الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِيهَا عُزِلَ الْهَيْثَمُ عَنْ مَكَّةَ بِالسَّرِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْعَبَّاسِيِّ فَأُتِيَ بِكِتَابٍ عَهِدَهُ وَهُوَ فِي الْيَمَامَةِ.
وَفِيهَا عُزِلَ عَنْ مِصْرَ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ وَأُعِيدَ نَوْفَلٌ ثَالِثًا، ثُمَّ عُزِلَ نَوْفَلٌ وَوَلِيَهَا يَزِيدُ بْنُ حَاتِمٍ الأَزْدِيُّ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ أَمِيرُ الْكُوفَةِ.
وَفِي هَذَا الْعَصْرِ شَرَعَ عُلَمَاءُ الإِسْلامِ فِي تَدْوِينِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ، فَصَنَّفَ ابْنُ جُرَيْجٍ التَّصَانِيفَ بِمَكَّةَ، وَصَنَّفَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمَا بِالْبَصْرَةِ، وَصَنَّفَ الأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ، وَصَنَّفَ مَالِكٌ الْمُوَطَّأَ بِالْمَدِينَةِ، وَصَنَّفَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْمُغَازِيُّ، وَصَنَّفَ مَعْمَرٌ بِالْيَمَنِ، وَصَنَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ الْفِقْهَ وَالرَّأْيَ بِالْكُوفَةِ، وَصَنَّفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِتَابَ "الْجَامِعِ"، ثُمَّ بَعْدَ يَسِيرٍ صَنَّفَ هُشَيْمٌ كُتُبَهُ، وَصَنَّفَ اللَّيْثُ بِمِصْرَ وَابْنُ لَهِيعَةَ ثُمَّ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو يُوسُفَ وابْنُ وَهْبٍ. وَكَثُرَ تَدْوِينُ الْعِلْمِ وَتَبْوِيبُهُ، وَدُوِّنَتْ كُتُبُ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَأَيَّامُ النَّاسِ. وَقَبْلَ هَذَا الْعَصْرِ كَانَ سَائِرُ الأَئِمَّةِ يَتَكَلَّمُونَ عَنْ حِفْظِهِمْ أَوْ يَرْوُونَ الْعِلْمَ مِنْ صُحُفٍ صَحِيحَةٍ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ.
فَسَهُلَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ تَنَاوُلُ الْعِلْمِ، وَأَخَذَ الحفظ يتناقص، فلله الأمر كله.
أحداث سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
1:
فِيهَا تُوُفِّيَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فِي قَوْلٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِلَسْطِينِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ، وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ. وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِي قَوْلٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ فِي قَوْلٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ الْمَدَنِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ الْفَقِيهُ. وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ. وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ السَّمْحِ الْفَقِيهُ بِمِصْرَ. وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فِي قَوْلٍ. ومجالد بن سَعِيد. وَهِلالُ بْنُ حُبَابٍ. وَوَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ الرَّقَاشِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الدِّمَشْقِيُّ.
وَفِيهَا غَزَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّفَّاحِ الدَّيْلَمَ بِجَيْشِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وواسط والجزيرة.
1 وراجع: تاريخ الطبري "7/ 517-552"، وتاريخ خليفة ص/ 276"، والنجوم الزاهرة "1/ 446"، والبداية "10/ 80"، وصحيح التوثيق "6/ 45".
وَفِيهَا قَدِمَ الْمَهْدِيُّ مِنْ خُرَاسَانَ فَدَخَلَ بِابْنَةِ عَمِّهِ رَيْطَةَ بِنْتِ السَّفَّاحِ.
وَفِيهَا حَجَّ الْمَنْصُورُ وَخَلَفَ عَلَى الْعَسَاكِرِ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ الْمُرِّيَّ وَعَزَلَ مُحَمَّدًا الْقَسْرِيَّ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ أَهَمَّهُ شَأْنُ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِتَخَلُّفِهِمَا عَنِ الْحُضُورِ عِنْدَهُ مَعَ الأَشْرَافِ، فَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ لَمَّا حَجَّ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ السَّفَّاحِ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ لَهُ لَيْلَةَ اشْتَوَرَ بَنُو هَاشِمٍ بِمَكَّةَ فِيمَنْ يَعْقِدُونَ لَهُ الْخِلافَةَ حِينَ اضْطَرَبَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ فَسَأَلَ الْمَنْصُورُ زِيَادًا مُتَوَلِّي الْمَدِينَةَ عَنِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ. فَقَالَ: مَا يَهِمُّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِهِمَا أَنَا آتِيكَ بِهِمَا، فَضَمَّنَهُ إِيَّاهُمَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ الْمَنْصُورُ لَمْ يَكُنْ هَمُّهُ إِلا طَلَبَ محمد والمسألة عنه بكل طريق، فدعا بني هَاشِمٍ وَاحِدًا وَاحِدًا كُلُّهُمْ يُخْلِيهِ وَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَيَقُولُونَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمَ أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَهُ بِطَلَبِ هَذَا الشَّأْنِ قَبْلَ الْيَوْمِ فَهُوَ يَخَافُكَ وَهُوَ الآنَ لا يُرِيدُ لَكَ خِلافًا وَلا مَعْصِيَةً. وَأَمَّا حَسَنُ بْنُ زَيْدٍ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ وَقَالَ: لا آمَنُ أَنْ يَخْرُجَ. فَذَكَرَ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ أَنَّ الْمَنْصُورَ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الأَعْرَابِ فَكَانَ يُعْطِي الرَّجُلَ مِنْهُمُ الْبَعِيرَ وَالْبَعِيرَيْنِ وَفَرَّقَهُمْ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بأطرف الْمَدِينَةِ يَتَجَسَّسُونَ أَمْرَهُ وَهُوَ مُخْتَفٍ.
