المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في بيان اتفاق الشرائع على التوحيد - إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات

[الشوكاني]

الفصل: ‌الفصل الأول في بيان اتفاق الشرائع على التوحيد

‌الْفَصْل الأول فِي بَيَان اتِّفَاق الشَّرَائِع على التَّوْحِيد

اعْلَم أَنه قد روى جمَاعَة من أكَابِر عُلَمَاء الْإِسْلَام أَن الشَّرَائِع كلهَا اتّفقت على إِثْبَات التَّوْحِيد على كَثْرَة عدد الرُّسُل الْمُرْسلين وَكَثْرَة كتب الله عز وجل الْمنزلَة على أنبيائه فَإِنَّهُ أخرج ابْن حَيَّان وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَدَيْنِ حسنين من حَدِيث أبي ذَر (أَن الْأَنْبِيَاء مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا وَأَن الْكتب الْمنزلَة مائَة وَأَرْبَعَة كتب)

فالتوحيد هُوَ دين الْعَالم أَوله وَآخره وسابقه ولاحقه وَمن خَالف فِي ذَلِك فَجعل لله عز وجل شَرِيكا وَعبد الْأَصْنَام فَإِنَّهُ كَمَا أرشد إِلَيْهِ الْقُرْآن حِكَايَة عَنْهُم بقوله {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} مقرّ بِأَنَّهُ إِيمَان وَإِنَّمَا جعل الشَّرِيك وصلَة إِلَى الرب سُبْحَانَهُ ووسيلة إِلَى التَّقْرِيب إِلَيْهِ وَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شريك هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك

وَهَا نَحن نذْكر لَك مَا فِي كتب الله عز وجل من التَّوْحِيد وَهِي وَإِن كَانَ عَددهَا مَا تقدم لكنه لم يبْق بأيدي أهل الْملَل مِنْهَا فِيمَا وَجَدْنَاهُ عِنْدهم بعد الْبَحْث عَن ذَلِك ومزيد الطّلب لَهُ إِلَّا التَّوْرَاة وَالزَّبُور وَالْإِنْجِيل وَكتب نبوات أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل

أما التَّوْرَاة فالنصوص فِيهَا على ذَلِك كَثِيرَة جدا وَقد اشْتَمَلت على ذكر مَا كَانَ يَقع من الْخُصُومَات لأهل الْأَصْنَام وإيراد الْحجَج

ص: 5

عَلَيْهِم وَلَا سِيمَا بعد موت مُوسَى وَقيام أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهَا وَقعت بَينهم قصَص يطول شرحها وَكَانُوا يُقَاتلُون من عبد الْأَصْنَام ويستحلون دِمَاءَهُمْ ويحشدهم على ذَلِك أَتبَاع مُوسَى وأحبار الْملَّة الْيَهُودِيَّة وكل نَبِي يَبْعَثهُ الله من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل يُوجب على بني إِسْرَائِيل قتال من يعبد الْأَصْنَام وغزوهم إِلَى دِيَارهمْ وَقد اشْتَمَلت التَّوْرَاة أَيْضا على حِكَايَة مَا كَانَ من أَخْبَار الْأَنْبِيَاء قبل مُوسَى وَمَا كَانَ بَينهم من الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد والفرار من الشّرك والتنفير عَنهُ

وَمن نُصُوص التَّوْرَاة مَا ذكر فِي الْفَصْل الْعشْرين مِنْهَا من السّفر الثَّانِي وَلَفظه أَنا الله رَبك الَّذِي أخرجك من أَرض مصر من بَيت الْعُبُودِيَّة لَا يكون لَك معبود آخر من دوني لَا تصنع لَك منحوتا وَلَا شبها لما فِي السَّمَاء من الْعُلُوّ وَمَا فِي الأَرْض مثلا وَمَا تَحت الأَرْض لَا تسْجد لَهُم وَلَا تعبدها لِأَنِّي الله رَبك الْقَادِر الغيور انْتهى وَكرر هَذَا فِي مَوَاضِع مِنْهَا غير هَذَا الْموضع وَفِي الْفَصْل السَّادِس وَالْعِشْرين من السّفر الثَّالِث فِي التَّوْرَاة مَا لَفظه وَلَا تصنعوا لكم أوثانا ومنحوتا ونصبا وَلَا تصنعوا لكم حجرا من خزف لَا تصنعوا فِي بلدكم لتسجدوا لَهُ أَنا الله ربكُم انْتهى وَفِي التَّوْرَاة من النُّصُوص المفيدة لهَذَا الْمَعْنى مَا يصعب الْإِحَاطَة بِهِ ويتعسر الذّكر لجميعه

