الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: أثر النقص من النص
المبحث الأول: تعريف السنة الآحادية
…
الفصل الثالث
أثر النقص من النص في الاحتجاج بالسنة الآحادية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف السنة الآحادية:
السنة بضم السين، وفتح النون المشددة على وزن فعلة.
وهي في اللغة: الطريقة مطلقا، ممدوحة كانت أو مذمومة، حسنة كانت أو سيئة.
قال الله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} 1.
وبينّ المتمرسون قي لغة القرآن الكريم أن السنة في الآية الكريمة: الطريقة. وهي طريقة حكمته2.
وأتى بهذا المعنى، وأكد على مطلقيته، قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء "3.
ففي الوقت الذي جاءت السنة في الحديث الشريف بمعنى الطريقة - كما بينه المحدثون -4 أكد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيَّاها بالحسن تارة وبالسوء أخرى مطلقيتها، لأن الوصف تقييد، والتقييد إنما يعتري الحقيقة المطلقة للتأكيد على نوع منها تتناوله، ولا يضير مطلقيتها وضعا بيان بعض اللغويين أنها: الطريقة المحمودة، وأنها إذا أطلقت انصرفت إليها، وفي السيئة منها لابد من تقييدها بها. وعدم الضير هذا ينبعث من أن هذا الذي بينوه، حقيقة عرفية، تعارفوا على استعمال السنة فيها، والحقائق العرفية معروفة بتخصيصها المعنى الوضعي لغة في معنى أخص منه يتخصص بالتقييد دون تقييد، يتعارف عليه، ويشتهر اللفظ فيه بحيث لا يتبادر عند الإطلاق إلى الذهن غيره، وعندئذ يحتاج فهم النوع
1 1لفتح/ 23.
2 انظر: مفردات الراغب (ص/ 245) .
3 رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووي (7/ 104) .
4 انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 409) .
الآخر الذي لم يتعارف عليه، إلى التقييد لفظا، لأنه لم يشتهر اشتهارا يغني عن التقييد لفظا. ولقد جاءت السنة بمعان أخرى غير الطريقة كالدوام، والأمة، والمثال المتبع، والإمام، والطبيعة، والوجه، والخطاب، والتمر1.
وقد يكون بعض هذه وضعية، وبعضها الآخر استعمالية لمناسبات ربطتها بالمعنى الوضعي.
وتظل الطريقة هي المشهورة من معاني السنة اللغوية، والمشهود بها من الكتاب والسنة، فكان تحقيقها حقيقا بالتفصيل بالقدر الذي تسمح به ظروف البحث.
السنة في الاصطلاح:
تناولت السنة اصطلاحات متعددة، فاختلف تعريفها حسب كل اصطلاح.
السنة في اصطلاح المحدثين:
عرف المحدثون السنة بأنها: "ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل، أو تقرير، أو صفة خُلقية أو خَلقية، أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة، أو بعدها"2.
السنة في اصطلاح الأصوليين:
عرف الأصوليين السنة بأنها: "ما صدر عن النبي الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير"3.
وبملاحظة التعريفين يتباين أنهما التقيا على أمور ثلاثة ركزا عليها هي: القول، والفعل، والتقرير، غير أن الأول منهما زاد عليها الصفة، والسيرة، وعمها فيما قبل البعثة، وفيما بعدها، وهنا تدخلت النسبة بينهما لتكون العموم والخصوص المطلق، الأعمية المطلقة في جانب تعريف المحدثين، والأخصية المطلقة في جانب تعريف الأصوليين، فأصبح كل سنة عند الأصوليين، سنة عند المحدثين، دون العكس.
والنسبة هذه انبعثت من انطلاق كل من الفريقين من منطلق نظرته إلى الرسول.صلى الله عليه وسلم
1 انظر: لسان العرب (13/224-226) والقاموس المحيط (ص/1558) . ولشيخنا عبد الغني عبد الخالق رحمه الله كلام نفيس حول المعنى اللغوي للسنة أنظره في كتابه حجية السنة (ص/45 ـ 49) .
2 راجع: قواعد التحديث (ص/ 38،35) وتوجيه النظر (ص/2) .
3 راجع: تيسير التحرير (3/ 9 ا- 20) وشرح المختصر للعضد (2/ 22) ، الأحكام للآمدي (1/ 241) والمختصر لابن اللحام الحنبلي (ص/ 74) .
فالمحدثون ينظرون إليه على أن فيه أسوة حسنة، والتأسي يتأتى بكل ما يتصل به صلى الله عليه وسلم من سيرة وصفات بالإضافة إلى الأقوال والأفعال، والتقريرات.
والأصوليون ينظرون إليه على أنه المشرع عن الله، والتشريع يتأتى بالقول والفعل والتقرير.
وليس معنى هذا أن كل فريق اقتصر نظره على ما ذكر بالنسبة له، ولكن التركيز لكل كان على ذلك عند تعريف السنة.
فالمحدثون ما غضوا الطرف عن كون الرسول مشرعا عن الله، بل عرفوه هكذا أيضا كما أن الأصوليين لم يغضوا النظر عن كون الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أسوة حسنة، بل عرفوه هكذا أيضا.
السنة عند الفقهاء:
عرفها بعض الفقهاء بأنها: "الطريقة الدينية التي يطالب المكلف بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب " وهي ما يعبر عنها عند البعض الآخر: "ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه " ويلتقي مع ما ذكره البعض من أنها: "ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مع ترك ما بلا عذر" ومع "الفعل المطلوب طلبا غير جازم "1.
والذي يدور البحث حوله هو اصطلاح الأصوليين.
الآحادية:
نسبة إلى الآحاد، والآحاد جمع أحد بمعنى واحد. وهو: المنفرد2.
والسنة الآحادية في اصطلاح المحدثين:
هي: " التي لم تبلغ نقلتها مبلغ المتواتر"3 وضم الحنفية إلى التعريف "أو المشهور"4.
1 راجع: الهداية وشرحه فتح القدير (1/423) وشرح الرسالة لأبي الحسن (1/ 21) وشرح المنهج (1/246) والروض المربع (1/ 35) وحجية السنة (ص/ 51-67) .
2 راجع: تاج العروس (9/ 264- 265) .
3 المتواتر في اللغة: المتتابع، وفي اصطلاح المحدثين:"ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مثلهم من أوله إلى آخره، ومستند روايتهم الحس، وأفاد خبرهم العلم لسامعه ".
انظر: نزهة النظر (ص/ 21) .
4 المشهور في اللغة. الذائع المنتشر، وفي الاصطلاح:"ما كان من الآحاد في الأصل، ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب. وهم القرن الثاني فمن بعدهم، وأولئك قوم ثقات أئمة لا يتهمون، فصار بشهادتهم وتصديقهم بمنزلة المتواتر". انظر: المغني للخبازي (ص/ 192-193) .