وَذَكَرَ السِّنْدِيُّ مَوْلَى الْمَنْصُورِ قَالَ: رَفَعَ عُقْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الأَزْدِيُّ عِنْدَ الْمَنْصُورِ وَاقِعَةً وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ أَوْفَدَ مِنَ السِّنْدِ وَفْدًا فِيهِمْ عُقْبَةُ فَأَعْجَبَ الْمَنْصُورَ هَيْئَتُهُ فَاسْتَخْلَى بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لأَرَى لَكَ هَيْئَةً وَمَوْضِعًا وَإِنِّي لَأُرِيدُكَ لِأَمْرٍ وَأَنَا بِهِ مُعَنًّى لَمْ أَزَلْ أَرْتَادُ لَهُ رَجُلا عَسَى أَنْ تَكُونَ، فَإِنْ كَفَيْتَنِيهِ رَفَعْتُكَ. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ أُصَدِّقَ ظَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيَّ. قَالَ: فَاخْفِ شَخْصَكَ وَاسْتُرْ أَمْرَكَ وأتني يَوْمَ كَذَا، فَأَتَاهُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ. فَقَالَ له: إن بني عمنا هؤلاء قد أبو إِلا كَيْدًا لِمُلْكِنَا وَاغْتِيَالا لَهُ وَلَهُمْ شِيَعَةٌ بِخُرَاسَانَ بِقَرْيَةِ كَذَا يُكَاتِبُونَهُمْ وَيُرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ بِكِسْوَةٍ وَأَلْطَافٍ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ بكتاب مبتكر تكتبه عن أهل هذه الْقَرْيَةِ، ثُمَّ تَسِيرُ إِلَى بِلادِهِمْ فَإِنْ كَانُوا قَدْ نَزَعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ فَأَحبِبْ وَاللَّهِ بِهِمْ وَأَقْرِبْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى رَأْيِهِمْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وكنت حذر على فَاشْخَصْ حَتَّى تلقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ مُتَقَشِّفًا مُتَخَشِّعًا فَإِنْ جَبَهَكَ
-وَهُوَ فَاعِلٌ- فَاصْبِرْ حَتَّى يَأْنَسَ بِكَ وَيُلِينُ لَكَ نَاحِيَتَهُ. فَإِذَا ظَهَرَ لَكَ مَا فِي قَلْبِهِ فَاعْجَلْ عَلَيَّ.
قَالَ: فَشَخَصَ عُقْبَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ بِالْكِتَابِ فَأَنْكَرَهُ وَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَؤُلاءِ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْصَرِفْ وَيَعُودُ إِلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ الْكِتَابَ وَأَلْطَافَهُ وَأَنِسَ بِهِ فَسَأَلَهُ عُقْبَةُ الْجَوَابَ. فَقَالَ: أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنِّي لا أَكْتُبُ إِلَى أَحَدٍ، وَلَكِنْ أَنْتَ كِتَابِي إِلَيْهِمْ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ ابْنَيَّ خَارِجَانِ لِوَقْتِ كَذَا وَكَذَا. فَأَسْرَعَ عُقْبَةُ بِهَذَا إِلَى الْمَنْصُورِ.
وَقِيلَ: كَانَ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ مَنْهُومَيْنِ بِالصَّيْدِ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَدِمَ مُحَمَّدٌ الْبَصْرَةِ مُخْتَفِيًا فِي أَرْبَعِينَ رَجُلا فَأَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَهْلَكْتَنِي وَشَهَّرْتَنِي فَانْزِلْ عِنْدِي وَفَرِّقْ أَصْحَابَكَ، فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنْزِلْ فِي بَنِي رَاسِفٍ، فَفَعَلَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَقَامَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا.
وَقِيلَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الْمُرِّيِّ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَسَارَ الْمَنْصُورُ حَتَّى نَزَلَ الْجِسْرَ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ لَمَّا حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ أَكْرَمَ عَبْدَ اللَّهِ بن الحسن، ثم قال لعقبة: تراآى لَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ عَلِمْتُ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُهُودِ أَنْ لا تَبْغِيَ سُوءًا. قَالَ. فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ، فَاسْتَدَارَ لَهُ عُقْبَةُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَغَمَزَهُ بِأَصْبُعَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ بَغْتَةً فَمَلأَ عَيْنَهُ مِنْهُ فَوَثَبَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَنْصُورِ، فَقَالَ: أَقِلْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقَالَكَ اللَّهُ. قَالَ: لا أَقَالَنِي اللَّهُ إِنْ أَقَلْتُكَ ثُمَّ سَجَنَهُ.
وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَرَى ابْنَيْكَ قَدِ اسْتَوْحَشَا مِنِّي وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَأْنَسَا بِي وَأَنْ يَأْتِيَانِي فَأُخْلِطُهُمَا بِنَفْسِي، فَقَالَ: وَحَقِّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ما لي بهما وَلا بِمَوْضِعِهِمَا وَلَقَدْ خَرَجَا عَنْ يَدِي فَبَقِيَ فِي سِجْنِ الْمَنْصُورِ ثَلاثَةَ أَعْوَامٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ هَمَّا بِاغْتِيَالِ الْمَنْصُورِ بِمَكَّةَ وَوَاطَأَهُمَا قَائِدٌ كَبِيرٌ مِنْ قُوَّادِهِ فَنُمِيَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَاحْتَرَزَ وَطَلَبَ الْقَائِدَ فَهَرَبَ، وَأَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ يُلِحُّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَعْيَاهُ وَجَعَلَ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُدَافِعُ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَبَضَ
الْمَنْصُورُ عَلَى زِيَادٍ وَاسْتَأْصَلَ أَمْوَالَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ وَأَمَرَهُ بِبَذْلِ الأَمْوَالِ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ، فَبَذَلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلا قَدِرَ عَلَيْهِمَا فَاتَّهَمَهُ الْمَنْصُورُ، فَعَزَلَهُ، وَوَلَّى رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْمُرِّيَّ، فَدَعَا الْقَسْرِيَّ فَسَأَلَهُ عَنِ الأَمْوَالِ، فَقَالَ: هَذَا كَاتِبِي وهو أعلم بها فقال: أسألك وتحليني عَلَى كَاتِبِكَ: فَأَمَرَ بِهِ رِيَاحٌ فُوجِئَتْ عُنُقُهُ وَضُرِبَ أَسْوَاطًا ثُمَّ بُسِطَ الْعَذَابُ عَلَى كَاتِبِهِ وَعَلَى مَوْلاهُ فَأَسْرَفَ وَجَدَّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي شِعَبٍ مِنْ شِعَابِ رَضْوَى وَهُوَ جَبَلُ جُهَيْنَةَ مِنْ أَعْمَالِ يَنْبُعَ. قَالَ: فَاسْتَعْمَلَ عَلَى يَنْبُعَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ الْجُهَنِيَّ وَأَمَرَهُ بِتَطَلُّبِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ عَمْرٌو إِلَيْهِ لَيْلَةً بِالرِّجَالِ فَفَزِعَ مُحَمَّدٌ وَفَرَّ مِنْهُمْ، فَانْفَلَتَ، وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، وُلِدَ لَهُ هُنَاكَ مِنْ جَارِيَةٍ فَوَقَعَ الطِّفْلُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ يَدِ أُمِّهِ فَتَقَطَّعَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ يَشْكُو الْوَجَى
…
تَنْكُبُهُ أَطْرَافُ مَرْوٍ حِدَادْ
شَرَّدَهُ الْخَوْفُ وَأَزْرَى بِهِ
…
كَذَاكَ مَنْ يَكْرَهُ حَرَّ الْجِلادْ
قَدْ كَانَ فِي الْمَوْتِ لَهُ رَاحَةٌ
…
وَالْمَوْتُ حَتْمٌ فِي رِقَابِ الْعِبَادْ
