المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: تعليقاته على صحيح مسلم - إبراهيم بن محمد بن سفيان رواياته وزياداته وتعليقاته على صحيح مسلم

[عبد الله دمفو]

الفصل: ‌المبحث الرابع: تعليقاته على صحيح مسلم

‌المبحث الرابع: تعليقاته على صحيح مسلم

تقدَّم في المبحث السابق ضابط الزيادة، بأن يروي راوية الكتاب أو مَن دونه أحاديث الزيادات بإسناده، ولم تقتصر فائدة أصحاب الزيادات على ذلك، بل وجدت تعليقات لهم على أحاديث صاحب الكتاب المزيد عليه حوت فوائد تتعلَّق بتلك الأحاديث، وكانت الظاهرة المشتركة الملحوظة في هذه التعليقات أنَّهم لم يرووها بأسانيد مثل ما فعلوا في الزيادات، وعليه فلا يمكن عدُّها من الزيادات، ورأيتُ أنَّ إفرادَ هذه التعليقات بمبحث خاص بها أولى من إدراجها معها، وما فعله شيخنا الفاضل الدكتور / مسفر الدميني من عدِّه إحدى تعليقات أبي الحسن القطان على حديث من سنن ابن ماجه من الزيادات فيه نظر1.

ومِن تأمُّل تعليقات أبي إسحاق إبراهيم بن سفيان على صحيح مسلم خرجتُ بالفوائد التالية:

1 -

بيان منهج الإمام مسلم في صحيحه، كما في التعليق رقم:(1) ، وهو نص مهمٌّ اعتمده كلُّ من كتب حول منهج الإمام مسلم.

2 -

بيان وهم في متن الحديث كما في التعليق رقم: (2) .

3 -

توضيح معنى حديث رواه الإمام مسلم، حصل فيه تقديم وتأخير، وذلك كما في التعليق رقم:(3) ، أو حصل فيه اختلاف في حركة لفظة في متن الحديث، كما في التعليق رقم:(4) ، أوجدا معنى جديداً.

4 -

إيراد استشكال على بعض روايات الصحيح، يتضح منه الاختلاف والفرق بينهما، وذكر ما يدفع هذا الاستشكال، وذلك كما في التعليق رقم:(5) .

5 -

توضيح رجل مبهم في متن الحديث، وذلك كما في التعليق رقم:(6) .

1 انظر: زيادات أبي الحسن القطان (ص:23)، والزيادة التي تحمل الرقم:(44) ، وهي على حديث أخرجه ابن ماجه في (2/938)(2807) .

ص: 215

نصوص التعليقات

1 -

حدَّثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري ومحمد ابن عبد الملك الأموي - واللفظ لأبي كامل - قالوا: حدَّثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جُبير، عن حِطَّان بن عبد الله الرَّقاشي، قال:"صلَّيتُ مع أبي موسى الأشعري صلاةً، فلمَّا كان عند القعدة قال رجل من القوم: أُقرَّت الصلاة بالبرِّ والزكاة، قال: فلمَّا قضى أبو موسى الصلاةَ وسلَّم انصرف فقال: أيُّكم القائل كلمةَ كذا وكذا؟ قال: فأرمَّ القومُ، ثم قال: أيُّكم القائل كلمةَ كذا وكذا؟ فأرمَّ القوم، فقال: لعلَّك يا حِطَّان قلتَها؟ قال: ما قلتُها، ولقد رهبتُ أن تبكعني بها، فقال رجل من القوم: أنا قلتُها، ولم أرِدْ بها إلاّ الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبيَّن لنا سنَّتَنا وعلَّمنا صلاتَنا، فقال: "إذا صلَّيتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤُمَّكم أحدُكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، يُجبكم الله، فإذا كبَّر وركع فكبِّروا واركعوا، فإنَّ الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فتلك بتلك، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللَّهمَّ ربَّنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإنَّ الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، وإذا كبَّر وسجد فكبِّروا واسجدوا، فإنَّ الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيَّات الطيِّبات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله".

حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا أبو أسامة، حدَّثنا سعيد بن أبي عروبة، ح وحدَّثنا أبو غسَّان المسمعي، حدَّثنا معاذ بن هشام، حدَّثنا أبي، ح وحدَّثنا

ص: 216

إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن سليمان التيمي، كلُّ هؤلاء عن قتادة، في هذا الإسناد بمثله، وفي حديث جرير، عن سليمان، عن قتادة من الزيادة:"وإذا قرأ فأنصتوا"، وليس في حديث أحد منهم:"فإنَّ الله قال على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده" إلَاّ في رواية أبي كامل وحده عن أبي عوانة.

قال أبو إسحاق1: قال أبو بكر بن أخت أبي النضر2 في هذا الحديث3. فقال مسلم: تريد أحفظ من سليمان4؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة5؟ فقال: هو صحيح؟ - يعني: "وإذا قرأ فأنصتوا" - فقال: هو

1 نصَّ الإمام النووي في المنهاج على أنَّه ابن سفيان فقال: "أبو إسحاق هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان، صاحب مسلم، راوي الكتاب عنه". المنهاج (4/365) .

2 هكذا في صحيح مسلم وشروحه، ولم أقف على من كنيته أبا بكر بن أخت أبي النضر، ويظهر لي أنَّه من تلاميذ مسلم كما يدل عليه السياق.

3 معنى هذه العبارة أنَّ أبا بكر طعن في هذا الحديث وقدح في صحته. المنهاج (4/365) .

4 هو سليمان بن طرخان التيمي، أحد رواة الحديث كما تقدّم في إسناد مسلم، وهو ثقة عابد، لكنه خالف في روايته جميع أصحاب قتادة، فزاد فيه جملة:"وإذا قرأ فأنصتوا"، ولذلك طعن أبو بكر وغيره من العلماء كأبي داود السجستاني، ويحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي، والدارقطني، وأبي علي النيسابوري، في روايته. انظر: المنهاج للنووي (4/365 366) .

لكن مسلماً لم يُوافقهم، فصحح هذه الزيادة، واعتبرها محفوظةً، اعتماداً على ثقة سليمان وقوة حفظه كما يُفهم من عبارته، وما ذهب إليه لا يخلو من وجاهة. وأما قول الإمام النووي رحمه الله:"واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدَّمٌ على تصحيح مسلم، لا سيما ولم يروِها مسندةً في صحيحه" ففيه نظر؛ لأنَّ مسلماً أسند رواية سليمان من طريق جرير عنه كما ترى.

5 هو حديث رواه أبو داود في سننه (1/404) كتاب الصلاة، باب: الإمام يُصلي من قعود (604) ، والنسائي في المجتبى (2/479) كتاب الافتتاح، باب: تأويل قوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (920) واللفظ له، وابن ماجه في سننه (1/276) كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (846) ثلاثتهم من طريق أبي خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لك الحمد".

قال أبو داود: (وهذه الزيادة (وإذا قرأ فأنصتوا) ليست بمحفوظة، الوهم عندي من أبي خالد) . لكن أخرج النسائي عقب هذا الطريق الحديثَ من طريق محمد بن سعد الأنصاري، عن ابن عجلان، به، بمثله، ثم قال:(كان المخرمي يقول: هو ثقة) يعني محمد بن سعد الأنصاري. انظر الحديث رقم: (921) .

ص: 217

عندي صحيح1. فقال: لِمَ لَمْ تضعْه ههنا؟ قال: ليس كلُّ شيء عندي صحيح وضعتُه ههنا، إنَّما وضعتُ ههنا ما اجمعوا عليه2. [ (1/303،304) كتاب الصلاة،

1 اختلف العلماء في درجة هذا الحديث، فمنهم من أعلَّه بمخالفة رواية الثقات التي لم تذكر هذه الزيادة، كأبي داود، ومنهم من صحَّحه كمسلم، ويظهر أنَّ ابن سفيان يوافقه في ذلك؛ لأن ذكره كلام مسلم حوله في تعليقه على الحديث يفيد ذلك، ومنهم من ذهب إلى الجمع ونفي المخالفة كابن حزم.

وقد درس هذا الاختلاف دراسة وافية الدكتور الحسين شواط في تحقيقه مقدِّمة المعلم للقاضي عياض (ص:103 108) ، حيث بيَّن رأي كل فريق والقائلين وأدلتهم، وخلص بعد المناقشة أنَّ حديث أبي هريرة حديث صحيح لغيره.

