المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب العام والخاص - تشنيف المسامع بجمع الجوامع - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

الفصل: ‌باب العام والخاص

‌باب العام والخاص

(ص) العام: لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر.

(ش)(لفظ) جنس يتناول العام والخاص، وفيه احتراز من المعاني، فإن العموم من عوارض الألفاظ، ويعني به الواحد للاحتراز عن الألفاظ المتعددة الدالة على

ص: 641

أشياء متعددة وقوله: يستغرق أي: يستغرق لما يصلح أن يدخل تحته فخرج النكرة في الإثبات ولو بصيغة الجمع كالرجال، وقوله: من غير حصر، يحترز به عن أسماء العدد، فإنها متناولة لكل ما يصلح له، لكن مع الحصر، وهذا بناء على أنها ليست بعامة وهو المعروف وبه صرح ابن الحاجب هنا وجعل الحد غير مانع لو لم يحترز عنها لكن كلامه في بحث الاستثناء يقتضي أنها عامة وقد تابعه المصنف هناك، ومنهم من زاد في هذا الحد بوضع واحد ليحترز عما يتناوله بوضعين فصاعدا كالمشترك وما له حقيقة ومجاز، لأن عمومه لا يقتضي أن يتناول مفهوميه معا، وإنما لم يذكره المصنف للتنبيه على أنه غير محتاج إليه، لأنا إن قلنا: لا يحمل المشترك على معنييه، فقد خرج بقيد الاستغراق فإنه لا يستغرق جميع ما يحصل له عندهم، وإن قلنا: يحمل، فلأن التعريف للعام بحسب الشمول والمشترك، وما له حقيقة ومجاز له عموم على رأي الجمهور، ولكن بطريق البدلية.

(ص) والصحيح دخول النادرة وغير المقصودة تحته.

(ش) فيه مسألتان:

إحداهما: أن الصورة النادرة هل تدخل تحت العموم؟ فيه خلاف زعم

ص: 642

المصنف أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي: حكاه، ولم أجده في كتبه، وإنما يوجد في كلام الأصوليين اضطراب فيه يمكن أن يؤخذ منه الخلاف، وكذا في كلام الفقهاء ولهذا اختلفوا في المسابقة على الفيل على وجهين:

أصحهما: نعم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا سبق إلا في خف أو حافر)).

والثاني: لا لأنه نادر عند المخاطبين بالحديث، ولم يرد باللفظ، وقال الغزالي في (البسيط): لو أوصى بعبد، أو برأس من رقيق جاز دفع الخنثى وذكر صا حب (التقريب) وجها، أنه لا يجزئ لأنه نادر لا يخطر بالبال، وهو بعيد، لأن العموم يتناوله انتهى.

وذكروا في المتمتع العادم للهدي أنه يصوم الأيام في الحج قبل عرفه فلو أخر طواف الزيارة عن أيام التشريق وصامها، لا يكون أداء وإن بقي الطواف، لأن تأخيره عن أيام التشريق مما يبعد ويندر، فلا يقع مرادا

ص: 643

من قوله تعالى: {ثلاثة أيام في الحج} بل هو محمول على الغالب المعتاد، قال الرافعي: كذا حكاه الإمام وغيره.

وفي (النهاية) حكاية وجه ينازع فيه قلت: وهذا الخلاف ينبغي أن يكون فيما ظهر اندراجه في اللفظ، فإن لم يظهر وساعده المعنى فلم أرهم تعرضوا له (92أ) وينبغي أن يجري فيه خلاف بين أصحابنا في منع الأب مال ولده من نفسه وبالعكس هل يثبت فيه خيار المجلس؟ على وجهين:

أحدهما: لا، فإن المعول الخبر، وهو إنما ورد في المتبايعين، والولي قد تولى الطرفين وأصحهما الثبوت وأنه بيع محقق، وغرض الشارع إثبات الخيار في البيع وإنما خصص المتبايعين بالذكر إجراء للكلام على الغالب المعتاد وكذا وجهه الإمام في (النهاية) فلو قال المصنف: والصحيح دخول النادرة تحت العموم ولو بالمعنى ليشمل هذه الصورة.

الثانية: إن الصور غير المقصودة هل تدخل في العموم؟ فيه خلاف حكاه القاضي عبد الوهاب في كتابه المسمى بـ (الملخص) والصحيح الدخول، لأن المراد إنما هو اللفظ، فلا مبالاة بصورة لم تقصد، فإن المقاصد لا انضباط لها، والرجوع إلى منضبط أولى. قلت: ويوجد الخلاف فيها في كلام أصحابنا أيضا، ولهذا لما حكى في (البسيط) الخلاف في التوكيل بشراء عبد، فاشتري من يعتق على الموكل.

قال: ومثار الخلاف التعلق بالعموم أو الالتفات إلى المقصود، هذا لفظه، قال المصنف: وليست غير المقصودة هي النادرة، كما توهم بعضهم، بل النادرة هي التي لا تخطر غالبا ببال المتكلم لندرة وقوعها، وغير المقصودة قد تكون مما يخطر بالبال

ص: 644

ولو غالبا فرب صورة تتوفر القرائن على أنها لم توجد وإن لم تكن نادرة، ورب صورة تدل القرائن على إنها مقصودة وإن كانت نادرة، فإذا ذكر اللافظ لفظا عاما وهناك صورة لم تقصد ولكنها داخلة في دلالة اللفظ وكثيرا ما يقع هذا في ألفاظ الواقفين - فهل يعتبر لفظه، وتدخل تلك الصورة وإن لم يقصدها أو يقتصر على المقصود؟ والأصح الأول، والحنابلة يميلون إلى ترجيح الثاني ويبنون عليه أصولا عظيمة في باب الوقف، واستنبط ابن الرفعة من كلام الغزالي في الفتاوى أن مقاصد الواقفين يعتبر فيخصص بها العموم ويعمم بها الخصوص وليس المراد أن المقصود إخراجها تدخل وفرق بين غير المقصودة والمقصودة الإخراج فمقصودة الإخراج لا سبيل إلى القول بدخولها، غير أنا نقول: لا اطلاع على قصد الإخراج إلا بدليل وذلك الدليل مخصص بهذا اللفظ فلا يمنع دخول الصورة، في مدلوله، لأن التخصيص إخراج من الحكم لا من المدلول، ومسألة الكتاب إنما هي غير المقصودة فبنوا قصد إخراجها أم لا، فإن لم يقصد دخل لفظا وحكما وإن قصد إخراجها دخلت لفظا وخرجت حكما كسائر المخصصات ونظير غير المقصودة المخاطب - بكسر الطاء - هل يدخل في عموم خطابه، فإن المخاطب لا يقصد نفسه غالبا؟

(ص) وأنه قد يكون مجازا.

(ش): لا خلاف أن حكم الحقيقة ثبوت ما وضع اللفظ له خاصا كان أو عاما؟ واختلفوا في المجاز هل هو كذلك فيثبت ما استعير له اللفظ خاصا كان أو عاما؟ فالأكثرون: نعم فيستويان في إثبات الأحكام بهما ولم ينقل عن أحد

ص: 645

من أئمة اللغة، أن الألف واللام أو النكرة في سياق النفي وغيرها يفيدان العموم بشرط أن يكون في الحقيقة بل أدلة العمل (92أ) بالعام مطلقة فيشملها وخالف بعض الحنفية فزعم أن المجاز لا يعم بصيغته لأنه على خلاف الأصل فيقتصر به على الضرورة كما قالوه في مسألة عموم المقتضى، أن ما يفيد بالضرورة يقدر بقدرها فإذا ورد:((لا تبيعوا الطعام بالطعام، إلا سواء بسواء)). وورد إلا الصاع بالصاعين، أيصرف إليه، ولم يعم كل مكيل؟ وهذا ضعيف وليس المجاز مما يختص بمحال الضرورات بل هو عند قوم غالب على اللغات وليس العموم ذاتيا للحقيقة بل بأسباب زائدة كتعريف الجنس باللام وغيره، فإذا وجد هذا السبب في المجاز تعين المصير إليه، ثم عين الصاع في الحديث غير مراد، بل المراد ما كيل فيه، بطريق المجاز فتعين عموم المجاز، كما تعين عموم الحقيقة، ومن الدليل على أن العام قد يكون مجازا الاستثناء في قوله صلى الله عليه وسلم:((الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام)). فإن الاستثناء معيار العموم، فدل على تعميم كون الطواف صلاة، وكون الطواف صلاة. مجاز.

ص: 646

تنبيهان:

الأول: ظهر بهذا أن العبارة مقلوبة، والصواب أن نقول: وأن المجاز يدخل العموم، فإن صورة المسألة أن يشتمل المجاز على السبب المقتضي للعموم من الألف واللام وغيرها، والمحل قابل للعموم، فهل يجب القول بعمومه، عملا بالمقتضى السالم عن المعارضة، كما يجب العمل عند وجوده في الحقيقة أم لا؛ لأنه ثبت للضرورة؟ ومن ثم ذكر هذه المسألة صاحب (البديع) في بحث المجاز لا في بحث العموم وعبارة ابن السمعاني في (القواطع): واختلف أصحابنا في المجاز، هل يتعلق به العموم؟ على وجهين: فقيل: لا يدخل في العموم إلا الحقائق وقال آخرون: يدخل فيه المجاز كالحقيقة، لأن العرب تتخاطب به كما تتخاطب بالحقيقة.

الثاني: ظن المصنف في (منع الموانع) أن هذه مسألة المقتضي وليس كذلك، فإن المقتضي لم يشتمل على دليل العموم، لأنه ليس بملفوظ، وإنما يقدر لأجل صحة الملفوظ، ومن هنا يضعف مأخذ من ألحقه بالمقتضي لأن التقدير لأجل الصحة ضروري فلا يجوز أن يقدر زائد على قدر الحاجة، فإذا خولف هذا الأصل لضرورة لا يجوز أن تزاد المخالفة على قدر الضرورة، بخلاف المجاز المشتمل على إرادة العموم فإنه إذا لم يحمل على العموم يلزم منه إلغاء دليل العموم.

(ص) فإنه من عوارض الألفاظ، قيل: والمعاني وقيل به في الذهني.

(ش) لا خلاف أن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة قال في (البديع): بمعنى وقوع الشركة في المفهوم لا بمعنى الشركة في اللفظ يريد أنه ليس المراد

ص: 647

بوصف اللفظ بالعام هو وصفه به مجردا عن المعنى فإن ذلك لا وجه له بل المراد وصفه به باعتبار معناه الشامل للكثرة، واختلفوا في المعاني على مذاهب:

أحدها: إنه ليس من عوارضها لا حقيقة ولا مجازا، وهو أبعد الأقوال، بل في ثبوته نظر.

والثاني: إنه من عوارضها مجازا، وعزاه الهندي للجمهور، لأنه لا يتصور انتظامها تحت لفظ واحد، إلا إذا اختلفت في أنفسها، وإذا اختلفت تدافعت وقولهم: عمهم الخصب والرخاء متعدد، فإن ما خص هذه البقعة غير ما خص (93أ) الأخرى.

