقي فطلق) أي: طلقة (.. فثلاث في ممسوسة)؛ لأن (كلما) تقتضي التكرار، فتقع الأولي بالتنجيز وثانية بوقوع المنجزة وثالثة بوقوع الثانية، كذا قالوه وهو ظاهر إذا قلنا: المعلول يتأخر عن العلة في الزمان، فإن
وَفِي غَيْرِهَا طَلْقَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ: إِنْ طَلَّقْتُ وَاحِدَهً فَعَبْدٌ حُرٌ، وَإِنْ ثِنْتَتٌينِ فَعَبْدَانِ، وَإِنْ ثَلاثً فَثَلَاثٌ، وَإِنْ أَرْبَعاً فَأَرْبَعٌ، فَطَلَّقَ أَرْبعاً مَعاً أَوْ مُرَتَّباً .. عَتَقَ عَشَرَةٌ، وَلَوْ عَلَّقَ بِ (كُلَّمَا) .. فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى اُلصَّحيحِ
ــ
قلنا: معه .. وقعت طلقتان، هذا كله في التعليق على الوقوع.
فلو قال: كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها .. وقعت المنجزة وأخري؛ لحصول التطبيق المعلق عليه، هذا هو الصحيح، وفي قول منسوب للبويطي: تقع ثلاث.
ثم إذا قلنا بالصحيح .. لا تنحل اليمين؛ لاقتضاء اللفظ التكرار، لكن لا يظهر لذلك فائدة هنا؛ لأنه إذا طلقها أخرى كان مستوفياً للثلاث، ولا تعود اليمين بعد ذلك علي المذهب.
قال: (وفي غيرها طلقة)؛ لأنها بانت بالأولى فلم يبق محل للطلاق، ولا فرق هنا بين أن يطلق هو أو وكيله.
والمراد بـ (غير الممسوسة): من كانت حين وجود الصفقة كذلك.
قال: (ولو قال وتحته أربع: إن طلقت واحدة فعبد حر، وإن ثنتين فعبدان، وإن ثلاثاً فثلاثاً، وإن أربعاً فأربع، فطلق أربعاً معاً أو مرتباً .. عتق عشرة) بلا خلاف؛ لأن بطلاق الأولى يعتق عبد وبالثانية عبدان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة، والعبيد الذين يعتقون مبهمون فتعيينهم إلى الزواج.
قال: (ولو علق بـ (كلما) .. فخمسة عشر على الصحيح)؛ لأن في الأربعة أربعة آحاد واثنان مرتين وثلاثة مرة وأربعة مرة.
وعلى هذا: لو قال: كلما صليت ركعة فعبد حر وهكذا إلى العشرة فصلى عشرة .. عتق سبعة وثمانون عبداً، وإن علق بـ (إن) .. فخمسة وخمسون، ووراء ما ذكره المصنف أوجه:
أحدها: أنه يعتق عشرة، قاله ابن القطان وغلطه الأصحاب.
وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلِ .. فَاُلْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ عَلَّقَ بِـ (إِنْ) كَإِنْ لَمْ تَدْخُلي .. وَقَعَ عِنْدَ اٌلْيَاسِ مِنَ اُلدُّخُولِ، أَوْ بِغَيْرِهَا .. فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ اُلْفِعْلُ
ــ
والثاني: ثلاثة عشر بتطليق واحدة عبد وتطليق ثانية؛ لأن فيه تطليق واحدة وثنتين فيعتق أربعة، وبتطليق ثالثة أربعة؛ لأن فيه تطليق واحدة وثلاث، وبتطليق الرابعة خمسة؛ لأن فيه أربعة وواحدة.
والثالث: سبعة عشر؛ لأنه جعل في تطليق الثالثة صفة أخرى وهو طلاق ثنتين هما الثانية والثالثة فيعتق بهما عبدان مع الخمسة عشر.
والرابع: عشرون، وبه قال الحنيفة، وتكرر الثلاث في الأربعة مع سلوكه مسلك القائل بسبعة عشر.
وظاهر عبارة المصنف: اشتراط ذكر (كلما) في الأربع، وبه صرح الرافعي والأصحاب، والصواب: اشتراطه في التعليق الأول والثاني فقط؛ لأن الثلاثة والأربعة لا يتصور فيها التكرار، فإذا أتى بـ (كلما) في الأولى والثانية وبـ (إن) في الثالثة والرابعة .. فالأصح: أنه يعتق خمسة عشر، وقيل: سبعة عشر، وقيل: عشرة.
أو (كلما) في الأولى فقط .. فالصحيح: ثلاثة عشر، وقيل: عشرة، وحكى في ((التنبيه)) في هذه الأوجه المتقدمة في التي قبلها، ورجع خمسة عشر، وهو سهو أو سبق قلم.
أو (كلما) في الأولى والثالثة .. فكما في الأولى فقط بزيادة ستة عشر، وقيل: أربعة عشر وقيل: عشرة.
أو في الثانية والثالثة .. فكما في الثانية فقط بزيادة سبعة عشر.
قال: (ولو علق بنفي فعل .. فالمذهب: أنه إن علق بـ (إن))؛ كإن لم تدخلي ..
وقع عند اليأس من الدخول، أو بغيرها .. فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل) إذا علق الطلاق بنفي فعل كالدخول والضرب وسائر الأفعال كقوله: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق ومضى زمان يمكنها فيه أن تدخل فلم تدخل .. لم يقع الطلاق، وإنما يقع إذا حصل اليأس من الدخول.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ (أَنْ) .. وَقَعَ فِي اٌلْحَالِ. قُلْتُ: إِلَاّ فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ .. فَتعْلِيقٌ فِي اٌلأَصَحِّ، وَاُللهُ أَعْلَمُ
ــ
ولو قال: إذا لم تدخلي فأنت طالق ومضى زمان يمكنها فيه أن تدخل فلم تدخل .. طلقت، وهذا هو المنصوص في اللفظين، وللأصحاب فيه طريقان:
أحدهما: التسوية بين اللفظين؛ لاستعمال كل منهما بمعنى الآخر، ومنهم من نقل وخرج فقيل: لا يقع الطلاق فيهما إلا عند اليأس كما في طرق الإثبات، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد.
والثاني: يقع إذا مضى زمان يمكن فيه الفعل؛ لأن الطلاق يقع بأول حصول الصفة، وأصحهما تقرير النصين.
والفرق: أن حرف (إن) يدل على مجرد الاشتراط لا إشعار له بالزمان، و (إذا) ظرف زمان نازل منزلة (متى) في الدلالة على الأوقات، ثم لليأس أسباب:
أحدهما: الموت فيحكم بالطلاق قبيله.
والثاني: الجنون المتصل بالموت فيحكم بالطلاق قبيل الجنون.
والثالث: الفسخ المتصل بالموت فنتبين الطلاق قبيله إذا كان الطلاق رجعياً، وأما البائن .. فلا يقع؛ للدور.
قال: (ولو قال: أنت طالق أن دخلت أو أن لم تدخلي بفتح (أن) .. وقع في الحال) فعلت أو لم تفعل؛ لأن (أن) للتعليل لا للتعليق، وضبط المصنف (أن) بالفتح في الموضعين وفيه نظر؛ لأن المفتوح لا يفتح.
قال: (قلت: إلا في غير نحوي .. فتعليق في الأصح والله أعلم)؛ لأن الظاهر أنه يقصده فيحمل عليه، وهو لا يعرف المفتوحة من المكسورة.
والثاني: يحكم بوقوع الطلاق في الحال؛ لأن ذلك مقتضى اللفظ فلا يعتبر من غير قصد إلا أن لا يكون الرجل ممن لا يعرف اللغة وقال: قصدت التعليق .. فيصدق بيمينه.
فَصْلٌ:
عَلَّقَ بِحَمْلٍ؛ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ .. وَقَعَ، وَإَلَاّ: فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ اُلتَّعْلِيقِ .. بَانَ وُقُوعُهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَع سِنِينَ، أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بهِ مِنْهُ .. فَلَا، وَإِلَاّ .. فَاُلأَصَحُّ: وُقُوعُهُ
ــ
تتمة:
في اعتراض الشرط على الشرط ثلاثة أوجه:
أصحها عند الشيخين – وهو المنصوص-: يشترط تأخر المتقدم وعكسه، فإذا قال: إن أكلت إن شربت فأنت طالق .. لم تطلق حتى يتقدم شربها على أكلها؛ لأن الشرط الثاني قيد في الأول فلابد من تقدمه، والمراد بالتقدم: أن لا يتأخر.
والوجه الثاني: عكسه.
والثالث: لا يشترط إلا وجود الشرطين كيف كان، ومستنده جعل الجواب لهما كما قاله الأخفش، وما صححه الشيخان في هذا الباب خالفاه في (أبواب التدبير) فصححا الثاني.
قال: (فصل:
علق بحمل) أي: قال: إن كنت حاملاً .. فأنت طالق.
قال: (فإن كان حمل ظاهر .. وقع) أي: في الحال؛ لوجود الشرط، لأن الحمل يعامل معاملة المعلوم.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن حمل ظاهر (فإن ولدت لدون ستة أشهر من التعليق .. بان وقوعه) لأنا تبينا أنها كانت حاملاً حين التعليق.
قال: (أو لأكثر من أربع سنين، أو بينهما ووطئت وأمكن حدوثه به منه .. فلا)؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولأنه يحتمل أن يحدث من الوطْء ظاهراً.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يطأها البتة أو وطئه وبين الوطء والوضع دون ستة أشهر (.. فالأصح: وقوعه)؛ لتبين الحمل ظاهراً، وكذلك يثبت النسب.
