الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثابت في نزول هذه الآية: ما رواه البخارى (4559) من طريق سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا" بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" فأنزل الله {ليس لك من الأمر شئ - إلى قوله - فإنهم ظالمون} . وروى أيضًا (4560) من طريق الزهرى عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال، إذا قال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد": "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسنى يوسف" يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: "اللهم العن فلانا وفلانا - لأحياء من العرب- حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية. وقد أورد الحافظ ابن كثير رحمه الله هذين الحديثين- بنحوهما- وغيرهما عند تفسير آل عمران (99) من "تفسيره" (1/ 402 - 403) وذكر عقب ذلك مناسبة أخرى لنزول الآية، فانظره إن شئت.
ملاحظات مختصرة:
الأولى: أن القنوت في النوازل من السنن المؤكدة عند أهل الحديث وجمهور الفقهاء.
الثانية: أنه لا يختص بصلاة الصبح وحدها، فقد ثبت ذلك -كما رأيت - وثبت أيضًا في الصبح والظهر والعشاء. فعله أبو هريرة ثم قال:"لأنا أشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وثبت أيضًا في الصبح والمغرب.
= والمناكير. والله أعلم.
رواه مسلم وغيره عن البراء. وثبت في الصلوات الخمس جميعها. رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما عن ابن عباس، وإسناده جيد.
الثالثة: أن قنوت عمر- رضى الله عنه- يسمى الشطر الثانى منه: السورتين - سورتى الخَلع والحَفد- قال ميمون بن مهران رحمه الله: "في قراءة أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق". وكذلك قال حماد بن سلمة رحمه الله: قرأنا في مصحف أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك
…
الأثر بنحوه. وأخرج ابن نصر عن ابن إسحاق قال: قرأت في مصحف أبي بن كعب بالكتاب الأول العتيق: بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد- إلى آخرها - بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق- إلى آخرها- بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس - إلى آخرها- بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك
…
الأثر وبوب على ذلك وغيره كثير، الإِمام السيوطى رحمه الله في "الدر":(ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد)(6/ 422: 420) فانظره. وللقنوت بالسورتين شأن عظيم عند كثير من السلف كما تراه في مصنفى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق و "قيام الليل" لابن نصر مع ما أحلنا عليه القارئ من نقول السيوطى. وبالغ بعض أهل الحديث في شأنه، فقال عبد الله ابن داود الخريبى الكوفى- رحمه الله:"من لم يقنت به بالسورتين، فلا يصلى خلفه" كما في "بداية المجتهد" لابن رشد رحمه الله (1/ 96).
الرابعة: أن الدعاء في قنوت النازلة لا يكون بالتشهى، ولا كيفما اتفق، يل باتباع الوارد الثابت - قدر الاستطاعة - ويتضمن لزاما الدعاء لقوم والدعاء على آخرين. لقول أبي هريرة في حديث البخارى المتقدم، وفي رواية ابن حبان:"كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو يدعو على قوم". ولقول أنس رضى الله عنه: "أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعى لقوم أو دعى على قوم". قال صاحب "التنقيح": "وسند هذين الحديثين صحيح، وهما نص في أن القنوت مختصٌ بالنازلة". وصححهما أيضًا الحافظ رحمه الله في "الدراية". انظر "الضعيفة" (3/ 387 - 388).
الخامسة: أن قنوت عمر رضى الله عنه، ورد عن غيره من الصحابة كعثمان وعلى بأسانيد لا تثبت.
(وبعد) فإن مما يؤسف له أن كثيرًا من الناس لا يفطنون - ومنهم من ينكر أن يكون المسلمون في نازلة الآن! والنوازل قد حاقت بالعالم الإِسلامى أجمع، فلم تكد بقعة منه تسلم. والمستمسكون بحبل الله ينالهم النصيب الأوفى من العذاب والتنكيل والتشريد والاعتقال والإِبادة كما لا يخفى على أحد.
فالدعاء لهؤلاء المستضعفين من المسلمين في السجود وقيام الليل والقنوت من أجلهم من أدنى الواجبات التى بمقدور الجميع أن يقدمها لهم فهى أخف على النفوس التى يضن أصحابها أن يشروها لبارئها تبارك وتعالى ظفرًا بجواره في جنة الخلد، فماذا بقى إذًا لم نبخل به؟ ! وقد قال المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم:"إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بصلاتهم ودعوتهم وإخلاصهم". وقال: "ابغونى في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". والمشاهد أن المسلمين الَان قد ألهتهم مطالب الحياة وتحصيل الدنيا والسعى من أجلها، واللهو واللعب فيها - بل قد أُلهوا عمدًا بناء على تخطيط خبيث كما يعلم الفطناء - عن التفكير في فك رقابهم - أولًا- واستنقاذ إخوانهم المنكوبين بالدعاء والدعوة والبذل، فمتى نفلح ونحن لا نعيش إلا من أجل أنفسنا؟ نسأل الحق تعالى أن يرزقنا الإيثار والكد لصالح هذا الدين والقنوت من أجل المعذبين المزلزلين في أرجاء الأَرض من أجل العقيدة وفي سبيل الحق العلى الكبير. آمين.
الحديث الثامن والسبعون:
" كان يَدَّهِنُ بالزيت غير المقتت عند الإِحرام".
منكر. رُوِى من حديث ابن عمر وابن عباس من نفس الوجه.
أولًا: حديث ابن عمر:
رواه الإِمام أحمد (2/ 29، 25، 59، 72، 145) وأبو عبيد في "الغريب"(1/ 226 - 227) وابن أبي شيبة (الجزء المفقود ص 398) والترمذى (962) من طرق عن حماد بن سلمة عن فرقد السبخى عن سعيد بن جبير عنه مرفوعًا به. وعند أبي عبيد: "عن الحسن أو سعيد بن جبير". وقال الترمذى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخى عن سعيد بن جبير، وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد السبخى، وروى عنه الناس". وكذلك أورده الذهبى في "الميزان"(3/ 346) في جملة ما استنكر عليه. وهو ضعيف، ضعفه الجمهور، ووثقه ابن معين- في رواية- وتكلم فيه في عدة روايات عنه. وقال الحافظ في "التقريب" (5384):"صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ".
ثانيًا: حديث ابن عباس:
رواه أبو نعيم (3/ 49) والبيهقى (5/ 58) من طريقين عن حماد بن سلمة به، عن ابن عباس. وقال البيهقي:"ورواه الأسود بن عامر شاذان عن حماد ابن سلمة عن فرقد عن سعيد عن ابن عمر". قلت: كأنه يجعل الاختلاف فيه من أبي سلمة الخزاعى- راويه عن حماد عنده -، وهو ثقة حافظ إمام، والأشبه أنه ممن دونه، فقد رواه الإِمام أحمد - في أحد المواضع المذكورة - عنه عن حماد كرواية الجماعة. أما راويه عن حماد عند أبي نعيم، فهو مسلم ابن إبراهيم الفراهيدى، رواه من ثلاث طرق عنه، فجعله أيضًا من مسند
ابن عباس، ومسلم ثقة حافظ لكن الوهم لا ينفك عنه بشر، لا سيما والجادة هى رواية ابن جبير عن ابن عباس، ثم وجدته في "الأخلاق" لأبى الشيخ (ص 150) من طريق مسلم عن حماد به على الصواب. على أن الحمل على فرقد أولى لأنه ضعيف كما تقدم.
(والصحيح) عن سعيد بن جبير وقف الحديث على ابن عمر رضى الله عنهما، فقد رواه ابن أبى شيبة أيضًا عن وكيع قال: ثنا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير عنه: "أنه كان يدهن بالزيت عند الإِحرام". وإسناده صحيح غاية، وهو على شرطهما. ثم وجدته اليوم عند البخارى (1357) - بزيادة -، فرواه عن محمد بن يوسف (وهو الفريابي) حدثنا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير قال:"كان ابن عمر رضي الله عنهما يدهن بالزيت" فذكرته لإِبراهيم (القائل: منصور) قال: ما تصنع بقوله؟ حدثنى الأسود عن عائشة رضى الله عنها قالت: "كأنى أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو محرم".
ثم روى (1539) من طريق الإمام مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإِحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت". وهو في "الموطأ"(1/ 328) وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 465) - عند قوله في الأثر "يدهن بالزيت": "أى عند الإِحرام بشرط أن لا يكون مطيبًا، كما أخرجه (19) الترمذى من وجه آخر عنه مرفوعًا، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة وهو أصح، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال: "لأن أطلى بقطران أحبُّ إليَّ من أن أتطيب ثم أصبح محرمًا". وفيه إنكار عائشة عليه، وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإِحرام كما سيأتى، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك. وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله
(19) واستدل على هذا الشرط- عفا الله عنه- دون أن يبين ضعف رواية الترمذي وإعلالها بفرقد مع مخالفته للثقات. فقد يفهم البعض من قوله: "وهو أصح" أنها ثابتة.
ابن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول: "لا بأس بأن يمس الطيب عند الإِحرام" قال: فدعوت رجلًا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي، فجاءنى رسولى فقال: إن عائشة تقول: لا بأس بالطيب عند الإِحرام فأصب ما بدالك. قال: فسكت ابن عمر. وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة، قال ابن عيينة:"أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال: قالت عائشة" فذكر الحديث، قال سالم: سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق أن تتبع". وقال- في قول إبراهيم لمنصور: "فقال: ما تصنع بقوله" يشير إلى ما بينته، وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل، ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنها مستغنى بها عن آراء الرجال وفيها المقنع". وانظر شرحه رحمه الله لحديث عائشة، وجوابه عن شبهات المخالفين له وتأويلاتهم حتى (ص 467). وانظر أيضًا روايات شتى لحديث عائشة في "جامع الأصول" لابن الأثير الجزرى رحمه الله (3/ 31: 35) بتعليقات الشيخ عبد القادر الأرنؤوط حفظه الله. وانظر أيضًا "التمهيد" للحافظ ابن عبد البر (19/ 296: 309).
الحديت التاسع والسبعون:
" لأن أمشى على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلى برجلى، أحبُّ إلَيَّ من أن أمشى على قبر مسلم، وما أبالى أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق".
ضعيف. رواه ابن ماجه (1567) من طريق المُحَارِبىِّ، عن (20) الليث
(20) هكذا بالعنعنة عنده، وجاء في "مصباح الزجاجة":"حدثنا الليث بن سعد". وما أراه صوابًا.
ابن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزنى، عن عقبة بن عامر مرفوعًا به. وهو في "الجامع الصغير"(7207) مرموزًا له بالضعف، وهو الحق، صح الرمز عن الإِمام السيوطى أم لم يصح، فهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، لكن عبد الرحمن بن محمد المحاربى مدلس، وقد عنعنه. وقد أورده الحافظ رحمه الله في "طبقات المدلسين"(80) في المرتبة الثالثة، وقال:"وصفه العقيلى بالتدليس". وقال في "التقريب"(3999): "لا بأس به وكان يدلس، قاله أحمد".
