الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملحوظتان:
الأولى: أنه مما أستحثنى على إيراد حديث الترجمة أننى لما أطلعت أحد الإِخوة الكرام على فكرة "تبيض الصحيفة" -وفيها هذا الحديث- فذكر لى أنه كان يظنه صحيحًا، فهممت بإيراده في القسم الأول منه، لكن لم تتوافر لدَىَّ مادة تخريجه، حتى أنى نسيت قائله، وهذا من لطف ربى الخفى، فقد يَسَّر الله عز وجل تجميع طرقه المرفوعة والموقوفة، ورزق شركتنا المباركة كتاب ابن أبي الدنيا القيم "إصلاح المال" نعم، وانكشف وهاؤه عن وهب والحسن، فـ:(ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن).
الثانية: أن الحديث بتمامه بقيت له طرق لم أتعرض لها، وإنما كان مدار البحث حول قطعة:"حسن السؤال نصف العلم" وحدها. والله أعلم.
ثم وجدت في "تاريخ دمشق" لأبى زرعة الدمشقى (598) وعنه ابن عساكر (7/ 645): "حدثنى محمود بن خالد قال: حدثنا مروان بن محمد أنه سمع سعيد بن عبد العزيز يقول: قال سليمان بن موسى: حسن المسألة نصف العلم". وإسناده صحيح رجاله ثقات، وسعيد ثقة إمام "اختلط بأخرة، لكنه هنا يحدث عن شيخه رأسًا، فلا يخشى من تغيره إن شاء الله.
الحديث الثامن والستون:
" حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة".
ضعيف. رواه الإِمام أحمد (5/ 342) وعنه الحاكم (4/ 310) وعنه البيهقي في "الشعب"(3/ 3/ 128) وابن أبي عاصم في "الزهد"(158) والطبراني في "الكبير"(3/ 291)(8) و "مسند الشاميين"(963) -كما قال محققه عن أبي عبيد الحضرمى - يعنى شُرَيحا - أن أبا مالك الأشعرى لما حضرته الوفاة،
(8) ولفظه فيه: "حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الآخرة حلوة الدنيا" وهذا تكرار لا معنى له، فلا أدرى من المتسبب فيه؟ .
قال: "يا معشر الأشعريين، ليبلغ الشاهد منكم الغائب، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ". فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإِسناد". ووافقه الذهبي قال الألباني: "وهو كما قالا". وقال الهيثمى (10/ 249): "رواه أحمد والطبراني، ورجاله ثقات". وقال السلفي: "حديث صحيح. رواه أحمد (5/ 342) والحاكم (4/ 310) والبيهقي وابن عساكر. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال في المجمع
…
" إلخ، ولم يشر إلى الإِشكال الذى في لفظ الطبراني.
وقال محقق "زهد ابن أبي عاصم" الشيخ عبد العلى الأعظمي وَحْده: "شريح بن عبيد الحضرمي، ثقة. قال ابن أبي حاتم (الصواب: عن أبيه، أو: قال أبو حاتم): روايته عن أبي مالك مرسلة
…
".
قلت: وفي جميع ما تقدم نظر، لا سيما قول مصححيه. نعم، رجاله ثقات كلهم، لكن رواية شريح بن عبيد أبي عبيد الحضرمى ظاهرة الانقطاع. قال أبو حاتم -كما تقدم-:"شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعرى مرسل" كما في "المراسيل" لابنه (رقم 327 ب). وذكر العلائى في "جامع التحصيل"(283) أبا مالك -في صحابة آخرين- رواية شريح عنهم مرسلة. وفي ترجمة شريح من "تاريخ دمشق"(8/ 63) وحكاه الحافظ في "التهذيب"(4/ 328 - 329): "وسئل محمد بن عوف فقيل له: هل سمع شريح بن عبيد عن أبي الدرداء؟ فقال: لا. فقيل له: فسمع من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: ما أظن ذلك، وذلك أنه لا يقول في شيءٍ: سمعت، وهو ثقة". وأورد الحافظ أيضًا قول الآجرى عن أبي داود: لم يدرك سعد ابن مالك
…
حتى حكى قول ابن أبي حاتم عن أبيه: لم يدرك أبا أمامة ولا
…
ولا
…
، وهو عن أبي مالك الأشعرى مرسل. ثم قال: "وإذا لم يدرك أبا أمامة الذى تأخرت وفاته، فبالأولى أن لا يكون أدرك أبا الدرداء، وإنى لكثير التعجب من المؤلف (يعنى: المزى) كيف جزم بأنه لم يدرك من سمى هنا (يعنى: سعدًا والصعب بن حثامة وأبا ذر وكعب الأحبار)، ولم يذكر
ذلك في المقداد، وقد توفى قبل سعد بن أبي وقاص وكذا أبو الدرداء وأبو مالك الأشعرى وغير واحد ممن أطلق روايته عنهم، والله الموفق" يعنى بذلك قول المزى: "روى عن ثوبان وأبى الدرداء و
…
وأبى مالك الأشعرى
…
وروى عن سعد بن أبي وقاص والصعب بن جثامة وأبى ذر الغفارى وكعب الأحبار، ولم يدركهم". مع العلم بأن أبا مالك رضى الله عنه توفى سنة ثمانى عشرة كما في "التقريب" (8336) أى قبل جميع الذين استثناهم المزى بكثير. وقد ذكر ابن عساكر (8/ 64) أنه وجدت شهادة شريح في كتاب قضاء تاريخه سنة (108) وحكاه عنه الحافظ في "التهذيب" أما الشيخ الألبانى حفظه الله، فتارة كان يتنبه لهذا الانقطاع ويتعقب من أَغفله، وتارة لا. فمن أمثلة الأول، أنه أورد في "الضعيفة" (1510) حديث: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال
…
" الحديث، من طريق شريح عن أبي مالك، وقال: "قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع بين شريح - وهو ابن عبيد الحضرمي المصرى (كذا، والصواب: الحمصى أو: المقرائى) وأبى مالك الأشعرى، فإنه لم يدركه كما حققه الحافظ في "التهذيب"، فكأنه ذهل عن هذه الحقيقة حين قال في "بذل الماعون" (25/ 1):"وسنده حسن؛ فإنه من رواية إسماعيل ابن عياش عن الشاميين، وهى مقبولة".
ومن أمثلة الثانى، أنه أورد في "الصحيحة" (225) حديث:"إذا ولج الرجل بيته، فليقل: ..... " وقال: "وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات
…
وشريح هو ابن عبيد الحضرمى الحمصى، ثقة، فالسند كله شامى حمصى". وقال في "صحيح الجامع" (1/ 156) -تحت حديث: "إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إنى أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركه وهداه
…
" الحديث: "حسن"، مع أنه من طريق شريح عن أبي مالك الأشعرى أيضًا. وقد أرسلت إلى الشيخ رسالة مع الأخ على الحلبى أسأله عن تحسين هذا
الحديث، وحديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء مرفوعًا:"من صَلَّى عَلَىَّ حين يصبح عشرًا وحين يمسى عشرًا، أدركته شفاعتى يوم القيامة" لأننى كنت تابعت الشيخ على هذا التحسين -وحَسَّن الأول أيضًا: ابن القيم وعبد القادر الأرنؤوط- ثم رجعت عنهما لتحققى من الانقطاع في إسناديهما دون الاهتداء إلى ما يجبره، فلم يجبنى أحد، ولا أدرى أوصلت الرسالة أصلًا إلى الشيخ أم لا؟ .
(أما) الشيخ حمدى السلفى -عفا الله عنه- فصحح الحديث، وجاء عند حديث: "إذا ولج الرجل
…
" (3/ 296)، فقال: "فإن صح سماع شريح من أبي مالك، فالحديث صحيح" مع أن الشيخ الألبانى -وهو لا يكاد يخالف قوله- صححه كما تقدم. وترك -قبله- ثلاثة عشر حديثًا، - وبعده- تسعة أحاديث بنفس الإِسناد لم يذكر فيها هذا الاستثناء، وإنما أعلها- بمحمد بن إسماعيل بن عياش، مع أن في الإِعلال به نظرًا وتفصيلا ليس هذا محله. (ويعلم) الله عز وجل أننى -حتى وقتٍ قريبٍ جدًا- كنت أعتقد صحة هذا الحديث لوقوفى على تصحيحه في عدة مراجع، حتى قدر تبارك وتعالى أن أقرأ تخريجه في "الصحيحة" فإذا به مروى بهذا الإِسناد، ثم وجدته -بعد ذلك- موقوفا، فاهتبلت الفرصة لإِيراده في هذه السلسلة المباركة إن شاء الله تعالى تنبيها للإِخوان والأحباب وإفادة. نسأله تعالى التوفيق والقبول.
(فقد) صح من قول طاووس بن كيسان اليمامى التابعى الجليل رحمه الله، صاحب ابن عباس -رضى الله عنهما- كما رواه ابن أبي شيبة (13/ 537) - وعنه أبو نعيم (4/ 12) -:"حدثنا يحيى بن أبي بكير (*) قال: حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن طاووس عن أبيه، قال: "حلو الدنيا مُرُّ الآخرة، ومر الدنيا حلو الآخرة". وإسناده صحيح. والله أعلم.