والثاني: لا يقع؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا .. وَقَعَ ثَلَاثٌ، أَوْ إِنْ كانَ حَمْلُكِ ذَكَراً فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا .. لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ،
ــ
ثم إذا لم يكن الحمل ظاهراً عند التعليق .. فينبغي أن يفرق بين الزوجين إلى أن يستبرأها ويمنع الزوج من وطئها، وهل هذا التفريق واجب والاستمتاع حرام أم لا؟
فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ تغليباً للتحريم في موضع التردد.
وأصحهما: أنهما مستحبان؛ لأن الأصل عدم الحمل وبقا النكاح، وبماذا يستبرؤها؟ فيه أوجه: أصحها: بحيضة، والثاني: بطهر، والثالث: بثلاثة أطهار.
فلو قالت: أنا حامل وصدقها .. قال القفال: نحكم بالطلاق، وإن كذبها .. لم تطلق حتى تلد ولو شهد القوابل بحملها؛ لأن الطلاق لا يثبت بقول النساء.
قال: (وإن قال: إن كنت حاملاً بذكر فطلقة أو أنثى فطلقتين فولدتهما .. وقع ثلاث)؛ لتحقق الصفتين وذلك بطريق التبيين.
وتعبير المصنف هنا بـ (أو) لا يستقيم، والصواب (الواو)؛ لأن التصوير في الجمع بين التعليقين، أي: قال: إن كنت حاملاً بذكر .. فطلقة، وإن كنت حاملاً بأنثى .. فطلقتين، فإن ولدت ذكراً أو ذكرين أو ذكوراً .. بان وقوع طلقة، وإن ولدت أنثى أو أنثيين أو إناث .. بان وقوع طلقتين، وإن ولدت خنثى .. بان وقوع طلقة وتوقف الأخرى إلى أن يتضح حاله.
وعن القاضي أبي الفتوح: أنه يحتمل أن لا يقع بولادة الخنثى شيء فتجعل المسألة ذات وجهين.
قال: (أو إن كان حملك ذكراً فطلقة، أو أنثى فطلقتين فولدتهما .. لم يقع شيء)؛ لأن قضية اللفظ كون جميع الحمل ذكراً أو أنثى، فلو أتت بذكرين أو أنثيين .. فالأشبه في (الرافعي) الوقوع؛ لأن المفهوم من اللفظ حصر الحمل في جنس الذكر أو الأنثى.
والثاني: لا يقع شيء؛ لاقتضاء التنكير التوحيد.
أَوْ إِنْ وَلَدْتِ فَأَنتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتِ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا .. طَلُقَتْ بِالأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي. وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَلِدَتِ
فَوَلَدَتْ ثَلَاثًا مِنْ حَمْلٍ .. وَقَعَ بِالأَوَّلَيْنِ طَلْقَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ، وَلَا تَقَعُ بِهِ ثَالِثَةُ عَلَى الْصَّحِيحِ.
ــ
وتنقضي العدة في جميع الصور بالوضع، وأما الوقوع فمن اللفظ، والصواب التعبير هنا بـ (الواو) أيضًا.
قال: (أو إن ولدت فأنت طالق فولدت اثنين مرتبًا .. طلقت بالأول)؛ لوجود الصفة، سواء وضعت حيًا أو ميتًا، ذكرًا أو أنثى.
قال: (وانقضت عدتها بالثاني) ولا يقع به طلاق ولا بما بعده لو ولدت أكثر من اثنين، وهذا مشروط بما إذا كانا من حمل واحد كما سنذكره في المسألة عقبها، أو حملين وكان الثاني لاحقًا به بأن تضعه لأقل من أربع سنين من وقت الطلاق، وقيل: من انقضاء العدة.
قال: (وإن قال: كلما ولدت فولدت ثلاثًا من حمل .. وقع بالأولين طلقتان وانقضت بالثالث، ولا تقع به ثالثة على الصحيح)؛ لأنها في عدة الطلاق السابق، ووقت انفصال الثالث وقت انقضاء العدة، ولو وقع .. لوقع في تلك الحالة؛ لأنه متعلق بالولادة ولا يجوز وقوعه في حال انقضاء العدة، ولهذا لو قال: أنت طالق مع موتي .. لم يقع إذا مات؛ لأنه وقت انتهاء النكاح، هذا هو المنصوص في عامة كتبه.
والثاني- وهو منصوص (الإملاء) -: تقع بالثالث طلقة ثالثة وتعتد بالأقراء؛ لأن هذا الطلاق لا يتأخر عن انقضاء العدة فيكفي ذلك لنفوذ الطلاق المبني على سرعة النفوذ.
واحترز بـ (الثلاثة) عما إذا ولدت أربعًا وانفصلوا على التعاقب؛ فإنها تطلق ثلاثًا بولادة ثلاثة وتنقضي عدتها بالرابع بلا إشكال.
وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: كُلَمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْانَ مَعًا .. طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، أَوْ مُرَتَّبًا .. طَلُقَتِ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا،
وَكَذَا الأُولَى إِنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَينِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمِا،
ــ
قال: (ولو قال لأربع) أي: حوامل منه (كلما ولدت واحدة فصواحبها طوالق) كذا ضبطه المصنف بخطه، وهو حسن كضاربة وضوارب، واللغة الأخرى صواحبات وعليه ما روي:(إنكن صواحبات يوسف).
قال: (فولدن معًا .. طلقن ثلاثًا ثلاثًا)؛ لأن لكل واحدة منهن ثلاث صواحب، وعدتهن بالأقراء؛ لأن الطلاق وقع بالولادة والعدة عقيب الطلاق.
ثم إن التعليق بالولادة كيف كان إنما يقع فيه المعلق بانفصال جميع الولد، قال ابن كج: وإنما يقع بما بان فيه خلق آدمي، فإن لم يبن فيه خلق آدمي .. لم تطلق.
وتعبيره بـ (كلما) تبع فيه (المحرر) و (الروضة) ، وهو يوهم اشتراط أداة التكرار، وليس كذلك؛ فـ (أيتكنّ) مثلها، بل لو مثل بها .. كان أولى.
قال: (أو مرتبًا .. طلقت الرابعة ثلاثًا، وكذا الأولى إن بقيت عدتها، والثانية طلقة، والثالثة طلقتين، وانقضت عدتهما بولادتهما)؛ لأن الأولى إذا ولدت .. وقعت على كل واحدة من الأخريات طلقة، ولا يقع عليها شيء؛ لأن المعلق بولادة كل واحدة منهن طلاق الأخريات، فإذا ولدت الثانية .. انقضت عدتها وبانت هي، وتقع على الأولى بولادتها طلقة وعلى كل واحدة من الأخريين طلقة أخرى إن بقيتا في العدة، فإذا ولدت الثالثة .. انقضت عدتها ووقعت على الأولى الطلقة الثانية إن بقيت في العدة وعلى الرابعة طلقة ثالثة، فإذا ولدت الرابعة .. انقضت عدتها عن ثلاث طلقات ووقعت ثالثة على الأولى.
وقوله: (عدتهما) هو مثنى راجح إليهما، أي: بأن امتدت أقراؤهما أو تأخر وضع ثاني توأميهما إلى أن وضعت الرابعة، فإن لم يبق بان انقضت بين ولادة الثانية والثالثة .. طلقت فقط، أو بين الثالثة والرابعة .. فطلقتان.
وقوله: (وانقضت عدتهما بولادتهما) أي: إن لم يتأخر ثاني توأميهما إلى ولادة الرابعة، وإلا .. طلقتا ثلاثًا ثلاثًا.
وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ الأُولَى وَتَطْلُقُ الْبَاقِياتُ طَلْقَةً. وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا .. طَلُقتِ الأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا- وَقِيلَ:
طَلْقَةٌ- وَالأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِهِ،
ــ
قال: (وقيل: لا تطلق الأولى وتطلق الباقيات طلقة طلقة)؛ لأن الثلاث عند ولادة الأولى صواحبها فطلقن وخرجن عن كونهن صواحبها فلا تطلق بولادتهن، وكذا بعضهن مع بعض، كذا وجهه الرافعي، واعترض عليه بأن قائله- وهو ابن القاص- لم يوجهه بهذا، بل وجهه- كما قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ- بأنهن خرجن بالولادة عن كونهن صواحبات؛ لحصول البينونة، إذ الثانية لما ولدت .. انقضت عدتها فلم تكن الأولى ولا الباقيات صواحبات لها، وكذلك التي بعدها، وهذا التعليل هو الصواب، ومن قال بالأول .. قال: ما دمن في العدة .. فهن زوجات وصواحب، ولهذا لو حلف بطلاق زوجاته .. دخلت الرجعية فيه.
قال: (وإن ولدت ثنتان معًا ثم ثنتان معًا .. طلقت الأوليان ثلاثًا ثلاثُا) طلقة بولادة من ولدت معها وثنتان بولادة الأخريين، ولا يقع على الأخريين شيء بولادتهما.
قال: (وقيل: طلقة والأخريات طلقتين طلقتين) هذا الخلاف مبني على الأول.
وبقي من أقسام المسألة: ما إذا ولدت ثلاثة معًا ثم الرابعة .. فتطلق الرابعة ثلاثًا قطعًا، وتطلق كل واحدة من الثلاث على جواب ابن الحداد ثلاثًا اثنتين بولادة اللتين ولدتا معًا وثالثة بولادة الرابعة إن بقين في العدة.
