المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام - تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم الأصبهاني

[أبو نعيم الأصبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَأَرْضاهُ

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَإِنِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ إِلَى عُمَرَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ. قِيلَ لَهُ: لَمَّا عَلِمَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مِنْ فَضْلِ عُمَرَ رضي الله عنه وَنَصِيحَتِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى مَا يُقَلِّدُهُ، وَمَا كَانَ يُعِينُهُ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْمَعُونَةِ

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَفْضِيلِ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

- ‌ذِكْرُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُعِزَّ اللَّهُ تَعَالَى الدِّينَ بِإِسْلَامِهِ

- ‌ذِكْرُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَمَالِ دِينِهِ

- ‌ذِكْرُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُفُورِ عِلْمِهِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ

- ‌ذِكْرُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قُوَّتِهِ وَجَلَدِهِ

- ‌مَا ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِرَاسَتِهِ وَإِصَابَتِهِ فِيمَا يَرَاهُ وَيُشَرِّعُهُ

- ‌مَا ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم مِنْ رُسُوخِ إِيمَانِهِ زِيَادَةً لِعُلُوِّ شَأْنِهِ

- ‌مَا ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم مِنِ احْتِرَازِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ وَتَبَاعُدِهِ مِنَ الْأَبَاطِيلِ

- ‌مَا ذَكَرَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رِضَاهُ يُثَبِّتُ الْعَدْلَ وَغَضَبَهُ يُفْضِي إِلَى الْعِزِّ

- ‌خِلَافَةُ الْإِمَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ فَاَجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى وَنَظَرُوا فيِمَا أَمَرَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّوْفِيقِ وَأُبدُوا أحسن النَّظَرِ وَالْحِيَاطَةِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَاخْتَارُوا بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عليه السلام

الفصل: ‌خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام

‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عليه السلام

ص: 358

182 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ثَنَا الْحَشْرَجُ بْنُ نَبَاتَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، حَدَّثَنِي سَفِينَةُ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ ثُمَّ يَكُون ُ مُلْكًا» ثم قَالَ سَفِينَةُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ، خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما ثَلَاثةَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ رضي الله عنه اثْنتَا عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ خِلَافَةَ عَلِيٍّ مكْمِلَةَ الثَّلَاثِينَ

⦗ص: 359⦘

قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ كَانَ أَوَّلَ الْمُلُوكِ

ص: 358

183 -

حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً» فَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رضي الله عنه مِمَّنْ زَيَّنَ اللَّهُ من الْخِلَافَةَ وَلَمْ يُزَيَّنْ بِالْخِلَافَةِ. أَمْسَكَ عَنْ قِتَالِ مَنْ قَعَدَ عَنْ بَيْعَتِهِ كَمَا امْتَنَعَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه عَنْ مُقَاتَلَتِهِ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَى أَنْ بَايَعَ وَمِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ وَأَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ

ص: 359

184 -

مَا حَدَّثَنَاُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ فَيَمْرُقَ مِنْ بَيْنِهَا مَارِقَةٌ تَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ»

⦗ص: 360⦘

رَوَاهُ قَتَادَةُ وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَالْجُرَيْرِيُّ فِي آخَرِينَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ يَقْتُلُهُمْ أَقْرَبُ الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْحَقِّ. فَتَوَلَّى عَلِيٌّ رضي الله عنه قَتْلَهُمْ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ بَعْدَ الْجَمَلِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ لَا بَيْنَ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رضي الله عنهم. فَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ كَانَ عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالْغَيْرَةِ فِي الْإِسْلَامِ، الَّذِينَ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَقْدِيمِهِمْ لِفَضْلِهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ لَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِمْ وَلَا يَخْتَلِفُونَ، مِنْ أُولِي الْأَمْرِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تَعَهَّدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ فِي الْعَشَرَةِ، مَنْ تُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَلَّمَ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْعَشَرَةِ بِالْأَمْرِ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه، وَلَمْ يُنْكَرْ أَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْأُمَّةِ ذِكْرًا وَأَرْفَعِهِمْ قَدْرًا، الْقَدِيمُ سَابَقْتُهُ وَتَقَدُّمُهُ فِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ، وَشُهُودُهُ الْمَشَاهِدَ الْكَرِيمَةَ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيُبْغِضُهُ الْمُنَافِقُونَ، لَمْ يَتَّضِعْ بِتَقْدِيمِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلِ ازْدَادَ ارْتِفَاعًا لِمَعْرِفَتِهِ بِفَضْلِ مَنْ قَدَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ إِذْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عليهم السلام، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ

⦗ص: 361⦘

فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] إِلَى قَوْلِهِ {الْقُدُسِ} [البقرة: 253] فَلَمْ يَكُنْ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالَّذِي وَضَعَ مِمَّنْ دُونَهُ؛ إِذْ كُلُّ الرُّسُلِ صَفْوَةُ اللَّهِ عز وجل وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ. فَوَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ عَادِلًا زَاهِدًا آخِذًا فِي سِيرَتِهِ بِمِنْهَاجِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عز وجل شَهِيدًا هَادِيًا مَهْدِيًّا، سَلَكَ بِهِمُ السَّبِيلَ الْمُسْتَبِينَ وَالصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ،

⦗ص: 362⦘

لَمْ تَطُلْ إِمَامَتُهُ لِخُرُوجِ مَنْ فَارَقَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ، وَلِقُعُودِ مَنْ خَالَفَهُ رضي الله عنه. فَإِنِ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ، وَقَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْأُمَّةِ حَكَمَ بِخِلَافِ حُكْمِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ. قِيلَ لَهُ: فِي أَيِّ شَيْءٍ وَكَيْفَ؟ فَإِنْ ذَكَرَ مَا رُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ عَنْهُ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنَ الْجَوَارِي. قِيلَ: هَذَا مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ، وَالرَّأْي مُسْتَقِلٌّ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ هَذَا لَمْ يَزَلْ رَأْيَهُ إِلَّا أَنَّهُ تَابَعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. قِيلَ: لَا تَخْلُو مُتَابَعَتُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَنْهُ مَوْضِعُ النَّظَرِ فَقَلَّدَ إِمَامًا عَادِلًا، أَوْ رَأَى مِثْلَ رَأْيِ أَصْحَابِهِ فَوَافَقَ رَأْيُهُ رَأْيَهُمْ.

⦗ص: 363⦘

وَقَدْ وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فِيمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُقُوفِهِ وَفِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِمْ، لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَعَ قَوْلِهِ رضي الله عنه: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامُ جَمَاعَةٍ أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. فَإِنْ طَعَنَ طَاعِنٌ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رضي الله عنهم وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ. قِيلَ لَهُ: هَؤُلَاءِ كِبَارُ الصَّحَابَةِ وَخِيَارُ الْأُمَّةِ وَأُولُو أَمْرِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ وَالْعِلْمِ بِالدِّينِ، مَا حُجَّتُكُمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَنْتُمْ دُونَهُمْ، تَرَوْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَحْكَامِهِمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ حَقًّا لَا تَعْنُونَ مِنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَتُقِرُّونَ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ وَهُدًى، فَلِمَ لَا تُجَوِّزُونَ ذَلِكَ فِي قِتَالِهِمْ وَحُرُوبِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ عَنِ الْقِتَالِ بَعْدَهُ وَذَمَّ الْمُقْتَتِلِينَ فَقَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» ، وَقَالَ:«إِذَا تَوَجَّهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفِهِمَا» ، وَقَالَ: «لَتَعُودُنَّ بَعْدِي أَمْتًا