والثالث: إنه يعرض لها حقيقة كما يعرض للفظ، فكما صح، في الألفاظ شمول أمر لمتعدد يصح في المعاني شمول معنى لمعاني متعددة بالحقيقة فيهما وقال

ص: 648

القاضي عبد الوهاب: مراد قائله: حمل الكلام على عموم الخطاب، وإن لم يكن هناك صيغة تعمها، كقوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة} أي: نفس الميتة وعينها، لما لم يصح تناول التحريم لها عممنا بالتحريم جميع التصرف فيها من الأكل والبيع واللبس وسائر أنواع الانتفاع وإن لم يكن للأحكام ذكر في التحريم لا بعموم ولا بخصوص.

والرابع: التفصيل بين المعاني الكلية الذهنية، فهي عامة، بمعنى أنها بمعنى واحد متناول لأمور كثيرة دون المعاني الخارجية، لأن كل ما له وجود في الخارج فلا بد أن يكون متخصصا بمحل وحال مخصوص لا يوجد في غيره، فيستحيل شموله لمتعدد، وهذا التفصيل بحث للصفي الهندي.

تنبيهان:

الأول: عطف المصنف على الأصح يقتضي وجود خلاف في كونه من عوارض اللفظ، وليس كذلك، فينبغي أن يجعل استئنافا لا عطفا على ما قبله.

الثاني: ظهر بما سبق أنه ليس المراد بكون العموم من عوارض المعاني - المعاني التابعة للألفاظ، بل المعاني المستقلة، كالمقتضي والمفهوم، فإن المعاني التابعة للألفاظ

ص: 649

لا خلاف في عمومها لأن لفظها عام.

(ص) ويقال للمعنى: أعم، وللفظ: عام.

(ش) يقال في اصطلاح الأصوليين للمعنى: أعم وأخص وللفظ: عام وخاص، وقال القرافي: ووجه المناسبة أن صيغة أفعل تدل على الزيادة والرجحان والمعاني أهم من الألفاظ فخصت بصيغة أفعل التفضيل ومنهم من يقول: فيها عام وخاص أيضا.

(ص) ومدلوله كلية، أي: محكوم فيه على كل فرد مطابقة إثباتا أو سلبا لا كل ولا كلي.

(ش) هذا يتوقف على معرفة الفرق بين الكلية والكلي والكل:

أما الكل: فهو المجموع الذي لا يبقى بعده فرد، والحكم فيه على المجموع من حيث هو مجموع لا على الأفراد كأسماء العدد ويقابله الجزء وهو ما تركب منه ومن غيره كل، كالخمسة مع العشرة.

وأما الكلي: فهو الذي يشترك في مفهومه كثيرون، كمفهوم الحيوان في أنواعه والإنسان في أنواعه، فإنه صادق على جميع أفراده ويقابله الجزئي كزيد، فهو: الكلي مع قيد زائد، وهو تشخصه فلك أن تقول: الكلي بعض الجزئي.

ص: 650

وأما الكلية: فهي التي يكون فيها الحكم على كل فرد بحيث لا يبقى فرد، كقولنا: رجل يشبعه رغيفان غالبا، فإنه يصدق باعتبار الكلية، أي: كل رجل على حدته يشبعه رغيفان غالبا لا يصدق باعتبار الكل أي: المجموع من حيث هو مجموع، فإنه لا يكفيه رغيفان لا قناطير متعددة، لأن الكل والكلية تندرج فيها الأشخاص الحاضرة والماضية والمستقبلة وجميع ما في مادة الإمكان وإنما الفرق بينهما: أن الكل يصدق من حيث المجموع والكلية تصدق من حيث الجميع، وفرق بين المجموع والجميع، فإن المجموع الحكم على الهيئة الاجتماعية، لا على الأفراد، والجميع على كل فرد فرد، ويقابلها الجزئية وهي الحكم على أفراد حقيقة من غير تعيين كقولك: بعض الحيوان إنسان فالجزئية بعض الكلية، إذا علمت هذا فمسمي العموم كلية لا كل، وإلا لتعذر الاستدلال به على ثبوت حكمه للفرد (93ب) المعين في النفي والنهي، إلا إذا كان معناه الكلية التي يحكم فيها على كل فرد فرد، بحيث لا يبقى فرد كما عرفت وحينئذ يستدل بها على فرد ما من الأفراد في النفي والنهي إنما يختلف الحال بين الكل والكلية في النفي النهي لا في الأمر، وحين الثبوت فمدلول العموم كلية لا كل، لصحة الاستدلال به على ثبوت حكمه لكل فرد من أفراده عند القائلين به، إجماعا فإن قوله تعالى:{لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} دال على تحريم قتل كل فرد من أفراد النفوس بالإجماع، وليس معناه: ولا تقتلوا مجموع النفوس وإلا لم يدل على فرد فرد فلا يكون عاصيا بقتل الواحد، لأنه لم يقتل

ص: 651

المجموع وبهذا التقرير يزول الإشكال الذي تشعب به القرافي، فإنه قال: فإن دلالة العموم على كل فرد من أفراده نحو: زيد المشرك مثلا من المشركين لا يمكن أن يكون بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام، وإذا بطل أن يدل لفظ العموم على زيد مطابقة وتضمنا والتزاما- بطل أن يدل لفظ العموم مطلقا لانحصار الدلالة في الأقسام الثلاثة وإنما قلنا: لا يدل عليه

بطريق المطابقة؛ لانتهاء دلالة اللفظ على مسماه بكماله.

ولفظ العموم لم يوضع لزيد فقط حتى تكون الدلالة عليه مطابقة، وإنما قلنا: لا تدل بالتضمن لأنها دلالة اللفظ على جزء مسماه والجزء إنما يصدق إذا كان المسمى كلا لأنه مقابله ومدلول لفظ العموم ليس كلا كما عرفت فلا يكون زيد جزء فلا يدل عليه تضمنا وإنما قلنا: لا يدل عليه بالالتزام لأن الالتزام هي دلالة اللفظ على لازم مسماه ولازم المسمى لا بد وأن يكون خارجا عن المسمى وزيد ليس بخارج عن مسمى العموم لأنه لو خرج لخرج عمرو وخالد وحينئذ لا يبقى في المسمى شيء وأجاب عنه الشيخ شمس الدين الأصفهاني شارح (المحصول) بأنا حيث قلنا بدلالة اللفظ على الثلاث، إنما هو في لفظ مفرد دال على معنى، ليس ذلك المعنى هو نسبة بين مفردين، وذلك لا يتأتى هنا، فلا ينبغي أن يطلب ذلك وحينئذ فقوله:{فاقتلوا المشركين} في قوة جملة من القضايا وذلك لأن مدلوله: اقتل هذا المشرك واقتل هذا المشرك إلى آخر الأفراد.

وهذه الصيغ إذا اعتبرت بجملتها فهي لا تدل على قتل زيد المشرك، ولكنها تتضمن ما يدل على قتل زيد المشرك، لا بخصوص كونه زيدا، بل بعموم، كونه فردا ضرورة تضمنه اقتل زيد المشرك فإنه من جملة هذه القضايا وهي جزء من

ص: 652

مجموع تلك القضايا فتكون دلالة هذه الصيغة على وجهين، قتل زيد المشرك لتضمنها ما يدل على ذلك الوجوب والذي هو في ضمن ذلك المجموع هو دال على ذلك مطابقة، قال: فافهم ما ذكرناه فإنه من دقيق الكلام وليس ذلك من قبيل دلالة التضمن، بل هي من قبيل دلالة المطابقة.

تنبيه: ما قالوه، أن دلالة العموم كلية بمعنى أن الحكم فيها على كل فرد هو في الإثبات فإنه كان في النفي فلا يرتفع الحكم عن كل فرد فرد، وفرق بين عموم السلب وسلب العموم.

(ص) ودلالته على أصل المعنى قطعية، وهو عن الشافعي رضي الله عنه وعلى كل فرد بخصوصه ظنية وهو عن الشافعية، وعن الحنفية قطعية.

(ش) للعام دلالتان إحداهما على أصل المعنى، وهي قطعية بلا خلاف والثانية على استغراق الأفراد، أي: على كل فرد بخصوصه هل هي ظنية أو قطعية المنسوب للشافعية الأول وقالوا لا تدل على القطع (94أ) إلا بالقرائن كما أنه لا تسقط دلالتها إلا بالقرائن واحتجوا بأن هذه الألفاظ تستعمل تارة للاستغراق وتارة للبعض، فامتنع القطع ولم يضره الإجمال للقطع بأن الصحابة وأهل اللغة طلبوا دليل التخصيص لا دليل العموم. واحتجوا أيضا بأنه لولا ذلك لما جاز تأكيد الصيغ العامة، إذ لا فائدة

ص: 653

فيه وقد قال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} والمنسوب للحنفية الثاني وأنها توجب الحكم في جميع الأفراد الداخلة تحته قطعا ويقينا كالخاص فيما يتناوله، وعزاه الأبياري في (شرح البرهان) إلى المعتزلة وأن مأخذهم فيه اعتقادهم استحالة تأخير البيان عن مورد الخطاب، فلو كان المراد به غير ما هو ظاهر فيه للزم تأخير البيان وما عزاه المصنف للحنفية، مراده جمهورهم وإلا فطائفة منهم على الأول، منهم أبو منصور الماتريدي ومن تبعه من مشايخ سمرقند وما قيد به محل الخلاف مانع فيه المازري فإنه قيده بما زاد على أقل الجمع.

أما دلالته على الأقل فهو قطعي بلا خلاف وما عزاه في الأول للشافعي رضي الله عنه، فلا خصوصية له به، بل القائلون بصيغ العموم عليه وهو محل وفاق ثم يقتضي أنه لم ينقل عن الشافعي رضي الله عنه، في المقام الثاني.

وقد قال إمام الحرمين في (البرهان) أما الفقهاء فقد قال جمهورهم: إن الصيغ الموضوعة للجمع نصوص في الأقل ظواهر فيما زاد عليه، والذي صح عندي من مذهب الشافعي رضي الله عنه، أن الصيغة العامة لو صح تجردها عن القرائن لكانت نصا في الاستغراق قال: وإنما التردد فيما عدا الأقل، من جهة عدم القطع بانتفاء القرائن المخصوصة ثم أشار الإمام إلى توسط في المسألة، وهو أن بعضها يدل على القطع وبعضها بخلافه وكان ينبغي للمصنف إذ قيد محل الخلاف أن يتمم ذلك بتجرده عن القرائن ليخرج ما يثبت إنه غير مجمل للتخصيص بدليل، فإن دلالته على

ص: 654

بحيث

الأفراد قطعية بلا خلاف كقوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} .

{لله ما في السموات وما في الأرض} {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ونحوه، وكذلك ما لا يحتمل إجراؤه على العموم (أي لا يمكن اعتبار العموم فيه، لكون المحل غير قابل له كقوله: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} فإنه حينئذ يكون العام كالمجمل، يجب التوقف فيه إلى بيان المراد منه) فإنه خارج عن محل الخلاف وقد استثناه بعض الحنفية، ومن فوائد الخلاف في هذه المسألة، وجوب اعتقاد العموم وتخصيصه بالقياس وخبر الواحد وغيرها من المظنونات.