ولو ولدت اثنتان مرتبًا ثم ثنتان معًا .. وقع على الأولى ثلاث بولادتهن وعلى كل واحدة من الباقيات طلقة بولادة الأولى، فإذا ولدت الثانية .. انقضت عدتها ووقعت على كل واحدة من الأخريين طلقة أخرى، فإذا ولدت الأخريان .. انقضت عدتهما ولا يقع على كل واحدة منهما شيء بولادة صواحبها على الصحيح.
قال: (وتصدق بيمينها في حيضها إذا علق طلاقها به)؛ لأنها أعرف به وهي مؤتمنة عليه، قال الله تعالى:{ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} وتتعذر إقامة البينة عليه فإن الدم وإن شوهد لا يعرف أنه حيض، كذا علله الرافعي، وهو خلاف ما صرح به في (الشهادات) كما سيأتي بيانه، وسواء وافق ذلك عادتها أم
لَا فِي وِلَدَتِهَا فِي الأَصَحِّ، وَلَا يُصَدِّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا،
ــ
خالف، فلو قال لها: قد حضت فأنكرت .. طلقت؛ لإقراره.
واحترز بقوله: (علق به طلاقها) عما إذا علق به طلاق ضرتها، وسيأتي.
قال: (لا في ولادتها في الأصح)؛ لإمكان إقامة البينة على ذلك، بخلاف الحيض؛ فإنه يتعذر.
والثاني: يصدق؛ لعموم الآية فإنه يتناول الحبل والحيض، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، ورجحه القاضي أبو حامد وابن الحداد والقاضي أبو الطيب في (شرح الفروع) ، وإذا قلنا به .. فهو بالنسبة إلى الطلاق خاصة، وأما في لحوق الولد به .. فلا يصدق إلا بتصديقه أو شهادة أربع نسوة عدول يشهدن به.
ولو قال: إن ولدت فأنت طالق وعبدي حر فقالت ولدت وكذبها .. وقع الطلاق دون العتق.
قال: (ولا يصدق فيه في تعليق غيرها)؛ لأنه لا سبيل إلى تصديقها بغير يمين، ولو حلفناها .. لكان التحليف لغيرها؛ فإنه لا تعلق لها بالخصومة، والحكم للإنسان بحلف غيره محال.
وأورد ابن الرفعة على هذا: أن الإنسان يقبل قوله فيما لا يعلم إلا من جهته من غير يمين، ويقضى بذلك على غيره، كما لو قال: أنت طالق إن شاء زيد فقال: زيد شئت .. فإنه يصدق في ذلك بغير يمين ويقع الطلاق، وليس عدم القبول لكونها متهمة في حق الضرة، بل لأن قولها غير مقبول في حق غيرها حتى لو قال لأجنبية: إن حضت فامرأتي طالق فقالت حضت وكذبها .. لا تطلق امرأته.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً .. طَلُقَتْ فَقَطْ،
ــ
قال: (ولو قال: إن حضتما فأنتما طالقتان فزعمتاه وكذبهما .. صدق بيمينه ولا يقع)، والمراد: لا يقع على واحدة منهما؛ لان طلاق كل واحدة معلق بشرطين: حيضهما وتصديق الزوج لهما ولم يوجدا، قال في (الشامل): إلا أن يقيما البينة على الحيض .. فيقع عليهما.
قال في (الكفاية): وفيه وقفة؛ لان الطلاق لا يثبت بشهادتهن.
وقوله: (فزعمتاه) يقتضي أنهما لو قالتا على الفور حضنا .. يقبل، وليس كذلك؛ فإن التعليق يقتضي حيضًا مستأنفًا وهو يستدعي زمنًا، ولأجل ذلك قال في (الوسيط): ثم قلن: حضنا.
وفي قوله: (فزعمتاه) استعمال الزعم وهو مثلث الزاي للقول الصحيح، والأكثر انه إنما يستعمل فيما لم يقم دليل على صحته أو قام دليل على بطلانه، قال الله تعالى:} زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا {،} فقالوا هذا لله بزعمهم {.
قال: (وإن كذب واحدة .. طلقت فقط)؛ لوجود الشرطين في حقها، أما ثبوت حيض ضرتها .. فبتصديقه، وأما حيضها .. فبيمينها، ولا تطلق المصدقة إذ لم يثبت حيض صاحبتها؛ لتكذبه.
فروع:
الأول: قال الرافعي: إذا قال: إن حضت حيضة فأنت طالق .. لا يقع الطلاق حتى تحيض وتطهر؛ لأنه علقه بتمام الحيض، وحينئذ فيقع سنيًا.
فلو قال: إن حضت فأنت طالق .. طلقت بالشروع في الحيض، وقيل: لا تطلق حتى يمضي يوم وليلة، وحينئذ يتبين وقوعه من حين رأت الدم، فقوله:(سنيًا)
وَلَوْ قَالَ: (إِنْ) أَوْ (إِذَا) أَوْ (مَتَى طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا) فَطَلَّقَهَا .. وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ،
ــ
أي: غير بدعي، وتصحفت على ابن الرفعة فظنها (تبينا) فاعترض بذلك على الرافعي.
الثاني: قال: إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان .. فثلاثة أوجه:
أصحهما: يلغى قوله: حيضة، فإذا ابتدأ بهما الدم .. طلقتا.
والثاني: إذا تمت الحيضتان .. طلقتا.
والثالث: لا تطلقان وإن حاضتا.
ويجري الخلاف فيما لو قال: إن ولدتما ولدًا، فغن قال: ولدًا واحدًا .. فهو محال لا يقع به الطلاق، واستشكل الحكم في (المهمات).
الثالث: قال: إن حضت نصف حيضة .. فأنت طالق- وكانت عادتها ستة أيام- فإذا مضت ثلاث .. قضي بوقوع الطلاق، ووقع في (الرافعي) إسقاط لفظة (نصف) وذكره في (الروضة) على الصواب.
الرابع: قال: إن رأيت الدم فأنت طالق .. فوجهان: أصحهما: يختص بدم الحيض، وعلى هذا: فلا تعتبر حقيقة الرؤية، بل العلم كما في رؤية الهلال.
وإن قال: إن رأيت دمًا فأنت طالق فاستحيضت أو نفست .. طلقت وإن رعفت أو بطت جرحها.
الخامس: قال لها في أثناء حيضها: إن حضت فأنت طالق .. فالأصح أنها لا تطلق حتى تطهر ثم تحيض، كما لو قال- والئمار مدركة-: إذا أدركت الثمار .. فأنت طالق؛ فإن معناه إدراك لاحق.
وقيل: إذا استمر الدم بعد التعليق ساعة .. طلقت ويكون دوام الحيض حيضًا.
قال: (ولو قال: (إن) أو (إذا) أو (متى طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا) فطلقها .. وقع المنجز فقط)؛ لأنه لو وقع المعلق .. لمنع وقوع المنجز، وإذا لم
وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ،
ــ
يقع المنجز .. بطل شرط المعلق فاستحال وقوع المعلق، ولا استحالة في وقوع المنجز فيقع، وقد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب.
وشبه هذا بما إذا أقر الأخ بابن للميت .. فإنه يثبت نسبه ولا يرث، وبهذا قال أبو زيد المروزي وصاحب (التلخيص) ، واختاره ابن الصباغ والمتولي والشريف ناصر العمري، وإليه ذهب أبو حنيفة والغزالي في آخر عمره، وقال الرافعي في (شرحيه): يشبه أن تكون الفتوى به أولى، وقال في (المحرر): إنه أولى الأوجه، لا جرم صححه في (الكتاب) و (التصحيح).
قال في (المطلب): وكان شيخنا الشريف عماد الدين يختاره، وهذه مسألة عظيمة الخطب أفردها بالتصنيف المتولي والغزالي وفخر الإسلام الشاشي وإلكيا الهراسي وصاحب (الذخائر) والقاضي عماد السكري وأبو الغنائم الفارقي وآخرون.
قال: (وقيل: ثلاث) اختلفوا فيه، فالذي في (المحرر) و (الشرحين): أنه المنجز، وتتم الثلاث من المعلق، فغذا نجز واحدة .. وقعت اثنتان من المعلق، وإن نجز ثنتين .. وقعتا واحدة من المعلق، فعلى هذا: يشترط أن يكون مدخولًا بها، وهذا الذي اختاره ابن الصباغ لا ما نقله الرافعي عنه من وقوع طلقة.
وقيل: تقع الثلاث المعلقة، وعلى هذا سواء كانت مدخولًا بها أم لا، واختار هذا الوجه الإمام أبو بكر الإسماعيلي وأبو عبد الله الختن.
قال: (وقيل: لا شيء) لا في المعلق ولا المنجز؛ لأنه يلزم من وقوع الطلاق عدم وقوعه فلم يقع، وبهذا قال المزني وابن الحداد وابن سريج- وبه اشتهرت
وَإِنْ قَالَ إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ أَوْ آلَيْتُ أَوْ لَاعَنْتُ أَوْ فَسَخْتُ بِعَيْبِكِ فَأَنتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ .. فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ .. لَمْ تَقَعْ قَطْعًا. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا .. اشْتُرِطَتْ مَشِيئَتُهَا عَلَى الْفَورِ،
ــ
المسألة السريجية- والقفالان وأبو حامد القاضي والشيخ والقاضيان أبو الطيب والروياني- وقال بعد اختياره له لا وجه لتعليم العوام المسألة لفساد الزمان- والشيوخ أبو حامد وأبو علي وصاحب (المذهب) والغزالي في (الوسيط) ، ونقله صاحب (الإفصاح) عن نص الشافعي، وهو مذهب زيد بن ثابت، واختاره كثير من المتقدمين والمتأخرين.