⦗ص: 365⦘

وَوَصَبًا» ، وَقَالَ:«إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ فَلَا تَقْتَتِلُوا بَعْدِي» ، " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، وَمَا شَاكَلَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ. قِيلَ: هَذِهِ أَخْبَارٌ لَا نُنْكِرُهَا، فَهَلْ خُصِّصْتُمْ بِالْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وُوُصُولِهَا إِلَيْكُمْ وَغَرَبَتْ عَنْهُمْ وَلَمْ يَعْرِفُوهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَصَدُوا سَفْكَ الدِّمَاءِ عَلَى غَيْرِ دِينٍ خِلَافًا لِمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ. قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الطَّعْنَ كَبِيرٌ عَلَى الْأَعْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَامِ الدِّينِ وَالْهُدَى. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَصِلِ هَذِهِ الْأَخْبَارُ إِلَيْهِمْ. قِيلَ لَهُمْ: فَمَا الَّذِي حَمَلَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ عَلَيْهِمْ وَلَا تَعْلَمُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا عَنْ فَضْلِهِمْ؟ وَيُقَالُ لَهُمْ: إِنْ جَازَ وُصُولُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إِلَيْكُمْ فِي بُعْدِكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَابُهَا عَنْهُمْ فِي قُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَئِنْ جَازَ هَذَا لَيَجُوزَنَّ ذَهَابُ مُعْظَمِ الدِّينِ، وَأَكْثَرُ السُّنَنِ عَنْهُمْ، وَأَنْ تَكُونُوا أَعْلَمَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وِسَادَةِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: وَلَمَّا اقْتَتَلُوا، بِأَيِّ حُجَّةٍ احْتَجُّوا فِي الْقِتَالِ؟ قِيلَ لَهُمْ: أَمَّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ". وَأَعْلَمَ عليه السلام أَنَّ ثَمَّ حُقُوقًا تُسْتَبَاحُ بِهَا الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ مِنْ ذَلِكَ: قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَقِتَالُ الْخَوَارِجِ، وَقِتَالُ اللُّصُوصِ، وَرَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَالْقَوَدُ مِنَ الْقَاتِلِ، وَقَتْلُ مَنْ يَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. فَأَبَاحَ دِمَاءَ هَؤُلَاءِ. فَتَنَاوَلَ كُلُّ وَاحِدٍ قِتَالَ مَنْ خَالَفَهُ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ شَيْئًا حَلَالًا يَرَاهُ غَيْرُهُ حَرَامًا مِثْلَ: الْفَرَائِضِ، أَعْطَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ الْجَدَّ الْمَالَ وَحَجَبَهُ عَنِ الْإِخْوَةِ، وَأَعْطَى عُمَرُ رضي الله عنه الْجَدَّ السُّدُسَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ وَأَعْطَى الْإِخْوَةَ مَا بَقِيَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَرَامِ وَالنِّيَّةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ يَمِينًا وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ وَاحِدَةً، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: ثَلَاثٌ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ،

⦗ص: 366⦘

وَكَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْقَسَامَةِ بَعْضُهُمْ يُقِيدُ بِهَا وَبَعْضُهُمْ لَا يُقِيدُ بِهَا وَيُوجِبُ بِهَا الدِّيَةَ. وَالرَّجُلَانِ يَقْتُلَانِ الرَّجُلَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتُلُهُمَا بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَفْسٌ بِنَفْسٍ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، مِثْلُهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:

ص: 359

185 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا بِشْيرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَلَهُ الْجَنَّةُ»

ص: 366

186 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّقَطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»

ص: 367

187 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم الْقِتَالَ فِي الدَّفْعِ عَنِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ شَهَادَةً، وَحَرَّمَ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: «دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ

⦗ص: 368⦘

هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» . فَسَوَّى صلى الله عليه وسلم فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ فِي التَّحْرِيمِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ يبَاحٌ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ مَالِهِ وَعِرْضِهِ، وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتَتِلُوا بَعْدَهُ عَلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ وَالتَّبَاغُضِ عَلَى الدُّنْيَا وَإِعْظَامِ أَمْرِهَا وَالْمُلْكِ فِيهَا. فَأَمَّا ما كَانَ عَلَى الدِّينِ فَلَمْ يَنْهَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الحجرات: 9] الْآيَةَ. فَلَوْ تَرَكَ الْمُسْلِمُونَ قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ لَكَانَ فِيهِ إِبْطَالُ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ قَالَ: فَمَا الَّذِي اقْتَتَلُوا عَلَيْهِ؟ يَعْنِي سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. قِيلَ لَهُ: اقْتَتَلُوا عَلَى الدِّينِ، لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه رَأَى أَنْ يَعْقِدَ مَنْ عَقَدَ لَهُ على قِتَالَ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَاتَلَهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَرَأَى طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَتَأَخَّرَا عَنْهُ، وَكَانَا عِنْدَ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا مِمَّنْ بَايَعَا لَمْ يَخْتَلِفَا عَلَيْهِ. وَرَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُ أَحَقُّ مِمَّنْ بَقِيَ بِالْخِلَافَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَسَعُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ رضي الله عنهما تَخَلُّفُهُمَا عَنْهُ فَقَصَدَهُمَا لِيَرُدَّهُمَا عَنْ رَأَيْهِمِا وَرَأَيَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَنْ دِينِهِمَا وَأَنْفُسِهِمَا، فَكُلٌّ اجْتَهَدَ فِي الرَّأْيِ وَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ. فَأَمَّا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ وَطَبَقَتُهُمْ فَرَأَوُا الْقُعُودَ وَالْكَفَّ وَأَنْ لَا

⦗ص: 369⦘

يُبَايِعُوا أَحَدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ الْحَظُّ وَالرَّأْيُ عِنْدَهُمْ فِيهِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا:

ص: 367

188 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنِا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رضي الله عنه، ثَنِا أَبِي، ثَنِا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ بن عُمَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَعْنِي الْأَزْدِيَّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِّبْتُ، وَلَا ضَلَلْتُ وَلَا ضلُلَّ بِي، وَلَا خُدِعْتُ، وَإِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَتَبِعَنِي مَنْ تَبِعَنِي وَعَصَانِي مَنْ عَصَانِي»

ص: 369

189 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رضي الله عنه يَقُولُ:" قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ، ثُمَّ حَضَرَ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: أَرَى أَنَّهُ لَا يَعْدِلُهَا عَنِّي فَوَلَّاهَا عُمَرَ، فَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ أُصِيبَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُهَا عَنِّي فَجَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ أَنَا مِنْهُمْ، فَوَلَّوْهَا عُثْمَانَ فَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ فَجَاءُوا يُبَايِعُونِي طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، ثُمَّ خَلَعُوا بَيْعَتِي فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ إِلَّا السَّيْفَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " فَأَخْبَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَوْ كَفَّ عَنِ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ وَتَرَكَ الْأَمْرَ لِغَيْرِ أَهْلِهِ تَضْيِيعًا وَإِبْطَالًا لِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رضي الله عنهما فَيَرَيَانِ أَنَّ الذَّبَّ عَنِ النَّفْسِ وَالْمَالِ شَهَادَةٌ، وَكَانَ طَلْحَةُ يَقُولُ: بَايَعْتُ كَارِهًا، وَاللَّجُّ عَلَيَّ، فرأى بأنَّ الْأَشْتَرَ

⦗ص: 370⦘

أَكْرَهُهُ، وَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ بَقِيَّةُ أَهْلِ الشُّورَى فَيَعْقِدُوا الْأُمرَ من دُونَ الْأَشْتَرِ وَأَمْثَالِهِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رضي الله عنهم قَصَدَ الرُّشْدَ وَابْتَغَى الصَّوَابَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُهُمْ عَلَى مَا قَصَدُوا وَاجْتَهَدُوا مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كُلِّ زَمَانٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَاجْتَهَدُوا فِيهِ مِنَ الرَّأْيِ مَأْجُورُونَ وَمَحْمُودُونَ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَ بَعْضِهِمْ دُونَ الْكُلِّ، ولَا يُعَنَّفُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَتَرَكَ قَوْلَ بَعْضٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَهُ مُصِيبٌ الْحَقَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ

ص: 369

190 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، مَوْلَى عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» . قال فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

⦗ص: 371⦘

فَإِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ مَأْجُورًا لِاجْتِهَادِهِ، فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ هُمْ أَصْلُنَا فِي الْقُدْوَةِ بِهِمْ فِي النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ أَوْلَى من أَنْ يُطْعَنَ عَلَيْهِمْ، لِمَا فَازُوا بِهِ مِنَ السَّوَابِقِ وَالْمَنَاقِبِ. وَلَيْسَ لِقُعُودِ مَنْ قَعَدَ عنْهُمْ وَإِمْسَاكِهِمْ عَنِ الْقِتَالِ حُجَّةٌ لِلطَّاعِنِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ مَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْقِتَالِ وَقَعَدَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مَحْمُودٌ، إِذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْوَجْهُ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، مَعَ سَمَاعِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَهِدَ بِهِ لِعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بِالْجَنَّةِ وَالشَّهَادَةِ، وَاعْتَقَدُوا شَهَادَتَهُمْ وَدُخُولَهُمُ الْجَنَّةَ لِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهَادَتِهِ لَهُمْ، فَاسْتَعْظَمُوا إِسْلَالَ السُّيُوفِ وَالْخُرُوجَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَيْفَ يُحْكَمُ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَكِلَاهُمَا شُهَيدَ، وَلَا يَكُونُ شَهِيدًا مَنْ يُسْتَحَلُّ دَمُهُ

ص: 370

191 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا نَصْرٌ الْخَزَّازُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِرَاءٍ فَتَزَعْزَعَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْكُنْ حِرَاءُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيُّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» . وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وعلي وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعِيدٌ

ص: 371

192 -

حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ، ثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ

⦗ص: 372⦘

إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَرَّ طَلْحَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «شَهِيدٌ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ»

ص: 371

193 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَحَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ»

ص: 372

194 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحِيمِ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، ثَنَا النَّضْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: سَمِعْتُ بِأُذُنِيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ» فَالْإِمْسَاكُ عَنْ ذِكْرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرِ زَلَلِهِمْ، وَنَشْرِ مَحَاسِنِهِمْ وَمَنَاقِبِهِمْ وَصَرْفِ أُمُورِهِمْ إِلَى أَجْمَلِ الْوُجُوهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} الْآيَةَ، مَعَ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِكْرَامِ أَصْحَابِهِ وَأَوْصَى بِحِفْظِهِمْ وَصِيَانَتِهِمْ وَإِجْلَالِهِمْ

ص: 373

195 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ الْقَاضِي، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ

⦗ص: 374⦘

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ رضي الله عنه بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثَلَاثًا»

ص: 373

196 -

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَمُّوَيْهِ الْخَثْعَمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، ثَنَا أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي فَمَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظُ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظَنِي فِيهِمْ تَخَلَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ تَخَلَّى اللَّهُ عَنْهُ أوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»

ص: 374

197 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُعَلِّمٍ، قََالَا: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَعَنْ أَبِيهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَالْعَنُوهُمْ، شِرَارُ أُمَّتِي أَجْرَؤُهُمْ عَلَى أَصْحَابِي»

ص: 374

198 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا النَّضْرُ بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ السَّعْدِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَالْعَنُوهُمْ»

ص: 374

199 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا مُسْهِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا»

ص: 375

200 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ:«اذْكُرُوا مَحَاسِنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُؤَلِّفُوا عَلَيْهِمُ الْقُلُوبَ، وَلَا تَذَكَرُوا مَسَاوِيهِمْ فَتُحَرِّشُوا النَّاسَ عَلَيْهِمْ»

ص: 375

201 -

حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها وَعَنْ أَبِيهَا، قَالَتْ:«أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ» فَمَنْ أَسوأ حَالًا مِمَّنْ خَالَفَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وآب بِالْعِصْيَانِ لَهُمَا وَالْمُخَالَفَةِ عَلَيْهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَصْحَابِهِ وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَيَخْفِضَ لَهُمُ الْجَنَاحَ قَالَ تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] ،

