المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالثفي المجاز - إرشاد العامه إلى معرفة الكذب وأحكامه - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٩

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌المطلب الثالثفي المجاز

‌المطلب الثالث

في المجاز

ليس المراد هنا الإفاضة في أحكام المجاز، وإنما نُلِمُّ منه بما يتعلق بموضوعنا على الاختصار.

اتفق القائلون بالمجاز على أن المجاز المفرد هو: «الكلمة المستعملة في غير ما وُضِعت له في اصطلاحٍ به التخاطب على وجهٍ يصح، وذلك بأن يكون بين المعنى الموضوع له والمعنى المستعمل فيه علاقة معتبرة»

(1)

.

هذا أصح تعريف استقر عليه الأمر. وبقية التعريفات تحوم حول هذا المعنى.

ثم اتفقوا على أنه لا بد للمجاز من قرينة معتبرة، إلا أن كثيرًا من الأصوليين يجعلون القرينة شرطًا لصحة الاستعمال بقصد الإفهام، وصحة الحمل في فهم الكلام.

فعندهم أن من رأى إنسانًا مشؤومًا فقال: «رأيت غرابًا» مريدًا بالغراب ذاك الإنسان= كان هذا مجازًا، لكنه يجب على المتكلم إذا أراد الإفهام أن ينصب قرينة.

وكذلك لا يسوغ لمن يسمع آخر يقول: «رأيت غرابًا» أن يحمله على معنى «رأيت إنسانًا مشؤومًا» إلا إذا كانت هناك قرينة معتبرة.

وعُلم من هذا ــ مع ما تقدم ــ أن من لم ير غرابًا، ولكن رأى إنسانًا

(1)

انظر «فيض الفتاح» (4/ 132) و «شروح التلخيص» (4/ 22 - 26).

ص: 191

مشؤومًا، فقال مخبرًا لغيره:«رأيت غرابًا» ، وأراد إنسانًا مشؤومًا، ولكن لم ينصب قرينة= يكون كاذبًا، ويكون الكلام كذبًا؛ لأن المعنى المفهوم منه غير مطابق للواقع.

وهؤلاء قد لا يذكرون القرينة عند تعريف المجاز؛ لأنها عندهم ليست ركنًا له، ولكن يعلم من مواضع أخرى من كلامهم أنه لا بد منها، على حسب ما ذكرنا.

ونقلوا عن الظاهرية منع وقوع المجاز في كلام الله عز وجل وكلام رسوله. قال المحلي في «شرح جمع الجوامع»

(1)

: «قالوا: لأنه كذبٌ بحسب الظاهر، كما في قولك للبليد: هذا حمار، وكلام الله ورسوله منزه عن الكذب» .

ثم قال: «وأجيب: بأنه لا كذب مع اعتبار العلاقة» .

اعترضه بعضهم

(2)

، فقال:«إذا تأملت قول المجيب: مع اعتبار العلاقة، وقول المستدل: بحسب الظاهر= وجدت الجواب غير ملاقٍ للدليل، والمناسب سوق الدليل مجردًا عن قوله: بحسب الظاهر» .

أقول: سوق الدليل مجردًا عنها لا وجه له؛ لأنها من كلام المستدل، فأنى يجوز للحاكي إسقاطها؟

ثم قال المعترض

(3)

: «ثم الكذب لازم لإرادة المعنى الحقيقي،

(1)

(1/ 308) مع حاشية البناني.

(2)

هو البناني في حاشيته.

(3)

أي البناني في الموضع المذكور.

ص: 192

فارتفاعه إنما هو بإرادة المعنى المجازي، والدال عليه هو القرينة، فانتفاء الكذب لأجل وجود القرينة».

أقول: الظاهرية يعرفون ويعترفون أن في الكتاب والسنة ما لا يحصى من الكلمات المستعملة في معانٍ لولا القرينة لكانت ظاهرة في غيرها، ولكنهم يزعمون أن ذلك كله من الحقيقة، ويقولون: غاية الأمر أن العرب وضعت الكلمة لهذا المعنى بحيث يفهم منها مطلقًا، ووضعتها لهذا المعنى الثاني بحيث يفهم منها مع القرينة، ككلمة «أسد» للسبع المعروف وللرجل الشجاع، وهي على كلا الحالين حقيقة، إذ لم تستعمل إلا فيما وضعت له.

