الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التخصيص
التخصيص: قصر العام على بعض أفراده.
(ش) لم يقل اللفظ العام ليتناول ما عمومه عرفي أو عقلي وكالمفهوم على ما سبق، فإنه يدخله التخصيص مع أنه ليس بلفظ، وإنما لم يقل بدليل، لأن القصر لا يكون إلا كذلك، وتناول ما أريد به جميع الأفراد أولا، ثم أخرج بعضها كما في الاستثناء وما لم يرد إلا بعض أفراده ابتداء، كما في غيره وعدل عن قول ابن الحاجب: على بعض مسمياته أي: أفراده، فإن مسمى العام واحد، وهو كل الأفراد، نعم من جملة الأفراد النادرة (وغير المقصود كما سبق أنهما يدخلان في العموم، فكان ينبغي تقييدها بالغالب، فإن القصد على الأفراد النادرة) ليس بتخصيص شرعي خلافا للحنفية كتأويلهم: أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها
فنكاحها باطل بحمله على المكاتبة أو المملولكة لندرة، هذا وظهور قصد العموم فيه واعلم أنه قال هنا قصر ثم قال: في الاستثناء إخراج، فقد يتوهم أن القصر ينافي الإخراج، وليس كذلك، بل القصر أعم منه، فكل إخراج قصر ولا عكس، وإن الإخراج يستدعي سبق الدخول أو تقديره والقصر قد يكون كذلك وقد يكون مانعا للدخول البتة وحاصله أن الإخراج لعين العام مخصوص أما القصر غير الإخراج فمراد به الخصوص.
(ص) والقابل له حكم ثبت لمتعدد.
(ش) الذي يقبل التخصيص هو الحكم الثابت لمتعدد إما من جهة اللفظ كقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} أو المعنى كالمفهوم وتخصيص العلة عند من
جوزه فلا يجوز التخصيص في الأفعال لأنه لا يدخلها عموم والتخصيص فرع العموم، وكذلك النص، والواحد لا يجوز تخصيصه لأن التخصيص إخراج بعض من كل ولا يعقل ذلك في الواحد، واعترض القرافي بأن الواحد يندرج فيه الواحد بالشخص وهو يصح إخراج بعض أجزائه بصحة قولك: رأيت زيدا، وتريد بعضه وإن تعذر إخراج بعض الجزئيات فينبغي التفصيل واعلم أن قوله: لمتعدد، قد يتوهم منافاته لتعريف العام باستغراق الصالح له من غير حصر ولا تنافي بينهما فإن التعدد لا ينافي عدم الحصر، فإن كل غير منحصر متعدد نعم ليس كل متعدد غير منحصر فقد أورد على هذا شيئان:
أحدهما: أسماء الأعداد، فإنها حكم ثبت لمتعدد مع أنها لا تقبل التخصيص فإن قلتم: تقبل التخصيص، لزم أن تكون عامة فبطل قولكم في حد العام من غير حصر.
والثاني: الجمع المنكر فإنه يقتضي ثبت لمتعدد (103أ) ولا يقبل التخصيص لأنه ليس بعام، وأجاب المصنف عن الأول: أن مدلول أسماء الأعداد واحد لا متعدد فإن التعدد في المعدود لا في اسم العدد، وعن الثاني بأنا لا نسلم أنه لا يقبل التخصيص، وقولك: لعدم عمومه، قلنا: هو صالح للعموم بقرينة لفظية أو معنوية ولا يلزم من قابلية التخصيص وقوع التخصيص فيه حال تنكيره وتجرده عن قرائن العموم، كما أن الإنسان قابل للثبوت على الراحلة، ولا يلزم خروج المغصوب عن حد الإنسان
(ص) والحق جوازه إلى واحد إن لم يكن لفظ العام جمعا، وإلى أقل الجمع إن كان وقبل مطلقا وشذ المنع مطلقا، وقيل بالمنع، إلا أن يبقى غير محصور، وقيل إلا أن يبقى قريب من مدلوله.
(ش) اختلف في ضابط القدر الذي لا بد من بقائه بعد التخصيص على مذاهب:
أحدها: التفصيل بين أن لا يكون لفظ العام جمعا، بل صالح للجمع والمفرد، مثل من، والألف واللام الداخلة على اسم الجنس المفرد، فيجوز التخصيص فيه إلى أقل المراتب الذي ينطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص، وهو الواحد بل ادعى الشيخ أبو حامد أنه لا خلاف في هذا. وإن كان جمعا كالمسلمين، جاز التخصيص فيه حتى يبقى أقل الجمع إما ثلاثة أو اثنين على الخلاف فيه مراعاة لمدلول الصيغة وهذا التفصيل للقفال الشاشي.
قال المصنف: وما أظنه يقول به، في كل تخصيص ولا يخالف في صحة استثناء الأكثر، أي: الواحد، بل الظاهر أن قوله مقصور على ما عدا الاستثناء من التخصيصات بدليل احتجاج بعض أصحابنا عليه بقول القائل، علي عشرة إلا تسعة، ويحتمل أن يعم الخلاف، إلا أن الظاهر خلافه قلت:
الاستثناء إن كان من جمع أو ما في معناه كالقوم، فهو يشترط بقاء اسم الجمع كما صرح به وإن كان من عدد، فليس الكلام فيه، إذ لا عموم.
والثاني: يجوز في جميع ألفاظ العموم إلى الواحد، وهو قول الشيخ أبي إسحاق واستدل بقوله تعالى:{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} فإن المراد نعيم بن مسعود، الأشجعي.
والثالث: لا يجوز وروده إلا إلى أقل الجمع مطلقا حكاه ابن برهان.
والرابع: أنه لا بد من بقاء جمع غير محصور، وصححه الإمام الرازي والبيضاوي.
والخامس: لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام قبل التخصيص، وحكاه ابن الحاجب عن الأكثر، كذا جعل المصنف هذا المذهب غير الذي قبله، والظاهر أنه هو، وإنما اختلفت العبارة والمراد بقوله: يقرب من مدلول العام أن يكون غير محصور، فإن العام هو المستغرق له ويصلح له من غير حصر ولهذا قابله ابن
الحاجب بأقوال الحصر، حيث قال بعده: وقيل: يكفي ثلاثة، وقيل: اثنان، وقيل: واحد ووجهه أنه إذا بقي غير محصور كانت الصيغة باقية على عمومها في الباقي، ثم يتغير مدلول العام.
(ص) والعام المخصوص مراد عمومه تناولا لا حكما، والمراد به الخصوص ليس مرادا بل كلي استعمل في جزئي ومن ثم كان مجازا قطعا.
(ش) اعلم أن البحث عن التفرقة بين العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص من مهمات هذا العلم ولم يتعرض له الأصوليون، وقد كثر بحث المتأخرين فيه، ومنهم والد المصنف، وفرق بأن العام المخصوص هو أن يراد معناه في التناول لكل فرد، ولكن يخرج منه بعض أفراده، فلم يرد عمومه في الكل، حكما لقرينة التخصيص، والعام المراد به الخصوص هو أن (103ب) يطلق اللفظ العام ويراد به بعض ما يتناوله فلم يرد عمومه لا تناولا ولا حكما، بل كلي استعمل في جزئي، ولهذا كان مجازا قطعا، لما فيه من نقل اللفظ عن معناه إلى غيره واستعماله في غير موضوعه، وهذا إذا قلنا إن العام لا يدل على أفراده دلالة مطابقة فإن قلنا: يدل لم يتجه القول بأنه استعمل في غير موضوعه، بل هو كاستعمالنا المشترك في أحد معنييه، وهو استعمال حقيقي.
وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: مما يجب أن يتنبه له الفرق بين قولنا: هذا عام أريد به الخصوص، وبين قولنا هذا عام مخصوص، فإن الثاني أعم من الأول، ألا ترى أن المتكلم إذا أراد باللفظ أولا ما دل عليه ظاهره من العموم ثم أخرج بعد ذلك بعض ما دل عليه اللفظ كان عاما مخصوصا، ولم يكن عاما أريد به الخصوص، ويقال: إنه منسوخ بالنسبة إلى البعض الذي أخرج،
وهذا يتوجه إذا قصد العموم وفرق بينه وبين ألا يقصد الخصوص، بخلاف ما إذا نطق باللفظ العام مريدا به بعض ما يتناوله في هذا.
(ص) والأول الأشبه حقيقة وفاقا للشيخ الإمام والفقهاء، وقال الرازي: إن كان الباقي غير منحصر وقوم إن خص بما لا يستقل وإمام الحرمين حقيقة ومجاز باعتبارين تناوله والاقتصار عليه والأكثر مجازا مطلقا، وقيل: إن استثنى منه وقيل إن خص بغير لفظ.
(ش) قد سبق أن العام الذي أريد به الخصوص مجازا بلا خلاف، وأما المخصوص وهو المراد بالأول فقد اختلف هل يكون في الثاني حقيقة؟ على
مذاهب.
أحدها: نعم، وقال الشيخ أبو حامد إنه مذهب الشافعي وأصحابه، ومن حجتهم أن الواضع وضعه للدلالة على الجميع، فلا تبطل دلالته على الباقي بخروج البعض بدليل وإذا دل وجوب كون دلالته حقيقة عملا بالوضع الأول فهو الأصل، فإنه بخروج البعض لم تبطل دلالته على البعض الخارج أيضا من حيث الصيغة، بل عمل بالدليل الخاص، وترك العمل بالعموم فيها.
الثاني: وبه قال أبو بكر الرازي، حقيقة إن كان الباقي غير منحصر أي في كثرة لعسر العلم بعددها وإلا فمجاز.
والثالث: وبه قال أبو الحسين وغيره، حقيقة، إن خص بما لا يستقل بنفسه من شرط أو صفة أو استثناء أو غاية، فإن خص بمستقل من سمع أو عقل فمجاز.
والرابع: وبه قال إمام الحرمين حقيقة في تناول ما بقي مجاز في الاقتصار عليه.
والخامس: أنه مجاز مطلقا، لأنه حقيقة في الاستغراق، فلو كان حقيقة
في البعض لزم الاشتراك والمجاز خير منه، ونقله الإمام الرازي وغيره عن الأكثرين، واختاره ابن الحاجب والبيضاوي.
والسادس: مجاز إن استثنى منه حقيقة إن خص بشرط أو صفة.
والسابع: مجاز إن خص بغير لفظ، حقيقة إن خص بدليل لفظي اتصل وانفصل.
تنبيهان:
الأول: هذه المذاهب حكاها ابن الحاجب في (المختصر) وعزا السادس منها إلى عبد الجبار، إلا أنه وقع فيها إبهام احترز عنه المصنف، فإن عبارة المختصر: عبد الجبار
إن خص باستثناء أو صفة وشرحوه على أنه إن خص بشرط أو صفة فهو حقيقة وإن خص باستثناء أو غيره فمجاز، فأما شرحهم أنه في الشرط والصفة حقيقة فصحيح، وأما أنه في الاستثناء وغيره مجاز، فصحيح بالنسبة إلى الاستثناء لا غير، فإن غيره من المتصلات الغاية، ولا يحفظ عن عبد الجبار فيهما (104أ) نقل إنما الذي يحفظ أنه في الشرط والصفة حقيقة في الاستثناء مجاز سكت عن الغاية كذا نقله عنه أبو الحسين في (المعتمد) فقال ما نصه: وقاضي القضاة قال: يكون مجازا إلا أن يكون مخصصه شرطا أو تقييدا بصفة وجعله مجازا بالاستثناء انتهى. فلهذا سلم المصنف من ذكر الغاية، فإنه اقتصر على أنه إذا استثنى منه فهو مجاز فأما إذا لم يستثن فلم يصرح فيه بشيء، وحكمه أنه في الصفة والشرط حقيقة وفي (الغاية) لا نحفظه منقولا.
الثاني: أهمل المصنف مذهب القاضي المنقول في (المختصر)، قصدا لكونه لم يصح عنه، وأن الثابت عنه قولان أولهما كونه مجازا مطلقا والثاني: وهو الموجود في كلامه، أنه إن خص بما لا يستقل به من شرط أو صفة أو غاية، أو استثناء فهو حقيقة، أو بمستقل من سمع أو عقل فمجاز.
(ص) والمخصص، قال الأكثر: حجة، وقيل: إن خص بمعين، وقيل: بمتصل وقيل: إن أنبأ عنه العموم وقيل: في أقل الجمع، وقيل: غير حجة مطلقا.
(ش) العام بعد التخصيص هل يبقى حجة فيما لم يدخله التخصيص؟ فيه مذاهب:
أحدهما: أنه حجة مطلقا سواء خص بمعين، كما لو قال: اقتلوا المشركين (إلا زيدا، أو بمبهم كاقتلوا المشركين) إلا بعضهم لأن أكثر المعمومات مخصوصة، ولم تمنع الأئمة من الاحتجاج بها.
والثاني: أنه حجة إن خص بمعين، وليس بحجة إن خص بمبهم لإجماله وهو طريقة المعظم، وكلام المصنف يقتضي أن الأكثر على أنه حجة وإن خص بمبهم، وهو فيه متابع لابن برهان في (الوجيز) فإنه قال: العام إذا دخله التخصيص لم يصر مجملا.
وقال عيسى بن أبان: إن كان التخصيص بدليل مجهول صار مجملا، انتهى. وفيه رد على الآمدي وغيره ممن خص الخلاف بالمعين.
وقال في (المبهم): إنه لا خلاف أنه ليس بحجة، وإذا ثبت أن الخلاف جار في العام المخصوص مطلقا،
مبهما أو معينا، جاء قول بالتفصيل بينهما كما أورده المصنف.
والثالث: حجة إن خص بمتصل كالشرط والاستثناء وإلا فلا قاله الكرخي.
والرابع: حجة إن أنبأ عنه العموم قبل التخصيص وإلا فلا، مثاله {فاقتلوا المشركين} فإنه ينبئ عن الحربي إنباءه عن الذمي، بخلاف {والسارق والسارقة فاقطعوا} فإنه لا ينبئ عن كون المال في نصاب السرقة هو الرابع ومخرجا من حرز، فإذا بطل العمل به في صورة انتفائهما لم يعمل به صورة وجودهما.
والخامس: يجوز التمسك به في أقل الجمع، ولا يجوز فيما زاد عليه، قال الهندي: وهذا يشبه أن يكون قول من قال: لا يجوز التخصيص إلى أقل الجمع.
والسادس: أنه غير حجة مطلقا، ونسب لعيسى بن أبان وأبي ثور ومرادهم أنه يصير مجملا وينزل منزلة ما إذا كان المخصوص مجهولا، فلا يستدل
به في بقية المبهمات إلا بدليل كذا قاله الشيخ أبو إسحاق وغيره.
(ص) ويتمسك بالعام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البحث عن المخصص وكذا بعد الوفاة خلافا لابن سريج.
(ش) أي: حيث أوجب التوقف فيه حتى ينظر في الأصول التي يعرف منها الأدلة، فإن ظفر بتخصيصه عمل به وإلا اعتقد عمومه وعمل بموجبه، والمذهب وجوب العمل به حتى يبلغه التخصيص، لأن الأصل عدم المخصص، ولأن احتمال الخصوص مرجوح، وظاهر خصوص صيغة العموم راجح، والعمل بالراجح واجب بالإجماع، وكما نقول في المنسوخ سواء. وقد هم عثمان رضي الله عنه،
برجم التي ولدت لستة أشهر وأمر عمر رضي الله عنه، برجم مجنونة عملا بالعمومات، حتى نهاهما علي رضي الله عنه، بالنص (104ب) الخاص واعلم أن اقتصار المصنف على ابن سريج تابع فيه (المحصول) و (المنهاج) وقد حكاه الشيخ أبو حامد الإسفرائيني والشيخ أبو إسحاق وغيرهما من عامة أصحابنا سوى الصيرفي وهذه الطريقة أصح من طريقة الآمدي وابن الحاجب، فإنهما حكيا الإجماع على امتناع التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص، ومنهم من جمع بينهما وجعلهما مسألتين: وجوب العمل وهو موضع المنع، واعتقاد العموم وهو موضع الخلاف، ويأبى هذا تعبير المصنف بالتمسك، ونبه على فائدة أخرى وهي
تخصيص الخلاف بما إذا ورد الخطاب العام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أما في عهده فتجب المبادرة إلى الفعل واجراؤه على عمومه بلا خلاف وبذلك خرج الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني في كتابه ولا يختص هذا الخلاف بالعموم، بل يجري في كل دليل مع معارضه كما قال ابن الحاجب.
(ص) ثم يكفي في البحث الظن خلافا للقاضي.
(ش) إذا أوجبنا البحث فقيل: يبحث إلى أن يغلب على الظن عدم المخصص ونقله الآمدي عن الأكثر، وابن سريج، وذهب القاضي وجماعة إلى أنه لا بد من القطع بعدمه قال: ويحصل ذلك بتكرير النظر والبحث واشتهار كلام العلماء فيه من غير أن يذكر أحد منهم مخصصا وحكى الغزالي قولا ثالثا: أنه لا يكفي الظن ولا يشترط القطع، بل لا بد من اعتقاد جازم وسكون النفس بانتفائه.
(ص) المخصص قسمان:
(ش) المخصص حقيقة، هو: إرادة المتكلم ويطلق على الدال على الإرادة مجازا، وهو المراد هنا. ثم هو إما منفصل أو متصل، لأنه إما أن يستقل بنفسه كالمنفصل أو لا، بل تعلق معناه باللفظ الذي قبله كالمتصل.
(ص) الأول المتصل وهو خمسة (أشياء الأول) الاستثناء وهو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها.
(ش) نوع الجمهور المتصل أربعة أنواع، وزاد ابن الحاجب - وتبعه - المصنف خامسا:
فالأول: الاستثناء وعرفه بما ذكره فقوله: إخراج جنس يندرج تحته كل المخصصات وقوله: (بإلا) أخرج منه ما عدا الاستثناء.
وقوله: أو إحدى أخواتها أي: مثل: خلا وعدا وحاشا.