(ص) وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع وعليه الشيخ الإمام.

(ش) وممن صرح به من المتقدمين الإمام أبو المظفر بن السمعاني في (القواطع) في كلامه على الاستصحاب وخالف في ذلك جماعة من المتأخرين فقالوا العام في الأشخاص مطلق باعتبار الأحوال والأزمنة والبقاع. وقالوا: لا يدخلها العموم إلا بصيغة وضعت لها، فإذا قال:{فاقتلوا المشركين} عم كل مشرك بحيث لا

ص: 655

يبقى فرد ولا يعم .... الأحوال حتى يقتل في حال الهدنة وفي حال الذمة لا خصوص المكان حتى يدل على المشركين في أرض الهند مثلا، ولا الزمان حتى يدل على يوم السبت أو يوم الأحد مثلا وقد شغف الشيخ أبو العباس القرافي بهذا البحث، وظن أنه يلزم من هذه القاعدة أنه لا يعمل بجميع العمومات في هذا الزمان، لأنه قد عمل بها في زمن ما (94ب) والمطلق يخرج عن عهدته بالعمل به في صورة وقد أنكره عليه جماعة من المحققين منهم الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وقال: من أخرج شيئا من ذلك فقد خالف مقتضى العموم بلا دليل، واستدل بحديث أبي أيوب، لما قدم الشام فوجد مراحيض قد بنيت قبل القبلة فهذا أبو أيوب من أهل اللسان والشرع فهم العموم من

ص: 656

الأمكنة وتوسط الشيخ علاء الدين الباجي بين المقالتين وقال: معنى كون العام في الأشخاص مطلقا في الأزمان والأحوال، إنه إذا عمل به في الأشخاص في زمان ما ومكان ما وحالة ما لا يعمل به في تلك الأشخاص مرة أخرى في زمان آخر ونحوه، أما في أشخاص أخر مما يتناوله ذلك اللفظ العام، فيعمل به لأنه لو لم يعمل به فيهم لزم التخصيص في الأشخاص، كما قال ابن دقيق العيد فالتوفية بعموم الأشخاص أن لا يبقى شخص ما في أي زمان ومكان وحال إلا حكم عليه، والتوفية بالإطلاق أن لا يتكرر ذلك الحكم فكل زان مثلا يجلد بعموم الآية وإذا جلد مرة ولم يتكرر زناه بعد ذلك لا يجلد ثانية في زمان آخر أو مكان آخر، فإن المحكوم عليه وهو الزاني والمشرك ونحوه، فيه أمران:

أحدهما: الشخص والثاني: الصفة، كالزنا والشرك، فأداة العموم لما دخلت عليه أفادت عموم الأشخاص لا عموم الصفة، والصفة باقية على إطلاقها، فهذا معنى قولهم العام في الأشخاص مطلق في غيره.

(ص) مسألة: كل والذي والتي وأي وما ومتي وأين وحيثما ونحوها للعموم حقيقة، وقيل: للخصوص، وقيل: مشتركة وقيل: بالوقف.

(ش) اختلف في أنه هل للعموم صيغة تخصه على مذاهب:

ص: 657

أحدها: وعزي للأشعري- إنكارها على معنى أن اللفظة الواحدة لا تشعر بمعني الجمع بمجردها ولم ينكروا أنه يدل على ذلك بأكثر من لفظة واحدة أو قيام قرينة، إذ لا مجال للعقل في إثبات اللغات ولم تجئ اللغة به، لأنه لو كان بالتواتر لاشترك العقلاء في علمه والآحاد تستحيل إثبات مسائل الأصول والاعتقاد بها.

والثاني: أنها موضوعة للخصوص وهو أقل الجمع، إما الجمع إما اثنان أو ثلاثة، لأنه المتيقن واستعمل في العموم مجازا.

والثالث: مشتركة بين العموم والخصوص وعليه أكثر الواقفية.

والرابع: الوقف.

ص: 658

ونقله القاضي في (مختصر التقريب) عن الأشعري ومعظم المحققين واختاره وقال: وحقيقة ذلك أنهم قالوا: سبرنا اللغة ووضعها فلم نجد صيغة دالة على العموم سواء وردت مطلقة أو مقيدة بضروب من التأكيد.

والخامس: قول الجمهور: إثبات الصيغ لأن العموم معنى من المعاني محتاج إلى التعبير عنه فوجب أن يضع الواضع له لفظا كما وضع لغيره من المعاني المحتاج إليها وهذا هو الصحيح وعليه التفريع وإنما عدد المصنف أمثلة الصيغ للتنبيه على تقسيمها إلى ما يشتمل على جميع المفهومات وهو الأربعة الأول، وإلى ما يختص عمومه ببعضها، وهو الباقي وإنما بدأ بـ (كل) لأنها أقوى صيغ العموم.، والعجب من ابن الحاجب في إهمالها ولا فرق بين أن تقع مبتدأ بها، نحو {كل من عليها فان} أو تابعة نحو:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} وسبق

ص: 659

الكلام عليها في الحروف، وأراد بالذي والتي وما يتفرع عنهما جمعا وتثنية (95أ) وجميع لغاتهما، كقوله تعالى:{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} {واللذان يأتيانها منكم} {واللاتي تخافون نشوزهن} {واللائي يئسن من المحيض} وأطلق ابن السمعاني وابن الحاجب وغيرهما: أن الأسماء الموصولة من صيغ العموم واحترزوا بالأسماء من الحروف كـ (إن وما) المصدريتين فليست منها ولم يذكر جمع من الأصوليين الموصولات في الصيغ وأما (أي) فعامة فيما تضاف إليه من الأشخاص والأزمان والأمكنة والأحوال، ومنه:((أيما امرأة نكحت نفسها)). أي زمان سرت سرت معك، أي مكان جلست جلست معك، أي حال كنت كنت عليه، أي فعل فعلت فعلت، وحقه أن يقيدها بالاستفهام والشرطية والموصولة، نحو مررت بأيهم قام أي: بالذي قام لتخرج الصفة كمررت برجل أي رجل، والحال نحو مررت بزيد أي رجل، ومن صرح بتعميم الموصولة القرافي وهو داخل في إطلاق من أطلق تعميم الموصولات ومنهم من أخرج الموصولة، وفيه ما ذكرنا.

ص: 660

وأما القسم الثاني وهو ما يختص ببعض المفهومات فينقسم إلى ما يعم كل ما لا يعقل، وهو (ما) الشرطية والاستفهامية، وإلى ما يختص ببعض من لا يعقل وهو الباقي فمتى يختص بالزمان نحو: متى تقم أقم، وأين وحيثما بالمكان نحو: أين تجلس أجلس

قال تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} . {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم} قال الأصفهاني شارح (المحصول): وقيد ابن الحاجب الزمان بالمبهم فلا تقول: متى زالت الشمس فأتني، وتقول: متى جاء زيد جئتك.

تنبيهان:

الأول: ينبغي أن يجيء خلاف في أن العموم حجة في كلام الشارع دون كلام الناس، من الخلاف السابق في المفهوم وشاهده أنه لو وكله ببيع عبده ثم قال: وافعل ما شئت فهل له أن يوكل غيره في بيعه على وجهين: أصحهما لا لأنه لم ينص عليه، والثاني: يعم، لأنه أمره أمرا عاما، قال القاضي حسين في تعليقه: ومن قال بالأول قال: العموم إنما يستنبط من أمر صاحب الشرع لا من أمر العباد.

الثاني: أن (من) وغيرها من ألفاظ الشرط، تقتضي عموم الأشخاص لا عموم الأفعال، بدليل إنه لو قال: من دخل داري من نسائي فهي طالق فدخلت واحدة مرتين لم تطلق إلا واحدة، إلا أنه يقتضي وجود الجزاء عند أول وجود الشرط، أما التكرار فلا يقتضيه إلا أنه قد يتحقق التكرار في بعض المواضع بواسطة قياس إذ فهم أن الشرط علة، فإن الأصل: ترتب الحكم على علته فيلزم التكرار كقوله تعالى:

ص: 661

{من عمل صالحا فلنفسه} {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} وأما الألفاظ الموضوعة لعموم الأفعال فهي: كل، ومتي، وما، ومهما، فلو قال: كلما دخلت فأنت طالق، اقتضى التكرار.

(ص) والجمع المعرف باللام أو الإضافة للعموم ما لم يتحقق عهد خلافا لأبي هاشم مطلقا، وإمام الحرمين إذا احتمل معهود.

(ش) قد يستفاد من العموم لا من جهة وضعه بل بواسطة القرينة، وهو إما أن يكون في الإثبات وذلك في الجمع المعرف باللام من غير عهد كقوله تعالى:{إن الله بريء من المشركين} والإضافة نحو: عبيدي أحرار ونسائي طوالق، وسواء فيه جمع السلامة والتكسير والجمهور على أنه للعموم إذا لم يكن هناك عهد محقق ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر التشهد:((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض)).

فدل على

ص: 662

اقتضاء المضاف (95ب) العموم، ولأنه يحسن الاستثناء تقول: أعط المسلمين إلا فلانا، والاستثناء معيار العموم، ولأنه لو قال: رأيت مسلمين علم أنه رأى من هذا الجنس ولا يفيد الاستغراق فلا بد أن يفيد دخول الألف واللام فائدة ولا فائدة إلا الاستغراق وذهب أبو هاشم إلى أنه يفيد الجنس لا العموم مطلقا.

أي سواء احتمل عهد أم لا وحكاه صاحب (الميزان) عن أبي علي الفارسي أيضا وعزاه المازري لأبي حامد الإسفرائيني.

وأشار المصنف بقوله: ما لم يتحقق عهد إلى أن محل الخلاف إذا لم يكن

ص: 663

هناك عهد، فإن كان انصرف إلى المعهود ولا يعم بالاتفاق كما قاله في (المحصول) وغيره، وإن لم يكن هناك دليل على إرادة الجنس ولا العهد فتوقف إمام الحرمين فيه، وقال: إنه محتمل لهما، وإنما تفيد الاستغراق عنده، إذا تحقق أن تعريفه للجنس، والجمهور قالوا في هذه الصورة أيضا: إنه للاستغراق ولا ينصرف عنه إلا إذا كان ثم معهود ينصرف التعريف إليه.

تنبيهات:

الأول: اعترض على دعوى الأصوليين، العموم في العرف، بأن سيبويه وغيره من أئمة اللغة، نصوا على أن جمع السلامة للقلة، وهو من الثلاثة إلى العشرة، والعموم ينافي القلة، وجمع إمام الحرمين بين الكلامين فحمل كلام النحاة على ما إذا كانت نكرة وأجراه غيره على ظاهره، وقال: إنه لا مانع أن يكون أصل، وضعها للقلة لكن غلب استعمالها في الكثرة، إما بعرف الاستعمال أو بعرف الشرع، وهو قوي، فإن الموضوع للقلة كثيرا ما يستعمل في الكثرة، فنظر الأصوليون إلى غلبة الاستعمال ونظر النحاة إلى أصل الوضع، فلا خلاف.