وَفِي الْفَصْل الثَّالِث وَالْعِشْرين من كتاب يُوشَع بن نون مَا لَفظه وَإِيَّاكُم معبوداتهم لَا تَذكرُوا وَلَا تحلفُوا وَلَا تعبدوهم وَلَا تسجدوا لَهُم بل الله ربكُم وَبِه تتمسكون كَمَا فَعلْتُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْم وَفِي كِتَابه نُصُوص كَثِيرَة قاضية بِإِثْبَات التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ فِي كتب من بعده من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل الَّذين لَهُم كتب مدونة وقفنا عَلَيْهَا وهم صمويل الصَّبِي ثمَّ اليسع ثمَّ دَاوُد ثمَّ سُلَيْمَان ثمَّ عزرا الكابت وَهُوَ الْمُسَمّى فِي الْقُرْآن عُزَيْر ثمَّ إيليا ثمَّ عوبد ثمَّ أَيُّوب ثمَّ أشعيا بن أموص وَهُوَ الْمُسَمّى فِي الْقُرْآن إلْيَاس وَفِي السّفر الثَّانِي من أسفار الْمُلُوك من التَّوْرَاة أَن الله رَفعه إِلَى السَّمَاء ثمَّ أرميا ثمَّ حزقيال ثمَّ دانيال ثمَّ هوشع وَهُوَ الْمُسَمّى يُوشَع ثمَّ يونان وَهُوَ

ص: 6

الْمُسَمّى فِي الْقُرْآن يُونُس والمسمى أَيْضا بِذِي النُّون ثمَّ ميخا ثمَّ ناحوم ثمَّ حبقوق ثمَّ صفونيا ثمَّ حجي ثمَّ يوحنا وَيُقَال لَهُ ملاحيا وَهُوَ الْمُسَمّى فِي الْقُرْآن يحيى

ثمَّ بعد هَؤُلَاءِ بعث الله عز وجل الْمَسِيح بن مَرْيَم عليهم السلام وعَلى نَبينَا صَلَاة الله وَسَلَامه

وَفِي الزبُور بِمَا فِيهِ التَّصْرِيح بِإِثْبَات التَّوْحِيد مَوَاضِع كَثِيرَة فَمِنْهَا فِي المزمور السَّابِع عشر مَا لَفظه كَلَام الرب مختبر وَهُوَ نَاصِر جَمِيع المتوكلين عَلَيْهِ لِأَن من الْإِلَه غير الرب أَو من الْإِلَه سوى إِلَّا هُنَا انْتهى وَفِي المزمور الموفى ثَمَانِينَ مَا لَفظه وَلَا يكن فِيك إِلَه جَدِيد وَلَا تسْجد لإله غَرِيب لأنني أَنا هُوَ الرب إلهك انْتهى وَفِي المزمور الْخَامِس والثمانين مَا لَفظه الَّذِي هُوَ وَحده إِلَه وَله وَحده أَيْضا يجب أَن يسْجد الْجَمِيع ويخدموا انْتهى وَفِيه أَيْضا مَا لَفظه أَنْت وَحدك الْإِلَه الْمُعظم انْتهى وَفِي المزمور الرَّابِع وَالتسْعين مَا لَفظه بالمزمور يهلل لَهُ لِأَن الرب إِلَه عَظِيم وَملك كَبِير على جَمِيع الْآلهَة انْتهى وَفِي المزمور الْخَامِس وَالتسْعين مَا لَفظه فَإِن الرب عَظِيم ومسبح جدا مرهوب هُوَ على كل الْآلهَة لِأَن كل آلِهَة الْأُمَم شياطين فَأَما الرب فَصنعَ السَّمَوَات انْتهى وَفِي المزمور السَّادِس وَالتسْعين مَا لَفظه يخزى جَمِيع الَّذين يَسْجُدُونَ للمنحوتات المفتخرون بأصنامهم اسجدوا لَهُ يَا جَمِيع مَلَائكَته انْتهى وَفِي المزمور الْخَامِس بعد الْمِائَة وعبدوا منحوتاتهم فَصَارَ ذَلِك عَثْرَة لَهُم انْتهى وَفِي المزمور الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة إلهنا فِي السَّمَاء وَفِي الأَرْض وَكلما شَاءَ صنع أوثان الْأُمَم فضَّة وَذهب أَعمال أَيدي النَّاس لَهَا أَفْوَاه وَلَا تَتَكَلَّم