فمحطُّ إنكارهم إنما هو أن تأتي في الكتاب والسنة كلمة مستعملة في معنى لم توضع له في أصل اللغة.

وقولهم: «لأنه كذب بحسب الظاهر» يعنون به أن العربي المخاطب بلغة العرب إنما يحمل الكلمة على ما وضعت له في أصل اللغة، فإذا سمع كلمة «أسد» عرف أنها موضوعة للسبع المعروف وللرجل الشجاع، فإذا رآها مجردة عن القرينة عرف أن المراد بها السبع المعروف، وإذا رآها مع القرينة عرف أن المراد بها الرجل الشجاع، فهي عنده بمنزلة حروف (ج ح خ) في الكتابة، الشكل موضوع لكل من الثلاثة، فإذا أهمل عرف أنه الحاء المهملة، وإذا نقط من تحته عرف أنه الجيم، وإذا نقط من فوقه عرف أنه الخاء المعجمة، ومع ذلك فالشكل مشترك بين الحروف الثلاثة، أصلٌ في كل منها.

فعلى هذا فإذا أشرت لعربي إلى رجلٍ، فقلت:«هذا أسد» عرف فورًا أنك تريد أنه شجاع، لكن إذا أشرت إلى رجلٍ، فقلت: هذا حمار، فإنه

ص: 193

يتراءى له أن هذا كذب بمنزلة أن تشير له إلى كتابٍ، وتقول: هذا فرس. ثم إذا علم أنك إنما أردت البلادة فهمها، ولكنه كما يفهم المراد من الكلمة الأعجمية.

فيقول الظاهرية: إنه ليس في قولك للرجل: «هذا أسد» كذبٌ في الظاهر، فإن الكلمة موضوعة للرجل الشجاع بشرط القرينة، وقد وُجِدت، بخلاف قولك:«هذا حمار» فإنه كذبٌ في الظاهر، لأن الكلمة لم توضع في أصل اللغة لذلك.

ونظير قولك: «هذا أسد» أن تشير لكاتبٍ إلى حرف «ح» قائلًا: هذا جيم.

ونظير قولك: «هذا حمار» أن تشير له إلى رقم (3) قائلًا: هذا جيم. فإنه يتراءى له أن هذا كذبٌ، حتى يتنبه للمناسبة بأن حرف (ج) يُعدُّ في حساب الجُمَّل بثلاثة.

فتدبر ما قدمناه وتحقَّقْه، وبذلك يظهر لك أن جواب المحلي ــ تبعًا لمن تقدمه ــ هو المناسب لقول الظاهرية.

وقد ذكر هذا الجواب عينه البهاء السبكي في «عروس الأفراح»

(1)

.

وحاصله: أنه قد عُرِف عن العرب أنها إذا وجدت علاقة معتبرة بين المعنيين، يطلقون لفظ أحدهما على الآخر، وينصبون قرينة، وإن لم يسمعوا من تقدمهم استعمل تلك الكلمة في ذاك المعنى.

وبهذا عُلِم أن الكلمات كما هي موضوعة لمعانيها الخاصة، فهي

(1)

انظره ضمن «شروح التلخيص» (4/ 68 - 69).

ص: 194

موضوعة أيضًا لتستعمل مع القرينة في كل ما بينها وبينه علاقة معتبرة.

وإذا ثبت وجود الوضع صارت كلمة «حمار» على فرض أنها لم تُسمع عن المتقدمين مستعملة في البليد، بمنزلة كلمة «أسد» ؛ لثبوت أن تلك موضوعة، كما أن هذه موضوعة، وإذا ثبت الوضع بحجته لم يلتفت إلى عدم السماع، كما في صيغ اسم الفاعل والمفعول وغيرها.