(*) في الأصل: "يحيى بكثير" وهو خطأ صوابه: "ابن أبي بكير".
الحديت التاسع والستون:
" خذوا للرأس ماءً جديدًا".
ضعيف جدًا. رواه الطبراني (2/ 260 - 271) من طريق أسد بن عمرو عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه مرفوعًا به. قال في "الضعيفة"(995): "قلت: وهذا سند ضعيف جدًا، دهثم قال الحافظ ابن حجر: "متروك". وقال الهيثمى في "المجمع" (1/ 234): "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه دهثم بن قران ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات". قلت: وذكره ابن حبان في "الضعفاء" أيضًا وقال (1/ 290): "كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ويروى عن الثقات أشياءً لا أصول لها. قال ابن معين: لا يكتب حديثه". قلت: وهذا معناه أنه متروك كما قال الحافظ، وهو قول ابن الجنيد. ومثله قول أحمد:"متروك الحديث". وقال النسائى: "ليس بثقة". ونمران بن جارية مجهول لا يعرف كما قال الذهبي والعسقلاني
…
". وأسد بن عمرو -وهو البجلى الكوفى- مختلف فيه اختلافًا كثيرًا، والأشبه أنه صدوق في الحديث، إنما طعنوا فيه من أجل الرأى.
(ويغنى) عن هذا الحديث، حديث عبد الله بن زيد- في صفة وضوء النبي صلى الله عليه واله وسلم-، وفيه:"ومسح برأسه بماء غير فضل يديه". وهو حديث صحيح، رواه مسلم وغيره. وفي رواية شاذة المتن:"فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذى لرأسه". وقد خرجهما الشيخ حفظه الله عقب الحديث المتقدم، ولكن الأمر انقلب عليه، فقال في الرواية التى قرر وأثبت أنها محفوظة وأورد لها متابعات: "فهو شاهد قوى لرواية الجماعة يؤكد شذوذ رواية الثلاثة، وعليه، فلا يصلح شاهدًا لهذا الحديث الشديد الضعف، ولا نعلم في الباب غيره، على أنها لو كانت محفوظة لم تصلح شاهدًا له، لأنه أمر، وهو بظاهره يفيد الوجوب بخلاف الفعل كما هو ظاهر
…
" إلخ. هذا، ولم أكن قد تفطنت لذلك إطلاقًا حين أردت أن أستعين بتخريج الشيخ لحديث
الترجمة، فرأيت لزامًا عَلَيَّ أن أبين الأمر (9).
(وقد) صح هذا الكلام مقطوعًا على مصعب بن سعد رحمه الله ابن الصحابى الجليل سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه، فيما رواه ابن أبي شيبة (1/ 21) وعبد الرزاق (2/ 10) -واللفظ له- عن إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة قال: سمعت مصعب بن سعد -وسأله رجل فقال: أتوضأ وأغسل وجهى وذراعى فيكفينى ما في يدى لرأسى أو أحدث لرأسى ماءً؟ -قال: "لا، بل أحدث لرأسك ماءً" ولفظ ابن أبي شيبة -باختصار القصة-: "خذ لرأسك ماءً جديدًا". وأورد آثارًا فعلية عن جماعة من الصحابة. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: بفضل وجهك تمسح رأسك؟ (كذا). قال: لا، ولكن أغمس يدى في الماء وأمسح بهما ولا أنفضهما، ولا أنتظر أن يجف الذى فيهما من الماء، وإنى لحريص على بل الشعر". وبالله التوفيق.
الحديث السبعون:
" رُبَّ معلم حروف أبي جاد، دارس في النجوم، ليس له عند الله خلاق يوم القيامة"(10).
(9) ثم إن الشيخ استمر على هذا، فبنى عليه تضعيف هذا الحديث الصحيح، لحديث آخر حسَّنه عن الربيع بنت معوذ في "صحيح أبي داود" وفي تحسينه نظر ليس هذا محله.
(10)
وروى بحشل في "تاريخ واسط"(ص 206) عن قرة المزنى مرفوعا: "تعلموا أبا جاد- ويل لعالم يجهل تفسير أبي جاد". وهذا باطل، فيه الحسن بن شبيب ابن راشد المكتب، قال ابن عدى:"حدث عن الثقات بالبواطيل، وأوصل أحاديث هى مرسلة"، عن محمد بن زياد وهو اليشكرى الطحان الميمونى الرقى، كذاب يضع الحديث. ثم وجدت في "فردوس الأخبار" (2068) عن ابن عباس مرفوعا: تعلموا: أبجد وتفسيرها، وويل لعالم جهل تفسيرها. ألف: الله وإلى الله وحرف من أسماء الله، والباء، فبهاء الله، والجيم فجنة الله، والدال فدين الله". وقال الحافظ في "التسديد":"أسنده عن ابن عباس". وقال محققاه: "ذكره =
واه جدًّا، كأنه موضوع. رواه الطبراني (11/ 41) من طريق خالد بن يزيد العمرى نا محمد بن مسلم نا إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس مرفوعًا به. وجزم الألبانى حفظه الله بوضعه، فقال في "الضعيفة" (417):"قلت: خالد هذا كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الأثبات". وقال الهيثمى في "المجمع" (5/ 117) بعد أن عزاه للطبرانى: "وفيه خالد بن يزيد العمرى، وهو كذاب". قلت: ومع ذلك فقد أورد حديثه هذا السيوطى في "الجامع"! وتعقبه المناوى بما نقلته عن الهيثمى. ثم قال: "ورواه عنه أيضًا حميد بن زنجويه" اهـ. قلت: وعزاه -مع الطبراني- للديلمى أيضًا. فكأن العمرى هذا وقع له الحديث موقوفا، فتعمد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما الصحيح وقفه.
(فقد) رواه الخرائطى في "مساوئ الأخلاق"(781) والبيهقى في "السنن"(8/ 139) من طريق محمد بن يوسف الفريابى عن الثورى عن ابن طاووس عن أبيه عنه -في قوم يكتبون أبا جاد (11) وينظر في النجوم-، قال:"ما أرى لمن فعل ذلك عند الله تبارك وتعالى من خلاق". وإسناده صحيح على شرط مسلم. والله أعلم.
= الكنانى في تنزيه الشريعة المرفوعة بزيادة: فيها الأعاجيب (يقصدان: بعد: جهل تفسيرها) قال: لم يبين علته، وفيه محمد بن يزيد (كذا والصواب: زياد كما فيه) اليشكرى، ومن طريقه أيضًا أخرجه ابن فنجويه في كتاب المعلمين، إلا أنه جعله من حديث أنس 1/ 226 اهـ. قلت: فهذا من تلون ذاك الوضاع، مرة يرويه عن قرة، ومرة عن ان عباس، ومرة عن أنس على أن راويه عنه - في حديث قرة - هالك أيضًا.
(11)
وأبو جاد، من أبجد. وهى أولى الكلمات الست (أبجد، هوز، حطى، كلمن، سعفص، قرشت، التى جمعت فيها حروف الهجاء بترتيبا عند الساميين قبل أن يرتبها "نصر بن عاصم الليثى" الترتيب المعروف. أما (ثخذ، ضظغ، فحروفها في أبجدية اللغة العربية. قاله محقق "تاريخ واسط" وأحال على "المعجم الوسيط" (1: 1).
الحديث الحادى والسبعون:
" الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال. ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدى الله، وأن وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أُصِبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك".
ضعيف جدًا. رُوى من حديث أبي ذر وأبى الدرداء.
أولًا: حديث أبي ذر:
رواد الترمذى (2340) -واللفظ له- من طريق محمد بن المبارك الصورى، وابن ماجه (4100) وابن عدى (5/ 1769) ص طريق هشام بن عمار قالا: ثنا عمرو بن واقد حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عنه مرفوعًا به. وزاد ابن ماجه: "قال هشام: قال أبو إدريس الخولاني: يقول: مثل هذا الحديث في الأحاديث، كمثل الإِبريز في المذهب".
وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله. وعمرو بن واقد منكر الحديث" اهـ. قلت: وقال الحافظ (5132): "متروك".
ثانيًا: حديث أبي الدرداء:
رواه الطبراني في "الأوسط" وعنه أبو نعيم (9/ 303): "حدثنا موسى ابن عيسى بن المنذر ثنا محمد بن المبارك ثنا عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني عنه مرفوعًا بنحوه. وقال الهيثمى (10/ 286): "وفيه عمرو بن واقد وقد ضعفه الجمهور، وقال محمد بن المبارك: كان صدوقًا، وبقية رجاله ثقات" اهـ. قلت: وموسى بن عيسى بن المنذر - وهو الحمصى شيخ الطبراني - واه. قال الحافظ رحمه الله في "اللسان"(6/ 126 - 127): "وكتب النسائى عنه، فقال: حمصى لا أحدث عنه شيئًا، ليس هو شيئًا". قلت: فكأن التخليط في تسمية الصحابى من قِبَله هو، فقد رواه الحافظ الدارمي رحمه الله عن محمد بن المبارك -عند الترمذى- فجعله من مسند
أبي در كما تقدم. وهذا هو الأشبه، وإلا فعمرو بن واقد هالك في الضعف، فلا يبعد من مثله أكثر من ذلك. وتعيين محل الخلل في مثل هذه الحالة لا جدوى من ورائه، فإن رفع الحديث وهم، (وإنما) صح هذا الكلام من قول أبي مسلم الخولانى من رواية يونس بن حَلْبَس عنه، ومن قول يونس نفسه أيضًا.
