المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسلوب التربوي الفعال في تعليم فهم القرآن الكريم: - إدراك المعلم للأساليب التربوية الفاعلة في حلقات الجمعيات الخيرية لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم

[حامد بن سالم عايض الحربي]

الفصل: ‌الأسلوب التربوي الفعال في تعليم فهم القرآن الكريم:

‌الأسلوب التربوي الفعال في تعليم فهم القرآن الكريم:

لا يعني هذا الأسلوب التربوي الفعال في فهم القرآن الكريم أنه منفصل عن الأسلوب التربوي الفعال في تلاوة القرآن الكريم وإنما كل منهما يكمل الآخر ومحتاج إلى الآخر وإنما جاء التقسيم لغرض الفهم والدراسة والشرح.

وهذا الأسلوب الفعال في فهم القرآن الكريم له مكانة خاصة في التوجيه والتعليم، حيث المقصود المهم من القرآن الكريم هو فهمه وتدبر معانيه للعمل به، والعمل به يشمل الفعل والترك، أي فعل ما أمر الله به أن يفعل، حسب القدرة والاستطاعة وترك ما نهى الله عنه أن يترك، وفهم القرآن الكريم هو لب معرفة القرآن الكريم ومفتاح العمل به يقول تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29) .

وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89) .

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: " ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"(1) .

والناس يتفاوتون في فهم القرآن الكريم، كلٌ حسب توفيق الله تعالى له فيما تعلم. إن هذا القرآن العظيم حوى جميع المعارف والعلوم ولطائف الحكم فمن قرأه قراءة تدبر وفهم، وعمل بمقتضاه فقد حصل له الغاية والفائدة القصوى من تلاوة هذا الكتاب العظيم (2) .

(1) محمد بن إدريس الشافعي، ت 204هـ، الرسالة، القاهرة: مكتبة التراث، 1399هـ، ص 20.

(2)

محمد بن أحمد القرطبي، ت 671هـ، التذكار في أفضل الأذكار، بيروت: دار الكتاب العربي، 1409هـ، ص 67

ص: 13

وعلى أي حال فإن الأسلوب الفعال في فهم القرآن الكريم يتمثل في الأمور التالية:

أ – القراءة المستمرة في كتب التفسير لما يصعب فهمه من ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه مع التأمل لمعرفة مقاصد الآيات الشريفة للعمل به مع الجد والعزم من طالب العلم أن يكون ممن قال الله فيهم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} (البقرة: 121)، وهو كتاب عظيم قد يسر الله فهمه وتلاوته وأحكم آياته وفصلها لكل من تدبر معناها ليعمل بها قال تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود: 1.)

ب – سؤال أهل الخبرة والعلماء والمتخصصين في التفسير عن معاني آيات القرآن الكريم، حيث تظهر معاني القرآن الكريم في القلوب المؤمنة الحية التقية والنفوس الزكية الطيبة المنيبة لله تعالى، يقول عز وجل:{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} (ق: 8،) ولهذا يرى الغزالي رحمه الله فيما معناه أن الإنسان الذي آثر غرور الدنيا وزينتها على نعيم الآخرة دار القرار فهو ليس من أصحاب القلوب المنيبة التي تفهم القرآن الكريم حق فهمه وتتكشف لها أسرار هذا الكتاب العظيم (1)، قال تعالى:{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} (غافر: 13)، وقال تعالى:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الرعد: 19) .

جـ – ربط القرآن الكريم بالواقع المعاصر، وما يعيشه المسلم في حياته، لأن القرآن العظيم هو منهج حياة الإنسان المؤمن الذي يلازمه في كل

(1) أبو حامد محمد الغزالي، ت 505هـ، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، 1401هـ، جـ1، ص 285.

ص: 14

حركاته وسكانته، ولذا على المعلم المسلم أن يركز على فهم ما ترمي وتدل عليه الآيات القرآنية الكريمة، والتعمق في الفهم لكل ما تتضمنه سور القرآن وآياته من توجيهات في نواحي الحياة جمعيها وربط ذلك بما يؤدي إلى حياة سعيدة وعمارة الكون، وحسن المعاملة، وحسن التعايش بين أفراد الإنسانية جميعهم.

وقد أرشد القرآن الكريم إلى أعمال الفكر والفهم في تدبر آياته وربطها بالكون والأنفس قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: 21) .

وقال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 7 – 10) .

وإن تزكية تلك النفس من متطلبات فهم القرآن الكريم حيث يرشد القرآن الكريم إلى استقامة هذه النفس الإنسانية وصلاحها، حيث بصلاح هذه النفس الإنسانية يصلح الكون كله، فالكون كله من غير الإنسان قد سخره الله تعالى لهذا الإنسان قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثية: 13) .

ثم أن الأسلوب الفعال لفهم القرآن الكريم من أهم الأمور التي تساعد على حفظ الآيات ولهذا على المعلم أن يوضح لطلابه تفسير الآيات ومعاني الكلمات التي يريدون حفظها حسب مستواهم العلمي ويربط تلك المعاني بحياتهم وكلامهم اليومي وأن القرآن الكريم خطاب لهم من الله تعالى بلغتهم ولكي يعملوا به.

ص: 15

وقد جاء في مدارج السالكين لابن القيم: (وليعلم طالب العلم ودارس القرآن الكريم أنه ليس أنفع له في معاده ومعاشه وحياته الدنيا وأخرته وأقرب إلى سلامته ونجاته وسعادته من تدبر القرآن الكريم وفهمه وإطالة التأمل فيه والعمل بمقتضاه)(1)، وصدق الله العظيم القائل:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 37) .

وبعد الحديث عن أسلوب تلاوة القرآن الكريم وأسلوب الفهم له وأهمية ذلك نشرع في الأسلوب الفعال لحفظ القرآن الكريم وهو أسلوب يتكامل مع التلاوة وترديد الآيات وفهمها ولا يمكن فصله عن ذلك لمن أراد إتقان الحفظ وقوة التذكر وانطلاق اللسان بالقراءة.

(1) ابن القيم محمد بن أبي بكر، ت 751هـ، مدارج السالكين، بيروت: دار الفكر، 1402هـ، جـ1، ص 452 ،

ص: 16