وخص إلا بالذكر لأنها أصل أدوات الاستثناء وإنما عبر بأو، للتنبيه على فساد تعبير المنهاج بالواو، كما قاله في شرحه، والعذر له جعلها بمعنى أو، لأن الاستثناء لا يكون بالمجموع بل بواحد منها، ولم يحتج إلى تقييد إلا بغير الصفة احترازا عن الصفة كقوله تعالى:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} كما فعل في المنهاج لأن السابق إلى ذهن السامع عند ذكر إلا، معنى الاستثناء فأغنى ذلك عن الاحتراز لا سيما مع تقدم ذكر الإخراج، كذا اعتذر الشيخ جمال الدين بن مالك في (شرح الكافية) عمن لم يقيد، وهو مصرح بأن إلا التي للصفة لا إخراج فيها، وسيأتي تحقيق معناه، وقوله:(بإلا أو إحدى أخواتها) فخرج ما لو قال: علي ألف استثنى مائة أو أحط، وفيه وجهان في (الحاوي) للماوردي:
أحدهما: أنه استثناء صحيح، لأنه صرح بحكمه فأغنى عن لفظه.
والثاني: لا يصح، لأنه واعد بالاستثناء إذ قال أستثني وأحط من بغير استثناء أو قال أحط.
(ص) من متكلم واحد وقيل مطلقا.
(ش) اعتبر بعض الأصوليين في الاتصال كونه من متكلم واحد، فيخرج ما
لو قال الله تعالى {فاقتلوا المشركين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الاتصال: ((إلا الذميين)) فهو منفصل وقيل: منقطعا، ونزلوا استثناء النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الاستثناء المصرح به في كلام الله تعالى وجعلوه (105أ) متصلا، وكان ينبغي للمصنف تأخير هذا الخلاف عن ذكر الاتصال، وهو في ترجيح الأول متابع للهندي.
وقال القاضي أبو بكر في (التقريب): إنه الصحيح لكن مأخذه في ذلك البناء على ما رآه أن من شرط الكلام صدوره من ناطق واحد حتى لو قال القائل مثلا: زيد، فقال آخر: قائم لم يكن كلاما، وقد زيف ابن مالك هذه المقالة وقال: بل هو كلام، لاشتماله على حد الكلام، وليس اتحاد الناطق معتبرا، كما لم يجب اتحاد الكاتب معتبرا في كون الخط خطا، وللقاضي أن يمنع اشتماله على حد الكلام.
وقوله: (فإنه لو اصطلح رجلان إلى آخره) ليس مثله فإنه إذا كتب رجل (زيد) سمى هذا خطا، ولو لم يكتب معه غيره، بخلاف ما إذا قال:(زيد) فإنه ليس كلاما فافترقا، ثم ولو كتب مع زيد فاضل ونحوه من كاتب آخر يمتنع كون المجموع خطا، بل هما خطان بحسب الحقيقة، ثم قال: فإن قيل: لو كان كلاما لترتب عليه ما ترتب عليه من نطق الواحد من إقرار وتعديل وتجريح وقذف وغير ذلك وذلك منتف فبطل كونه كلاما يترتب عليه ما ترتب عليه من نطق الواحد وأجاب بأن انتفاء ترتيب الحكم على الكلام لا يمنع كونه كلاما، فإن بعض الكلام صريح وبعضه غير صريح فنطق المصطلحين، وإن كان كلاما فهو غير صحيح، لأن السامع لا يعلم ارتباط أحد جزئيه بالآخر، كما يعلم ذلك من نطق الواحد، فلذلك اختلفا في الحكم، وما ذكره من انتفاء ترتب الحكم عليه يوافقه ما في الرافعي لو
قال لي عليك مائة، فقال: لا درهما، لم يكن مقرا بما عدا المستثنى على الأصح.
(ص) ويجب اتصاله عادة وعن ابن عباس إلى شهر، وقيل: سنة وقيل: أبدا، وعن سعيد بن جبير أربعة أشهر، وعطاء والحسين في المجلس ومجاهد سنتين، وقيل: ما لم يأخذ في كلام آخر، وقيل: بشرط أن ينوي في الكلام، وقيل يجوز في كلام الله فقط.
(ش) يشترط في الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه عادة وإلا لما استقر عتق ولا طلاق ولا حنث لجواز الاستثناء بعده ولأن المستثنى منه في حكم الجملة الواحدة واحترز بقوله: (عادة) عما إذا طال الكلام، فإن ذلك لا يمنع صحة الاستثناء كما قاله الإمام وكذلك قطع الكلام بالنفس والسعال، ونقل عن ابن عباس: أنه لا يشترط الاتصال.
واختلف النقل عنه على ثلاث روايات، فقيل يجوز
تأخيره إلى شهر وقيل: سنة وقيل: أبدا، وعن سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر وعن عطاء والحسن أنهما جوزا الاستثناء ما دام في المجلس، حكاه الشيخ أبو إسحاق وعن مجاهد سنتين وقيل: يجوز ما لم يأخذ في كلام
آخر وقيل: يشترط أن ينوي في الكلام وعلى هذا نزل القاضي مذهب ابن عباس فقال: لعل مراده - إن صح النقل - ما إذا نوى الاستثناء متصلا بالكلام، ثم أظهر نيته بعده فإنه يدين.
وقول المصنف في الكلام أعم من أن تكون النية قبل الفراغ أو من أو من اللفظ والأصح اشتراطه قبل الفراغ وإنما لم يذكر المصنف هذا لأنها مسألة فقهية لا تشتد حاجة الأصولي إليها وليست (قيل) هنا في كلامه للتمريض وإنما يكون إذا قوبل بمذهب مختار وقال قوم بصحة الاستثناء المنفصل في كتاب الله دون غيره وحمل بعضهم مذهب ابن عباس عليه وأنه جوز ذلك في استثناءات القرآن.
سؤال: لو قال له: علي ألف إلا شيئا، رجع في تفسير الشيء إليه (105ب) وقد استشكل على اشتراط اتصال الاستثناء حيث قبل منه التفسير المنفصل عن اللفظ، والجواب: ليس أصل الاستثناء كالتفسير، لأن الاستثناء لفظ ظاهره الإسقاط، فإذا
اتصل جعل منعا لابتداء الوجوب، إذ الكلام بآخره، وإذا انفصل تمحص ابتداء إسقاط فكان مردودا.
فأما اللفظ المجمل فيجوز إن تراخى تفسيره عن وقت وروده، كألفاظ الشريعة، قال الروياني: وعلى هذا قال أصحابنا: لو فسر المجمل تفسيرا غير مقبول فأراد أن يستأنف تفسيرا آخر مكن منه، ولو وصل بالأصل استثناء يرفع الجميع ثم أراد أن يستثني مرة أخرى لم يمكن.
(ص) أما المنقطع فثالثها متواطئ والرابع مشترك والخامس الوقف.
(ش) المراد بالمنقطع عندهم: ما كان من غير الجنس كقولك: ما بالدار أحد إلا الحمار، وقد اختلف فيه: هل هو استثناء حقيقة أو مجازا والأكثرون
على أنه مجاز فيه ولهذا لا يحمل العلماء الاستثناء على المنقطع إلا عند تعذر المتصل.
والثاني: أنه حقيقة؛ لأنه استعمل والأصل في الإطلاق الحقيقة.
والثالث: أنه متواطئ أي بقول بالاشتراك المعنوي على المتصل والمنقطع.
والرابع: بالاشتراك اللفظي بكونه موضوعا لكل واحد منهما أولا إذا لا قدر مشترك بينهما فإن المتصل إخراج والمنفصل يختص بالمخالف من غير إخراج.
الخامس: الوقف وهو من زوائده على المختصر، ولم يذكره في شرحه، ولا يخفى ما في التعداد من التداخل فإن أحدهما مجاز والآخر حقيقة واختلف القائلون به، هل هو حقيقة على سبيل التواطؤ أو على سبيل الاشتراك؟ واعلم أن المصنف لم يذكر حد المنقطع، وذكر ابن الحاجب على القول بالاشتراك والمجاز أنه لا يمكن جمع الاستثناء المتصل والمنقطع في حد واحد، لأن أحدهما مخرج من حيث المعنى والآخر غير مخرج وإذا اختلفا في الحقيقة بعد رجعهما بحد واحد، نعم يمكن حدهما بحد واحد باعتبار اللفظ وهو أن يقال: هو المذكور بعد إلا وأخواتها وفيما قاله نظر، فإن صحة تعريف المطلق لا يفتقر إلى ذكر جميع أنواعه في التعريف حتى يمنع اختلاف حقيقة نوعي المستثنى عن تعريف المستثنى من حيث هو.
(ص) والأصح وفاقا لابن الحاجب: أن المراد بعشرة في قولك: عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت ثلاثة، ثم أسند إلى الباقي تقديرا وإن كان قبله ذكرا. وقال الأكثر: المراد سبعة، و (إلا) قرينة، وقال القاضي: عشر إلا ثلاثة، بإزاء اسمين مفرد ومركب.
(ش) اختلف في تقدير دلالة الاستثناء على مذاهب.
أحدها، وبه قال ابن الحاجب: أن المستثنى منه يراد به أفراده ولكن لا بحكم الإسناد حتى يخرج منه ما يريد إخراجه بالأداة فإذا أخرج منه ما أراد فحينئذ بحكم الإسناد فإذا قال له علي عشرة إلا ثلاثة فالمراد بالعشرة عشرة باعتبار أفراده ولكن لا بحكم إسناد الخبر، وقوله إلى المبتدأ وهو عشرة إلا بعد إخراج الثلاثة منه، ففي اللفظ استند إلى عشرة، وفي المعنى استند إلى سبعة والإسناد بعد الإخراج فلم يسند إلا إلى سبعة، وعلى هذا فليس الاستثناء مبينا للمراد بالأول بل به يحصل الإخراج.
والثاني: وعزي للأكثر، أن المراد بعشرة: سبعة، و (إلا) قرينة تبين أن الكل استعمل وأريد الجزء مجازا وعلى هذا فالاستثناء مبين لغرض المتكلم بالمستثنى منه، فإذا قال: علي عشرة كان (ظاهرا في الجميع، فإذا قال: إلا ثلاثة فقد بين أن مراده) بالعشرة سبعة فقط (106أ) كما في سائر التخصيصات.
والثالث: أن المستثنى والمستثنى منه جميعا وضعا لمعنى واحد، وهو ما يفهم من الكلام آخرا، حتى كأن العرب وضعت اسمين لمعنى السبعة، أحدهما مفرد وهو السبعة والثاني مركب وهو عشرة إلا ثلاثة.
تنبيهان:
الأول: أصل الخلاف في هذه المسألة إشكال معقولية الاستثناء لأنك إذا قلت: جاء القوم إلا زيدا، فلا يخلو إما أن يكون زيد دخل في القوم أم لا، فإن لم يكن دخل، فكيف صح إخراجه، وقد أجمع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج وإن كان قد دخل فقد تناقض الكلام، لأنك أثبته أولا، ثم نفيته، وذلك يؤدي إلى أن لا يكون الاستثناء في كلام إلا وهو كذب من أحد الطرفين وهو باطل لاشتمال القرآن عليه. ولهذه الشبهة فر القاضي إلى مذهبه السابق، وقال: لا إخراج فيه فعورض بإجماع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج ما بعد ذكر (إلا) مما قبلها، وإجماعهم حجة في تفاصيل العربية، وصار ابن الحاجب إلى ما سبق، وقال: إنه يرفع الإشكالين.
قال في (شرح المفصل): ولا يحكم بالنسبة إلى بعد كمال ذكر المفردات في كلام المتكلم فإذا قال المتكلم: قام القوم إلا زيدا، فهم القيام أولا بمفرده وفهم القوم بمفرده وإن فيهم زيدا، وفهم إخراج زيد منه، بقوله: إلا زيدا، ثم حكم بنسبة القيام إلى هذا الفرد الذي أخرج منه، وقد يحصل الجمع بين المسالك المقطوع بها على وجه يستقيم وهو أن الإخراج حاصل بالنسبة إلى المفردات وفيه توفية بإجماع النحويين، وتوفية إنك ما نسبت إلا بعد أن أخرجت زيدا، ولا يؤديى إلى المناقضة المذكورة، قلت: لكن فيه مخالفة لمذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المستثنى لم يندرج في الاسم المستثنى منه ولا في حكمه، ومذهب الكسائي لا يندرج في المستثنى منه
وهو مسكوت عنه فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا فزيد يحتمل أنه قام وأنه لم يقم، وذهب الفراء إلى أن زيدا، لم يخرج من القوم، وإنما خرج وصفه من وصفهم، نبه على هذا الاستدراك إمام العصر القاضي محب الدين - برد الله مضجعه.
الثاني: ينشأ من هذا الخلاف خلاف في عد الاستثناء من المخصصات فعلى قول القاضي ليس بتخصيص وعلى قول الأكثرين تخصيص، لأن اللفظ قد أطلقه البعض إرادة وإسنادا وأما على قول ابن الحاجب فمحتمل لكونه أريد الكل وأسند إلى البعض، كذا قاله ابن الحاجب، وينبغي القطع بأنه ليس بتخصيص لأن التخصيص شرطه الإرادة المتعارفة وهي منتفية إلا في قصد الاستثناء كما سبق، وتظهر فائدة الخلاف في كون الاستثناء مبينا، أم لا، ما لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة، ووقع الاستثناء بعد موتها، فإن قلنا: ليس ببيان، طلقت ثلاثا وإلا فثنتان.
(ص) ولا يجوز المستغرق خلافا لشذوذ.
(ش) أي سواء في العدد وغيره، فلو قال: عشرة إلا عشرة أو اقتلوا المشركين إلا المشركين، لم يصح لأن الاستثناء من أنواع التخصيص، وكما لا يجوز أن يرفع التخصيص جميع ما تقدم، كذلك الاستثناء وادعى جماعة منهم الآمدي وابن الحاجب الإجماع عليه وأشار المصنف بالشذوذ إلى ما حكاه القرافي في (المدخل) لابن طلحة في: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا - قولين في اللزوم، وقد رأيتهما
فيه فعدم اللزوم يقتضي تصحيح الاستثناء المستغرق ويقرب من ذلك ما نقله الشيخ أثير الدين عن الفراء: أنه يجوز أن يكون أكثر، ومثله بقوله: علي ألف إلا ألفين، قال إلا أنه (106ب) يكون منقطعا، وقريب منه ما حكاه المحاملي في التجريد، إذ قال: له علي ألف إلا ثوبا وفسر الثوب بما قيمته ألف فيه وجهان: (أصحهما بطلان التفسير والاستثناء والثاني: يبطل التفسير فقط فيطالب ببيان صحيح، وليس لنا وجه بصحة التفسير أيضا، فيكون مستغرقا كما يوهمه إيراد المصنف، وهذا إذا كانت الصيغة ألف درهم، كما عبر به في (الروضة) أما لو كان التعبير بألف منكر، كما نقله المصنف عن (التجريد) فإنه يطالب بتفسيرها كما قال الرافعي، فإن فسرها بالثياب كان من الجنس وإلا فلا) وينبغي تقييد محل الإجماع بما إذا اقتصر عليه، فلو عقبه باستثناء آخر، فالخلاف فيه ثابت عندنا فيما إذا قال: علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة، فقيل: يلزمه عشرة، فإن الاستثناء الأول لم يصح، وقيل: يلزمه ثلاثة، واستثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا اقتصر عليه، أما إذا عقبه باستثناء صحيح فيصح، وهذا هو الصحيح والثالث: يلزمه سبعة والاستثناء الأول لا يصح ويسقط من البين.
(ص) وقيل: لا الأكثر ولا المساوي: وقيل: إن كان العدد صريحا.
(ش) ما ضعفه المصنف هو مذهب نحاة البصرة، قال صاحب (الارتشاف) ذهب البصريون إلى أنه لا يجوز استثناء الأكثر ولا المساوي وإنما يستثنى دون النصف وذهب أبو عبيدة إلى جواز استثناء الأكثر، وذهب قوم إلى جواز المساوي دون الأكثر. انتهى.
وبالأول قال القاضي، وبالثاني قال كثير من الأصوليين، فلو قال: علي عشرة إلا تسعة لزمه درهم واحتجوا بأنه يجوز إخراج أكثر أفراد العموم بالتخصيص، فكذلك إخراج أكثر الجملة بالاستثناء، وبالثالث قالت الحنابلة ونقل الشيخ أبو إسحاق عنهم امتناع المساوي
أيضا كالقاضي وقال قوم: إن كان العدد صريحا لم يجز استثناء الأكثر، مثل: عشرة إلا تسعة، وإلا جاز مثل خذ هذه الدراهم إلا ما في الكيس الفلاني، وكان ما في الكيس أكثر من الباقي وقال بعض النحويين: الصحيح الامتناع في الأكثر، لأن المسألة لغوية، وقد أنكر أهل اللغة جواز ذلك، وإذا كان ليس في اللغة فلا يفيد وأما الآية التي احتجوا بها في قوله تعالى:{إلا عبادك منهم المخلصين} مع قوله: {إلا من اتبعك من الغاوين} فاستثناء كل واحد منهما من الآخر، وأيهما كان الأكثر حصل المقصود ففيها جوابان:
أحدهما: أنه استثنى في إحدى الآيتين (المخلصين) من نبي آدم وهم الأقل وفي الأخرى استثنى (الغاوين) من جميع العباد وهم الأقل، فإن الملائكة من عباد الله تعالى قال تعالى:{بل عباد مكرمون} وهم غير غاوين.
وثانيهما: أن قوله: {إلا من اتبعك من الغاوين} استثناء منقطع بمعنى لكن، بدليل أنه قال في الآية الأخرى:{وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} وحيث قلنا: يجوز الأكثر، فلا خلاف في استكراهه واستحسان
استثناء القليل وقال ابن فارس في (فقه العربية): الصحيح في العبارة أن يقال: يستثنى القليل من الكثير، ويستثنى الكثير مما هو أكثر منه، وقول من قال: يستثنى الكثير من القليل ليس بجيد، واحتج على جواز النصف بقوله تعالى:{قم الليل إلا قليلا نصفه} فالضمير في (نصفه) عائد إلى الليل (ونصفه) بدل منه، فإما أن يكون من الليل بعد الاستثناء فيكون (إلا قليلا) نصفا، وأما من قليل فتبين به إنما أراد بالقليل نصف الليل.