والحق أنَّ كلام الإمام مسلم صريح في صحته، وهو من أئمة هذا الفن، خاصة وأن من أصحاب الفريق الآخر قد أعلَّه بما لا يصلح علَّة كأبي داود في كلامه المتقدِّم، فإنَّ النسائي قد أورد طريقاً آخر دفع به وهم أبي خالد. وطالما أمكن الجمع والتوفيق بين القولين فهو أولى من طرح أحدهما، والله أعلم.

2 هذا نص مهم للإمام مسلم، نقله ابن سفيان عنه، ممَّا يدلُّ على أهمية تعليقاته التي يوردها على الصحيح، وقد بيَّن فيه منهجه في إيراد الأحاديث في صحيحه، وأنَّه وضع فيه ما أجمعوا عليه.

لكن اختلف العلماء في المراد بهذه العبارة.

أ- فذهب البلقيني ونقله عنه السيوطي إلى أنَّه أراد إجماع أربعة من مشايخه الحفاظ، وهم: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور. انظر: محاسن الاصطلاح (ص:91) ، وتدريب الراوي (1/122) .

ب- وذهب الميانجي إلى أنَّهم: مالك، والثوري، وشعبة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم يعني من أئمة الحديث. ما لا يسع المحدث جهله (ص:27) .

ج- ونقل الديوبندي أنَّهم: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، ولم يعزه لأحد. فتح الملهم (1/104) .

د- وذهب بعض المعاصرين إلى أنَّهم مشايخه عامة.

انظر: المرجع السابق، وحاشية شروط الأئمة الستة (ص:13) ، والحل المفهم (ص:73) ، وحجة الله البالغة (1/282) .

لكن على أيِّ قول مما تقدَّم فإنَّ الإشكال قائم على اعتبار وجود أحاديث في صحيح مسلم تكلم عليها العلماء ولم يجمعوا عليها، كحديث خلق التربة المتقدِّم ذكره في الزيادات، ولهذا قال ابن الصلاح:"وهذا مشكل جدًّا؛ فإنَّه قد وضع فيه أحاديث قد اختلفوا في صحتها؛ لكونها من حديث من ذكرناه، ومن لم نذكر، ممن اختلفوا في صحة حديثه ولم يجمعوا عليه".

ثم أجاب عن هذا الإشكال بجوابين:

أ- أنَّ مسلماً أراد بذلك أنَّه لم يضع في كتابه إلَاّ الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط المجمع عليه، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.

ب- أنَّه أراد أنَّه ما وضع فيه ما اختلف الثقات فيه في نفس الحديث متناً أو إسناداً، ولم يُرد ما كان اختلافهم إنَّما هو في توثيق بعض رواته، وهذا هو الظاهر من كلامه

، ومع هذا قد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها عن هذا الشرط؛ لصحتها عنده، وفي ذلك ذهول منه رحمنا الله وإياه عن هذا الشرط أو سبب آخر، وقد استدركت عليه وعُلِّلت. انظر: صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح (ص:74 - 75) .

قلت: والذي يظهر والله أعلم أنَّ السببَ الأول الذي ذكره ابن الصلاح أوجه وأرجح في تفسير قوله، وأنَّ مراده بقوله:"ما أجمعوا عليه" أي شروط الصحة، فإنَّ العلماء اتفقوا على اشتراطها في صحة الحديث، لكن التفاوت حصل عند البعض هل هي مستوفية في هذا الحديث أو ذاك أو لا؟ ومسلم إنَّما وضع في كتابه ما رأى أنَّ الشروط استوفت فيه، وإن كان البعض لا يرى أنَّها مستوفية بدليل قوله:(هو صحيح عندي) ، والله تعالى أعلم.

ص: 218

باب: التشهد في الصلاة (404) ] .

2 -

وحدَّثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي، حدَّثنا عبد الرحيم - يعني ابنَ سليمان - عن زكرياء، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن مسعود قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوسٌ، وقد نُحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيُّكم يقوم إلى سلا جَزورِ بني فلان فيأخذُه، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا،

ص: 219

وجعل بعضُهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر، لو كانت لي مَنَعةٌ طرحتُه عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسانٌ فأخبر فاطمةَ، فجاءت - وهي جُويريةٌ - فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلمَّا قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاتَه رفع صوته ثم دعا عليهم - وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً - ثم قال:"اللَّهمَّ عليك بقريش - ثلاث مرَّات –" فلمَّا سمعوا صوتَه ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوتَه، ثم قال:"اللَّهمَّ عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعُقبة بن أبي مُعيط" - وذكر السابع ولم أحفظه - فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيتُ الذين سمَّى صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب قليب بدر".