قلت: والأعدل في حقه قول الحافظ الذهبي رحمه الله في "الكاشف"(2/ 163): "ثقة يغرب"، فإنه أشبه بمجموع كلام النقاد فيه. ولكن الذى يخشى أن يكون قد دلسه عن مجروح مرغوب (21) عنه، ولم يسمعه هو من الليث، فإن طريق:"الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر رضى الله عنه"، مذكور عند أهل العلم بالحديث في:"أصح الأسانيد"، وخَصَّه بعضهم بالمصريين. فيبعد - بعد ذلك - أن يكون هذا الحديث من صحيح حديث الليث رحمه الله ثم يرغب عنه الشيخان، بل الأئمة الثلاثة: أبو داود والنسائى والترمذى، بل ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه"، بل الإمام أحمد في "مسنده"، بل الطبراني في "معجمه الكبير" - مع أنه جمع فيه أحاديث عقبة، فأوْعَى! وبعد ذلك يتفرد به ابن ماجه في "سننه" وهى أدنى الكتب الستة مرتبة، وأكثرها ضعيفًا. وغرائب ومناكير. أما احتمال فواته جميع الأئمة المتقدم ذكرهم، فهو بن البُعد بمكان! نعم، صحح الحديث غير واحد جريًا على ظاهر حال رجاله.
(21) ومن أجل التدليس، أورد له العقيلى في "الضعفاء"(2/ 347 - 348) حديثين أولهما رواه عن معمر، فأنكر الإمام أحمد أن يكون سمع منه، واستفظع الحديث. والثاني عن عاصم الأحول، واحتمل أن يكون المحاربى قد دلسه عن سيف بن محمد - ابن أخت سفيان-، وكان كذابًا.
1 -
فقال الحافظ المنذرى رحمه الله في "الترغيب"(4/ 721): "رواه ابن ماجه بإسناد جيد".
2 -
وقال الحافظ البوصيرى رحمه الله في "مصباح الزجاجه"(1/ 512): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات: محمد بن إسماعيل (يعنى ابن سمرة شيخ ابن ماجة) وثقه أبو حاتم والنسائى وابن حبان، وباقى رجال الإِسناد على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته. ولم يتفرد به محمد بن إسماعيل بن سمرة، فقد رواه أبو يعلى الموصلى في "مسنده": حدثنا حفص بن عبد الله أبو عمر الحلوانى حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى، فذكره بزيادة. وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه مسلم والنسائى وابن ماجه. ورواه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى من حديث أبي مرثد الغنوى" اهـ.
قلت: الحديثان المذكوران في الجلوس على القبر لا المشى عليه، ولا يشهدان لسائر الحديث.
أما حديث أبي هريرة، فلفظه عند مسلم (3/ 62):"لأن يجلس أحدكم على جمرة فتُحرِق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر".
وأما حديث أبي مرثد، فلفظه عنده:"لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها". وفي رواية: "لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا إليها". ولفظ الحديثين في "السنن" بنحو هذا أيضًا. والشيخان - وإن احتجا برجال هذا الإِسناد باستثناء شيخ ابن ماجه - إلا أنهما لم يخرجا للمحاربى (22) عن الليث
(22) ثم اكتشفت أنهما لم يحتجا به. قال الحافظ في "الهدى"(ص 439): "ليس له في البخارى سوى حديثين متابعة قد نبهنا على أحدهما في ترجمة زكريا بن يحيى أبي السكين وعلى الثانى في ترجمة صالح بن حيان. وروى لم الجماعة". قلت: لم أجد له سوى حديث واحد رواه له مسلم في "البيوع"(5/ 44 - 45) متابعة أيضًا. فالله أعلم.
ابن سعد شيئًا. والله أعلم.
3 -
وقال الشيخ الألبانى حفظه الله في "صحيح الجامع"(5/ 6): "صحيح" وقال في "أحكام الجنائز"(ص 209): "رواه ابن أبي شيبة (4/ 223) وابن ماجه
…
" كذا قال، وسيأتى أنه عند ابن أبي شيبة موقوفًا على عقبة، لا مرفوعًا كما يفهم من ظاهر صنيعه عفا الله عنه.
أما في "الإِرواء"(63) - فأورد إسناد ابن ماجه كله وقال: "وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، والمحاربى اثنان: عبد الرحمن بن محمد، وابنه عبد الرحيم، وهو المراد هنا. وكلاهما ثقة إلا أن الأب وصفه أحمد بالتدليس. والحديث قال المنذرى في "الترغيب" (4/ 189): "إسناده جيد". وقال البوصيرى في "الزوائد": "إسناده صحيح" اهـ (23) وفيه أمور:
الأول: أن عطفه رواية ابن ماجه على رواية ابن أبي شيبة يوهم أن الحديث عندهما معًا مرفوعًا أو موقوفًا، وليس الأمر كذلك. وهو عَين ما أخذه على الحافظ ابن حجر رحمه الله عند كلامه على حديث:"إياكم وهاتين الكعبتين"
…
" المتقدم في الرقم (61)، وتقدم لذلك وهم مماثل عند حديث: "الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها" المخرج في القسم الأول من الكتاب (20).
الثانى: قوله: "والمحاربى اثنان عبد الرحمن بن محمد وابنه عبد الرحيم، وهو المراد هنا". ولا أدرى ما حجته في ترجيح أن المحاربى المراد في هذا الإِسناد هو عبد الرحيم الابن لا عبد الرحمن الأب مع أن كل الدلائل تشير إلى ضد ذلك، فمنها:
(23) ثم وجدت الحافظ الذهبي رحمه الله رواه في ترجمة المحاربى من "السير"(9/ 138) من طريق على بن حرب الموصلى عنه، وقال:"إسناده صالح" اهـ فهذا دليل على أنه معروف بتفرده بهذا الحديث.
أن نسبة المحاربى إذا أطلقت لتبادر إلى الأذهان أنه: "عبد الرحمن بن محمد" وهو أشهر من ابنه بكثير عند المحدثين.
* وأن محمد بن إسماعيل بن سمرة - شيخ ابن ماجه - وعبد الرحيم بن عبد الرحمن المحاربى رغم تباعد سنتى وفاتيهما إلا أن كليهما من العاشرة. ومن المستبعد عادة أن يكون الرجل وشيخه من طبقة واحدة.
* وأن الناظر في ترجمة ابن سمرة من "تهذيب الكمال"(ق 1174) يجد أن الحافظ المزى رحمه الله ذكر روايته عن عبد الرحمن المحاربى لا ابنه.
* وأنه في ترجمة عبد الرحيم (ق 828) لم يذكر له رواية عن الليث، ولا رواية لابن سمرة عنه.
*وأنه في ترجمة الليث بن سعد (ق 1153) لم يذكر لعبد الرحيم رواية عنه.
* وأن الحافظ ابن حجر رحمه الله قال في ترجمة عبد الرحيم من "التهذيب"(6/ 307): "وعنه البخارى. وروى ابن ماجه عن أبي كريب عنه، وأبو بكر بن أبي شيبة
…
" فذكر جماعة على وجه الاستقصاء، لم يذكر فيهم ابن سمرة.
* وأن الحافظ البوصيرى رحمه الله بصدد بيان أن ابن سمرة لم يتفرد به عن شيخه - قال: "
…
فقد رواه أبو يعلى الموصلى في "مسنده": حدثنا حفص بن عبد الله أبو عمر الحلوانى حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى، فذكره بزيادة" كما تقدم عنه.
فكأن الشيخ- حفظه الله- استبعد أن يروى عبد الرحمن المحاربى (وهو من التاسعة، توفى 195) عن الإِمام الليث (من السابعة، توفى 175) مع قصر المدة بين وفاتيهما، فاكتفى بذلك. والحق أن أمر مراعاة الوفيات غير مطرد، فإن الشيخ قد يُعَمَّر فتتقارب سنة وفاته من سنى وفيات الرواة عنه. فالعبرة بالطبقات، وأن يكون بين الرجل وشيخه طبقتان في المعتاد، والأمر ههنا كذلك. على أن الشيخ - حفظه الله - قد توقف عن تصحيح حديث
فيه عنعنة المحاربى، وقال:"فلا أقل من أن يصلح للاستشهاد به" كما في "الصحيحة"(469). وصدق عفا الله عنه.
وبعد، (فالثابت) - إن شاء الله - أن هذا الحديث إنما هو من قول عقبة ابن عامر رضى الله عنه موقوفا عليه - لا من حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما رواه ابن أبي شيبة (3/ 338) بإسناد كالشمس عن شبابة (وهو ابن سوار المدائنى) عن الليث به، ولفظه:"لأن أطأ على جمرة أو على حد سيف حتى يخطف (كذا) رجلى أحب إلَىَّ من أن أمشى على قبر رجل مسلم. وما أبالى أفى القبور قضيت حاجتى أم في السوق بين ظهرانيه والناس ينظرون". ثم أعاده (3/ 339) مختصرًا، مقتصرًا على الشطر الثانى. وهذا إسناد صحيح متصل ليس فيه شبهة انقطاع أو تدليس، وشبابة رجحه الحافظ رحمه الله في "التقريب" (2733) على المحاربى إذ قال فيه:"ثقة حافظ، رمى بالإِرجاء" بينما قال في المحاربى: "لا بأس به" التى لا تفيد أكثر من أن من قيلت فيه حسن الحديث، مع أرجحية قول الذهبى فيه كما تقدم والإِسناد على شرط مسلم، فقد أخرج رحمه الله لشبابة عن الليث كما في "تهذيب الكمال"(12/ 344)، فإن كان احتجاجا، فهو كما ذكرت. فهذا ما أدانى إليه حبى وشغفى وفَهمى لهذا العلم الشريف فإنما احتكمت إلى قواعده وأصوله، وإذا ظهر لطالب علم صغير مثلى ما خفى على هؤلاء الشُمّ العوالى، فكان ماذا؟ ! اللهم إن كان هذا حقًا فبفضلك وحدك لا شريك لك. وإن كانت الأخرى فإنى أتوب إليك لا إلى فلان وفلان، فلك الملك، ولك الحمد.
الحديث الثمانون:
" للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله، وكافر يقاتله".
ضعيف جدًا. رُوِى من حديث أبي هريرة - من وجهين عنه -، وابن عمر، وأنس بنحوه بزيادة.
أولًا: حديث أبي هريرة:
الوجه الأول: رواه الديلمى من طريق صخر بن محمد الحاجبى أبي حاجب حدثنا خالد الواسطى عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل عنه مرفوعا به. أفاده محققا "الفردوس"(3/ 367) وصخر هذا هالك. قال الخليلى وابن طاهر: كذاب. وقال ابن عدى: حدَّث عن الثقات بالبواطيل. وقال الدارقطني: متروك الحديث. وقال- في موضع آخر -: يضع الحديث على مالك والليث ونظرائهما من الثقات. وبنحو ذلك قال الحاكم وأبو نعيم والنقاش. والحديث، قال في "ضعيف الجامع" (5/ 29):"ضعيف جدًا". وأحال على "فيض القدير". وفيه (5/ 292 - 293): "وخالد الواسطى مجهول، وحصين بن عبد الرحمن، قال الذهبى: نسى وشاخ. وقال النسائى: تغير". قلت: خالد هو ابن عبد الله ثقة حافظ (24)، فالمناوى رحمه الله ذهب وهمه إلى خالد بن يزيد الواسطى الذى قال فيه أبو حاتم: مجهول، وليس هو الراوى عن حصين.
