المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: روايته لصحيح مسلم - إبراهيم بن محمد بن سفيان رواياته وزياداته وتعليقاته على صحيح مسلم

[عبد الله دمفو]

الفصل: ‌المبحث الثاني: روايته لصحيح مسلم

‌المبحث الثاني: روايته لصحيح مسلم

تبوَّأ الإمام مسلم مكانة علمية مرموقةً في علم الحديث، وترسَّخت هذه المكانة بعد تأليفه كتابه الصحيح، فحرص أهلُ العلم على التتلمذ عليه والسماع منه، ولذلك كثر الآخذون عنه، وقد ذكر المزي1، والذهبي2، في ترجمته خمساً وثلاثين من تلاميذه، وزاد عليهما الباحث مشهور حسن سلمان خمسة عشر آخرين3، وهو أوفى مَن ذكر تلاميذه - فيما رأيتُ -، وإن كان هذا العدد لا يُمثِّل حقيقة مَن سمع من الإمام مسلم، فهم أكثر من هذا بكثير.

أمَّا فيما يتعلَّق برواة صحيحه الذين سمعوه منه، ونقلوه للناس، فهم أقلُّ من

ذلك، بدليل أنَّ الضياء المقدسي المتوفى سنة (643هـ) حينما ألَّف جزءاً في الرواة عن مسلم4 الذي وقعوا له، لم يزد على عشرة، وربَّما لأنَّه التزم أن يورد في ترجمة كلِّ راوٍ حديثاً بالإسناد المتصل منه إلى هذا الراوي عن مسلم، وهؤلاء هم على ترتيبهم في كتابه:

1 ـ أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري المعروف بابن الشرقي (ت325هـ) .

2 ـ أحمد بن علي بن الحسن النيسابوري، ابن حسنويه المقرئ المعمِّر (ت350هـ) .

1 تهذيب الكمال (27/504، 505) .

2 سير أعلام النبلاء (12/562 ـ 563) .

3 الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح (1/179 ـ 229) .

4 الكتاب مطبوع بدار ابن حزم، ومعه ترجمة الإمام مسلم ورواة صحيحه للذهبي، بتحقيق: عبد الله الكندري، وهادي المري.

ص: 173

3 ـ أحمد بن حمدون الأعمشي النيسابوري (ت321هـ) .

4 ـ إبراهيم بن محمد بن سفيان - موضوع البحث -.

5 ـ عبد الله بن محمد بن ياسين الدوري (ت302هـ) .

6 ـ محمد بن عبد الرحمن السرخسي الدغولي (ت325هـ) ، وهو شيخ ابن حبان، وقد روى في صحيحه حديثاً واحداً لمسلم من طريقه1.

7 ـ محمد بن عيسى الترمذي، صاحب الجامع (ت279هـ) .

8 ـ محمد بن مخلد بن حفص الدوري (ت331هـ) .

9 ـ مكي بن عبدان بن محمد النيسابوري (ت325هـ) .

10 ـ يعقوب بن أبي إسحاق، أبو عوانة الاسفراييني (ت316هـ) .

يُضاف إليهم القلانسي راوي رواية المغاربة عن مسلم، وسيأتي الكلام عليها قريباً.

لكن هذا الكتاب مع شهرته التامة صارت روايته بالإسناد المتصل بمسلم مقصورة على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، غير أنَّه يروى في بلاد المغرب مع ذلك عن أبي محمد أحمد بن علي القلانسي عن مسلم، كما قال ابن الصلاح2.

وفي هذا يقول النووي: "صحيح مسلم رحمه الله في نهاية من الشهرة، وهو متواتر عنه من حيث الجملة، فالعلم القطعي حاصلٌ بأنَّه من تصنيف أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج، وأما من حيث الروايةُ المتصلةُ بالإسناد المتصل بمسلم؛ فقد انحصرت طريقه عنه في هذه البلدان والأزمان في رواية أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم، ويروى في بلاد المغرب مع ذلك عن أبي

1 الإحسان (2/135 حديث رقم: (407.

2 صيانة صحيح مسلم (ص:106.

ص: 174

محمد أحمد بن علي القلانسي، عن مسلم"1.

