المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسلوب التربوي الفعال في تعليم تلاوة القرآن الكريم: - إدراك المعلم للأساليب التربوية الفاعلة في حلقات الجمعيات الخيرية لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم

[حامد بن سالم عايض الحربي]

الفصل: ‌الأسلوب التربوي الفعال في تعليم تلاوة القرآن الكريم:

‌الأسلوب التربوي الفعال في تعليم تلاوة القرآن الكريم:

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2) .

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر: 29، 30) .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن هذا القرآن مأدبة الله، فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، أتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول لكم، الم؛ حرف؛ ولكن ألف ولام وميم ". رواه الحاكم في المستدرك. وقال صحيح الإسناد (1) ، وذكره المنذري في الترغيب (2) .

وفي تلاوة القرآن الكريم ثواب عظيم، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء" أخرجه

(1) محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم، ت 405هـ، المستدرك على الصحيحين، الرياض: مطابع النصر الحديثة، جـ1، ص 554، ت 656هـ.

(2)

زكي الدين عبد العظيم عبد القوي المنذري، ت 656هـ، الترغيب والترهيب من الحديث، القاهرة: مكتبة الجمهورية العربية، 1390هـ، جـ1، ص210.

ص: 7

ابن حبان في حديث طويل كما في الترغيب (1)، وروى الحديث الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري ولفظ الحديث عن أحمد:"أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض"(2) .

ولكل قارئ للقرآن الكريم درجة حسب تلاوته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" أخرجه البخاري في التفسير (3) ،وأخرجه مسلم في فضائل القرآن في باب فضيلة حافظ القرآن (4) .

والتلاوة لها أجر عظيم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتب له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة" رواه أحمد في مسنده (5) .

كما يلزم الخشوع والتدبر وتحسين الصوت بالقرآن الكريم في تلاوته.

كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ

(1) المنذري، المرجع السابق، أخرجه ابن حيان في حديث طويل كما في الترغيب والترهيب للمنذري، جـ 2، ص 207.

(2)

أحمد بن حنبل، ت 241هـ، مسند الإمام أحمد، دمشق: المكتب الإسلامي، (د. ت) ، جـ3، ص 82.

(3)

محمد بن إسماعيل البخاري، مرجع سابق، أخرجه البخاري في التفسير، جـ2، ص 735.

(4)

مسلم بن الحجاج، مرجع سابق، أخرجه مسلم في فضائل القرآن، باب فضيلة حافظ القرآن، جـ1، ص 743.

(5)

أحمد بن حنبل، مرجع سابق، جـ2، ص 343.

ص: 8

حسبتموه يخشى الله". أخرجه ابن ماجه في الإقامة (1) ، وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم جميعاً بلفظ "أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله ". ذكره الألباني في صحيح الجامع، وقال حديث صحيح (2) .

ولعل الأسلوب التربوي الفعال في تعليم تلاوة القرآن الكريم يتمثل في الآتي:

1 – إخلاص النية من المعلم وطالب العلم في التلاوة بأنها تكون لله تعالى، وذلك لأن تلاوة القرآن العظيم عبادة لله تعالى حيث يقول عز وجل {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر: 2، 3) . لذا يجب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل تلاوة القرآن العظيم لله وحده، ومن أجل مرضاته تعالى، والفوز بالجنة، حيث ينال الثواب العظيم لمن تلا القرآن العظيم خالصاً لوجه الله تعالى.

حيث لا أجر ولا ثواب لمن قرأ القرآن الكريم وتلاه وحفظه رياء وسمعة كما تدل على ذلك الأدلة التفصيلية من الكتاب والسنة.

2 – الرغبة الصادقة من المعلم في تعليم القرآن الكريم لأولاد المسلمين ومحبة ذلك من أجل مرضاة الله تعالى.

3 – أن يعود المعلم تلاميذه بعدم تجاوز تلاوة سورة حتى يربط أولها بآخرها، حيث يجب أن تثبت تلاوة السورة في ذهن الطلاب بشكل مترابط متماسك، حيث يكون عندهم ما يسمى بحد التمكن في التلاوة والانتقال إلى تلاوة آيات أخرى.

(1) محمد بن يزيد المعروف بابن ماجه، ت 275، سنن ابن ماجه، بيروت: دار إحياء التراث العربي، وقد رواه ابن ماجه في الإقامة باب حسن الصوت، جـ1، ص 96.