1 -
فروى الإِمام أحمد في "الزهد"(ص 18) من طريق خالد بن صبيح حدثنا يونس بن حلبس قال: قال أبو مسلم الخولاني: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، إنما الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يدى الله أوثق مما في يديك، وإذا أصبت بمصيبة كنت أشدَّ رجاءً لأجرها وذخرها من أنها لو بقيت لك". وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وخالد بن صبيح هو: خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح أبو هاشم الدمشقي قاضي البلقاء، ثقة من رجال "التهذيب".
2 -
وروى ابن الأعرابي في "الزهد وصفة الزاهدين"(ص 20) وعنه البيهقى في "الشعب"(2/ 3/ 156 ب) عن أبي داود الحرانى وفي (3/ 3/ 102 أ) من طريق ابن أبي الدنيا كلاهما عن أبي مسلم الحرانى، قال: حدثنا مسكين بن بكير، عن محمد بن المهاجر، عن يونس قال:"ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا بإضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن يكون حالك في المصيبة، وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون ذامك ومادحك في الحق سواء". وإسناده جيد رجاله ثقات، وأبو مسلم الحرانى اسمه: الحسن بن أحمد بن أبي شعيب - من شيوخ مسلم - ومسكين بن بكير صدوق لكنه يخطئ في حديث شعبة خاصة (انظر الحديث الخمسين من هذا الكتاب). فإن لم يكن قَصَّر في إسناده، فالأثر ثابت من قول يونس بن ميسرة ومن روايته عن أبي مسلم. وهما من أجلة تابعي أهل الشام، إلا أن أبا مسلم - واسمه: عبد الله بن ثُوَب- قديم، رحل إلى النبي صلى الله عليه. وآله وسلم فلم يدركه.
(والحديث) -مرفوعا- ضعَّفه الألبانى جدًا في "ضعيف الجامع"(3/ 201 - 202) وأحال على "تخرج المشكاة"(5301). وقال ابن عبد ربه الأندلسى في "العقد الفريد"(2/ 259) -كما كان مقيدًا عندى وفطنت إليه بعدُ-: "العتبى يرفعه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما الزهد في الدنيا؟ قال: أمَا إنه ما هو بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك". وهذا إسناد لا قيمة له، معلق من أوله معضل في آخره، والعتبى أخبارى مشهور لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا سوى قول الذهبي في "السير" (11/ 96):"وكان يشرب".
الحديث الثانى والسبعون:
" الساكت عن الحق شيطان أخرس".
لم أقف له على أصل صحيح ولا ضعيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا موقوفًا على أحد من الصحابة أو التابعين ومتقدمي السلف رضوان الله عليهم، ولا رأيت أحدًا من المصنفين في "الأحاديث المشهورة" تعرض له بنفى أو إثبات، على الرغم من اشتهاره جدًا في أيامنا هذه. ومن طالع الصحف الجادَّة بانتظام وجد كثيرًا من المقالات قد صُدِّر بها هذا الكلام، وألصق بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم إلصاقًا بصيغة الجزم! سواء من أصحاب العمائم البيضاء أو غيرهم من أهل الفضل والصلاح، ومن الذين يظن بهم أنهم على قدر من الثقافة الإسلامية والتمييز العلمى.
نعم، المصدر الوحيد الذى وجدت فيه هذا الكلام، هو "الرسالة القشيرية" للإِمام أبي القاسم القشيرى رحمه الله إذ قال (ص 62: باب الصمت): "
…
والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال. سمعت الأستاذ أبا على الدقاق يقول: من سكت عن الحق، فهو شيطان أخرس".
وأبو على الدقاق هذا هو: "الحسن بن على بن محمد بن إسحاق بن
عبد الرحيم بن أحمد أبو على الدقاق الأستاذ الشهيد كما قال الحافظ الجليل عبد الغافر ابن إسماعيل الفارسى كما في (المنتخب من السياق ترجمة 481)، وقال: "لسان وقته، وإمام عصره، نيسابورى الأصل، تعلم العربية، وحصل علم الأصول، وخرج إلى مرو، وتفقه بها على الخضرى، وبرع في الفقه، وأعاد على الشيخ أبي بكر القفال المروزى في درس الخضرى. ولما استمع إلى ما يحتاج إليه من العلوم، أخذ في العمل، وسلك طريق التصوف، وصحب الأستاذ أبا القاسم النصراباذى، وكان لا يستند على شئ كأنه يعود نفسه ترك الرفاهية
…
" إلى أن قال: "توفى في ذى الحجة سنة خمس وأربعمائة". وأورده ابن الجوزى في وفيات سنة (412) من "المنتظم" (8/ 7)، وقال: "
…
كان يعظ ويتكلم على الأحوال والمعرفة" ثم ساق له بعض أقواله وإشاراته. وقال الذهبى في "العبر" (2/ 212) - وفيات (406) -: "الزاهد العارف شيخ الصوفية" وله تراجم أو ذكر في كتب أخرى ذكرها مُحشى "المنتخب"، منها: مرآة الجنان، وطبقات الشافعية الكبرى، وتبيين كذب المفترى -لابن عساكر- والشذرات والنجوم الزاهرة وتذكرة الحفاظ.
أقول: ولا عجب أن يُصير الناس كلام هذا الصوفى الزاهد وبعد قرابة ألف عام -حديثًا نبويًا ولا يملك أحدٌ أن يبرز له إسنادًا أو يثبت له مصدرًا من مصادر الحديث، فقد افتريت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث شتى لا يعرف العلماء لها قائلًا - أصلًا - ولا إسنادًا، منها:
* خير الأسماء ما عبد وما حمد.
* الخير فِىَّ وفي أمتى إلى يوم القيامة.
* لو أحسن أحدكم الظن بحجر لنفعه!
* علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل.
* المغرب جوهرة فالتقطوها.
* لو اطلعتم على الغيب لرضيتم بالواقع.
* قصوا اللحى ووفروا الشوارب! ! إى والذى لا إله إلا هو.
* إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج.
* لا تسيدونى في الصلاة.
* الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. والبعض يقول: كما تأكل البهيمة الحشيش.
* حالفنى الشباب وخالفنى الشيوخ.
وغيرها كثير كثير. وطائفة منها، قد ذكرها العلماء المصنفون في "الأحاديث المشتهرة على الألسنة" كالأئمة السخاوى والسيوطى والهيتمى المكى وابن الديبع والعجلونى وملا على القارى والفتنى وغيرهم. وكثير منها أيضًا ظهر في الآونة الأخيرة، ولم يُرَ في كتاب. نسأل الله السلامة. والأدهى والأمر أن بعض الخطباء وغيرهم ممن يعدون من دعاة السنة - يزعمون أن بعضها في "البخارى" أو "مسلم"! لا أدرى كيف؟ فاللهم سلم سلم. وقد بلغنى عن أحدهم في كلام له عن مسألة:"السيادة": "حديث: قولوا: اللهم صل على محمد
…
إلخ، وحديث: لا تسيدونى في الصلاة كلاهما في "البخارى"
…
"! ! ! .
وصدق المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "يقبض العلم، ويظهر الجهل
…
" الحديث. وفي آخر: "إن بين يدى الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج". وما أحسن قول أحدهم:"وجدت جميع العلوم في ازدياد إلا علم الدين، فعلمت أنه المقصود في الحديث" أو كما قال رحمه الله. ولقد صرنا في زمان لا يدرى فيه كثير من المسلمين معنى: "سواك" و "خمار"! ! ويظن أكثر منهم أن ركعتى راتبة العشاء البعدية هى هى ركعتا الشفع! ! ولقد فهم بعض المساكين من كلام للإمام النووى في القدح في صحة زيادة: "وبركاته" في التسليمة الأولى، أن استعمالها يبطل الصلاة! ! فلما ووجه بأن علماء آخرين صححوا الزيادة أصر ووقع فيهم ولم يرجع وزعم أنه متفقه في الدين، فلما امتحنه الأخ الناصح أن يبين له معنى كلمة:"سؤر" في الفقه، أجابه: هذه كلمة أنت اختلقتها من
عندك، ولى كذا وكذا من السنين أتفقه أو قال: أصلى فلم أسمع بهذه الكلمة! ! "يا حسرةً على العباد". اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا بما ينفعنا، وارزقنا علمًا تنفعنا به. اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ونعوذ بك من علم لا ينفع. آمين (12).