ويُفهم من كلامهما انحصار رواية الصحيح بالإسناد المتصل منذ القرن السابع الهجري في روايتين:

الأولى: رواية المشارقة:

وهي رواية ابن سفيان، سُميت بذلك؛ لأنَّ رواتَها مشرقيُّون، وهذه شجرة إسنادها كما جاءت عند النووي الذي ترجم لكلِّ رواتها2:

مسلم بن الحجاج النيسابوري

إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري

محمد بن عيسى الجُلودي النيسابوري

عبد الغافر الفارسي النيسابوري

محمد بن الفضل الفراوي النيسابوري

منصور بن عبد المنعم الفراوي النيسابوري

إبراهيم بن أبي حفص الواسطي (سكن نيسابور مدة طويلة

الإمام النووي

1 المنهاج (1/116) .

2 المرجع السابق (1/109) ، وما بعدها.

ص: 175

الثانية: رواية المغاربة:

وهي رواية القلانسي، سُميت بذلك؛ لأنَّها وقعت لأهل المغرب، ولا رواية له عند غيرهم، دخلت روايته إليه من جهة أبي عبد الله محمد بن يحيى بن الحذَّاء القرطبي، وغيره، سمعوها بمصر من أبي العلاء بن ماهان، عن أبي بكر أحمد بن يحيى الأشقر، عن القلانسي1، وهذه شجرة إسناد إحدى طرقها التي رواها القاضي عياض شارح صحيح مسلم2:

مسلم بن الحجاج النيسابوري

أحمد بن علي القلانسي

أحمد بن محمد الأشقر

عبد الوهاب بن عيسى بن ماهان

محمد بن يحيى بن الحذَّاء القرطبي

ابنه: أحمد بن محمد القرطبي

الحسين بن محمد الجيَّاني (صاحب تقييد المهمل وتمييز المشكل

القاضي عياض بن موسى اليحصبي (صاحب إكمال المعلم)

1 المنهاج (1/116) .

2 انظر: منهجية فقه الحديث عند القاضي عياض في إكمال المعلم، للدكتور حسين شواط (ص:76) .

ص: 176

وقد بخلت كتبُ التراجم بترجمة وافية للقلانسي، فلم أقف على مَن ترجم له سوى ابن الصلاح في كتابه صيانة صحيح مسلم، الذي بيَّن نسبَه وأنَّه: أبو محمد أحمد بن علي بن الحسن بن المغيرة بن عبد الرحمن القلانسي، وأشار إلى روايته للصحيح كما تقدّم في كلام النووي الذي اعتمد كلامه1.

وهناك أمرٌ آخر يُفهم من كلامي ابن الصلاح والنووي المتقدِّمين، وهو أنَّ الرواية المعتمدة لصحيح مسلم هي رواية المشارقة؛ ولذلك شاعت وانتشرت بين أهل العلم، وغالب من يروي حديثاً لمسلم في صحيحه، إنَّما يدخل من طريق الجُلودي، عن ابن سفيان راوي هذه الرواية2، حتى علماء المغرب أنفسهم، كالقاضي عياض3، وابن بشكوال4، وابنُ رُشيد5، وغيرهم.

وإنَّما كان الاعتماد على هذه الرواية؛ لأنَّها أكمل الروايتين، فرواية

1 صيانة صحيح مسلم (ص:11) .

2 روى البغوي في كتابه شرح السنة اثنين وعشرين ومائة حديث من صحيح مسلم (انظر أرقامها في كتاب المدخل إلى شرح السنة لعلي بادحدح 2/797 ـ 800) ، وقد تتبَّعتها حديثاً حديثاً فوجدتها من الطريق المذكور، ووجدتُ الباحث وهم في حديثين لم يخرجهما البغوي من طريق مسلم، وهما برقم:(3657، و (4012) ، ولذلك جاء العدد عنده أربعة وعشرين ومائة حديث.

3 روى في كتابه الشفا أحدَ عشر حديثاً من صحيح مسلم، جميعها من الطريق المذكور.

انظر الصفحات: 86، 160، 180، 232، 306، 410، 512، 538، 567، 870، 891.

وحديثين في كتابه الإلماع (ص:16 و 234) .

4 روى في كتابه الغوامض والمبهمات واحداً وأربعين حديثاً من صحيح مسلم، جميعها من الطريق المذكور، انظر الصفحات:

30، 63، 72، 87، 93، 96، 132، 146، 167، 175، 177، 186، 201، 204، 235، 276، 285، 325، 346، 377، 400، 428، 431، 456، 475، 489، 511، 563، 575، 593، 628، 694، 697، 740، 744، 814، 817، 824، 828، 856.