وعلى هذا: قال الشيخ تقي الدين القشيري: طريق حل الدور أن يقول: إن لم يقع عليك طلاقي .. فأنت طالق، فيصير الطلاق لازمًا للتقصير ولازمهما واقع، قال الشيخ: وفيه نظر؛ لانا نمنع صحة التعليق الثاني إذا صححنا الأول وإنما يكون الطلاق لازمًا للنقيضين إذا علق على كل منهما بكلمة واحدة.
قال: (وإن قال: إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت بعيبك فأنت طالق قبله ثلاثًا ثم وجد المعلق به .. ففي صحته الخلاف) فعلى وقوع المنجز يصح، وعلى اللغو لا يصح، وأما الثلاثة المعلقة على ذلك .. فلا تقع؛ لئلا تبين فتلغو هذه الأمور.
قال: (ولو قال: إن وطئتك مباحًا فأنت طالق قبله ثم وطئ .. لم تقع قطعًا)؛ لأنها لو طلقت .. خرج الوطء عن كونه مباحًا، ولا يجيء فيه الخلاف، بل موضع الخلاف إذا انسد بتصحيح الدور باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية، وهنا لم ينسد.
قال: (ولو علقه بمشيئتها خطابًا) أي: بأن قال: إن شئِت أو إذا شئت (.. اشترطت مشيئتها على الفور)؛ لأن ذلك استدعاء لجوابها، فهو في معنى التفويض وهو تمليك، ولأنه استبانه لرغبتها فكان جوابها كالقبول في العقود.
والمراد بـ (الفور): مجلس التواجب كما في (الروضة) هنا وفي (الخلع).
أَوْ غَيْبَةً أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيِّ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشيئَتِهِ: شِئْتُ كَارِهًا بِقَلْبِهِ .. وَقَعَ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيِّةٍ وَصَبِيِّ،
ــ
وقيل: إذا شاءت في المجلس .. طلقت؛ لأن حريم العقد تقوم مقامه كما في القبض في الصرف والسلم.
هذا إذا علق بصيغة (إن) أو (إذا)، أما إذا قال: متى شئت .. فلا يشترط الفور كما تقدم.
قال: (أو غيبة أو بمشيئة أجنبي .. فلا في الأصح) يعني: إذا علق الطلاق بمشيئة زوجته لا على وجه الخطاب كقوله: زوجتي طالق إن شاءت، فإن عللنا بأنه خطاب واستدعاء جواب فلا خطاب هاهنا .. فلا يشترط الفور، وإن عللنا بأنه تمليك .. فتشترط المبادرة إذا بلغها الخبر، ومال الإمام إلى أن الفور لا يشترط في هذه المسألة وقال: الصيغة بعيدة عن قصد التمليك إذا لم يكن على قصد الخطاب، ويقابل الأصح: إن كانت حاضرة .. فعلى الفور، أو غائبة .. فتبادر إذا بلغها.
أما إذا علق بمشيئة أجنبي فقال له: إن شئت فزوجتي طالق، فغن عللنا بأنه خطاب واستدعاء جواب .. فشرطه الفور هنا أيضًا، وغن عللنا بالتمليك .. فلا، وفي هذه الخلاف أيضًا، والصحيح: انه لا يشترط الفور.
قال: (ولو قال: المعلق بمشيئته: شئت كارهًا بقلبه .. وقع) أي: ظاهرًا وباطنًا؛ لوجود المعلق عليه وهو لفظ المشيئة.
قال: (وقيل: لا يقع باطنًا) كما لو علق بحيضها فقالت: حضت وهي كاذبة.
وفي (الشرح) و (الروضة) في أول (باب الإقرار) ما يوهم ترجيح هذا، لكن استثنى الشيخ أبو محمد في (الفروق) ما إذا قال: إن شئت بقلبك فشاء كارهًا .. لم يقع.
قال: (ولا يقع بمشيئة صبية وصبي) قال الرافعي: بلا خلاف؛ لأنه لا اعتبار بمشيئتهما في التصرفات، وكما قال للصغيرة: طلقي نفسك فطلقت .. لم يقع.
وَقِيلَ: يَقَعُ بِمَشِيئَةِ مُمَيِّزٍ. وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ. ولَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَاَّ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً .. لَمْ تَطْلُقْ، وَقِيلَ: تَقَعُ طَلْقَةً،
ــ
قال: (وقيل: يقع بمشيئة مميز)؛ لان مشيئته معتبرة في اختيار الأبوين؛ أما غير المميز والمجنونةُ .. فلا يقع بقبولهما بلا خلاف.
ولو علق بمشيئة اخرس فأشار .. وقع، أو ناطق فخرس .. فكذلك على الصحيح.
قال: (ولا رجوع له قبل المشيئة) كسائر التعليقات وإن تضمن تمليكًا، كما لا يؤثر الرجوع في قوله: إن أعطيتني ألفًا .. فأنت طالق وإن كانت معاوضة.
قال: (ولو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا أن يشاء زيد طلقة فشاء طلقة .. لم تطلق)؛ لأنه أخرج مشيئة زيد واحدة عن أحوال وقوع الطلقات فلا يقع شيء كقوله: إلا أن يدخل زيد الدار، وكذا لو شاء طلقتين أو ثلاثًا، فغن من شاء ذلك .. شاء الواحدة وزيادة.
قال: (وقيل: تقع طلقة)؛ لأن المفهوم من ذلك، إلا أن يشاء واحدة .. فتقع ويكون الإخراج من وقوع الثلاث لا من أصل الطلاق.
وفيه وجه ثالث: أنه تقع طلقتان، وتقديره: إلا أن يشاء عدم وقوع واحدة فيقع الباقي.
كل هذا إذا أطلق، فغن أراد بعض هذه المحامل .. قبل، وفي بعضه خلاف.
ولو قال: أنت طالق شئت أو أبيت .. طلقت في الحال، ولو اختلفا في المشيئة فقالت: شئت وكذبها، فإن قلنا: إن المعلق عليه اللفظ .. فالقول قوله، وإن قلنا: ما في النفس .. فالقول قولها؛ لأنه لا يعرف إلا من جهتها، حكاه في (الذخائر).
وكالتعليق بالمشيئة كل تعليق بأمر باطن كما إذا قال: إن أضمرت حبي أو بغضي فأنت طالق فقالت أحبك أو أبغضك .. فالمعتبر فيه اللفظ فيقع الطلاق به.
وفي (شرح المختصر) للجويني الجزم بأنه لا يقع الطلاق إذا علقه على محبتها أو
وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نِاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا
…
لَمْ تَطْلُقْ فِي الأَظْهَرِ،
…
ــ
بغضها إياه ونحو ذلك فقالت: أنا أحبك أو أبغضك وكذبها، وفرق بينه وبين الحيض بأنها مؤتمنة.
قال: (ولو علق بفعله ففعل ناسيًا للتعليق أو مكرهًا
…
لم تطلق في الأظهر).
قال في (الروضة): هذا هو المختار؛ للحديث الحسن: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، والمختار عمومه فيعمل به إلا ما خص بدليل كغرامة المتلفات. أهـ.
والحديث بهذا اللفظ لم يوجد والمشهور فيه: (إن الله وضع عن أمتي)، وفي رواية:(وضع لي عن أمتي) ولأن المكره على الطلاق لا يقع طلاقه فكذا المكره على الصفة.
والقول الثاني – وبه قال ابن المنذر: إنه مشهور مذهب الشافعي، وبه كان يفتي ابن عبد السلام وابن الصلاح وقاضي ابن رزين؛ لأن الإكراه لا ينافي التكليف.
وتوقف جماعة في الفتوى بعدم تحنيثه، منهم القاضي الماوردي تبعًا لشيخه القاضي أبي القاسم الصيمري، والصيمري تبع فيه شيخه أبا الفياض البصري، وإليه ذهب أبو حامد شيخ المراوزة؛ لأن استعمال التوقي أحوط من فرطات الإقدام، وتوقف فيه ابن الرفعة في آخر عمره، جانحين إلى أن ذلك من خطاب الوضع الذي لا فرق فيه بين العامد والناسي، وكان الشيخ يميل إليه إلى تاسع شوال سنة أربع وخمسين فجزم بعدم الحنث.
قال ابن الصباغ: والقولان كالقولين فيما إذا أكره الصائم على الأكل هل يفطر؟ وهذا البناء يقتضي ترجيح عدم الحنث؛ إذ الراجح عدم الفطر، لكن يستثنى ما إذا صرح بذلك فقال: لا أدخل الدار عامدًا ولا ناسيًا فدخل ناسيًا
…
فإنه يحنث بلا
أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْليقِهِ وَعَلِمَ بِهِ
…
فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا
…
فَيَقَعُ قَطْعًا
…
ــ
خلاف، كذا نقله في زوائد (الروضة) عن القاضي حسين، وجزم به الرافعي في (كتاب الأيمان).
قال: (أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه) كما إذا علقه على فعل امرأته أو أجنبي، والمبالي بالتعليق هو الذي يشق عليه الحنث.
قال: (وعلم به
…
فكذلك) أي: فيكون على القولين إذا فعله ناسيًا أو مكرهًا، ولا بد من شرط ثالث وهو: قصد الحث أو المنع كما قرره الإمام وابن الصباغ وجرى عليه في (الشرح).
قال: (وإلا
…
فيقع قطعًا) يعني: إذا علق الحالف على فعل غيره، فإن لم يكن للمعلق على فعله شعور بالتعليق ولم يقصد الزوج إعلامه أو كان ممن لا يبالي بتعليقه كقدوم الحجيج أو السلطان
…
يقع الطلاق إذا وجد الفعل مع الإكراه والنسيان؛ لأنه ليس فيه حينئذ حث ولا منع، فالطلاق فيه معلق بصورة الفعل، ومنهم من أجرى فيه القولين السابقين في الإكراه وكأنه لا فعل له.