ص: 7

لَهَا أعين وَلَا تبصر لَهَا آذان وَلَا تسمع لَهَا مناخر وَلَا تشم لَهَا أيادي وَلَا تلمس لَهَا أرجل وَلَا تمشي وَلَا تصوت بحنجرتها انْتهى وَفِي المزمور الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة مَا لَفظه أوثان الْأُمَم فضَّة وَذهب أَعمال يَدي النَّاس لَهُم أَفْوَاه وَلَا يَتَكَلَّمُونَ وَلَهُم أعين وَلَا يبصرون وَلَهُم آذان وَلَا يسمعُونَ وَلَيْسَ فِي أَفْوَاههم روح مثلهم يصير الَّذين يصنعونهم وَجَمِيع المتوكلين عَلَيْهِم انْتهى

وَأما إنجيل الْمَسِيح عليه السلام فَهُوَ مشحون بِالتَّوْحِيدِ وبذم الْمُشْركين وَالْمُنَافِقِينَ والمرائين وَمن أَرَادَ اسْتِيفَاء ذَلِك فَليُرَاجع الأناجيل الْأَرْبَعَة الَّتِي جمعهَا الْأَرْبَعَة من الحواريين وَمن ذَلِك مَا فِي الْإِنْجِيل الَّذِي جمعه القديس مَتى فِي الْفَصْل الْخَامِس وَالْخمسين مِنْهُ مَا لَفظه إِن أَخطَأ إِلَيْك أَخُوك فَاذْهَبْ وعاتبه فِيمَا بَيْنك وَبَينه وَحده فَإِن سمع مِنْك فقد ربحت أَخَاك وَإِن لم يسمع مِنْك فَخذ من بعد أَيْضا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ لكَي تقوم كل كلمة على فَم شَاهِدين أَو ثَلَاثَة تثبت كل كلمة وَإِن لم يسمع مِنْهُم فَقل لِلْبيعَةِ وَإِن لم يسمع أَيْضا من الْبيعَة فَلْيَكُن عنْدك كوثني وعشار انْتهى

وَهَكَذَا الرسائل الَّتِي صنفها جمَاعَة من الحواريين فَإِنَّهَا مشحونة بِالتَّوْحِيدِ وَنفي الشّرك والذم لأَهله وَمثل ذَلِك الْكتاب الْمُشْتَمل على سيرة أَصْحَاب الْمَسِيح الْمُسَمّى عِنْدهم ابركسيس

وَبِالْجُمْلَةِ فَكتب الله عز وجل بأسرها وَرُسُله جَمِيعًا متفقون على التَّوْحِيد وَالدُّعَاء إِلَيْهِ وَنفي الشّرك بِجَمِيعِ أقسامه

ص: 8

وَأما دُعَاء الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين على مُوسَى إِلَى التَّوْحِيد فقد تَضَمَّنت التَّوْرَاة حِكَايَة مَا كَانُوا عَلَيْهِ من التَّوْحِيد وَالدُّعَاء إِلَيْهِ وَنفي الشّرك فَإِنَّهَا قد حكت مَا وَقع مِنْهُم من عِنْد أَبينَا آدم وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء كنوح وَإِبْرَاهِيم وَلُوط وَإِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب ويوسف إِلَى عِنْد قيام مُوسَى سَلام الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ

ص: 9