المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أيها المذنب! تذكر بيت الوحدة - تذكر منزلك بعد الموت

[أزهري أحمد محمود]

الفصل: ‌ أيها المذنب! تذكر بيت الوحدة

وناداه البلى هذا فلان

هلموا فانظروا هل تعرفوه

حبيبكم وجاركم المفدى

تقادم عهده فنسيتموه

*‌

‌ أيها المذنب! تذكر بيت الوحدة

!

يا غافلاً عن ضجعة القبور! ويا لاهيًا عن منازل الثبور!

تذكر بيت الوحدة .. ودار البلى والوحشة!

غفلت أيها المسكين عن المثوى بين اللحود .. وشغلتك الشهوات عن مراتع الدود!

أيها المذنب! ها هم الصالحون يتذكرون ذلك المنزل الفظيع! وتُمتلأ أفئدتهم جزعًا وهم يذكرون ذلك المثوى!

* عن وهيب بن الورد قال: «نظر ابن مطيع يومًا إلى داره فأعجبه حسنها، فبكى، ثم قال: «والله لولا الموت لكنت بك مسرورًا، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور؛ لقرت بالدنيا أعيننا» ! ثم بكى بكاء شديدًا، حتى ارتفع صوته!

* وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض مدائن الشام: «أما بعد: فكم للتراب في جسد ابن آدم من مأكل! وكم للدود فيه من طريق مخترق! وإنِّي أحذركم ونفسي - أيها الناس - العرض على الله عز وجل» !

* وعن أبي معاوية قال: «ما لقيني مالك بن مغول إلا قال لي:

ص: 8

لا تغرنك الحياة، واحذر القبر، إن للقبر شأنًا»!

* وعن امرأة هشام الدستوائي، قالت: كان هشام إذا طفئ المصباح؛ غشيه من ذلك أمر عظيم، فقلت له: إنه يغشاك أمر عظيم عند المصباح إذا طفئ! قال: إني أذكر ظلمة القبر! ثم قال: «لو كان سبقني إلى هذا أحد من السلف، لأوصيت إذا مت أن أجعل في ناحية من داري» !

أيها المذنب! إن في خبر هؤلاء القوم؛ عظة لك .. وتنبيهًا من الغفلة .. فما أحراك أن تفيق من سكرة الشهوات .. وأنت تقف على خوف الطائعين! إذ أن أهل الطاعات أقرب إلى السلام من أهل الذنوب.

* أيها المذنب! إياك والغفلة عن تمهيد قبرك!

القبر! يا له من مضجع خشن إن لم تمهِّدهُ بالصالحات! ويا له من شرور ونيران إن لم ترحل إليه بالطاعات!

وكم من غافل ألهته الشهوات عن إعداد دار مقامه! فهو في شغل شاغل عن التهيؤ لبيت الوحشة والدود!

حقًا! كم هو مغرور .. خاسر من غفل عن إعداد منزل قراره بعد الموت! وبينما الغافلون مشغولون بالدنيا؛ إذ باغتهم هادم اللذات! فرحلوا عن غير زاد .. فنزلوا مساكن يا الله! ما أفظعها!

قال يحيى بن معاذ: «يا ابن آدم! دعاك ربك إلى دار السلام، فالنظر أين تجيبه؟ ! إن أجبته من دنياك، واشتغلت بالرحلة إليه؛

ص: 9

دخلتها، وإن أجبته من قبرك؛ منعتها»!

وعن عبيد بن عمير، قال:«ليس من ميت يموت إلا نادته حفرته التي يدفن فيها: أنا بيت الظلمة، والوحدة والانفراد! فإن كنت في حياتك مطيعًا؛ كنتُ اليومَ عليك رحمةً، وإن كنت لربك عاصيًا؛ فأنا اليوم عليك نقمةٌ! أنا البيت الذي من دخلني مطيعًا؛ خرج مسرورًا، ومن دخلني عاصيًا؛ خرج مني مثبورًا» !

أيها المذنب! ما بالك مبادرًا إلى شهواتك .. ساعٍ في رغبات النفس .. مشيِّدًا دارك الفانية؟ !

أما ترى داعي المنون يختطف النفوس اختطافًا؟ !

أما ترى الخلائق راحلين إلى الدار الأخرى؟ !

أفق أيها المسكين! قبل أن تنزل دارًا يا ويل الراحلين إليها بغير الصالحات!

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 1 - 4].

قال عبد الله بن العيزار: «لابن آدم بيتان: بيت على ظهر الأرض، وبيت في بطن الأرض، فعمل للذي على ظهر الأرض، فزخرفه وزينه، وجعل فيه أبوابًا للشمال، وأبوابًا للجنوب، وصنع فيه ما يصلحه لشتائه وصيفه، ثم عمد إلى الذي في بطن الأرض؛ فأخربه، فأتى عليه آت، فقال: أرأيت هذا الذي أراك قد أصلحته، كم تقيم فيه؟ ! قال: لا أدري! قال: فالذي قد

ص: 10