قال أبو إسحاق1:"الوليد بن عقبة2 غلَطٌ في هذا الحديث"3. [ (3/1418،1419) كتاب الجهاد، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش (1794) ] .

1 جزم الإمام النووي في المنهاج (12/395) بأنَّه راوية مسلم؛ إذ قال: "وقد نبَّه عليه إبراهيم بن سفيان في آخر الحديث فقال: الوليد بن عقبة في هذا الحديث غلط"، ووافقه الحافظ ابن حجر في الفتح (1/351) .

أما القاضي عياض فتردَّد فيه، وجعله من كلام مسلم، أو من كلام ابن سفيان فقال:"وقد نبَّه عليه مسلم آخر الحديث أو ابن أبي سفيان (هكذا) وقال: الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث". انظر: إكمال المعلم (6/167) .

2 هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي، أخو عثمان بن عفان لأمِّه، أسلم وأخوه عمارة يوم الفتح، واختلف العلماء هل كان وقتئذ صبيًّا أم رجلاً، ورجَّح ابن حجر القول الثاني، وقصة صلاته بالناس الصبحَ أربعاً مشهورة، ولذلك عزله عثمان عن ولاية الكوفة وجلده وذلك سنة تسع وعشرين، ومات في خلافة معاوية. انظر ترجمته في: الاستيعاب (4/114) ، وأسد الغابة (5/451) ، والإصابة (10/311) .

3 قال القاضي عياض: "كذا وقع في جميع نسخ مسلم الواصلة إلينا، وفي أصول جميع شيوخنا، وصوابه: (عتبة) بالتاء، كذا هو في صحيح البخاري - وسيأتي تخريجه وبيان أنَّ مسلماً أخرجه بعد ذلك على الصحيح - وقد جاء في بعض الروايات للسجزي (عتبة) على الصواب، وهو إصلاح لا شك فيه". وتابعه في ذلك الإمام النووي في المنهاج. انظر: إكمال المعلم (6/167) ، والمنهاج (12/395) .

ص: 220

_________

ثم إنَّهما بيَّنا منشأ الوهم في الرواية بأنَّ الوليد بن عتبة لم يكن في وقت وقوع القصة مولوداً، أو كان طفلاً صغيراً، وقد أُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ليمسح على رأسه وهو صبي، لكن ما ذهبا إليه فيه نظر؛ إذ تقدَّم ترجيح الحافظ ابن حجر أنَّه كان رجلاً في ذلك الوقت.

والذي يظهر أنَّ الوهم حصل من شيخ مسلم، عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي الملقب بمشكدانة، فهو صدوق كما قال أبو حاتم وابن حجر. الجرح والتعديل (5/111)، والتقريب (ص:315) ، أما الذهبي فوثَّقه في الكاشف (2/578) . ولو سُلِّم توثيقه فلا يُسلَّم عدم وهمه في هذا الحديث، بدليل فعل مسلم حيث أخرج الحديث مرَّة أخرى عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة - وهو من هو - عن جعفر بن عون، عن الثوري على الصواب، وفيه:(الوليد بن عتبة) ، وهذا مما يدل على براعة الإمام مسلم وعلوِّ كعبه في علم العلل، وسيأتي في التخريج أنَّ مشكدانة روى الرواية المحفوظة أيضاً موافقاً الثقات.

أما شيخ عبد الله، فهو عبد الرحيم بن سليمان المروزي، وهو ثقة. الكاشف (1/650)، والتقريب (ص:354) . وشيخه زكرياء بن أبي زائد ثقة يدلس، وهو وإن كان قد روى الحديث بالعنعنة، وسماعه من أبي إسحاق بآخرة كما قال الحافظ ابن حجر فقد روى الحديث مرة أخرى - من غير طريق شيخ مسلم - بذكر (الوليد بن عقبة) ، ممَّا يدل على أنَّه بريء من تهمة الوهم في هذا الحديث، والله أعلم. انظر: التقريب (ص:216) ، وتخريج الحديث كما سيأتي.