(ص) وقيل: لا يستثنى من العدد عقد صحيح، وقيل: لا مطلقا.
(ش) الكلام في الاستثناء من العدد مبني على صحته، وللنحاة فيه مذاهب (107أ):
أحدها: لا يجوز، لأنها نصوص وصححه ابن عصفور وأجاب عن نحو قوله تعالى:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} بأن الألف لما كان
يستعمل للتكثير كقولك أقعد ألف سنة، تريد زمنا طويلا، قلت: ويحتمل أن الاستثناء إنما جاء فيها باعتبار النقص الذي في السنين، فتكون السنة أطلقت وأريد بها المعظم، فالاستثناء لم يرد على العدد، وإنما ورد على المعدود وهو السنين.
والثاني: وهو المشهور، الجواز.
والثالث: إن كان المستثنى عقدا من العقود لم يجز نحو عشرين إلا عشرة وإن لم تكن عقدا أجاز، نحو: مائة إلا ثلاثة وممن حكى هذه الثلاثة الشيخ أبو حيان في (شرح التسهيل)، ولبعض الأصوليين مذهب رابع: لا يجوز أن يستثنى الأكثر ولا يجوز استثناء عقد تام بالنسبة إلى المستثنى فلا يجوز له عشرة إلا واحدا، ويجوز إلا نصف واحد آخر من الواحد ولا يجوز له على مائة إلا عشرة، ويجوز إلا تسعة ولا يجوز على ألف إلا مائة ويجوز إلا تسعة وتسعين وهذه المذاهب كلها تنفع في الأقارير فأما الطلاق فمحصور في الثلاث وإنما يجيء الخلاف السابق في استثناء الأكثر أولا.
تنبيه: ذكر المصنف في شرح المختصر أن القاضي حسين والمتولي وافقا ابن عصفور في المنع، حيث قالا: لو قال لنسوته الأربع: أربعتكن طوالق إلا ثلاثة، لا يصح، لأنه نص وليس كما قال فإنهما صرحا بجواز الاستثناء من العدد مع
تقديم الاستثناء كقوله: أربعتكن إلا ثلاثة طوالق، وإنما منعناه مع التأخير.
وكذا حكاه عنهما الرافعي وليس مدركهما في ذلك ما توهمه المصنف، وإلا لمنعناه مطلقا ولجاء هنا قول بالتفصيل بين التقديم والتأخير ولا أثر لذلك، وإنما مدركهما أن الحكم في صورة التقديم وقع بعد الإخراج، فلا يلزمه التناقض بخلاف الصورة السابقة.
(ص) والاستثناء من النفي إثبات وبالعكس خلافا لأبي حنيفة.
(ش) الاستثناء من النفي إثبات عندنا، لأن الاستثناء ضد المستثني منه وهو مذهب نحاة البصرة، وقال أبو حنيفة ليس بإثبات بل هو مسكوت عنه فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فالقوم محكوم عليهم بالقيام، وزيد محكوم عليه بعدم القيام وعنده مسكوت عنه غير محكوم عليه بشيء واختاره الإمام في (المعالم) والحق مذهب الجمهور، لأن قولنا: لا إله إلا الله توحيد وإثبات للإله، فلو لم يكن
المستثنى من النفي مثبتا لم يكن لا إله إلا الله توحيدا، والحنفية يقولون: إنما استفيد الحكم بالتوحيد من القرائن، فإن ظاهر حال كل متلفظ بها أنه إنما يقصد بها التوحيد لا التعطيل وأما العكس وهو الاستثناء من الإثبات نفي نحو قام القوم إلا زيدا فهو نفي القيام عن زيد ونقل جماعة منهم الإمام في (المعالم): الاتفاق، وليس كذلك، بل الخلاف جار فيه كما قاله الهندي وغيره، ولهذا أجرى المصنف الخلاف في الحالين وقدم ما الخلاف فيه (محقق، وآخر ما الخلاف) مشكوك فيه ليبين أنه يخالف فيهما جميعا، وهذا من محاسنه فإنه لو عكس كالمنهاج والمختصر لتوهم أن قوله: خلافا لأبي حنيفة - مقصور على الثاني ومراده شمول الأمرين.
تنبيهان:
الأول: حاصل مذهب الجمهور: أن الاستثناء دال على نقيض ما تقدم من النفي أو الإثبات من جهة دلالة العقل على أن النقيضين لا ثالث لهما، فلو كان لهما ثالث لم يكن أن يتعين النفي ولا الثبوت بل أمكن أن يقال الواقع هو القسم الثالث.
الثاني: أن الخلاف يقوى في غير الاستثناء المفرغ، أما المفرغ (107ب) فيقوى أنه إثبات قطعا، فإذا قلت: ما قام إلا زيد، فليس معك شيء تثبت له القيام فيكون فاعلا به إلا زيد، فهو متعين ضرورة للإثبات بخلاف قولك: ما قام أحد إلا زيد ويحتمل أن يقال: كمل الكلام قبل الاستثناء وصار هذا فضلة فأمكن ألا يكون محكوما عليه بشيء لقول الحنفية.
(ص)(والمتعددة إن تعاطفت فللأول وإلا فكل لما يليه ما لم يستغرقه)
(ش) الاستثناءات المتعددة إما أن يكون بعضها معطوفا على بعض أو لا، فإن كان الأول عاد الكل إلى الأول المستثنى منه، نحو قوله: علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين، فإن الكل يرجع إلى الأول، فلا يلزم المقر إلا واحدا لأن الاستثناء يجب أن يتعقب المستثنى منه ولا يجوز فصلة عنه، فإذا عطف بعضه على بعض صار
كالجملة الواحدة، وإلا لم يصح أن يكون استثناء ووجهه بعض أصحابنا بأنه عطف على المنفى فيكون نفيا.
وإن لم يكن بعضها معطوفا على بعض، فإما أن يكون استثناء الثاني مستغرقا للأول، أو لا، فإن كان مستغرقا إما بالتساوي نحو: له عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة.
وإما بالزيادة نحو عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة - فإنها لا تبطل، بل تعود جميعها إلى المستثنى منه حملا للكلام على الصحة كذا قاله في (المحصول) و (المنهاج) وهو في الزائد صحيح وفي المساوي معارض بأن الثاني يكون توكيدا لما قاله الرافعي في الإقرار وإن لم يكن الثاني مستغرقا عاد الثاني إلى الأول، نحو: عشرة إلا ثمانية إلا سبعة فيلزمه تسعة كذا قطعوا به، لكن ذكر الرافعي في الطلاق في كلامه على الاستثناء من النفي إثبات، لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، أنه يقع ثنتان وقال الحناطي: يحتمل أن يعود الاستثناء الثاني إلى أول اللفظ.
قال في (الروضة): والصواب الأول.
فائدتان: الأولى هذه المسألة مفرعة على جواز الاستثناء من الاستثناء وهو الصحيح كقوله تعالى: {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته} .
قال الروياني: ومن أهل اللغة من ينكر ذلك. ويقول: العامل في الاستثناء الفعل الأول بتقوية حرف الاستثناء والعامل الواحد لا يعمل في معمولين، ويقول في الآية: إن الاستثناء الثاني من قوله (أجمعين) وغيره يجوز ذلك، وبقول العامل (إلا) الثانية لا يقال: سكت الأصوليون عن عكس هذه المسألة وهي أن يتعدد المستثنى منه، ويتحد المستثنى، لأنا نقول هي مسألة الاستثناء عقب الجمل وسنذكرها.
(ص) والوارد بعد جمل متعاطفة للكل وقيل: إن سبق الكل لغرض وقيل: إن عطف بالواو، وقال أبو حنيفة والإمام: للأخيرة، وقيل: مشترك، وقيل بالوقف.
(ش) الاستثناء الواقع عقب جمل، عطف بعضها على بعض كقوله
تعالى: {والذين يرمون المحصنات} الآية، اختلفوا فيه فعندنا يعود إلى الجميع ما لم يقم دليل على إرادة البعض، لأن الأصل اشتراك المتعاطفين في جميع المتعلقات كالحال والشرط، وتكون الجمل معطوفا بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة، هذا هو المشهور عند الشافعي وأصحابه.
وكان ابن الرفعة يتوقف في نسبة ذلك إليه، لأن ابن الصباغ نقل عن نص البويطي، إذا قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعا وقعت ثلاث قال ابن الصباغ: وهذا إنما هو، لأنه أوقع جملتين، واستثنى إحداهما بجملتها، فلم يقع لأن الاستثناء يرجع إلى الأخيرة من الجملتين. انتهى.
وجوابه أن شرط العود للجميع إمكان (108هـ) عوده إلى كل واحدة منهما وهو منتف هنا فلهذا خص بالأخيرة. وذكر المصنف في (شرح المختصر) في الجواب عن مثل هذا السؤال تخصيص المسألة بغير العدد وليس كما قال.
ثم القائلون بعوده إلى الجميع منهم من شرط فيه أن يساق الكلام لغرض واحد كأكرم بني تميم واخلع عليهم، فإن الغرض التعظيم فيهما، فإن اختلفا عاد إلى
الأخيرة وهي قول أبي الحسين. ومنهم من شرط كون العطف بالواو وهذا ما نقله الرافعي في كتاب الوقف عن إمام الحرمين بعد أن ذكر أن أصحابنا أطلقوا العطف، فقال: رأى الإمام تقييده بأمرين:
أحدهما: أن يكون العطف بالواو الجامعة، فإن كان ثم، اختص بالأخيرة والثاني: ألا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، وعليه جرى الآمدى وابن الحاجب والصواب أن (الفاء) و (ثم) و (حتى) كالواو، وقد صرح الغزالي في باب الوقف من (البسيط) بأن كل حرف يقتضي الترتيب كذلك، وصرح القاضي في (التقريب) بالفاء وغيرها، وذهب أبو حنيفة إلى عوده للأخيرة لأن الجملة الأولى قد استقرت من غير استثناء لأنه إذا تخلل بين المستثنى والمستثنى منه كلام استقر، ولم يجز أن يرجع إليه، واختاره الإمام في (المعالم) وقال
المرتضى: مشترك لأنه جاء لهما وعن القاضي والغزالي الوقف بمعنى عدم العلم بمدلوله في اللغة فلا يدرى ما حكمه.
سؤال كان القاضي جلال الدين القزويني رحمه الله تعالى يقول: إن عود الاستثناء إلى الجميع يلزم منه توارد عوامل على معمول واحد. وجوابه أن من
يجعل العامل هو (إلا) - ومنهم ابن مالك - لا يرد عليه ذلك، ومن يجعل العامل غيرها، له أن يقول: إنه قد حذف من المتقدم لدلالة المتأخر ثم إن توارد العوامل على معمول واحد فيه خلاف، وقد ذكروا في باب النعت، إذا قلت: جاءني زيد وأتى عمرو العاقلان فابن مالك وجماعة يجوزون ذلك من غير قطع، وغيرهم يمنعه ويقدره مقطوعا على تقديره مبتدأ.
(ص) والوارد بعد مفردات أولى بالكل.
(ش) صور الأصوليون المسألة بالوارد بعد الجمل، والظاهر أنه جرى على الغالب، فإن الوارد بعد المفردات أولى بعوده إلى الكل لعدم استقلالها، ولهذا اقتضى كلام الجماعة، الاتفاق في المفردات، وجعل الرافعي قوله: عمرة وحفصة طالقتان إن شاء الله تعالى - من باب الاستثناء عقب الجمل.
(ص) أما القران بين الجملتين لفظا فلا يقتضي التسوية في غير المذكور حكما، خلافا لأبي يوسف والمزني.
(ش) القران بين الشيئين (في اللفظ في حكم) لا يقتضي التسوية بينهما في غيره من الأحكام ولهذا يعطف الواجب على المندوب، كقوله تعالى:{كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} وقال أبو يوسف من الحنفية والمزني منا:
يقتضي التسوية لأن العطف يقتضي الشركة، كقوله تعالى:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} يقتضي أن لا تجب الزكاة على الصبي كالصلاة للاشتراك في العطف وهو ضعيف، فإن الأصل ألا يشترك المعطوف والمعطوف عليه إلا في المذكور، فإن اشتركا في غيره فلدليل خارج لا أنه من نفس العاطف وقد أجمعوا على أنه لو كان عمومان وخص أحدهما لم يلزم منه تخصيص الآخر، وهنا أمور:
أحدها: أن المصنف وغيره أطلقوا الخلاف في هذه المسألة والذي في كتب الحنفية التفصيل بين الجمل الناقصة فالقران فيها موجب القران في الحكم بخلاف الجمل التامة ومثلوا الأول بقوله تعالى (108ب){فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا} . لأن حكم الجملتين لما لم يختلف كانتا كالجملة الواحدة، والإشهاد في المفارقة غير واجب، فكذا في الرجعة، ومثلوا الثاني بقوله:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فإن كل واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها لم يلحقها ما ينافي
استقلالها فلا يقتضي ثبوت الحكم في إحداهما ثبوته في الأخرى.
الثاني: أن ما ذكره في تفسير القران مخالف لتفسير الجدليين، فإنهم قالوا: صورته أن يجمع بين شيئين في الأمر أو في النهي، ثم يبين حكم أحدهما، فيستدل بالقران على ثبوت ذلك الحكم للآخر، ومثلوه بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل)).
فقرن البول فيه بالاغتسال ثم البول فيه يفسده، فكذا الاغتسال وهذا غير مرضي عند المحققين لاحتمال أن يكون النهي عن الاغتسال فيه لمعنى غير المعنى الذي منع من البول فيه لأجله، ولعل المعنى في النهي عن الاغتسال فيه أنه لا يرفع جنابة كما هو مذهب المصري.
الثالث: لا يخفى وجه مناسبة ذكر هذه المسألة هنا، وغيره ذكرها في باب الأدلة المختلف فيها، وهو السبب، وذكرها صاحب (البديع) في المفاهيم.
(ص) الثاني: الشرط وهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
(ش) أي سواء الشرط العقلي كالحياة مع العلم، والشرعي كالإحصان مع الرجم، والعادي كالسلم مع الصعود فإن هذه الشروط يلزم من عدمها العدم في
الشروط، ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم، فقد يوجد المشروط عند وجودها، كوجوب الزكاة عند الحول الذي هو شرط وقد يفارق الدين فيمنع الوجوب فإن قيل: هذا التعريف صادق على السبب المعين (قيل: السبب المعين) لا يلزم من انتفائه من حيث هو سبب انتفاء الممكن، بل هو مع ضميمة كونه معينا، وكونه معينا إشارة إلى عدم غيره. لا أي شيء في نفسه، وبهذه الزيادة يتضح الفرق بين الشرط والسبب المعين، واعلم أن هذا التعريف قال القرافي: إنه أجود الحدود، فالقيد الأول احتراز من المانع، فإنه لا يلزم من عدمه شيء، والثاني من السبب، فإنه يلزم من وجوده الوجود، والثالث من مقارنة الشرط وجود السبب، فيلزم الوجود كالحول مع النصاب، لا يستلزم المانع فيلزم العدم، ولكن ذلك ليس لذاته، بل لوجود السبب والمانع وكذلك احترز به من الشرط الآخر فإنه إذا جعل المشروط لا لذاته بل لضرورة كونه أخيرا مثاله الحياة شرط للعلم والعقل شرط للعلم والاشتغال شرط للعلم، فإذا اشتغل وحصل لم يحصل العلم إلا بالمجموع هذا اصطلاح الأصوليين قال ابن الرفعة: الشرط في اصطلاح الفقهاء ما يلزم من انتفائه انتفاء الشيء الذي جعل شرطا فيه مع أنه ليس بمقوم له فعدمه حينئذ علامة على النفي واحترزوا بقولهم: ليس بمقوم له عن الركن فإنه يلزم من نفيه النفي، لكنه مقوم له، بمعنى أنه داخل في مسماه، ولا يتصور ركن إلا للمركب والشرط يتصور للمركب والبسيط.
(ص) وهو كالاستثناء اتصالا، وأولى بالعود إلى الكل على الأصح.
(ش) يجب اتصال الشرط بالكلام بالاتفاق وكلام المصنف قد يوهم أنه
يجري فيه خلاف الاستثناء ولا يعرف ذلك وإذا ورد بعد جمل، نحو: أكرم ربيعة وأعط مضرا، إن نزلوا بك فعلى (109أ) الخلاف في أنه للكل أو للأخيرة أو الوقف وأولى بعوده إلى الكل ولهذا قال في (المحصول) إن أبا حنيفة وافقنا على عوده للكل وفرق بين الاستثناء والشرط، بأن الشرط له صدر الكلام، وهو مقدم تقديرا لكن نقل في (المحصول) في الكلام عن التخصيص بالشرط عن بعض الأدباء أن الشرط يختص بالجملة الأخيرة، فإن تقدم اختص بالأولى، وإن تأخر اختص بالثانية ثم قال: والمختار الوقف كما في الاستثناء قلت: ولا يبعد مجيء توقف القاضي هنا أيضا.
(ص) ويجوز إخراج الأكثر به وفاقا.
(ش) اتفقوا - كما قاله في (المحصول) - على أنه يجوز تقييد الكلام بشرط يكون الخارج به أكثر من الباقي ولا يأتي فيه الأقوال الثلاثة التي في الاستثناء فلو
قال: أكرم بني زيد إن كانوا علماء وكان الجهال أكثر، جاز وفاقا قال الصفي الهندي: وهذا يجب تنزيله على ما علم أنه كذلك، وأما ما يجهل الحال فيه، فإنه يجوز أن يقيد ولو بشرط لا يبقى من مدلولاته شيء، كقولك: أكرم من يدخل الدار إن أكرمك، وإن اتفق أن أحدا منهم لم يكرمه ولك أن تقول: سبق من المصنف حكاية الخلاف في نذر الباقي بعد التخصيص في كل مخصص فما وجه إعادته في الشرط؟ وكيف يحسن بعد الاتفاق على إخراج الأكثر؟ وهناك قول، أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام. والممكن في جوابه حمل إطلاقه هنا على ما إذا كان الباقي بعد الإخراج غير محصور ليوافق ما سبق، وإنما أعاده لينبه على أنه ليس كالاستثناء في مجيء الخلاف.