وإن كان المعلق بفعله عالمًا بالتعليق وهو ممن يبالى بتعليقه وقصد المعلق بالتعليق منعه ففعله ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلًا
…
ففيه القولان، فاشتمل كلام المصنف على ثلاث صور: إذا كان لا يعلم ولا يبالي، أو يبالي وهو يعلم، أو لا يعلم وهو يبالي، وهذه كثيرة الوقوع في (الفتاوى) ، وصرح فيها في (المهمات) بوقوع الحنث، قال: إلا أن فيه نظرًا؛ فإنه كيف يقع على الجاهل قطعًا ولا يقع بفعل الناسي على الصحيح مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي؟
وقد بحث الشيخ علاء الدين الباجي والشيخ زين الدين الكتناني في درس قاضي القضاة ابن بنت الأعز في هذه المسألة، وكان ابن الكتناني مصممًا على ما اقتضته عبارة (المنهاج) والباجي على مقابله.
قال الشيخ: والصواب: أن كلام (المنهاج) محمول على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق ولم يقصد إعلامه ليمتنع كعبارة (الشرح) و (الروضة).
أما إذا كان المعلق بفعله عالمًا بالتعليق وهو ممن يبالى بتعليقه وقصد المعلق
ــ
بالتعليق منعه ففعله ناسيًا أو مكرهًا
…
ففيه القولان، فمحل القطع بالوقوع ما إذا لم يقصد الإعلام والحث أو المنع، وأما إذا قصد
…
فإن الخلاف يطرقه سواء كان جاهلًا أم علم ثم نسي كما صرح به الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين وتلميذه سليم في (المجرد) واقتضاه كلام المحاملي والقاضي أبو الطيب والجرجاني وغيرهم.
وقال الشيخ تقي الدين بن رزين: الغالب أن الحالف على فعل مستقبل من أفعال من يرتدع بيمينه بقصد الحث والمنع بقصد التعليق على الفعل مطلقًا فيقع في الصورة كلها، وأما من يحلف على فعل نفسه
…
فلا يمتنع وقوع طلاقه بالنسيان والجهل إلا عند قصد الحث والمنع، وهذا منه تفرقة بين فعل غيره وفعل نفسه.
تتمة:
الحلف على غلبة الظن كما إذا حلف بالله أو بالطلاق على نفي فعل وقع جاهلًا بوقوعه أو ناسيًا كما إذا حلف أن زيدًا ليس في الدار وكان فيها ولم يعلم أو علم ونسي، إن قصد الحالف أن الأمر كذلك في ظنه أو فيما انتهى إليه علمه ولم يقصد أن الأمر كذلك حقيقة
…
لم يحنث.
وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر أو أطلق
…
ففي وقوع الطلاق والحنث قولان: الراجح هنا: الوقوع والحنث كما صرح به ابن الصلاح وغيره، واختار البغوي وشيخه القاضي حسين الحنث في الطلاق دون اليمين بالله تعالى.
ووقفت على فتوى لشيخنا جمال الدين في ذلك فقال فيها: طريقة الجمهور أنه لا فرق في مسائل الإكراه والنسيان بين الحلف بالله والحلف بالطلاق، وخالف القاضي حسين فأجاب بالحنث في الطلاق دون غيره، والمعروف أنه لا فرق بين أن ينسى في المستقبل فيفل المحلوف عليه أو ينسى فيحلف على ما لم يفعله أنه فعله أو بالعكس، وممن صرح بذلك الرافعي في أثناء (تعليق الطلاق).
فصلٌ:
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ
…
لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: هَكَذَا
…
طَلُقَتْ فِي إِصْبَعَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثًا، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالإِشَارَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ
…
صُدِّقَ بِيَمِيِنِه
…
ــ
قال: (فصل:
قال: أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث
…
لم يقع عدد إلا بنية)؛ لأن الطلاق لا يتعدد إلا بقصد أو لفظ، ولم يوجد واحد منهما.
قال: (فإن قال مع ذلك: هكذا
…
طلقت في إصبعين طلقتين وفي ثلاث ثلاثًا)؛ لأن الإشارة صريحة في العدد، وفي الحديث الصحيح [خ 1908 – م1080]:(الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه وعقد بإبهامه في الثالثة) وأراد تسعة وعشرين فدل على أن اللفظ مع الإشارة يقوم مقام اللفظ بالعدد.
قال الإمام: هذا إذا أشار إشارة مفهمة للطلقتين أو الثلاث، وإلا
…
فالإنسان قد يعتاد الإشارة بإصبعه في الكلام.
واحترز بقوله: (مع ذلك هكذا) عما إذا قال: أنت هكذا وأشار بأصابعه الثلاثة ولم يقل طالق
…
فقال القفال: إن نوى الطلاق
…
وقع الثلاث، وإن لم ينو الطلاق
…
لم تطلق كما لو قال: أنت ثلاثًا ولم ينو الطلاق، وقال غيره: ينبغي أن لا تطلق وإن نوى، وصححه المصنف وفاقًا لصاحب (المهذب)، وكذلك قطع به الروياني وحكى في قوله: أنت الثلاث ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يقع شيء.
والثاني: تقع الثلاث.
والثالث: تقع واحدة.
قال: (فلو قال: أردت بالإشارة المقبوضتين
…
صدق بيمينه)؛ لأنه محتمل، وعن الشيخ أبي حامد لا يقبل ويدين.
وإن قال: أردت واحدة فقط
…
لم يقبل في الأصح؛ لأن الإشارة صريحة في
وَلَوْ قَالَ عَبْدُ: إَذّا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتْينِ، وَقَالَ سِيِّدُهُ: إِذّا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ بِهِ
…
فَالأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَتَجْدِيدُ النّكَاحِ قَبْلَ زَوْجٍ، وَإِنْ نَادَى إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتُهُ الأُخْرَى فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ– وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ– لَمْ تْطُلِق الْمُنَادَاةُ وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الأَصَحِّ
…
ــ
العدد، وعن صاحب (التقريب): يقبل؛ لأن الإشارة كناية فيه.
قال: (ولو قال عبد: إذا مات سيدي فأنت طالق طلقتين، وقال سيده: إذا مت فأنت حر فعتق به) أي: عتق جميعه بموت السيد (
…
فالأصح: أنها لا تحرم بل له الرجعة وتجديد النكاح قب الزوج)؛ لأن وقوع الطلقتين وعتق العبد معلقان بالموت فوقعا معًا، والعتق كما لم يتقدم الطلاق لم يتأخر، فإذا وقعا معًا
…
غلب حكم الحرية، كما لو أوصى لأم ولده أو لمدبرة
…
فإن الوصية تصح؛ لأن العتق واستحقاق الوصية يتقاربان فجعل كما لو تقدم العتق.
والثاني: أنها تبين بالطلقتين؛ لأن العتق لم يتقدم على الطلقتين، والمعلول مع علته فغلب جانب التحريم، قال الإمام: وهو غاية في الضعف.
ولا خلاف أنه لو قال: أنت طالق طلقتين في آخر جزء من حياة سيدي، وقال سيده: إذا مت فأنت حر ثم مات السيد
…
أنه لا يراجع.
واحترز بقوله: (عتق به) عما إذا عتق بعضه
…
فإنها تبين بالطلقتين؛ لأن المبعض كالقن في عدد الطلاق.
قال: (وإن نادى إحدى زوجتيه فأجابته الأخرى فقال: أنت طالق – وهو يظنها المناداة – لم تطلق المناداة) بلا خلاف؛ لأنه لم يخاطبها به، بل ظنه ولا عبرة بالظن البين خطؤه.
قال: (وتطلق المجيبة في الأصح)؛ لأنه خاطبها به.
والثاني: لا؛ لانتفاء قصدها.
ومأخذ الخلاف تغليب الإشارة أو العبارة، فول قال: علمت أن التي أجابتني غير المناداة وقصدت طلاقها
…
فإنها تطلق فقط.
وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً
…
فَطَلْقَتَانِ. وَالْحَلِفُ بِالطَّلاًقِ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ؛ فَإِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفَتُ بِطَلَاقكِ فَأَنْتِ طَاِلقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إِنْخَرَجْتِ أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ طَالْقٌ
…
وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ، وَيَقَعُ الآخَرُ إِنْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ،
…
ــ
قال: (ولو علق بأكل رمانة وعلق بنصف فأكلت رمانة
…
فطلقتان)؛ لأنه صدق أنها أكلت نصف رمانة وأكلت رمانة.
وفي وجه: لا تقع إلا طلقة؛ لأن قوله: (نصف رمانة) يفهم الاقتصار عليه.
وكلام المصنف محله إذا علق بـ (إن) كما مثل به في (المحرر) ونحوها مما لا يقتضي تكرارًا، فإن علق بـ (كلما)
…
طلقت ثلاثًا؛ لأنها أكلت رمانة ونصف رمانة مرتين.
ولو قال: إن أكلت رمانة فأنت طالق فأكلت نصفي رمانتين
…
لم يحنث؛ لأن نصفي رمانتين ليسا رمانة، وكذلك إذا أكلت ألف حبة من ألف رمانة ومجموع ذلك يزيد على رمانة.
قال: (والحلف بالطلاق: ما تعلق به حث أو منع أو تحقيق خبر) كذا حده ابن سريج وتبعه عليه الجمهور؛ لأن الحلف بالطلاق فرع الحلف بالله تعالى، والحلف بالله مشتمل على ذلك، وقد مثل المصنف الأقسام الثلاثة.