وقيل: إن السؤال لا يرد من أصله، ولا تنافي بين القلة والعموم، فإنك إذا قلت: أكرم الزيدين، معناه: أكرك كل واحد يجتمع مع تسعة أو دونها، بخلاف أكرم الرجال فمعناه: أكرم كل واحد منهم يكون إلى عشرة فأكثر. وإنما ينافي العموم أن لو كان معناه الأمر بإكرام مسمى الجمع وليس كذلك.

ص: 664

الثاني: علم منه أن الأصل في الألف واللام العموم حتى دليل على خلافه ويقع في كلام بعضهم: الأصل فيها العهد حتى يقوم دليل على عدم إرادته ويظهر أثر هذا الخلاف فيما إذا لم تقم قرينة على إرادة عهد، وشككنا أن العهد مراد أولا، هل يحمل على العموم أو لا؟ الأقرب الأول وهنا سؤال وهو أنه كيف الجمع بين هذا وبين قولهم: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع أن السبب قرينة في انصرافه إلى العهد، وأجيب بأن تقدم السبب الخاص قرينة في أنه مراد لا أن غيره ليس بمراد فنحن نعمل بهذه القرينة فنقول: دلالة هذا العام على محل السبب قطعية ودلالته على غيره ظنية، إذ ليس في السبب ما ينفيه.

الثالث: إن خلاف أبي هاشم والإمام إنما هو في الجمع المعرف دون المضاف وطرد المصنف فيه لعدم الفارق.

ص: 665

(ص) والمفرد المحلى مثله خلافا للإمام مطلقا، ولإمام الحرمين والغزالي إذا لم يكن واحده بالتاء، زاد الغزالي: أو تميز بالوحدة.

(ش) في مثل: {وأحل الله البيع} ، {والسارق والسارقة} مذاهب: أصحها: أنه للعموم، إذا لم يكن هناك معهود، ويرجع إليه بدليل صحة الاستثناء في قوله تعالى:{إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا} .

ونص عليه الشافعي في الرسالة فقال: إن الزانية والزاني من العام الذي (96أ)

ص: 666

خص قال ابن التلمساني وغيره: وشرط دلالتها على الاستغراق أن يحسن موضعها كل نحو: {إن الإنسان لفي خسر} بخلاف نحو: {فعصى فرعون الرسول} فإن المراد به موسى عليه السلام فلا يحسن تقديرها بكل.

والثاني: قال الإمام في المحصول ليس بالعام إلا بقرينة. وقال:

إنه يراد به تعريف الماهية لا العموم، قال ابن الخباز النحوي: واحتج على ذلك بأمور لا يصبر على النظر حق الصبر، والذي يضعف مذهبه أنها لو كانت لتعريف الماهية لم يكن بين المعرفة والنكرة فرق؛ لأن النكرة تدل على الماهية دلالة وضعية كفرس وحجر، فإذا قلت: الفرس والحجر ولم تقصد العهد وأردت نفس الماهية، فقد عنيت ما عناه الواضع، وأضعت حق الألف واللام، فثبت أن المراد بها العموم كما قال المبرد.

والثالث: التفصيل بين ما يدخل واحده التاء وما لا يدخله فما ليس فيه التاء إن تجرد عن عهد، فللجنس نحو {الزانية والزاني} وإن لاح قصد

ص: 667

المتكلم للجنس، فالاستغراق نحو: الدينار أشرف من الدرهم، وإن لم يعلم الحال فمجمل وأما ما تدخله التاء كالتمر فنقل في تعميمه قولين ولم يصرح باختيار شيء لكن رأى أن التمر أدل على استغراق الجنس من التمور، فإن التمر يسترسل على الجنس لا بصيغة اللفظ. والتمور يتخيل فيها الواحد.

تم الاستغراق بعده بصيغة الجمع، وفي صيغة الجمع خلاف وبما ذكرنا يعلم: أن المصنف لم يعرف بنقل مذهب إمام الحرمين على وجهه.

والرابع: التفصيل بين أن يتميز فيه لفظ الواحد عن الجنس بالتاء كالتمرة والتمر فإذا عري عن التاء اقتضى الاستغراق كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبيعوا البر بالبر ولا التمر بالتمر)) وإن لم تدخله تاء التوحيد، فإن لم يتشخص مدلوله ولم يتعدد كالذهب والماء، فهو لاستغراق الجنس إذ لا يعبر عن أبعاضه بالذهب الواحد، وإن تشخص وتعدد كالدينار والرجل، احتمل العموم وتعريف الماهية فلا يحمل على

ص: 668

العموم إلا بدليل، قاله في المستصفى.

تنبيهات:

الأول: سكت المصنف هنا عن الإضافة في المفرد، وقال الهندي: لم ينصوا عليها لكن قضية التسوية بين الإضافة ولام التعريف في الأولى أن يكون كذلك ههنا، قلت: قد صرح بالتسوية جماعة، لكن الإمام في (المحصول) أنكر العموم في المفرد المعرف، وأما المضاف فصرح في أثناء الاستدلال على أن الأمر للوجوب بأنه يعم وكأن الفرق على طريقته: أن الإضافة أدل على العموم من الألف واللام.

الثاني: أشار بقوله: مثله إلى أن شرط تعميمه: أن لا يتحقق عهد، فإن كان هناك عهد انصرف إليه قطعا وإن احتمل فعام على الصحيح ويجيء هنا توقف إمام الحرمين أيضا بل هو هنا أولى، وقد صرح به فقال:

إن كان التعريف مبنيا على تنكير سابق كقولك: أقبل رجل ثم تقول: قرب الرجل فلا يعم، وإن لاح قصد الجنس عم، وإن لم يعرف لماذا أخرج الكلام، فالذي صار إليه المعظم أنه للجنس، والذي أراه: أنه مجمل وأنه حيث يعم لا يعم بصيغة اللفظ، وإنما ثبت عمومه وتناوله الجنس بحالة مقترنة معه مشعرة بالجنس.

ص: 669

الثالث: تعبيره بالمفرد خلاف تعبير ابن الحاجب باسم الجنس، والأول أعم فإن المفرد المحلى ينقسم إلى اسم جنس، واسم ليس بجنس، فاسم الجنس (96أ) ما لا وأحد له من لفظه، كالناس والنساء والإبل والحيوان ومن هذه الجهات يفارق المجموع وأما الاسم المفرد فنحو: الدينار والدرهم ويفارق اسم الجنس فإن اسم الجنس لا ينكر عندما تنكير مدلوله بخلاف المفرد فإذا أشرت إلى شيء من الذهب ثم زدت عليه أمثاله لم يتغير الاسم، ولو أشرت إلى جماعة من الآدميين وقلت: هؤلاء ناس فلو زيد فيهم لم يتغير لفظ الإشارة وكانت الإشارة إليهم مع الزيادة، بقولك: هؤلاء ولو أشرت إلى درهم أو دينار تغير اللفظ تقول هذان درهمان ولا يصدق هذا درهم، كذا فرق بين التلمساني في بعض مصنفاته ولا أثر له بالنسبة له إلى العموم فإن عمومها استغراقي باعتبار الألف واللام.

(ص) والنكرة في سياق النفي للعموم وضعا، وقيل لزوما وعليه الشيخ الإمام، نصا إن بنيت على الفتح وظاهر إن لم تبن.

(ش) مراده بالنكرة ما هو أعم من المطلق والنكرة، لا النكرة المقابلة للمعرفة وقوله: في سياق النفي كان الأحسن أن يقول: في النفي ليعم ما كانت في سياقه وما انصب النفي عليها وسيف الدين الآمدي فرق بين النكرة في سياق النفي

ص: 670

وبين ما كان النفي داخلا عليها فقال: إن النكرة في سياق (النفي ليست للعموم ذكره في الأبكار ومثل للنكرة في سياق النفي) في كتابه (الإحكام) بقوله: ليس في الدار رجل وفيه نظر وإطلاق النفي يشمل النفي بما ولن ولا، التي للنهي والدليل على أنها للعموم قوله تعالى:{ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} . ومنهم من احتج بقوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} وقد تدعى استفادته من (من أحد) ومنهم من احتج بأنه لو لم يكن كذلك، لم يكن لا إله إلا الله توحيد والإجماع على خلافه ثم أشار المصنف فيها إلى بحثين نفيسين:

أحدهما: اختلفوا في أنها عمت وضعا، أي أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من أفراد الكلية بالمطابقة، وليس المراد به أنه يدل بالمنطوق، بل ما يفيد معنى الوضع المقابل للزوم وهو ظاهر كلام أصحابنا واختاره القرافي أو عمت لزوما، ومعناه أن عمومها ليس باعتبار دلالة اللفظ على جميع الأفراد بطريق المنطوق، بل باعتبار أن نفي فرد منهم يقتضي نفي جميع الأفراد ضرورة، ونسب للحنفية واختاره والد المصنف.

ص: 671

وحاصل الخلاف: أنها هل عمت لذاتها أو لنفي المشترك منها، فلم يحصل العموم عندهم إلا لأن حرف النفي اقتضى نفي الماهية الكلية، ونفي الأعم يلزم منه نفي الأخص، فحصلت السالبة الكلية بطريق اللزوم لأن اللفظ موضوع في اللغة للسالبة

الكلية، والأول أظهر، لأن المتكلم إنما يقصد بنفيه نفي كل رجل لا نفي المشترك ويؤيده دخول الاستثناء على هذه الصيغة اتفاقا وهو على الثاني لم يخرج الاستثناء شيئا من مدلول اللفظ، لأن مدلوله عندهم إنما هو الماهية الكلية فالاستثناء إنما توجه على لازم المدلول بالمطابقة وهي نفي الأفراد اللازمة لنفي المشترك فيكون منقطعا، وعلى رأي الجمهور يكون الاستثناء من مسمى اللفظ، فيكون متصلا.

وينبني على الخلاف: التخصيص بالنية، فإن قلنا بقول الحنفية، من أنه نفي للكلي فلا يؤثر حتى لو قال لا أكلت ونوى معينا فلا يسمع وإن قلنا: إنه نفي للكل فيؤثر بتخصيص بعض الأفراد بالنية واختار المصنف في غير هذا الكتاب، التفصيل (97أ) بين النكرة المبنية على الفتح فباللزوم وبين غيرها فبالوضع.

ص: 672

البحث الثاني: أن قدماء الأصوليين أطلقوا تعميم النكرة المنفية من غير فرق واعترض عليهم القرافي بالنكرة المقترنة مع لا، فإن سيبويه نص على أنه يصح أن يقال: لا رجل في الدار بل رجلان، وقال ابن السيد: إذا قلت: لا رجل في الدار لا يعم لأنه جواب لمن قال: هل في الدار رجل واحد، فيقال له: لا رجل في الدار بل رجلان. بخلاف ما إذا بنيت مع لا، فإنه جواب لمن قال: هل من رجل في الدار، فكان سؤاله عن مطلق مفهوم الرجل فكان جوابه بعموم السلب وهذا الاعتراض مردود وكلام الأئمة على ظاهره، وهي عامة في كل مواردها، لكنه يتفاوت وبه يجمع بين كلام النحاة والأصوليين فإن بنيت على الفتح مثل لا إله إلا الله فالعموم فيها نص وإن لم تبن على الفتح فإن كانت في تقديره نحو: ما جاءني من رجل فكالأولى نحو: {وما من إله إلا الله} .