تخريج الحديث:

حديث عبد الله بن مسعود أخرجه غير واحد من الأئمة من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، وبعضهم يذكر الوليد بن عقبة أو الوليد بن عتبة ضمن من دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعضهم لم يذكره، وسأقتصر في التخريج على من ذكره لبيان أنَّ من قال:(الوليد بن عقبة) فقد وهم، وأنَّ الصحيح:(الوليد بن عتبة) .

فقد أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/279) . والخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة (ص:239)(120) . كلاهما من طريق مشكدانة شيخ الإمام مسلم، به

وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه (4/287)(6775) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، كلاهما عن زكريا.

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (7/332) كتاب المغازي، باب: في أذى قريش للنبي صلى الله عليه وسلم (36563) . والبخاري في صحيحه (مع الفتح 6/106) كتاب الجهاد، باب: الدعاء على المشركين (2934) . ومسلم في صحيحه - الموضع السابق -. وأبو يعلى في مسنده (9/211)(5312) . واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (4/763)(1418،1419) . والبيهقي في دلائل النبوة (2/279) . وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (2/803،804)(844،845) .

سبعتهم من طريق سفيان الثوري.

وأخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 1/594) كتاب الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئاً (520) . وأبو عوانة في الموضع السابق (6776) . والهيثم بن كليب في مسنده (2/135)(675) . وابن بشكوال في الموضع السابق (846،847) . والبيهقي في السنن الكبرى (9/7) .

خمستهم من طريق إسرائيل بن أبي يونس السبيعي.

وأخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 7/293) كتاب المغازي، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش (3960) . وأبو عوانة في مستخرجه (4/286)(6774) . كلاهما من طريق زهير بن معاوية.

جميع من تقدَّم ذكرهم، وعددهم أربعة (زكرياء، والثوري، وإسرائيل، وزهير) رووه عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، الحديث بتمامه. وجاء في رواية الجميع:(الوليد بن عتبة) بالتاء على الصحيح.

وهذه الرواية الثانية لزكريا بن أبي زائدة هي المحفوظة؛ لأنَّه تابع فيها الثقات، وأما روايته الأولى التي أخرجها مسلم، وفيها:(الوليد بن عقبة) بالقاف فلم أجد من أخرجها غيره، وربما كان ذلك لبيان علَّتها، خاصة وأنَّه روى الحديث على الصحيح من طريق سفيان الثوري كما تقدَّم، والله أعلم.

ص: 221

3 -

حدَّثنا محمد بن رافع، حدَّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، ليأتينَّ على أحدكم يومٌ ولا يراني، ثم لأن يراني أحبُّ إليه من أهله وماله معهم".

قال أبو إسحاق1: "المعنى فيه عندي: لأن يراني معهم أحبُّ إليه من

1 ذكر القاضي عياض في إكمال المعلم (7/336) أنَّه أبو إسحاق ابن سفيان راوية مسلم، لكنه أشار إلى أنَّ هذه الزيادة لم تكن عند أكثر شيوخه.

ص: 222

أهله وماله، وهو عندي مقدَّمٌ ومؤَخَّر"1. [ (4/1836) كتاب الفضائل، باب: النظر إليه صلى الله عليه وسلم وتمنّيه (2364) ] .

4 -

حدّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ح وحدثنا يحيى ابن يحيى، قال: قرأتُ على مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم".

قال أبو إسحاق2: "لا أدري "أهلكَهم" بالنصب أو "أهلكُهم"

1 جاء في هذا المعنى حديث آخر مرفوع في مسند سعيد بن منصور، لفظه:"ليأتينَّ على أحدكم يوم لأن يراني أحبُّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله"، وهو يدل على أنَّ ابن سفيان يرى أنَّ الأصل في الحديث:"ليأتينَّ على أحدكم يوم لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله، ثم لا يراني".

وقد وافق القاضي عياض ابنَ سفيان في هذا المعنى، لكن النووي لم يوافقهما في تقديم لفظة (معهم) ، ووافقهما في الباقي، فقال:"والظاهر أنََّّ قوله في تقديم "لأن يراني" وتأخير "من أهله لا يراني" كما قال، وأما لفظة "معهم" فعلى ظاهرها وفي موضعها، وتقدير الكلام: "يأتي على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني بعدها، أحب إليه من أهله ماله جميعاً"، ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجلسه الكريم ومشاهدته حضراً وسفراً للتأدُّب بآدابه، وتعلّم الشرائع، وحفظها ليبلغوها، وإعلامهم أنَّهم سيندمون على ما فرَّطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته".