فَلَمَّا طَالَ أمْرُ الأَخَوَيْنِ عَلَى الْمَنْصُورِ أَمَرَ رِيَاحًا بِأَخْذِ بَنِي حَسَنٍ وَحَبْسِهِمْ، فَأَخَذَ حَسَنًا وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ حَسَنٍ بْنِ حَسَنٍ، وَحَسَنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَسُلَيْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ ابْنَيْ دَاوُدَ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَخَاهُ عَلِيًّا الْعَابِدَ، ثُمَّ قَيَّدَهُمْ وَجَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسَبِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخِيهِ فَسَبَّحَ النَّاسُ وَعَظَّمُوا مَا قَالَ، فَقَالَ رِيَاحٌ: أَلْصَقَ اللَّهُ بِوُجُوهِكُمُ الْهَوَانَ لأَكْتُبَنَّ إِلَى خَلِيفَتِكُمْ غِشَّكُمْ وَقِلَّةَ نُصْحِكُمْ، فَقَالُوا: لا سمع منك يا بن الْمَحْدُودَةِ1 وَبَادَرُوهُ يَرْمُونَهُ بِالْحَصَى، فَنَزَلَ وَاقْتَحَمَ دَارَ مَرْوَانَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، فَحَفَّ بِهَا النَّاسُ فَرَمَوْهُ وَشَتَمُوهُ، ثُمَّ أَنَّهُمْ كَفُّوا، ثُمَّ إِنَّ آلَ حَسَنٍ حُمِلُوا فِي أَقْيَادِهِمْ إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ وَهَمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ دَارِ مَرْوَانَ جَرَتْ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لا تُحْفَظُ لِلَّهِ حُرْمَةٌ بَعْدَ هَؤُلاءِ، وَأُخِذَ مَعَهُمْ أَخُوهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتُ الْحُسَيْنِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ وَأَهْلَ بَيْتِهِ يَخْرُجُونَ مِنْ دَارِ مروان
1 وفي تاريخ الطبري "7/ 537"، "لا نسمع منك يابن المحدود".
وَهُمْ فِي الْحَدِيدِ فَيُجْعَلُونَ فِي الْمَحَامِلِ عُرَاةً لَيْسَ تَحْتَهُمْ وِطَاءٌ1 وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ رَاهَقْتُ الاحْتِلامَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي -وَأُخِذَ مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ نَفْسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ، فَأَرَاهُمْ بِالرَّبَذَةِ مُلْتَفِّينَ فِي الشَّمْسِ- وَسُجِنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فَوَافَى الْمَنْصُورَ الرَّبَذَةَ مُنْصَرِفًا مِنَ الْحَجِّ، فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ مِنَ الْمَنْصُورِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فَامْتَنَعَ، ثُمَّ دَعَانِي الْمَنْصُورُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ عَمُّهُ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ الْمَنْصُورُ: لا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، أَيْنَ الْفَاسِقَانِ ابْنَا الْفَاسِقِ، فَقُلْتُ: هَلْ يَنْفَعُنِي الصِّدْقُ يا أمير المؤمنين؟ قال: وما ذاك؟ قلت: امرأتي طالق وعلي وإن كُنْتُ أَعْرِفُ مَكَانَهُمَا، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنِّي، وَأَقَمْتُ بَيْنَ الْعِقَابَيْنِ، فَضَرَبَنِي أَرَبَعَمِائَةِ سَوْطٍ، فَغَابَ عَقْلِي وَرُدِدْتُ إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ أُحْضِرَ الدِّيبَاجُ وَهُوَ محمد بن بن عَبْدِ اللَّهِ الْعُثْمَانِيُّ فَسَأَلَهُ عَنْهُمَا فَحَلَفَ لَهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَجَعَلَ فِي عُنُقِهِ غِلا فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْنَا وَقَدْ لَصَقَ قَمِيصَهُ عَلَى جِسْمِهِ مِنَ الدِّمَاءِ، ثُمَّ سُيِّر بِنَا إِلَى الْعِرَاقِ. فَأَوَّلُ مَنْ مَاتَ بِالْحَبْسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ أخوه حسن، ثُمَّ مَاتَ حسن بعده فصلى عَلَيْهِ الديباج، ثم مات الديباج فَقُطِعَ رَأْسُهُ وَأُرْسِلَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ لِيَطُوفُوا بِهِ بِخُرَاسَانَ وَيْحِلُفوا أَنَّ هَذَا رَأْسُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوهِمُونَ النَّاسَ أَنَّهُ رَأْسُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن حسن الذي يَجِدُونَ فِي الْكُتُبِ خُرُوجَهُ فِيمَا زَعَمُوا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ.
وَقِيلَ: لَمَّا أُتِيَ بِهِمُ الْمَنْصُورُ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَسَنٍ فَقَالَ: أَنْتَ الدِّيبَاجُ الأَصْفَرُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّكَ قَتْلَةً مَا قُتلها أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، ثُمَّ أَمَرَ بِاسْطُوَانَةٍ فَنُقِرَتْ، ثُمَّ أُدْخِلَ فِيهَا ثُمَّ شُدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ قَتَلَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الدِّيبَاجَ وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ. قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ فِي الْحَبْسِ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ إِلا بِأَجْزَاءٍ كان يقرؤها علي بن الحسن.
1 الوطاء: المهاد الوطئ، والفراش اللين.