ولا خلاف في ذلك وإنما اختلفوا في أن العموم استفيد من دخول (من) أو كان موجودا قبلها، إن كانت عاملة عمل ليس نحو: لا رجل في الدار، فإنها مع الاسم تنصب الخبر فهذا موضع الخلاف الذي ظنه القرافي وليس كذلك، بل الصواب القطع بأنها للعموم، لكنه فيها بطريق الظهور لا النصوصية فيتطرق إليه التأويل وادعاء خلاف الظاهر ويساعد إطلاق الأصوليين على ذلك قول سيبويه الذي حكاه إمام الحرمين في معاني الحروف عنه.

وقال: ولهذا نص سيبويه على جواز مخالفته فتقول: ما

ص: 673

فيها رجل بل رجلان كما يعدل عن الظاهر فتقول: جاء الرجال إلا زيدا فظهر الجمع بين كلام الفريقين وإنه لا خلاف بينهما ويحمل قول من قال إنها ليست للعموم في هذه الحالة كما نقل عن الجرجاني والزمخشري أنه أراد ليست نصا فيه ويشهد لذلك أيضا، ما نقله الشيخ أبو حيان في (الارتشاف) عن سيبويه أنها لتأكيد الاستغراق مع الإعراب في قولك: ما جاءني من رجل.

تنبيهات:

الأول: ظاهر قوله: وظاهرا إن لم تبن، يتناول صورتين: العاملة عمل ليس وهو واضح، والداخلة عليها من، ولا خلاف أنها نص كما سبق.

الثاني: لا وجه لتخصيصه النفي، بل هي في سياق الشرط والاستفهام ونحوهما، كذلك قال تعالى:{من عمل صالحا فلنفسه} {وإن أحد من المشركين استجارك} وقالوا: هل رأيت أحدا ونحوه.

ص: 674

(ص) وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوى {وحرمت عليكم أمهاتكم}

(ش) يستفاد العموم إما من جهة اللغة، أو العرف، أو العقل، ووجه الحصر: أنه إما أن يكون لفظا أو غير لفظ، واللفظ لا بد أن تكون دلالته على معناه، إما باصطلاح عام وهو اللغة، أو خاص وهو العرف، وما ليس بلفظ هو العقل، أي: فهم العموم بطريق العقل فالذي يدل عليه بالعرف شيئان.

أحدهما: الفحوى والمراد به مفهوم الموافقة إذا قلنا دلالته لفظية، فإن الحكم فيه إنما ثبت من طريق الأولى لأجل (أن العلة فيه أولى، ولكونه مساويا لأجل أن العلة اقتضت ذلك، وقد سبق في المفهوم تقرير) استفادته من العرف، وأنه رأي لم يرتضه المصنف.

ص: 675

الثاني: إضافة الحكم إلى الأعيان، كقوله تعالى:{حرمت عليكم أمهاتكم} فإن أهل العرف نقلوا تحريم العين إلى تحريم (97ب) جميع الاستمتاعات المقصودة من النساء فتفيد جميع الاستمتاعات من الوطء ومقدماته وقيل: إن التعميم فيه من باب الاقتضاء لأن تحريم الأعيان محال لقيام دليل العقل على أن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بأفعال المكلفين دون أعيانهم فلا بد من إضمار يستقيم الكلام فيكون على الخلاف في عموم المقتضى، وقد يترجح بقولهم الإضمار، خير من النقل، كما في قوله تعالى:{وحرم الربا} .

(ص) وعقلا كترتيب الحكم على الوصف وكمفهوم المخالفة.

(ش) المفيد للعموم بطريق العقل شيئان:

أحدهما: ترتيب الحكم على الوصف، فإنه يشعر بكونه علة له، وذلك يفيد العموم بالعقل، على معنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول، وكلما انتفت انتفى فهذا دل العقل لا باللغة ولا بالعرف.

وثانيهما: مفهوم المخالفة عند القائلين به كقوله صلى الله عليه وسلم: ((في سائمة الغنم الزكاة)). فيدل على انتفاء الوجوب في كل ما ليس بسائمة غنم، وهذا تابع فيه (المحصول) وأسقطه من (المنهاج) فلم يذكر غير المقالة الأولى وهو حسن

ص: 676

لأن دلالته مفهوم المخالفة لم يقل أحد إنها عقلية، بل الذي أختاره في (المعالم): أنه لا يدل على النفي بحسب اللغة، وإنما يدل عليه بحسب العرف العام، فيكون من القسم الأول، قال ابن السمعاني: هل دل عليه من حيث اللغة أو الشرع؟ على وجهين: أصحهما: الأول.

(ص) والخلاف في أنه لا عموم له لفظي.

(ش) قال الغزالي: المفهوم لا عموم له لأن العام لفظ والمفهوم ليس لفظ وأثبته الأكثرون لعموم موجبه كما سبق وإذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف لأنه إن كان الخلاف في أن مفهومي الموافقة والمخالفة يثبت فيهما الحكم في جميع ما سوى المنطوق، من الصور أو لا، فالحق الإثبات وهو مراد الأكثرين والغزالي لا يخالفهم فيه لأنه من القائلين بأن المفهوم حجة، وإن فرض في أن ثبوت الحكم فيهما بالمنطوق أو لا، فالحق النفي وهو مراد الغزالي وهم لا يخالفون فيه ولا ثالث ههنا يمكن فرضه محلا للنزاع.

والحاصل أنه نزاع يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في محل النطق أو ما يستغرق في الجملة وزعم بعضهم أن الغزالي يقول: إن المفهوم إن كان عن لفظ ثبوتي اقتضى المفهوم السلب فيكون للعموم وإن كان عكس ذلك فيكون غير عام والذي يشكل على الغزالي أنه جعل دلالة الالتزام لفظية، والمفهوم من جملة أقسامها، ومع ذلك لا يتجه فيه القول، بأنه لا يعم العلة التي ذكرها.

(ص) وفي أن الفحوى بالعرف والمخالفة بالعقل تقدم.

(ش) أي: فصل المفهوم وهو صحيح في الفحوى، وأما المخالفة فالمذكور

ص: 677

هناك أنه هل دل باللغة أو بالشرع أو بالمعنى، ولم يذكر العقل، وفسرنا هناك المعنى بالعرف العام فيرجع للتقسيم السابق.

(ص) ومعيار العموم الاستثناء.

(ش) أي: فإن الاستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه فلزم أن تكون كل للأفراد واجبة الاندراج ولا معنى للعموم إلا ذلك وإنما قلنا بوجوب الاندراج، لأنه جائز بالاتفاق فلو لم يكن واجبا - أيضا - لكان يجوز الاستثناء من الجمع المنكر، لاشتراكهما في إمكان اندراج كل فرد من أفرادها تحته، فنقول: جاء رجال إلا زيد، وقد نص النحاة على منعه.

وقضية هذا التوجيه أن الاستثناء (98أ) إذا دخل على لفظ عام نقل دلالته على أفراده من الظهور إلى التنصيص وبه صرح بعضهم قال: وإلا لم يكن لتخصيص المستثنى فائدة، وقد أورد على المصنف دخول الاستثناء في مقادير الأعداد ولا عموم فيها، وأجاب بأنا لم نقل: كل مستثنى منه عام، بل قلنا: كل عام يقبل الاستثناء فمن أين العكس وفيه نظر.

واعلم أن هذا الأصل ليس متفقا عليه، فقد ذهب ابن مالك إلى أنه لا يشترط في صحة الاستثناء كونه من عام، بل يجوز من النكرة في الإثبات بشرط الفائدة نحو جاءني قوم صالحون إلا زيدا وخرج عليه الاستثناء من العدد نحو {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} وقال ابن الدهان الاستثناء، إخراج بعض ما

ص: 678

يوجبه اللفظ من عموم ظاهر، أو عموم حكم، أو معنى يدل عليه اللفظ بعموم اللفظ، نحو: قام القوم إلا زيدا وعموم الحكم نحو: لا أكلمك إلا يوم الجمعة لأن لا أكلمك حكمه أن لا يكلمه أبدا، فيوم الجمعة داخل فيه، فأخرج بالاستثناء.

(ص) والأصح أن الجمع المنكر ليس بعام.

(ش) أي: بل يحمل على ثلاثة أو اثنين على الخلاف في أقل الجمع وقال الجبائي: يقتضيه كالمعرف وهو ضعيف، لأنه لو اقتضى الاستغراق لتعرف وهو

ص: 679

محال قال الهندي: والذي أظنه أن الخلاف في غير جمع القلة، وإلا فالخلاف فيه بعيد جدا، إذ هو مخالف على أنه للعشرة فما دونها قلت: وقضية كلام القاضي وغيره في النقل عن الجبائي أنه لا فرق فإنهم قالوا: جعل الجمع المنكر بمنزلة المعرف.

(ص) وإن أقل مسمى الجمع ثلاثة لا اثنان

(ش) أي: ولا يطلق على دون الثلاثة إلا مجازا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وأبي حنيفة رضي الله عنه.

ص: 680

وقال مالك: اثنان واختاره الأستاذ والغزالي محتجين بأن الجمع مشتق من اجتماع الشيء مع الشيء واحتج الأولون بأن لفظ الواحد يسلم في التثنية ولا يسلم في الجمع فلم يجز أن يتفق العدد فيهما مع اختلاف صيغة الجمع الموضوع لهما، وهذا إنما يتمشى في المكسر، أما الصحيح فلا، وأجابوا عما قاله الخصم من الاشتقاق بأنه مشتق من اجتماع الجماعة كما أن التثنية مشتقة من اجتماع الاثنين وفائدة قوله: مسمى، التنبيه على أن محل الخلاف في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة كمسلمين ونحوه لا في المفهوم من لفظ الجمع لغة، وهو ضم شيء إلى شيء فإن ذلك في الاثنين والثلاثة وما زاد بلا خلاف ثم الخلاف في جمع القلة لا جمع الكثرة فإن أقله أحد عشر بإجماع النحاة كذا قالوا لكن قال الرافعي في فروع الطلاق: لو قال: إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد، فهي طالق، لم يحنث إلا إذا تزوج ثلاث نسوة أو اشترى ثلاثة أعبد، وكان ينبغي أن لا يحنث إلا بأحد عشر وقال الإمام في (البرهان) ذكر بعض الأصوليين من فوائد الخلاف، أن لو أقر بدراهم هل يحمل على ثلاثة أو على اثنين وما أظن أن الفقهاء يسمحون بهذا وهو عجيب فإن الخلاف عندنا حكاه الهروي في (الإشراف) وجهين بناء على هذا الأصل وذكره الماوردي في (الحاوي) أيضا.

ص: 681

(ص) وأنه يصدق على الواحد مجازا.