قال: (فإذا قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن لم تخرجي أو إن خرجت أو إن لم يكن الأمر كما قلت فأنت طالق
…
وقع المعلق بالحلف) أي: في الحال (ويقع الآخر إن وجدت الصفة) أي: والعدة باقية.
والحث والمنع سواء كانا لنفسه أو لغيره، فـ (إن لم تخرجي) حث لها على الخروج، ومثله إ لم أخرج، وكذا إن لم يخرج زيد وقصد حثه وهو ممن يبالى بيمينه، و (إن لم يكن الأمر كما قلت) تحقيق خبر.
قلت: والفرق بين العهد والميثاق واليمين: أن العهد: إلزام والتزام سواء كان فيه يمين أم لم يكن، والميثاق: العهد المؤكد باليمين، واليمين: ما فيه حث أو منع أو تحقيق خبر.
وَلَوْ قَالَ: إِذّا طَلَعتِ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الحاجُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ
…
لَمْ يَقَعِ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ [اسْتِخْبَارًا]: أَطَلَّقْتَهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ
…
فَإِقْرَارٌ بِهِ،
…
ــ
قال: (ولو قال: إذا طلعت الشمس أو جاء الحاج فأنت طالق
…
لم يقع المعلق بالحلف)؛ لخلوه عن الحث والمنع والتحقيق، بل إذا وجدت الصفة
…
وقع الطلاق، وكذا إذا قال: إن حضت أو إن طهرت، هذا هو الصحيح.
وفي وجه: أن أنواع التعليق كلها حلف، وما جعلنا التعليق به حلقًا كإن خرجت أو غير حلف كإذا طلعت الشمس سواء فيه التعليق بـ (إن) أو بـ (إذا) على الصحيح.
وقيل: هو بـ (إن) حلف فيهما وبـ (إذا) توقيت فيهما، ولهذا مثل المصنف الأول بـ (إن) والثاني بـ (إذا).
فرعان:
أحدهما: قال: إن حلفت بطلاقك
…
فأنت طالق، ثم أعاد هذا القول ثانيًا وثالثًا ورابعًا، فإن كانت المرأة مدخولًا بها
…
وقع بالمرة الثانية طلقة وانحلت اليمين الأولى، ثم يقع بالثالثة طلقة بحكم اليمين الثالثة وتنحل الثانية، وتقع بالرابعة ثالثة وتنحل الثالثة، وتكون الرابعة يمينًا منعقدة حتى يقع بها الطلاق.
وإذا حلف بطلاقها في نكاح آخر، إن قلنا: يعود الحنث بعد الطلاق الثلاث وإن لم يكن مدخولًا بها
…
وقعت طلقة بالمرة الثانية وبانت بها وتنحل اليمين.
الثاني: قال لامرأتيه: إن حلفت بطلاقكما
…
فأنتما طالقتان، وأعاد هذا القول مرارًا، فإن دخل بهما
…
طلقتا ثلاثًا ثلاثًا، وإن لم يدخل بواحدة منهما
…
طلقتا طلقة طلقة بائنًا، وفي عود الحنث الخلاف، وإن دخل بإحداهما
…
طلقتا جميعًا بالمرة الثانية وبانت غير المدخول بها، وبالمرة الثالثة لا تطلق واحدة منهما؛ لأن شرط الطلاق الحلف بهما ولا يصح الحلف بالبائن.
قال: (ولو قيل له [استخبارًا]: أطلقتها؟ فقال: نعم
…
فإقرار به) أ]: فإن كان
فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَاضِيًا وَرَاجَعْتُ
…
صُدِّقَ بِيَمِيِنِه. وَإِنْ قِيلَ ذّلِكَ الْتِمَاسًا لإِنْشَاءٍ فَقَالَ: نَعَمْ
…
فَصَرِيحٌ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ
…
ــ
كاذبًا
…
فهي زوجته في الباطن؛ لأن قوله: (نعم) مقدر فيه نظير الاستفهام فتقديره (نعم طلقتها) فهو إقرار بطلاق سابق، و (نعم) صريح في الجواب، ولهذا لو قال الحاكم للمدعى عليه: أعليك ألف لهذا؟ فقال: نعم
…
كان مقرًا.
قال: (فإن قال: أردت ماضيًا وراجعت
…
صدق بيمينه)؛ لأنه أحد محتملي اللفظ.
ولو قال: جددت نكاحها
…
فعلى ما تقدم فيما إذا قال: أنت طالق أمس وفسره بذلك.
قال: (وإن قيل ذلك التماسًا لإنشاء فقال: نعم
…
فصريح)؛ لما تقدم.
واستشكل بعضهم كون (أطلقتها) التماسًا؛ فإنه غير صالح له، وهو يشكل على حصره الصريح في ثلاثة ألفاظ أول الباب.
قال: (وقيل: كناية)؛ لأن (نعم) ليست معدودة من صرائح الطلاق، قال ابن القاص: وعلى هذا: لا تفتقر إلى نية، وليس لنا كناية لا تفتقر إلى نية إلا هذه.
هذا إذا اقتصر على (نعم)، فإن قال: نعم طلقت
…
فهو صريح قطعًا.
والمصنف تبع (المحرر) في حكاية هذا وجهًا وهو في (الشرح) و (الروضة) قول، وقيل: ليس صريحًا قطعًا؛ لأن (نعم) متعينة للجواب.
ولو جهل حال السؤال
…
فالظاهر: أنه يحمل على الاستخبار؛ لأن الإنشاء لا يستفهم عنه.
تتمة:
قيل له: ألك زوجة؟ فقال: لا
…
لم يقع به طلاق وإن نوى؛ لأنه كذب محض.
ولو قيل: أطلقت زوجتك؟ فقال: قد كان بعض ذلك
…
لم يكن إقرارًا بالطلاق؛ لاحتمال التعليق، أو الوعد بالطلاق، أو خصومة تؤول إليه، ولو فسر بشيء من ذلك
…
قبل.
وإن كان السؤال عن ثلاث ففسر بواحدة
…
قبل، فإن لم يفسر بشيء
…
قال
فصلٌ:
عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ
…
لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ أَكَلَا تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ: إِنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا
…
لَمْ يَقَعْ إَلَّا أَنْ يَقْصِدّ تَعْيِينًا
…
ــ
المتولي: إن كان السؤال عن ثلاث
…
لزمه الطلاق؛ لأن للطلاق بعضًا، وإن كان عن واحدة
…
لم يلزمه شيء.
قال الرافعي: وفي كل من الطرفين توقف لا يخفى.
قال المصنف: الصواب: أنه لا يقع شيء وإن كان السؤال عن الثلاث.
وفي (فتاوى القاضي حسين): لو قال له رجل: فعلت كذا فأنكر فقال: إن كنت فعلت كذا
…
فامرأتك طالق فقال: نعم، وكان قد فعله
…
لم يقع الطلاق، وجعله البغوي استدعاء طلاق، فيكون كما لو قيل له: طلقت امرأتك مستدعيًا منه طلاقها فقال: نعم.
قال: (فصل:
علق بأكل رغيف أو رمانة فبقي لبابة أو حبة
…
لم يقع)؛ لأنها لم تأكل كل الرغيف ولا كل الرمانة.
وقال القاضي حسين: إن أكلته إلا فتاتًا
…
لم يحنث، وقال الإمام: إن بقي قطعة تحس ولها موقع
…
لم يحنث.
وكذا لو حلف لا يشرب ماء هذا الكوز فشربه إلا جرعة
…
لم يحنث؛ لما ذكرناه.
قال: (وإن أكلا تمرًا وخلطا نواهما فقال: إن لم تميزي نواك فأنت طالق، فجعلت كل نواة وحدها
…
لم يقع) وكذا لو خلط الدراهم ونحوها؛ أخذًا باللفظ دون العرف خلافًا للإمام والغزالي.
قال: (إلا أن يقصد تعيينًا) أي: التمييز الذي يحصل به التعيين من نواها لنواه؛ لتعذر ذلك.
وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسِاكِهَا فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضِ وَرَمْيِ بَعْضٍ
…
لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَصْدُقِيِني فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَت: سَرَقْتُ مَا سَرَقْتُ
…
لَمْ تَطْلُقُ
…
ــ
قال: (ولو كان بفهمها تمرة فعلق ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها فبادرت مع فراغه بأكل بعض ورمي بعض
…
لم يقع)؛ لأنه لم يحصل أكلها ولا رميها ولا إمساكها.
ولا يشترط الإتيان هنا بـ (ثم) ، وإنما يشترط تأخير يمين الإمساك فلو تقدمت أو توسطت
…
حنث.
وقوله: (فبادرت بأكل بعض ورمي بعض) لا حاجة إليهما، بل يحتاج إلى المبادرة بأحدهما فقط.
ونظير المسألة: إذا كانت واقفة في ماء فقال: إن أقمت في هذا الماء فأنت طالق، وإن خرجت فأنت طالق، فإن كان الماء جاريًا
…
لم تطلق؛ لأن ذلك الماء قد فارقها بجريانه، وإن كان واقفًا ومكثت فيه أو خرجت مختارة
…
طلقت، وإن أخرجت في الحال مكرهة
…
فلا.
ولو قال: إن لم تخرجي من هذا النهر الآن فأنت طالق
…
طلقت إن لم تخرج في الحال، سواء كان فيه ماء أو لم يكن؛ لأنه اسم لمكان جريان الماء.
وإذا كان في يدها كوز من الماء فقال: إن قلبت هذا الماء فأنت طالق وإن تركتيه فأنت طالق وإن شربتيه أو غيرك فأنت طالق
…
فطريق الخلاص: أن تأخذ خرقة وتبلها بذلك الماء حتى ينشف فلا يقع الطلاق.