أما البيانيون وغيرهم فعندهم أن نصب القرينة ركنٌ للمجاز، لا شرطٌ فقط، وزادوا في التعريف قولهم

(1)

: «مع قرينة عدم إرادة المعنى الموضوع له» .

ثم ذكروا أن الكلمة المستعملة فيما لم توضع له في اصطلاحٍ به التخاطب تكون على أقسام:

الأول: المجاز، وهو ما لُوحِظت فيه علاقة معتبرة، ونُصبت معه قرينة معتبرة دالة على عدم إرادة المعنى الموضوع له.

الثاني: الكناية، وهي كالمجاز، إلا أن القرينة فيها لا تدل على عدم إرادة المعنى الموضوع له، بل تدل على إرادة غيره.

الثالث: الارتجال، وهو أن تطلق الكلمة على وجه استئناف وضع جديد، كمن يشير إلى طفل ولد له، فيقول: هذا طلحة، ويريد تسميته بذلك.

الرابع: الغلط، كأن تشير إلى كتاب، تريد أن تقول:«هذا كتاب» فيجري على لسانك: «هذا فرس» .

(1)

انظر «فيض الفتاح» (4/ 132) و «شروح التلخيص» (4/ 25).

ص: 195

الخامس: اللغو، كأن تشير لبصيرٍ إلى كتاب، قائلًا:«هذا فرس» ، قاصدًا هذا القول، مع عدم ملاحظتك لعلاقة معتبرة، ومع علمك بالقرينة الدالة للمخاطب على أن المشار إليه ليس بفرس.

أقول: وهذا الخامس يصدق عليه تعريف الكذب.

فإن قيل: فلماذا لم يذكروا في الأقسام ما إذا استعملت الكلمة في غير ما وضعت له لعلاقة معتبرة، ولكن لم تُنصب قرينة معتبرة، كما إذا كنت لم تر غرابًا، وإنما رأيت رجلًا مشؤومًا، فقلت لمن لا يعرف الواقع:«رأيت غرابًا» ، ولم تنصب قرينة.

قلت: هذه الصورة غير واردة عليهم؛ لأنهم يحكمون فيها بأن الكلمة إنما استعملت فيما وضعت له، ولذلك إذا تبين لهم الواقع جزموا بأن هذا الخبر كذب. فقد ذكروا في الكلام على الإسناد العقلي أن من أقسام الحقيقة قولك:«جاء زيد» وأنت تعلم أنه لم يجئ.

وقال السعد في «المطول»

(1)

بعد هذا المثال: «فهذا أيضًا إسنادٌ إلى ما هو له عنده في الظاهر؛ لأن الكاذب لا ينصب قرينة على خلاف إرادته» .

ثم ذكر بعد ذلك ما يؤخذ منه أنه لو كانت مع هذا قرينة، فإن كانت هناك علاقة فمجازٌ، وإلا فمن القسم الخامس الذي سميناه لغوًا.

فعُلِم من هذا أنه عند عدم القرينة يكون كذبًا، سواءً لوحظت علاقة، أم لا.

(1)

انظر «فيض الفتاح» (2/ 159).

ص: 196

وذكروا في الفرق بين الاستعارة والكذب ما يفيد هذا أيضًا، ووقع لبعضهم تخليط هناك، فلا بأس بتحرير المقام.

ذكر السكاكي في «المفتاح»

(1)

أن الاستعارة ــ وهي مجاز كما لا يخفى ـ تفارق الدعوى الباطلة ببناء الدعوى في الاستعارة على التأويل، أي بملاحظة العلاقة المعتبرة، وتفارق الكذب بنصب القرينة المانعة عن إرادة الظاهر، يعني: والدعوى الباطلة لا تأويل معها، والكاذب لا ينصب قرينة.

وهذا صريح ــ كما لا يخفى ــ في أنها إذا فقدت القرينة، والكلام بظاهره غير مطابق للواقع، فهو كذبٌ، سواءٌ أوُجِد تأويل أم لا.

وقد فُسِّرت عبارة «المفتاح» على ثلاثة أوجه:

الأول: نقل عن شارحه العلامة القطب الشيرازي

(2)

، ذكروا أنه فسر «الباطل» بما يكون على خلاف الواقع، والكذب بما يكون على خلاف ما في الضمير.