(2)

محمد ناصر الدين الألباني، الجامع الصحيح، دمشق: المكتب الإسلامي، جـ1، ص192.

ص: 9

4 – أن يعِّود المعلم تلاميذه على التلاوة اليومية المستمرة ويكون من بداية ما تعلموه إلى آخر ما وصلوا إليه، وإذا كان أحدهم قد أنهى تلاوة القرآن كاملاً فتكون تلاوته اليومية من بداية المصحف من سورة الفاتحة حتى سورة الناس فكلما ختم ختمة افتتح بأخرى، فقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الحال المرتحل، وقال: وما الحال المرتحل؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل" أخرجه الترمذي (1) .

ولذا ينبغي لطالب القرآن الكريم ألا يقوم بعد ختم المصحف حتى يفتتح ختمة جديدة فيقرأ حتى قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 5) .

ولكي يبقي المسلم على صلة وثيقة بتلاوة كتاب الله تعالى، وتكرار ختم القرآن ختمه بعد ختمه رجاء ثواب الله تعالى (2) .

وهذه التلاوة اليومية وإن كانت قليلة هي أنفع من تلاوة بعدها انقطاع وهجران لكتاب الله تعالى عدة أيام حيث جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"(3) .

(1) محمد بن عيسي الترمذي، ت297هـ، سنن الترمذي، بيروت: دار الكتب العلمية، رقم الحديث 2948، بدون تاريخ للنشر.

(2)

بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، بيروت: دار الفكر، 1401هـ، جـ1، ص 474.

(3)

مسلم بن الحجاج، مرجع سابق، أخرجه مسلم في باب فضل العمل الدائم، جـ1، ص 541.

ص: 10

5 – ويلتزم قارئ القرآن ومعلمه في هذه التلاوة اليومية وغيرها سواء في المدرسة أو في حلقات التحفيظ التنبيه على الطهارة والوضوء قبل الشروع في القراءة من الأستاذ المتخصص مشافهة، مع الاستفادة من الاستماع إلى أشرطة القرآن الكريم لمشاهير القراء ولا سيما أئمة الحرمين الشريفين وغيرهم من الحفاظ، وتعويد اللسان على القراءة مع قراءتهم مع الاستقامة في الأمور كلها.

6 – من الأساليب الفعالة في تلاوة القرآن الكريم تعويد الطلاب على التلاوة التأملية، وذلك بحضور القلب واستشعار عظمة الله تعالى، حيث القرآن الكريم كلامه عز وجل وهو موجه إلى الإنسان، وأن الإنسان مخاطب بهذا القرآن العظيم من الخالق عز وجل.

وهذا يتطلب تكرار الآيات وتأمل معناها وأحكامها، حيث القرآن الكريم يمثل منهج حياة المسلم، يفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهاه عنه، والتأمل في كلام الله تعالى وترديد الآيات لفهمها مطلوب من المسلم فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآيَة حتى أصبح يرددها، وذكر أبو ذر الآية (1) وهي: قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة: 118) .

والتأمل في القرآن الكريم مطلوب من المسلم فقد روى مقاتل بن حيان رحمه الله تعالى: قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز فقرأ: (وَقِفُوهُمْ

(1) أحمد بن حنبل، المسند، مرجع سابق، جـ5، ص 149.

ص: 11

إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) (الصافات: 24) ، فجعل يكررها لا يستطيع أن يجاوزها، يعني من البكاء (1) .

وعن محمد بن الحسن رحمهما الله تعالى قال: قام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، ليلة بهذه الآية:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (القمر:46) ، ويبكي ويتضرع إلى الفجر (2) .

ولهذا يطلب معلم القرآن الكريم من الطلاب التلاوة الصامتة وذلك مع تنبيههم على التلاوة التأملية بتدبر القرآن وفهمه مع الدعاء لهم بأن الله تعالى يفتح عليهم بفهم القرآن الكريم ويشرح به صدورهم، وتستنير به قلوبهم، حيث بذكر الله تعالى تطمئن القلوب.

(1) ابن كثير الدمشقي، ت774، البداية والنهاية، بيروت: دار الكتب العلمية، 1417هـ، جـ6، ص228.

(2)

الموفق بن أحمد المكي، مناقب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، بيروت: دار الكتاب العربي، 1411هـ، جـ2، ص 252.

ص: 12