الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: لِكُلِّ داءٍ دَوَاءٌ
.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً" رواه البخاري1.
الإنزال هنا بمعنى: التقدير.
ففي هذا الحديث: إثبات القضاء والقدر. وإثبات الأسباب.
وقد تقدم أن هذا الأصل العظيم ثابت بالكتاب والسنة. ويؤيده العقل والفطرة. فالمنافع الدينية والدنيوية والمضار كلها بقضاء الله وتقديره. قد أحاط بها علماً. وجرى بها قلمه. ونفذت بها مشيئته. ويَسَّر العبادَ لفعل الأسباب التي توصلهم إلى المنافع والمضار. فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خلق له: من مصالح الدين والدنيا، ومضارهما. والسعيد من يَسَّره الله لأيسر الأمور، وأقربها إلى رضوان الله، وأصلحها لدينه ودنياه. والشقي من انعكس عليه الأمر.
وعموم هذا الحديث يقتضي: أن جميع الأمراض الباطنة والظاهرة لها أدوية تقاومها، تدفع ما لم ينزل، وترفع ما نزل بالكلية، أو تخففه.
وفي هذا: الترغيب في تعلم طب الأبدان، كما يتعلم طب القلوب، وأن ذلك من جملة الأسباب النافعة. وجميع أصول الطب وتفاصيله، شرح لهذا الحديث. لأن الشارع أخبرنا أن جميع الأدواء لها أدوية. فينبغي لنا أن نسعى إلى تعلمها، وبعد ذلك إلى العمل بها وتنفيذها.
وقد كان يظن كثير من الناس أن بعض الأمراض ليس له دواء، كالسل ونحوه. وعندما ارتقى علم الطب، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من علمه، عرف الناس مصداق هذا الحديث، وأنه على عمومه.
وأصول الطب: تدبير الغذاء، بأن لا يأكل حتى تصدق الشهوة وينهضم الطعام السابق
(1) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 5678.
انهضاماً تاماً، ويتحرى الأنفع من الأغذية، وذلك بحسب حالة الأقطار والأشخاص والأحوال، ولا يمتلئ من الطعام امتلاء يضره مزاولته، والسعي في تهضيمه، بل الميزان قوله تعالى:{وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ} [الأعراف:31] ويستعمل الحِمْية عن جميع المؤذيات في مقدارها، أو في ذاتها، أو في وقتها. ثم إن أمكن الاستفراغ، وحصل به المقصود، من دون مباشرة الأدوية: فهو الأولى والأنفع. فإن اضطر إلى الدواء: استعمله بمقدار. وينبغي أن لا يتولى ذلك إلا عارف وطبيب حاذق.
واعلم أن طيب الهواء، ونظافة البدن والثياب، والبعد عن الروائح الخبيثة، خير عون على الصحة. وكذلك الرياضة المتوسطة. فإنها تقوي الأعضاء والأعصاب والأوتار، وتزيل الفضلات، وتهضم الأغذية الثقيلة، وتفاصيل الطب معروفة عند الأطباء. ولكن هذه الأصول التي ذكرناها يحتاج إليها كل أحد.
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم "الشفاء في ثلاث: شَرْطة مِحْجَم، أو شربة عسل، أو كَيَّة بنار"1. "وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء"2. "العود الهندي فيه سبعة أشْفِية: يُسَعَّط من العذرة، ويُلَدُّ من ذات الجنب"3، "الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء"4، "رخص في الرُّقية من العين والحُمَّة والنملة"5، "وإذا استُغسِلتم من العين فاغسلوا"6، "ونهى عن الدواء الخبيث"7، "وأمر بخضاب الرجلين لوجعهما"8.
(1) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 5680، 5681.
(2)
أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 5687، 5688، ومسلم في "صحيحه" رقم:2215.
(3)
أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 5692، ومسلم في "صحيحه" رقم:2214.
(4)
أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 5723، ومسلم في "صحيحه" رقم:2209.
(5)
أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 2196، بعد 57، 58.
(6)
أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 2188 بعد 42.
(7)
صحيح: أخرجه أحمد 2/305، 446، 478، وأبو داود 3870، والترمذي 2045، وابن ماجه 3459، وانظر "صحيح ابن ماجه" 2/255.
(8)
صحيح: أخرجه أبو داود رقم: 3858 والترمذي 2054، وابن ماجه 3502، وأحمد 6/462، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1561، والمزي في "تهذيب الكمال" 19/122، وانظر:"صحيح الترمذي" رقم: 1676.