انظر: المرجع السابق، والمنهاج للنووي (15/127) .

تخريج الحديث:

حديث أبي هريرة أخرجه همام بن منبه في صحيفته عن أبي هريرة (ص:90)(29) .

وأخرجه أحمد في مسنده (2/313) . والبيهقي في دلائل النبوة (6/536) . والبغوي في شرح السنة (14/55)(3842) ، وفي الأنوار (2/780)(1250) . جميعهم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام به.

2 نصَّ القاضي عياض في الإكمال (8/104) أنَّ الراوي عن مسلم، أبو إسحاق بن سفيان، وكذلك محققو مسند أحمد (13/114) .

وأبهمه الحميدي في الجمع بين الصحيحين (3/287) فقال: "قال بعض الرواة: لا أدري أهلكَهم بالنص، أو أهلكُهم بالرفع".

ص: 223

بالرفع"1. [ (4/2024) كتاب البر والصلة، باب: النهي من قول: هلك الناس (2623) ] .

1 تردَّد ابن سفيان فلم يجزم بإحدى الروايتين أو يرجح إحداهما على الأخرى، لكن الحميدي، والنووي ذكرا أنَّ الرفع أشهر. المرجع السابق، والمنهاج للنووي (16/413) .

ويظهر أنَّه الصحيح، بدليل أنَّ أبا نعيم روى الحديث من طريق سفيان الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة بلفظ:"إذا قال المرء: هلك الناس فهو من أهلكهم". حلية الأولياء (7/141) .

ومعنى الحديث على رواية الرفع: فهو أشدُّهم هلاكاً، وعلى رواية الفتح: فهو الذي جعلهم هالكين، لا أنَّهم هلكوا في الحقيقة.

ثم إنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّ هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الازدراء على الناس واحتقارهم، وتفضيل نفسه عليهم، وتقبيح أحوالهم؛ لأنَّه لا يعلم سرَّ الله في خلقه، فأما من قال ذلك تحزناً لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه. انظر: المنهاج (16/414) .

ونحا الخطابي منحى آخر في بيان المعنى، فقال: لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم، ويقول قد فسد الناس وهلكوا، ونحو ذلك من الكلام يقول صلى الله عليه وسلم: إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكُهم وأسوأهم حالاً مما يلحقه من الإثم في عيبهم والازدراء بهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه فيرى أنَّ له فضلاً عليهم وأنَّه خير منهم فيهلك. انظر: معالم السنن للخطابي (4/122) .

والحديث أخرجه من رواية حماد بن سلمة عن سهيل:

علي بن الجعد في مسنده (2/1162)(3478) . والطيالسي في مسنده (ص:319)(2438) كلاهما عن حماد، وتصحف فيه إلى همام.

وأخرجه احمد في مسنده (2/341) . وأبو داود في سننه (5/260) كتاب الأدب، باب: رقم (85)(4983) . والبغوي في شرح السنة (13/144)(3565) .

جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن سهيل به.

وأخرجه من رواية مالك عن سهيل:

مالك في الموطأ برواية يحيى بن يحيى (2/984)(2) ، وبرواية أبي مصعب الزهري (2/162)(2070)، وبرواية ابن القاسم بتلخيص القابسي (ص:455) (442) .

وأخرجه من طريق مالك:

أحمد في مسنده (2/465،517) . والبخاري في الأدب المفرد (فضل الله الصمد 2/229)(759) . وأبو داود في الموضع السابق. والغافقي في مسند الموطأ (ص:382)(435) .

وابن حبان في صحيحه (الإحسان 13/74)(5762) . وأبو نعيم في الحلية (6/345) . والبيهقي في الآداب (ص:118،119)(355،356) ، وفي شعب الإيمان (5/288)(6685) . والبغوي في شرح السنة (13/143)(3564) .

ص: 224

5 -

حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا أبو أسامة، حدَّثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخبروني بشجرة شِبه، أو كالرجل المسلم، لا يتحاتُّ ورَقُها".