5 روى حديثين فيما طُبع من كتابه ملء العيبة، في:(3/201) ، و (5/348) .

ص: 177

القلانسي "المغاربة ناقصة من آخر الكتاب، وقدَّر العلماء هذا النقص بثلاثة أجزاء"1، تبدأ من حديث الإفك الطويل، ورقمه:(2770) الذي أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف، أي بمقدار ثلاثة وستين ومائتي حديث على اعتبار عدد أحاديث صحيح مسلم بدون المتابعات (3033) حديث حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، فإنَّ أبا العلاء ابن ماهان - أحد رواة رواية المغاربة - يروي هذه الأحاديث عن أبي أحمد الجُلودي، عن ابن سفيان، عن مسلم2، أي أنَّه يعود إلى رواية المشارقة.

لكن لا يعني هذا طرح هذه الرواية وعدم الاعتداد بها؛ إذ لا تخلو من فائدة، وسنحتاج إليها في الدفاع عن صحيح مسلم، والردِّ على ما انتُقدت به رواية ابن سفيان (المشارقة، وربَّما كان الإمام الدارقطني يحثُّ أهل العلم على تحمُّل وسماع هذه الرواية لهذا السبب، فقد قال محمد بن يحيى بن الحذاء - أحد رواتها -: أخبرني ثقات أهل مصر أنَّ أبا الحسن علي بن عمر الدراقطني كتب إلى أهل مصر من بغداد: أن اكتبوا عن أبي العلاء ابن ماهان كتاب مسلم بن الحجاج الصحيح، ووصف أبا العلاء بالثقة والتميُّز)3.

النَّقد الذي وُجِّه إلى رواية المشارقة والردِّ عليه:

مع أنَّ رواية ابن سفيان هي الرواية المعتمدة كما تقدم إلاّ أنّها لم تسلَم كذلك من النّقد، من جهة وجود أحاديث لم يسمعها ابن سفيان من مسلم مما قد يعكِّر على اتّصال إسنادها، وأوّل من تنبّه إلى ذلك - فيما يبدو - الإمام ابن الصلاح حيث قال: اعلم أنّ لإبراهيم بن سفيان في الكتاب فائتاً لم يسمعه من مسلم، يُقال فيه: أخبرنا إبراهيم، عن مسلم، ولا يُقال فيه: قال أخبرنا أو حدَّثنا

1 صيانة صحيح مسلم (ص:111) ، والمنهاج (1/116) .

2 صيانة صحيح مسلم (ص:111) ، والمنهاج (1/116) .

3 صيانة صحيح مسلم (ص:112) .

ص: 178

مسلم، وروايته لذلك عن مسلم إما بطريق الإجازة وإما بطريق الوجادة1، وقد غفل أكثر الرواة عن تبيين ذلك، وتحقيقه في فهارسهم، وبرنامجاتهم وفي تسميعاتهم وإجازاتهم، وغيرها، بل يقولون في جميع الكتاب: أخبرنا إبراهيم، قال: أخبرنا مسلم2.

ثمَّ بيَّن أنَّ هذا الفوت في ثلاثة مواضع محقَّقة في أصول معتمدة، وهي:

الفائت الأول:

في كتاب الحج، ويبدأ من باب الحلق والتقصير، حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله المحلِّقين"، وينتهي عند أول باب: ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج، حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر"3.

الفائت الثاني:

ويبدأ من أول كتاب الوصايا، حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم

"، وينتهي في كتاب القسامة، باب: القسامة، قبل آخر رواية أوردها مسلم في حديث سهل بن أبي حثمة في قصة

1 الإجازة: هي النوع الثالث من أنواع التحمُّل بعد السماع والقراءة على الشيخ، وهي على تسعة أنواع كما قال السيوطي، كأن يُجيز كتاباً معيَّناً لشخص معيَّن

وهكذا، وجمهور العلماء على جواز الرواية والعمل بها.

أما الوجادة: فهي النوع الثامن بعد الأنواع المتقدِّمة إضافة إلى المناولة والكتابة والوصية، وتعريفها: أن يقف الراوي على أحاديث بخط راويها، ولم يسمعها أو يجيزه بها، وهو باب من المنقطع وفيه شوب اتِّصال. انظر: تدريب الراوي للسيوطي (2/48، 48، 100، 1010) بتصرف.