(ش) ذهب إمام الحرمين إلى أنه يصح رد لفظ الجمع إلى الواحد بشرط قيام قرينة تدل على أن المراد به واحد، وطرد ذلك في الاثنين من باب أولى ولهذا اقتصر المصنف على الواحد ومثله بقول الزوج وهو يرى امرأته تتصدى لناظر لها: تتبرجين للرجال، (98ب) ولم يرد إلا رجلا واحدا لأن مقصوده استواء الجمع والواحد من جهة أن الأنفة والحمية إنما منشؤها التبرج للجنس آحادا أو جمعا، والذي ينقسم منها في الواحد ينقسم منها في الجنس ولعل لفظ الجمع أوفق للغرض.

وقال: وإذا لم يكن في الكلام مثل هذه القرينة لم ينقدح حمل صيغة الجمع على الواحد، ثم إن تحقق عدمها فلا وجه للرد إليه، وإن تردد في اقترانها باللفظ توقف فيه قال المازري: يريد أنه لو لم يكن في طبيعة الكلام ما يحسن به القرينة ما جاز إطلاقه ولو اقترنت به القرينة ونازعه ابن عطاء الله في التمثيل فإن المتكلم

ص: 682

لم يطلق الرجال على واحد بل على جمع لظنه أنها ما تبرجت لهذا الواحد إلا وقد تبرجت لغيره فتبرجها للواحد سبب لإطلاق اللفظ، لا أن المراد برجال واحد ومثل القاضي عزيزي في (البرهان) مجيء الجمع والمراد الواحد بقوله تعالى:{وإني مرسلة إليهم بهدية} فالهاء والميم للجمع، والمراد به سليمان وحده، وكذا قوله {بم يرجع المرسلون} والرسول واحد بدليل قوله:{ارجع إليهم} وقوله: {مبرؤون مما يقولون} والمراد به أم المؤمنين وحدها، وفيها ثلاث كلمات للعموم، وهي: أولئك ومبرؤون ولهم مغفرة.

ص: 683

(ص) وتعميم العام بمعنى المدح والذم إذا لم يعارضه عام آخر وثالثها يعم مطلقا.

(ش) العام إذا تضمن معنى المدح أو الذم كقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} ونحوه، والمراد به مدح قوم وذم آخرين وتعلق به ذكر النقد، فهو عام نظرا للفظ، ولا تنافي بين قصد العموم والذم.

وقال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني: إنه المذهب وقيل: ليس بعام نظرا لما قصد به ونسب للشافعي رضي الله عنه، ولهذا منع التمسك بآية الزكاة في وجوب زكاة الحلي لأن اللفظ لم يقع مقصودا له، وربما نقلوا عنه أنه قال: الكلام يفصل في مقصوده ويحمل في غير مقصوده وهذا الخلاف أطلقه المتأخرون.

ص: 684

والصواب أن محله إذا لم يعارضه عام آخر لم يقصد به المدح أو الذم. فإن عارضه يرجح الذي لم يسبق لذلك عليه بلا خلاف، قاله الشيخ أبو حامد، وابن السمعاني وغيرهما من أصحابنا وأطلق غيرهم الخلاف وطردوه في الحالتين، وحينئذ فيجتمع ثلاثة أقوال كما أشار إليه المصنف، ومثال المعارض قوله تعالى:{وأن تجمعوا بين الأختين} مع قوله تعالى {أو ما ملكت أيمانكم} فالأولى سيقت لبيان الحكم فقدمت على ما سياقها المنة بإباحة الوطء بملك اليمين، وبهذا رد الأصحاب على داود احتجاجه بالثانية على إباحة الأختين بملك اليمين.

وقال الشيخ عز الدين: ليس من هذا الباب العام المرتب على شرط تقدم ذكره بل يختص اتفاقا كقوله تعالى: {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} فالشرط المتقدم هو صلاح المخاطبين الحاضرين وصلاحهم لا يكون سببا للمغفرة لمن تقدم من الأمم قبلهم أو يأتي بعدهم، فإن قواعد الشرع تأبى ذلك، وأن صلاح كل أحد لا يتعداه لغفران غيره إلا أن يكون فيه سبب وههنا لا سبب فلا يتعدى فيتعين أن يكون المراد {فإنه كان للأوابين غفورا} فإن شرط الإجزاء لا يتعين جزاؤه على غيره، وهذه قاعدة لغوية شرعية، أما إذا لم يكن شرطا أمكن جريان الخلاف فيه.

تنبيه: هذه (99أ) المسألة متكررة مع قوله أول الباب: وغير المقصودة فإن القاضي عبد الوهاب لما حكى الخلاف في تعميمها مثل بآية الزكاة ووافق عليه

ص: 685

الشيخ تقي الدين في شرح (الإلمام) ولهذا حكى الأصفهاني في شرح (المحصول) الخلاف الذي نقله القاضي عبد الوهاب في غير المقصودة هنا، وبه يظهر العجب من المصنف في (منع الموانع) فإنه استغرب الخلاف في غير المقصودة حتى نقله عن (المسودة) الأصولية لابن تيمية.

(ص) وتعميم نحو: لا يستوون.

(ش) قوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} يقتضي نفي الاستواء من كل وجه حتى يستدل بها على أن الفاسق لا يلي عقد النكاح خلافا للحنفية وقد مثل الأصوليون هذه المسألة بقوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هو الفائزون} فإن أصحابنا تمسكوا بها على أن المسلم لا يقتل بالكافر، لأن نفي الاستواء يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه فلو قتل المسلم بالكافر لاستويا في شرعية القصاص إذ التقاضي مبني على

ص: 686

المساواة، قال المصنف: وإنما عدلت عن التمثيل بها إلى الآية الأولى، لأن قوله تعالى:{أصحاب الجنة هم الفائزون} قرينة أنه إنما أراد نفي المساواة في الفوز لا مطلقا بخلافه في الآية الأخرى، لكن يخدش فيه شيئان:

أحدهما: أن هذا يمكن أن يقال بمثله في لا يستوون لقوله تعالى بعدها: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآيتين لكن هو في (لا يستوون) أبعد منه في (لا يستوي) لأنه في اثنين، الثاني: احتمال أن يكون المراد بالفاسق الكافر، فلا يدل على نفي ولاية الفاسق للنكاح وهي المسألة الخلافية نعم، هذا لا أثر له لأنه إن لم يدل على نفي ولاية الفاسق دل على نفي ولاية الكافر على ابنته وينبغي التمثيل أيضا بقوله تعالى في سورة آل عمران {ليسوا سواء} وفي سورة الجاثية:{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء} على قراءة النصب وقوله تعالى في سورة الحديد {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} وفي سورة الزمر: {هل يستويان} فليتأمل موارد هذه الآيات، وقد اختار المصنف أمرا خالف فيه المذهبين، واعتقد أن لفظ المساواة معناه المعادلة، والسواء العدل، وفلان لا يساوي فلانا، معناه: لا يعادله ولا يكون وزانه، ومنه قوله: وليس سواء عالم وجهول. وقوله واعلم علما أن تسليما وتركا للامتشابهات، ولا سواء أي لا يتعادلان ولا

ص: 687

قريبا من المعادلة.

وإذا كان معناه المعادلة والكفاءة فقولنا: فلانا لا يساوي فلانا، معناه: لا يكافئه أو يساويه فمعناه تكافئه نفيا وإثباتا وحينئذ يتوقف الاستدلال بالآية على عدم القصاص بين المسلم والكافر، وبالأخرى على عدم ولاية الفاسق على أنه ليس بكفء وإن الكفاءة معتبرة.

(ص) ولا أكلت.

(ش) الفعل المتعدي إذا وقع في سياق النفي مثل: لا آكل إذا اقتصر عليه، ولم يتعرض للمفعول فهو عام في معقولاته، فيعم المواكيل كلها، لأنها نكرة في سياق النفي وقال أبو حنيفة: لا يعم فلا يقبل التخصيص.

وتظهر فائدة الخلاف في أنه لو نوى به مأكولا معينا، قبل على الأول حتى لا

ص: 688

يحنث بأكل غيره بناء على عموم اللفظ له، فيقبل التخصيص ببعض مدلولاته ولا يقبل على الثاني تخصيصه به لأن التخصيص فرع العموم، ولا عموم فيه، فلو خصه 99 ب بمأكول لم يقبل ومأخذ النزاع أن المفعول به محذوف كسائر التعليقات أو مقدر أي: مذكور بالقوة وهو بعض فيقبل تفسير ذلك لأنه ضروري للفعل المتعدي دون غيره والاستعمال وارد بكل منهما إنما الكلام في الظهور، واختار في (المحصول) مذهب أبي حنيفة وقاس المفعول به على المفعول فيه، يعني أنه إذا قال: لا أكلت وأراد بعض الأزمنة أو بعض المواضع دون بعض، حنث، ولم يكن هذا اللفظ قابلا للتخصيص بالنية.

فوجب أن يكون المفعول به كذلك، وفرق الآمدي في (الإحكام)، وصاحب (التحصيل) بينهما، بأن تعلق الفعل بالمفعول به أقوى من تعلقه بالمفعول فيه، ولهذا قبل ذلك التخصيص ولم يقبله هذا وهذا الفرق مبني على أن الحكم في المفعول فيه

ص: 689

كذلك وقد خولف فيه الإمام، وقيل بقبول الفعل التخصيص في الزمان والمكان بالنية أيضا.

تنبيهان:

الأول: هذه هي المسألة السابقة في أن حرف النفي إذا دخل على النكرة عم لذاته، أو هو سلب الكلي، وهو القدر المشترك في الأكل، فإن قلنا بالثاني لم يقبل التخصيص، لأنه نفي الحقيقة وهو شيء واحد ليس بعام والتخصيص فرع العموم وإن قلنا بالأول عم فهذه المسألة فرع لتلك فذكرهما المصنف جمعا بين الأصل والفرع.

الثاني: علم من تمثيله تصوير المسألة بأن يكون الفعل متعديا غير مقيد بشيء وهو الذي ذكره الإمام، والغزالي والآمدي وغيرهم وعلى هذا لا يتناول الأفعال القاصرة لكن القاضي عبد الوهاب في كتاب (الإفادة) قال: الفعل في سياق النفي، هل يقتضي العموم؟ كالنكرة في سياق النفي، لأن نفي الفعل نفي لمصدره فإذا قلنا: لا يقوم فكأنا قلنا: لا يقام، وعلى هذا التصوير تعم المسألة القاصرة.

(ص) قيل وإن أكلت.

(ش) هذا الذي ضعفه هو الذي أورده ابن الحاجب فيسوي بين ما وقع في سياق النفي أو في سياق الشرط، نحو: إن أكلت فأنت طالق، لأن الشرط في معنى النفي، لأن المشترط لم يجزم بوقوع الشرط حيث جعله شرطا ولهذا تجعله النحاة في مقابلة الثبوت فإن الفعل في الشرط والاستفهام عندهم كل كلام غير موجب، وهو مبني على أن النكرة في سياق الشرط تعم، كهي في سياق النفي، وهو ما صرح به القاضي وإمام الحرمين، ومثله بقولك من يأتني بمال أكرمه، قال: ولا يختص

ص: 690

هذا بمال معين، قال المصنف في (شرح المنهاج): ومراده العموم البدلي لا الشمولي يعني فإنه لا يتوقف الجزاء على الإتيان بجميع الأموال بل يكفي واحد كما لو قال: إن رأيت رجلا فأنت طالق يقع برؤية واحد ولأجل هذا توقف المصنف ههنا في إلحاق الشرط بالنفي، وأن العموم في النفي بالشمول وفي الشرط بالبدل، وفهم الأبياري من كلام إمام الحرمين في الشرط أنه أراد عموم الشمول فقال: لو كان للعموم لما استحق الإكرام بمال واحد، بل كان مفتقرا للإتيان بجميع الأموال، كما لو قال: من يأتني بكل مال، وأما عموم الشرط فتوجه في حق كل آت بمال، لا بما تعلق به الشرط من المال.

