المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تدوين السنة النبوية في القرن الرابع الهجري: - تدوين السنة النبوية في القرنين الثاني والثالث للهجرة

[محمد بنكيران]

الفصل: ‌ تدوين السنة النبوية في القرن الرابع الهجري:

4-

‌ تدوين السنة النبوية في القرن الرابع الهجري:

لا ينبغي تصور أن الحديث عن تدوين السنة النبوية في هذا القرن سيكون حديثا عن قرن جديد بخصائص وحاجات لا تمت إلى المرحلة السابقة بأية صلة، ومن ثم ستكون بينه وبين القرن السابق قطيعة وانفصال، وإنما كان بين هذه القرون كلها اتصال، وكان كل قرن امتداداً للذي قبله، إلا أنه كان من الطبيعي أن تمتاز كل فترة بعناصر جديدة تنضاف إلى القديمة في جانب الأهداف أو الحاجات أو الخصائص؛ لأن المحدثين يبدو وكأنهم كانوا يتوارثون تصورا واضحا بكافة عناصره وغاياته، وما كان يتم تحقيقه في عصر يطوى لإنجاز ما تبقى، ولهذا كانت المصنفات الحديثية مترابطة فيما بينها ترابطا تاما بحيث لا يوجد في المحدثين البتة مَنْ تجاهل أو تجاوز جهود من سبقه، وقد لا نكون هنا في حاجة إلى التذكير بما فعله أصحاب الكتب الستة من تلخيص للكتب السابقة ونقد مادتها بالموازنة مع آلاف الأحاديث المسموعة.

وبناء على ذلك نقول: إن القرن الرابع الهجري يعد من حيث الأهمية امتدادا للقرن الثالث، والمصنفات التي ألفت خلاله تعد مصادر أصيلة للرواية لا مندوحة عنها لطالب مادة الحديث النبوي؛ وذلك لأن تدوين السنة لم يكتمل في القرن الثالث، كما أنه لم يكن الصحيح مقصورا على ما صنف أثناءه.

وإذا كان الحافظ الذهبي قد جعل رأس سنة ثلاثمائة هو الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين، فقد أبان الشيخ أبو زهو أن أساسه في ذلك قضية واحدة لا غير، هي الرواية الشفهية فالمتقدمون هم مَنْ عَوَّلوا على هذه

ص: 41

الصورة في النقل والرواية تعويلا تاما، في حين قطع المتأخرون صلتهم بها وأحلُّوا بدلها الرواية من الكتب. ونص كلامه في ذلك:"هذا وكان العلماء في الأدوار السابقة لا يعتمدون إلا الرواية الشفاهية في نقل الأحاديث، ولا يعولون على مجرد الكتب حتى ينقلوا أحاديثها بطريق السماع من مؤلفيها، ولو كلفهم ذلك أن يرحلوا الشهور الطوال. أما في هذا الدور السادس فقد لفظت فيه الرواية الشفهية أنفاسها، وذهب من بين الرواة ريحها، وطغى عليها التدوين الذي بلغ أشده في ذلك الوقت؛ لهذا جعل العلماء الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من رواة الحديث وحملته هو رأس سنة ثلاثمائة، كما قرَّره الحافظ الذهبي في خطبة ميزانه"(1) .

والجدير بالذكر أن الرواية في هذا العهد ازدادت انتشارا وعرفت توسعاً كبيراً، ووجدت فنون أخرى واهتمامات جديدة عند المحدثين لم تكن من قبل، وطبيعي أن يكون في هذا القرن من جراء ذلك عدد هائل من المصنفين من المشرق والمغرب يفوق بكثير ما كان في القرن السابق، ويمكننا أن نذكر منهم: أبا جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) وأبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) وأبا عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ابن يزيد الإسفراييني (ت316هـ) وأبا القاسم عبد الله بن محمد البغوي (ت317هـ) وأبا جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت321 هـ) وأبا عمران موسى بن العباس بن محمد الجويني (ت323هـ) وأبا حامد أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري المعروف بابن الشَّرْقي (ت325هـ) ومحمد بن

(1) الحديث والمحدثون ص 424.