ويقرب من هذا ما روي عن الشافعي في رجل دفع إلى زوجته كيسًا مملوءًا مربوطًا وقال: إن فتحته أو كسرتي ختمه أو خرقته أو فتقته
…
فأنت طالق، وإن لم تفرغيه
…
فأنت طالق فما الحيلة في الخلاص؟ فقال: هذا كيس فيه سكر أو ملح فتضعه في الماء حتى يذوب ثم تعطيه فارغًا.
قال: (ولو اتهمها بسرقة فقال: إن لم تصدقيني فأنت طالق، فقالت: سرقت ما سرقت
…
لم تطلق)؛ لأنها صادقة في أحد الإخبارين قال البغوي في (الفتاوى): فإن قال: إن لم تعلميني بالصدق
…
لم تتخلص بذلك.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا .. فَالْخَلَاصُ: أَنْ تَذْكُرَ عَدَداً يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ، ثُمَّ تَزِيدُ وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ. وَالصُّورَتَانِ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفاً
ــ
قال: (ولو قال: إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها .. فالخلاص: أن تذكر عدداً يعلم أنها لا تنقص عنه، ثم تزيد واحداً واحداً حتى تبلغ ما يُعلم أنها لا تزيد عليه).
ومثله: إن لم تخبريني بعدد ما في البيت من الجوز، أما إذا قال: إن لم تعديه اليوم فأنت طالق .. فوجهان: أحدهما: كقوله: إن لم تخبريني بعدده.
والثاني: يجب أن تبتدئ من الواحد وتزيد إلى أن تنتهي إلى اليقين.
قال الإمام: هذا اللفظ يتبادر إلى الفهم منه التعريف والتعيين فينبغي أن يحمل عليه، فلا يخلص من الحنث إلا به.
وتعبيره ظاهر في أنها لا تحتاج لذكر الواحدة؛ لأنها ليست عدداً، وبه صرح ابن الرفعة وغيره.
قال: (والصورتان فيمن لم يقصد تعريفاً) المراد: صورة التهمة في السرقة وصورة عد الحب، أما إذا قصده .. فلا يحصل البر بما سبق؛ لأن التعريف لم يحصل بذلك كما تقدم في نظيره من مسألة التمر.
فإن قيل: كيف يجمع بين هذه المسألة وبين ما إذا قال: من أخبرتني منكن بقدوم زيد فهي طالق فأخبرته وهي كاذبة .. فإن الطلاق يقع؛ لأن الخبر يصدق على الأعم من الصادق والكاذب، فينبغي أن يكتفي في الجواب عن عدد الرمانة بأي عدد قالته كما إذا قالت قدم زيد ولم يقدم؟ فالجواب: أن المعلق عليه في مسألة الإخبار بقدوم زيد نفس قولها: قدم زيد، وهو أعم من الصادق والكاذب، والمعلق عليه في الرمانة الإخبار بعددها، ولها عدد في علم الله تعالى وفي علم العباد، فإن أخبرت بغيره .. أخبرت بخلاف الواقع.
وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ: مَنْ لَمْ تُخّبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيّلَةِ، فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ: سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأُخْرَى: خَمْسَ عَشْرَةَ-أَيْ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ- وَثَالِثَةٌ: إِحْدَى عَشْرَةَ، أَيْ: لِمُسَافِرٍ .. لَمْ يَقَعْ
ــ
قال: (ولو قال لثلاث: من لم تخبرني بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة، فقالت واحدة: سبع عشرة، وأخرى: خمس عشرة_ أي: يوم الجمعة_ وثالثة: إحدى عشرة، أي: لمسافر .. لم يقع).
قال في (الدقائق): ولا خلاف في المسألة، وقول (المحرر):(قيل: لا يقع) يوهم خلافاً ونفي المصنف الخلاف مردود؛ ففي (البحر) عن أصحابنا: تطلق من عدت خمس عشرة وإحدى عشرة؛ للعادة.
ثم لا بد من تقييد المسألة بما إذا لم يرد أحد هذه الأيام، فإن أراده .. فالحلف على ما أراد، وكان ينبغي أيضاً أن يفرق بين من كان في يوم جمعة أو سفر أو غيره، ولم أر من تعرض له.
فروع:
البشارة أخص من الخبر؛ لأنها الخبر السار الصدق الأول، فإذا قال: إن بشرتني بكذا فأنت طالق، فأخبرته به أولاً .. طلقت، فلو عرف ذلك بمشاهدة أو إخبار أجنبي ثم أخبرته به .. لم تطلق.
وفيه وجه: أنها لا تختص بالخبر الأول فيكون كما قال: إن أخبرتني بكذا.
فلو قال لزوجتيه أو زوجاته: من بشرتني منكما أو منكن بكذا فهي طالق، فبشرتاه على الترتيب .. طلقت الأولى دون الثانية على الصحيح.
ووقع في (الوسيط) في الفرع الرابع من فروع متفرقة ذكرها إرسالاً: أنه لو قال: إن بشرتماني فأنتما طالقتان فبشرتاه على الترتيب .. طلقت الأولى، وهذا لا وجه له، ولم يوافقه أحد من الأصحاب، بل ينبغي في هذا أن لا تطلق واحدة منهما؛ لانتفاء بشارتهما معاً.
وتحصل البشارة بالكتابة كالقول.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ .. طَلُقَتْ بِمُضَيِّ لَحْظَةٍ. وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ أَوْ قَذْفِهِ .. تَنَاوَلَهُ حَيّاً وَمَيْتاً،
ــ
ولو أرسلت البشارة فبشره قال القاضي والبغوي: لا تطلق.
ويَشْهدُ لأن المبشر هو المرسل قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق} ، وقول أبي موسى لأبي بكر وعمر وعثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، ويشهد لأنها من الرسول قول الملائكة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام:{إنا نبشرك بغلام عليكم} .
قال: (ولو قال: أنت طالق إلى حين أو زمان أو بعد حين .. طلقت بمضي لحظة)؛ لأن الحين والزمان يقعان على المدة الطويلة والقصيرة، قال الله تعالى:{فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} ، وقال تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدهر} قيل: أراد سبعة أشهر، وقيل: أربعين سنة، وقيل: مئة وعشرين سنة، وقيل: ست مئة سنة وهو الذي بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليهما وسلم.
وقد يطلق الحين على السنة قال الله تعالى: {تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها} أي: كل سنة، وإلى هذا ذهب مالك، وهو يرى في الأيمان والأحكام أعم الأسماء، والشافعي يأخذ بأقلها، وجعله أبو حنيفة ستة أشهر اعتباراً بوقت إطلاعها وجذاذها.
وذكروا في الأيمان أنه إذا حلف لأقضين حقك إلى حين .. أنه لا يحنث بلحظة للشك في المراد، والفرق: أن الطلاق إنشاء، ولأقضينك وعد، فيرجع فيه إليه.
وإن قال: إذا مضى حقب أو عصر فأنت طالق .. قال الأصحاب: تطلق بمضي لحظة، واستبعده الإمام والغزالي؛ لأن العصر زمان يحوي أمماً، فإذا انقرضوا .. انقرض العصر كما يقال: عصر الصحابة، والدهر قريب من العصر، وإيقاعه على اللحظة لا وجه له.
قال: (ولو علق برؤية زيد أو لمسه أو قذفه .. تناوله حياً وميتاً)؛ لصدق الاسم، سواء كان مستيقظاً أو نائماً، وسواء كان الرائي عاقلاً أو مجنوناً،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صاحياً أو سكراناً، ولو رأته مكرهة .. ففيه قولا حنث المكره، ولو رأته مختارة وقد أحصر مكرهاً .. حنث قطعاً.
ولو قاله لعمياء .. فهو تعليق بمستحيل.
والمعتبر: رؤية شيء من بدنه وإن قل، قال المتولي: إلا أن ترى يده أو رجله وقد أخرجهما من كوة .. فإنها لا تطلق؛ لأنه لا يصدق عليه أنها رأته، وقيل: تشترط رؤية الوجه.
وتكفي رؤيته في ماء صاف أو زجاج شفاف في الأصح، ولو رأت مثاله في المرأة أو في الماء الصافي .. لم تطلق، وفيه احتمال للإمام بعيد، ولو رأته في المنام .. لم تطلق قطعاً.
قال القاضي: ولو حلف لا ينظر إلى وجه نفسه فرآه في المرأة .. حنث؛ لأنه لا يتصور إلا كذلك.
وأما مسألة اللمس .. فإنها تطلق بمس شيء من بدنه بلا حائل، فلو لم تلمسه ولكن لمسها .. فالذي يظهر أنه لا طلاق وإن كان الملموس كاللامس في نقض الوضوء؛ لأن الحكم فيه منوط بالتقاء البشرتين، ويشكل عليه حديث عاصم حمي الدبر المتقدم في (باب الوضوء).
وأم الشعر والظفر .. فقال الإمام: الوجه القطع بعدم الطلاق وإن أثبتنا خلافاً في النقض، قال الرافعي: والأشبه مجيء الخلاف.
والقذف أيضاً يحصل وإن كان المقذوف ميتاً؛ لأنه كقذف الحي إطلاقاً وحكماً.
قال: فإن قال: إن قذفتك في المسجد .. فالمعتبر كون القاذف فيه؛ لأن المقصود هتك حرمة المسجد، وهتكها إنما يحصل إذا كان القاذف والمقول فيه دون عكسه.
فإن قال: أردت العكس .. قبل منه ظاهراً في الأصح، فإن قال: فيهما: في الدار .. سئل عن مراده.