الحديث الثالث والسبعون:
" الصائم في عبادة ما لم يغتب".
ضعيف، رُوِى من حديث أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وسلمان ابن عامر.
أولًا: حديث أبي هريرة:
رواه ابن عدى (5/ 1922) من طريق الحسين بن منصور (كذا)، ثنا عبد الرحيم بن هارون أبو هشام الغسانى ثنا هشام بن حسان عن محمد (هو ابن سيرين) عنه به. وقال الدارقطني في "العلل" -وحكاه عنه ابن الجوزى
(12) وفاجأنى أحد الإخوة بأنه وجد حديث "الساكت عن الحق شيطان أخرس" في "الجواب الكافى" للامام ابن القيم رحمه الله، وأنه في "مسند الإمام أحمد" وأنه خرجه من سنتين أثناء تحقيقه للكتاب، وأن علته إما:"باذام أبو صالح" أو الانقطاع، وذلك بعد أن أريته ما سطرت عن هذا الحديث، فنزل علَىَّ قوله كالصاعقة. فكلفت أحد الكرام بإحضار الكتاب، فإذا ابن القيم يقول:(ص 136) -حكاية عن الشيطان أعاذنا الله منه-: "ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم، وهو قبالة الملك
…
" حتى قال: "ويكون لكم في هذا الثغر أمران عظيمان، لا تبالون بأيهم ظفرتم: أحدهما: التكلم بالباطل، فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم. والثانى: السكوت عن الحق: فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس كما أن الأول أخ ناطق، وربما كان الأخ الثانى أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح: المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس؟
…
" أسأل الله لى ولأخى هذا أن يغفر زلاتنا، ويستر عوراتنا، ويؤمن روعاتنا. إنه سميع عليم.
في "العلل المتناهية"(887): "روى عبد الرحيم بن هارون
…
" فذكره بزيادة: "مسلمًا أو يؤذيه" قال: "ووهم فيه. والصحيح عن هشام عن حفصة عن أبي العالية من قوله غير مرفوع". قلت: وعبد الرحيم متروك يكذب كما قال الدارقطني كما في "سؤالات البرقاني له" (315). وأسنده أيضًا الديلمى عن أبي هريرة كما في "تسديد القوس" للحافظ رحمه الله. حكاه عنه محققًا "الفردوس" (3641).
وقال المناوى في "الفيض"(4/ 232): "وفيه عبد الرحيم بن هارون.
قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: يكذب. والحسن بن منصور. قال ابن الجوزى في العلل: غير معروف الحال وقال ابن عدى: حديث منكر". قلت: لعل ابن الجوزى قال ذلك في ابن منصور في غير هذا الحديث، فإنى لم أرَ فيه سوى كلام الدارقطني المتقدم. ولفظ ابن عدى - بعد أن ساق لعبد الرحيم هذا سبعة أحاديث-: "وهذه الأحاديث التى ذكرتها يحدث بها عبد الرحيم، عن ابن أبي رواد وهشام بن حسان وعطية، وله غير ما ذكرت، ولم أرَ للمتقدمين فيه كلاما، وإنما ذكرته لأحاديث رواها مناكير عن قوم ثقات" اهـ. قلت: والظاهر أنه لم يبلغه قول أبي حاتم الرازى رحمه الله: "هو مجهول لا أعرفه" كما في "الجرح"(5/ 340)، وفيه:"وكتب لأبى رحمه الله إبراهيم بن أورمة بخطه عن شيخ بسامرا يقال له إبراهيم بن جابر المروزى (13) عن عبد الرحيم بن هارون نحو ورقة، فلم يأته ولم يسمع منه" اهـ. ثم وجدت: "الحسن بن منصور" في "ذيل الميزان"(295): وأورد له الحديث من رواية ابن عدى ثم قال: "قال ابن القطان: الحسن بن منصور غير معروف الحال".
(13) إبراهيم هذا ترجم له الخطيب (6/ 52) وأورد له عن عبد الرحيم حديثا منكرًا رُوِى عن أبي الدرداء موقوفًا. وحكى عن أحمد بن الحسين الصوفى قوله: "وكان ثقة".
ثانيًا: حديث ابن عباس:
ذكره الديلمي-الأب- في "الفردوس"(3642) بلفظ: "الصائم في عبادة من حين يصبح إلى حين يمسى، إذا قام قام، وإذا صلى صلى، وإذا نام نام، وإذا أحدث، ما لم يغتب، فإذا اغتاب خرق صومه".
وقال الحافظ في "تسديد القوس": "أسنده -يعنى ولده- عن ابن عباس" حكاه محققًا "الفردوس". وسكت عليه المناوى في "الفيض". وتفرد الديلمى مظنة الضعف أو الوهاء، لا سيما وفي هذه الرواية من الزيادات ما ليس في غيرها. فالله أعلم.
ثالثًا: حديث أنس:
ذكره في "الفردوس"(3640)، بلفظ:"الصائم في عبادة، وإن كان نائمًا على فراشه". وفي حاشيته عن "التسديد": "أسنده من رواية موسى ابن جابان عن أنس". وقال المناوى (4/ 231): "وفيه محمد بن أحمد بن سهيل، قال الذهبى في "الضعفاء": قال ابن عدى: ممن يضع الحديث" اهـ. قلت ولفظه في "الميزان"(3/ 455): "قال ابن عدى: هو أبو الحسن المؤدب، أصله واسطى، كتبت عنه، وهو ممن يضع الحديث" اهـ. وموسى ابن جابان لم أره إلا في "الإكمال"(2/ 11) للأمير الحافظ ابن ماكولا رحمه الله، وقال:"وموسى بن جابان، حدث عن لقمان بن عامر، حدَّث عنه ميسرة بن عبد ربه، وميسرة غير ثقة، ولا يعرف موسى بن جابان إلا به" اهـ. فلا أدرى أهو هذا أم لا؟ . ثم وجدت في "ذيل الميزان"(243): "جابان، ويقال: موسى بن حابان. عن أنس بن مالك. قال الأزدى: متروك الحديث وروى له من حديث بقية ثنا محمد بن الحجاج ثنا جابان عن أنس مرفوعًا: خمس خصال تفطر الصائم
…
إلخ، قال:"أورده صاحب الحافل، وقال: بقية ومحمد بن الحجاج كان يجب أن يخرج الموصلى من عهدتهما" اهـ.
قلت: لا عيب لبقية سوى التدليس وقد صرح بالسماع من شيخه، وصرح شيخه بالسماع من جابان. وما أظنه أسقط أحدًا بين جابان وأنس، فإنه يدلس التسوية أحيانًا. وشيخه هو الحمصى، قال الأزدى -أيضًا- "لا يكتب حديثه" كما في "الميزان"(3/ 510).
رابعًا: حديث سلمان بن عامر:
رواه تمام في "فوائده"(18/ 172 - 173): "أخبرنا أبو بكر يحيى بن عبد الله ابن الزجاج قال: ثنا أبو بكر محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن: ثنا هاشم بن أبي هريرة الحمصى عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن سلمان بن عامر الضبى مرفوعًا: "الصائم في عبادة، وإن كان راقدًا على فراشه".
كما في "الضعيفة"(653). قال الشيخ الألمانى حفظه الله: "وهذا سند ضعيف، يحيى الزجاج ومحمد بن هارون لم أجد من ذكرهما. وبقية رجاله ثقات غير هاشم بن أبي هريرة الحمصى، ترحمه ابن أبي حاتم (4/ 2/ 105) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قال: "واسم أبي هريرة: عيسى بن بشير". وأورده في "الميزان" وقال: "لا يعرف". قال العقيلى: منكر الحديث". ثم ذكره من رواية الديلمى عن أنس -بنحو ما تقدم- حتى قال: "وقد رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 303) من قول أبي العالية موقوفا عليه بزيادة. "ما لم يغتب". وإسناده صحيح، فلعل هذا أصل الحديث موقوف، أخطأ بعض الضعفاء فرفعه. والله أعلم" اهـ.
قلت: هاشم بن أبي هريرة مختلف فيه، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، (7/ 585، 9/ 242)، وقال في الموضع الأول:"يروى عن ضمرة بن حبيب، روى عنه عمرو بن الحارث". وقال في الثانى: "يروى عن أبيه وضمرة بن حبيب. روى عنه أهل الشام وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقى". ومع ذلك، فالأقرب في حقه، قول العقيلى، ولفظه -كما في "الضعفاء الكبير" له (4/ 343) -: "عن أبيه، عن يحيى بن سعيد، منكر الحديث. وهو
وأبوه مجهولان بالنقل" اهـ. لكن أبوه، قال أبو حاتم: "صالح، يكتب حديثه" كما في "الجرح" (6/ 272)، وفيه: "عيسى بن بشر". أما شيخ تمام -يحيى بن عبد الله بن الزجاج-، فقد ترجم له ابن عساكر (18/ 147)، وذكر روايته عن جماعة منهم: أبو بكر محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال، وختم ترجمته بما رواه بإسناده إلى تمام أنا أبو بكر يحيى بن عبد الله بن الحارث بن الزجاج الشيخ الثقة بحديث ذكره (ولم يسق لفظه ولا بقية إسناده).