ص: 42

عبد الملك بن أيمن القرطبي (ت330هـ) وأبا محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري (ت339هـ) وأبا محمد قاسم بن أصبغ البياني الأندلسي (ت340هـ) وأبا الحسين خيثمة بن سليمان (ت343هـ) وأبا النصر محمد ابن محمد بن يوسف الطوسي (ت344هـ) وأبا عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني المعروف بابن الأخرم (ت344هـ) وأبا الوليد حسان بن محمد بن أحمد بن هارون القزويني (ت344هـ) وأبا بكر أحمد بن سليمان النجاد (ت348هـ) وأبا علي سعيد بن عثمان بن سعيد ابن السكن (ت353هـ) وأبا سعيد أحمد بن أبي بكر الحيري (ت353هـ) وأبا حاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) وأبا حامد أحمد بن محمد بن شارك الهروي (ت355هـ) وأبا القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) وأبا بكر محمد بن الحسين الآجري (ت360هـ) وأبا علي الحسين بن محمد الماسرجسي (ت365هـ) وأبا بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي (ت371هـ) وأبا أحمد محمد بن أبي حامد بن الغطريف الجرجاني (ت377هـ) وأبا عبد الله محمد بن العباس بن أحمد المعروف بابن أبي ذهل الضبي (ت378هـ) وأبا الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني (ت385هـ) وأبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين (ت385هـ) وأبا سليمان حمد بن محمد الخطابي (ت388هـ) وأبا بكر محمد بن عبد الله الجوزقي (ت388هـ) وأبا عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (ت395هـ) وإبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (ت400هـ) وخلف بن محمد الواسطي (ت401هـ) وأبا عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم الضبي المعروف بابن البيع (ت405هـ) .

ص: 43

وقد عمل هؤلاء المصنفون في الغالب الأعم على إتمام الصرح الذي شيده أئمة القرن الثالث وإكماله، فجاءت كتب هؤلاء مرتبطة بمؤلفات ذلك القرن جزئيا أو كليا، ووجدت في ذلك اتجاهات متعددة كان منها اتجاه ارتبط بنفس الفكرة والهدف اللذين كانا لدى بعض أعلام القرن الثالث فألف على منوالهم بقصد إكمال المشروع الذي بدؤوه؛ ومن أشهر المصنفين في إطار هذا الاتجاه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) ، وأبو علي سعيد ابن عثمان بن سعيد بن السكن (ت353هـ) وأبو حاتم محمد بن حبان البستي (ت354هـ) ، فهؤلاء جميعا صنفوا في الصحيح المجرد كالبخاري ومسلم وهم وإن كانوا لم يشترطوا في الصحة درجة الشيخين، ولوحظ لدى بعضهم تساهل فقد قيل: إن أصح مَنْ صَنَّفَ في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة فابن حبان.

وقد بيَّن ابن خزيمة مقصده من الكتاب وشرطه فيه بعبارة جد مقتضبة فقال في أول كتاب الوضوء: "مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولا إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار"(1) ، بينما سمَّى ابن حبان كتابه التقاسيم والأنواع ونص فيما يخص الشرط على نفس ما نص عليه ابن خزيمة تقريبا، فقال في المقدمة:"ثم نملي الأخبار بألفاظ الخطاب بأشهرها إسناداً وأوثقها عماداً من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت جرح في ناقليها..".

وقد أبان عن الدافع الذي دفعه إلى وضع هذا الكتاب بقوله: "وإني لما

(1) صحيح ابن خزيمة ج: 1 ص: 3.