⦗ص: 376⦘

وَقَالَ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] . فَمَنْ سَبَّهُمْ وَأَبْغَضَهُمْ وَحَمَلَ مَا كَانَ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ وَحُرُوبِهِمْ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ الْحَسَنِ فَهُوَ الْعَادِلُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْدِيبِهِ وَوَصِيَّتِهِ فِيهِمْ، وَلَا يَبْسُطُ لِسَانَهُ فِيهِمْ إِلَّا مِنْ سُوءِ طَوِيَّتِهِ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَحَابَتِهِ وَالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ

ص: 375

203 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْعَابِدِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ أَبِي رَائِطَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمُ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»

ص: 376

204 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا عُبَيْدَةُ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيَاضٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي، فَمَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْنِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي تَخَلَّى اللَّهُ تَعَالَى منْهُ، وَمَنْ تَخَلَّى اللَّهُ منْهُ أَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَهُ» فَإِنْ قَالَ قَائِلَ: فقَدْ نَازَعَ عَلِيًّا رضي الله عنه، وَمَنْ تَخَلَّى اللَّهُ عَنْهُ أَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلَ: قَدْ نَازَعَ عَلِيًّا رضي الله عنه غَيْرُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، فَمَا الَّذِي دَعَاهُ إِلَى مُنَازَعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ السَّوَابِقِ مَا لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَالْمَنَاقِبِ الشَّرِيفَةِ. قِيلَ لَهُ: كُلُّ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَوْ نَزَلَ مِنْهُ مَنْزِلَةَ قُرْبٍ أَوْ سَبَبٍ، وَإِنْ كَانَ دُونَ أُولَئِكَ فِي السَّابِقَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْمَنَاقِبِ الشَّرِيفَةِ، فَالْأَسْلَمُ لَنَا أَنْ نَحْفَظَ فِيهِ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ:«أُوصِيكُمْ فِي أَصْحَابِي خَيْرًا» . لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُتَأَوِّلًا، وَإِنْ كَانَ فِي تَأْوِيلِهِ غَيْرَ مُصِيبٍ، يَقْتَدِي فِي ذَلِكَ بِكِبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا حَرْبَهُمْ فَكَفُّوا وَقَعَدُوا لِإِشْكَالِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ لَهُمْ فِي قُرْبِهِمْ مِنْهُمْ وَمُشَاهَدَتِهِمْ لَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا وَيَقْعُدُوا فَنَحْنُ فِي تَمَغْفُرِنَا مِنْهُمْ وَتَغَيُّبِنَا عَنْهُمْ أَوْلَى أَنْ نَسْكُتَ عَنْهُمْ، وَنُكِنُّ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ. فَإِنْ قَالَ: فَمَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَجُوزُ أَلَّا تَلْحَقَهُ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعْوَتُهُ.

