الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والسبعون: ذمّ الْكِبْرِ
.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْر. فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثوبه حسناً، ونعله حسناً؟ فقال: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ. الكبْر: بَطْر الحق، وغَمْط الناس" رواه مسلم1.
قد أخبر الله تعالى: أن النار مثوى المتكبرين. وفي هذا الحديث أنه "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مثقال ذرة من كبر" فدلّ على أن الكبر موجب لدخول النار، ومانع من دخول الجنة.
وبهذا التفسير الجامع الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم يتضح هذا المعنى غاية الاتضاح؛ فإنه جعل الكبر نوعين:
كبر النوع الأول: على الحق، وهو رده وعدم قبوله. فكل من رد الحق فإنه مستكبر عنه بحسب ما رد من الحق. وذلك أنه فرض على العباد أن يخضعوا للحق الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه.
فالمتكبرون عن الانقياد للرسل بالكلية كفارٌ مخلدون في النار؛ فإنه جاءهم الحق على أيدي الرسل مؤيداً بالآيات والبراهين. فقام الكبر في قلوبهم مانعاً، فردوه. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [غافر:56]، وأمّا المتكبّرون عن الانقياد لبعض الحق الذي يخالف رأيهم وهواهم: فهم -وإن لم يكونوا كفّاراً- فإنّ معهم من موجبات العقاب بحسب ما معهم من الكبر، وما تأثروا به من الامتناع عن قبول الحق الذي تبيّن لهم بعد مجيء الشرع به، ولهذا أجمع العلماء أنّ من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلّ له أن يعدل عنها لقول أحدٍ كائناً من الناس من كان.
(1) أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 91 بعد 147.
فيجب على طالب العلم أن يعزم عزماً جازماً على تقديم قول الله وقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قول كلّ أحدٍ، وأن يكون أصله الذي يرجع إليه، وأساسه الذي يبني عليه: الاهتداء بهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، والاجتهاد في معرفة مراده، واتباعه في ذلك ظاهراً وباطناً.
فمتى وفق في هذا الأمر الجليل فقد وفق للخير، وصار خطؤه معفوّاً عنه؛ لأنّ قصده العام اتباع الشرع، فالخطأ معذور فيه إذا فعل مستطاعه من الاستدلال والاجتهاد في معرفة الحقّ. وهذا هو المتواضع للحق.
وأمّا الكبر على الخلق –وهو النوع الثاني- فهو غمطهم واحتقارهم، وذلك ناشئ عن عجب الإنسان بنفسه، وتعاظمه عليه، فالعجب بالنفس يحمل على التكبّر على الخلق، واحتقارهم والاستهزاء بهم، وتنقيصهم بقوله وفعله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم"1.
ولما قال هذا الرجل: "إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونعله حسناً" وخشي أن يكون هذا من الكبر الذي جاء فيه الوعيد: بيّن له النبيّ صلّى الله عليه: أنّ هذا ليس من الكبر، إذا كان صاحبه منقاداً للحقّ، متواضعاً للخلق، وأنّه من الجمال الذي يحبّه الله؛ فإنّه تعالى جميلٌ في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، يحبّ الجمال الظاهري، والجمال الباطني.
فالجمال الظاهر: كالنظافة في الجسد، والملبس، والمسكن، وتوابع ذلك.
والجمال الباطن: التجمل بمعالي الأخلاق ومحاسنها.
ولهذا كان دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهدني لأحسن الأعمال والأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت، واصرف عنّ ي سيّئ الأعمال والأخلاق، لا يصرف عنّي سيّئها إلاّ أنت2". والله أعلم.
(1) أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 2564 بعد 32.
(2)
جزء من حديث أوله: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات
…
" أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم 771 بعد 201.