الوجه الثانى: رواه تمام في "فوائده"(الروض البسام: 21) من طريق السرى بن عاصم: نا إبراهيم بن هراسة - وكان يحيى بن معين يقول: ثقة- نا أبو معشر المدنى عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عنه مرفوعًا به، ولفظه:"المؤمن موكل به أربعة: منافق يؤذيه، وفاسق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يكيده". قال محققه - حفظه الله -: "هذا حديث موضوع، السرى بن عاصم كذبه ابن خراش، وقال ابن معين: يسرق الحديث. واتهمه النقاش (لسان الميزان: 3/ 12)، وإبراهيم تركه البخارى، وأبو حاتم
(24) وهو ممن سمعوا من حصين قبل تغيره كما نص عليه الحافظ في "الهدى"(ص 417).
والنسائى، وكذبه أبو داود والعجلى (اللسان: 1/ 121 - 122). ولم أرَ من ذكر توثيق ابن معين له، وأظنه من أكاذيب السرى، والحديث لا ينفك عن وضع أحدهما. وأبو معشر اسمه، نجيح بن عبد الرحمن، ضعيف كما في التقريب، والقاسم (يعنى ابن موسى بن الحسن بن موسى شيخ شيخَىْ تمام) ذكره الخطيب في "تاريخه"(12/ 435) ولم يحك فيه جرحًا ولا تعديلًا" اهـ.
قلت: وأعاد ترجمته أيضًا في (12/ 444). وترجم له ابن عساكر (14/ 374 - 375) ووهم الخطيب في جعله اثنين. وترجم له أيضًا أبو الشيخ في "الطبقات"(3/ 77) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 159 - 160) إلا أن أبا الشيخ رحمه الله سماه: "القاسم بن محمد بن الحسن بن موسى". وهو هو. والظاهر أنه صدوق لكثرة شيوخه والرواة عنه، وتعدد رحلاته، ووصف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغانى في "تاريخه" إياه بقوله: "وكان من أهل العلم، قد كتب عنه بالشام والجبل وديار ربيعة ومضر
…
" إلخ، كما حكاه عنه ابن عساكر. والله أعلم.
ثانيًا: حديث ابن عمر:
قال الحافظ العراقى رحمه الله في ترجمة: "أحمد بن محمد السماعي" من "ذيل الميزان"(151): "
…
وروى أحمد بن نصر بهذا الإِسناد (يعنى: عن موسى بن عيسى بن يزيد بن حميد عنه عن عمران بن زياد عن أبي قرة موسى بن طارق عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: للمؤمن أربعة أعداء
…
" الحديث. قال الدارقطني: هذا باطل". وذكر له الحافظ رحمه الله في "اللسان"(1/ 302 - 303) حديثًا آخر- أورده العراقي أيضًا- عن السماعي بهذا الإِسناد، وقال:"قال الدارقطني في "الغرائب": هذا منكر باطل لا يصح عن مالك ولا عن أبي قرة. والسماعى وعمران بن زياد مجهولان" اهـ.
ثانيًا: حديث أنس:
علقه السمرقندى في "تنبيه الغافلين"(ص 225)، فقال:"وللمؤمن أيضًا أعداء سوى الشيطان كما روى أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وعدو يقاتله، وشيطان يضله، ونفس تغويه". وقال الحافظ العراقى: "رواه أبو بكر بن لال في "مكارم الأخلاق" من حديث أنس بسند ضعيف". وقال ابن السبكى في "طبقات الشافعية"(6/ 333): "لم أجد له إسنادًا"، كما في "تخرج الإِحياء" (2450). قلت: بل إسناده ضعيف جدًا، فقد ذكره المتقى الهندى في "كنز العمال"(1/ 161) بنحوه، بلفظ:"وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضله"، وقال:"رواه ابن لال عن أبان عن أنس". وأبان هو ابن أبي عياش البصرى العبدى، وهو متروك كما في "التقريب"(142)، وكان شعبة يرميه بالكذب. ولا نأمن أن يكون في الطريق إليه من هو مثله أو شر منه. فهذا مثال للأحاديث الواهية الكثيرة التى أجمل الحافظ العراقى- رحمه الله فيها القول.
(والثابت) وقف هذا الحديث على أبي أمامة - صُدَىّ بن عجلان - الباهلى رضى الله عنه -كما رواه الفريابى في "صفة النفاق"(69) من طريق أسد ابن موسى الأموى، وابن عساكر (8/ 301) - واللفظ له - من طريق عمار ابن عبد الجبار المروزى قالا: حدثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر أنه سمع أبا أمامة الباهلى يقول: "المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان قد توكل به". وإسناده حسن. والفرج مستقيم الحديث في الشاميين خاصة. راجع الحديث المتقدم في الرقم (54) ففيه تفصيل في هذا الأمر.
(وروى) الرافعى رحمه الله في "التدوين"(3/ 416) من طريق أبي معين
الرازى الحافظ ثنا صفوان بن صالح ثنا هشام بن يزيد قال: "يغدو المؤمن بين أربعة: كافر يجاهده، ومؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله". وهشام هذا كأنه شامى، لكننى لم أجد له ترجمة حتى الساعة، ولم يذكره الحافظ المزى ضمن شيوخ صفوان بن صالح الدمشقى في "التهذيب"، ومظنة ترجمته "تاريخ دمشق" لكن أكثر التراجم المبدوءة بحرف "الهاء" واقعة في الجزء الساقط مغ النسخة الظاهرية الموجودة حاليًا. ولعله مرَّ عَلَىَّ عن هشام هذا في غير "التدوين". فالله أعلى وأعلم.
الحديث الحادى والثمانون:
" لم يزل أمر بنى إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأى فضلوا وأضلوا".
ضعيف. رُوِى من حديث عبد الله بن عمرو، وواثلة بن الأسقع، وأبى هريرة، وعائشة.
أولًا: حديث ابن عمرو، من ثلاث وجوه عنه:
الأول: من رواية هشام بن عروة عن أبيه عنه به. رواه البزار (166) من طريق قيس بن الربيع عن هشام به، وقال:"لا نعلم أحدًا قال: عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو الإِقيس، ورواه غيره مرسلًا". قلت: كأنه- رحمه الله يعنى: موقوفًا، فقد وجدت لذلك نظائر في كلام غير واحد من الأئمة منهم البخارى وابن النجار وكذلك يستخدمون لفظة:"موصول" بمعنى: "مرفوع". انظر آخر الحديث الحادى والخمسين عن أبي حاتم الرازى. وستأتى روايتان إحداهما موقوفة على ابن عمرو، والأخرى على عروة من رواية جمع من الثقات وغيرهم عن هشام عنه به. وقيس بن الربيع ضعيف، قال الحافظ رحمه الله في "التقريب" (5573):"صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به". وقال الهيثمى (1/ 180):
"رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثورى، وضعفه جماعة. وقال ابن القطان: هذا إسناد حسن". قلت: بل ضعيف أو واهٍ. الثانى: من رواية الأوزاعى عن عبدة بن أبي لبابة عنه. رواه ابن ماجه (56): "حدثنا سويد بن سعيد ثنا ابن أبي الرجال عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعى
…
" فذكره وهذا إسناد ضعيف له ثلاث علل:
الأولى: ضعف سويد بن سعيد، قال الحافظ (2690):"صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش فيه ابن معين القول". ويستثنى من هذا الإِطلاق، رواية أبي زرعة الرازى عنه، وكل من ثبت أنه كان يتتبع أصوله. وكان الإِمام أحمد ينتخب لابنه عبد الله من حديثه. فما هو حُجة ولا مُطَّرح بإطلاق. والله أعلم.
الثانية: الاختلاف في شيخه عبد الرحمن بن أبي الرجال. فوثقه أحمد وابن معين وغيرهما. وقال البرذعى: قلت - يعنى لأبى زرعة -: حارثة وعبد الرحمن ابنا أبي الرجال؟ فقال: عبد الرحمن أشبه، وحارثه واهٍ، وعبد الرحمن أيضًا يرفع أشياء لا يرفعها غيره. وقال أبو داود: ليس به بأس. وقال أيضًا: أحاديث عمرة يجعلها كلها عن عائشة. وقال أبو حاتم: صالح، هو مثل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (25). وقال ابن حبان في "الثقات":"ربما أخطأ". وقال الحافظ (3858): "صدوق، ربما أخطأ".
الثالثة: الانقطاع. قال الحافظ المزى رحمه الله في "تحفة الأشراف"(6/ 360): "عبدة بن أبي لبابة أبو القاسم الكوفى - نزيل دمشق-، عن
(25) مع العلم بأن أبا حاتم قال في ابن زيد بن أسلم: "ليس بقوى الحديث، كان في نفسه صالحًا وفي الحديث واهيا، ضعفه على بن المدينى جدًا" كما في "الجرح"(5/ 233 - 234). وختم ابنه الترجمة بقوله: "سئل أبي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعبد الرحمن بن أبي الرجال، فقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحبُّ إليَّ من ابن أبي الرجال" اهـ فتأمل.
عبد الله بن عمرو - ولم يلقه". ثم ذكر له هذا الحديث. ووهم الحافظ البوصيرى عند إعلاله الحديث، فقال في "مصباح الزجاجة" (1/ 54): "هذا إسناد ضعيف لضعف ابن أبي الرجال (في الأصل: أبي الرجال) واسمه حارثة ابن محمد بن عبد الرحمن" اهـ فإن الذى في الإِسناد أخوه عبد الرحمن، وهو الذى يروى عن الأوزاعى ويروى عنه سويد. أما سويد، فإنه يحسن حديثه إلا أنه في موضع قال: إسناده حسن إن كان سويد حفظه. وفي آخر قال: إسناده حسن فإن سويدًا لم يتفرد به.