(ص) الثالث: الصفة كالاستثناء في العود ولو تقدمت، أما المتوسطة فالمختار اختصاصها بما وليته.
(ش) من المخصصات المتصلة: الصفة، نحو: أكرم بني تميم الطوال وهي
كالاستثناء في العود على متعدد، وهل يعود إلى الكل أو يختص بالأخيرة، كما قاله في المختصر وغيره ولو تقدمت أي: الصفة المتقدمة كالمتأخرة في عود الخلاف، والأصح عودها على الجميع، كما لو قال وقفت على محتاجي أولادي وأولادهم فتشترط الحاجة في أولاد الأولاد.
قال الرافعي: وأطلق الأصحاب ذلك، ورأى الإمام تقييده بالقيدين السابقين في الاستثناء.
أما المتوسطة مثل أولادي المحتاجين وأولادهم، فقال المصنف: لا نعلم فيها نقلا، ويظهر اختصاصها بما وليته ويدل له ما
نقله الرافعي في الأيمان عن ابن كج أنه لو قال: عبدي حر إن شاء الله وامرأتي طالق، نوى صرف الاستثناء إليهما، فمفهومه أنه إذا لم ينو لا يحمل الاستثناء عليهما، وإذا كان هذا في الشرط، الذي له صدر الكلام، وقال بعوده إلى الجميع بعض من لا يقول بعود الاستثناء والصفة، فلأن يكون في الصفة بطريق أولى.
فائدة: قال الروياني: الفرق بين غير إذا كانت استثناء وبينها إذا كانت صفة أنها إذا كانت صفة لم توجب شيئا للاسم الذي بعدها ولم تنف عنه. (جاءني رجل غير زيد فوصفت بها ولم تنف عن زيد المجيء ويجوز أن يقع مجيئه وألا يقع، وإن كانت استثناء فإن كان ما قبلها إيجابا فما بعدها نفي، أو نفيا فإيجاب وإذا كانت صفة وصف بها الواحد والجمع وإذا كانت استثناء فلا يأتي إلا بعد جمع، أو ما هو في معنى الجمع، قال الشلوبين: إذا كانت صفة لم توجب شيئا لغير الاسم الذي بعدها ولم تنف عنه) وفيه نظر وفي كلام سيبويه ما يقتضي خلافه.
(ص) الرابع: الغاية كالاستثناء في العود، والمراد غاية تقدمها عموم يشملها أو لم تأت مثل {حتى يعطوا الجزية} أما مثل {حتى مطلع الفجر} فلتحقيق
العموم وكذا قطعت أصابعه من الخنصر إلى البنصر.
(ش) الغاية هي نهاية الشيء ومنقطعه، وحكم ما بعدها خلاف ما قبلها أي ليس داخلا فيه، بل محكوما عليه بنقيض حكمه، لأن ذلك الحكم لو كان ثابتا فيه أيضا، لم يكن الحكم منتهيا فلا تكون الغاية غاية، وهو محال (109ب) هذا مذهب الشافعي - رحمه الله تعالى - والجمهور. وقيل: يدخل فيما قبله وقيل: يدخل إن كان من الجنس، وقيل: إن لم يكن معه (من) دخل وإن كان معه فلا وهى كالاستثناء في العود على المتعدد، كقوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي إلى أن يستغنوا.
والمصنف تابع ابن الحاجب في إلحاقها بالاستثناء في العود على المتعدد وليس المراد التخصيص فإنها كـ (هو) في الاتصال أيضا، وقد أطلق الأصوليون أن الغاية من جملة المخصصات.
قال الشيخ الإمام السبكي: وهذا إنما (هو) في إذا تقدمها عموم يشملها، لو لم يأت بها، كقوله تعالى:{حتى يعطوا الجزية} فلولا هذه الغاية لقاتلناهم أعطوا الجزية أم لم يعطوها أما مثل قوله {حتى مطلق الفجر} فإن الغاية فيها لتأكيد العموم لا للتخصيص، فإن طلوعه وزمن طلوعه ليسا من الليل حتى يشملها قوله:{سلام هي} قلت: كذا مثل به وفيه نظر، لأن الليلة ليست بعامة إلا أن يريد مثل هذا إذا وردت في صيغة عموم، ولا فرق بين تخصيص العام وتقييد المطلق، ثم قال: فإطلاقهم الخلاف في انتهاء الغاية، هل يدخل؟ لا بد أن يستثنى منه شيئان:
أحدهما: الغاية التي لو سكت عنها لم يدل عليها اللفظ، كطلوع الفجر في قوله:{حتى مطلع الفجر} وكقوله: {حتى يطهرن} فإن حالة الطهر لا يشملها اسم الحيض.
ثانيهما: ما يكون اللفظ الأول شاملا لهما، كقولك: قطعت أصابعه كلها من الخنصر إلى الإبهام فإنه لو اقتصر على قوله: قطعت أصابعه كلها، لأفاد الاستغراق فكان قوله: من الخنصر إلى الإبهام - توكيدا، وكذا قرأت من القرآن من فاتحة الكتاب
إلى خاتمته وهي في الحقيقة راجع إلى الأول وأن القصد بها تحقيق العموم واستغراقه لا تخصيصه وإن افترقا في أن الذي حصل غاية في الثاني طرف المغيا، وفي الأول ما بعده ففي هذين الموضعين الغاية لا خلاف فيها بل هي في الأول خارجة قطعا، وفي الثانية داخلة قطعا.
فائدة: لو قال: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار، لم تدخل الجدران في البيع، ولو قال: له علي من درهم إلى عشرة لم يدخل العاشر على الأصح والفرق مشكل.
(ص) الخامس: بدل البعض من الكل، ولم يذكره الأكثرون، وصوبهم الشيخ الإمام.
(ش) مثاله: أكرم الناس العلماء، وهذا زاده ابن الحاجب ولم يذكره الجمهور وقد أنكره عليه الأصفهاني شارح المحصول، والصفي الهندي في الرسالة السيفية، وكذا الشيخ الإمام، لأن المبدل منه في نية الطرح فلم يتحقق.
فيه معنى الإخراج والتخصيص لا بد فيه من الإخراج على ما تقدم تعريفه، ألا ترى أن قوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} تقديره: لله حج البيت على من استطاع إليه سبيلا وأيضا لو لم يكن البدل مستغنى به في التقدير، لم يكن لتسميته بدلا معنى، لأن حق البدل ألا يجتمع مع المبدل منه فإذا اجتمعا فلا أقل من تقدير عدم اجتماعهما وفاء بمقتضى التسوية، وأيضا فلأن كلامنا في العام المخصوص لا في المراد به الخصوص.
(ص) القسم الثاني: المنفصل، يجوز التخصيص بالحس والعقل خلافا لشذوذ ومنع الشافعي تسميته تخصيصا وهو لفظي.
(ش) المنفصل: هو ما استقل بنفسه ولم يحتج في ثبوته إلى ذكر لفظ العام معه (110أ) بخلاف المتصل وهو ثلاثة: الحس، والعقل والدليل السمعي
فمثال التخصيص بالحس - والمراد به الواقع بالمشاهدة - قوله تعالى {وأوتيت من كل شيء} وإنما كان هذا تخصيصا بالحس، لأنها لم تؤت السماوات والأرض ولا ملك سليمان، ومثال التخصيص بدليل العقل ضروريا كان أو نظريا، فالأول كقوله تعالى:{خالق كل شيء} وإنما كان هذا تخصيصا بالعقل، لقيام الدليل الدال على خروج الذات والصفات العلية، والثاني كتخصيص {ولله على الناس حج البيت من استطاع} لغير الطفل والمجنون، لعدم فهمهما الخطاب وخالف بعض الناشئة - كما قال إمام الحرمين - في التخصيص بالعقل وهذا هو ظاهر
كلام الشافعي رضي الله عنه، في (الرسالة) وحكاه جمع من أصحابنا خلافا محققا ورده المصنف إلى الخلاف في التسمية واختاره القرافي قال: لأن خروج هذه الأمور من هذا العموم لا ينازع فيه مسلم غير أنه لا يسمى بالتخصيص إلا ما كان باللفظ أما بقاء العموم على عمومه فلا يقوله أحد ويشهد له قول الأستاذ أبي منصور: أجمعوا على صحة دلالة العقل على خروج شيء عن حكم العموم، واختلفوا في تسميته تخصيصا وذهب جماعة إلى أن الخلاف معنوي، لأن العام المخصوص بدليل العقل - على قول من يجوز تخصيصه به ويجري فيه الخلاف السابق في أنه حقيقة فيه أو مجاز وعلى قول من لا يجوز تخصيصه به - فلا، بل هو عندهم حقيقة بلا خلاف كذا قاله الصفي الهندي: قلت: أو يكون عنده من باب العام المراد به الخصوص، لا من باب
العام المخصوص فيجيء فيه الكلام السابق في كونه حقيقة أو مجازا وجعل أبو الخطاب - من الحنابلة - مأخذ الخلاف التحسين والتقبيح العقلي فإن صح ذلك كانت هذه فائدة ثانية.
وقوله: (خلافا لشذوذ) هو عائد إلى ما يليه، وهو: العقل فإن التخصيص بالحس لا نعلم فيه خلافا، نعم ينبغي أن يطرقه خلاف من المنكرين لإسناد العلم إلى الحواس، لأنها عرضة الآفات والتخيلات واعلم أن الإمام في أول (البرهان) حكى خلافا في تقديم العقل على الحس فقال: ومما خاضوا فيه تقديم ما يدرك بالحواس على ما يدرك بالعقل، وهو اختيار شيخنا أبي الحسن، وقدم القلانسي من أصحابنا: المعقولات بالأدلة النظرية على المحسوسات من حيث إن العقل مرجع المقولات ومحلها ومرجع المحسوسات إلى الحواس وهي عرضة الآفات. انتهى. وينبغي جريان مثل هذا الخلاف هنا، إذا تعارض اللفظ بين أن يكون مخصوصا بالعقل أو بالحس، أيهما يخصص به ولم يتعرضوا لذلك.
(ص) والأصح جواز تخصيص الكتاب به، والسنة بها وبالكتاب والكتاب بالمتواتر.
(ش) فيها أربع صور:
أحدها: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب خلافا لبعض الظاهرية لنا:
وقوعه قال الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وهذا عام في أولات الأحمال وغيرهن وقد خص {أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}
الثانية: يجوز تخصيص السنة المتواترة بها خلافا لداود وطائفة حيث
قالوا: يتعارضان لا ينبي أحدهما على الآخر، حكاه الشيخ أبو حامد، وقال القرافي: وتصوير هذه المسألة في السنتين المتواترتين (110ب) في زمننا عسير لفقد المتواتر، حتى قال بعض الفقهاء: ليس في السنة متواتر، إلا حديث:((إنما الأعمال بالنيات)) قلت: إنما تواتر من أحد الطرفين، ولو مثل بحديث:((من كذب علي متعمدا)). لكان أقرب، قال: وإنما تصور هذه المسألة في عصر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فإن الأحاديث كانت في زمنهم متواترة لقرب العهد بالمروي عنه، وشدة القيام بالرواية وشمل إطلاق المصنف تخصيص الآحاد منها بمثلها، ودليله الوقوع ما في حديث: ((لا زكاة فيما دون خمسة
أوسق)). فتخصص بقوله: ((فيما سقت السماء العشر)).
الثالثة: يجوز تخصيص السنة متواترة كانت أو آحادا بالكتاب، خلافا لبعض أصحابنا، واختاره القفال الشاشي في كتابه فقال: متى وردت السنة عامة،
وفي الكتاب ما يخرج بعض ذلك عن حكم السنة، وعلم أنه لا نسخ فيهما - فالسنة مرتبة على الكتاب وتكون الآية مبينة للسنة، على معنى أن الكتاب لما ورد بما ورد به منه وكانت السنة غير منسوخة تبين بذلك أن السنة إنما أطلق القول فيها مطابقا لما في الآية ومرتبا عليها، انتهى. وحاصله أنه يجعل السنة عاما أريد به الخصوص، لا عاما مخصوصا، ولا يرجع الخلاف إلى اللفظ.
الرابعة: يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة قال الآمدي: لا أعلم فيه خلافا وصرح الهندي فيه بالإجماع ومنهم من حكى خلافا في السنة الفعلية.
(ص) وكذا بخبر الواحد عند الجمهور، وثالثها: إن خص بقاطع وعندي عكسه، وقال الكرخي: بمنفصل، وتوقف القاضي.
(ش) فيه صورتان:
إحداهما: يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إذ لا بد من إعمال الخاص، وإلا لزم إبطاله مطلقا، وحكاه ابن الحاجب عن الأئمة الأربعة لكن الحنفية ينكرونه.
الثاني: المنع مطلقا، ونقله ابن برهان عن طائفة من المتكلمين.
الثالث: قاله عيسى بن أبان: إنه لا يجوز في العام الذي لم يخصص، ويجوز
فيما خصص لأن دلالته تضعف، وشرط أن يكون الذي خص به دليلا قطعيا.
الرابع: عكسه، يعني إن خص بقاطع لم يتطرق إليه التخصيص بالآحاد، وإلا فجائز أن يقدم على تخصيصه بالآحاد، وهذا الاحتمال من تفقه المصنف ولم يقل به أحد، ووجهه فيما لم يخص بقاطع أنه يخص بالآحاد لأن غالب العمومات مخصصة، حتى قيل: ما من عام يقبل التخصيص إلا وقد خص، وقيل: لا يعمل بالعام حتى يبحث عن الخاص فيما لم يظهر تخصيص العام يكتفى بالعموم لاعتضادها بالغالب والظاهر أن العام مخصوص فيقدم على تخصيصه) (بها وهذا الخلاف فيما إذا كان العام قد خص بقاطع فإن لم يبق غالب ولا ظاهر فكيف يقدم على تخصيصه) ثانيا بالظن؟ وبهذا فارق العام النسخ، فإن الخاص غالب على العام وليس النسخ غالبا على الأحكام، بل الغالب غير منسوخ.
والخامس: إن خص قبله بدليل منفصل جاز، وإن لم يخص أو كان بمتصل لم يجز، قاله الكرخي، وشبهته أن تخصيصه بمنفصل يصيره مجازا كما هو رأيه وإذا كان مجازا ضعف فيسلط عليه التخصيص.
والسادس: الوقف، قيل: بمعنى لا أدري، وقيل: بمعنى أنه يقع التعارض في ذلك القدر الذي دل العموم على إثباته والخصوص على نفيه، فتوقف عن العمل وهذا ظاهر كلام القاضي في (التقريب).
تنبيه: هذا الخلاف موضعه في خبر الواحد الذي لم يجمعوا على العمل به، فإن أجمعوا عليه كقوله (111أ)(لا ميراث لقاتل).
و (لا وصية لوارث) ونهيه عن الجمع بين المرأة وعمتها فيجوز تخصيص العموم به بلا خلاف، لأن هذه الأخبار بمنزلة المتواتر لانعقاد الإجماع على حكمها وإن لم ينعقد على روايتها، نبه عليه ابن السمعاني.
(ص) وبالقياس خلافا للإمام: مطلقا، والجبائي: إن كان خفيا (ولابن أبان: إن لم يخص مطلقا) ولقوم: إن لم يكن أصله مخصصا من العموم، وللكرخي: إن لم يخص بمنفصل، وتوقف أما الحرمين.
(ش) الثانية: في جواز تخصيص العموم من الكتاب والسنة بالقياس أي بقياس نص خاص كما قاله الغزالي فيه مذاهب: أحدها: الجواز مطلقا وبه قالت الأئمة الأربعة وغيرهم.
والثاني: المنع مطلقا، واختاره الإمام في المعالم لكنه في المحصول اختار الجواز واستدل لترجيحه فيكون له في المسألة رأيان فلا يصح الجزم عنه بأحدهما إلا إذا علم المتأخر.
والثالث: يجوز تخصيصها بالقياس الجلي دون الخفي، وهو رأي ابن سريج.
قال القفال: ولا معنى له إذا حقق، لأن العمل بها يلزمه، فمن جوز التخصيص بأحدهما جوز التخصيص بالآخر، ونقله المصنف عن الجبائي والمعروف عن الجبائي المنع وتقدم العام على القياس مطلقا.
والرابع: أنه إن كان ذلك الأصل المقيس عليه مخرجا من ذلك العموم بنص جاز وإلا فلا.
والخامس: إن تطرق إليهما التخصيص جاز وإلا فلا قاله الكرخي.
والسادس: الوقف في القدر الذي تعارضا فيه والرجوع إلى دليل آخر سواهما وهو قول القاضي، وإمام الحرمين في كتبه الأصولية، لكنه في مسألة بيع اللحم بالحيوان من (النهاية) قال: يخص الظاهر بالقياس الجلي إذا كان التأويل لا ينبو عن النص، بشرط أن يكون القياس صدر من غير الأصل الذي ورد فيه الظاهر فإن لم يتجه قياس من غير مورد الظاهر لم تجز إزالة الظاهر- يعني مستنبط منه يتضمن تخصيصه وقصره على بعض المسميات.
وفي المسألة مذهب سابع: وهو أن يرجح أحدهما بغلبة الظن بحسب القوة
والضعف فتارة يكون العموم أرجح، لظهور قصد العموم فيه، ويكون القياس المعارض قياس سنة مثلا، فمثل هذا لا يشكك في تقديم العموم عليه، وتارة يكون بالعكس فإن تعارضا، فالوقف وهذا هو اختيار الغزالي وغيره من المحققين، وقال ابن دقيق العيد: إنه مذهب جيد.