(ص) لا المقتضى.

(ش) شرع في صور عدها بعضهم من العموم والصحيح فيها خلاف ذلك، فمنها: المقتضى سمي بذلك لأنه أمر اقتضاه النص وهو بكسر الضاد اللفظ الطالب للإضمار وبفتحها ذلك المضمر بعينه الذي اقتضاه الكلام تصحيحا له وهو المراد هنا فإذا كان الكلام لا يستقيم إلا بتقديرات متعددة، ليستقيم الكلام بكل واحد منها، فلا عموم له في مقتضاه (100أ) فلا يقدر الجميع بل يقدر واحد بدليل فإن لم يقم دليل معين لأحدهما كان مجملا مثل ((رفع عن

ص: 691

أمتي الخطأ والنسيان)). هذا ما اختاره الشيخ أبو إسحاق والغزالي وابن السمعاني والرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم؛ لأن العموم من عوارض اللفظ والمقتضى معنى لا لفظ ولأن الضرورة تندفع بإثبات فرد ولا دلالة على إثبات ما وراءه فبقي على عدمه والأصلي بمنزلة المسكوت عنه ومقابله حكاه القاضي عبد الوهاب عن أكثر الشافعية والمالكية وصححه النووي في (الروضة) في كتاب الطلاق، نعم إذا تعين بدليل، فهو كالملفوظ وإن كان موضعه العموم، فعام، وإلا فلا.

تنبيه: جعل بعض الحنفية المسألة السابقة من فروع هذه أعني: لا آكل، أو إن أكلت، ومنعه بعضهم فإن قبوله للتخصيص بوجود المحلوف عليه في كل صورة لا لعموم المقتضى.

(ص) والعطف على العام.

(ش) أي: لا يقتضي عموم المعطوف عليه خلافا للحنفية حيث قالوا: إن

ص: 692

قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقتل مسلم بكافر)) لو كان عاما للذمي لكان المقدر في قوله: (ولا ذو عهد في عهده) عاما ضرورة اشتراك المعطوفين وليس كذلك، إذ الكافر الذي لا يقتل به المعاهد إنما هو الحربي، وأجاب أصحابنا بأن اشتراك المتعاطفين في أصل الحكم لا في صفته، مع أن تعليل الإضمار هو الأصل، واعلم أن ترجمة المصنف، تقتضي أمورا:

أحدها: أن الحنفية يسلمون أن (بكافر) في قوله: ((لا يقتل مسلم بكافر)) - عام، وأنهم يقدرون في الثاني كذلك، وهو فاسد، فإن الحنفية يمنعون عموم الأول، ضرورة وجوب تقديره ثانيا، وذلك لاشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته.

ص: 693

والثاني: أنها تقتضي مطلق العطف سواء عطف العام على العام أو الخاص على العام وهو كذلك لكن تعميم المعطوف إذا كان عاما ليس من قبيل عطفه بل هو من جوهر لفظه.

الثالث: أنها عبارة تتجاوز المقصود لانطباقها على صورة لا خلاف فيها، كما لو قيل: ولا ذو عهد في عهد يجزي، وهذا لا يقول أحد فيه باقتضاء العطف على العام العموم وإن المقصود إنما هو بيان أن إحدى الجملتين إذا عطفت على الأخرى وكانت الثانية تقتضي إضمارا ليستقيم كقوله:(ولا ذو عهد في عهده) على قول الحنفية فإنه لا يستقيم عندهم بدون إضمار فهل يضمر ما تقدم ذكره أو ما يستقل به الكلام قالت الحنفية بالأول، فمن ثم عزي إليهم أن العطف على العام يقتضي عموم المعطوف.

وقال أصحابنا بالثاني ولما رأى ابن الحاجب ترجمة

ص: 694

المتأخرين مختلة عدل عنها وقال مثل قوله صلى الله عليه وسلم إلخ، ويمكن أن يقال: إن هذا جار مجرى اللقب فلا يضر تجاوز لفظه عن المقصود فيه.

(ص) والفعل المثبت، ونحو: كان يجمع في السفر.

(ش) فيه مسألتان: إحداهما: الفعل المثبت لا عموم له بالنسبة إلى الأحوال التي يمكن أن يقع عليها العموم لاحتمال أن يقع عليها أو على وجه واحد مع الاحتمال والشك لا يثبت العموم خلافا لقوم ومثاله قول الراوي: صلى داخل الكعبة، فلا يعم الفرض والنفل ولا يتعين إلا بدليل وهذا مبني على أصلي نحوي، وهو أن الأفعال نكرات والنكرة في سياق الإثبات لا تعم، وقد حكى الزجاجي إجماع النحاة على أن الأفعال نكرات، واحتج بأنها لا تخلو من

ص: 695

الفاعلين والفعل والفاعل جملة، والجمل نكرات كلها (100ب) ومن ثم امتنع الإضافة إلى الأفعال، لانتفاء فائدة الإضافة إليها، واحترز المصنف بقوله: المثبت، عن المنفي فإنه يعم وقد سبق أن الشرط في معناه على خلاف فيه، نعم المثبت إن كان في سياق الامتنان عم.

الثانية: نحو قوله:

كان يجمع بين الصلاتين في السفر لا يعم جمع التقديم والفرق بين هذا وبين الذي قبله، أن لفظة (كان) تدل عند قوم على تكرار الفعل بخلاف مطلق الفعل المثبت فلا يلزم من إنكار تعميم الأول تعميم الثاني، فلهذا جمع المصنف بينهما، نعم، إن قلنا: إن كان لا يقتضي تكرار الفعل، فهو من القسم الذي قبله وفيه ثلاثة مذاهب: صحح ابن الحاجب أنها تقتضيه قال:

ص: 696

وهذا استفدناه من قولهم: كان حاتم يقري الضيف وصحح في (المحصول) أنها لا تقتضيه لا عرفا ولا لغة وقال الهندي: إنه الحق وقال عبد الجبار يقتضيه في العرف لا اللغة فإنه لا يقال في العرف: فلان كان يتهجد، إذا تهجد مرة واحدة واعلم أن المصنف قد ذكر مسألة: قضى بالشفعة للجار في آخر التخصيص فلا تظنه أهلها.

(ص) ولا المعلق بعلة، لفظا، لكن قياسا خلافا لزاعمي ذلك.

(ش) إذا علق الشارع حكما على علة كما لو قال: حرمت الخمر لكونه مسكرا، هل يعم، حتى يؤخذ الحكم في جميع صور وجود العلة، فيعم كل مسكر على قول فإذا قلنا: يعم فعمومه بالشرع قياسا (أو باللغة يجتمع ثلاثة أقوال: أصحها أن عمومه بالشرع قياسا) بناء على الاشتراك في العلة، فإن ذكر الوصف عقب الحكم تفيد عليته والاشتراك في العلية، يوجب الاشتراك في الحكم فيكون الحكم عاما لعموم علته لا.

ص: 697

لأن اللفظ يفيد تعميمه وقال القاضي أبو بكر: لا يعم وقيل: يعم بالصيغة ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: ((زملوهم بكلومهم ودمائهم، فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما)). فإنه يعم كل شهيد، وقوله: خلافا لزاعمي ذلك، راجع إلى المسائل الخمس من قوله: لا المقتضى إلى هذه المسألة.

(ص) وإن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم.

(ش) هذه العبارة للشافعي رضي الله عنه، وعليه اعتمد في صحة أنكحة الكفار في الإسلام على أكثر من أربع، فإن غيلان أسلم على عشرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 698

بإمساك أربع ولم يسأله عن كيفية ورود العقد عليهن في الجمع والترتيب فكان إطلاق القول دالا على أنه لا فرق واستحسنه محمد بن الحسن، على خلاف ما يقوله أبو حنيفة، من أن العقد إذا ترتب، تعينت الأربع الأوائل ومقابل الأصح المقدر في كلام المصنف أنه مجمل فيبقى على الوقف، وصار إمام الحرمين إلى أنه يعم، إذا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بتفاصيل الواقعة، فإن علم فلا يعم، وكان تقييدا للأول؛ ولهذا قال في (المحصول) بعد حكاية قول الشافعي رضي الله عنه، وفيه نظر، لاحتمال أنه أجاب بعد أن عرف الحال واعلم أنه قد جاء عن الشافعي رضي الله عنه، ما يعارض هذه العبارة وهي قوله: حكايات الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال ولهذا أثبت بعضهم

ص: 699

للشافعي رضي الله عنه، في المسألة قولين، وليس بشيء وجمع القرافي بين العبارتين بما لا يتحصل، والصواب حمل الثانية على الفعل المحتمل للوقوع على وجوه مختلفة فلا يعم، لأنه فعل والأولى على ما إذا أطلق اللفظ جوابا عن سؤاله فإنه يعم أحوال السائل لأنه قول، والعموم من عوارض الأقوال دون الأفعال.

(ص) وأن نحو: يا أيها النبي لا يتناول الأمة إلا بدليل.

(ش) الخطاب المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم (101أ) نحو: {يا أيها النبي} {يا أيها الرسول} لا تدخل تحته الأمة، ولا يدخل الرسول تحت الخطاب المختص بالأمة بالإجماع، لا إذا دل الدليل على دخولهم تحته من قياس أو غيره، وحينئذ فيشملهم الحكم لا باللفظ، وقيل: يدخل في اللفظ فهو عام إلا بدليل يخرجه، ونقل عن أبي

ص: 700

حنيفة وأحمد واختاره إمام الحرمين.

(ص) ونحو يا أيها الناس يشمل الرسول عليه الصلاة والسلام وإن اقترن بقل وثالثها التفصيل.

(ش) الخطاب المتناول للرسول والأمة: كقوله: {يا أيها الناس} ، {يا عبادي} يشملهما عند الأكثرين لصدق اللفظ عليه والثاني: لا يدخل تحته النبي صلى الله عليه وسلم لأجل الخصائص الثابتة له، والثالث: التفصيل بين أن يقترن بقل، فلا يشمله لأن

ص: 701

الأمر بالتبليغ قرينة عدم وطوله وإلا تناوله ونقل عن الصيرفي وزيفه إمام الحرمين وغيره.

(ص) وأنه يعم العبد والكافر.

(ش) فيه مسألتان:

إحداهما: أن الخطاب يا أيها الناس ونحوه، يعم الأحرار والعبيد اتباعا لموجب الصيغة، ولا يخرج العبد إلا بدليل ولا يلتحق بالبهائم من جهة ماليته، وكونه مملوكا لتوجه التكاليف عليه بالإجماع في الصلوات وغيرها، ونقله ابن برهان عن معظم الأصحاب وقيل: لا يدخلون إلا بدليل.