(وأما) محمد بن هارون فهو ثقة معروف تكلمنا عنه عند الحديث السادس والستين بما يغنى عن أعادته ههنا. وبالله التوفيق.
(أما) موقوف أبي العالية الذى صححه الشيخ حفظه الله، فالذى في "الزهد" (ص 303):"حدثنا عبد الله بن مندل أنبأنا فضيل بن عياض عن هشام بن (كذا، والصواب: عن) حفصة عن أبي العالية قال: "فذكره. وفي هذا الإِسناد إشكال -عندى-، فإنى لم أقف على راوٍ يدعى:"عبد الله ابن مندل"، وإنما ذكر الحافظ المزى رحمه الله في ترجة عبد الله ابن الإمام أحمد من "تهذيب الكمال" (14/ 287) -ضمن شيوخه-:"عبد الله بن صندل"، وهذا لم أقف له على أثر في مكان آخر. فالله أعلى وأعلم، ويكون سقط من الإِسناد قول القطيعى:"حدثنا عبد الله" كما يتكرر في جميع الأسانيد ثم وجدت الرجل في "تعجيل المنفعة"(ص 225)، وتعقب الحافظ قول الحسينى إنه مجهول برواية جماعة عنه وإذن الإِمام أحمد لابنه في الكتابة عنه وعلى كلٍ، (فالأثر) صحيِح: قطعًا، إذ رواه ابن أبي شيبة (3/ 4) من طريق سفيان الثورى -باختصار آخره- وعبد الرزاق (4/ 307) وهناد (1201) عن أبي أسامة ثلاثتهم عن هشام بن حسان عن حفصة عن أبي العالية به. زاد عبد الرزاق:"فكانت حفصة تقول: يا حبذا عبادة وأنا نائمة على فراشى. قال هشام: وقالت حفصة: الصيام جنة ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة". وإسناده صحيح غاية. وقول حفصة -بنت سيرين- الأخير رُوِى مرفوعًا ولم
يثبت، ولعلى أتعرض له في موضع آخر. إن شاء الله.
(وروى) عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن كعبًا قال: "الصائم في عبادة ما لم يغتب". ورجاله ثقات لكنه منقطع (14).
الحديث الرابع والسبعون:
" الصلاة خدمة الله في الأرض، فمن صلى ولم يرفع يديه فهى خداج. هكذا أخبرنى جبريل عن الله عز وجل بكل إشارة درجة وحسنة".
ضعيف جدًا. رواه الديلمى، قال الحافظ:"أسنده عن ابن عباس" كما في حاشية "الفردوس"(2/ 563). وقال المناوى في "الفيض"(4/ 247): "وفيه أحمد بن على بن حسنويه شيخ الحاكم، قال الذهبى: متهم بالوضع. وشبابة بن سوار أورده الذهبى في "الضعفاء" وقال أحمد: كان داعية إلى الإِرجاء. وورقاء اليشكرى لينه القطان" اهـ.
قلت: لا يُعَلُّ إلا بابن حسنويه هذا، قال الذهبى في "الميزان" (1/ 121):"قال الخطيب: لم يكن بثقة. قلت: قيل: حدث عمن لم يدركه كمسلم والقدماء. قال الحاكم: لو اقتصر على سماعاته الصحيحة كان أولى به. حدَّث عن جماعة أشهد بالله أنه لم يسمع فهم، ولا أعلم له حديثًا وضعه، ولا إسنادًا ركبه". وزاد الحافظ في "اللسان"(1/ 223) كلامًا للحاكم قال في آخره: "وهو في الجملة غير محتج بحديثه". ومما زاده قول الأصم: هذا الحسنوى يدعى أنه سمع معى من الربيع وابن عبد الحكم، والله ما رأيته عندهما قط ولا رأيته بمصر، وإنما رأيته بعد رجوعى من مصر. وقول حمزة السهمى: "وسألت أبا زرعة محمد بن يوسف الجرجانى الكشى عنه، فقال: هو
(14) أما حديث: "نوم الصائم عبادة" فضعيف. انظر "فيض القدير"(6/ 290 - 291) و "تخريج الإِحياء"(667) و "ضعيف الجامع"(6/ 17).
كذاب" قلت: فالرجل ضعيف جدًا -على أحسن أحواله-، وياليتنى ظفرت بإسناد الديلمى كله، فقد يكون في الطريق إليه ما يوجب التوقف عن إلصاق البلاء به. أما الإِعلال بشبابة بن سوار، وورقاء بن عمر المدائنيين فغير جيد ولا صحيح، فإنهما ثقتان حافظان، قد يهمان في الشئ بعد الشئ كسائر البشر، وإنما تُكلم في رواية ورقاء عن منصور خاصةً، والمناوى -عفا الله عنه- لم يبين لنا عمن رواه. هذا، وقد اختصر الحافظ كلام الحاكم في شيخه ابن حسنويه، فلينظر بتمامه في "الأنساب" (2/ 222 - 223) و "تاريخ دمشق" (2/ 21 - 22).
(أما) هذا المتن، ففيه صنعة ظاهرة، وقوله:"فمن صلى ولم يرفع يديه فهى خداج"، يذكرنى بحديث:"من رفع يديه في الصلاة، فلا صلاة له"! الذى وضعه أحد متعصبى الحنفية أخزاه الله. وقاتل الله العصبية والاحتراق اللذين صيَّرا كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألعوبة في أيدى وأرجل هؤلاء الحمقى، ومضغة في أفواههم. على أن الإِشارة في الصلاة عند الركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أنكرها فكأنما أنكر الشمس في رابعة النهار، ومن تركها فاته خير كثير، وحسبه مخالفته لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"صلوا كما رأيتمونى أصلى". وقوله: "من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما قدَّم من عمل" صححه ابن حبان.
(أما) الشطر الأول من هذا الحديث، فإنما هو ثابت من قول ثابت بن أسلم البنانى التابعى الجليل الزاهد صاحب أنس رضى الله عنه، فقد روى ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(14) والبغوى في "الجعديات"(1433، 1434) - إلا أنه فرقه على الموضعين بتقديم وتأخير- وأبو نعيم (2/ 320) من طرق عن سيار عن جعفر بن سليمان قال: سمعت ثابتًا يقول: الصلاة خدمة الله في الأرض، ولو علم شيئًا أفضل من الصلاة، ما قال:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} . وإسناده حسن. ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(455: آل عمران) من طريق عبد الله بن أبي بكر
المقدمى، ثنا جعفر به نحوه. والمقدمى واهٍ. ورواه أيضًا ابن المنذر - في "تفسيره".- كما في "الدر"(2/ 21).
و(أما) القطعة الأخيرة من الحديث، فثبت معناها عن عقبة بن عامر الجهنى المصرى الصحابى الجليل رضى الله عنه، فقد روى الطبراني في "الكبير" (17/ 297) من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن ابن لهيعة حدثنى ابن هبيرة أن أبا المصعب مشرح بن هاعان المعافرى حدَّثه أنه سمع عقبة بن عامر الجهنى يقول:"إنه يكتب في كل إشارة يشيرها الرجل بيده في الصلاة بكل إصبع حسنة أو درجة". قال الهيثمى (2/ 103): "وإسناده حسن" اهـ. وقد استدل به الإِمام أحمد رحمه الله. انظر "التمهيد"(9/ 224 - 225) وهو كما قال رحمه الله، فإن أبا عبد الرحمن المقرئ -واسمه عبد الله بن يزيد - أحد العبادلة - وهم أشهر قدماء أصحاب ابن لهيعة الذين حدثوا عنه قبل أن يكثر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كتبه على حد قول الحافظ الذهبى رحمه الله في "تذكرة الحفاظ"(1/ 238). وقد صرح ابن لهيعة أيضًا بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه فيما ذهب إليه ابن حبان رحمه الله، وهو ما لم يتحرر لى بعد. فالله أعلى وأعلم.
الحديث الخامس والسبعون:
" طوبى لمن مات في النأنأة".
لا يعرف مرفوعًا. ذكره الديلمى في "الفردوس"(3741) عن أبي بكر الصديق بزيادة: "قيل: وما النأنأة؟ قال: جدة الإِسلام وبدؤها". وذكر محققاه عن الحافظ في "تسديد القوس" أنه قال: "ابن ماجه عن أبي بكر الصديق". وأن الديلمى -الابن- قال في "المسند": "هو من كلام أبي بكر الصديق رضى الله عنه". قلت: وكلامه بتمامه- كما حكاه عنه المتقى الهندى في "كنز العمال"(11/ 264): "رواه ابن ماجه -ثنا على بن محمد والحسين بن إسحاق قالا: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن طارق ابن شهاب عن أبي بكر- انتهى. قال: "وليس في النسخ الموجودة الآن من
"سنن ابن ماجه" ولا ذكره أصحاب الأطراف، فلعله في بعض الروايات التى لم تصل إلى هذه البلاد أو في غير "السنن" من تصانيف ابن ماجه كالتفسير وغيره" اهـ.