تنبيه: هذا الخلاف فيما إذا كان العام من الكتاب والسنة متواترا فإن كان خبر واحد جرى الخلاف في الترتيب وأولى بالجواز من ذلك، ومن ذلك تخرج طريقة قاطعة هنا بالجواز، وكلام القرافي يشير إلى تصوير القياس بما إذا كان أصله ثابتا بالتواتر فإن كان ثابتا بأخبار الآحاد كان المنع من التخصيص به أقوى، لضعف أصله.
(ص) وبالفحوى.
(ش) أي بمفهوم الموافقة ومقتضى كلام المصنف وغيره الاتفاق فيه وبه
صرح في (شرح المختصر) وهو ظاهر إذا قلنا: دلالته لفظية، فإن جعلناها قياسية فيتجه أن يكون على الخلاف في المسألة قبلها، وأولى هنا بالتخصيص لما قيل فيه، إنه من قبيل اللفظ، والظاهر أنه يجوز قطعا، وإن قلنا: دلالته معنوية، لأنه أقوى دلالة من المنطوق على ثبوت الحكم، إذ الحكم فيه أولى بالثبوت، ونفيه مع ثبوت حكم المنطوق يعود نقصا على الفرض في الأكثر، بخلاف نفي الحكم عن بعض المنطوق وإثباته في البعض.
تنبيه يستفاد من عطف المصنف (111ب) هذه المسألة على ما سبق أن الفحوى ليست من باب القياس لكنه في باب المفهوم، نقل عن الشافعي رضي الله عنه، أنها قياسية، وقيل: لفظية وقيل: كونها قياسا مجيء الخلاف في التخصيص بالقياس.
(ص) وكذا دليل الخطاب في الأرجح
(ش): أي مفهوم المخالفة ووجه التخصيص به أن دلالته خاصة، فلو قدم العموم عليه عمل بالعموم فيما عدا المفهوم، والعمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما، مثاله قول النبي صلى الله عليه وسلم:((الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه))
رواه ابن ماجه بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا)). وكما في المتعة فإن مفهوم قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} يقتضي أنه لا متعة للممسوسة وقوله تعالى: {وللمطلقات متاع} يقتضي إيجاب المتعة للممسوسة وللشافعي رضي الله عنه، في إيجاب المتعة لها قولان، وهو يؤيد كلام ابن السمعاني في (القواطع) فإنه يقتضي أن الخلاف قولان للشافعي رضي الله عنه، قال: وأظهرهما الجواز، واختار غيره المنع لأنه أضعف دلالة من المنطوق لا محالة، فكان التخصيص به تقديما للأضعف على الأقوى، وهو غير جائز، والخلاف إذا قلنا: إنه حجة، فإن قلنا: ليس بحجة، امتنع قطعا.
(ص) وبفعله عليه السلام.
(ش) إذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ عام في تحريم، ثم فعل بعضه - كان ذلك تخصيصا للفظ العام، إلا أن اختصاصه بما فعل خلافا للكرخي قال ابن
السمعاني: ولذلك لم يخص النهي عن استقبال القبلة وباستدباره في التخلي باستدبراه صلى الله عليه وسلم بالمدينة الكعبة، وقد خصت الصحابة قوله عليه الصلاة والسلام في الجمع بين الجلد والرجم، بفعله في رجم ماعز والغامدية من غير جلد، هكذا
ذكر الأصحاب وعندي أن هذا بالنسخ أشبه.
وقال بعضهم: صورة المسألة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داخلا تحت ذلك العموم كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بعد العصر)) ثم صح عنه الصلاة بعده، فتبين بهذا الفعل أنه مخصص من ذلك العموم، فأما إذا لم يتناول خطابه إلا أمته فقط مثل:((لا تواصلوا)) ثم وجدناه يواصل فلا يكون ذلك تخصيصا له بل خصوصا به إذا لم يتناوله ذلك العموم إلا أن يقوم دليل بمساواته لأمته في ذلك الحكم.
(ص) وتقريره في الأصح.
(ش) تقريره صلى الله عليه وسلم واحدا من أمته على خلاف مقتضى العموم - تخصيص لذلك العموم في حق ذلك الواحد، وأما في حق غيره فإن تبين في ذلك الواحد معنى حمل عليه كل من شاركه في تلك العلة، وإن لم يتبين، فالمختار عند ابن الحاجب أنه لا يتعدى إلى غيره، وخالفه المصنف في شرحه واختار التعميم وإن لم يظهر المعنى، ما لم يظهر ما يقتضي التخصيص ثم إن استوعبت الأفراد كلها فهو نسخ وإلا فتخصيص.
تنبيه: لم يذكر المصنف التخصيص بالإجماع مع أنه مذكور في (المختصر) و (المنهاج) لأن التخصيص في الحقيقة بدليل الإجماع لا بنفس الإجماع وكان في أصل المصنف هنا: والأصح: أن مخالفة الأمة تتضمن ناسخا، ثم ضرب عليه، وألحقه بباب النسخ، وسنذكره هناك إن شاء الله تعالى.
وكان قياسه هنا أن يقول: إن عمل الأمة في بعض أفراد العام بما يخالفه (112أ) يتضمن تخصيصا.
(ص) وإن عطف العام على الخاص ورجوع الضمير إلى البعض ومذهب الراوي ولو صحابيا وذكر بعض أفراد العام، لا يخصص.
(ش) فيه صور:
أحدها: عطف العام على الخاص لا يوجب تخصيص العام كقوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} فكان هذا للمطلقات ثم قال: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} .
وهو عام في المطلقات، والمتوفى عنهن فلا يكون هذا العطف تخصيصا للعام كما لا يكون عطف الخاص على العام يوجب تخصيص العام، واعلم: أن هذه المسألة قل من ذكرها وقد وجدتها في كتاب أبي بكر القفال الشاشي في الأصول ومثلها بآية الطلاق الكريمة، أما عطف الخاص على العام، فلا يوجب تخصيص العام عندنا خلافا للحنفية، وقد سبقت في قوله صلى الله عليه وسلم:((لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهد)) ويمكن أن يجري هذا الخلاف في مسألة الكتاب، لأن المأخذ اشتراك المتعاطفين في الأحكام.
الثانية: إذا ذكر عاما ثم عقبه بضمير يختص ببعض ما تناوله - لم يوجب ذلك تخصيص العام.
خلافا لإمام الحرمين كقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ثم قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} فإن ذلك يختص بالرجعيات فلا يوجب تخصيص التربص بهن بل يعم البائن والرجعية.
الثالث: مذهب الراوي سواء الصحابي وغيره لا يخصص العموم الذي رواه خلافا للحنفية.
والحنابلة وقال بعضهم: يخص مطلقا وإن كان غير صحابي، لأن المجتهد المتبحر في الأدلة يجوز أن يطلع على حديث. يدل على قرائن تدله على تخصيص ذلك العام، كما في الصحابي وبعضهم: إن كان الراوي صحابيا.
ولنا أن العموم حجة ومذهب الصحابي ليس بحجة فلا يجوز تخصيصه به، وإذا ثبت هذا في الصحابي فغيره أولى للاتفاق على أن قوله ليس بحجة والتخصيص بغير دليل لا يجوز، واعلم: أن ما صور به المصنف المسألة هو الصحيح، وبه صرح إمام الحرمين، لكن شرط كون الراوي من الأئمة ولم يذكر المصنف هذا القيد استغناء بقوله:(مذهب) وجعل الآمدي وابن الحاجب موضوعها في الصحابي يعمل بخلاف العام سواء كان هو الراوي للعام أم لا، لا في راوي الخبر مطلقا، وقصره
القرافي على مخالفة الصحابي إذا كان راويا للعام، والأول أولى، فإن القائلين بأن مذهب الصحابي حجة، يخصون العموم به على خلاف فيه، وإن لم يكن راويا، ولهذا جعلها سليم الرازي في (التقريب) مسألتين:
إحداهما: التخصيص بقول الصحابي وخص الخلاف فيه بما إذا لم يعلم انتشاره وإن انتشر وانقرض العصر كان التخصيص به لأنه إما إجماع أو حجة.
الثانية: أنه يروي الصحابي خبراً عاما ثم يصرفه إلى الخصوص، فلا يحمل عليه على القول المزيد خلافا لأبي حنيفة، ومثل الماوردي المسألة بحديث (الولوغ) فإن أبا هريرة روى السبع، وأفتى بالثلاث، وبحديث:(من بدل دينه فاقتلوه) فإن ابن عباس رواه، وأفتى بأن المرتدة لا تقتل وهذا الثاني أحسن، لأن الأول ليس من باب العموم، فإن قيل: قد خص الشافعي تحريم الاحتكار بالأقوات، لأن حديث:(من احتكر فهو خاطئ) رواه سعيد بن المسيب وكان يحتكر الزيت فقيل له: فقال: إن معمرا
راوي الحديث كان يحتكر. رواه مسلم قلنا: من هنا خرج بعضهم (112ب) قولا للشافعي رضي الله عنه، أن مذهب الراوى يخصص العموم، لكن المعروف عنه: المنع، وكأنه استنبط من النص معنى يخصصه، ورأى العلة الاضرار، فخصه بالأقوات وعضد ذلك بمذهب الصحابي.
الرابعة: إذا حكم على العام بحكم، ثم أفرد منه فردا وحكم عليه، بذلك الحكم بعينه، فلا يكون ذلك تخصيصا للعام أي حكما على باقي أفراده بنقيض ذلك مثال قوله:(أيما إهاب دبغ فقد طهر) مع قوله صلى الله عليه وسلم
في شاة ميمونة: ((هلا أخذتم إهابها فدبغتموه)).
وقال أبو ثور: التعبير بذلك الفرد يدل بمفهومه على التخصيص وهذا ضعيف لأنه مفهوم لقب، و (الشاة) لقب وقد ينازع في هذا لأن الشاة لم تقع في لفظ الشارع وليس هذا من أبي ثور قولا بمفهوم اللقب كما توهم بعضهم، لأنه لا يعرف عنه القول به ولكنه يجعل ورود الخاص بعد تقدم العام قرينة في أن المراد بذلك العام هذا الخاص، ويجعل العام كالمطلق والخاص كالمقيد، وحينئذ فهو عنده من باب العام الذي أريد به الخصوص، لا من باب العام المخصوص فتفطن لذلك، ثم لا يخفى أن صورة المسألة إذا كان الخاص موافقا لحكم العام، فإن كان له مفهوم يخالفه كالصفة فهي مسألة تخصيص العموم بالمفهوم وقد سبقت
(ص) وإن العادة بترك بعض المأمور تخصص إن أقرها النبي صلى الله عليه وسلم أو الإجماع وأن العام لا يقصر على المعتاد ولا على ما وراءه بل تطرح له العادة السابقة.
(ش) التخصيص بالعادة مما اختلف فيه نقل الإمام الرازي والآمدي وأتباعهما فذكر الإمام أن العادة تخصص، وعكس الآمدي وابن الحاجب فمن الناس من أجراه على ظاهره، ومنهم من حاول الجمع بينهما ظانا تواردهما على محل واحد والصواب أن للمسألة صورتين:
إحداهما: وهي التي تكلم فيها صاحب (المحصول) وأتباعه، أن يوجب النبي صلى الله عليه وسلم أو يحرم شيئا بلفظ عام، ثم يرى من بعد العادة جارية بترك بعضها أو بفعله، فالمختار كما قال في (المحصول): إنه إن علم جريان العادة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع عدم منعه منها فتخصيص والمخصوص في الحقيقة تقريره وإن علم عدم جريانها لم يخص إلا أن يجمع عليه فيصح ويكون المخصص هو الإجماع لا العادة، وإن جهل فاحتمالان.
الثانية: وهي التي تكلم فيها الآمدي وابن الحاجب، أن تكون العادة جارية على ورود العام بفعل معين كأكل طعام معين مثلا، ثم إنه عليه السلام ينهاهم عنه بلفظ يتناوله، كما لو قال: حرمت الربا في الطعام فهل يكون النهي مقتصرا على ذلك الطعام فقط أو يجري على عمومه ولا تأثير للعادة فيه؟ والحق الثاني وعندهم: إن الذي جرت به العادة مرادا قطعا، وإنما الخلاف في أن غيره هل هو مراد معه؟ وقال ابن دقيق العيد: الصواب التفصيل بين العادة الراجعة إلى الفعل وإلى القول فما رجع إلى الفعل يمكن أن يرجح فيه العموم على العادة مثل أن يحرم بيع
الطعام بالطعام، وتكون العادة بيع البر، فلا يخص عموم اللفظ بهذه العادة الفعلية.
وأما ما يرجع إلى القول فمثل أن يكون أهل العرف اعتادوا تخصيص اللفظ ببعض موارده اعتيادا يسبق الذهن فيه إلى ذلك الخاص، فإذا أطلق اللفظ العام فيقوى (113أ) تنزيله على الخاص المعتاد، لأن الظاهر أنه إنما يدل باللفظ على ما ساغ استعماله فيه، لأنه المتبادر إلى الذهن.
(ص) وإن نحو: (قضى بالشفعة للجار) لا يعم، وفاقا للأكثر.
(ش) لأن ما ذكره ليس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بل حكاية فعله، ويحتمل أن يكون قضاؤه لجار كان بصفة يختص بها، وقد يتأيد بقول الشافعي رضي الله عنه، وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال وخالف ابن الحاجب: فاختار أنه يعم الجار مطلقا، وإنما ذكره الآمدي بحثا فأقامه ابن الحاجب مذهبا وارتضاه وقال: وقال الشيخ في (شرح العنوان): اختار بعض الفقهاء عموم نحو: (قضى بالشفعة للجار) على عدالة الصحابي، ومعرفته باللغة، ومواقع
اللفظ، مع وجوب أن تكون الرواية على وفق السماع من غير زيادة ولا نقصان، ومنهم من قال: لا يعم، لأن الحجة في المحكي، ولا عموم للمحكي، والحق التفصيل: فإن كان المحي فعلا لو شوهد لم يجز حمله على العموم، فلذلك وجه وإن كان فعلا لو حكي لكان دالا على العموم، فعبارة الصحابي عنه يجب أن تكون مطابقة للقول لما تقدم من معرفته وعدالته.
تنبيهان:
الأول: قد يتخيل أن هذه المسألة مكررة مع قوله في باب العموم: (أن الفعل المثبت ليس بعام) وليس كذلك، ولهذا أطلق ابن الحاجب أن الفعل المثبت ليس بعام في أقسامه ثم ذكر (قضى بالشفعة للجار) واختار أنه يعم، والفرق أن الفعل لا صيغة له حتى يتمسك بعمومه، بخلاف القضاء والأمر والنهي، فإنه لا يصدر إلا عن صيغة وقد يفهم الراوي منها العموم فيرويه على ذلك.
الثاني: أن هذا لا يختص بـ (قضى) بل يجري في نحو نهى عن بيع الغرر ونكاح الشغار.
وأمر بقتل الكلاب كما قاله الغزالي وخالفه غيره، وقطع هنا بالتعميم لأن (أمر) و (نهى) عبارة عن أنه وقع منه خطاب بالتكليف، ولما لم يذكر مأمورا ولا منهيا علم أن المخاطب به الكل.
(ص) مسألة: جواب السائل غير المستقل دونه تابع للسؤال في عمومه، والمستقل الأخص جائز إذا أمكنت معرفة المكسوت والمساوي واضح.
(ش) لا إشكال في دعوى العموم فيما يذكره الشارع من الصيغ السابقة ابتداء أما ما ذكره جوابا لسؤال سائل فلا يخلو إما أن يستقل بنفسه بدون السؤال أولا. فإن لم يستقل بحيث لا يصح الابتداء به فهو على حسب السؤال، إن كان عاما فهو عام.
وإن كان خاصا فهو خاص حتى كأن السؤال معاد فيه، مثل أن يسأل: هل يتوضأ بماء البحر فيقول: نعم، ولا خلاف فيه وإن استقل بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ لكان يفيد العموم، فهو على ثلاثة أقسام إما أن يكون أخص من السؤال أو مساويا أو أعم.
والأول: الأخص، مثل قولك من جامع في نهار رمضان فعليه ما على المظاهر في جواب السؤال: من أفطر في نهار رمضان، وهذا الجواب إنما يجوز بثلاثة شرائط:
أحدها: أن يكون فيما خرج من الجواب تنبيه على ما لا يخرج منه، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وثانيها: أن يكون (السائل من أهل الاجتهاد، وإلا لم يفد التنبيه)
وثالثها: أن لا يفوت وقت العمل بسبب اشتغال) السائل بالاجتهاد لئلا
يلزم التكليف بما لا يطاق، والأولان يمكن فهمهما من قول المصنف إذا أمكنت معرفة المسكوت (113ب) وسكت عن حكمه في العموم والخصوص، وهو كحكم السؤال في ذلك، لكن لا يسمى عاما، وإن كان السؤال عاما، لأن الحكم في غير محل التنصيص غير مستفاد من اللفظ بل من التنبيه، قاله الصفي الهندي.
والثاني: المساوي أن يكون الجواب مساويا للسؤال، وهو إما في العموم كما لو سئل عمن أفطر في نهار رمضان فعليه ما على المظاهر؟ وإما في الخصوص كما لو قلت: ماذا يجب علي؟ وقد أفطرت في رمضان؟ فقيل: يجب عليك كفارة الظهار وحكمه ظاهر، وحكي في (المستصفى) هنا عن الشافعي حمله على العموم وأنه المراد بقوله: ترك الاستفصال مع تعارض الاحتمال يدل على عموم الحكم، ومثله بقول القائل: أفطر زيد في نهار رمضان فقال: يعتق رقبة، أو طلق ابن عمر زوجته وهي حائض فقال:(ليراجعها).
(ص) والعام على سبب خاص معتبر عمومه عند الأكثر.
