الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبينما المرء في دنياه مغتبطًا
إذا صار في الرمس تَغْفُوه الأعاصير
…
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
وذو قرابته في الحي مسرور
قال: وإلى جانبي رجل يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبد الله، هل لك علم بقائل هذه الأبيات؟ ! قلت: لا، والله، إلا أني أرويها منذ زمان. فقال: والذي يحلف به، إن قائلها لصاحبنا الذي دفناه آنفًا الساعة! وهذا الذي تراه ذو قرابته، أسر الناس بموته، وأنت الغريب تبكي عليه كما وصفتَ.
فعجبت لما ذكر في شعره، والذي صار إليه من قوله، كأنه ينظر إلى مكانه من جنازته، فقلت: إن البلاء موكل بالمنطق. فذهبت مثلا!
*
أيها المذنب! القبر حاجز بينك وبين الصالحات
!
يا مغرورًا بأيامه! ومشغولاً بلذاته! هل شعرت أن قبرك صندوق أعمالك؟ ! وهل شعرت - أيها المسكين - أنك إذا دخلته؛ كأن حاجزًا بينك وبين الرجوع إلى الدنيا؟ !
أيها المذنب! إن التوبة اليوم ممكنة .. وإن الرجوع يسير .. فاحذر العوائق! احذر أن تنزل قبرك بغير زاد!
فما أكثر الحسرات يومها .. وما أكثر النادمين .. ولكن بعد فوات الأوان!
عن الفضل الرقاشي أنه كان يقول في كلامه إذ ذكر أهل القبور: «يا لها من وجوه حيل بينها وبين السجود لله عز وجل، لو يجدون إلى العمل مخلصًا بعد المعرفة بحسن الثواب؛ لكانوا إلى ذلك سراعًا! ثم يبكي، ويقول: يا إخوتاه! فأنتم اليوم قد خلي بينكم وبين ما عليه ترجون إليه فكاك رقابكم، ألا فبادروا الموت، وانقطاع أعمالكم، فإن أحدكم لا يدري متى يخترمه ليلاً أو نهارًا» !
وقال أبو وهب محمد بن مزاحم: «قام رجل إلى ابن المبارك في جنازة، فسأله عن شيء، فقال له: يا هذا، سبِّح، فإن صاحب السرير منع من التسبيح» !
أيها المذنب! كم من مقبور تحت الثرى تسبيحة واحدة خير له من الدنيا وما فيها!
وما أسهل ذلك وأنت حي .. وفي فسحة من أمرك .. وما أزهد أهل القبور عن حطام أهل الدنيا الفاني!
مر بعض السلف بالمقابر، فقال:«أصبح هؤلاء زاهدين فيما نحن فيه راغبون» !
وتذكر - أيها المذنب - أن الأعمال الصالحة؛ أنيس أهل الطاعات في قبورهم .. فما هو أنيسك يومها؟ !
فما أحوجك يومها إلى أنيس يؤنس وحشتك في بيت الوحشة!
قال يزيد الرقاشي: «بلغني أن الميت إذا وضع في قبره؛ احتوشته أعماله، فأنطقها الله تعالى، فقالت: أيها العبد المنفرد في حفرته، انقطع عنك الأخلاء والأهلون، فلا أنيس لك اليوم غيرنا» ! قال: ثم يبكي، ويقول:«طوبى لمن كان أنيسه صالحًا، طوبى لمن كان أنيسه صالحًا، والويل لمن كان أنيسه وبالاً» !
أيها المذنب! ما أقرب الرحيل! فإنك لا تدري متى تنزل في حفرتك .. فتهيأ لها .. وبادر إلى التوبة الصادقة .. وسارع إلى الصالحات قبل أن يُحال بينك وبينها! واتعظ بمن مضى قبلك على درب المعاصي .. فإياك أن تهلك كما هلك!
والحمد لله تعالى .. وصلى الله وسلم على النبي وآله والأصحاب ..
أزهري أحمد محمود
الرياض 11465 ص ب 20846