قلت: المتضح أن أبا منصور الديلمى حكم على الحديث الذى أورده والده -مرفوعا-، بأنه من كلام الصديق رضى الله عنه -موقوفًا عليه- ولم يذكر ذلك بإسناده هو، ولكن عزاه لابن ماجه بالإِسناد المذكور إلى أبي بكر. فإن ثبت عنه، فهو إسناد صحيح غاية. ثم إنه لا إشكال في خلو النسخ الموجودة من "سننه" منه، لأنه أثر موقوف ليس من شرط الكتاب أصلا، فالظاهر أنه في تصنيف آخر له. والله أعلم.
(ثم) إنه قد تابع وكيعا على هذا الإِسناد، ثلاثة آخرون من الثقات الحفاظ فيما وقفت عليه، هم:
1 -
الإِمام ابن المبارك في "الزهد"(281) قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد به. وزاد: "فسألت طارقًا عن النأنأة؟ قال: أراه عنى في جدة الإِسلام أو قال: بدء الإِسلام".
2 -
مروان بن معاوية الفزارى كما رواه أبو عبيد في "غريب الحديث"(2/ 6) عنه به، إلا أنه عنعنه. وهو قد رمى بالتدليس.
3 -
عبدة بن سليمان الكلابى الكوفى عند أبي نعيم (1/ 33) من طريقه عن إسماعيل به، ولفظه:"طوبى لمن مات في النانات، قيل: وما النانات؟ قال: جدة الإِسلام". وإسناده جيد.
فائدة: قال أبو عبيد: "أما المحدثون فلا يهمزونه؛ وقال الأصمعى: هى النأنأة -مهموزة، ومعناها: أول الإِسلام؛ قال: "إنما سمى بذلك لأنه كان قبل أن يقوى الإِسلام؛ ويكثر أهله وناصره، فهو عند الناس ضعيف، وأصل النأنأة: الضعف، ومنه قيل: رجل نأنأ - إذا كان ضعيفًا، وقال امرؤ القيس يمدح رجلًا:
لعمرك ما سعد بخُلَّه آثم
…
ولا نأنأ عند الحفاظ ولا حصر
قال أبو عبيد: ومن ذلك قول على رضى الله عنه لسليمان بن صرد - وكان تخلف عن يوم الجمل ثم أتاه بعد-، فقال له على: تنأنأت وتربصت وتراخيت، فكيف رأيت الله صنع. قوله: تنأنأت - يريد: ضعفت واسترخيت. قال الأموى عبد الله بن سعيد: يقال: نأنأت الرجل- إذا نهنهته عما يريد وكففته عنه، كأنه يعنى أنى حملته على أن ضعف عما أراد وتراخى. وقال غير هؤلاء من أهل العلم: إنما سمى أول الإِسلام النأنأة لأنه كان والناس ساكنون هادئون لم تهج بهم الفتن ولم تشتت كلمتهم، وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، يقول: لم يقو التشتت والاختلاف والفتن، فهو ضعيف لذلك" اهـ.
قلت: وأثر على المذكور، ذكر مُحشى "الغريب" إسناده، فقال:"قال: حدثنيه ابن مهدى عن أبي عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر [عن أبيه] عن عبيد بن نضلة عن سليمان بن صرد. الحديث في الفائق 3/ 60" اهـ قلت: وهذا إسناد صحيح جليل. والله أعلم.
الحديث السادس والسبعون:
" غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها، والمائد فيه كالمتشحط في دمه".
ضعيف، رُوى من حديث عبد الله بن عمرو، وأبى الدرداء، وأبى أمامة، وعائشة، ومن مرسل علقمة بن شهاب القشيرى.
أولًا: حديث ابن عمرو:
رواه الحاكم (2/ 143) -واللفظ له- وابن شاهين في "الترغيب"(436) والبيهقى في "السنن"(4/ 334 - 345) و "الشعب"(8/ 151 - 152) وابن بشران في "الأمالى"(27/ 117/ 1) -كما في "الضعيفة"(1230) -
من طرق عن عبد الله بن صالح حدثني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن يسار (وعند البيهقي: سعيد بن يسار) عنه به. وزاد غير الحاكم - في أوله -: "حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج، وغزوة
…
" الحديث.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخارى ولم يخرجاه". وقال الذهبي (خ) يعنى: "على شرط البخارى". وقال المنذرى في "الترغيب"(2/ 512): "وهو كما قال، ولا يضر ما قيل في عبد الله بن صالح؛ فإن البخارى احتج به". وقال المناوى في "الفيض"(3/ 374): "وسنده لا بأس به". وقال الشيخ الألباني حفظه الله في "صحيح الجامع"(4/ 67): "صحيح". وقال في تخريج "فقه السيرة"(ص 228): "حديث صحيح. أخرجه الحاكم (2/ 143) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: "صحيح على شرط البخاري" ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وإعلال المناوى له تبعًا لابن الجوزى بأن فيه خالد بن يزيد، يروى الموضوعات عن الأثبات خطأ فاحش، لأن خالدًا هذا، لا ذكر له في سند الحديث عند الحاكم، فالظاهر أنه عند غيره ممن خرج الحديث. وبعد وروده من طريق آخر صحيح، لا يضره رواية أحد المتهمين له" اهـ.
قلت: يعنى ما رواه ابن حبان في "المجروحين"(1/ 28) وعنه ابن الجوزى في "العلل"(949) من طريق خالد بن يزيد العمرى قال: نا الثورى عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن (15) يسار عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. وقال ابن الجوزى: "هذا حديث لا يصح، قال ابن حبان: خالد بن يزيد يروى الموضوعات عن الأثبات".
قلت: والعجب من المناوى عفا الله عنه، إذ حكى كلام ابن الجوزى-
(15) تصحفت عند ابن الجوزي إلى: "عطاء بن دينار".
عند رواية الحاكم - في "الفيض"(4/ 401). وقال- في رواية الطبراني والبيهقي من نفس الوجه -: "وسنده لا بأس به" كما تقدم. نعم، العمرى كذاب (16)، والثابت عن الثورى وقفه كما يأتى، ولكن لم يتفرد برفعه وإن كان الرفع ضعيفًا مرجوحًا. وقد تفطن الألبانى لضعف الحديث، فقال في "الضعيفة" - بعد أن أورد تصحيح الحاكم فمن بعده -:"وفي كل ذلك نظر، فإن ابن صالح فيه كلام كثير، وقد قال الحافظ فيه: "صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة". قلت: وصفه بأنه: "ثبت في كتابه"، فيه نظر. انظر للحافظ نفسه، "هدى السارى"(ص 434) و "التهذيب"(5/ 259 - 260).
أما محقق "الشعب"، فقال:"إسناده: لا بأس به وفيه من لم نعرفه"! يقصد ما وقع له من تسمية الراوى عن عبد الله بن صالح: "محمد بن عمرو" قال الراوى عنه: "يعنى ابن نافع" ومحمد هذا ذكره المزى ضمن الرواة عن عبد الله بن صالح (15/ 100) ونسبه: "المَعَدَّل". وجاء في "السنن" بنفس الإِسناد: "محمد بن عمرو بن خالد" وهو الحرانى، من شيوخ الطبراني، ولم أقف فيه على جرح ولا تعديل بل لم أعرف عنه سوى أن الطبراني روى عنه في "الصغير" وسائر "معاجمه". فلعل قوله:"عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار" وهم منه أو من غيره. فالله أعلم.
ثانيا: حديث أبي الدرداء:
رواه ابن ماجه (2777) وابن عدى (6/ 2399) من طريق هشام بن عمار، ثنا بقية عن معاوية بن يحيى، عن ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعًا: "غزوة في البحر مثل عشر غزوات
(16) والراوى عنه - أحمد بن عبد المؤمن المروزى نزيل مصر مختلف فيه، فوثقه ابن حبان. وقال ابن يونس: رفع أحاديث موقوفة. وقال مسلمة: ضعيف جدًا. وسكت عنه ابن أبي حاتم، لكن إلصاق البلاء بالعمرى أولى.
في البر، والذى يسدر في البحر كالمتشحط في دمه في سبيل الله". قال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 397):"هذا إسناد ضعيف لضعف معاوية بن يحيى وشيخه ليث بن أبي سليم".
وقال الشيخ الألباني: "وهذا إسناد واهٍ مسلسل بالعلل:
الأولى: ليث بن أبي سليم، وكان اختلط.
الثانية: معاوية بن يحيى، وهو الصدفى، ضعيف.
الثالثة: بقية، وهو ابن الوليد، وكان يدلس عن الضعفاء والمجهولين" اهـ. قلت: يؤخذ عليهما- رحمهما الله- معًا أمر اشتركا فيه، وهو الجزم بأن معاوية بن يحيى هو الصدفى، كما صرح به الألبانى، وهو مقتضى إطلاق البوصيرى أيضًا، وإنما هو أبو مطيع الأطرابلسى المُوَثَّق لأمور:
الأول: أن الإِمام ابن عدى إنما أورده في ترجمته من "الكامل".