(ش) ورود العموم على سبب خاص لا يقدح في عمومه، فيتناول السبب وغيره، لأن العدول عن الخاص الذي هو السبب إلى محل العام دليل على إرادة العموم وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه، كما قاله القاضي أبو الطيب
والماوردي وغيرهما، وحكاه القاضي عبد الوهاب عن الحنفية وأكثر الشافعية والمالكية واحتج له الماوردي في كتاب (اللغات) بأمرين:
أحدهما: أن السبب قد كان موجودا ولا حكم، ثم ورد اللفظ فتعلق به الحكم، فكان اعتبار ما وجد الحكم بوجوده أولى من اعتبار ما لم يوجد الحكم بوجوده.
والثاني: أن تخصيص العموم إنما يقع بما ينافي اللفظ، ولا يقع بما يوافقه والسبب موافق فلم يجز أن يكون مخصصا وعن المزني والقفال: أنه يقتصر على ما خرج عليه السبب.
وقال إمام الحرمين: إنه الذي صح عنده من مذهب الشافعي رضي الله عنه، وقد أنكر الإمام فخر الدين في المناقب ذلك. وقال: معاذ الله أن يصح هذا النقل عنه كيف، وكثير من الآيات نزلت في أسباب خاصة، ثم لم يقل الشافعي رضي الله عنه، بقصرها على تلك الأسباب وفي المسألة مذهب ثالث: إن كان الشارع ذكر السبب في الحكم اقتضى تخصيصه به، وإن لم يكن السبب إلا في كلام السائل فالجواب على عمومه، حكاه ابن القطان في كتابه عن ابن أبي هريرة.
تنبيه: لا فرق في هذا القسم بين أن يكون السبب سؤالا أم لا، ولهذا صرح المصنف بذكر السبب وقطعه عما قبله.
(ص) فإن كانت قرينة التعميم فأجدر.
(ش) محل الخلاف حيث لا قرينة تدل على قصره على السبب أو تعميم، فإن كانت قرينة تقتضي التعميم فأجدر بالتعميم مثال التعميم قوله تعالى:{والسارق والسارقة} والسبب رجل سرق رداء صفوان فالإتيان بالسارقة معه قرينة
تدل على الاقتصار على المعهود، ومثال القرينة القاصرة له على السبب تخصيص الشافعي رضي الله عنه نهيه عن قتل النساء والصبيان بالحربيات لخروجه على سبب وهو أنه صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة في بعض غزواته فقال:((لم قتلت وهي لا تقاتل)). ونهي عن قتل النساء والصبيان فعلم أنه أراد به الحربيات، ويخلص بذلك عن استدلال أبي حنيفة على امتناع قتل المرتدة، فلم يعمل الشافعي رضي الله عنه بعموم هذا الخبر وقصره على سببه مع أن العبرة عنده (114أ) بعموم اللفظ، لكن لما عارضه قوله:((من بدل دينه فاقتلوه)) ولم يكن بد من تخصيص أحدهما بالآخر، فوجب تخصيص الوارد على سبب وحمل الآخر على عمومه، لأن السبب من أمارات التخصيص قال الماوردي في (الحاوي): ومن هنا قال ابن دقيق العيد: ينبغي أن يفرق بين سبب لا يقتضي السياق التخصيص به، وبين سبب يقتضي السياق والقرائن التخصيص به، فإن كان من الباقي فالواجب اعتبار ما دل عليه السياق والقرائن. إذ به يتبين مقصود الكلام وبه يرشد إلى بيان المجملات وتمييز المجملات وفهم مأخذ الخطاب.
(ص) وصورة السبب قطعية الدخول عند الأكثر فلا تخص بالاجتهاد وقال الشيخ الإمام: ظنية، قال: ويقرب منها خاص في القرآن، تلاه في الرسم عام للمناسبة.
(ش) العام إذا ورد على سبب، فصورة السبب هل هي قطعية الدخول حتى لا يجوز تخصيصها بالاجتهاد، بخلاف ما زاد عليه، فإنه يجوز تخصيصه به، أو كغيرها من الأفراد فالجمهور على الأول وربما ادعى فيه الإجماع، لأن العام يدل عليه بطريقين وعن أبي حنيفة الثاني، وأنه يجوز إخراج السبب عن العموم استنباطا من مصيره إلى أن الولد يلحق بالفراش في الحرة دون الأمة، وإن كان حديث ابن زمعة إنما ورد في الأمة
والحق أن السبب لا يكون قرينة في القطع بالدخول، وهذا لا يجوز أن يصير اللفظ نصا صريحا في بعض مسمياته لقرينة خارجية تتصل به (بالنسبة إليه وهو صار نصا فيه لقرينة الورود فيه لا من حيث الوضع، ودلالة العام إما أن تتحد) بالنسبة إلى مسمياته من حيث الوضع لا غير فلا منافاة بين كونه نصا صريحا في محل الورود وبين كونه عاما هذا ما ذهب إليه الشيخ الإمام، فقال: القطع بالدخول ينبغي أن يكون محله إذا دلت قرائن حالية أو مقالية على ذلك، أو على اللفظ العام يشمله بطريق الوضع لا محالة، وإلا فقد ينازع الخصم دخوله وضعا تحت اللفظ العام ويدعي أنه يقصد المتكلم بالعام إخراج السبب، وبيان أنه ليس بداخل في الحكم فإن للحنفية أن يقولوا في حديث عبد بن زمعة: أن قوله صلى الله عليه وسلم ((الولد للفراش)).
وإن ورد في الأمة فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد، وبيان حكمه إما بالثبوت وإما الانتفاء فإذا ثبت أن الفراش هي الزوجة، لأنها الذي يتخذ لها الفراش غالبا، وقال: الولد للفراش، كان فيه حصر أن الولد للحرة ومقتضى ذلك لا يكون للأمة، فكان فيه بيان الحكمين جميعا، نفي السبب عن المسبب وإثباته لغيره، ولا يليق دعوى القطع والمقطوع به أنه لا بد من بيان حكم السبب، أما كونه بقطع دخوله في ذلك أو بخروجه عنه فلا يدل على تعيين واحد منهما، قال: وجميع ما تقدم في السبب وبقية الأفراد التي دل اللفظ العام بالوضع عليها وبين ذينك الشيئين رتبة متوسطة، فيقول: قد تنزل الآيات على الأسباب الخاصة، وتوضع كل واحدة منها ما يناسبها من الآية رعاية لنظم القرآن وحسن اتساقه فذلك الذي وضعت معه الآية النازلة على سبب خاص للمناسبة، إذا كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل في ذلك اللفظ
العام، أو كان من جملة الأفراد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام فدلالة اللفظ عليه يحتمل أن يقال: إنه كالسبب فلا يخرج ويكون مرادا من الآية قطعا ويحتمل أن يقال إنه لا ينتهى في القوة إلى (114ب) ذلك لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة لشبهه به والحق أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد مثاله: قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فإن مناسبتها لما قبلها وهو قوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} إن ذلك إشارة إلى كعب بن الأشرف كان قدم مكة وشاهد قتلى بدر، وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم فسألوه من هو أهدى سبيلا، فقال: أنتم، كذبا منه وضلالة.
فتلك الآية في حقه وحق من شاركه في تلك المقالة وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وقد أخذت عليهم المواثيق أن لا يكتموا ذلك وأن ينصروه وكان ذلك أمانة لازمة فلم يؤدوها وخانوا فيها وذلك يناسب الأمر بأداء الأمانة.
تنبيه: لا ينبغي ذكر هذه المسألة في العام المخصوص عند من اعتبر السبب لأنه من العام الذي أريد به الخصوص، وقد سبق الفرق بينهما.
(ص) مسألة: إن تأخر الخاص عن العمل نسخ العام وإلا خصص، وقيل: إن تقارنا تعارضا في قدر الخاص كالنصين وقالت الحنفية وإمام الحرمين: العام المتأخر ناسخ فإن جهل فالوقف أو التساقط.
(ش) هذه المسألة في بقاء العام على الخاص إذا وجد نصان متنافيان أحدهما عام والآخر خاص، فإما أن يعلم تاريخهما أولا فإن علم (فإما أن يعلم) تأخر أحدهما على الآخر أو تقاربهما، فإن علم المتأخر فإما أن يتأخر عن وقت العمل أم لا، فهذه أقسام:
الأول: أن يكون الخاص متأخرا عن وقت العمل بالعام، فهنهنا يكون الخاص
ناسخا لذلك القدر الذي تناوله العام بلا خلاف، ولا يمكن حمله على التخصيص لأن تأخر بيانه عن وقت العمل ممتنع، وقول المصنف نسخ العام أي الفرد الذي تناوله العام وإلا فلا خلاف أنه يعمل بالعام في بقية الأفراد في المستقبل.
الثاني: أن يتأخر عن وقت الخطاب بالعام دون وقت العمل به، فمن منع تأخير بيان التخصيص كالمعتزلة أحال المسألة ومن جوز اختلفوا والأكثرون أن الخاص يكون مخصصا للعام، لأنه وإن جاز أن يكون ناسخا لذلك القدر منه لكن التخصيص أقل مفسدة، وعن الحنفية أن الخاص إذا تأخر عن العام بحيث يتخلل بينهما زمان يتمكن المكلف به من العمل أو الاعتقاد لمقتضي العام، كان الخاص ناسخا.
الثالث: أن يتأخر العام عن وقت العمل بالخاص فههنا ينبنى العام على الخاص عندنا، وذهب بعض الحنفية إلى أن العام المتأخر ناسخ للخاص المتقدم.
الرابع: أن يتأخر العام عن وقت الخطاب بالخاص، لكنه قبل وقت العمل به فكالذي قبله وإن علم مقارنتهما، فإما أن يكون الخاص مقارنا للعام نحو:((فيما سقت السماء العشر)). ثم يقول عقيبه: ((لا زكاة فيما دون خمسة أوسق)) فالخاص يخصص العام، وأما إن كان العام مقارنا للخاص نحو:((لا زكاة فيما دون خمسة أوسق)) ثم يقول عقيبه: (فيما سقت السماء العشر) فكذلك ((وحكى في المحصول قولا))
أنهما يتعارضان في القدر الذي تناوله الخاص وعزاه ابن السمعاني للقاضي أبي بكر وهو ينفي نقل الشيخ أبي حامد وغيره الإجماع على تقدم الخاص، وأما إذا لم يعلم تاريخهما، فعندنا ينبني العام على الخاص وعند أبي حنيفة يتوقف (115أ) إلى ظهور التاريخ أو الترجيح، أو يرجع إلى غيرهما، وإلى هذه الأقسام كلها أشار المصنف بقوله:،إلا خصص أي يقضى بالخاص على العام، تأخر العام وتقدم الخاص أو عكسه، أو تقارنا وعلم المتقدم أو تقارنا وجهل.
ولما كان خلاف التعارض عند المقارنة غريبا صرح به، وقوله:(فإن جهل) من تمام قول الحنفية فتفطن له، وابن الحاجب اقتصر على حكاية التساقط عنهم، وصاحب البديع على الوقف، فلهذا جمع المصنف بينهما وهما متقاربان زاد في البديع ويؤخر المحرم احتياطا.
(ص) وإن كان كل عاما من وجه، فالترجيح وقالت الحنفية: المتأخر ناسخ.
(ش) إذا تعارض خطابان، أحدهما خاص ومن وجه عام من وجه والآخر خاص، من وجه عام من وجه وتنافيا في الحكم الذي ابتنى عليهما، فيصار إلى الترجيح
ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)). مع نهيه عن قتل النساء فإن الأول خاص في المرتدين عام في النساء والرجال والثاني خاص في النساء عام في الحربيات والمرتدات.
قال الشيخ تقي الدين في (شرح الإلمام): وكان مرادهم الترجيح العام الذي لا يخص مدلول العموم كالترجيح بكثرة الرواة وسائر الأمور الخارجية عن مدلول العموم من حيث هو، وفيما قاله نظر، فإن صاحب (المعتمد) حكى عن بعضهم في هذه المسألة، أن أحدهما إذا دخله تخصيص مجمع عليه فهو أولى بالتخصيص، وكذا إذا كان أحدهما مقصودا بالعموم فإنه يرجح على ما كان عمومه اتفاقا وعلم من إطلاق المصنف أنه لا فرق في هذا القسم بين أن يعلم تقدم أحدهما على الآخر أو مقارنتهما وهو كذلك، وما حكاه عن الحنفية من أن المتأخر هو الناسخ فهو قياس ما سبق عنهم في التي قبلها لكن لم أجده صريحا في هذه المسألة.
(ص) المطلق والمقيد، المطلق الدال على الماهية بلا قيد، وزعم الآمدي وابن الحاجب دلالته على الوحدة الشائعة توهماه النكرة، ومن ثم قالا: الأمر بمطلق الماهية أمر يجزئي وليس بشيء وقيل: بكل جزئي، وقيل: إذن فيه.
(ش) المراد بالدال على الماهية بلا قيد، من حيث هي، من غير اعتبار عارض
من عوارضها كقولنا الرجل خير من المرأة، فخرج بقوله: بلا قيد المعرفة والنكرة أما المعرفة فلأنها تدل على الحقيقة مع وحدة معينة كزيد، وأما النكرة فلأنها تدل عليها مع وحدة معينة كرجل، وظهر بهذا الفرق بين المطلق والنكرة، وقيل: لا فرق بينهما وبه صرح الآمدي فقال: المطلق (فعبارة عن النكرة) في سياق الإثبات وتابعه ابن الحاجب، فقال: المطلق ما دل على شائع في جنسه، وقوله:(شائع) أي لا يكون متعينا، بحيث يمتنع صدقه على كثيرين، وقوله: في جنسه، أي له أفراد تماثله وهذا يتناول الدال على الماهية من حيث هي، والدال على واحد غير معين، وهو النكرة؛ لأنها أيضا لفظ دال على شائع في جنسه وقول المصنف: توهماه النكرة، ممنوع بل تحققاه وما صنعاه خير مما صنعه المصنف، ولا شك أن مفهوم الماهية بلا قيد ومفهومها مع قيد الوحدة، متغايران.
لا يخفى على ابن الحاجب ولا غيره ولكن الأصوليون لم يفرقوا بينهما، لأنه لا فرق بينهما في تعلق التكليف بهما، فإن التكليف لا يتعلق إلا بالموجود في الخارج والمطلق الموجود في الخارج هو (115ب)
واحد غير معين في الخارج، لأن المطلق لا يوجد في الخارج إلا في ضمن الآحاد ووجوده في ضمنه هو صيرورته عينه بانضمام مشخصاته إليه، فيكون المطلق الموجود واحدا غير معين، وذلك هو مفهوم النكرة والأصولي إنما يتكلم فيما يقع به التكليف فلهذا فسره بالمعين وأما الاعتبارات العقلية كما فعله المصنف فلا تكليف بها، إذ لا وجود لها في الخارج، لأن المكلف به يجب إيقاعه والإتيان بما لا يقبل الوجود في الخارج لا يمكن فلا تكليف به، ولهذا ذكر صاحب (البديع) من الحنفية، المطلق كما ذكره ابن الحاجب مع قوله: فيما بعد أن الحق تفسير المطلق (بالماهية من حيث هي والحاصل أن الماهية من حيث هي لا يمكن أن توجد في الخارج إلا في ضمن الجزئيات) فعند ورود الأمر بها يكون المطلوب بها جزئيا من جزئياتها، لأنها نص مطلوبة بالقصد الأول، فورود الأمر بها لدلالتها عليها بالمطابقة وتصير قيدا من القيود الموجبة لجزئيتها مقصودا بالقصد الثاني لتوقف وجودها عليه، فيؤول الأمر إلى أن يكون المطلوب بها جزئيا من جزئياتها فيؤول الأمر باللفظ الدال على الماهية عند استعماله في التكليف إلى الدلالة على جزئي وهو النكرة فلا فرق بينهما في التكاليف، فلهذا صح تسمية كل منهما بالمطلق، وتفسير المطلق بكل واحد منهما.
وقوله: (ومن ثم) أي ولأجل هذا التأصيل قال الآمدي وابن الحاجب: إن الأمر بمطلق الماهية أمر بجزئي من جزئيات الماهية، لا بالكلي المشترك، فإذا قيل أمرت من غير تعيين فالمطلوب الفعل الجزئي الممكن المطابق للماهية الكلية المشتركة لأن الماهية هي المطلوبة لأن الماهية الكلية يستحيل وجودها في الأعيان فلا تطلب.
قال المصنف: وليس بشيء يعني لأنا نفرق بين الماهية بشرط شيء
وبشرط لا شيء وبلا شرط، وإذا قرنت بينها علمت أن المطلوب الماهية من حيث هي لا بقيد الجزئية ولا بقيد الكلية، ولا يلزم من عدم اعتبار أحدهما اعتبار الآخر، ثم إن ذلك غير مستحيل بل موجود في الجزئيات، وذهب الإمام فخر الدين إلى أنه أمر بالماهية المشتركة بين الأفراد لا بجزئي معين وهو ما حكاه أبو المناقب الزنجاني عن مذهب الشافعي رضي الله عنه، وأن الأول مذهب أبي حنيفة، والحق أن الماهية من حيث هي لا تستلزم التعدد ولا الوحدة بل هي صالحة لأن يعرضها كل واحد منهما، ووجه ما أشار إليه المصنف من بناء هذه المسألة على هذا الأصل، أن من قال إن الأمر بمطلق الماهية أمر بواحد من جزئياته فالمطلق عنده عبارة عن ((جزئي ممكن مطابق الماهية لا عين)) الماهية من حيث هي، واشتمالها في الأصول لكونها هي المرادة منه، وقوله: إذن فيه إشارة إلى احتمال أبداه الصفي الهندي في القياس في الكلام على حجيته بقوله تعالى: {فاعتبروا} حيث اعترض الخصم بأن الدال على الكلي لا يدل على الجزئي، فلا يلزم الأمر بالقياس الذي هو جزئي للكلي الذي هو مطلق الاعتبار قال الهندي: ويمكن أن يجاب بأن الآمر بالماهية الكلية، وإن لم يقتض الأمر بجزئياتها، لكن يقتضي تخيير المكلف في الإتيان بكل
واحد من تلك الجزئيات بدلا عن الآخر (116أ) عند عدم القرينة المعينة لواحد منها أو لجميعها ثم التخيير بينهما يقتضي جواز فعل كل واحد منها.