قال إبراهيم1: "لعلَّ مسلماً قال: "وتُؤتي أُكُلها"، وكذا وجدتُ عند غيري أيضاً: "ولا تؤتي أُكُلها كلَّ حين"2.

1 نصَّ القاضي عياض على أنَّه إبراهيم بن سفيان راوية مسلم، وتبعه النووي. إكمال المعلم (8/347) ، والمنهاج (17/161) .

2 ذكر النووي معنى كلام ابن سفيان موضحاً له، فقال:"معنى هذا أنَّه وقع في رواية إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم ورواية غيره أيضاً عن مسلم "لا يتحات ورقها ولا تؤتي أكلها كلَّ حين" واستشكل إبراهيم بن سفيان هذا لقوله: "ولا تؤتي أكلها" خلاف باقي الروايات، فقال: لعلَّ مسلماً رواه "وتؤتي" بإسقاط (لا) وأكون أنا وغيري غلطنا في إثبات (لا)

". المنهاج (17/161) .

وتعقَّب القاضي عياض، ابنَ سفيان بأنَّ تأويله غير صحيح وليس هو بغلط كما توهَّم، وما في أصل صحيح مسلم هو الصحيح، وإثبات (ولا) صحيح، وقد رواه البخاري كذلك، فقال:"لا تتحات ورقها ولا تؤتي أكلها" فـ (تؤتي) ابتداء كلام ليس منفياً ب (لا) الذي قبله، وإنَّما نفى في الحديث أشياء أخر من العيوب عنها، فاختصره الراوي (ولا) ولا شاء ذكرها، ونسيها الراوي، والله أعلم، أو اختصر من أنَّه لا يقطع ثمرها، ولا ينعدم ظلها، وشبه هذا، ثم وصفها بأنها تؤتي أكلها كلَّ حين". إكمال المعلم (8/347) .

والذي يظهر أن استشكال ابن سفيان وجيه، على اعتبار أن روايات الحديث تؤيِّده، فبعد تخريج الحديث من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر وسيأتي وجدتُ أنَّ متنه جاء بأحد لفظين:

الأول: "أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربِّها، ولا تحت ورقها" كما عند البخاري في الصحيح في كتاب الأدب، وفي الأدب المفرد، وكما عند ابن منده بتقديم جملة:"تؤتي أكلها" على "ولا تحت ورقها".

الثاني: "أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم، لا يتحات ورقها، ولا، ولا، ولا، تؤتي أكلها كلَّ حين".

وعلى كلا اللفظين لا إشكال، فلما جاءت رواية مسلم بتقديم جملة "لا يتحات ورقها" وجاء بعدها قوله:"تؤتي أكلها" كان استشكال ابن سفيان.

وعلى أية حال فإنَّ ابنَ سفيان لم يجزم بأنَّ تأويله صحيح، بل اعتذر لنفسه ابتداءً بقوله:(ولعل) إشارة منه إلى أنَّ المسألة يمكن الرجوع فيها، وأنَّه يمكن أن يكون الصحيح ما ذهب إليه غيره، والله أعلم.

وحديث مسلم:

أخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 8/377) كتاب التفسير، باب:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة..} (4698) ، وفي (10/536) كتاب الأدب، باب: إكرام الكبير

(6144) . وأخرجه في الأدب المفرد (فضل الله الصمد (1/452)(360) . وأخرجه ابن منده في الإيمان (1/351)(187) .

كلاهما من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به، على اختلاف في المتن كما تقدَّم.

ص: 225

قال ابن عمر: "فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيتُ أبا بكر وعمر لا يتكلَّمان، فكرهتُ أن أتكلَّم أو أقول شيئاً، فقال عمر: لأَن تكون قلتَها أحبُّ إليَّ من كذا وكذا". [ (4/2166) كتاب صفات المنافقين، باب: المؤمن مثل النخلة (2811) ] .

6 -

حدَّثني عمرو الناقد والحسن الحلواني وعبد بن حميد - وألفاظهم متقاربة، والسياق لعبد - قال: حدَّثني. وقال الآخران: حدّثنا يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد -، حدّثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة؛ أنّ أبا سعيد الخدري قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً عن الدجّال، فكان فيما حدّثنا قال:"يأتي - وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة - فينتهي إلى بعض السِّباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس، فيقول له: أشهد أنّك الدجّال الذي حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلتُ هذا ثمَّ أحييته، أتشُكُّون في الأمر؟ فيقولون: لا. قال: فيقتله ثم يحييه. فيقول حين يحييه: والله! ما كنتُ فيك قطُّ أشدَّ بصيرة منِّي الآن، قال: فيريد الدجال أن يقتله فلا يُسلَّط عليه".