الثانى: أن الحافظ المزى رحمه الله ذكر في ترجمة ليث من "التهذيب"(ق 1155) رواية أبي مطيع عنه، وذكر في ترجمة أبي مطيع (ق 1348) روايته عن ليث ولم يفعل ذلك في الصدفى.
الثالث: أن الصدفى ذكر له المزى خمسة شيوخ فقط - على سبيل الحصر- ليس الليث أحدهم.
وأخص الشيخ الألبانى عفا الله عنه بملاحظتين:
الأولى: سكوته عن هشام بن عمار- على خلاف عادته-، أما البوصيرى فلا تثريب عليه لأنه يمشيه.
الثانية: إعلال الإِسناد بعنعنة بقية، وقد صرح عند ابن عدى بالتحديث، وشيخه ثقة. وكان من اليسير على الشيخ حفظه الله- بوسائل شتى- أن يعلم أن ابن عدى قد روى الحديث أيضًا. نعم، احتمال تسوية بقية قائم، لكن الشيخ لا يقصد إلا تدليس الإِسناد.
ثالثًا: حديث أبي أمامة:
رواه أيضًا ابى ماجه (2778) والطبراني (8/ 200 - 201) من طريق قيس بن محمد الكندى ثنا عفير بن معدان الشامى عن سليم بن عامر عنه مرفوعًا، ولفظه: "شهيد البحر مثل شهيدى البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر. وما بين الموجبتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله عز وجل وكل ملك الموت لقبض الأرواح، إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم
…
" الحديث.
قال البوصيرى: "هذا إسناد ضعيف: عفير بن معدان المؤذن ضعفه أحمد وابن معين ودحيم وأبو حاتم والبخارى والنسائى وغيرهم".
وقال الألبانى في "الإِرواء"(1195) - وقد ضعفه جدًا-: "وهذا إسناد فيه علتان:
الأولى: عفير بن معدان، قال ابن أبي حاتم (3/ 36/2) عن أبيه:"ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمناكير، ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته". وأورده الذهبى في "الضعفاء" وقال: "مجمع على ضعفه، قال أبو حاتم: لا يشتغل به". قلت: وبه أعله البوصيرى في "الزوائد"(ق 173/ 1)، وخفيت عليه العلة التالية: والأخرى: قيس بن محمد الكندى لم يوثقه أحد سوى ابن حبان، ومع ذلك فقد أشار إلى أنه لا يحتج به لا سيما في روايته عن عفير فقال:"يعتبر حديثه من غير روايته عن عفير بن معدان" اهـ.
رابعًا: حديث عائشة:
رواه سعيد بن منصور في "سننه"(2400) عن أبي الحريش القصار قال: أنا ابن أبي ليلى عن رجل عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: لو كنت رجلًا لم أجاهد إلا في البحر، وذلك أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:"من أصابه ميد في البحر كالمتشحط في دمه في البر". وهذا إسناد ضعيف فيه:
أ- أبو الحريش القصار، لم أرَ أحدًا ذكره سوى السمعانى رحمه الله، فقال: عند نسبه "القصار" من "أنسابه"(5/ 507): "هذه النسبة إلى قصَارة، والمشهور بها: أبو حريش القصار". فلم يذكر عن اسمه ولا حَاله شيئًا. نعم، ترجم أبو أحمد الحاكم في "الكنى"(ق 126 ب - 127 أ) لأبى الحريش من روايته عن زيد بن محمد العمرى، ورواية محمد بن الحسن الأسدى عنه، فلا أدرى أهو القصار. أم لا؟ .
2 -
وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن القاضى الكوفى، صدوق سئ الحفظ جدًا كما في "التقريب"(6081).
3 -
وشيخه- الراوى عن عائشة- مبهم لا يُدرى من هو.
خامسًا: مرسل علقمة بن شهاب القشيرى:
رواه عبد الرزاق (5/ 286) عن عبد القدوس عنه مرفوعًا: "من لم يدرك الغزو معى فليغز في البحر، فإن أجر يوم في البحر كأجر شهر في البر، وإن القتل في البحر كالقتلين في البر، وإن المائد في السفينة كالمتشحط في دمه
…
" الحديث.
وإسناده واه جدًا، عبد القدوس هو ابن حبيب الكلاعى، وهو متهم بالكذب، وعلقمة وثقه ابن حبان، وروى عنه أيضًا ابنه محفوظ وسعيد بن عبد العزيز. وقد رواه ابن المبارك في "الجهاد"(196) وعنه ابن عساكر (11/ 798) وابن أبي شيبة (5/ 314) عن وكيع كلاهما عن سعيد عن علقمة بغير هذا السياق، وليس فيه:"المائد في السفينة كالمتشحط في دمه" فهى منكرة من حديث علقمة مع ضعفه وإرساله.
(أما) الروايات الموقوفة، فقد ثبت الأثر- بنحوه - عن عبد الله بن عمرو، وكعب الأحبار، ورُوِى أيضًا عن مجاهد.
أ- أثر ابن عمرو، وقد جاء من وجهين عن عطاء بن يسار عنه الأول:
علقه البيهقي عن الثورى، ووصله عبد الرزاق (5/ 285) وابن أبي شيبة (5/ 315) عنه عن يحيى بن سعيد قال: أخبرنى مُخبر عن عطاء عنه قال: "غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر، ومن جاز البحر فكأنما جاز الأودية (زاد ابن أبي شيبة والبيهقى: كلها)، والمائد في السفينة، كالمتشحط في دمه". وهو عند ابن أبي شيبة بهذا الإِسناد مفرقًا على موضعين، فقال في الأول:"عن يحيى بن سعيد عمن سمع عطاء بن يسار" وفي الثانى: "أخبرنى محرز (كذا، والصواب: مخبر) عن عطاء بن يسار" ورجاله ثقات رجال الصحيح سوى الراوى عن عطاء، فإنه مبهم. وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 238) عن ابن وهب قال: أخبرونى عمرو بن الحارث عن يحيى ابن سعيد عن عطاء به، بإسقاط الواسطة - كالرواية المرفوعة. ورواية الثورى أصح بلا ريب. والله أعلم.
الثانى: رواه سعيد بن منصور (2395) عن ثقتين عن أبي حازم عن عطاء به. ولفظه: "غزوة في البحر تعدل عشرًا في البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر". وإسناده صحيح، فزيادة:"ومن جاز البحر فكأنما جاز الأودية كلها" تظل على ضعفها، لانتفاء شاهد لها في هذه الرواية الصحيحة.
2 -
أثر كعب: رواه سعيد (2399) عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر عن أبيه عن تبيع عنه قال: "إذا وضع الرجل رجله في السفينة خلَّف خطاياه خلف ظهره كيوم ولدته أمه، والمائد فيه كالمتشحط في دمه في سبيل الله، والصابر فيه كالملك على رأسه التاج". وإسناده حسن. والظاهر أنه - وسابقه - متلقى من صحف أهل الكتاب، فإن ابن عمرو رضى الله عنهما صح عنه أنه أصاب زاملتين من صحفهم يوم اليرموك، فكان يحدث بها.
3 -
أثر مجاهد: رواه عبدالرزاق عن ابن جريج قال: قال مجاهد: "غزوة
في البحر تعدل عشرًا في البر، والمائد في البحر كالمتشحط بدمه في سبيل الله". وإسناده منقطع، ابن جرج قال البرديجى: "لم يسمع من مجاهد إلا حرفًا واحدًا" كما في "التهذيب" (6/ 405).
تنبيهان: الأول: قوله - في رواية غير الحاكم لحديث ابن عمرو -: "حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج". لم أستوف طرق هذه اللفظة، لأن المقصد الأصلى كان متعلقًا بلفظ الترجمة وحده.
الثانى: أن ما رواه الحميدى (349) وأبو داود (2/ 7) وعنه البيهقي (4/ 335) وابن عبد البر وغيرهم من طريق مروان بن معاوية الفزارى ثنا هلال بن ميمون الرملى، عن يعلى بن شداد، عن أم حرام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"المائد في البحر الذى يصيبه القئ له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين". ولفظ الحميدى: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غزاة البحر، للمائد أجر شهيد، وللغرق أجر شهيدين، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال: اللهم اجعلها منهم. فغزت البحر فلما ركبت دابتها فسقطت فماتت". فرواته ثقات، لكن يغلب على الظن عدم اتصاله، فإن يعلى بن شداد بن أوس من الثالثة كما في "التقريب"(7843) - وهى طبقة أواسط التابعين. وأم حرام رضى الله عنها استشهدت في خلافة عثمان سنة سبع وعشرين، فهى قديمة الوفاة، ثم إن لها حديثًا في الغزو في البحر- متفق عليه- بغير هذا اللفظ. وأظن أبا حاتم رحمه الله تكلم في هلال بن ميمون من أجل روايته للحديث بهذا السياق، فقال ابنه عبد الرحمن:"سألت أبي عن هلال بن ميمون الفلسطيني، فقال: ليس بالقوى، يكتب حديثه" كما في "الجرح"(9/ 76).