الثاني: تفسير شارحه السيد الشريف الجرجاني

(3)

، ذكر أن السكاكي أراد بالدعوى الباطلة الجهل المركب، وصاحبه مصرٌّ على دعواه، متبرئٌ عن التأويل، فضلًا عن نصب القرينة، وأراد بالكذب: الكذب العمد، وصاحبه لا ينصب القرينة، بل يروج ظاهره، لكن لا مانع من قصد التأويل في ذهنه، فلذا

(1)

(ص 373).

(2)

انظر «فيض الفتاح» (4/ 152).

(3)

المصدر السابق.

ص: 197

خص التأويل بمفارقة الباطل، و [خص]

(1)

نصب القرينة بمفارقة الكذب. هكذا نقله عبد الحكيم في «حواشي المطول»

(2)

.

الثالث: تفسير عبد الحكيم، قال

(3)

: «الأظهر عندي أن الاستعارة من حيث المعنى تشابه الدعوى الباطلة، ومن حيث اللفظ تشابه الكلام الكاذب، فتبيين الفرق بأن مبنى معناها على التأويل، بخلاف الدعوى الباطلة، وأن مبنى لفظها على نصب القرينة، بخلاف الكذب» .

واعترض السعد في «المطول» كلام العلامة، قال

(4)

: «وأنت تعلم أن تفسيره الكذب خلاف ما عليه الجمهور واختاره السكاكي» .

واعترض عبد الحكيم كلام السيد الشريف فقال

(5)

: «فيه أنه مع كونه خلاف ظاهر العبارة، إذ لا قرينة على تخصيص الدعوى الباطلة بالجهل المركب، والكذب بالكذب العمد، أنه لا وجه لتخصيص مفارقة الاستعارة بهذين، فإنها تفارق الدعوى الباطلة مطلقًا ــ سواءٌ كان مع اعتقاد المطابقة أو لا ــ بالتأويل، وعن الكذب مطلقًا ــ سواءٌ كان عمدًا أو خطأً ــ بنصب القرينة» .

أقول: هناك صور:

(1)

المعكوفتان من المؤلف.

(2)

«فيض الفتاح» (4/ 152).

(3)

انظر المصدر السابق.

(4)

المصدر السابق.

(5)

المصدر السابق.

ص: 198

الأولى: أن ترى إنسانًا من بعيد، فتظنه غرابًا، فتقول:«رأيت غرابًا» ، مريدًا بذلك وفق ما ظننته.

الثانية: أن تعلم أنه إنسان، ومع ذلك تقول لمن تراه لا يعرف الواقع:«رأيت غرابًا» ، وتتأول في نفسك الغراب بإنسانٍ مشؤومٍ، ولا قرينة.

الثالثة: أن تعلم أنه إنسانٌ، ومع ذلك تقول لمن تراه لا يعرف الواقع:«رأيت غرابًا» ، ولا تتأول في نفسك.

فكل من هذه الصور يصدق عليه أنه دعوى باطلة، وأنه كذب. أما الأولى والثالثة؛ فظاهر، وأما الثانية؛ فبحسب الظاهر المحكوم به، إذ لا عبرة بالتأويل النفسي مع عدم القرينة.

لكن الصورة الأولى أولى بأن تسمى دعوى باطلة؛ لأنها كما شاركت الأُخريين في ظهور الدعوى بحسب ظاهر اللفظ، امتازت عنهما بتحقق الدعوى في الاعتقاد.

والأولى أبعد عن الكذب؛ لأن صاحبها مخطئ، وقد تقدم أن الغالب في العرف أن لا يقال فيمن كذب خطأً:«كذب» ، وإنما يقال:«أخطأ» ، ومن الناس من لا يسمي ذلك كذبًا البتة.

والاعتقاد أمرٌ معنوي، وكذلك التأويل في النفس. وظاهر الكلام يتعلق باللفظ، وكذلك القرينة. والاستعارة تشتبه من حيث المعنى باعتقاد الباطل؛ لأنها مبنية على دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به، وتخيل ذلك في النفس، فهي من هذه الجهة مشابهة للصورة الأولى، ولكنها تفارقها ببناء الدعوى في الاستعارة على التأويل.