الثالث: من رواية نوح بن دراج عن هشام بن عروة عن محمد بن عبد الله ابن عمرو عن أبيه مرفوعًا. رواه الطبراني عن سعيد بن عبدويه الصفار عن محمد بن حسان الضبى عن نوح به. قاله محققا "الفردوس"(3/ 500) جزاهما الله خيرًا. ولا أدرى كيف اطلعا على إسناده، فإن أحاديث ابن عمرو- خاصة - وقعت في القسم المفقود من "المعجم الكبير"، فلعل الديلمى هو الذى عزاه للطبراني بهذا الإِسناد، أو لعله في "المعجم الأوسط" أو غيره، فالله أعلم. أما الديلمي - الأب -، فعزاه إلى واثلة، وسيأتى في محله. وإسناده - من هذا الوجه - ضعيف جدًا، نوح بن دراج - وهو النخعى الكوفى القاضى - قال الحافظ (7205):"متروك وقد كذبه ابن معين". وشيخ الطبراني ترجم له الخطيب (9/ 97 - 98) برواية ثلاثة عنه - أحدهم الطبراني -، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
ثانيًا وثالثًا: حديث واثلة وأبي هريرة - من وجهين عنه- فحديث واثلة رواه ابن بطة في "الإِبانة"(800) عن أبي صالح محمد بن أحمد بن ثابت قال: نا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال: نا جبارة بن المغلس قال: نا حماد ابن يحيى الأبح قال: نا مكحول عنه مرفوعًا بلفظ: "لم يزل أمر بنى إسرائيل مستقيمًا حتى كثرت فيهم أولاد السبايا، فقاسوا ما لم يكن بما كان، فضلوا وأضلوا" وإسناده ضعيف جدًا. ابن بطة ضعيف كما قال الحافظ الذهبي،
وشيخه ترجم له الخطيب (1/ 284) فلم يورد فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم يذكر له راويا سواه وجبارة واهٍ كان يقبل التلقين. (وقد) خولف، فرواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 179) من طريق محمد بن أحمد بن يحيى العطشي- وهو ثقة مأمون- نا محمد بن صالح بن ذريح، نا جبارة، نا حماد ابن يحيى قال: حدثنى الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وابن حزم في "الإِحكام" (6/ 220) من طريق الحافظ الآجرى عن محمد بن الليث عن جبارة به أيضًا. ولفظه:"تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، ثم تعمل برهة بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تعمل بعد ذلك بالرأى، فإذا عملوا بالرأى ضلوا". وإسناده واه من أجل جبارة أيضًا. والخلل البَيِّن - في الإِسناد والمتن- إن لم يكن منه، فلا ينفك عن ابن بطة أو شيخه، فالله أعلم.
والوجه الثاني عن أبي هريرة - ودلنى عليه الشيخ السيد صقر حفظه الله، محقق "المعرفة" للبيهقي، - هو ما رواه الدارقطني في "سننه" (4/ 146) من طريق مروان بن سالم عن الكلبي عن أبي صالح عنه مرفوعًا بلفظ:"إنما هلكت بنو إسرائيل حين حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فوضعوا الرأى، فضلوا". وإسناده واه جدًا، كأنه موضوع: ومروان بن سالم هو الغفارى الجزرى، متروك، ورماه الساجى وغيره بالوضع كما في "التقريب"(6570) وشيخه الكلبى هو محمد بن السائب بن بشر أبو النضر الكوفى المفسر المشهور، متهم بالكذب ورمى بالرفض كما فيه (5901) وأبو صالح - هنا - هو باذام مولى أم هانئ، قال الحافظ (634):"ضعيف يرسل" ولا شك أن الحمل في هذا الحديث على أحد الرجلين دُونَه.
رابعًا: حديث عائشة: رواه الخطيب في "الفقيه"(1/ 180) من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه عنها، ولفظه: "ما هلكت بنو إسرائيل حتى كثر فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا في
دينهم بالمقاييس، فهلكوا وأهلكوا". وعبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة هالك! قال أبو حاتم:"هو متروك الحديث، ضعيف الحديث جدًا". وقال ابن حبان: "كان ممن يروى الموضوعات عن الأثبات، ويأتى عن هشام بن عروة ما لم يحدث به هشام قط، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه".
ثم وجدت محقق "الإِبانة" ذكر أن الهروى رواه في "ذم الكلام" من حديث عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعًا (ق 11/ 1) وكذا رواه نصر المقدسى في "الحجة"(ص 58). ولم يتكلم على إسناده بشئ. وما أراه إلا من نفس البابة. والله أعلى وأعلم.
(أما) الروايات الموقوفة، فصح عن عروة بن الزبير، ورُوِى عن عبد الله ابن عمرو، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصرى بمعناه. ولنبدأ بأثر الصحابى:
1 -
فقد رواه ابن أبي شيبة (15/ 177) عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عنه به. وإسناده صحيح على شرطهما، ولكن أخشى أن يكون وهمًا، فقد رواه جماعة من الثقات وغيرهم عن هشام به، فلم يجاوزوا عروة كما يأتى بإذن الله. وأيضًا روى جماعة من الثقات عن وكيع بهذا الإِسناد مرفوعًا بحديث:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". من هؤلاء:
1 -
الإِمام أحمد رحمه الله في "مسنده"(2/ 190)، وهذا لفظه.
2 -
أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي الفقيه عند ابن حزم في "الإِحكام"(6/ 210).
3 -
الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب في "العلم"(121)، وعنه مسلم في "صحيحه"(8/ 60) مقرونًا بابن أبي شيبة نفسه، فلا أدرى أكان وكيع
يرويه تارة مرفوعًا، وتارة موقوفًا باللفظ المتقدم، أم هو ممن دون الحافظ ابن أبي شيبة؟ الله أعلم.
2 -
أثر عروة: رواه عنه ابنه هشام، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل المعروف بـ:"يتيم عروة". ورواه عن هشام:
1 -
سفيان بن عيينة عند ابن عبد البر في "الجامع"(2/ 138) والبيهقى في "المدخل"(222) و "معرفة السنن والآثار"(1/ 111) والخطيب في "تاريخه"(13/ 394 - 395). وقد ذكر ابن عيينة عقبه - عند الخطيب- كلاما يسئ إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله وغيره، آثرت الإِمساك عنه.
2 -
يحيى بن أيوب الغافقي المصري عند ابن عبد البر (2/ 136). وهو صدوق حافظ، ربما وهم.
3 -
إسماعيل بن عياش الحمصي - عند الخطيب-، وهو ضعيف في غير الشاميين لكنه متابع كما ترى.
4 -
على بن مسهر عند الدارمى (1/ 50) لكنه أدخل: "محمد بن عبد الرحمن بن نوفل" بين هشام وأبيه، ولم ينفرد بذلك، بل توبع عليه من غير رواية هشام، فرواه عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن محمد قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: فذكره بنحوه. وهذه عند ابن حزم (6/ 223). والحاصل أن الأثر صحيح ثابت من طريقيه عن عروة رحمه الله، ويشبه أن يكون قد تلقاه من الإِسرائيليات، فالله أعلم.
3 -
أثر عمر بن عبد العزيز رحمه الله: رواه البيهقي في "المعرفة"(1/ 110) من طريق الإِمام الشافعي رحمه الله، قال: سمعت عبد الله بن المؤمل المخزومى يحدث عن عمر بن عبد الرحمن بن مُحَيْصن، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: فذكره بنحوه. وإسناده ضعيف، المخزومى قال الحافظ (3648):"ضعيف الحديث".
4 -
أثر الحسن رحمه الله: قال ابن عبد البر (2/ 137): "وروى الحسن ابن واصل عن الحسن قال: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق، فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا". وإسناده - مع كونه معلقًا - واه، الحسن بن واصل هو ابن دينار أبو سعيد التميمي أحد الهلكى. قال البخاري: تركه يحيى وعبد الرحمن وابن المبارك ووكيع. وقال ابن معين وأبو داود: ليس بشئ. وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب. وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
(وبعد) فأقر بأن اجتماع هذه الطرق لى إنما هو من فضل الله تبارك وتعالى وَحْدَهُ - عَلَيَّ، متبرءًا من كل حول وقوة لى. والله لولا الله ما أهتدينا لولاه ما صمنا ولا صلينا ومن ظن بأخٍ له مسلم غير الحق، فالله تعالى حسيبه، وهو معامل كل امرئ بما يستحق، وأسأله تعالى أن يرزقني لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا. ربَّ تقبل توبتى، واغسل حوبتى، وأجِب دعوتى، واهد قلبى، وسدد لسانى، واسلل سخيمة قلبى. اللهم اجعلنى خيرًا مما يظنون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لى ما لا يعلمون.
الحديت الثاني والثمانون:
" ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لابد له من معاشرته، حتى يجعل الله عز وجل له من ذلك مخرجًا".
ضعيف. رُوِى من حديث أبي فاطمة الإِيادى، ومن مرسل محمد بن الحنفية.
أولًا: حديث أبي فاطمة:
رواه ابن الأثير رحمه الله في "أُسد الغابة"(6/ 242) عن محمد بن أبي بكر المديني (وهو الحافظ أبو موسى) بإسناده إلى عثمان بن سعيد الدارمى،
أخبرنا محمد بن بكار، أخبرنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن أبي عمران الجونى عنه به. وإسناده واه جدًا. عنبسة بن عبد الرحمن هو ابن عنبسة بن سعيد الأموى، متروك، رماه أبو حاتم بالوضع كما في "التقريب"(5206). فلعله من وضعه، فإن المعروف أنه أثر مقطوع كما يأتى في محله. ولو صح إسناده إلى أبي فاطمة هذا لما دل على صحة صحبته، فإنه لم يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولم أرَ الحافظ رحمه الله أورده في الأقسام الأربعة من "كنى الإِصابة"، فالله أعلم.
"قال الحافظ السخاوى رحمه الله في "المقاصد" (912): "وقد علم له الديلمى في الهامش: أبو فاطمة الإِيادى المصرى (كذا)". قال الشيخ الغمارى في حاشيته: "يعنى أنه مروى من حديث أبي فاطمة، لكن لم نقف عليه"! وقال المعلق على "آداب البيهقي":"أخرجه الحاكم في "تاريخه" والبيهقي في "السنن" عن أبي فاطمة الإِيادى مرفوعًا
…
" كذا قال، وإنما رمز السيوطى للحديث في "جامعه" (7593): "هب"، وهو رمز البيهقي في "شعب الإِيمان" كما يعلم طالب - العلم المبتدئ. وبيَّن الحافظ المناوى (5/ 364) أن البيهقي رواه من طريق الحاكم مصرحًا به، فكان العزو إليه أولى، وحكى عن الثانى قوله: "لم نكتبه إلا بهذا الإِسناد، وإنما نعرفه عن محمد ابن الحنفية من قول الحاتم". كذا في "الفيض"، ولم أفهم معنى اللفظة الأخيرة، فإن كان صوابها "الخاتم"، وكان معناها أن الحديث معروف عن ابن الحنفية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلًا، فسيأتى أن رفع الحديث وهم، وما أظن يخفى على الحاكم أن خلقًا من الثقات قد رَوره عن ابن المبارك بسنده إلى ابن الحنفية مقطوعًا وقد رواه هو كذلك كما يأتى في كلام للذهبى، فالظاهر أنه يرجح الرفع مطلقًا، وإن كان الإِعلال بالوقف أو الإِرسال أظهر من الشمس في كبد السماء: وهو مذهب تبناه بعض المبتدئين في أيامنا هذه، فالله المستعان.