2 صيانة صحيح مسلم (ص:114) .

3 صحيح مسلم من (2/946) عند أول حديث رقم: (318 ـ 1301)، وحتى (2/978) قبل أول حديث رقم:(425 ـ 1342) .

ص: 179

حُوَيِّصة ومُحَيِّصة1.

الفائت الثالث:

ويبدأ من كتاب الإمارة، أول باب: الإمام جنة، حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّما الإمام جنة

"، وينتهي في كتاب الصيد والذبائح، قبل باب: إذا غاب عنه الصيد ثم وجده2.

ولم أقف على من تعرَّض لهذه الفوائت بالدراسة، وبيان أنَّها لا تؤثِّر في صحة واتِّصال هذه الأحاديث سوى ما ذكره الدكتور الحسين شواط حيث قال:

"يبعد أن يكون هذا الفائت قد بقي على ابن سفيان إلى حين وفاة مسلم، وذلك لأمور، منها:

أ - توفر دواعي تلافي ذلك الفوت وسماعه من مسلم، وذلك لأنَّ الفراغ من سماع الكتاب قد تمَّ سنة (257هـ) أي قبل وفاة مسلم (ت261هـ) بحوالي خمس سنوات، فكيف يغفل عن ذلك كلَّ هذه المدَّة مع وجودهما في بلد واحد.

ب - ما نصَّت عليه المصادر ونوَّهت به من كثرة ملازمة ابن سفيان لشيخه مسلم، ممَّا يجعل الفرصة سانحة بصفة أكيدة لسماع ما يفوته منه.

جـ - النص في بعض النسخ على عدم حضور ابن سفيان مجلس السماع لا يمنع سماعه في مجلس آخر بعده.

وعلى فرض تسليم بقاء هذا الفوت فعلاً؛ فإنَّ احتمال روايته بطريق

1 المرجع السابق، من (3/1249) عند أول حديث رقم:(1 ـ 1627)، وحتى (3/1294) قبل أول حديث رقم:(6 ـ 1669) .

2 المرجع السابق، من (3/1471) عند أول حديث رقم:(43 ـ 1841)، وحتى (3/1533) قبل أول حديث رقم:(9/1931) .

ص: 180

الوجادة ضعيف جدًّا؛ لأنَّ بعض النسخ قد نصَّت على أنَّه كان إجازة كما ذكر ابن الصلاح"1.

وما ذكره - حفظه الله - فيه وجاهة، لكن لا تعدو كونها أموراً نظريةً قائمة على الاجتهاد الذي قد يصيب وقد يخطئ، ولا يمكن أن تتأكّد إلَاّ من خلال الجانب التطبيقي العملي، وهذا ما توصلتُ إليه حيث تتبَّعتُ روايات العلماء المغاربة لصحيح مسلم للوقوف على مَن روى أحاديث مسلم من طريق القلانسي لمعرفة كيفية روايته لأحاديث الفوائت حتى طُبع مؤخّراً كتاب حجَّة الوداع للإمام ابن حزم الأندلسي، فوجدته روى جميع أحاديث مسلم التي ضمَّنها فيه من طريق القلانسي عن مسلم.

وعددُها سبعون ومائة حديث، قال فيها القلانسي: "حدَّثنا مسلم، وكان من بينها ثلاثة عشر حديثاً من أحاديث الفوائت في رواية ابن سفيان، وهذه قائمة بها:

الرقم المتسلسل-رقم الحديث في كتاب حجَّة الوداع-رقم الحديث في صحيح مسلم بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي

1

131

1335

2

134

1334

3

159

1305

4

174

1308

5

176

1316

6

185

1306

7

186

1307

8

195

1315

9

199

1309

10

201

1313

11

203

1314

12

324

1319

13

335

1211

1 منهجية فقه الحديث عند القاضي عياض (ص:64) بتصرف.

ص: 181

فثبت من هذا أنَّ أحاديث الفوائت في رواية ابن سفيان ـ لو سُلِّم بقاؤها ـ قد اتَّصلت في رواية القلانسي، فاندفع بذلك النقد الذي يمكن أن يُوجَّه إليها، والله أعلم.

ص: 182