ص: 44

رأيت الأخبار طرقها كثرت ومعرفة الناس بالصحيح منها قلت: لاشتغالهم بكتبة الموضوعات وحفظ الخطأ والمقلوبات، حتى صار الخبر الصحيح مهجوراً لا يكتب، والمنكر المقلوب عزيزا يستغرب، وأن من جمع السنن من الأئمة المرضيين، وتكلم عليها من أهل الفقه والدين، أمعنوا في ذكر الطرق للأخبار، وأكثروا من تكرار المعاد للآثار؛ قصداً منهم لتحصيل الألفاظ على من رام حفظها من الحفاظ، فكان ذلك سبب اعتماد المتعلم على ما في الكتاب وترك المقتبس التحصيل للخطاب فتدبرت الصحاح لأسهل حفظها على المتعلمين وأمعنت الفكر فيها؛ لئلا يصعب وعيها على المقتبسين".

وإنما سماه التقاسيم والأنواع لأنه رتبه بطريقة مخترعة لم يسبق إليها، فلا هي على الأبواب ولا هي على المسانيد بل هي تقسيم أصولي فريد جاء على صورة بَيَّنها بقوله: "فرأيتها تنقسم خمسة أقسام متساوية متفقة التقسيم غير متنافية. فأولها: الأوامر التي أمر الله عباده بها والثاني: النواهي التي نهى الله عباده عنها والثالث: إخباره عمَّا احتيج إلى معرفتها، والرابع: الإباحات التي أبيح ارتكابها والخامس أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي انفرد بفعلها، ثم رأيت كل قسم منها يتنوع أنواعا كثيرة، ومن كل نوع تتنوع علوم خطيرة ليس يعقلها إلا العالمون الذين هم في العلم، راسخون دون مَنْ اشتغل في الأصول بالقياس المنكوس، وأمعن في الفروع بالرأي المنحوس، وإنا نملي كل قسم بما فيه من الأنواع وكل نوع بما فيه من الاختراع الذي لا يخفى تحضيره على ذوي الحجا، ولا تتعذَّر كيفيته على أولي النهى، ونبدأ منه بأنواع تراجم

ص: 45

الكتاب.." (1) .

ومن أمثلة الأنواع المذكورة في الكتاب، والتي قسم بموجبها الأخبار ما ذكره في قسم الأوامر فقال:"تدبرت خطاب الأوامر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لاستكشاف ما طواه في جوامع كلمه، فرأيتها تدور على مائة نوع وعشرة أنواع يجب على كل منتحل للسنن أن يعرف فصولها وكل منسوب إلى العلم أن يقف على جوامعها لئلا يضع السنن إلا في مواضعها ولا يزيلها عن موضع القصد في سننها فأما النوع الأول من أنواع الأوامر فهو لفظ الأمر الذي هو فرض على المخاطبين كافة في جميع الأحوال، وفي كل الأوقات، حتى لا يسع أحداً منهم الخروج منه بحال. النوع الثاني: ألفاظ الوعد التي مرادها الأوامر باستعمال تلك الأشياء. النوع الثالث: لفظ الأمر الذي أمر به المخاطبون في بعض الأحوال لا الكل. النوع الرابع: لفظ الأمر الذي أمر به بعض المخاطبين في بعض الأحوال لا الكل. النوع الخامس: الأمر بالشيء الذي قامت الدلالة من خبر ثان على فرضيته وعارضه بعض فعله ووافقه البعض.."(2) .

وهذا ما يمثل تطورا مهماً ومنعطفا كبيرا في مسيرة التصنيف في السنة النبوية لاشك أن له علاقة وطيدة بهاجس الاستنباط الذي بات في نظر العلماء يحتاج إلى استكمال قواعده، ومزيد بيان، وتوضيح ضوابطه؛ حماية للنص النبوي من عبث العابثين، وتأويل الجاهلين والمبتدعين، كما أن له علاقة كذلك وبلا شك بظاهرة انتقال المذاهب الفقهية إلى طور جديد أصبحت

(1) صحيح ابن حبان ج: 1 ص: 102- 104.

(2)

صحيح ابن حبان ج: 1 ص: 105.

ص: 46

بموجبه بارزة أكثر وراسخة ومحددة لطبيعة صلة الأمة بالكتاب والسنة، وانتسب الناس من حيث عملهم بفروع الشريعة إلى إحدى المذاهب السائدة، بعد أن لم يكن الأمر على هذه الصورة في القرن السابق.