ثانيًا: مرسل محمد بن الحنفية: رواه الحاكم - في تاريخه - وعنه الديلمى كما في "المقاصد" و "حاشية الفردوس"(3/ 453) قال الديلمى: "أخبرناه أحمد بن خلف رحمه الله كتابةً قال: حدثنا الحاكم حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أبو سعيد الحسين بن عبد الصمد (الصواب: الحسن) حدثنا عبد الله بن إبراهيم الشنقاصى (الصواب: الشيبانى، كما في المقاصد) حدثنا ابن المبارك حدثنا الحسن بن عمرو
…
(بياض لعل محله: الفقيمى) عن منذر الثورى عن محمد بن الحنفية رضى الله عنه قال: قال (في الأصل: قال، ثلاث مرات) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث". وهذا إسناد ضعيف لإِرساله، وعبد الله بن إبراهيم الشيبانى - راويه عن ابن المبارك - لم أجد له ترجمة، ولعل الحاكم ترجم له في "تاريخ نيسابور"، والحسن بن عبد الصمد صحح له الحاكم بعض أحاديث في "المستدرك"، ولم أجده في موضع آخر، إلا أن يكون في التاريخ المذكور أيضًا. فالله أعلم. ولا ريب أن رفع هذا الكلام وهم ممن دون ابن المبارك، فإن الثابت عنه بهذا الإِسناد وقفه على ابن الحنفية، وقد رواه عنه هكذا:
1 -
الحسن بن عرفة في "جزئه"(16) ومن طريقه ابن المقرئ في "معجمه"(335) والخطابى في آخر "العزلة"(ص 240 - 241) والبيهقى في "الآداب"(224) وابن عساكر (15/ 731 - 732) وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد"(3/ 146) والذهبي في "السير"(4/ 117) و "معجم الشيوخ"(405)، وقال:"رواه الحاكم" في "تاريخ بلده" عن الخطابي عن الصفار، فوقع بدلًا عاليًا".
2 -
الحسين بن الحسن المروزى عند ابن عساكر (15/ 731) ولم أره في "الزهد".
3 -
بشر بن محمد السختيانى المروزى عند البخارى في "الأدب"(889).
4 -
محمد بن حميد الرازى عند أبي الشيخ كما علقه عنه الديلمى، وكذا ابن أبي الدنيا في "الحلم"(87).
6، 5 - أحمد بن جميل المروزى وداود بن عمرو الضبى البغدادى عند ابن أبي الدنيا.
7 -
عبيد الله بن محمد بن عائشة عند أبي نعيم (3/ 175).
8 -
أحمد بن منيع عند أبي نعيم أيضًا (8/ 162)، وزاد قول ابن المبارك - عَقِبه -:"هذا مثلى ومثلكم".
9 -
عمرو بن زياد الباهلي الثوباني عند الحكيم الترمذى وعنه الديلمى، وزاد:"قال ابن المبارك: يوم سمعت ذلك الحديث صمت ذلك اليوم وتصدقت بدينار. قال ابن المبارك: لولا هذا الحديث ما جمعنى الله وإياكم على حديث". والباهلي هذا وضَّاع، وكأنه يريد أن يظهر براعته في الوضع والسجع، وأبى أن يسعه ما وسع الناس! وإسناد هذا الأثر صحيح غريب، تفرد به ابن المبارك-كما هو بَيِّن-، وقال عنه السخاوى:"قال شيخنا: والموقوف هو المعروف". وقال الحافظ العلائي: "هذا - يعنى المرفوع - إنما هو من كلام ابن الحنفية" كما في "الفيض". والله أعلى وأعلم.
الحديث الثالث والثمانون:
" ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها"، ولفظ أكثرهم: "ليس على المرأة حرم
…
" الحديث.
منكر. رواه العقيلى (1/ 116) والطبرانى في "الكبير"(12/ 370) و (الأوسط) وابن عدى (1/ 349) وعنه وعن غيره البيهقي (5/ 47) والخطيب (7/ 9 - 10) من طرق عن عبد الله بن رجاء ثنا أيوب بن محمد
أبو الجمل (زاد في رواية: ثقة) ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به. وإسناده ضعيف، أيوب هذا، قال العقيلى:"يهم في بعض حديثه". وقال ابن عدى: "لا أعلمه يرفعه عن عبيد الله غير أبي الجمل هذا". وقال البرقانى (شيخ الخطيب): "قال الدارقطني: لم يرفعه غير أبي الجمل وكان ضعيفًا، وغيره يرويه موقوفًا". وقال البيهقي: "وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، فقد ضعفه يحيى بن معين وغيره. وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، والمحفوظ موقوف". وقال الهيثمى (3/ 219): "رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه أيوب بن محمد اليمامى، وهو ضعيف".
قلت: وله عن ابن عمر- موقوفًا - طريقان:
الأولى: عند البيهقي من طريق هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه، ولفظه:"إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه" وقال: "هكذا روى الدراوردى وغيره موقوفًا على ابن عمر". وعند العقيلي من طريق سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن عبيد الله به، بلفظ:"الذقن من الرأس فلا تغطه. وقال: إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه". وعلقه ابن حزم في "المحلى"(7/ 92) عن سعيد بن منصور به. وإسناده صحيح.
الثانية: قال ابن حزم (7/ 91): "روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها - وهى محرمة-، فقال لها: اكشفى وجهك، فإنما حرمة المرأة في وجهها". وإسناده صحيح أيضًا.
وليس في ذلك إيجاب كشف المحرمة لوجهها أمام الرجال بحال. قال ابن حزم رحمه الله: "مسألة: ولا بأس أن يغطى الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك ولا كراهة في ذلك، ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من
على رأسها على وجهها. أما أمر المرأة، فلأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهاها عن النقاب؛ ولا يسمى السدل نقابًا، فإن كان البرقع يسمى نقابًا لم يحل لها لباسه. وأما اللثام فإنه نقاب بلا شك فلا يحل لها، وقد قال الله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم:"إذا نهيتكم عن شئ فدعوه"، وقال تعالى:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} . فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فمباح، وما لم ينه عنه فحلال، وبالله تعالى التوفيق. وقد صح في ذلك خلاف. روينا من طريق الحجاج
…
فذكر ما تقدم. قال: "وصح خلاف هذا عن غيره كما روينا عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تغطى وجهها وهى محرمة. وعن وكيع عن شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت: سئلت عائشة أم المؤمنين: ما تلبس المحرمة؟ فقالت: لا تنتقب، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها. وعن عثمان أيضًا كذلك، فكان المرجوع في ذلك إلى ما منع منه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط. وأما الرجل
…
" ألخ، فكان مما ذكره رحمه الله: "ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: المحرم يغطى ما دون الحاجب، والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها". وبالله التوفيق، وهو تعالى أعلى وأعلم.
الحديث الرابع والثمانون:
" ليس من مات فاستراح بميت، إنما الميت ميت الأحياء".
ضعيف جدًا. رواه الطوسى الرافضي في "أماليه"(ص 316) من طريق أبي عبد الله محمد بن على بن خلف البلخى، والديلمى في "مسند الفردوس"- كما في حاشيه "الفردوس"(3/ 466) - واختصرت بعض إسناده - من طريق محمد بن على بن الحسين الجباخانى حدثنا الحسن بن علاء بن القاسم الدهان
حدثنا مكى بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. فذكره. وقد قال الديلمى - قبل ذلك-: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتمثل أحيانًا بأبيات هذا أحدها، وربما قاله من غير تعمد للشعر فجاء موزونًا. أخبرناه أبو إسحاق المراغى
…
". فذكره. وهذا إسناد ضعيف جدًا، كأنه موضوع على مكى ابن إبراهيم رحمه الله، ففيه:
1 -
الحسن بن العلاء بن القاسم الدهان، قال الحافظ رحمه الله في "اللسان" (2/ 221):"عن يزيد بن هارون. وعنه محمد بن على بن الحسين ابن الفرج البلخى. أشار أبو عثمان الصابونى في كتاب "المائتين" إلى كذبه (في الأصل: كتبه)، وقد ذكرت ذلك في ترجمة الراوى عنه".
2 -
محمد بن على بن خلف البلخى، والظاهر أنه:"الجباخاني" الذى في إسناده الديلمى، فإن اسمه:"محمد بن على بن الحسين (في اللسان: الحسن، والتصويب منه في الموضع الذى أشار إليه الحافظ) بن الفرج بن خلف ابن عبد الله بن .... البلخى كما في "اللسان" (5/ 316) وكذا الأنساب (2/ 14) - إلا أنه أسقط خلفًا من اسمه -، وقال: "الجباخانى البلخى الحافظ، من جباخان بلخ
…
" حتى قال: "وكان يحفظ، غير أن الثقات تكلموا فيه، ولم يكن في الحديث بذاك
…
". ثم حكى كلاما للحاكم يقول في آخره: "والغالب على رواياته المناكير". وقال الحافظ "
…
قال أبو عثمان الصابوني أول الجزء الثالث من كتاب "المائتين" بعد أن أورد عن كامل (يعنى الراوى عنه) بهذا السند حديثًا صحيحًا من يزيد فصاعدًا: إنما أخرجه شيخنا في "فوائده" عن شيخه هذا عن شيخه لأنه لم يجده عاليًا من طريق يزيد إلا من. هذا الوجه، وفي حالهما نظر" اهـ.
قلت: وهذا ما أومأ إليه الحافظ في ترجمة "الحسن بن العلاء"، لكنه
أفرد: "محمد بن على بن الحسين البلخى بترجمة مستقلة في (5/ 303 - 304) وذكر فيها كلام الحاكم وغيره، وأورد له حديثًا من مناكيره، قال عقبه: "قال الذهبي في "التجريد": هذا موضوع". قلت: فأيا كان الأمر، فكلاهما - إن كانا اثنين- مطعون فيه.
وهذا التردد منى في كون: "المحمدين" واحدًا أو اثنين كاد يلفتنى عن إيراد هذا الحديث أصلًا، لكن شاء الله عز وجل لى الإِقدام، والنتيجة في خاتمة الأمر واحدة، وبقيت علة.
3 -
وهى عنعنة ابن جريج - مع براءته من هذا الحديث في غالب الظن -، فإنه مدلس قبيح التدليس كما قال الحافظ الدارقطني رحمه الله، وقد ذكرنا شيئًا من هذا عند الحديث الستين. أما روايته عن عطاء بن أبي رباح بصيغة:"قال عطاء" - خاصة- فتدل على السماع كما صرح هو بذلك (26).
(والحديث) أورده محقق "فوائد ابن الصواف"(ص 63) - في الحاشية - وعزاه للطوسى، قال: "وإسناده فيه نظر، وهو بهذا اللفظ بيت شعر مشهور لعدى بن الرعلاء الغساق (الخزانة 4/ 187 وحماسة ابن الشجرى 51 / كما قال صاحب حاشية الحيوان للجاحظ 6/ 507) اهـ.