ص: 199

والاستعارة تشتبه بالكذب الذي لا خطأ فيه؛ لأن القائل: «رأيت أسدًا يرمي» يعلم أن الرجل ليس بأسد، فهي من هذه الجهة مشابهة للصورتين الأخريين، لكنها تفارقهما بالقرينة.

فقد بان بهذا وجه صنيع السكاكي، وبان به توجيه التفاسير الثلاثة، بل واتفاقها في المآل، فإن العلّامة حمل الدعوى الباطلة على الاعتقاد المخالف للواقع، وهذه هي الصورة الأولى، وحمل الكذب على خلاف ما في الضمير، وذلك في الصورتين الأخريين، فإن ظاهر الكلام فيهما كما هو مخالفٌ للواقع، فهو مخالفٌ لما في الضمير؛ لعلم المتكلم بخلاف ما أفهمه كلامه. وإنما خصَّ السكاكي ثم العلّامة الكذب بذلك لأنه كذبٌ اتفاقًا، لغةً وعرفًا.

والسيد فسّر الدعوى الباطلة بالجهل المركب، وهي الصورة الأولى، والكذب بالعمد، وذاك في الصورتين الأخريين، فاتفقا.

وعبد الحكيم ذكر أن الاستعارة من حيث المعنى تشابه الدعوى الباطلة، وقد علمت أن ذلك إنما يتحقق في الصورة الأولى؛ لتحقق الدعوى في الاعتقاد، وهو أمر معنوي.

وذكر أنها من حيث اللفظ تشابه الكلام الكاذب، والأَولى بملاحظة ذلك الصورتان الأخريان؛ لأنهما كذبٌ اتفاقًا، لغةً وعرفًا، وكذب الكلام فيهما آكد لمخالفته لما في الواقع ولما عند المتكلم، ومدار الكذب فيهما على اللفظ فقط لمطابقة علم المتكلم للواقع.

والمقصود أن هؤلاء اتفقوا على أن الصورة الثانية كذبٌ، وأن إضمار التأويل لا يدفع الكذب.

ص: 200

أما صاحب «التلخيص» فقال

(1)

: «الاستعارة تفارق الكذب بالبناء على التأويل ونصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر» .

قال السعد في «المطول»

(2)

: «يعني أن في الاستعارة دعوى

مبنية على تأويل

ولا تأويل في الكذب. وأيضًا لا بد في الاستعارة من قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي الموضوع له، دالةٍ على أن المراد خلاف الظاهر، بخلاف الكذب، فإنه لا تُنصب فيه قرينة على إرادة خلاف الظاهر، بل يُبذل المجهود في ترويج ظاهره».

وهذا الكلام إذا تُدبِّر وقورِن بكلام هذين الرجلين في مواضع أخرى ــ كما سبق لهما في الكلام على الإسناد العقلي ــ تبين أنه غير مخالف لما تقدم، فإن الدعوى الباطلة التي تشابه الدعوى التي في الاستعارة هي ما في الصورة الأولى، كما تقدم.

فغاية الأمر أن صاحب «التلخيص» أدرج الصورة الأولى في الكذب، ثم بين أن الفرق بوجهين:

الأول: التأويل، وهذا يختصُّ بالصورة الأولى.

الثاني: بالقرينة، وهي تعمُّ الصور الثلاث.

فكأنه يقول: إن الفرق بين الاستعارة وبين الكذب خطأً ــ وذلك في الصورة الأولى ــ بالتأويل والقرينة. فالتأويل يدفع خطأ الاعتقاد، والقرينة تدفع الأمرين، أي: الخطأ في الاعتقاد ومخالفة الكلام للواقع.

(1)

(ص 306 بشرح البرقوقي). وانظر «شروح التلخيص» (4/ 68).

(2)

(ص 584)، وهو في «فيض الفتاح» (4/ 152).

ص: 201