وفي هذا الإطار أيضا ألَّف أبو جعفر الطحاوي (ت321هـ) كتابه "شرح معاني الآثار" رتبه على الكتب والأبواب وذكر فيه ما يتعلق بالأحكام الشرعية من الآثار مبينا الناسخ من المنسوخ، والمطلق من المقيد، وواجب العمل منها من غيره، وَبيَّنَ أن قصده الرد على أهل الإلحاد والزندقة.

وأما الاتجاه الآخر فقد جعل الكتب المتقدمة مركز دراسته ومحور اهتمامه فاشتغل عليها بالاستخراج أو بالاستدراك أو بالفهرسة، ويُظْهِرُ هذا الاتجاه هاجسا آخر لا يقل عن الآخر أهمية، وهو رغبة المحدثين في الجمع الشامل والموسوعي لمتون السنة النبوية التي يعتقدون أنه لم يضع منها شيء.

وقد كان للصحيحين الحظ الأوفر من عناية أصحاب هذا الاتجاه؛ فالمستخرجات ارتبطت بهما بالدرجة الأولى والاستدراكات كذلك وكتب الأطراف والفهارس اتجهت في البداية إليهما.

وهكذا استخرج كل من أبي بكر الإسماعيلي (ت371هـ) وأبي أحمد ابن الغطريف الغطريفي (ت377هـ) وابن أبي ذهل الضبي (ت378هـ) على صحيح البخاري، واستخرج أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت316هـ) ، وكذا أبو بكر الجوزقي (ت388هـ) على صحيح مسلم، واستخرج عليهما معا أبو علي الماسرجسي (ت365هـ) ، وكذا أبو بكر الجوزقي (ت388هـ) .

والمستخرج عند المحدثين هو كما عرفه الكتاني رحمه الله أن يأتي المصنف

ص: 47

إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو في من فوقه ولو في الصحابي مع رعاية ترتيبه ومتونه وطرق أسانيده. وشرطه ألا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سنداً يوصله إلى الأقرب إلا لعذر مِنْ علو أو زيادة مهمة. وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد له بها سنداً يرتضيه، وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب (1) .

وللمستخرجات فوائد كثيرة من أهمها علو الإسناد وزيادة الصحيح الذي هو غاية في حد ذاته، فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما (2) .

واختار أبو الحسن الدارقطني (ت385هـ) وأبو عبد الله الحاكم (ت405هـ) استدراك ما فاتهما من الحديث الذي على شرطهما، وقد سمى الدارقطني كتابه "الإلزامات" وهو صغير الحجم؛ لكونه أول محاولة في هذا المجال، في حين كان مصنف الحاكم المسمى بالمستدرك كبيرا، ودالاًّ على ضخامة الجهد المبذول فيه.

ويتبين من المقدمة التي وضعها له أن تشويش الزنادقة والمبتدعة على السنة النبوية لم يعرف التوقف، وأن انشغال المحدثين بالرد عليهم عمليا كان قويا جدا، فهو رحمه الله قد ربط مقصده من تأليف الكتاب بقضية واحدة هي إبطال مقالة من يدعي قلة الأحاديث الصحيحة وانحصارها فيما ألفه الشيخان رحمهما الله، وهي مقالةٌ يُراد بها تضييق شروط الصحيح وتقليص دائرة المقبول، وركوبها إلى الطعن في منهج أهل السنة عامة وإبطال العمل

(1) الرسالة المستطرفة: ص 24.

(2)

انظر تدريب الراوي ج1: 114-115.

ص: 48

بالحديث، بناء على التحسيس بالعجز عن التمييز بين المقبول والمردود في أغلب النصوص، ومما قاله الحاكم بصدد ذلك:"فمن هؤلاء الأئمة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج رضي الله عنهما، صنفا في صحيح الأخبار كتابين مهذبين، انتشر ذكرهما في الأقطار، ولم يحكم واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجاه، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المتبدعة يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث، لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر منه كلها سقيمة غير صحيحة.."(1) ، ثم ربط تأليفه للكتاب بهذا.

