المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خلافة الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فاجتمع أهل الشورى ونظروا فيما أمرهم الله به من التوفيق وأبدوا أحسن النظر والحياطة والنصيحة للمسلمين، وهم البقية من العشرة المشهود لهم بالجنة، واختاروا بعد التشاور والاجتهاد في نصيحة الأمة - تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم الأصبهاني

[أبو نعيم الأصبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَأَرْضاهُ

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَإِنِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ إِلَى عُمَرَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ. قِيلَ لَهُ: لَمَّا عَلِمَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مِنْ فَضْلِ عُمَرَ رضي الله عنه وَنَصِيحَتِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى مَا يُقَلِّدُهُ، وَمَا كَانَ يُعِينُهُ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْمَعُونَةِ

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَفْضِيلِ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

- ‌ذِكْرُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُعِزَّ اللَّهُ تَعَالَى الدِّينَ بِإِسْلَامِهِ

- ‌ذِكْرُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَمَالِ دِينِهِ

- ‌ذِكْرُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُفُورِ عِلْمِهِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

- ‌ذِكْرُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قُوَّتِهِ وَجَلَدِهِ

- ‌مَا ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِرَاسَتِهِ وَإِصَابَتِهِ فِيمَا يَرَاهُ وَيُشَرِّعُهُ

- ‌مَا ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم مِنْ رُسُوخِ إِيمَانِهِ زِيَادَةً لِعُلُوِّ شَأْنِهِ

- ‌مَا ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم مِنِ احْتِرَازِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ وَتَبَاعُدِهِ مِنَ الْأَبَاطِيلِ

- ‌مَا ذَكَرَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رِضَاهُ يُثَبِّتُ الْعَدْلَ وَغَضَبَهُ يُفْضِي إِلَى الْعِزِّ

- ‌خِلَافَةُ الْإِمَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ فَاَجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى وَنَظَرُوا فيِمَا أَمَرَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّوْفِيقِ وَأُبدُوا أحسن النَّظَرِ وَالْحِيَاطَةِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَاخْتَارُوا بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عليه السلام

الفصل: ‌خلافة الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فاجتمع أهل الشورى ونظروا فيما أمرهم الله به من التوفيق وأبدوا أحسن النظر والحياطة والنصيحة للمسلمين، وهم البقية من العشرة المشهود لهم بالجنة، واختاروا بعد التشاور والاجتهاد في نصيحة الأمة

‌خِلَافَةُ الْإِمَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ فَاَجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى وَنَظَرُوا فيِمَا أَمَرَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّوْفِيقِ وَأُبدُوا أحسن النَّظَرِ وَالْحِيَاطَةِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَاخْتَارُوا بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ

وَالْحِيَاطَةِ لَهُمْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه لِمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَمَالِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَالسَّوَابِقِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا عَرَفُوا مِنْ عِلْمِهِ الْغَزِيرِ وَحِلْمِهِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَا اخْتَارُوهُ وَتَشَاوَرُوا فِيهِ، أحد، وَلَا طَعَنَ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ طَاعِنٌ فَأَسْرَعُوا إِلَى بَيْعَتِهِ

ص: 299

وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا سَخِطَهَا مُتَسَخِّطٌ بَلِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ رَاضِينَ بِهِ مُحِبِّينَ لَهُ. فَيُقَالُ لِمَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ أَوْ وَقَفَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَعُثْمَانَ رضي الله عنه: أَلَيْسَ الْعِلَّةُ الَّتِي سَلَّمْتَ لِأَجْلِهَا تَقْدِمَةُ الشَّيْخَيْنِ هُوَ مَا بَانَا بِهِ مِنَ السَّوَابِقِ الشَّرِيفَةِ مِنْ قِدَمِ الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، ثُمَّ اجْتِمَاعِ الصَّحَابَةِ الْمَرْضِيَّةِ عَلَى بَيْعَتِهِمَا وَتَقْدِمَتِهِمَا، وَكُلُّ تِلْكَ

ص: 300

مَوْجُودَةٌ فِيهِ وَمَعْلُومَةٌ مِنْهُ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ التَّوْقفَ فِيهِ وَالتَّقَدُّمَ عَلَيْهِ. وَإِنْ طُعِنَ عَلَيْهِ بِتَغَيُّبِهِ عَنْ بَدْرٍ وَعَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ. قِيلَ لَهُ: الْغَيْبَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْمُتَغَيِّبُ الطَّعْنَ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ مُخَالَفَةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي حَازَهُ أَهْلُ بَدْرٍ في شهود بدر طَاعَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمُتَابَعَتُهُ، ولَوْلَا طَاعَةُ الرَّسُولِ وَمُتَابَعَتُهُ لَكَانَ لِكُلِّ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْكُفَّارِ، كَانَ لَهُمُ الْفَضْلُ وَالشَّرَفُ وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ الَّتِي بَلغَتْ بِهِمُ الْفَضِيلَةَ، وَهُوَ كَانَ رضي الله عنه خَرَجَ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَهُ فَرَدَّهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلْقِيَامِ عَلَى ابْنَتِهِ، فَكَانَ فِي أَجَلِّ فَرْضٍ لِطَاعَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وتَخْلِيفِهِ. وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ فَشَارَكَهُمْ

ص: 301

فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَضْلِ وَالْأَجْرِ لِطَاعَتِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَانْقِيَادِهِ لَهُمَا

ص: 302

99 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزَاةِ تَبُوكَ فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةَ قَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ وَلَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِالْمَدِينَةِ قَالَ:«نَعَمٍ، خَلَّفَهُمُ الْعُذْرُ»

ص: 302

100 -

حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، ثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي أَنْشُدُكَ اللَّهَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ أَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَتْ فَقَالَ لَهُ

⦗ص: 303⦘

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمُهُ» . حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، الْحَدِيثَ

ص: 302

101 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه، أنه قَالَ:«أَمَّا يَوْمُ بَدْرٍ فَقَدْ تَخَلَّفْتُ عَلَى بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لي فِيهَا بِسَهْمٍ» .

⦗ص: 304⦘

وَقَالَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ: «وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِسَهْمٍ فَقَدْ شَهِدَ» وَأَمَّا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ فَلِأَجْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُبَايَعَةُ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ رَسُولًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنَ السُّؤْدُدِ وَالدِّينِ وَوُفُودِ الْعَشِيرَةِ، وَأُخْبِرَ الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ فَبَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ فَبَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ لَهُ عَلَى الْمَوْتِ لِيُواقِعُوا أَهْلَ مَكَّةَ

ص: 303

102 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَبَايَعَ لِعُثْمَانَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ»

ص: 304

103 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ

⦗ص: 305⦘

سِنَانٍ، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، كَانَ عُثْمَانُ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَبَايَعَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ رَسُولِهِ» فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ

ص: 304

104 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه: أَشْهِدَ عُثْمَانُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؟ قَالَ: لَا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى الْأَحْزَابِ لِيُوادِعُوهُ وَيُسَالِمُوهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَايَعَ لَهُ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أُبَايِعُكَ لِعُثْمَانَ» وَمَسَحَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنِ احْتَجَّ الطَّاعِنُ بِالْوُقُوفِ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما بِمَا كَانَ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَهُمْ وَرَأَى ذَلِكَ وَقْفًا مِنْ عُمَرَ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم عُورِضَ بِأَنَّ الَّذِي اعْتَلَلْتَ بِهِ يُوجِبُ الْوَقْفَ فِي عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعد فَإِنَّكَ إِنِ احْتَجَجْتَ بِعُمَرَ لَزِمَكَ فِيمَا تُخَالِفُهُ مِنْ تَقْدِيمِ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الَّذِيَ فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه مِنَ الْوَقْفِ مَحْمُولٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْتَهِدُوا وَيُتحروا فِي الْأَفْضَلِ لِمَا كَانَ يُشَاهِدُ فِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخِلَافَةِ، وَأنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانَتِ الأْعَيْنُ مَمْدُودَةً إِلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ. فَأَحَبَّ أَنْ يَجْتَهِدُوا لِيَكُونَ الْمُبَايِعُ لَهُ مِنْهُمْ أَوْكَدَ أَثرًا وَأَوْثَقَ بَيْعَةً. وَاقْتَدَى فِيمَا فَعَلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ عِلْمِهِ

⦗ص: 306⦘

بِفَضْلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ بَلْ دَلَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَتَفْضِيلِهِ وَسَكَتَ عَنِ النَّصِّ عَلَيْهِ. فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَكَتَ عَنِ النَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لِجَهْلٍ كَانَ مِنْهُ بمكانه فَقَدْ قَالَ عَظِيمًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ عليه السلام:«يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه» ، وَقَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ:«إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» . مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْبَيَانِ فِي أَمْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه مَا: يأتي

ص: 305

105 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، ثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ:«حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ أَوْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه»

ص: 306

106 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِلَّانَ، ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ مَعَ عُمَرَ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: مَنْ تَرَى قَوْمَكَ مُؤَمِّرُونَ؟ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمُ إِلَى ابْنِ عَفَّانَ " وَيُقَالُ لِلطَّاعِنِ: جَعَلْتَ سُكُوتَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي أَمْرِ عُثْمَانَ حُجَّةً

