المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الحادي عشر: - بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية - جـ ١

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الوجه الحادي عشر:

بل يقال في‌

‌ الوجه العاشر:

إن ما ذكره ممتنع لذاته، *فإنـ[ـه] بتقديرنا يفعل لعلة غائية لا لمقصود غائي، كتقدير ما يحدث لا عن علة فاعلة وكل منهما ممتنع لذاته* ولهذا هم يسلمون أن ليس في الموجودات ما هو كذلك، إلا ما يذكرونه في واجب الوجود، وهم متناقضون في ذلك: فيصرحون تارة بأنه يفعل لقصد منه للغاية ورحمة منه، وتارة يقولون: ليس له إرادة ولا قصد. وإذا كانوا متناقضين في ذلك، تبين أن أحدًا من العقلاء لم يستقر قوله على إثبات موجود بهذه الصفة التي سموها «جوادًا» .

‌الوجه الحادي عشر:

أن يقال: الجود إفادة ما ينبغي لا لغرض. هو كلام مجمل يحتمل الحق والباطل؛ بل الظاهر منه

ص: 526

للناس هو الحق الذي لم يرده؛ فإنه يقال لك: العوض المعروف في الشرع، واللغة والعرف والعقل، هو ما يبذله أحد المتعاوضين للآخر، في مقابلة ما بذله الآخر له، كثمن المبيع، وأجرة الأجير، وثواب الهدية، ومكافأة النعمة ونحو ذلك، فلا ريب أن من أعطى غيره عطية، ليعطيه ذلك الغير عوضها، فهذا مستعيض وليس بجواد؛ ولهذا يفرق الفقهاء بين عقود المعاوضات، والتبرعات بنحو هذا الفرق؛ ولهذا قال المخلصون:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) } [الإنسان: 9] فأخبروا أنهم لا يريدون من المنعم عليهم لا جزاءًا ولا شكورًا، ولم يقولوا: لا نريد ذلك من أحد، لا من الله ولا من غيره؛ فإن هذا إما ممتنع وإما سفاهة، ولهذا كان المحققون للإخلاص لا يطلبون من المُحْسَنِ إليه لا دعاءً ولا ثناءً ولا غير ذلك، فإنه إرادة جزاء منه؛ فإن الدعاء نوع من الجزاء على الإحسان والإساءة؛ كما جاء في الحديث: «من أسدى إليكم

ص: 527

معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه» وقال الشاعر:

ارفع صغيرك لا يحربك ضعفه

يومًا فتدركه العواقب قد نمى

يجزيك أو يثني عليك وإن من

أثنى عليك بما فعلته فقد جزى

وأيضًا كانوا إذا كافأهم المُعْطَى بدعاء وغيره. قابلوه بمثل

ص: 528

ذلك، ليبقى أجرهم على الله تعالى، ولا يكونوا قد اعتاضوا منه، كما كانت عائشة رضي الله عنها إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسل: اسمع ما يدعون به لنا، حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا لنا، ويبقى أجرنا على الله تعالى.

فهذا ونحوه غاية ما يقدر من الجود المعروف، فأما جود أهل الجاهلية ونحوهم، ممن يقصد به الثناء عليه، ولو بعد موته فذاك دون هذا.

وأيضًا فإن الإنسان قد يحب بنفسه فعل الخير والإحسان، ويتلذذ بذلك لا لغرض آخر، بل يتلذذ بالإحسان إلى الغير، كما يتلذذ الإنسان بلذاته المعروفة وأشد، وإن لم يصل إليه نفع غير لذته بالإحسان، كما أن النفوس الخبيثة قد تلتذ بالإساءة والعدوان، وإن لم يحصل لها بذلك جلب منفعة ولا دفع مضرة. فهذا أيضًا موجود وصاحبه من أهل الإحسان والجود، فإما أن يكون في الوجود من يفعل لا لمعنى فيه ولا لمعنى في غيره، فهذا لا حقيقة له أصلًا، وقد علم [أن] أهل الشرع واللغة وسائر العقلاء الذين يقولون: الجود إفادة ما ينبغي

ص: 529