(والصحيح) أن الذى كان يتمثل بهذا البيت هو الحسن بن أبي الحسن البصرى التابعى الجليل الزاهد شيخ الإِسلام رحمه الله، وقد تعددت إليه الأسانيد بذلك:
1 -
فروى ابن أبي شيبة (8/ 517) عن ابن فضيل عن عاصم (وهو الأحول) قال: ما سمعنا الحسن يتمثل ببيت من شعر قط إلا هذا البيت:
(26) فقد روى عنه يحيى بن سعيد، قال:"إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعت". قاله أبو بكر بن أبي خيثمة حدثنا إبراهيم بن عرعرة عن يحيى به، كما في "التهذيب"(6/ 406). وإسناد هذا الأثر صحيح.
فذكره، ثم قال:"وصدق والله، إنه ليكون حيا وهو ميت القلب". وإسناده صحيح. وهذا إخبار من عاصم- عفا الله عنه - بمبلغ علمه، وإلا فقد روى ابن أبي شيبة (8/ 524) عن ابن فضيل- أيضًا- عن ابن شبرمة قال: سمعت الحسن يتمثل بهذا البيت:
يسر الفتى ما كان قدم من تُقى
…
إذا عرف الداء الذى هو قاتله
وإسناده صحيح أيضًا، والمتتبع قد يجد آثارًا عن الحسن سوى هذا.
2 -
وروى عبد الرزاق (3/ 220) عن معمر قال: أخبرني من سمع الحسن يقص، يقول في قصصه:"صدق الذى يقول: فذكره". وإسناده ضعيف لإِبهام شيخ معمر.
3 -
ورواه أبو نعيم (2/ 143) - نفى آخر أثر طويل جدًا - من طريق أبي عبيدة سعيد بن زربى قال: سمعت الحسن يعظ أصحابه، يقول: إن الدنيا دار عمل، من صحبها بالبغض لها والزهادة فيها سعد بها ونفعته صحبتها
…
" إلى أن قال: ثم قال: فذكره. وسعيد بن زربى واهٍ. والعمدة على الطريق الأول.
فائدة جليلة: روى أبو نعيم (1/ 274 - 275) من طريق عبد الرزاق ثنا بكار بن عبد الله حدثنى خلاد بن عبد الرحمن أن أبا الطفيل حَدَّثه أنه سمع حذيفة يقول: يا أيها الناس، ألا تسألوني؟ فإن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، ألا تسألون عن ميت الأحياء؟ فقال (27) إن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإِيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيىَ بالحق من كان ميتا، ومات بالباطل من كان حيا. ثم ذهبت
(27) كذا في "الحلية" بدون جواب القوم.
النبوة، فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكًا عضوضا؛ فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه، والحقَّ استكمل. ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافًا يده، وشعبةً من الحق ترك. ومنهم من ينكر بقلبه كافًا يده ولسانه، وشعبتين من الحق ترك. ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه، فذلك ميت الأحياء". وإسناده قوى متصل، وفيه - من اللطائف الإِسنادية - صحابيان يروى أحدهما عن الآخر. ورواه مختصرًا ابن أبي شيبة (15/ 172 - 173) وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (415) وابن الصواف في "فوائده" (الجزء الثالث: 22) والبيهقي في "الشعب" (3/ 3 / 187) من طريق سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: "سئل حذيفة: ما ميت الأحياء؟ قال: الذى لا ينكر بيده ولا لسانه ولا قلبه". ورجاله ثقات لكن حبيبًا مدلس من المرتبة الثالثة عند الحافظ في "طبقات المدلسين" (69)، ولكن تقبل عنعنته خاصة فيما رواه عمن أدركهم - بواسطة-، كروايته عن طاووس وسعيد ابن جبير عن ابن عباس، ومجاهد عن ابن عمر - على سبيل المثال -، فقد أدرك ابنا عباس وعمر رضى الله عنهم، فلو أراد أن يدلس لأسقط الواسطة وقد قال شئ من ذلك الحافظ رحمه الله في موضع لا أستحضره الآن وكذلك رواية شعبة عنه، وعن شيوخه المدلسين جُملةً، محمولة على السماع، فإنه رحمه الله كان لا يقبل من شيوخه تدليسًا، بل كان - في غالب الأمر- يوقفهم على السماع كما هو مقرر في محاله من كتب الرجال. وبالله التوفيق، وهو - سبحانه - أعلى وأعلم.
الحديث الخامس والثمانون:
" ما أدركت الصفقة حيًا مجموعًا، فهو من مال المشترى".
ضعيف، مُعَلٌّ بالوقف والمخالفة في الإِسناد.
قال ابن أبي حاتم- رحمهما الله - في "علل الحديث"(1/ 394): "سألت أبي عن حديث رواه حاتم بن إسماعيل عن الأوزاعى عن الزهرى عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فذكره (وتصحفت: "حيا" إلى: "جما"). قال أبي: هذا خطأ، إنما هو الزهرى عن حمزة ابن عبد الله عن أبيه" اهـ. قلت: ولم أقف على الحديث من طريق حاتم بن إسماعيل - ولا غيره - مرفوعًا في مكان آخر. وحاتم ثقة حافظ، أشار الإِمام أحمد رحمه الله إلى بعض اللين فيه، فقال أبو بكر الأثرم عنه: حاتم بن إسماعيل أحبُّ إلى من الدراوردى، زعموا أن حاتمًا كان فيه غفلة، إلا أن كتابه صالح. وكذلك ابن المدينى رحمه الله بقوله:"روى عن جعفر - يعنى ابن محمد - أحاديث مراسيل، أسندها". وقد خالفه جماعة عن الأوزاعى في هذا الحديث، فأوقفوه، ورواه غير الأوزاعي عن الزهري، فأوقفه أيضًا.
وقد علق البخارى رحمه الله في "صحيحه"(3/ 90) الحديث - موقوفًا على ابن عمر-، فقال:"باب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض، وقال ابن عمر رضى الله عنهما: "ما أدركت الصفقة حيًا مجموعًا، فهو من المبتاع". ووصله الحافظ رحمه الله في "تغليق التعليق" (3/ 242 - 243) من طريق الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعى، ومن طريق محمد ابن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه به، وقال: "لفظ الوليد، تابعه يونس، عن الزهرى: أخرجه ابن وهب في "جامعه" عنه، وهذا موقوف صحيح الإِسناد". ومن طريق الوليد بن مسلم، رواه الدارقطني (3/ 53 - 54). ومن طريق ابن وهب رواه الطحاوي في "شرح معافى الآثار" (4/ 16)، ورواه أيضًا بشر بن بكر عن الأوزاعي به. وجميع هذه الأسانيد صحيحة سوى طريق محمد بن كثير - وهو المصيصي- فإنه ضعيف، لكنه متابع. وأما الخلاف الفقهي في المسألة، فقد بسطه الحافظ أيضًا في "الفتح" (4/ 413)، فليطالعه من شاء. والله أعلى وأعلم.
الحديث السادس والثمانون:
" ما أمعر حاج قط".
ضعيف. رُوِى من حديث ابن المنكدر- من طرق عنه- عن جابر، ومن مرسل ابن المنكدر.
أولًا: حديث جابر:
رواه البزار (1080) من طريق أبي عاصم - الضحاك بن مخلد النبيل- والبيهقى في "الشعب"(8/ 74) من طريق شريك كلاهما عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عنه به، وزاد البيهقي (28):"فقيل لجابر: ما الإِمعار؟ قال: ما افتقر". وقال: "محمد بن أبي حميد ضعيف". وقال البزار: "تفرد به محمد بن أبي حميد، وعنده أحاديث لا يتابع عليها، لا أحسب ذلك من تعمده، ولكن من سوء حفظه، فقد روى عنه أهل العلم".
قلت: وقد اختلف فيه على شريك، فقد أورد الشيخ الألباني حفظه الله الحديث في "الضعيفة"(2000)، وقال:"ضعيف. رواه الطبراني في "الأوسط" (1/ 110 / 2) عن شريك عن محمد بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعًا، وقال: "لم يروه عن ابن المنكدر إلا محمد ابن زيد". قلت: وهو محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ وهو ثقة، لكن الراوي عنه شريك هو ابن عبد الله القاضى ضعيف لسوء حفظه، ولذلك أخرج له مسلم متابعة، فلا تغتر بقول من أطلق فقال: "ورجاله رجال الصحيح"، كالمنذرى (2/ 114)، والهيثمى (3/ 308)(29) ومن قلدهما كالمناوى والغمارى،
(28) والظاهر أنها أيضًا عند الطبراني في "الأوسط"، فقد ذكرها المنذرى والهيثمى بعد عزو الحديث له وللبزار.
(29)
لفظهما - رحمهما الله -: "رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار، ورجاله رجال الصحيح" فإن كانا يقصدان رجال البزار، فهو أولى بالتعقيب، فإن ابن أبي حميد =
فإنه ذكر الحديث في "كنزه" ولم يتفرد به محمد بن زيد، فقد أخرجه ابن عساكر (5/ 2/327) من طريق محمد بن خالد بن عثمة: نا عبد الله بن محمد ابن المنكدر عن أبيه به. وعبد الله بن محمد بن المنكدر لم أجد له ترحمة، ولم يذكره الحافظ في الرواة عن أبيه، وإنما ذكر ابنيه يوسف والمنكدر فقط. وفي الطريق إليه جماعة لا يعرفون. وعلى بن أحمد بن زهير التميمي. قال الذهبي:"ليس يوثق به" اهـ.
قلت فهذه الطريق واهية، وما قبلها ضعيفة، ومحمد بن أبي حميد - في الأولى- ضعفه شديد كما بينته في القسم الأول من الكتاب (23). وليت "الشيخ - حفظه الله - ذكر لنا راويه عن شريك عند الطبراني، فإن في أمر شريك شيئًا من التفصيل وليس هو ضعيفًا بإطلاق.
قال ابن حبان رحمه الله في "الثقات"(6/ 444): "وكان في آخر أمره يخطئ فيما يروى، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط، مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة". وقال الحافظ في "التهذيب"(4/ 337): "وقال العجلى- بعد ما ذكر أنه ثقة - إلى آخره: وكان صحيح القضاء، ومن سمع منه قديمًا فحديثه صحيح، ومن سمع منه بعد ما ولى القضاء، ففى سماعه بعض الاختلاط". ولم أجده بهذا السياق في "ثقات العجلى" ولا في "تاريخ بغداد" أو غيره، فالله أعلم.
وقال صالح جزرة: صدوق، ولما ولى القضاء اضطرب حفظه. وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إسحاق- يعنى الأزرق- وعباد بن العوام ويزيد كتبوا عن شريك بواسط من كتابه، كان قدم عليهم في حفر نهر.
= على وهائه - ليس من رجال الصحيح، بل روى له الترمذي وابن ماجه. وإن كانا يقصدان الطبراني، فمتعقب بكلام الشيخ.
قال: كان شريك رجلًا له عقل، فكان يحدث بعقله، فقال أحمد: سماع هؤلاء أصح عنه، قيل: إسحاق الأزرق ثقة؟ فقال: إى والله ثقة". كما في "تاريخ بغداد" (6/ 320 - 321).
