الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
تمهيد
اللَّهُمَّ لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد لَك الشُّكْر عدد كل شَيْء وزنة كل شَيْء وملء كل شَيْء وَعدد مَا قد شكرك الشاكرون وَمَا سيشكرك الشاكرون
اللَّهُمَّ وصل وَسلم على رَسُولك الْمُصْطَفى من خلقك مُحَمَّد صَلَاة وَسلَامًا يدومان بدوام الْمَخْلُوقَات ويتجددان بتجدد الْأَوْقَات وعَلى آله الطاهرين وَأَصْحَابه الأكرمين
وَبعد فَإِن الْقُرْآن الْعَظِيم قد اشْتَمَل على الْكثير الطّيب من مصَالح المعاش والمعاد وأحاط بمنافع الدُّنْيَا وَالدّين تَارَة إِجْمَالا وَتارَة تَفْصِيلًا وَتارَة عُمُوما وَتارَة خُصُوصا وَلِهَذَا يَقُول سُبْحَانَهُ {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء}
وَيَقُول عز وجل {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين}
وَيَقُول تبارك وتعالى {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء} وَنَحْو ذَلِك من الْآيَات الدَّالَّة على هَذَا الْمَعْنى
وَأما مَقَاصِد الْقُرْآن الْكَرِيم الَّتِي يكررها ويورد الْأَدِلَّة الحسية والعقلية عَلَيْهَا وَيُشِير إِلَيْهَا فِي جَمِيع سوره وَفِي غَالب قصصه وَأَمْثَاله فَهِيَ ثَلَاثَة مَقَاصِد يعرف ذَلِك من لَهُ كَمَال فهم وَحسن تدبر وجودة تصور وَفضل تفكر
الْمَقْصد الأول إِثْبَات التَّوْحِيد الْمَقْصد الثَّانِي إِثْبَات الْمعَاد الْمَقْصد الثَّالِث إِثْبَات النبوات
وَلما كَانَت هَذِه الثَّلَاثَة الْمَقَاصِد مِمَّا اتّفقت عَلَيْهِ الشَّرَائِع جَمِيعًا كَمَا حكى ذَلِك الْكتاب الْعَزِيز فِي غير مَوضِع أَحْبَبْت أَن أَتكَلّم هَاهُنَا على كل مقصد مِنْهَا بإيراد مَا يُوضح ذَلِك من الْكتب السَّابِقَة وَعَن الرُّسُل الْمُتَقَدِّمين مِمَّا يدل على اتِّفَاق أَنْبيَاء الله وَكتبه على إِثْبَاتهَا لما فِي ذَلِك من عَظِيم الْفَائِدَة وجليل العائدة فَإِن من آمن بهَا كَمَا يَنْبَغِي وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهَا كَمَا يجب فقد فَازَ بخيري الدَّاريْنِ وَأخذ بالحظ الوافر من السَّعَادَة الآجلة والعاجلة وَدخل إِلَى الْإِيمَان الْخَالِص من الْبَاب الَّذِي أرشده إِلَيْنَا نَبينَا صلى الله عليه وسلم فِي جَوَاب من سَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْإِحْسَان فَقَالَ فِي الْإِيمَان (أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْقدر خَيره وشره)
هَكَذَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من طرق كَثِيرَة
وَلَا ريب أَن من آمن بِاللَّه وَبِمَا جَاءَت بِهِ رسله ونطقت بِهِ كتبه فَإِن إيمَانه بِهَذِهِ الثَّلَاثَة الْمَقَاصِد هُوَ أهم مَا يجب الْإِيمَان بِهِ وأقدم مَا يتحتم عَلَيْهِ اعْتِقَاده لِأَن الْكتب قد نطقت بهَا وَالرسل قد اتّفقت عَلَيْهَا اتِّفَاقًا يقطع كل ريب وينفي كل شُبْهَة وَيذْهب كل شكّ
وَسميت هَذَا الْمُخْتَصر إرشاد الثِّقَات إِلَى اتِّفَاق الشَّرَائِع على التَّوْحِيد والمعاد والنبوات وَبِاللَّهِ أستعين وَعَلِيهِ أتوكل
وَاعْلَم أَن إِيرَاد الْآيَات القرآنية على إِثْبَات كل مقصد من هَذِه الْمَقَاصِد وَإِثْبَات اتِّفَاق الشَّرَائِع عَلَيْهَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ من يقْرَأ الْقُرْآن الْعَظِيم
فَإِنَّهُ إِذا أَخذ الْمُصحف الْكَرِيم وقف على ذَلِك فِي أَي مَوضِع شَاءَ وَمن أَي مَكَان أحب وَفِي أَي مَحل مِنْهُ أَرَادَ ووجده مشحونا بِهِ من فاتحته إِلَى خاتمته