⦗ص: 307⦘

فِي الوقف في أَمْرِهِ فَهَلَّا جَعَلْتَ كَلَامَ غَيْرِهِ وَقَوْلَهُ وَمَدْحَهُ فِيهِ حُجَّةً لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ عَلِيٌّ فِيهِ

ص: 306

107 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْزُوقٍ، ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُ: «يَا مُطَرِّفُ أَحُبُّ عُثْمَانَ يَمْنَعُكَ مِنْ إِتْيَانِنَا؟ إِنْ أَحْبَبْتَهُ لَقَدْ كَانَ أَوْصَلَنَا لِلرَّحِمِ»

ص: 307

108 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فَقَالَ: «أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ وَلَمْ نَأْلُ»

ص: 307

109 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا مُسْعَدٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:«مَا أَلَوْنَاكُمْ عَنْ أَعْلَاهَا، فُوقًا أَوْ ذِي فُوقٍ»

ص: 307

110 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ حِينَ بُويِعَ عُثْمَانُ:«مَا آلَوْنَاهَا عَنْ أَعْلَاهَا ذَا قُوَّةٍ»

ص: 307

111 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه:«عُثْمَانُ كَانَ خَيْرَنَا وَأَفْقَهَنَا» فَإِنِ اعْتَلَّ مُقَدِّمُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنهما أَوِ الْوَاقِفُ فِي أَمْرِهِمْا بِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمُوا فِي عُثْمَانَ رضي الله عنه. قِيلَ لَهُ: إن الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ بِالْفَضْيلة وَالْمَنْقَبَةِ وَالسَّابِقَةِ فَقَدْ ثَبَتَ وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِزَالَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِمِثْلِهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ النَّقْضُ حَتَّى يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ يُقِيمُ بِهَا قَوْلَهُ وَيُثْبِتُهُ عَلَى غَيْرِ مُعَارَضَةٍ وَلَا خلل. فَإِنْ قَالَ: الْمُتَكَلِّمُ فِي أَمْرِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الْمَصَاحِفِ. قِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دُونَهُ فِي الْفَضْلِ، وَكَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ فِي أَمْرِهِ حِينَ بُويِعَ: أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ وَلَمْ نَأْلُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ أَنَّ الَّذِيَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ مُتَوَجِّهًا عَلَى مَنْ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ تَوْلِيَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فِي أَمْرِ الْمَصَاحِفِ وَمَا اسْتَنَّ عُثْمَانُ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ سُنَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما حِينَ أَمَرَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِنَسْخِ الْمَصَاحِفِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحْضُرُهُمَا.

⦗ص: 309⦘

فَلَوْ كَانَ الْإِنْكَارُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ حَقًّا لَكَانَ لِمَنْ وَلَّاهُ قَبْلَ عُثْمَانَ أَلْزَمَ

ص: 308

112 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةَ، وَإِذَا عِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ:«أَنْتَ رَجُلٌ عَاقِلٌ قَدْ كُنْتَ تُكْتَبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَتَّهِمُكَ، اجْمَعِ الْقُرْآنَ»

ص: 309

113 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ:«يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ كِتَابِ اللَّهِ وَيتَوَلَّاهُ رَجُلٌ، وَاللَّهِ وَالله لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ رَجُلٍ كَافِرٍ» يُرِيدُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِ اعْتَلَّ بِتَوْلِيَتِهِِ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ وَأَنَّهُ سَكِرَ فَصَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا

⦗ص: 310⦘

قِيلَ لَهُ: وَمَا عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه مِنْ فِعْلِ الْوَلِيدِ، فَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ النَّاسِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَفَسَقَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الْآيَةَ، فَلَا يَلْحَقُهُ في ذَلِكَ إِلَّا مَا لَحِقَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَشَرِبَ الْخَمْرَ مُتَأَوِّلًا فَأَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه بِحَدِّهِ. وَقُدَامَةُ مِنْ أُولِي السَّابِقَةِ وَالْفَضْلِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَلَمْ يَلْحَقْ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ شَيْءٌ بَعْدَ أن حَدَّهُ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ رضي الله عنه قَدْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ

ص: 309

114 -

حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ الدَّبَّاغُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ، حَدَّثَنَا حُضَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَدْ صَلَّى بِأَهْلِ الْكُوفَةِ الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَقَالَ: أَزِيدُكُمْ فَشَهِدَ عَلَيْهِ حِمْيَرَانِ وَرَجُلٌ آخَرُ، شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَآهُ يَشْرَبُهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَقِيئُهَا قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: «إِنَّهُ لَمْ يَقِئْهَا حَتَّى شَرِبَهَا» وَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنهما: «قُمْ فَاجْلِدْهُ» فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَأَخَذَ السَّوْطَ فَجَعَلَ يَجْلِدُهُ وَعَلِيُّ عليه السلام يَعَدُّهُ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ. فَقَالَ: أَمْسِكْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ عُمَرُ رضي الله عنه ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ

ص: 310

115 -

حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُسَرَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: أَنَّهُ كَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه فَقَالَ: " وَأَمَّا في شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا رضي الله عنه فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ، وَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَجَاءَ بِمَالِ سَوَادٍ كَثِيرٍ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: هَذَا مِمَّا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَعَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذَ مَا مَعَهُ " وَوَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه الْمُخْتَارَ بْنَ أَبَى الْمَدَائِنِ فَأَتَاهُ بِصُرَّةٍ فَقَالَ: هَذَا مِنْ أُجُورِ الْمُؤْمِنَاتِ. فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَوْ

⦗ص: 312⦘

شُقَّ عَنْ قَلْبِهِ لَوُجِدهَ مَلْآنَا من حُبِّ اللَّاة وَالْعُزَّى. وَهُوُ أَفْسَقُ مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَأَخَذَ الْمَالَ وَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ. وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يُظْهِرُ الْجَزَعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مِمَّا يَلْقَى مِنْ وِلَايَةِ أَصْحَابِهِ وَمَا كَانَ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ عِصْيَانِهِمْ وَخِلَافِهِمْ، وَكَانَ يَقُولُ: وَلَّيْتُ فُلَانًا فَأَخَذَ الْمَالَ، وَوَلَّيْتُ فُلَانًا فَخَانَنِي، حَتَّى لَوْ وَلَّيْتُ رَجُلًا عِلَاقَةَ سَوْطِي لَمَا رَدَّهَا إِلَيَّ. فَإِذا طَعَنَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه بِمَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍّ مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِمِنًى وَأَنَّهُ صَلَّاهَا أَرْبَعًا. قِيلَ لَهُ: كَانَ إِنْكَارُهمَا خِلَافَ الْحَقِّ، لَمَّا تَابِعَاهَ وَوَافَقَاهُ، فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَا: الْخِلَافُ شَرٌّ. وَقَدْ رَأَى جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ مِنْهُمْ: عَائِشَةُ رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا، وَعُثْمَانُ رضي الله عنه، وَسَلْمَانُ رضي الله عنه، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنَّ الَّذِي حَمَلَ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَلَى الْإِتْمَامِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْأَعْرَابِ مِمَّنْ شَهِدُوا مَعَهُ الصَّلَاةَ بِمِنًي رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ، كَذَلِكَ صَلَّيْنَاهَا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه بِمِنًى. فَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَلَّى أَرْبَعًا ليعلمهم مَا يستنوا بِهِ للْخِلَافَ وَالِاشْتِبَاهَ.

⦗ص: 313⦘

وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي أَمْرِ الْحَجِّ، نَهَاهُمْ عَنِ التَّمَتُّعِ، وَأَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ عِلْمِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ يُخَالِفُهُ وَيَقُولُ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَتَابَعَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَتِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ مَعْتَمِرًا حَتَّى فَرَغَ مِنْ إِقَامَةِ الْمَنَاسِكِ، وَلَمْ يَعُدُّوا ذَلِكَ خِلَافًا مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلَمْ يُظْهِرُوا إِنْكَارًا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْإِنْكَارِ لَأَنْكَرُوهُ وَلَمَا تَابَعُوهُ عَلَى رَأْيِهِ. فَإِنْ عَادَ لِلطَّعْنِ عليه بِأَنَّهُ أَمَرَ للنَّاسَ بِالْعَطَاءِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ وَأَنَّ النَّاسَ أَنْكَرُوهُ. قِيلَ: عُثْمَانُ أَعْلَمُ مِمَّنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلِلْأَئِمَّةِ إِذَا رَأَوُا الْمَصْلَحَةَ لِلرَّعِيَّةِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَفْعَلُوهُ، وَلَا يُجْعَلُ إِنْكَارُ مَنْ جَهِلَ الْمَصْلَحَةَ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَرَفَهَا، وَلَا يَخْلُو زَمَانٌ مِنْ قَوْمٍ يَجْهَلُونَ وَيُنْكِرُونَ الْحَقَّ مِنْ حَيْثِ لَا يَعْرِفُونَ، وَلَا يَلْزَمُ عُثْمَانَ رضي الله عنه فِيمَا أَمَرَ بِهِ إِنْكَارٌ لِمَا رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ، فَقَدْ فَرَّقَ