بلى، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال النسائى: ليس به بأس. والرجل
مقل- فيما يظهر- فتفرده بهذه اللفظة المخالفة للثابت عن أم حرام رضى الله عنه، يوجب التوقف عن حديثه هذا، مع مراعاة ما في اتصاله من النظر. والله أعلم.
الحديث السابع والسبعون:
" قنت في صلاة الصبح، قال (القائل: أنس): فسمعْتُه يدعو في قنوته على الكفرة. قال: وسمعته يقول: "واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر".
منكر. رواه البزار (558) وأبو يعلى (7/ 268 - 269) - واللفظ له- من طريق حماد بن زيد، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(1/ 244) - مختصرًا- من طريق الحارث بن عبيد، حدثنا حنظلة بن عبد الله السدوسى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فذكره.
وقال البزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ عن أنس إلا من حديث حنظلة". وقال الهيثمى في "كشف الأستار": "قلت: القنوت في "الصحيح" خلا الدعاء". وقال في "المجمع"(2/ 139): "رواه أبو يعلى والبزار، وفيه حنظلة بن عبد الله (في الأصل: عبيد الله) السدوسى، ضعفه أحمد وابن المدينى وجماعة، ووثقه ابن حبان".
قلت: والصواب قول الجمهور. قال على بن المدينى: سمعت يحيى بن سعيد - وذُكِر حنظلة السدوسى-، فقال: قد رأيته وتركته على عمد. قلت ليحيى: كان قد اختلط؟ قال: نعم. وقال الميمونى عن الإِمام أحمد: ضعيف الحديث. وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حنظلة السدوسى، فقال: حنظلة - ومد بها صوته - ثم قال: ذاك منكر الحديث، يحدث بأعاجيب، حدَّث عن أنس، قيل: يا رسول الله: أينحنى بعضنا لبعض، وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو في القنوت، وعن شهر عن
ابن عباس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الفجر. وضعَّفه. وقال ابن معين: تغير في آخر عمره. وقال أيضًا: ضعيف. وفي رواية ابن الدورقي عنه: ليس حديثه بشئ. وقال أبو حاتم: ليس بقوى. وقال النسائى: ضعيف. وتناقض ابن حبان، فذكره أيضًا في "المجروحين"(1/ 267)، وقال:"اختلط بأخرة حتى كان لا يدرى ما يحدث، فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير، تركه يحيى القطان".
(ثم) وجدت للحديث لفظا آخر عن حنظلة، فرواه الحارث بن أبي أسامة (زوائده: 175) حدثنا العباس بن الفضل ثنا عبد الوارث عنه عن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة قنت بعد الركوع. فكان من دعائه: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يحادون رسلك، ويصدون عن سبيلك، وألقِ بينهم العداوة والبغضاء". والعباس بن الفضل- شيخ الحارث - هو البصرى العبدى الأزرق، وهو هالك. قال البخارى وأبو حاتم: ذهب حديثه. وقال ابن معين: كذاب خبيث. وضعَّفه ابن المدينى جدًا. وتساهل ابن حبان، فأدخله في "الثقات"(8/ 510 - 511)، وقال:"يخطئ ويخالف". ثم وجدته من حديث شعبة عن حنظلة عن أنس عند الخطيب (8/ 173) بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على هؤلاء". والمتن ثابت، واستغربه الخطيب من حديث شعبة عنه، وفيه الكديمى وهو متهم.
(والصحيح) - في هذا الحديث - وقفه على يحيى بن وثاب التابعى الثقة الجليل- رحمه الله كما رواه ابن أبي شيبة (10/ 443) عن أبي معاوية عن الأعمش عنه، قال: سمعته يقول في قنوته: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب. اللهم اجعل قلوبهم على قلوب نساءٍ كوافر". وإسناده صحيح. ورواية الأعمش عن يحيى في "الأدب المفرد" و"جامع الترمذي" و"سنن ابن ماجه". كما في ترجمة سليمان بن مهران الأعمش من "تهذيب الكمال"(12/ 80). (وقوله) - في رواية الحارث -: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب
…
" إلخ.
ثابت أيضًا عن الفاروق عمر رضى الله عنه في قنوته كما رواه عبد الرزاق (3/ 110 - 111) وابن أبي شيبة (2/ 314 - 315) والطحاوى (1/ 249 - 250) والبيهقى (2/ 210 - 211) من طرق أكثرها صحيح - مطولة ومختصرة -، أسوق اثنتين منها:
الأولى: رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه سمع عبيد ابن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت أنه كان يقول: "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذى لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد، ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق (17) " اهـ.
الثانية: روايته أيضًا عن معمر عن على بن زيد بن جدعان عن أبي رافع قال: صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح فقنت بعد الركوع، قال: فسمعته يقول: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلى ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكفارين (وفي النسخة ص: بالكفار) ملحق. اللهم عذب الكفرة، وألق في قلوبهم الرعب، وخالف بين كلمتهم، وأنزل عليهم رجزك وعذابك، اللهم عذب كفرة
(17) آثرت لفظ عبد الرزاق لأن ابن جريج صرح بالتحديث عن عطاء، فقد رواه ابن أبي شيبة - مختصرًا- والبيهقي من طريقه، ولم يصرح عندهما.
أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أوليائك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإِيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذى عاهدتهم عليه، وانصرهم على، عدوك وعدوهم إله الحق. واجعلنا منهم" وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف، كما في "التقريب" (4734) لكنه ثابت من مجموع طرقه.
وقد قال الإِمام النووى رحمه الله في "الأذكار"(ص 49): "قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان حسنًا، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: " فذكره بنحو الرواية الثانية. تم قال: "واعلم أن المنقول عن عمر رضى الله عنه: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب"، لأن قتالهم في ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب، وأما اليوم فالاختيار أن يقول: "عذب الكفرة"، فإنه أعم. وقوله: نخلع: أى نترك، وقوله: يفجرك، أى: يلحد في صفاتك، وقوله: نحفد - بكسر الفاء -، أى: نسارع، وقوله: الجِدّ- بكسر الجيم-، أى: الحق، وقوله: ملحق بكسر الحاء على المشهور، ويقال: بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم أى: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله: والحكمة، هى كل مانع من القبيح، وقوله: وأوزعهم: أى: ألهمهم، وقوله: واجعلنا منهم، أى: ممن هذه صفته
…
" إلخ.
قلت: وكذلك قال البيهقي (2/ 211): "وروينا عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرأ في دعاء القنوت: إن عذابك بالكفار ملحق - يعنى بخفض الحاء". وكذلك قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية"(4/ 238) - مادة (لحق) -: "في دعاء القنوت "إن عذابك بالكفار مُلحق" الرواية بكسر - الحاء: أى من نزل به عذابك ألحقه بالكفار. وقيل: هو بمعنى لاحق، لُغة في لَحَق. يقال: لحقته وألحقته بمعنىً، كتبعته وأتبعته. ويروى بفتح الحاء
على المفعول: أى أن عذابك يُلْحَق بالكفَّار ويصابون به" اهـ. وفيه رَدٌّ على الذين لا تستسيغ أذواقهم وعقولهم رواية اللفظة بكسر الحاء، تعللًا بأن: "المُلحِق" هو الله عز وجل! .
(وقد) ورد دعاء عمر مرفوعًا من طريق ضعيفة ومرسلة، ففى "مراسيل أبي داود"(89) و "سنن البيهقي"(2/ 210) من طريق معاوية بن صالح، عن عبد القاهر، عن خالد بن أبي عمران قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل، فأومأ إليه أن اسكت، فسكت، فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا، وإنما بعثك رحمة، ولم يبعثك عذابًا {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} قال: ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنما نستعينك
…
" الحديث، حتى قوله: "ملحق". وهذا إسناد ضعيف له علتان:
الأولى: جهالة عبد القاهر، وهو ابن عبد الله، ويقال: أبو عبد الله. قال الحافظ (4143): "مجهول".
الثانية: الإِرسال، بل الإِعضال في غالب الأمر، فإن خالد بن أبي عمران- وهو أبو عمر التجيبى التونسى قاضى إفريقية-، لم يذكر له المزى في "التهذيب"(8/ 142) رواية عن أحد من الصحابة سوى عبد الله بن الحارث ابن جزء، وسائر حديثه عن التابعين أمثال سالم بن عبد الله بن عمر، وسليمان ابن يسار وعروة وعكرمة ونافع وغيرهم. نعم، ذكر روايته عن عبد الله بن عمر، لكن قال:"ولم يسمع منه"(18).
(18) وهى رواية ابن المبارك (431) وعنه الترمذى (3502) وغيره عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد عن ابن عمر مرفوعًا بدعاء القيام من المجلس وهى رواية مرجوحة، فقد رواه بكر بن مضر- وهو ثقة ثبت - عن ابن زحر، ورواه ابن لهيعة عن خالد، وأبو صالح عن الليث عن خالد به - بإثبات نافع بين خالد وابن عمر، وهو الصحيح. ويحيى بن أيوب صدوق حسن الحديث، له بعض الأوهام =