ص: 226

قال أبو إسحاق1: يقال إنَّ هذا الرجل هو الخضر عليه السلام2.

1 نصَّ القاضي عياض على أنَّه أبو إسحاق بن سفيان (إكمال المعلم 8/490) ، والنووي في المنهاج (18/285)، وكذلك الحافظ ابن حجر في الزهر النضر في نبأ الخضر (ص:64) . ونقل القرطبي في التذكرة (ص:357) كلام أبي إسحاق، لكنه نسبه بأنه السبيعي وهو وهم.

2 يظهر أن أبا إسحاق اعتمد في قوله هذا على دليلين:

أ- ما أخرجه الدارقطني في الأفراد، وابن عساكر من طريق رواد بن الجراح، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الخضر ابن آدم لصلبه، ونُسئ له في أجله حتى يُكذّب الدجال. الزهر النضر (ص:19) ، وانظر الحذر في أمر الخضر لملا علي القاري (ص:76) .

ب- ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11/393) حيث أخرج حديث أبي سعيد الخدري ثم قال بعده: وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه.

وهما دليلان لا يقومان حجة لإثبات هذا القول:

فأما حديث ابن عباس فقد أعلّه الحافظ ابن حجر بأن رواد ضعيف، ومقاتل متروك، والضحاك لم يسمع من ابن عباس. الزهر النضر (ص:19) . كما أعلّه قبله ابن كثير بأنه منقطع غريب. البداية والنهاية (1/326) .

وأما حديث عبد الرزاق فلم يسنده، وإنما ذكره بلاغاً من قوله، فليس له حكم الرفع، ولذلك قال ابن كثير: وقول معمر: بلغني، ليس فيه حجة. المرجع السابق (1/334) .

خاصة وأنه يعارض ما عليه جمهور العلماء من أن الخضر ميت وليس بحي.

وقد سئل الإمام البخاري عن حياته فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى على رأس مائة سنة من هو اليوم على ظهر الأرض أحد".

وقال ابن العربي: سمعت من يقول: إن الذي يقتله الدجال هو الخضر، وهذه دعوى لا برهان لها. انظر: فتح الباري (13/104) .

وقد وافقهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (27/100)، فقال: "والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام

" ثم ساق الأدلة على ذلك.

وعلى أيّة حال فإن أبا إسحاق بن سفيان لم يجزم بما قال، بل صدّره بصيغة التمريض (يقال) مما يدلّ على أنه يميل إلى تضعيف هذا القول موافقاً في ذلك جمهور المحققين، والله أعلم.

والخلاف في حياة الخضر أو موته، وكونه نبياًّ أو غير نبي قائم بين العلماء، فانظره في: الزهر النضر لابن حجر (ص:22) وما بعدها، والحذر في أمر الخضر لملا علي القاري (ص:83) وما بعدها.

وحديث مسلم الذي أخرجه من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، وصدّر به الباب، أخرجه النسائي كذلك من الطريق نفسه في السنن الكبرى (2/485) كتاب: الحج، باب: منع الدجال من المدينة (4275/3) .

وأخرجه من طريق شعيب عن الزهري:

البخاري في صحيحه (13/101) كتاب: الفتن، باب: لا يدخل الدجال المدينة (رقم:7132) . ومن طريقه البغوي في شرح السنة (15/51/رقم:4258) .

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11/393/رقم:20824) عن معمر، عن الزهري، به. وفي آخره قول معمر المتقدم.

وأخرجه أحمد في مسنده (3/36) . وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/211)(6801) من طريق ابن أبي السري. كلاهما عن عبد الرزاق.

وأخرجه البخاري في صحيحه (4/95) كتاب: فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة (رقم:1882) من طريق عقيل بن خالد عن الزهري به.

ص: 227

وحدّثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري، في هذا الإسناد، بمثله. [ (4/2256) ، كتاب: الفتن، باب: في صفة الدجال (رقم:2938) ] .

ص: 228