وقال البغوى في "الجعديات"(2522): "حُدِّثت عن أبي نعيم، قال: ما كتبت عن شريك بعد ما ولى القضاء إلا حديثًا واحدًا".
قلت: وراوى الحديث عند البيهقي هو سعيد بن سليمان الواسطى، وهو - وإن لم ينص عليه الإِمام أحمد خاصةً - لكن لا شك أن رواية الواسطيين (30) عن شريك أصح من رواية الكوفيين، فأخشى أن تكون رواية شريك عن محمد ابن زيد لا عن محمد بن أبي حميد من رواية من سمع منه بعد تغير حفظه وتوليه القضاء، أو يكون شيخ الطبرانى فيه من شيوخه - غير القليلين - الذين لا يُعرف فيهم جرح ولا تعديل. و"المعجم الأوسط" موجود كله الآن لكن البحث فيه متعذر جدًا لأننى لا أعرف عمن رواه، فنظرة إلى ميسرة. فلو صح أحد الاحتمالين المذكورين، تكون هذه الرواية معلولة لا يعتد بها في الاقتصار على تضعيف الحديث.
وهناك ملاحظة أخرى على كلام الألبانى حفظه الله، أعنى قوله:"وعبد الله بن محمد بن المنكدر لم أجد له ترجمة". وهو معذور في ذلك، فإن عبد الله هذا مقل جدًا، لذلك لم يذكره كبير أحد. قال الحافظ مسعود بن على السجزى في "سؤالاته للحاكم" (326) - رحمهما الله -: "وسمعته يقول: قد حَدَّث من ولد محمد بن المنكدر ثلاثة، يوسف، وعبد الله، والمنكدر،
(30) إلا أن يزيد بن هارون- خاصةً - يتوقف في روايته عن شريك، فقد روى الخطيب في "الكفاية" (ص 515) عنه: قدمت الكوفة فما رأيت بها أحدًا إلا وهو يدلس، إلا مسعر بن كدام وشريكا. وفي إسناده أبو الفتح الأزدي لكنه يمشى في مثل ذلك. والظاهر أن يزيدًا سمع منه أيضًا بالكوفة ولا ندرى أكان قد ولى القضاء أم لا، فالله أعلم.
وعبد الله أعزهم حديثا". وأحال محققه - جزاه الله خيرًا - على "طبقات ابن سعد" (القسم المتمم لتابعى أهل المدينة: 188)، وفي هذه الصفحة ترجمة محمد بن المنكدر (72)، وفيها: "محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدَيْر بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مُرَّة، وأمه أم ولد، ويكنى أبا عبد الله (31)، فولد محمد بن المنكدر: عمر، وعبد الملك، والمنكدر، وعبد الله، ويوسف، وإبراهيم، وداود لأم ولد
…
" إلخ.
ثانيًا: مرسل محمد بن المنكدر: رواه الفاكهي في "أخبار مكة"(873) من طريق ابن أبي عدى عن محمد بن أبي حميد- أيضًا- عنه مرفوعًا مرسلًا. فإن كان ابن أبي عدى - وهو ثقة حافظ وثقوه، وقال أبو حاتم - مرة -:"لا يحتج به". وهذه ذكرها الذهبي في "الميزان"(3/ 647)، فإن كان حفظه هكذا، فالاختلاف من ابن أبي حميد، ولم يصب في رفعه لا مرسلا ولا موصولا، (فالصحيح) إيقافه على محمد بن المنكدر نفسه رحمه الله كما رواه ابن أبي شيبة (4/ 96)، قال:"نا ابن عيينة عن ابن المنكدر قال: ما أمعر حاجٌّ قط. يعنى: ما افتقر". وهذا إسناد جليل صحيح على شرط الشيخين، وابن عيينة من أجل الرواة عن ابن المنكدر، وهو عالم به وبغيره من الحجازيين. قال ابن مهدى:"كان أعلم الناس بحديث أهل الحجاز". كما في "التهذيب"(4/ 121). وابن المنكدر تابعى فاضل ومن خيار التابعين. قال ابن عيينة عنه: "كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون، ولم يدرك أحد أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه". وقال ابن حبان: "كان من سادات القراء، لا يتمالك البكاء إذا قرأ
(31) هذه الكنية تنبه المطلع عليها إلي أن له ولدًا اسمه: "عبد الله" ولكن ما شاء الله كان. وفي هذه المسألة من العبرة أنه "لا يصح الاكتفاء في إثبات الرواة أو نفيهم بما يورده الحافظ المزى رحمه الله في شيوخ كل راوٍ والرواة عنه من "تهذيب الكمال"، فقد فاته الكثير الكثير.
أحد حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وقال الذهبي في "السير" (5/ 353): "الإِمام الحافظ القدوة، شيخ الإِسلام أبو عبد الله القرشى التيمى المدنى
…
".
الحديث السابع والثمانون:
" ما بر أباه من شد إليه الطرف".
ضعيف جدًا. رواه ابن عدى (4/ 1387) وعنه البيهقي في "الشعب"(1/ 3 / ق 12 ب - 13 أ) والخرائطى في "مساوئ الأخلاق"(254) والطبرانى في "الأوسط" - كما عزاه إليه الديلمى في "المسند"(ق: 219) كما في حاشية "الفردوس"(4/ 370) بزيادة: "بالغضب"(32)، من طريق صالح بن موسى الطلحى حدثنا معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضى الله عنها مرفوعًا به. وإسناده ضعيف جدًا كما في "ضعيف الجامع"(5/ 88)، فقد قال الهيثمى في "المجمع" (8/ 147):"وفيه صالح بن موسى، وهو متروك". ورواه أيضًا ابن مردويه كما في "الجامع الصغير"(7854).
(والصحيح) عن معاوية بن إسحاق إيقافه على عروة بن الزبير رحمه الله ورضى عن أبيه -، كما رواه ابن أبي شيبة (8/ 355) وهناد في "الزهد"(975) كلاهما عن وكيع، والخرائطى (253)، وعنه ابن عساكر (11/ 582) من طريق الفريابى والمحاربى ثلاثتهم عن سفيان الثورى عن معاوية عنه به، ولفظه:"ما بر والده من شد إليه الطرف". وإسناده صحيح. (ووقع في إسناد الخرائطى اختصار وبياض صوبته من "تاريخ دمشق").
(32) في إسناد الطبراني - بهذه الزيادة -: شيخه: "الهيثم بن خالد المصيصي"، ضعفه الدارقطني، وسكت عليه الهيثمى. وليست الزيادة في رواية الآخرين، ولا في الأثر الموقوف.
وقد رواه ابن حبان في "الثقات"(8/ 27) من طريق شعيب بن حرب عن الثورى، فأوقفه عليه. وإسناده صحيح. فإما أن يكون شعيب أو أحد ممن دونه قَصَّر به، أو أن الثورى رحمه الله كان يسنده إلى عروة تارة، ويذكره من قِبَل نفسه أخرى، فالله أعلم. وفي معناه ما رواه ابن أبي شيبة (8/ 353) عن ابن علية عن عمارة أبي سعيد، قال:"قلت للحسن: إلى ما ينتهى العقوق؟ قال: أن تحرمهما وتهجرهما وتحد النظر إلى وجه والديك، يا عمارة! كيف البر لهما؟ ". وإسناده صحيح. ورواه عبد الله بن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص 263) من طريق حزم - وهو ابن أبي حزم القطعى عن عمارة بنحوه - بزيادة ونقص- وفي آخره: "قال: أما علمت أن نظرك في وجه والديك أو والدتك عبادة؟ ". وإسناده صحيح أيضًا.
تنبيه: أما حديث: "من أحزن والديه فقد عقهما"، فكذب موضوع، رواه الخطيب في "جامعه"(1699) عن على مرفوعًا، وفيه: محمد بن محمد ابن الأشعث الكوفى، وهو رافضى يضع الحديث. وضع كتابا كاملًا بأسانيد مسلسلة بآل البيت، سماه "السنن"، وقد ذكرت له حديثًا في حاشية "البدائل"(1/ 51). وسأعيد ذكره عند الحديث السادس والتسعين بإذن الله.
ولم يطلع العلامة الألبانى حفظه الله على إسناده، فقال في "ضعيف الجامع" (5/ 152):"ضعيف"، استنادًا إلى قاعدة الحافظ السيوطى رحمه الله في ضعف كل ما تفرد به جماعة من المخرجين، منهم الخطيب في "جامعه"، فلزم التنبيه.
الحديث الثامن والثمانون:
" من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويُقرأ بالقوم المثناة ليس فيهم أحد ينكرها. قيل:
وما المثناة؟ قال: ما اكتتبت سوى كتاب الله عز وجل".
ضعيف. رواه الحاكم (4/ 554) من طريق هشام بن عمار ثنا يحيى بن حمزة حدثنى عمرو بن قيس السكونى قال: كنت مع أبي الفوارس (كذا، ولعل الصواب: مع أبي في الوفد كما في الرواية الأخرى له) وأنا غلام شاب، فرأيت الناس مجتمعين على رجل. قلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمرو ابن العاص، فسمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: فذكره، وهذا إسناد لين، رجاله كلهم ثقات سوى هشام بن عمار، وهو صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح، كما في "التقريب". قلت: ويستثنى من ذلك رواية الإِمام البخارى ومن سمعوا منه قبل ذلك. وراويه عند الحاكم هو إبراهيم بن يوسف الهسنجانى - وهو ثقة حافظ توفى 301 - فيبعد أن يكون متقدم السماع من هشام، والله أعلم. والحديث رواه أيضًا الطبراني في "الكبير" بنحوه، وقال الهيثمي (7/ 326):"ورجاله رجال الصحيح". قلت: وأحاديث ابن عمرو وقعت في القسم المفقود من "المعجم"، ولكن يغلب على الظن أنه رواه ص طريق هشام بن عمار أيضًا، فإنه من شيوخ البخارى كما تقدم.
(وقد) خالف هشامًا جماعة من الثقات، فأوقفوه على عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما، وهم: الإِمام الأوزاعي، وإسماعيل بن عياش، ومعاوية بن صالح الحضرمي، ومحمد بن حمير.
1 -
فقد روى الحاكم (4/ 554 - 555) - عقب ما تقدم - من طريق محمد ابن كثير الصنعاني ثنا الأوزاعي عن عمرو بن قيس السكونى قال: "خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية فسمعت رجلًا يحدث الناس، يقول: "إن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، وأن يخزن الفعل والعمل ويظهر القول، وأن يقرأ بالمثناة في القوم ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها. فقيل:
وما المثناة؟ قال: ما اكتتبت سوى كتاب الله عز وجل".
قال: فحدثت بهذا الحديث قومًا، وفيهم إسماعيل بن عبيد الله، فقال: أنا معك في ذلك المجلس، تدرى من الرجل؟ قلت: لا. قال: عبد الله بن عمرو".
وقال: "هذا حديث صحيح الإِسنادين جميعًا، ولم يخرجاه". وقال الذهبي: "صحيح". قلت: بل محمد بن كثير المصيصي صدوق كثير الغلط كما في "التقريب"، لكن المتابعات الآتية تؤكد صحة روايته إن شاء الله تعالى.