بِخِلَافِ ضَرْبِهِ.
ــ
فروع:
الأول: علق برؤيتها أو رؤية غيرها الهلال .. ففيه أربعة أوجه:
أصحها: أن الرؤية تحمل على العلم للعرف الشرعي.
والثاني: تحمل على حقيقتها اللغوية وهي المعاينة، فلا تطلق حتى تعاينه.
والثالث: إن كان التعليق باللغة العربية .. حمل على العلم، وإن كان بالعجمية .. حمل على المعاينة.
والرابع: يحمل على العلم في حق الأعمى دون البصير.
والرؤية في الليلة الثانية والثالثة كهي في الأولى، ولا أثر لها في الليلة الرابعة؛ فإنه لا يسمى فيها هلالاً، وقال المتولي: إنما يكون هلالاً في الليلة الأولى والثانية.
ويعتبر أن تكون الرؤية بعد غروب الشمس، فلا أثر لرؤيته قبله على الصحيح.
ولو قال: إن رأيت الهلال ببصرك فأنت طالق .. لم يحنث برؤية غيرها قطعاً، ولا باستكمال العدد.
الثاني: قال لزوجته: إن أريتني من كلم الله وكلمه الله فأنت طالق .. ففي (فتاوى) صاحب (البيان): أنها تريه نفسها أو غيرها من بني آدم؛ لقوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم} الآية، أو قال: تريه السماء؛ لقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} الآية.
الثالث: قال: إن رأيت عيناً فأنت طالق، فرأت فرداً من أفراد العيون بأي معنىً كان .. طلقت.
فإن قيل: لم لا حملتم المشترك هاهنا على جميع معانيه؟ فالجواب: أن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفي، فقوله:(إن رأيت عيناً) في معنى: (لا رأيت عيناً إلا طلقت)، فمتى رأت فرداً من الأفراد .. وجدت الصفة.
قال: (بخلاف ضربه) فإنه لا يتناول إلا الحي؛ لأن القصد من الضرب ما يتألم به المضروب، فإنه ضربه ضرباً لا يؤلمه .. لم تطلق على الأصح هنا، وسيأتي في
وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ إِنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاع مَا تَكْرَهُ .. طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفِيْهاً، أَوِ التَّعْلِيقَ .. اعْتُبِرَتِ الصِّفَةُ، وَكَّذَا إِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الأَصَحِّ. وَالسَّفَهُ: مُنَافٍ إِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ. وّالْخسِيسُ: قِيلَ: مَنِ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلاً
ــ
(كتاب الأيمان) عند ذكر المصنف المسألة.
قال: (ولو خاطبته بمكروه كيا سفيه يا خسيس، فقال: إن كنت كذلك فأنت طالق؛ إن أراد مكافأتها بإسماع ما تكره .. طلقت وإن لم يكن سفيهاً، أو التعليقَ .. اعتبرت الصفة) كما هو سبيل التعليقات، (وكذا إن لم يقصد في الأصح)؛ مراعاة للفظ، فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا.
قال: (والسفه: مناف إطلاق التصرف) وعبر عنه في (الروضة) و (الشرح) بما يوجب الحجر، وهو من تفقه الرافعي حملاً له على الشرعي، لكن من بلغ رشيداً ثم سفه في دينه .. لا حجر عليه وهو سفيه.
قال: (والخسيس: قيل: من باع آخرته بدنياه) قاله العبادي، قال: وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره، وهو في اللغة: الدنيء والمرذول.
قال: (ويشبه أن يقال: هو من يتعاطى غير لائق به بخلاً)؛ لاقتضاء العرف ذلك، وهذا من تفقه الرافعي، وهو حسن، فإن وقع تردد في وجود الصفة .. لم تطلق.
تتمة:
قال المتولي: (البخيل) من لا يؤدي الزكاة ولا يقري الضيف. ومقتضى هذا أنه لو أتى بأحدهما .. لم يكن بخيلاً مع أن العرف يقتضي الثاني فقط.
قال: و (القواد): الذي يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينه وبينهم. قال الرافعي: ويشبه أن لا يختص بالأهل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و (القرطبان): الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عنه.
و (الديوث): الذي لا يمنع الناس من الدخول على أهله.
و (القحبة): البغي والقليل الحمية الذي لا يغار على أهله ومحارمه.
و (السفلة) بكسر السين: من يتعاطى الأفعال الدنيئة ويتعودها غالباً، ونقل ابن المبارك عن سفيان: السفلة: قوم يتطيلسون، ويأتون أبواب القضاة والسلاطين يطلبون الشهادات، قال ابن الأعرابي: هم الذين يأكلون الدنيا بالدين.
و (الأحمق) قال ثعلب: من لا ينتفع بعقله، وقال الجوهري: هو القليل العقل، وقال أبو المحاسن وأبو العباس الرويانيان: هو الذي نقص عن مراتب أمثاله نقصاً بيناً بلا سبب من مرض وغيره، وقال صاحب (المهذب) و (التهذيب): من يفعل القبيح مع علمه بقبحه.
وقيل: من يحضر المناطحة بالكباش والمناقرة بالديكة.
والفرق بين الرقاعة والحماقة: أن الرقاعة حمق مع رفعة وعلو مرتبة، والحمق بعكسه فلا يقال للأحمق إذا كان وضيعاً رقيع.
قال الشافعي: أحمق الناس من تواضع لمن لا يشكره، ورضي بشكر من لا يعرفه، ورغب في مودة من لا ينفعه.
خاتمة
في (فتاوى القاضي حسين): لو قال: إن لم أحط جميع ما في الدنيا في حجرك فأنت طالق .. طريقه: أن يضع المصحف في حجرها؛ لقوله تعالى: {وَلَا رَطبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} ، وتوقف فيه الرافعي.
وفي (فتاوى الغزالي): إذا قال: إن سافرت فأنت طالق .. يحنث بالسفر القصير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي (فتاوى المصنف): لو حلف أن فلاناً يعرف أين يسكن إبليس إن قصد فطنته وحذقه .. لم يحنث.
ووقع في زمن ابن الصباغ ببغداد أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق على سائر المذاهب .. فأجاب فيها بوقوع الطلاق في الحال، وأجاب القاضي أبو الطيب بعدم وقوعه؛ لأنه لا يكون وقوع ذلك على المذاهب كلها.
ولو قال: إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فأنت طالق، فكان في كمه أربعة .. لا تطلق؛ لأن الزائد غير دراهم، كذا أجاب به الشافعي فقال السائل: آمنت بمن فوهك هذا العلم فأنشد [من المتقارب]:
إذا المعضلات تصدين لي .... كشفت حقائقها بالنظر
ولو قال: من تشتهي كذا فهي طالق .. تعلق الشهوة في الحال دون المستقبل.
ولو حلف بالطلاق لَيجرَّنَّ غريمه على الشوك ولا نية له، فماطله مطالاً بعد مطال .. برَّ، وعلى هذا: لو حلف ليضربنَّها حتى تموت فضربها ضرباً مؤلماً.
ولو قال: إن سرقت ذهباً فأنت طالق، فسرقت مغشوشاً .. طلقت على الصحيح.
وفي (زيادات أبي عاصم العبادي): لو قال: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق، أو إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق .. لم تطلق، نص عليه الشافعي والأصحاب؛ لقوله تعالى:{لَقَد خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ} .
وكذا لو قال: إن لم أكن أحسن من القمر وكان أسود زنجياً.
قال الرافعي: ولو قال: أضوأ من القمر .. فلا أعلم جزابهم فيه، وأنه لو قال: لا آخذ من مال صهري شيئاً فطلق زوجته وأخذ من ماله .. لم يحنث؛ لأنه الآن ليس بصهره.
فهرس الكتاب
كتاب النكاح
7
فصل: في الخطبة
36
فصل: في أركان النكاح
48
فصل: في عاقد النكاح
64
فصل: في موانع ولاية النكاح
85
فصل: الكفاءة
116
فصل: في تزويج المحجور عليه
133
باب ما يحرم من النكاح
152
فصل: فيما يمنع النكاح من الرق
180
فصل: في نكاح من تحلّ ومن لا تحل من الكافرات
189
باب نكاح المشرك
205
فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه
218
فصل: في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت مع زوجها أو ارتدت
227
باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد
230
فصل: في الإعفاف ومن يجب له
265
فصل: في نكاح الرقيق من عبد أو أمة
276
كتاب الصداق
295
فصل: في الصداق الفاسد
313
فصل: في التفويض
326
فصل: في ضابط مهر المثل
334
فصل: فيما يسقط المهر وما يشطره
341
فصل: في أحكام المتعة
358
فصل: في التحالف عند التنازع في المهر
362
فصل: في الوليمة
371
كتاب القسم والنشوز
397
فصل: في حكم الشقاق بين الزوجين
416
كتاب الخلع
429
فصل: في صيغة الخلع
446
فصل: في الألفاظ الملزمة للعوض
459
فصل: في الاختلاف في الخلع أو عوضه
473
كتاب الطلاق
479
فصل: في تفويض الطلاق للزوجة
496
فصل: في اشتراط القصد في الطلاق
499
فصل: في بقية شروط أركان النكاح
511
فصل: في تعدد الطلاق بنية العدد
517
فصل: في الاستثناء
530
فصل: في الشك في الطلاق
539
فصل: في الطلاق السني والبدعي
549
فصل: في تعليق الطلاق بالأوقات
557
فصل: في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما
567
فصل: في الإشارة للطلاق بالأصابع
582
فصل: في أنواع من التعليق
587
فهرس الكتاب
597