(ص) مسألة: المطلق والمقيد كالعام والخاص (وزيادة) أنهما إن اتحد حكمهما وموجبهما، وكانا مثبتين، وتأخر المقيد عن وقت العمل بالمطلق، فهو ناسخ وإلا حمل المطلق عليه، وقيل: المقيد ناسخ إن تأخر، وقيل: يحمل المقيد على المطلق.
(ش) ما سبق في مسائل الخاص والعام من متفق عليه ومختلف فيه، يجري في المطلق والمقيد، ويزيد مسألة في حمل المطلق على المقيد فلا يخلو إما أن يختلف حكمهما أو لا، فإن لم يختلف حكمهما فلا يخلوان، إما أن يتحد موجبهما أي سببها أو لا، فإن اتحد موجبهما، فلا يخلوان إما أن يكونا مثبتين أو منفيين أو أحدهما مثبتا والآخر منفيا.
القسم الأول: أن يكونا مثبتين بأن يذكر الرقبة مطلقة في كفارة القتل وتقيد بالإيمان في كفارة القتل أيضا، فإن تأخر المقيد عن وقت العمل بالمطلق فهو ناسخ، وإن لم يتأخر المقيد ففيه ثلاثة مذاهب: أصحها: حمل المطلق على المقيد جمعا بين الدليلين ويكون المقيد بيانا للمطلق، أي يكون المراد بالمطلق المقيد، لا نسخا له، سواء تقدم المطلق أو تأخر.
والثاني: أن يحمل المطلق على المقيد، ويكون المقيد ناسخا للمطلق إن تأخر المقيد.
والثالث: أن يحمل المقيد على المطلق سواء تقدم أو تأخر وحاصله أنهما مسألتان: حمل المطلق على المقيد وفيه قولان: والثانية: إذا قلنا: يحمل فهو بيان أو نسخ قولان والأصح الأول، واعلم أن جماعة نقلوا الاتفاق في هذا القسم على حمل المطلق على المقيد منهم القاضي أبو بكر، وليس الأمر كذلك، وذكر ابن السمعاني في (القواطع): أن الحنفية اتفقوا على أنه لا يحمل إذا اختلف السبب واختلفوا إذا اتفق السبب. فقال بعضهم: يحمل المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده كما إذا اختلف السبب ومنهم من قال: بحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة انتهى وذكر الطرطوشي من المالكية: أن أصحابه اختلفوا في حمل المطلق على المقيد مع اتحاد السبب والحكم كإطلاق المسح في قوله: (يمسح المسافر ثلاثة أيام) وتقييده بقوله: (إذا تطهر فلبس).
(ص) وإن كانا منفيين فقائل المفهوم يقيده به وهو خاص وعام.
(ش) القسم الثاني: أن يكونا منفيين نحو، لا تعتق مكاتبا ولا تعتق مكاتبا كافرا، فمن يخصص بالمفهوم لا بد أن يقيد المكاتب بمفهوم قوله مكاتبا كافرا، وهو من باب تخصيص العام لكونه في سياق النفي لا تقييد المطلق، وأما من لا يقول بالمفهوم فلا يعتق المكاتب أصلا، ويعمل بمقتضى الإطلاق، ولا يخصه بالنهي
المقيد، لأنه بعض ما دخل تحته، هذا حاصل مراد المصنف، وفيه تنبيه على أن جعل ابن الحاجب لهذا من باب المطلق والمقيد معترض. وكلام ابن دقيق العيد يخالفه فإنه قال في قوله صلى الله عليه وسلم:((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) أنه يقتضي تقييد النهي بحالة البول ووردت رواية أخرى في النهي عن مسه باليمين مطلقا من غير تقييد بحالة البول، فمن الناس من أخذ بهذا المطلق وقد يسبق إلى الفهم أن العام محمول على الخاص، فيخص النهي بهذه الحالة وفيه بحث، لأن هذا يتجه في باب الأمر والإثبات، فأما لو جعلنا الحكم للمطلق أو للعام، في صورة الإطلاق أو العموم كان فيه (116ب) إخلال باللفظ الدال على طلب القيد وذلك غير جائز، وأما في باب النهي فإنا إذا جعلنا الحكم للمقيد، أخللنا بمقتضى اللفظ المطلق مع تناول النهي له وذلك غير سائغ، وهذا كله بعد النظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم.
(ص) وإن كان أحدهما أمرا والآخر نهيا، فالمطلق مقيد بضد الصفة.
(ش) الثالث: أن يكون أحدهما مثبتا والآخر منفيا مثل: إن ظاهرت فاعتق رقبة ويقول: لا تملك رقبة كافرة، فإنه تقييد المطلق بنفي الكفر، لاستحالة إعتاق الرقبة الكافرة مع عدم تملكها، والحمل هنا ضروري لذلك، لا من أجل أن المطلق فيها محمول على المقيد
ولهذا قال المصنف، فالمطلق مقيد بضد الصفة.
(ص) وإن اختلف السبب فقال أبو حنيفة: لا يحمل، وقيل: يحمل لفظا، وقال الشافعي رضي الله عنه: قياسا.
(ش) ما سبق جميعه عند اتحاد السبب، فإن اختلف كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار وتقييدها بالإيمان في القتل، فهي محل الخلاف.
فقال أبو حنيفة: لا يحمل عليه أصلا، وإلا يلزم رفع ما اقتضاه المطلق بأي صورة كانت فيكون نسخا، والقياس لا يكون ناسخا وذهب المعظم إلى أنه يحمل المطلق على المقيد ثم اختلفوا هل يحمل بموجب اللفظ، ولا يتوقف على جامع أو لا بد من دليل من قياس
أو غيره، كما يجوز تخصيص العموم بالقياس وغيره. والأول هو الذي عليه جمهور أصحابنا وقال الماوردي والروياني في باب القضاء: إنه ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه، وأما المصنف فتابع فيه الآمدي في نسبة الثاني إلى الشافعي رضي الله عنه والأقرب الأول، فإن أصحاب الشافعي رضي الله عنه أعرف بمذهبه.
وقد قال سليم الرازي في (التقريب): إنه ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه وظهر أن في حكاية كلام المصنف لهذا المذهب أمرين:
أحدهما: ما ذكرناه.
وثانيهما: تخصيصه الحمل بالقياس وهو فيه متابع لابن الحاجب مع أن القائل بأنه لا يحمل بنفس اللفظ، يقول: لا بد من دليل إما قياس أو غيره على ما سبق ولا يخصه بالقياس.
(ص) وإن اتحد الموجب واختلف حكمهما فعلى الخلاف.
(ش) كذا قاله القاضي أبو بكر في كتابه المسمى (المحصول) ومثله بآية الوضوء، فإنه قيد فيها غسل اليدين إلى المرفقين، وأطلق في التيمم الأيدي والسبب واحد وهو الحدث، وابن الحاجب قال: إن اختلف حكمهما مثل: اكس ثوبا،
وأطعم طعاما نفيسا فلا يحمل أحدهما على الآخر بوجه اتفاقا أي سواء اتحد السبب أو اختلف، وقال المصنف وأومأ غيره إلى المخالفة: فقال ينبغي أن يكون الثوب نفيسا كالطعام، ويشهد لجريان الخلاف وهو ما ذكره الباجي في الفصول وغيره، اختلاف قولي الشافعي وإن القاتل إذا لم يقدر على الصيام هل يجب عليه الإطعام حملا لكفارة القتل على كفارة الظهار، كما قيدنا الرقبة المطلقة بالإيمان حملا لها على الآية المقيدة، والأصح المنع، لأن آية القتل لم تتعرض إلا للإعتاق والصيام. فلا يلحق بهما خصلة ثالثة وإنما اعتبرنا الإيمان، لأن الرقبة مذكورة في الآيتين، وإن أطلقت في إحداهما وأما الإطعام فمسكوت عنه من أصله والمسكوت لا يحمل على المذكور.
(ص) والمقيد بمتنافيين يستغنى عنهما إن لم يكن أولى بأحدهما قياسا.
(ش) ما سبق جميعه فيما إذا قيد في موضع وأطلق في موضع، فأما إذا أطلق في موضع، ثم قيد في موضعين بقيدين (117أ) متنافيين، فمن قال بالحمل لفظا، قال: يبقى المطلق على إطلاقه، إذ ليس التقييد بأحدهما أولى.
ومن قال بالحمل قياسا حمله على ما حمله عليه أولى، فإن لم يكن قياسا رجع إلى أصل الإطلاق، وبهذا يندفع اعتراض الحنفية، حيث قالوا: لم قلتم لا يشترط التتابع في قضاء رمضان مع كونه ورد مطلقا في {فعدة من أيام أخر} ولم يحملوه على القتل ولا على صوم الظهار وكذا صوم كفارة اليمين لم يحملوه على الصوم في كفارة القتل
والظهار، فإن الأظهر عندكم جواز التفريق (فيه لأنا نقول هذا الحمل قد تحاذيه أعني صوم المتعة، حيث نص فيه على التفريق) وصوم الظهار حيث نص فيه على التتابع فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من إلحاقه بالآخر، فتركناه على حاله، والكلام في مطلق له مقيد واحد.
ونازع بعض الحنفية في كون صوم التمتع مقيدا بالتفريق وإنما لم يجز قبل يوم النحر، لأنه مضاف إلى وقت الرجوع بحرف إذا في قوله تعالى:{وسبعة إذا رجعتم} سلمناه لكن ليس هو في الكل بل في بعض أجزائه قال لأصحابه: ويجب بقاء كل من المقيدين على تقييده وأما حمله على تقييد صاحبه فينظر فيه، فإن تنافى الجمع بينهما كصوم الظهار مع صوم التمتع، لم يحمل أحدهما على الآخر وإن لم يتنافيا ففي حمله من غير دليل وجهان، فإن حملناه صار كل منهما مقيدا بالقيدين معا، قاله الماوردي والروياني في باب القضاء: قالا: وعلى هذا يجوز حمل المطلق أيضا على المقيدين، ويصير كل من الكلامين مفيدا بشرطين:
(ص) الظاهر والمؤول: الظاهر ما دل دلالة ظنية.
(ش) الظاهر لغة: الواضح واصطلاحا ما دل على معنى دلالة ظنية إما
بالوضع اللغوي كالأسد، أو العرفي كالغائط فقوله: ما دل، جنس، وقوله: ظنية: احتراز عن النص، فإنه يدل دلالة قطعية وهذا التعريف أعم مما ذكره المصنف في باب المنطوق والمفهوم حيث قال: ظاهر إن احتمل مرجوحا كالأسد: فإن المراد هنا، ما يفيد معنى سواء أفاده مع معنى آخر إفادة مرجوحه أو لم يفده.
(ص) والتأويل: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح فإن حُمل لدليل فصحيح أو لما يظن ففاسد أو لا لشيء فلعب لا تأويل.
(ش) التأويل لغة: من آل يؤول، أي رجع يرجع. واصطلاحا: ما ذكره فقوله حمل الظاهر، خرج حمل النص على معناه وحمل المشترك على أحد معنييه فلا يسمى تأويلا.
وقوله: على المحتمل أخرج حمل الظاهر على ما لا يحتمله. وقوله: المرجوح احتراز عن حمل الظاهر على معناه الراجح، فلا يسمى تأويلا، ويخرج به حمل اللفظ على مدلوله الظاهر المرجوح والمحتمل معا فلا يسمى تأويلا، وهذا التعريف يشمل الصحيح والفاسد فإن حمل لدليل يصيره راجحا فصحيح سواء كان ذلك الدليل قطعيا
أم ظنيا، أو لما يظن دليلا وليس كذلك ففاسد، أو لا لشيء فلعب لا تأويل.
(ص) ومن البعيد تأويل أمسك أربعا على ابتدى.
(ش) التأويل قد يكون قريبا فيترجح بأدنى مرجح وقد يكون فيحتاج للأقوى، وقد يكون بعيدا متعذرا فيرد. وقد جرت عادة الأصوليين بذكر ضروب من التأويلات هنا، ليتميز الصحيح عن الفاسد، ليقاس عليها غيرها، والقصد بها التمرين والتدريب للرياضة نحو مسائل العويص (117ب) في الفرائض فمن البعيد تأويل الحنفية قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة وقد أسلم على عشر ((أمسك أربعا وفارق سائرهن)). فإنهم حملوا أمسك على ابتدى النكاح في أربع منهن، ووجه بعده أنه لم ينقل تجديد لا منه ولا من غيره مع كثرة إسلام الكفار المتزوجين.
(ص) وستين مسكينا على ستين مدا.
(ش) من البعيد أيضا قولهم في قوله تعالى: {ستين مسكينا}
أي إطعام طعام ستين مسكينا لأن القصد رفع الحاجة وحاجة ستين مسكينا في يوم واحد كحاجة واحد في ستين يوما، فجعلوا المعدوم وهو طعام مذكورا فيصح كونه مفعولا لإطعام وقد جعلوا ستين مسكينا عدما مع صلاحه لأن يكون مفعولا لإطعام، ثم هذه العلة رافعة لاعتبار العدد الذي هو حكم الأصل، فكانت مبطلة له، ولا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعكر على أصله بالإبطال ولأن في العدد فائدة، وهي أن دعاءهم أقرب إلى الإجابة فلا يجوز إلغاؤها.
(ص) وأيما امرأة نكحت نفسها على الصغيرة والأمة والمكاتبة.
(ش) أي حملوا المرأة في الحديث على ذلك ووجه بعده، أن الصغيرة ليست بامرأة في حكم اللسان، كما أن الصبي ليس برجل، وألزموا سقوط التأويل على مذهبهم، فإن الصغيرة لو زوجت نفسها فالعقد عندهم صحيح موقوف نفاذه على
إجازة الولي ففروا من ذلك وقالوا هو محمول على الأمة، فألزموا بطلانه بقوله: فلها المهر ومهر الأمة لا يجب لها بل لسيدها ففروا من ذلك، وقالوا: هو محمول على المكاتبة فقيل لهم: هو باطل أيضا، والقياس وإن قوي هنا في نفسه لكن دلالة العام قوية، لأنه قال: أي، وهي كلمة عامة، وأكدها بكلمة ما، فيبعد الإتيان بهذه الصيغة المؤكدة مع إرادة صورة نادرة فيما بين النساء، بل لا تخطر بالبال، ومن هذا التقرير يظهر لك حسن جمع المصنف بين هذه الثلاثة وإيرادها على هذا الترتيب وهو فيه متبع لابن الحاجب وقد غفل عنه شراحه.
(ص) ولا صيام لمن لم يبيت على القضاء والنذر.
(ش) لما ثبت عندهم من صحة الصيام بنية في النهار، فجعلوه كاللغز، إذ حملوه على النادر مع اشتماله على صيغة العموم.
(ص) وذكاة الجنين ذكاة أمه على التشبيه.
(ش) عند الحنفية تجب ذكاة الجنين، وعند الشافعي رضي الله عنه أن ذكاة أمه تغني عن ذكاته إن لم تتمكن ذكاته، والحديث يروى برفع الذكاة ونصبها، والرفع هو المعروف المحفوظ، وبه ينتهض استدلال الشافعي رضي الله عنه ورواه الحنفية بالنصب، وزعموا أنه يدل لهم على كلا الروايتين، ووجهوا النصب بوجهين:
أحدهما: أن التقدير كذكاة أمه، حذف الكاف فانتصب أي ذكاة كما تذكرون أمه.
وثانيهما: أنه أعمل فيه الذكاة الأولى، لأنها مصدر، فكأنه قال: فإن ذكاة الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه والخبر محذوف أي واجبة، وأما على الرفع فلأن التقدير مثل ذكاة أمه، وحاصله حمله على التشبيه كما قاله المصنف وأما أصحابنا فوهموا رواية النصب وقالوا: المحفوظ في الرواية كما قاله حملة الحديث كالخطابي وغيره. وهي تحتمل أوجها أحسنها ذكاة الجنين خبر مقدم. وذكاة أمه
مبتدأ والتقدير ذكاة أم الجنين ذكاة له، قالوا: ولو كان كما قالت الحنفية لم يكن للجنين مزية (118أ) وحقيقة الجنين ما كان في البطن وذبحه في البطن لا يمكن فعلم أنه ليس المراد أنه يذكى كذكاة أمه، بل ذكاة أمه كافية، ويؤيده رواية البيهقي ذكاة الجنين في ذكاة أمه.
وفي رواية بذكاة، وأما توجيه الحنفية فضعيف، أما الأول، وهو تقدير النصب بحذف حرف الجر، قال ابن عمرون: ليس بشيء، لأنه يلزم منه جواز قولك: زيد عمرا، أي كعمرو وأما الثاني فلأن فيه حذف حرف الجر والأصل خلافه بل رواية النصب - إن صحت - محمولة على أن تقديره وقت ذكاة أمه ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب على الظرف، وهو يدل للشافعي رضي الله عنه، ولأن الثاني إنما يكون وقتا للأول إذا أغنى الفعل الثاني عن الأول، وإلا فمن المحال وقوع الذكاة في وقت الثانية وهذا التقدير للنصب أولى من تقديرهم لوجهين:
أحدهما: عدم احتياجه للمحذوف.
وثانيهما: موافقته لرواية الرفع، وأما ما قالوه في تقديره الرفع، فساعدهم ابن جني على عادته، وقال: إذا حمل على ما قاله أبو حنيفة يكون المجاز وقع في الخبر وهو الكثير فكان الحمل عليه أولى، وهذا مردود كما قاله ابن عمرون، لأن سياق الحديث وسؤالهم نلقيه أم نأكله، لم يكن لأنهم شكوا أن ما أدرك ذكاته وذكى
من هذا الصنف المأكول حل أكله، وإنما سألوه عما تعذر فيه الذبح فوجب حمله على ذلك ليكون الجواب مطابقا للسؤال.
(ص){وإنما الصدقات} على بيان المصرف.
(ش) أي دون إرادة استيعاب الأصناف بالعطاء ولا شك أن المقتصر على الإعطاء لصنف واحد معطل. للتناول.