2 -
ورواه أبو عبيد في "الغريب"(2/ 328 - 329)، قال: "حدثناه إسماعيل بن عياش قال: حدثني عمرو بن قيس السكوني
…
" فذكره. وإسناده صحيح.
3 -
ورواه ابن أبي شيبة (15/ 165 - 166) عن زيد بن الحباب قال: أخبرنا معاوية بن صاع قال: أخبرني عمرو بن قيس الكندي
…
فذكره وإسناده جيد، ومعاوية ثقة حافظ.
4 -
ورواه نعيم بن حميد في "الفتن"(676) من طريق محمد بن حمير عن عمرو بن قيس به أفاده محقق "المصنف" جزاه الله خيرًا. وابن حمير صدوق. فظهر من مجموع هذه الطرق، أن رواية هشام بن عمار - على لينها - مُعَلَّةٌ بالوقف. والله أعلى وأعلم.
فائدة: قال أبو عبيد - عقب هذا الأثر -: "فسألت رجلًا من أهل العلم بالكتب الأول قد عرفها وقرأها عن المثناة، فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابًا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه بالمثناة، كأنه يعنى أنهما أحلوا فيه ما شاءوا وحرموا
فيه ما شاءوا على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى. فبهذا عرفت تأويل حديث عبد الله بن عمرو أنَّه إنما كره الأخذ عن أهل الكتب (كذا) لذلك المعنى، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك، فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها، ولم يرد النهى عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، وكيف ينهى عن ذلك، وهو أكثر الصحابة حديثًا عنه؟ " اهـ. والله والمستعان، ولا حول ولا قوة إلا به.
الحديث التاسع والثمانون:
" من استرضى فلم يرضَ فهو شيطان، ومن استغضب فلم يغضب فهو حمار".
لا أصل له مرفوعًا. قال الحافظ السخاوى في "المقاصد"(1079): "ليس في المرفوع، وإنما هو فيما أورده البيهقي في "الشعب" من جهة جعفر ابن محمد الصادق قال: من لم يغضب عند التقصير، لم يكن له شكر عن المعروف، ومن طريق الربيع، وفي "مناقب الشعب" (كذا) من جهة أحمد ابن سنان كلاهما عن الشافعي من قوله بزيادة: "ومن استغضب فلم يغضب فهو حمار". وذكره عنه الشوكاني رحمه الله في "الفوائد المجموعة" (ص 295) باختصار الكلام عن طرقه.
وقال الشيخ ملا على القارى في "المصنوع"(310): "من كلام الشافعي". وذكره العلامة محمد الأمير الكبير المالكى في "النخبة البهية"(377) وقال: "وفي رواية جبان". وقال: "ليس بحديث، بل من قول الشافعي". قلت: رواه البيهقي في "مناقب الشافعي"(2/ 202) من طريق أحمد بن محمد بن الحسين المصري عن الربيع به. ورواه ابن عساكر (5/ 321) من طريق البيهقي أيضًا - بإسناد آخر - عن أبي بكر بن إسحاق عن الزبير
ابن عبد الواحد عن محمد بن [. . . . . .] عن الربيع به (كذا في النسخة الظاهرية ببياض في اسم أبي الراوى عن الربيع) وفي الطريق الأولى: أحمد بن محمد بن الحسين المصري، ترجم له الذهبي في "السير" (15/ 541: 543)، فقال: "الشيخ الكبير، مسند وقته، أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين بن السندى، المصري الصابونى
…
" حتَّى قال: "وهو صدوق في نفسه. وليس بحجة، وقد أدخل عليه حديث باطل فرواه". ثم روى بإسناده إليه عن محمد بن حماد الطهرانى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعًا:"النظر إلى وجه علِىٍّ عبادة".
وقال: "فهذا أدخل على أبي الفوارس". وقال في "الميزان": "صدوق إن شاء الله، إلا أنى رأيته قد تفرد بحديث باطل عن محمد بن حماد الطهرانى كأنه أدخل عليه". وقال في "العبر"(2/ 80): "وفيها - يعنى سنة 349 - : أبو الفوارس الصابونى،
…
الثقة المُعَمَّر، مسند ديار مصر
…
".
وقال الحافظ في "اللسان"(1/ 296): " وكان ينبغي ذكر ذلك الحديث ليُجتنب، وسأبحث عنه إن شاء الله، ثم رأيت عن المالينى أن ابن المنذر قال: هو كذاب. فأورد (كذا) له الدارقطني في "غرائب مالك" حديثًا رواه عن العباس بن العباس بن الفضل بن عون التنوخى عن سوادة بن إبراهيم الأنصاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر في تجاوز الله عن الخطأ والنسيان، الحديث، وقال عقبه: لا يصح، ومن دون مالك ضعفاء. قلت: مات في شوال سنة تسع وأربعين وثلاث مائة، وقد جاوز المائة
…
"إلخ.
قلت: فالرجل غير ثقة، على أنَّه قد توبع عند ابن عساكر إلا أن اسم متابعه لم يأت كاملًا كما تقدم، وقد ذكر الحافظ المزى في "تهذيب الكمال" (9/ 88) ثلاثة من المحمدين يروون عن الربيع ما منهم إلا ثقة حافظ هم: أبو إسماعيل الترمذي - محمد بن إسماعيل - والأصم - محمد بن يعقوب -
والرويانى - محمد بن هارون-، فأرجو أن يكون أحدهم. كذلك ذكر ابن عساكر (6/ 340) في ترجمة الزبير بن عبد الواحد جماعة من شيوخه المحمدين منهم: محمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن إسحاق السراج ومحمد بن الحسن ابن قتيبة العسقلانى وغيرهم ممن يحتمل أن يكون لهم رواية عن الربيع - وأيًا كان الأمر، فقد تابع الربيعَ: أحمد بن سنان - وهو الواسطى أحد الثقات الحفاظ -كما تقدم عن السخاوى رحمه الله.
وقد صحح الحافظ ابن حجر رحمه الله نسبة هذا الأثر إلى الإِمام الشافعي رحمة الله عليه، إذ عقد الفصل السابع من كتابه "توالى التأسيس" في سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا. وقال:"ذكر شيء من منثور كلامه". قال: "وهو كثير لو جمع لكان جزءًا كبيرًا، وقد اقتصرت منه على ما ساقه الآبرى، وأبو نعيم، والبيهقي بأسانيدهم الثابتة إليه محذوف الأسانيد"، فذكره (ص 136).
أما رواية: "ومن استغضب فلم يغضب فهو جبان"، فلما أقف عليها بعد، ولا وجدت أحدًا أشار إليها سوى الأمير المالكى، فلعلها من تزيدات وتحريفات العامة في عصره بعد أن جعلوها حديثًا، فرَدَّ هو ذلك، والله أعلى وأعلم.
الحديث التسعون:
" من صلى صلاة في جماعة، فقد ملأ نحره عبادة".
لا يعرف مرفوعًا. ذكره الغزالى رحمه الله في "الإِحياء"(1/ 148) كحديث، قال العراقى:"لم أجده مرفوعًا، وإنما هو من قول سعيد بن المسيب، رواه محمد بن نصر في كتاب "الصلاة" اهـ.
قال الزبيدى: "قلت: ووجدت في "العوارف" ما نصه: ومن أقام
الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر عبادة. وقال ابن السبكى في "طبقات الشافعية" (6/ 294):"لم أجد له إسنادًا" اهـ. كما في "تخرج الإِحياء"(376).
(أما) الوقوف على سعيد بن المسيب، فقد رواه ابن نصر (349): "حدثنا يحيى بن يحيى
…
"، والحكيم الترمذى في "أسرار الصلاة" (ص 45): "حدثنا صالح بن محمد
…
"، وأبو نعيم (2/ 162) من طريق قتيبة بن سعيد ثلاثتهم قالوا: ثنا عطاف بن خالد عن (وعند الحكيم: حدثنا) عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد به، واختلفت ألفاظهم، فلفظ ابن نصر: "من حافظ على الصلوات الخمس، فقد ملأ اليدين والنحر من عبادة الله".
ولفظ الحكيم: "من صلى الخمس في جماعة، فقد ملأ البرين والبحرين عبادة".
ولفظ "الحلية": "من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر عبادة". وإسناده حسن، رجاله كلهم موثقون، وفي عطاف وابن حرملة كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحُسن سوى ما استنكر عليهما، وسيأتى مزيد كلام عند الحديث التاسع والتسعين إن شاء الله. والله أعلم.
الحديث الحادى والتسعون:
" من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدرى متى يغلق عنه".
ضعيف. رواه ابن المبارك في "الزهد والرقائق"(117) وعنه الإِمام أحمد في "الزهد" أيضًا (ص 364): أخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني، قال: حدثنا حكيم بن عمير، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فذكره.
وهذا إسناد ضعيف له علتان:
الأولى: الإِرسال، فإن حكيم بن عمير - وهو أبو الأحوص الحمصي - تابعى. وهو صدق كما قال الحافظ الذهبي في "الكاشف"(1/ 249)، ومثله في "التقريب"(1476)، وزاد:"يهمُ"(33).
الثانية: ضعف ابن أبي مريم واختلاطه. انظر الحديث المتقدم في الرقم (66)، ووعدنا هناك بإيراد هذا الحديث له.
وله طريق أخرى موصولة عن حذيفة، فقد عزاه المتقى الهندى رحمه الله في "كنز العمال"(5/ 971) إلى ابن شاهين من طريق عبد الله بن أبان بن عثمان بن خليفة بن أوس عن أبيه عن جده عنه به. وعبد الله وأبوه وجده لم أجد لأحدهم ترجمة ولا ذكر، والذين بين ابن شاهين وبينهم يحتاج إلى النظر فيهم، لعل فيهم ضعيفًا أو متروكًا، ولم أجد الحديث في "الترغيب في فضائل الأعمال" له، فالله أعلم.
(والصحيح) أن هذا من كلام خالد بن معدان الكلاعي الحمصي - التابعى الجليل العابد - كما رواه الإِمام أحمد في "الزهد"(ص 384) وعنه أبو نعيم (5/ 211) عن أبي المغيرة حدثنا حريز عنه به، ولفظه:"إذا فتح لأحدكم باب خير، فليسرع إليه، فإنه لا يدرى متى يغلق عنه". وإسناده صحيح. والله أعلى وأعلم.
الحديث الثانى والتسعون:
" من قتل حية، فكأنما قتل كافرًا".
(33) ولم أرَ من وصفه بضعف ولا وهم. فقد قال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات". وكذلك ابن خلفون. وقال ابن سعد: "كان معروفًا قليل الحديث". وقال ابن عساكر: "بلغنى أن محمد بن عوف سئل عن الأحوص بن حكيم، فقال: ضعيف، وأبوه شيخ صالح". انظر "الجرح"(3/ 206) و"تهذيب الكمال"(7/ 200) و"التهذيب"(2/ 450).