⦗ص: 314⦘

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ وَتَرَكَ الْأَنْصَارَ لِمَا رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: تُقْسَمُ غَنَائِمُنَا فِي النَّاسِ وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَكَانَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَى مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِلَّةُ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِيمَا قَسَمَ. وَكَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ إِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُ عُثْمَانَ رضي الله عنه مِنْ إِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا إِلَّا مَا لَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيمَا فَعَلَ اقْتِدَاءً بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِنْ قَالَ: قائل: إِنَّمَا الَّذِي أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخُمْسِ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ مِنَ الْخُمْسِ لَمَا أَنْكَرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ ذَلِكَ وَلَمَا قَالَتْ: غَنَائِمُنَا، وَلَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: َلِمَ أَنْكَرْتُمْ، إِنَّمَا أَعْطَيْتُهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ، أَلَا تَرَاهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَمَالَ بِقُلُوبِهِمْ حِينَ قَالَ لَهُمْ:«أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ» قَالُوا: رَضِينَا

ص: 311

116 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَازِنَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رَجُلًا مِنْ قُرَيْشِ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: وأَمَّا ذَوُو آرَائِنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم:" إِنَّمَا أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ - وْ قَالَ - لَهُمْ: أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ ". قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمْ

⦗ص: 315⦘

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» . قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا فَإِنْ طَعَنَ وَقَالَ: ضَرَبَ عَمَّارًا. قِيلَ: له: هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْهُ، وَلَوْ ثَبَتَ ذلك فَلِلْأَئِمَّةِ أَنْ يُؤَدِّبُوا رَعِيَّتَهُمْ إِذَا رَأَوْا وَاجِبًا لَهُمْ، فإِنْ كَانَ ذَلِكَ ظلماً. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اقْتَصَّ عَلَى نَفْسِهِ وَأَقَادَ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَدَّبَا رَعِيَّتَهُمَا بِاللَّطْمِ وَالدِّرَّةِ فأَقَادُا مِنْ نَفْسَيْهِمَا. وأما عُثْمَانَ رضي الله عنه يُنْقَمُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُنْقَمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟

ص: 314

117 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ، ثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ ردعة مِنْ صُفْرَةٍ فَهَوَى إِلَى بَطْنِهِ بِخَشَبٍة فِي يَدِهِ فَأَصَابَ صَدْرَهُ فَجَرَحَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا لِأَحَدٍ فَضْلٌ عَلَى أَحَدٌ» . ثُمَّ رَفَعَ قَمِيصَهُ فَقَالَ: «تَعَالَ فَاقْتَصَّ»

ص: 315

118 -

حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ، إِمْلَاءً، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ، ثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعُبَيْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ فِِيهِِ ضَعْفٌ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضْعُفَ أَنْ يُكَلِّمَهُ عِنْدَ النَّاسِ فَأَخَذَ يَوْمًا بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهَا» وَأَتَى لَهُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ: «هَأنا اقْتَصَّ»

ص: 316

119 -

وَرَوَى شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ، يَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه يَسْتَحْمِلُهُ، قَالَ: فَلَطَمَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ النَّاسُ: مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ، مَا رَضِيَ أَنْ مَنَعَهُ حَتَّى لَطَمَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه:«أَتَانِي يَسْتَحْمِلُنِي فَحَمَلْتُهُ. فَبَلَغَنِي أَنَّهُ تَتَبَّعَهُ» فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: «دُونَكَ فَاقْتَصَّ» فَعَفَا عَنْهُ

ص: 316

120 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، ثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ، ثَنَا ، أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ فَارِسًا وَمِنْ أَبِيكَ. فَغَضِبْتُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَكَبَبْتُهُ عَلَى أَنْفِهِ، فَكَأَنَّمَا كَانَ غُرْلًا

⦗ص: 317⦘

فَرَأَيْتُهُ فَتَوَاعَدَنِي الْأَنْصَارُ أَنْ يَسْتَقِيدُوا مِنِّي، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه خَطِيبًا، فَقَالَ:«وَاللَّهِ لَئِنْ أُخْرِجْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ أَقْرَبُ مِنْ أَنْ أُقِيدَهُمْ مَنْ وَدَعَهُ اللَّهُ الدِّينَ مَنْ يَرْغَبُونَ عَنِ اللَّهِ»

ص: 316

121 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا: زيرًا، وَعَلَيْهَا قَمِيصٌ جَدِيدٌ فَكَشَفَهَا الرِّيحُ فَشَدَّ عَلَيْهَا عُمَرُ رضي الله عنه بِالدِّرَّةِ، وَجَاءَ سَعْدٌ لِيَمْنَعَهُ فَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ فَذَهَبَ سَعْدٌ يَدْعُو عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَنَاوَلَهُ عُمَرُ الدِّرَّةَ وَقَالَ:«اقْتَصَّ» فَعَفَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَدْ ضَرَبَ أَيْضًا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَرَأَى جَمَاعَةً تَطُوفُ عَقِبَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ. فَإِنْ قَالَ: عُثْمَانُ رضي الله عنه لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ. قِيلَ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ بَذَلَ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَبْذُلهْ أَحَدٌ

ص: 317

122 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، رضي الله عنه يَقُولُ:«هَاتَانِ رِجْلَايَ فَإِنْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ تَضَعُوهُمَا فِي الْقَيْدِ فَضَعُوهُمَا»

ص: 317

123 -

حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسيَنِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَشْرَفَ عَلَيْنَا عُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ فَقَالَ: «يَا قَوْمُ، إِنْ وَجَدْتُمْ فِي كُتاُبِ اللَّهِ أَنْ تَضَعُوا رِجْلِي فِي قِيدٍ فَضَعُوهَا»

⦗ص: 318⦘

فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَعْطَى مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ مََنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، قِيلَ لَهُ: لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، بَلْ قَالَهُ مَنْ قَالَ ظَنًّا، وَكَيْفَ يُقْبَلُ هَذَا عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه؟ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مَالًا وَأَبْذَلِهِمْ وَأَكْثَرِهِمْ عَطِيَّةً وَمَعْرُوفًا مَعَ أَنَّ الْأَيَّامَ لَا تَخْلُو مِنْ جُهَّالٍ يَقُولُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ

ص: 317

124 -

حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، ثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَسْمًا، فَقَالَ له رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ الَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: «رَحِمَنَا اللَّهُ وَمُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ»

ص: 318

125 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدَانٍ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَجُلًا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ يَقْسِمُ تِبْرًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ. قَالَ: «وَيْحَكَ وَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟»

⦗ص: 320⦘

فَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ يَلْقَى مِنَ الْجُهَّالِ بِأَمْرِ اللَّهِ هَذَا، وَيَضَعُونَ أَمْرَهُ وَفِعْلَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي وَضَعَهُ، فَكَيْفَ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَمَنْ دُونَهُ. فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ وَلَّى رِجَالًا لَمْ يَسْتَحِقُّوا الْوَلَايَةَ وَذَكَرَ: الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَغَيْرَهُمْ.

⦗ص: 321⦘

قِيلَ لَهُ: فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْدِلُوا؟ فَإِنْ ذَكَرَ مَا تَبَيَّنَ مِنْ فِسْقِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ. قِيلَ لَهُ: فَمِنْ أَيْنَ كَانَ فِسْقُ غَيْرِهِ؟ لَئِنْ جَازَ لَكُمُ ادِّعَاءُ الْفِسْقِ فِي وُلَاتِهِ لَيَجُوزَنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِكُمْ فِي عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما. فَقَدْ وَلَّى عُمَرُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْبَصْرَةِ فَرُمِيَ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ، وَوَلَّى أَبَا هُرَيْرَةَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالُوا: خَانَ مَالَ اللَّهِ، وَوَلَّى قُدَامَةَ الْبَحْرَيْنِ فَشَرِبَ. وَوَلَّى عَلِيٌّ رضي الله عنه الْأَشْتَرَ وَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ، وَوَلَّى الْأَحْنَفَ فَأَخَذَ الْمَالَ وَهَرَبَ. فَلِمَ خَصَصْتُمْ عُثْمَانَ رضي الله عنه بِالْإِنْكَارِ وَقَدْ وَلَّى كَمَا وَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما، مَعَ أَنَّ الرَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَدْ وَلَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيبًا مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا طَعَنُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا فِيهِ وَفِي أُسَامَةَ ابْنِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

ص: 319

126 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُخارِقِ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْزَةَ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْيدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمْرَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فقال: «إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَيْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ»