ونلمس في غير المستدرك من كتاباته، ولا سيما في المدخل إلى الصحيح على وجه الخصوص حضوراً قوياً لهذا الانشغال، فكأنه أراد بالمستدرك الرد العملي على مقولات هؤلاء المشككين وإثبات أن ما يصح من الحديث حتى حسب أضيق الشروط كثير يصعب حصره.

ولقد كان من أثر هذه الأعمال بالإضافة إلى ما سبق أن أكدت للأمة المكانة العالية للصحيحين، ودفعت إلى مزيد التشبث بهما، وسَعَتْ من ناحية ثانية إلى فتح الباب لمحاولات أخرى جديدة على هذا النحو، نظراً لكون عمل الشيخين تم على سبيل الاختصار وليس الاستقصاء.

وأما في مجال الفهرسة فقد صنف إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي

(1) المستدرك ج1: 41-42.

ص: 49

(ت400هـ) أطراف الصحيحين وعمل مثله خلف بن محمد الواسطي.

من ناحية أخرى تابع العلماء تصنيف السنن، فألف فيها أبو الحسين أحمد ابن عبيد الصفار البصري (ت بعد 341هـ) وهي التي أكثر البيهقي من التخريج منها في سننه الكبرى، وأبو بكر محمد بن يحيى الهمداني (ت347هـ) وقيل عنه:"لم يسبق إلى مثلها"، وأبو بكر أحمد بن سليمان النجاد البغدادي (ت348هـ) وأبو الحسن الدارقطني (ت385هـ) .

وَعَرَف هذا القرن نوعاً جديداً من المصنفات هي المعاجم، وهي الكتب التي تذكر فيها الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء (1) .

وأشهرها معاجم الطبراني الثلاثة: الكبير وهو أكبر معاجم الدنيا على ما قال ابن دحية، والأوسط وكان يقول فيه: هذا الكتاب روحي لأنه تعب فيه، ثم الصغير.

ومن المعاجم غيرها معجم أبي القاسم البغوي (ت317هـ) ، ومعجم أبي العباس الدغولي (ت325هـ) ، ومعجم أبي بكر الإسماعيلي (ت371هـ) ، ومعجم أبي سعيد بن الأعرابي (ت340هـ) أحد أشهر رواة سنن أبي داود، ومعجم أبي عبد الله الحاكم (ت405هـ) .

ولقد كان تصنيف متون السنة النبوية يسير جنبا إلى جنب مع التأليف في قواعد علم المصطلح الحديثي والجرح والتعديل، فلابن حبان كتاب "المجروحين من المحدثين" ويحتوي على مقدمة نفيسة في علم المصطلح، وله

(1) انظر الرسالة المستطرفة ص 101.

ص: 50

أيضا "كتاب الثقات"، ولابن عدي أبي أحمد الجرجاني (ت365هـ) كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال"، وهو من أهم الكتب في هذا المجال وعليه مُعَوَّل المحدثين، وللحاكم كتاب معرفة علوم الحديث وقبله وضع الرامهرمزي الحسن بن خلاد (ت360هـ) كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" الذي يعد أول كتاب وضع في علم أصول الحديث.

كما كان يوازيه من ناحية أخرى التأليف في فقه الحديث وشرح المصنفات الحديثية السابقة، ووضع الأسس لهذا المجال.

ثم كان التأليف في علل الحديث ومن أشهرها في هذا العصر "علل الأحاديث النبوية" لأبي الحسن الدارقطني (ت385هـ) ، وهو فن عرف في القرن السابق، إلا أن الحاجة كانت تدعو إلى مواصلة التأليف فيه لاستيعاب كل الأحاديث بالنقد والتمحيص من ناحية، ثم لاستيعاب كافة الميادين التي تتوقف عليها صحة النص النبوي أو فهمه بالدراسة والتأصيل.

وبالنظر إلى هذا العدد الهائل من المصنفات في شتى الفروع والتخصصات والميادين، يتبين أن السنة النبوية لم تعد بعد هذا القرن في حاجة إلى خدمات ضرورية أو أساسية وإنما إلى تتمات وتكملات فقط.

ص: 51