⦗ص: 378⦘

قِيلَ لَهُ: إِنَّا وَإِنْ خِفْنَا عَلَيْهِ لِلَعْنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُ لِمَعْصِيَتِهِ فَنَرْجُو لَهُ غُفْرَ اللَّهِ بِدُعَاءِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَتِ اللَّعْنَةُ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ، مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَهُ اللَّهُ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لِأُمَّتِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، لِأَحْيَائِهِمْ وَأَمْوَاتِهِمْ. فَلَوْ كَانَ كُلُّ دَعْوَةٍ مُجَابَةً لَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مُعَذَّبًا أَوْ دَخَلَ النَّارَ، وَكَذَلِكَ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ عليهما السلام دَعُوا لِمَنْ تَبِعَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: 28] الْآيَةَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابِ} ، فَلَا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّ دَعْوَتَهُمْ مُجَابَةٌ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ النَّاسِ غَيْرُ مُعَذَّبِينَ وَلَا دَاخِلًا مِنْهُمُ النَّارَ أَحَدٌ، لَكِنْ نَرْجُو أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ بِهِ أَخَصُّ وَإِلَيْهِ أَقْرَبُ كَانَتِ الدَّعْوَةُ لَهُ أَخَصُّ وَالرَّجَاءُ فِي أَمْرِهِ أَقْرَبُ وَأَكْثَرُ. فَإِنْ قَالَ: فَإِذًا لَا يَضُرُّ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ كَانَتْ لَهُ دَعْوَةً أَيْضًا. قِيلَ لَهُ: اللَّعْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهَيْنِ: فَوَجْهٌ يَلْعَنُ قَوْمًا فِي مَآثِمَ ارْتَكَبُوهَا كَلَعْنَتِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ فَهَذَا جَائِزٌ غُفْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِ. وَأَمَّا لَعْنَتُهُ عليه السلام مَنْ ظَلَمَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّهُ أَوْ رَمَاهُ بِبُهْتَانٍ وَفِرْيَةٍ فَهَذِهِ حُقُوقٌ لَهُمْ لَا يُظْلَمُ فِيهِ أَحَدٌ بَلْ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ وَلَا يَعْفُو عَنْهُ.

⦗ص: 379⦘

مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْإِفْكِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] الْآيَةَ، وَقَالَ:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]، وَقَالَ:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 23] ، الْآيَةَ، وَقَالَ:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] الْآيَةَ. فَهَذَا وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمَيِّينَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الظَّلَمَةِ لِلْمَظْلُومِينَ وَيَأْخُذُهَا وَمَا عَدَا هَذَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَائِزٌ الْعَفْوُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ. وَمَعَ أَنَّ لَعْنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَيَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: فِي غَيْرِ غَضِبٍ، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِعْلَامَ أُمَّتِهِ بِعِظَمِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ وَالتَّحْذِيرَ مِمَّا حَذَّرَ اللَّهُ، كَلَعْنَتِهِ مَنْ أَكَلَ الرِّبَا، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. لَعَنَ فَاعِلِيهَا فِي حَالِ الرِّضَا تَأْكِيدًا لِمَا أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَلْعَنَ فِي حَالِ غَضِبٍ وَمَوْجِدَةٍ، فَذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ وَلَا يَلْحَقُهُمْ، لِقَوْلِهِ:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلَكُمْ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا عَبْدٍ لَعَنْتُهُ أَوْ ضَرَبْتُهُ أَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَقُرْبَةً» . فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ لَعَنَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَهُمْ أَيْضًا مِمَّنْ عَمَّتْهُمْ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ سَبَى أَصْحَابَهُ. قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا أَرَادَ مَنْ لَعَنَ أَصْحَابَهُ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِهِ. فَأَمَّا سَبُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى حَدِّ غَضِبٍ وَمَوْجِدَةٍ قَدْ عَفَا اللَّهُ عز وجل عَنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ: أَخْذُهُمُ الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَتَوَلِّيهِمْ عَنِ الرَّسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَمَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُمْ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مِسْطَحٍ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَهُ لَمَّا سَمِعَهُ فَقَالَ:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} الْآيَةَ. فَإِنِ اعْتَرَضَ فَقَالَ: الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي السَّبِ وَاللَّعْنِ سَوَاءٌ إِذَا سَبَّ بَعْضُهُمْ

⦗ص: 380⦘

بَعْضًا. قِيلَ لَهُ: إِنْ رَكِبْتَ هَذَا الْبَابَ يَلْزَمُكَ أَنْ تُلْزِمَهُمُ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا، وَتُكَفِّرَهُمْ لِاقْتِتَالِهِمْ وَمُوَاجَهَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا

⦗ص: 381⦘

بِالسَّيْفِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا» ، «فَإِذَا تَوَجَّهَ الْمُسْلِمَانِ» . وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ يُعَظِّمُ حُرْمَةَ الصَّحَابَةِ وَيَعْتَقِدُ تَفْضِيلَهُمْ وَسَابِقَتَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 377