⦗ص: 322⦘

وَإِنَّمَا سَوَّغَ النَّاسُ مَقَالَتَهُمْ فِي عُثْمَانَ لِلِينِهِ وَحَيَائِهِ فَاجْتَرَءُوا عَلَيْهِ، وَكَثُرَ فِي أَيَّامِهِ مَنْ لَمْ يَصْحَبِ الرَسُولَ، وَفُقِدَ مَنْ عَرَفَ فَضْلَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفُقِدَ مَنْ عَرَفَ فَضْلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنه أَجْمَعِينَ. فَإِنْ طَعَنَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ. قِيلَ لَهُ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عُثْمَانَ نَفْيًا، هُوَ أَعْدَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ بِالْأَفَاضِلِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَ أَوْ يَنَالَهُمْ بِمَكْرُوهٍ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ عُثْمَانَ تَخْيِيرًا لِأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْخُشُونَةِ، لَمْ يَكُنْ يُدَارِي مِنَ النَّاسِ وكَانَ غَيْرُهُ يُدَارِي، فَخَيَّرَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه بَعْدَ أَنِ اسْتَأْذَنَهَ في الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَاخْتَارَ الرَّبَذَةَ لِيَتَبَاعَدَ نُزُولُهُ عَنِ النَّاسِ وَمُعَاشَرَتِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا:

ص: 321

127 -

حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَقُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: مَا أَنْزَلَكَ هَذَا الْمَنْزِلَ؟ فَقَالَ أُخْبِرُكَ: " إِنِّي كُنْتُ بِالشَّامِ، فَتَذَاكَرْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا الْآيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقُلْتُ أَنَا: هِيَ فِيهِمْ وَفِينَا. فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ أَنِ أَقْدِمْ عَلَيَّ. فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَانْثَالَ عَلِيَّ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُونِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ

⦗ص: 323⦘

رضي الله عنه فَخَيَّرَنِي، فَقَالَ: انْزِلْ حَيْثُ شِئْتَ " فَأَخْبَرَ أَبُو ذَرٍّ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْخُرُوجِ لِمَا يَلَقَّى مِنَ النَّاسِ، وَانْثِيَالِهِمْ عَلَيْهِ وَاجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَخَافُ الِافْتِتَانَ بِهِمْ وَيَحْذَرُهُمْ.

⦗ص: 324⦘

وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ الشِّيعَةِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ حَدِيثِ حُصَيْنٍ، قِيلَ: إِنَّ حَدِيثَكُمْ لَا يَدْفَعُ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنٍ الثَّابِتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ. فَإِنْ جَعَلَ إِشْخَاصَ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه مِنَ الشَّامِ وَحَبْسَهُ بِالْمَدِينَةِ طَعْنًا عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه. قِيلَ لَهُ: لِلْأَئِمَّةِ إِذَا أَحَسُّوا باخْتِلَافَ وَفِتْنَةٍ أَنْ يُبَادِرُوا إِلَى حَسْمِهَا وَحَبْسِهَا، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَحَبَسَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ وَمَنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَنَعَهُمْ أَيْضًا أَشْيَاءَ كَانَتْ لَهُمْ مُبَاحَةً مِنَ الْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا خَوْفًا أَنْ يَتَأَسَّى مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا وَرَعَ فيهم بِذَلِكَ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا:

ص: 322

128 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَبِي ذَرٍّ وَلِأَبِي الدَّرْدَاءِ: «مَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَ: وَأَحْسِبُهُ لَمْ يَدَعْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ مَالِكٌ: حَبَسَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا ذَرٍّ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَغَيْرَهُمْ حَتَّى قِيلَ. وَقَالَ: «مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُحَدِّثُونَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»

ص: 325

129 -

حَدَّثَنَي سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصَبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِدِمَشْقَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا حَدِيثًا كَانَ يُذْكَرُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ رَجُلًا يُخِيفُ النَّاسَ فِي اللَّهِ»

ص: 325

130 -

فَإِنِ احْتَجُّوا بِمَا رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ:«لَا يَلِي بَعْدَ عُمَرَ رضي الله عنه إِلَّا أَصْعَرُ أَبْتَرُ يُوَلِّي الْحَقَّ اسْتَهُ» قِيلَ لَهُمْ: إِنَّمَا تَطْعَنُونَ بِهَذَا عَلَى عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما مَعَ أَنَّ الَّذِيَ رَوَاهُ شُعْبَةُ يُخَالِفُهُ وَهُوَ أثْبَتُ مِنَ الْأَعْمَشِ وَقَدْ يُدَلِّسُ الْأَعْمَشُ فِي أَشْيَاءَ. . وَشُعْبَةُ عَنْهُ وَهَوَ مَا:

ص: 325

131 -

حَدَّثَنَاُ أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، قَالَ حُذَيْفَةُ:«لَنْ تَرَوْا بَعْدَهُ إِلَّا أَصْعَرَ وَأَبْتَرَ وَعلى الآخِرُ فَالْآَخِرُ شَرٌّ» مَعَ

⦗ص: 326⦘

أَنَّ قَوْلَ حُذَيْفَةَ لَا يُوجِبُ حُجَّةً إِلَّا أَنْ يُسْنِدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا إِذَا قَالَ مِنْ ذَاتِهِ فَهُوَ رَأْي يُخْطِئُ فِيهِ وَيُصِيبُ ـ فَإِذَا احْتَجُّوا بِرِوَايَةِ الرَّوَافِضِ وَعُلَمَائِهِمْ أَنَّ حُذَيْفَةَ وَعَمَّارًا رضي الله عنهما رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: قَتَلْنَاهُ كَافِرًا. وَأَنَّ طَلْحَةَ كَانَ فِيمَنْ حَصَرَهُ، وَأَنَّ عَلِيًّا أَعَانَ عَلَى قَتْلِهُ، وَمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَأَنَّ النَّاسَ خَذَلُوهُ وَأَسْلَمُوهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حَمَاقَاتِ الرَّوَافِضِ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ. قِيلَ لَهُمْ: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ عُثْمَانَ كَفَرَ، فَإِنْ قَالُوا: لَا، قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ بَانَ خَطَأُ مَنْ قَالَ: كَافِرٌ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ مَنْ تَحَمْلُهُ الْحَمِيَّةُ وَالْغَضَبُ عَلَى الْقَوْلِ بِمَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِهِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ حُذَيْفَةَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ إِنْ كَانَ قَالَهُ: إِمَّا كَانَ مُصِيبًا فِيما قَاْلِهِ أَوْ مُخْطِئًا، فَإِنْ أَصَابَ فَلَا بُدَّ أَنْ تُطْلِقُوا الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، أَوْ تُخَطِّئُوهُ فِيمَا قَالَهُ إِنْ قَالَهُ فَلَا تَحْتَجُّوا بِهِ. وَلَوْ قَبْلِنَا قَوْلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي حَالِ غَضِبٍ وَيَقُولُ عَنْ مَوْجِدَةٍ وَحَمِيَّةٍ وَرَدَدْنَا بِهِ مَا ثَبَتَ مِنَ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ وَالسَّابِقَةِ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه وَاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَاخْتِيَارِهِمْ لَهُ، كَانَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا إِلَى إِزَالَةِ الْفَضْلِ وَسُقُوطِ الْمَرْتَبَةِ لِكُلِّ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَتَأَخَّرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذْ لَمْ يَسْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ مُعَاتِبٍ وَوَاجِدٍ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأً كَانَ أَقْوَمَ مِنْ. . . قدح لَوَجَدْتَ لَهُ غَامِزَا وَلَنْ تَعْدِمَ الْحَسْنَاءُ ذَامًّا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ كَانَ مَحْمُولًا مَا ذَكَرْنَاهُ مَا:

ص: 325

132 -

حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَرَبَ لِسَانِي فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ»

ص: 327

133 -

وَأَمَّا قَوْلُ طَلْحَةَ رضي الله عنه: فحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ يَوْمَ الْجَمَلِ: «اللَّهُمَّ إِنَّ كُنَّا أَدْهَنَّا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَإِنَّا لَا نَجِدُ مِنَ الْمُمَانَعَةِ، اللَّهُمَّ فَخُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى»

ص: 327

134 -

فأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِيهِ وَفِي قَتْلِهِ: فَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ زَوْدِيٍّ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ خُطْبَتَهُ فَقَالَ: «أَلَا إِنَّمَا وليت يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فِي الْأَثْوَارِ وَالْأُسْدِ اجْتَمَعُوا فِي أَجَمَةٍ»

ص: 327

135 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا

⦗ص: 328⦘

عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لِيَلَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ وَهُوَ رَافِعٌ إِصْبَعَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ رضي الله عنه»

ص: 327

136 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ ابْنِ عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: ذَكَرُوا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنِّي مُخْبِرُكُمْ قَالَ: فَجَاءَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَالَ:

⦗ص: 329⦘

«كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ مِثْلَهُ

ص: 328

137 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رضي الله عنه يَوْمَ الْجَمَلِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَلَقَدْ طَاشَ عَقْلِي يَوْمَ قُتِلَ وَأَنْكَرْتُ نَفْسِي وَجَاءُونِي لِلْبَيْعَةِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أُبَايِعَ قَوْمًا قَتَلُوا رَجُلًا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ» وَإِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أُبَايَعَ وَعُثْمَانُ قَتِيلٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ

ص: 329

138 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا زَائِدَةُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ:«وَاللَّهِ لَوْ انْقَضَّ أَحَدٌ فِيمَا فَعَلْتُمْ بِابْنِ عَفَّانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ»

ص: 329

139 -

وَحَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى بَعْلِهَا وَنَبِيِّهَا: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه فبَكَتْ حَتَّى ابْتَلَّ خِمَارُهَا، ثُمَّ تَقُولُ:«مَا تَمَنَّيْتُ لِعُثْمَانَ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَنِي حَتَّى إِنِّي لَوْ تَمَنَّيْتُ أَنْ يُقْتَلَ قُتِلْتُ»

ص: 330

140 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثَنَا حَازِمُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ طَلْقَ بْنَ خَشَّافٍ، يَقُولُ: وَفَدْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لِلنَّظَرِ فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَرَّ بِنَا بَعْضُ آلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَبَعْضُ آلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَبَعْضُ آلِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْت إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى بَعْلِهَا وَنَبِيِّهَا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا فَرَدَّتِ السَّلَامَ، وقَالَتْ:«مَنِ الرَّجُلُ؟» قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. قَالَتْ: «مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْبَصْرَةِ؟» قُلْتُ: مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَتْ: «مِنْ أَيِّ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ؟» قُلْتُ: مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. فَقَالَتْ: «مِنْ أَهْلِ فُلَانٍ؟» فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنه؟ قَالَتْ: «قُتِلَ وَاللَّهِ مَظْلُومًا، لَعَنَ اللَّهُ قَتَلَتَهُ، أَقَادَ اللَّهُ مِنِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، به، وَسَاقَ اللَّهُ إِلَى أَغَرَّ بْنَ تَمِيمٍ هَوَانًا فِي بَيْتِهِ، وَأَهْرَقَ اللَّهُ دِمَاءَ بني بُدَيْلٍ عَلَى ضَلَالِهِ،

⦗ص: 331⦘

وَسَاقَ اللَّهُ إِلَى الْأَشْتَرِ سَهْمًا مِنْ سِهَامِهِ. فَوَاللَّهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ إِلَّا أَصَابَتْهُ دَعْوَتُهَا»

ص: 330

141 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، ثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: «لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه كَذَا وَحَلَّقَ بِيَدِهِ يعني عقد عشرة فُتِقَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْقٌ لَا يَرْتُقُهُ جَبَلٌ» وَأَمَّا اعْتِلَالُهُمْ بِتَرْكِ إِنْكَارِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَلَى مَنْ حَصَرُوهُ. فَلَقَدْ شَرَعُوا إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَاسْتَعَدُّوا لِمُدَافَعَتِهِمْ وَمُقَاتَلتِهِمْ، وَلَكِنْ لَمْ يُظْهِرِ الْقَوْمُ قَتْلَهُ وإنما أَظْهَرُوا الْمَعْتَبَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَسْتَبِدُّوا بِرَأْيٍ فِي أَمْرِهِمْ إِلَّا بِأَمْرٍ مِنْ خَلِيفَتِهِمْ وَأَمِيرِهِمْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَكَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَيَعْزِمُ عَلَيْهِمْ أَلَا يُرَاقَ فِيهِ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، وَلَقَدْ أَنْكَرُوا وَبَالَغُوا فِي الْإِنْكَارِ. مِنْهُمْ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَابْنُ عَامِرٍ وَغَيْرُهُمْ. فَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فَقَدْ حُمِلَ يَوْمَئِذٍ

⦗ص: 332⦘

جَرِيحًا "

ص: 331

142 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ الصَّائِغُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ الشَّيْبَانِيُّ، ثَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه يَعْرِضُ نُصْرَتَهُ وَيَذْكُرُ بَيْعَتَهُ، فَقَالَ:«أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي وَفِي حَرُّجٍ مِنْ نُصْرَتِي، فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ سَالِمًا مَظْلُومًا»

ص: 332

143 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ، ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:«لَبِسَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَئِذٍ الدِّرْعَ مَرَّتَيْنِ»

ص: 332

144 -

حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:«لَقَدْ قُتِلَ، وَإِنَّ فِي الدَّارِ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ» قَالَ مُحَمَّدٌ: «وَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ لَضَرَبُوهُمْ حَتَّى يُخْرِجُوهُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ»

ص: 332

146 -

حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ طَابَ أَمْ ضَرْبٌ. فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تُحِبُّ أَنَّكَ قَتَلْتَنِي وَقَتَلْتَ النَّاسَ جَمِيعًا؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ:«فَإِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَكَأَنَّكَ قَتَلْتَ النَّاسَ جَمِيعًا»

ص: 333

147 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَبَلَةَ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، ثَنَا أَيُّوبُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَكْيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَكَ فِي الدَّارِ عِصَابَةٌ مُسْتَنْصَرَةٌ بِنَصْرِ اللَّهِ عز وجل بأقَلَّ مِنْهُمْ فَأْذَنْ لِي فَالْأُقَاتِلْ، فَقَالَ:" أَنْشُدُكَ اللَّهَ - أَوْ قَالَ -: أُذَكِّرُ باللَّهِ رَجُلًا أَهْراَقَ فِي دَمِهِ - أَوْ قَالَ -: دَمًا "

ص: 333

148 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالُوا: ثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ، ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ، قَالَ: خَطَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، فَقَالَ:«لَوْ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ لَرُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ»

ص: 333

149 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،

⦗ص: 334⦘

قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ قَالَ عَلِيٌّ: «مَا صُنِعَ بِالرَّجُلِ؟» قَالُوا: قُتِلَ. قَالَ: «تَبًّا لَهُمْ آخِرَ الدَّهْرِ» فَأَمَّا ادِّعَاؤُهُمْ عَلَى طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ حَصَرَهُ. قِيلَ: كَيْفَ يُقْبَلُ هَذَا عَلَى طَلْحَةَ وَهُوَ الَّذِي يَلْعَنُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ مَعَ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا، وَمَنْ مَعَهُا صَبَاحًا مَسَاءً، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ: اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى تَرْضَى. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ طَلْحَةُ فِعْلًا الْحَقُّ فِي غَيْرِهِ، أَوْ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ كَانَ حَقًّا وَصَوَابًا؟ فَإِنْ قَالُوا: كُلُّ أَفْعَالِهِ حَقٌّ وَصَوَابٌ فَقَدْ أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا كَانَ مِنْهُ من خُرُوجِهِ من الْبَصْرَةِ وَتَنَكُّبِهِ عَنِ الْحِجَازِ وَتَبَاعُدِهِ من الْمَدِينَةِ عَنْ بَيْعَةِ عَلِيٍّ كَانَ أَيْضًا حَقًّا وَصَوَابًا، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَا يَفْعَلُهُ حَقًّا وَبَعْضُهُ خَطَأً فَالِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ الرِّضَا أَوْلَى مِمَا يَقُولُهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ. فَلَوِ اتَّبَعْتُمْ فِي أَمْرِهِ مَا ثَبَتَ عَنِ الرَسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنَاقِبِهِ وَفَضَائِلِهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَيْهِ وَلَا فِي مَقَالَتِهِ كَانَ أَوْلَى مِنِ احْتِجَاجِكُمْ بِقَوْلِ مَنْ جَوَّزْتُمُ الْخَطَأَ عَلَيْهِ وَفِي قَوْلِهِ. فَإِنْ قَالُوا: وَمَا الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَكُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؟ قِيلَ لَهُ مَا:

ص: 333

150 -

حَدَّثَنَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْخَطَّابِيُّ، ثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ،

⦗ص: 335⦘

قَالَ: سَمِعْتُ خُطَبَاءَ بِالشَّامِ فِي الْفِتْنَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: لَوْلَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ أَقُمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِتْنَةً كَائِنَةً فَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ فَقَالَ:«هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى» . فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ص: 334

151 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ دَوْمَةٍ وَعِنْدَهُ كَاتِبٌ يُمْلِي عَلَيْهِ، مِمَّ قَالَ:«يَا ابْنَ حَوَالَةَ كَيْفَ أَنْتَ إِذَ نَشَأَتْ فِتْنَةٌ؟» فَذَكَرَهَا. قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ فَقَالَ: «هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ» . فَأَتَيْتُه فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ وَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذَا» فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

ص: 335

152 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً فَحَذَّرَ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ» يَعْنِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ص: 336

153 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: ثَنَا رَوْحُ بْنُ عَمادٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا أَوْ حِرَاءً، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهم فَرَجَفَ الْجَبَلُ، فَقَالَ:«اثْبُتْ أُحُدٌ فَإِنَّ عَلَيْكَ نََبِيُّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ»

ص: 336

154 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ

⦗ص: 337⦘

أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى صَخْرَةِ حِرَاءَ فَتَحَرَّكَتْ فَقَالَ: «اسْكُنِي فَمَا عَلَيْكِ إِلَّا نَبِيُّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» . وَكَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيُّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ

ص: 336

155 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا أَبُو زَيْدٍ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى بَعْلِهَا وَنَبِيِّهَا: أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ منْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً أَنَا وَحَفْصَةُ يَوْمًا عِنْدَهُ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَحَدَّثَهُ قالت فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:«يَا عُثْمَانُ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل مقَمِّصُكَ قَمِيصًا فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ» يقول ذلك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهَذَ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى عُثْمَانَ مُنْكَرًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: ثبت يُنْسَبُ إِلَى الْإِسَاءَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي عُثْمَانَ. قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ نَقُولُ؛ لِأَنَّ مَنْ بَيَّنَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ عليه السلام

⦗ص: 338⦘

فَضْلَهُ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وَاجْتَمَعَ أَفَاضِلُ الصَّحَابَةِ وَالْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِهِ وَتَوْلِيَتِهِ وَإِمَامَتِهِ، لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسِيءٌ فِيهِ مِمَّا لَا يُمْكُنُ لِعُثْمَانَ فِيهِ تَأْوِيلٌ، وَأَمَّا أَنَّ عُثْمَانَ أَنْ يَفْعَلَ وَيُفَرِّطَ منه فَلَا، لَا سِيَّمَا وَمَنْ كَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَانَ يَقَعُ منهِ مَا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَنْهُ، وَلَا يلْزِمُ الصَّفْوَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ إِلَّا مَا اشْتُبِهَ فِيهِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِسُوءٍ لَزِمَهُ الْخَطَأُ حَتَّى يَأْتِيَ يُثْبِتُ مَا يَقُولُهُ فِيهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيمُ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُخْطِئُ، وَلَنْ يَخْلُوَ أَحَدٌ مِنْ زَلَّةٍ وَغَفْلَةٍ، إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ نَذْكُرَ في أَصْحَابِ الرَسُولِ صلى الله عليه وسلم مَا نُسِبَ الله إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ وَالسَّوَابِقِ الْقَدِيمَةِ وَالْمَنَاقِبِ، وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالْمَحَاسِنِ الْمَشْهُورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ أَحْوَالَ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ، وَأَضَافَ إِلَيْهِمْ بَعْضَ أَفَعالِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15]، وَقَالَ تَعَالَى فِي دَاوُدَ:{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، وَقَالَ تَعَالَى:{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25]، وَقَالَ تَعَالَى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] .

⦗ص: 339⦘

فَعَلَّمَنَا الِاقْتِدَاءَ بِهُدَاهُمْ وَمَا مُدِحُوا بِهِ، وَأَنْ نُمْسِكَ عَنْ ذِكْرِ مَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الزَّلَلِ، فَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْحَابِهِمْ إِنَّمَا نَذْكُرُ مَحَاسِنَهُمُ الَّتِي مُدِحُوا عَلَيْهَا وَمَرَاتِبَهُمُ الَّتِي أُنْزِلُوا عَلَيْهَا، وَنَسْكُتُ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الزَّلَلِ

ص: 337

156 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا ثَنَا، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ عَمِلَ خَطِيئَةً أَوْ هَمَّ بِهَا لَيْسَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا»

ص: 339

157 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ عِلَاقَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ - أَوْ قِيلَ - سَاقَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَقُولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»

ص: 339

158 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا شَقِيقٌ، حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَقُولُ: قَامَ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَّقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 155] فَعَفَى الله عَنْهُمُ اسْتِزْلَالَ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمْ، عَظِيمَ مَا كَسَبُوا مِنْ قوله ثم عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِحَضْرَةَ الْعَدُد، وَكَذَلِكَ عَفَى عَنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ كَتَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِشَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى عَوْرَة الْمُؤْمِنِينَ فَشَهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ فَقَالَ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] . وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بِالْعَفْوِ عَنْ مِسْطَحٍ وَحَسَّانَ، فَقَالَ:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} الْآيَةَ، فَأَثْبَتَ هِجْرَتَهُمْ وَأَثْنَى

⦗ص: 341⦘

عَلَيْهِمْ بِهَا بَعْدَ مَا كَانُوا اقْتَرَفُوا الطَّاهِرَةِ الْمُطَهَّرَةِ حَبِيبَةِ حَبِيبِ اللَّهِ. ثُمَّ مَا أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحُدُودِ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ قَطْعِ السَّارِقِ، وَرَجْمِ الْمُعْتَرِفِ بِالزِّنَا مَاعِزًا، وَأُتِيَ بِالنُّعَيْمَانِ سَكْرَان فَأَمَرَ بِجِلْدِهِ، وَكَانَ نُّعَيْمَانُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَكُلُّ هَذَا مَغْفُوراًٌ لَه وَمَسْكُوتٌاً عَنْهُ لِمَا أُولَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّوَابِقِ الْكَرِيمَةِ وَالْمَنَاقِبِ الْعَظِيمَةِ، وَشَكَرَ لَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِمَحَاسِنِهِمْ، فَقَالَ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ. .} [الأحقاف: 16] الْآيَةَ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِظْهَارُ مَا مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَشَكَرَهم عَلَيْهِ مِنْ جَمِيلِ أفِعَالِهِمْ وَجَمِيلِ سَوَابِقِهِمْ، وَأَنْ يَغُضُّوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالْإغْفَالِ وَفَرَطَ مِنْهُمْ عِنْدَ اسْتِزْلَالَ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمْ، وَنَأْخُذُ فِي ذِكْرِهِمْ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا

⦗ص: 342⦘

مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الْآيَةَ. فَإِنَّ الْهَفْوَةَ وَالزَّلَلَ وَالْغَضَبَ وَالْحِدَّةَ وَالْإِفْرَاطَ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَهُوَ لَهُمْ غْفُورٌ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ، وَلَا الْعَدَاوَةَ لَهُمْ، وَلَكِنْ يحِبُّ عَلَى السَّابِقَةِ الْحَمِيدَةِ، ويتُولِي للْمَنْقَبَةِ الشَّرِيفَةِ

ص: 340

159 -

حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ، ثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قُرَّةَ، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ، وَكَانَ يَحْدُثُ بأَشْيَاءُ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْغَضَبِ، فَيَنْطَلِقُ نَاسٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حُذَيْفَةَ فَيَأْتُونَ سَلْمَانَ فَيَذْكُرُونَ لَهُ قَوْلَ حُذَيْفَةَ فَيَقُولُ سَلْمَانُ: هُوَ أَعْلَمُ بمَا يَقُولُ " فَيَرْجِعُونَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَيَقُولُونَ ذَكَرْنَا قَوْلَكَ لِسَلْمَانَ فَمَا صَدَّقَكَ وَلَا كَذَّبَكَ. فَأَتَى حُذَيْفَةُ سَلْمَانَ وَهُوَ فِي مَبْقَلَةٍ، فَقَالَ لسلمان مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَنِيَ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْضَبُ فَيَقُولُ فِي الْغَضَبِ لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَيَرْضَى فَيَقُولُ فِي الرِّضَا لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أمَا تَنْتَهِي حُذَيْفَةُ حَتَّى تُورَثَ رِجَالًا حُبَّ رِجَالٍ، وَرِجَالًا بُغْضَ رِجَالٍ، وَحَتَّى تُوقِعَ اخْتِلَافًا وَفُرْقَةً، وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ:«أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي سَبَبْتُهُ سُبَّةً أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً فِي غَضَبِي، فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَغْضَبُ كَمَا يغْضَبُونَ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَكْتُبُ فِيكَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

ص: 342

160 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الحُسَيْنِ أَبُو كَامِلٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى بَعْلِهَا وَنَبِيِّهَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاتِبْنِي، أَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ فَلَا تُعَاتِبْنِي بِهِ» وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

ص: 343

161 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبُو يَعْلَى، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَتِيمَةَ في البيت فَقَالَ: «أَنْتِ هِيهِ لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبَّرَ اللَّهُ سِنَّكِ» فَرَجَعَتْ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَلَّا يَكْبُرَ سِنِّي، فَالْآنَ لَا يَكْبُرُ سِنِّي أَوْ قَالَتْ: قَرْنِي. فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مُسْتَعْجِلَةً فَلَوَتْ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَدَعَوْتَ عَلَى بُنَيَّتِي. قَالَ: «وَمَا ذَاكَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَكْبُرَ سَنُّهَا أَوْ لَا يَكْبُرَ قَرْنُهَا. قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَمَا تَعْلَمِينَ شَرْطِي عَلَى رَبِّي عز وجل؟ إِنَّنِي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا بَشَرٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي دَعْوَةً لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَكَانَ رَحِيمًا صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ

⦗ص: 344⦘

وَقَدْ أَقَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا يُقِيدُ مَنْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ. وَثَبَتَ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ:«لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، وَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، وَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، وَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ» . فَالنَّبِيُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ عز وجل يَذْكُرُونَ خَطَايَاهُمْ، وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، يَقُولُ:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» . فَلَا يَتَّبِعُ هَفَوَاتِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَزَلَلَهُمْ وَيَحْفَظُ عَلَيْهِمْ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالْمَوْجِدَةِ إِلَّا مَفْتُونُ الْقَلْبِ فِي دِينِهِ. وَقَدْ كَانَ يَجْرِي بَيْنَ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَفِي غَيْبَتِهِ فَيَبْلُغُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَوِي الْخِصَامِ وَالسِّبَابِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالْمَوْجِدَةِ أَشْيَاءُ فَلَا يَأْخُذُهُمْ بِهِ وَلَا يُعِيدُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بَلْ يَأْمُرُهُمْ بِالْعَفْوِ وَيَحُضُّهُمْ عَلَى التَّآلُفِ، وَيُطْفِئُ ثَائِرَةَ الْغَضَبِ وَسَوْرَةَ الْبَشَرِيَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا جَرَى بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْفَضْلِ فِي الدِّينِ بِالْمَحَلِّ الْعَظِيمِ، حِينَ اسْتَعْذَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَاضُوا فِي الْإِفْكِ وَتَكَلَّمُوا فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى بَعْلِهَا، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنْ أَحْبَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ، وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لَنَقْتُلَنَّهُ وَلَنَقْتُلَنَّكَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَتَبَادَرَ

⦗ص: 345⦘

الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَخَفَّضَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَكَتُوا. وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ، وَهُمَا كَبِيرَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ تَحَاكَمَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ. لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَصْلًا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ لِمَا عَايَنُوا مِنْ إِكْرَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِنَ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالِ الرِّضَا، فَأَمَّا حَالُ الْغَضَبِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ

ص: 343

162 -

حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، ثَنَا عَاصِمٌ بن عدي، ثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا يَعْنِي ابْنَ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ سَعْدٍ وَخَالِدٍ كَلَامٌ فَذَهَبَ رَجُلٌ يَقَعُ فِي خَالِدٍ عَندْ سَعْدٍ، فَقَالَ:«مَهْ، إِنَّ مَا بَيْنَنَا لَمْ يَبْلُغْ دِينَنَا»

⦗ص: 346⦘

وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» ،

⦗ص: 347⦘

لَمْ يَأْمُرْهُمْ بالْإِمْسَاكِ عَنْ ذِكْرِ مَحَاسِنِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ، إِنَّمَا أُمِرُوا بِالْإِمْسَاكِ عَنْ ذِكْرِ أَفْعَالِهِمْ، وَمَا يَفْرُطُ مِنْهُمْ فِي ثَوْرَةِ الْغَضَبِ وَعَارِضِ الْمَوْجِدَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ الَّذِينَ نَقَمُوا عَلَيْهِ قَدِمُوا لِلْخُرُوجِ عَلَيْهِ فَأَلْزَمَهُمُ الْحِجَّةَ فِيهِمْ مَعَ إِظْهَارِهِ الِاعْتِذَارَ وَمُفَاَرقتِهِمْ، وَانْصَراَفَ أَهْلِ مِصْرَ عَنْهُ رَاضِينَ فِيمَا

ص: 345

163 -

حَدَّثَنَاُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَبَلَةَ الصَّائِغُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى ابْنِ أُسَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَ عُثْمَانُ، رضي الله عنه أَنَّ وَفْدَ أهل مِصْرَ قَدْ أَقْبَلُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ، فَقَالُوا: له: ادْعُ لَنَا بِالْمُصْحَفِ، فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ، فَقَالُوا لَهُ: افْتَحِ السَّابِعَةَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ السَّابِعَةَ، فَقَرَأَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} [يونس: 59] الْآيَةَ، فَقَالُوا لَهُ: قِفْ. فَقَالُوا: أَرَأَيْتَ مَا حَمَيْتَ مِنَ الْحِمَى آللَّهُ أَذِنَ لَكَ بِهِ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرِي؟ قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: «امْضِهْ، نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا الْحِمَى فَقَدْ حَمَى الْحِمَى مَنْ كَانَ قَبْلِي لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ زَادَتِ الْإِبِلُ فِي الصَّدَقَةِ فَزِدْتُ فِي الْحِمَى لِمَا زَادَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ فقالوا امْضِهْ» قَالَ: فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَهُ بِالْآيَةِ فَيَقُولُ: «امْضِهْ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا» حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يُفَارِقُوا جَمَاعَةً، فَرَضُوا وَأَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاضِيْنَ. ثُمَّ رَجَعَ وَفْدُ الْمِصْرِيِّينَ رَاضِينَ فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ إِذَا هُمْ بِرَاكِبٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ إِنَّ لَكَ لَأَمْرًا مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ، قَالَ: فَفَتَّشُوهُ فإِذَا هُمْ بِالْكِتَابِ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ

⦗ص: 348⦘

عَلَيْهِ خَاتَمُهُ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ أَنْ يَصْلِبَهُمْ أَوْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَدَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَالُوا: كَتَبْتَ فِينَا بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ:" إِنَّمَا هُما اثْنَانِ: أَنْ تُقِيمُوا عَلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وْ يَمِينٌ بالَلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غيره مَا كَتَبْتُ وَلَا أَمْلَيْتُ وَلَا عَلمْتُ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْكتَاِبَ يَكْتُبُ عَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ وَيَنْقُشُ الْخَاتَمَ عَلَى خَاتَمِهِ " فَحَاصَرُوهُ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَوَعَظَهُمْ فَفَشَا الْيَمِينُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: مَهْلًا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى قَامَ الْأَشْتَرُ فَلَمْ يُثْبِتْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه مِمَّا ادَّعَوْا شَيْئًا، لمَا اسْتَحَقَّ بِمَا ادَّعَوُا الْقَتْلَ وَانْتِهَاكَ الْحُرْمَةِ وَشَقَّ الْعَصَا وَتَفْرِيقَ الْجَمَاعَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ بِالشَّهَادَةِ وَأَلْحَقَهُ بِأَصْحَابِهِ غَيْرَ مَفْتُونٍ وَلَا مُبَدِّلٍ، فَأَمْسَكَ عَنْ قِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَظَلَمَهُ مَعَ اقْتِدَارِهِ وَأَنْصَارِهِ وَكَثْرَةِ مَدَدِهِ وَأَعْوانِهِ مِنَ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ حِفْظًا لَوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاءً لِلْمُسْلِمِينَ وَرَغْبَةً وحَذَرًا مِنْ أَنْ يَسُنَّ لَهُمْ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، رَغْبَة فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا

ص: 347

164 -

وَقَدْ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثَنَا أَبُو عُمَرَ

⦗ص: 349⦘

الْحَوْضِيُّ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، ثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَقِيَ مَسْرُوقٌ الْأَشْتَرَ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ لِلْأَشْتَرِ:«قَتَلْتُمْ عُثْمَانَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتُمُوهُ صَوَّامًا قَوَّامًا» قال " فَانْطَلَقَ الْأَشْتَرُ فَأَخْبَرَ عَمَّارًا، فَأَتَى عَمَّارٌ مَسْرُوقًا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَجْلِدَنَّ عَمَّارًا وْ يُسَيِّرَنَّ أَبَا ذَرٍّ، وْ لَيَحْمِيَنَّ الْحِمَى وَتَقُولُ: قَتَلْتُمُوهُ. فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقُ: " فَوَاللَّهِ مَا فَعَلْتُمْ وَاحِدَةً مِنَ اثْنَتَيْنِ: فَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَمَا صَبَرْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ " قَالَ: فَكَأَنَّمَا أَلْقَمَهُ حَجَرًا

ص: 348

165 -

قَالَ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «مَا وَلَدَتْ هَمْدَانِيَّةٌ مِثْلَ مَسْرُوقٍ» فَكَانَ مِمَّا نَتَجَ عَنْ قَتْلِهِ وَحَصْرِهِ تَفْرِيقُ ذَاتِ الْبَيِّنِ وَإِسْلَالَ السُّيُوفِ، وَإِرَاقَةَ الدِّمَاءِ وَالْخَوْفِ بَعْدَ الْأَمْنِ وَأُلْبِسُوا شِيَعًا وَأُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ تَحْقِيقًا لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي كِتَابِهِ وَتَصْدِيقًا لمَا وَعَدَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] الْآيَةَ. فَبَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا مَكَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ مِنِ اسْتِخْلَافِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ أَمْنًا، غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ شَيْئًا ظَاهِرِينَ عَلَى الْعَرَبِ كَافَّةً وَأَذَلَّ بِهِمُ الْكُفْرَ وَدَمَغَ بِهِمُ الْبَاطِلَ وَأَقَامَ بِهِمُ الْحَقَّ وَمَنَارَ الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ، ثُمَّ اخْتَارَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا عِنْدَهُ فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِ الدِّينِ، وتَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ وَأَدَاءِ مَا حَمَلَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَإِبْلَاغِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَامَ مَقَامَهُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ، فَقَامَ مَقَامَهُ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ وَحِفْظِ الدِّينِ وَصِيَانَةِ أَهْلِهِ، فَقَاتَلَ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ مَوَفَّقًا رَشِيدًا، مَكَّنَ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَانْتَظَمَ بِهِ مَا كَانَ مُنْتَشِرًا بَعْدَ قَبْضِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعْلَى اللَّهُ تبارك وتعالى دَعْوَتَهُ