الثانية: أن يعم الكافر فلا يخرج إلا بدليل لأنه من الناس وبني آدم حقيقة والأصل عدم المخصص وقيل: لا يدخل، ولعله بناء على أنهم غير مكلفين وقد

ص: 702

سبقت قال الهندي: والقائلون بعدم دخول العبد والكافر إن زعموا أنه لا يتناولهما من حيث اللغة فهو مكابرة وإن زعموا التناول لكن الرق والكفر في الشرع يخصصهم فهو باطل للإجماع على أنهم مكلفان في الجملة.

(ص) ويتناول الموجودين دون من بعدهم.

(ش) الخطاب الوارد شفاها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: (يا أيها الذين آمنوا)(ويا أيها الناس) يختص بالموجودين حالة الخطاب، ولا يتناول من بعدهم أي لغة إلا بدليل منفصل من قياس أو غيره وقالت الحنابلة: بل هو عام بنفسه والخلاف لفظي للاتفاق على عمومه، لكن هل هو بالصيغة أو بالشرع، قياسا أو غيره.

(ص) وإن من الشرطية تتناول الإناث.

ص: 703

(ش) ويدل عليه قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} فدل التعبير بالذكر والأنثى عليه، وقوله تعالى:{ومن يقنت منكن لله ورسوله} .

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه)). فقالت أم سلمة: (فكيف يصنع النساء بذيولهن؟) صححه الترمذي.

فهمت أم سلمة دخول النساء في صيغة (مَنْ) وأقرها النبي ولأنه لو قال: من دخل داري فهو حر فدخلها النساء عتقن بالإجماع كما قاله في (المحصول) وقيل: يختص بالذكور لقولهم في الاستفهام منه ومنتان حكاه ابن الحاجب وغيره وأغرب ابن الدهان النحوي، فعزاه للشافعي رضي الله عنه، وإنما عزي

ص: 704

لبعض الحنفية وأنهم تمسكوا بذلك في مسألة المرتدة، فجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم ((من بدل دينه فاقتلوه)) لا يتناول المؤنث وهنا أمور:

أحدها: تقييد المصنف الخلاف بالشرطية ذكره إمام الحرمين وهي تخرج الموصولة والاستفهامية وقال الصفي الهندي: الظاهر أنه لا فرق والخلاف جار في الجميع، واعتذر بعضهم عن الإمام بأنه إنما خص بالشرطية، لأنه لم يذكر الاستفهامية والموصولة في صيغ العموم.

الثاني: أن ابن الدهان النحوي، حكى الخلاف في أنها موضوعة للمذكر والمؤنث، أو أنها للمذكر أصل، يعني: ولا يمتنع استعمالها في المؤنث.

الثالث: أن هذا لا يختص بـ (من) بل (ما) ونحوها (101 ب) مما لا يفرق فيه بين المذكر المؤنث وإن كان العائد فيه مذكرا كذلك.

ص: 705

(ص) وأن جمع المذكر السالم لا يدخل فيه النساء ظاهرا.

(ش) اللفظ إن اختص بالمذكر كالرجال أو بالمؤنث كالنساء لا يدخل أحدهما تحت الخطاب باللفظ المختص بالآخر. فإن تناولهما، جميعا وليس لعلامة التذكير والتأنيث فيه مدخل، كلفظ الناس دخل فيه كل واحد منهما اتفاقا وإن استعمل اللفظ فيهما لكن بعلامة التأنيث في المؤنث وبحذفها في المذكر وجوبا، وهو كلفظ: مسلمين ومسلمات، فاختلفوا فيه.

فذهب الجمهور إلى أن المؤنث لا يدخل في المجرد من العلامة نحو المسلمين ظاهرا إلا بدليل منفصل كما لا يدخل الرجال في لفظ المؤنث إلا بدليل وقال الشيخ أبو حامد وغيره: إنه مذهب الشافعي وقالت

ص: 706

الحنابلة بتناولهما ظاهرا، ولا يخرج عنه المؤنث إلا بدليل ورأى إمام الحرمين الدخول بالتغليب لا بأصل الوضع، فإن اللفظ لم يوضع له واقتضى كلامه تخصيص الخلاف في الخطابات الواردة في الشرع، لقرينة غلبة المشاركة في الأحكام الشرعية قال الصفي الهندي: واتفق الكل على أن المذكر لا يدخل تحته وإن ورد مقترنا بعلامة التأنيث وهذا يعلم من تخصيص المصنف الخلاف بالمذكور.

ووقع في بعض النسخ: وكذا المكسر وضميرها وهو استدراك على تصويرهم المسألة بالجمع السالم فإن المكسر كذلك، ولم أر لهم تصريحا بذلك بل رأيت في بعض المسودات أن جمع التكسير، لا خلاف في عدم الدخول فيه، ويشهد له ما لو وقف على بني زيد، فإنه لا يدخل فيه البنات نعم إن دلت قرينة على الدخول دخلن على الأصح، كما لو وقف على بني تميم أو هاشم فإن القصد الجهة.

(ص) وإن خطاب الواحد لا يتعداه وقيل: يعم عادة.

(ش) الخطاب الخاص لغة بواحد من الأمة، هل هو خطاب للباقين، الجمهور

ص: 707

على المنع وأنه لا يتعداه إلا بدليل منفصل وقيل: يعم بنفسه عادة وأشار المصنف بهذا القيد إلى أن القائلين بالتعميم لم يريدوا لغة، وإلا كان مكابرة فإن صيغة الواحد غير صيغة الجمع، بل أرادوا أن العادة تقتضيه، وقال إمام الحرمين: الخلاف لفظي وقال غيره: بل معنوي، وهو أنا نقول: الأصل ما هو، هل هو مورد الشرع أو مقتضى العرف.

(ص) وإن خطاب القرآن والحديث بـ {يا أهل الكتاب} لا يشمل الأمة.

(ش) الخطاب الخاص بأهل الذمة نحو: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا} ونحوه لا يشمل الأمة

ص: 708

إلا بدليل منفصل، لأن اللفظ قاصر عليهم كذا قاله المصنف ولكن جزم الشيخ مجد الدين في مسودته، بأنه يشملهم إن شركوهم في المعنى، وإلا لم يشملهم بمثابة خطابه لأهل أحد وعتابه لهم بقوله:{إذ همت طائفتان منكم} الآيات وخطابه لأهل بدر قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} وهو نظير خطابه لواحد من المكلفين: فإنه يثبت الحكم في حقه مثله قال: ثم الشمول ههنا، هل بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلي فيه الخلاف، وعلى هذا يبنى استدلال الأئمة على حكمنا بمثل قوله:{أتأمرون الناس بالبر} الآية، فإن هذه الضمائر مرجعها لبني إسرائيل قال: وهذا كله في الخطاب على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما خطابه لهم على لسان موسى (102أ) أو غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فهي مسألة شرع من قبلنا والحكم ههنا لا يثبت بطريق العموم الخطابي قطعا، بل بالاعتبار العقلي عند الجمهور.

تنبيه: سكت المصنف عن عكسها، وهو أن الخطاب المختص بالمؤمنين، هل

ص: 709

يختص بهم؟ وحكى ابن السمعاني في الاصطلام عن بعض الحنفية الاختصاص ثم اختار أنه ثابت في حق الكل، وقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا} خطاب تشريف لا خطاب تخصيص، بدليل قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وذروا ما بقي من الربا} وقد ثبت تحريم الربا في حق أهل الذمة بالإجماع، قلت: وفيه نظر، لأن الكلام في التناول بالصيغة، لا بأمر خارج وهذه المسألة ترجع إلى أن الكفار هل هم مخاطبون بالفروع.

(ص) وأن المخاطب داخل في خطابه إن كان خبرا لا أمرا.

(ش) المخاطب بكسر الطاء، هل يدخل في خطابه، فيه مذاهب أحدها: يدخل مطلقا سواء كان خبرا أو أمرا أو نهيا لعموم الصيغة كقوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة)). وقول القائل: من أحسن فأكرمه، أو فلا تهنه، كذا قاله في (المحصول)

ص: 710

وعزاه للأكثرين.

والثاني: لا يدخل نظرا للقرينة.

والثالث: التفصيل بين الخبر فيدخل تحته، أو الأمر فلا، وهو اختيار أبي الخطاب من الحنابلة قال: والفرق بينهما، أن الأمر، استدعاء الفعل على جهة الاستعلاء فلو دخل المتكلم تحت ما يأمر به غيره، لكان مستدعيا من نفسه مستعليا وهو محال وأكثر من نقل الخلاف في المسألة صورها بالأمر، للتنبيه على أنه في الخبر بخلافه فلهذا فصل المصنف بين الخبر فيدخل وبين الأمر فلا يدخل لأن كونه أمرا قرينة مخصصة، وقد ذكره في (المحصول) احتمالا له، والحق أنه إن كان وضع المسألة في أن ما وضع للمخاطب يشمل المتكلم وضعا فليس كذلك، سواء كان أمرا أم خبرا، وإن كان المراد حكما فمسلم إذا دل عليه دليل أو كان الوضع شاملا له، كألفاظ العموم، وعند هذا نقول: إن كان بلفظ المخاطبة

ص: 711

للمخاطبين كقوله: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم)((ولا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)). فلا يدخل عليه السلام في الخطاب، لأن الصيغة مختصة بالمخاطب، ومن حكى فيه خلافا فقد شذ، وهو قريب من قول بعض الحنابلة: إن الخطاب مع الموجودين يتناول من بعدهم بغير دليل منفصل، بل لمجرد الخطاب الأول، وأما إذا كان بغير لفظ الخطاب كقوله:((من نام فليتوضأ)). ((من أحيا أرضا ميتة فهي له)). والصحيح الدخول، وقد سبق من المصنف في باب الأوامر ما يخالف ما اختاره هنا وذكرنا ما فيه.

(ص) وإن نحو: {خذ من أموالهم صدقة} تقتضي الأخذ من كل نوع وتوقف الآمدي.

(ش) ما صححه المصنف نص عليه الشافعي رضي الله عنه، في (الرسالة) والبويطي، ونقله ابن برهان وغيره عن الأكثرين، وكذلك ابن

ص: 712

الحاجب ثم اختار خلافه، وأنه يكفي أخذ صدقة واحدة من جملة الأموال ونقل عن الكرخي وحجة (102ب) الجمهور، إضافتها إلى جمع أموال الجميع والجمع المضاف للعموم، وقول الكرخي قوي، لأن (من) للتبعيض المطلق والواحد من الجميع يصدق عليها ذلك وتوقف الآمدي فإنه قال في آخر المسألة: وبالجملة فهي محتملة، ومأخذ الكرخي دقيق وقال ابن حبان في (صحيحه) في حديث:((ليس فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)).

ص: 713

وهذا بين أن المراد من قوله {خذ من أموالهم} مراد به بعض المال، إذ اسم المال يقع على ما دون الخمس من ذلك، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الصدقة عن ما دون الذي أخذ.

ص: 714