⦗ص: 350⦘

وَأَعَزَّ نَصْرَهُ، فَعَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ مَنِ ارْتَدَّ مَهِينًا ذَلِيلًا، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مَخْذُولًا مَخْزِيًّا، فعَبَدَتِ الْعَرَبُ رَبَّهَا تَعَالَى فِي أَيَّامِهِ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. ثُمَّ قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَبَا بَكْرٍ طَاهِرًا زَكِيًا حَمِيدًا، رَفِيعًا دَرَجَتُهُ، مَحْمُودًا سِيرَتُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اثْنَانِ، وَلَا انْتَطَحَ فِيهِ عَنْزَانِ، كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَأَيْدِيهِمْ عَلَى أَعْدَائِهمِ بَاسِطَةٌ، وَأَحْكَامُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ نَافِذَةٌ، آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ، يُقَاتِلُونَ الْعَجَمَ وَيَسْبُونَهُمْ، فَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِهِ وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ، وَفَتَحَ بِهِ الْفُتُوحَ، وَأَذَلَّ بِهِ الطُّغَاةَ وَالْكَفَرَةَ، وَأَغْنَى بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَرَرَةَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِ شَهِيدًا فَعَلَيْهِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضْوَانُهُ. ثُمَّ اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ عَلَى اسْتِخْلَافِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ وَلَا تَنَزُعٍ، مَكَّنَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَقَاصِيَ الْأَرْضِ، فَنَعِمَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَيَّامِهِ لِرَأْفَتِهِ، بِهْمْ، وَخُزِيَ فِي دِيَارِهِمُ الْكُفَّارُ لِغِلْظَتِهِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَتَتْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي بَشَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَهِدَ لَهُ بِهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسٍ، مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتْنَةِ عَلَى الْهُدَى وَأَنَّ مُخَالِفِيهِ عَلَى ضَلَالٍ، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ مِنْ حُرِمَ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاجْتَرؤا عَلَى حُرْمَةِ مَنْ صَحِبَهُ بِتَأْوِيلِهِ وَرَأْيِهِ وَسَيفِهِ فِي الْإِفْسَادِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. رَأْسُ الْفِتْنَةِ وَقَادَةُ الْأَبَاطِيلِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَإِقَامَةِ الدِّينِ، مِنْ أَهْلِ مِصْرَ لَا أهْلِ بَدْرٍ، قَائِدُهُمُ الْأَشْتَرُ فِي إِخْوَانِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْغَيِّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ قَبَائِلِ عَبْسٍ، أَوَّلُ قَوْمٍ أَحْدَثُوا وَانْتَهَكُوا حُرْمَةَ الْمَدِينَةِ، وَأَحْدَثُوا فِيهَا فَبَاءُوا بِلَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَا:

ص: 349

166 -

حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

⦗ص: 351⦘

أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي رحمه الله، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ، وَقَالَ فِيهَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بهَا أَدْنَاهُمْ» فَكَانَتِ اللَّعْنَةُ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَدَثِهِمْ أَنْ أُلْبِسُوا شِيَعًا وَأُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ إِنْجَازًا لِوَعْدِ اللَّهِ تعالى وَإِنْفَاذًا لِأَمْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُسْتَخْلَفِينَ مُمَكَّنِينَ

ص: 350

167 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَمُوسَى بْنُ عِيسَى، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: أَنَّهُ رَاقَبَ

⦗ص: 352⦘

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى حَتَّى إِذَا كَانَ الْفَجْرُ قَالَ لِرَّسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُكَ اللَّيْلَةَ صَلَّيْتَ صَلَاةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ مِثْلَهَا، قَالَ:«أَجَلْ إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ، سَأَلْتُ رَبِّي عز وجل ثَلَاثَ خِصَالٍ فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ الْأُمَمَ فَأَعْطَانِي ذَلِكَ، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا فَيُهْلِكَنَا فَأَعْطَانِي ذَلِكَ، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُلْبِسَ أُمَّتِي شِيَعًا فَمَنَعَنِي ذَلِكَ»

ص: 351

168 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثَنَا حُصَيْنٌ الْوَدَاعِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ، قَالَ:«سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَهُمْ بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا ويذيق بعضهم بأس بعض فَمَنَعَنِيهَا»

ص: 352

169 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ» قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ» قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، قَالَ:«هَذَا أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ»

ص: 352

171 -

وَكَانَ الْحَسَنُ رحمه الله فِيمَا رَوَى أَبُو الْحَسَنِ الْقَزَّازُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْهُ يَقُولُ: " كَرِهَ اللَّهُ أَنْ يُرِيَ نَبِيَّهُ عليه السلام فِي أُمَّتِهِ مَا يَكْرَهُ - يَعْنِي قَوْلَهُ -: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} [الزخرف: 41] " وَأَمَّا قَوْلُهُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] فَإِنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا هَذِهِ الْخُصُومَةُ بَيْنَنَا وَنَحْنُ إِخْوَانٌ مُتَآلِفُونَ؟ إِلَى أَنْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ، وَاخْتَلَفَتِ الْآرَاءُ وَأُلْبِسُوا الشِّيَعَ وَأُذَاقََ نَاسٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَتَبَيَّنَ لَهُمْ حِينَئِذٍ وَجْهُ الْخُصُومَةِ

ص: 353

172 -

حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا زَكَرِيَّاء بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ:" كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِينَا وَفِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] حَتَّى رَأَيْت بَعْضَنَا يَضْرِبُ وُجُوهَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ فَعَلِمْت أَنَّهَا فِينَا نَزَلَتْ "

ص: 353

173 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَدُورُ رَحَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ سَبْعِينَ عَامًا» . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا مَضَى أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ فَقَالَ

⦗ص: 354⦘

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ممَا بَقِيَ» . رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ

ص: 353

174 -

حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمََدَ الْغَطْرِيفِيُّ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا ابْنُ الْوَزِيرِ، ثَنَا يَزِيدُ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَدُورُ رَحَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ هَلَكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ بَقَوْا بَقِيَ لَهُمْ دِينُهُمْ سَبْعِينَ سَنَةً» فَصَارَ أَمْرُهُمْ إِلَى مَا قَالَ حُذَيْفَةُ: لَمَّا أَنْ قَتَلُوا. . بَرْيٌ بِالسَّيْفِ، لَمْ يَحُجُّوا مَعًا، وَلَمْ يُصَلُّوا مَعًا، وَلَمْ يُقَاتِلُوا جَمِيعًا أَبَدًا فِالِاخْتِلَافِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَتَشْتِيتٍ في آرَائِهِمْ فَكَانَتِ الْأَجْسَادُ مُجْتَمِعَةً وَالْقُلُوبُ مُخْتَلِفَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه. فَأَمَّا الْأُمَّةُ الْمُنتصرة فَهُمْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ الْمُقِيمِينَ عَلَى الْأُلْفَةِ ألذَّابِّينَ لِلْفُرْقَةِ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْآخِذِينَ بِمَا حَثَّ عَلَيْهِ مِنَ الِائْتِلَافِ، وَمَا حَذَّرَ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَذَلِكَ مَا:

ص: 354

175 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو

⦗ص: 355⦘

دَاوُدَ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: " أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُسْتَحْلَفْ، وَيَشْهَدَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُسْتَشْهَدْ: فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ "

ص: 354

176 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، ثَنَا حِبَّاب بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَحَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ الْكَاتِبُ، ثَنَا زَيْدٌ الْحَرْشُ، ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةُ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ» . رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَإِسْرَائِيلُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ فِي آخَرِينَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُمَرَ

ص: 355

177 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِبَابِ الْجابِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا كَمُقَامِي فِيكُمْ، وَقَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثم الذين يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ وَشَهَادَاتُ الزُّورِ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ، وَيَشْهَدَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحلِلْ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ»

ص: 356

178 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَمُّوَيْهِ الْخَثْعَمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَانَ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَارَقَ الْإِسْلَامَ»

ص: 356

179 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا شَيْبَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ جَاءَكُمْ يُفَرِّقُ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُمْ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ»

ص: 357

180 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ خَالَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتُ:«سَيَكْفُرُ قَوْمٌ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ» . قَالَ: «أَجْلَ، لَسْتُ مِنْهُمْ» . قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ص: 357

181 -

حَدَّثَنِا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَرَجُلًا آخَرَ دَخَلًا عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه وَهُوَ مَحْصُورٌ فَاسْتَأْذَنَّاهُ فِي الْحَجِّ فَأَذِنَ لَهُمَا. قَالَا: مَعَ مَنْ نَكُونُ إذا غَلَبَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ حَيْثُ كَانَتْ» فَالْجَمَاعَةُ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِمُلَازَمَتِهِمْ هُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا الْجَمَاعَةُ الْفَسَقَةُ الْجَهَلَةُ الظَّلَمَةُ الْمُنْتَهِكِونَ لِحُرْمَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُشَوِّهُونَ لِأَقْوَالِهِمْ الْوَالِجُونَ دُورَهُمْ وَحُرَمَهُمْ، الَّذِينَ يَحْمِي اللَّهُ بِهِمُ سَقَرَ وَيُصْلِيهِمْ نَارَ جَهَنَّمَ

ص: 357