(ص) ومن ملك ذا رحم محرم على الأصول والفروع.
(ش) هذا الحمل لبعض الشافعية ووجه بعده تعطيل لفظ العموم فإنه يبعد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة العامة ويريد به الأب والابن مع أنه له اسم آخر يعرف به وهو أبلغ في التعريف كمن قال من دخل داري فله درهم، ثم قال: أردت به الأب، لا يستحسن فإن قيل: كيف جعل المصنف هذا بعيدا وهو مذهبه فالجواب أن مذهبنا اختصاص العتق بالأصول والفروع، أما حمل الحديث فلا، وإنما تلك طريقة ضعيفة لبعض الأصحاب وحذاقهم لا يرتضونها لأنهم لا يثبتون الحديث، فقال البيهقي حديث منكر، وقال الترمذي: لم يتابع ضمرة عليه وهو خطأ عند أهل الحديث وكذا قال ابن عساكر والذي قضى عليه بالبعد: إنما
هو حمل الحديث على خلاف ظاهره، وأما مقام الاحتجاج به فأمر آخر، وكذلك ما قضى عليه بالبعد من تأويلات الخصوم، فإنما بعده من قبل لفظه، ولا ينكر أن يكون عليه دليل من خارج، إلا أن تلك صناعة فقهية، وحظ الأصولي ما بنيناه.
(ص) والسارق يسرق البيضة على الحديد.
(ش) هذا التأويل حكاه ابن قتيبة.
عن يحيى بن أكثم قال: حضرت مجلسه فرأيته يتأول البيضة على الحديد والحبل على حبال السفن ورأيته يعجب به، وهو باطل، فإن هذا ليس موضع تكثير لما يأخذه السارق إنما هو موضع تقليل، وأنه لا يقال: قبح الله فلانا عرض نفسه للضرب. في عقد جوهر، إنما يقال: عرض يده في خلق رث أو كبة شعر، قال: وكان الحديث أورد على (118ب) ظاهر الآية في قطع القليل والكثير، وأراد بالبيضة بيضة الدجاجة، ثم أعلم بعد: أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فصاعدا.
(ص) وبلال يشفع الآذان، على أن يجعله شفعا لآذان ابن أم مكتوم.
(ش) المشهور أن الآذان مثنى لقوله: ((إن بلالا)).
يشفع الآذان ونقل عن بعض السلف إفراده، وأول قوله: يشفع، يجعل آذانه شفعا لآذان ابن أم مكتوم، وهو ضعيف، لأن بلالا كان ينادي بليل، وابن أم مكتوم يتأخر حتى يقال له: أصبحت أصبحت فكيف يكون الأول شفعا للثاني، وقد اعترض على المصنف في هذا المثال، بأن يشفع فعل مثبت لا عموم له وجوابه: أن العموم في المتعلق به وهو الآذان فيتناوله بجميع كلماته.
(ص) المجمل: ما لم تتضح دلالته.
د (ش) إنما قال: (ما) ولم يقل: لفظ ليشمل القول والفعل وإنما قال: لم تتضح دلالته، ولم يقل: لم يدل بمعين، احترازا عن المهمل، إذ لا دلالة له، وهذا له دلالة ولكن غير واضحة.
(ص) فلا إجمال في آية السرقة.
(ش) أي لا في اليد ولا في القطع خلافا لبعض الحنفية فإن اليد
للعضو إلى المنكب حقيقة وإطلاقها هنا على الكوع من إطلاق الكل على الجزء وقد دل عليه دليل، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع، وذلك أولى من الإجمال المؤدى إلى التعطيل، وأما القطع فإبانة المفصل فهو ظاهر فيه، فلا إجمال.
(ص) ولا في نحو: {حرمت عليكم أمهاتكم}
(ش) أي فيما وقع فيه التحريم.
على الأعيان لأن المعقول فيه التصرف فيعم جميع أنواعه من العقد على الأم، ووطئها وهذه المسألة مكررة سبقت في باب العموم في قوله: وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوي ونحو: {حرمت عليكم أمهاتكم} وإنما أعادها، لأن عادة
الأصوليين يذكرون هنا الخلاف عن الكرخي واحتج عليه الشيخ أبو حامد، بأن الصحابة احتجوا بظاهر هذه الآيات في إثبات التحريم ولم يرجعوا لغيره وعلى الأول فيكون من المجاز المنقول حتى صار حقيقة عرفية، وقيل: إنه من باب الحذف بقرينة دلالة العقل على أن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بأفعال المكلفين دون أعيانهم ولهذا عرفوا الحكم بأنه الخطاب المتعلق بفعل المكلف، وذهب السرخسي وفخر الإسلام من الحنفية إلى أن الحكم متعلق بالعين، كما يتعلق بالفعل ومعنى حرمة العين خروجها من أن تكون محلا للفعل شرعا كما أن حرمة الفعل خروجه من الاعتبار شرعا فلا ضرورة إلى اعتبار الحذف أو المجاز وأيضا معني الحرمة المنع، فمعنى حرمة الفعل، أن العبد يمنع من اكتسابه وتحصيله، فالعبد ممنوع عنه، ولذلك لا يقال: لا تشرب هذا الماء وهو بين يديه، ومعنى حرمة العين، منعه من التصرف فيها، فالعين ممنوعة. والعبد ممنوع عنها وذلك كما إذا صببت الماء الذي بين يديه وهو أبلغ.
(ص){وامسحوا برؤوسكم}
(ش) أي لا إجمال فيها خلافا لبعض
الحنفية بل هو حقيقة فيما ينطلق عليه الإسلام وهو القدر المشترك بين مسح الكل والبعض فيصدق مسح البعض، وعزاه في المحصول للشافعي رضي الله عنه، ونقل ابن الحاجب عنه ثبوت التبعيض بالعرف.
(ص)(لا نكاح إلا بولي).
(ش)(119أ) الصيغ الواردة في الشرع لذوات واقعة كقوله: ((لا نكاح إلا بولي)) و ((ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل)).
اختلفوا فيها فالجمهور على أنها ليست مجملة بناء على القول بثبوت الحقائق الشرعية وأن الشرعي مخصوص بالصحيح، وأنه محمول على الشرعي دون اللغوي وغيره من المجملات ومع ذلك لا وجه للإجمال إذ لا شك في انتفاء الذوات وذهب القاضي أبو بكر وبعض المعتزلة إلى أنها مجملة بناء على نفيه الحقائق الشرعية، وأن الشرعي للأعم من الصحيح والفاسد، والقائلون بالإجمال اختلفوا في سببه على ثلاثة مذاهب:
أحدها: كون اللفظ لم يرد به نفي الوقوع، إذ وقوعه مشاهد وإنما أريد به أمر آخر لم يذكر، وهو غير معلوم فكان مجملا.
والثاني: أنها ظاهرة في نفي الوجود ونفي الحكم فصار مجملا.
الثالث: إنها مترددة بين نفي الكمال ونفي الجواز وهو الذي صرح به القاضي في التقريب وزعم المازري أن القاضي يقول بالوقف في هذه المسألة قال: وهو غير مذهب الإجمال، فنقول: يحتمل عندي نفي الإجمال ونفي الكمال لا أكثر من ذلك، حتى يعلم دليل من أحد الأمرين، والقائل بالإجمال يقول إنه يستغرق جميع الأشياء فالتحق بالمجملات.
(ص)((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)).
(ش) ذهب أبو الحسين وأبو عبد الله البصريان إلى أنه مجمل لتردده والجمهور على خلافه لظهوره في نفي المؤاخذة والعقاب ولكن هل ذلك بالعرف أو باللغة؟ جزم ابن الحاجب بالأول، وهو الذي قاله القاضي في التقريب تفريعا على ثبوت الأسماء الشرعية وذكر ابن السمعاني الثاني. واعلم أن المصنف تقدم له في باب العموم، نفي أن يكون هذا عاما، حيث قال: لا المقتضى وهنا نفى أن يكون مجملا وهو في هذا الاضطراب متابع لابن الحاجب.
(ص)((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)).
(ش) هذه سبقت في ((لا نكاح إلا بولي)). فلا وجه للتكرار، وقال ابن دقيق العيد: صار بعض الأصوليين إلى أن هذا اللفظ مجمل من حيث إنه يدل على نفي الحقيقة وهي غير منتفية، فيحتاج إلى الإضمار ولا سبيل إلى إضمار كل محتملة لوجهين:
أحدهما: أن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة، والضرورة تندفع بإضمار فرد، فلا حاجة إلى إضمار أكثر منه.
وثانيهما: أن إضمار الكل قد يناقض، لأن إضمار الكل يقتضي إثبات أصل الصحة ونفي الصحة معارضة وإذا تعين إضمار فرد، فليس البعض أولى من البعض، فتعين الإجمال.
وجواب هذا، بأنا لا نسلم أن الحقيقة غير منتفية إنما تكون غير منتفية لو حمل لفظ الصلاة، على غير عرف الشرع وكذلك الصيام وغيره، وأما إذا حمل على عرف الشرع، فيكون منتفيا حقيقة ولا يحتاج إلى الإضمار المؤدي إلى الإجمال، ولكن ألفاظ الشرع محمولة على عرفه، لأنه الغالب ولأنه المحتاج إليه عنه، فإنه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة.
(ص) لوضوح دلالة الكل وخالف قوم.
(ش) هو راجع لجميع ما سبق وقد بينا وجه الظهور والخلاف فيها.
(ص) وإنما الإجمال في مثل: القرء والنور والجسم، ومثل: المختار لتردده بين الفاعل والمفعول.
(ش) الإجمال يكون تارة في المفرد وتارة في المركب وللأول (119ب) أسباب:
أحدها: أن يكون وضع لذلك كالقرء للطهر والحيض، والشفق على الحمرة والبياض وهذا ما ذكره ابن الحاجب وغيره لكن للإمام تقي الدين في شرح المقترح، دقيقة الفرق بين المجمل والمشترك أن المجمل يستدعي ثبوت احتمالين متساويين بالنسبة إلى الفهم سواء وضع اللفظ لهما على وجه الحقيقة أو في أحدهما مجاز وفي الآخر حقيقة فالإجمال إنما هو بالنسبة إلى الفهم، والمشترك لا يكون إلا لاحتمالين متساويين بالنسبة إلى الوضع لا بالنسبة إلى الفهم فلا يكون مجملا. انتهى.
ثانيها: صلاحية اللفظ لمتماثلين بوجه، وذلك كالنور، للعقل ونور الشمس بالنهار.
ثالثها: صلاحيته لمتماثلين وذلك كالجسم للسماء والأرض، والرجل لزيد وعمرو، وهذا الذي قلته ذكره الغزالي.
رابعها: صلاحيته للفاعل والمفعول، كالمختار تقول: اخترت فلانا، فأنا مختار وهو مختار، قال العسكري ويتميز بحرف الجر، فتقول في الفاعل مختار لكذا وفي المفعول مختار من كذا.
(ص) وقوله تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} .
(ش) الإجمال في التركيب له أمثلة منها هذه الآية، لتردد الذي بيده عقدة النكاح بين الزوج والولي ولذلك اختلف فيه فقال الشافعي
بالأول ومالك بالثاني.
ويرجح قول الشافعي لأنه المروى عن علي وابن عباس عالمي الصحابة، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، إنما المخالف الزهري ومجاهد والحسن، ثم هو جار على القواعد، فإن الولي لا يجوز له أن يعفو عن مال اليتيم بوجه من الوجوه وحمل المحتمل على موافقة القواعد الشرعية أولى. واعلم أن المصنف تابع ابن الحاجب في جعله هذا من الإجمال، وهو منازع فيه على مذهبه، لظهوره عند الشافعي رضي الله عنه في الزوج ومع ذلك لا إجمال.
(ش) ومنها أن يكون موضوعا لجملة معلومة، إلا أنه دخلها استثناء مجهول، فيكون مقتضيا لإجمال جميعه كقوله تعالى:{أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} فإنه صار مجملا لما دخله
الاستثناء ومثله قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} لما كان الحق مجملا صار ما نهى عنه من القتل مجملا، وقوله عليه الصلاة والسلام:((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا)).
(ص){وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} .
(ش) ومنها التردد بين العطف والقطع كالواو في قوله تعالى: {والراسخون في العلم} ومن ثم جاء الخلاف في جواز الوقف على قوله: {إلا الله} وقد سبقت هذه المسألة. وهذا يحسن أن يكون معدودا من أسباب الخلاف، لا أن الأصح فيه الإجمال لما سبق من ترجيح خلافه.
(ص) وقوله عليه السلام: ((لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره)).
(ش) ومنها التردد في مرجع الضمير إلى ما تقدم، فإن ضمير الجوار يحتمل العود على نفس، (أي في جدار نفسه) وعلى جاره أي في جدار جاره، ولهذا اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في الجدار المختص بأحد الجارين هل للآخر وضع الجذوع عليه، والجديد المنع، بناء على أن الضمير في جداره لصاحب الخشبة أي لا يمنعه الجار أن يضع خشبة على جدار نفسه، ويرجح هذا بأنه الأوفق للقاعدة النحوية في عود الضمير للأقرب.
(ص) وقولك زيد طبيب ماهر.
(ش) ومنها التردد في مرجع الصفة فإن ماهرا قد يرجع إلى الطبيب
(120أ) وقد يرجع إلى زيد ويتفاوت المعنى باعتبارهما.
(ص) والثلاثة زوج وفرد.
(ش) ومنها تردد اللفظة بين جميع الأجزاء وجميع الصفات نظرا إلى اللفظ وإن كان أحدهما يتعين من خارج، كقولك: الثلاثة زوج وفرد، فإنه بالنظر إلى دلالة اللفظ. لا يتعين أحدهما، وبالنظر إلى صدق القائل يتعين أن يكون المراد منه جميع الأجزاء فإن حمله على جميع الصفات أو بعضها يوجب كذبه.
(ص) والأصح وقوعه في الكتاب والسنة.
(ش) أي خلافا لداود وقال الصيرفي: ولا أعلم أحدا أباه غيره الدليل على ما سبق من الآيات والأحاديث.
فائدة: هل نكلف بالتزام شيء قبل ورود البيان قال صاحب (القواطع) قالوا: إن التزام المجمل قبل بيانه واجب، واختلف أصحابنا في كيفية التزامه قبل البيان على قولين:
أحدهما: أنا متعبدون قبل البيان بالتزامه بعد البيان.
الثاني: أنا متعبدون قبل البيان بالتزامه مجملا، وبعد البيان بالتزامه مفسرا.
وهذا الخلاف مما فات المصنف ذكره، وهو قريب من الخلاف السابق في العام، هل يجب اعتقاد عمومه قبل ورود التخصيص؟
(ص) وأن المسمى الشرعي أوضح من اللغوي وقد تقدم.
(ش) أي فيحمل على الشرعي إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوي، لاستقراء عرف الشارع غالبا في إطلاق لفظ الصلاة والصوم وغيرهما، لما ثبت له فيه عرف استعمال، وقيل: مجمل، وبه قال القاضي قال الأبياري: وهو يناقض مذهبه في نفي الأسماء الشرعية اللهم إلا أن يكون له قول آخر بإثباتها، وإلا فالإجمال، مع اتحاد جهة الدلالة محال، أو يكون ذلك تفريعا منه على قول من يثبتها وهذا ضعيف فإنه من أين له الحكم عليهم بأنهم يسوون بين النسبة إلى المسميين؟ وقوله: وقد تقدم، أي فصل الحقيقة والمجاز.
(ص) فإن تعذر حقيقة فيرد إليه بتجوز أو يحمل على اللغوي أقوال:
(ش) إذا وردت لفظة لها مسمى لغوي ومسمى شرعي وتعذر الشرعي حقيقة، ولم يمكن الرد إليه إلا بتجوز، كقوله:(الطواف بالبيت صلاة) فإنه لا يمكن
حمله على الصلاة الشرعية حقيقة. رد إلى المجاز فيحمل على أن حكمه حكم الصلاة في الطهارة والستر ونحوها، لأن عرف الشارع تعريف للأحكام، فيرد كلامه إلى الشرعي ما أمكن، وقيل: يحمل على اللغوي حتى يقال: المراد بالصلاة، الدعاء وقيل: مجمل، لتردده بينهما، ولم يحك ابن الحاجب فيه القول بالحمل على اللغوي. ونظير المسألة أيضا، أن يتعذر الحمل على اللغوي كما يتعذر على الشرعي فهل يرد إلى الشرعي أو يكون مجملا، فيه هذا الخلاف، وعبارة المصنف شاملة لكل من الصورتين، فإن قوله: تعذر، أعم من الشرعي أو اللغوي، والغزالي ذكر الأولى ومثل لها الطواف بالبيت صلاة كما ذكرنا ويمكن أن يكون مثالا للثانية، فإن الطواف ليس هو نفس الصلاة الشرعية ولا اللغوية، فهل يرد إلى الشرعية أو يكون مجملاً ومثل الأولى بقوله صلى الله عليه وسلم:((الاثنان فما فوقهما جماعة)) قال: فإنه يحتمل أن يكون المراد به أنه يسمى جماعة (ويحتمل أن يكون المراد به) انعقاد الجماعة أو حصول فضيلتها.
(ص) والمختار أن اللفظ المستعمل لمعنى (تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى) أحدهما: مجمل، فإن كان أحدهما فيعمل به ويوقف الآخر؟
(ش) إذا أمكن حمل الكلام على ما يفيد معنيين، وحمله على ما يفيد معنى واحدا وهو متردد بينهما، فهو مجمل، وقيل: يترجح حمله على ما يفيد معنيين كما لو دار بين ما يفيد وبين ما لا يفيد (120ب) واختاره الآمدي وأطلق المسألة تبعا للغزالي وحمله المصنف على ما إذا كان المعنى الواحد ليس واحدا من المعنيين، فهذا لا يتجه خلاف في الحمل بذلك المعنى، بل يقطع بكونه مجملا، ولا يقال: الحمل على ما يفيد معنيين أولى، لكونه أكثر فائدة، لأنا نقول: إنما يتحقق هذا لو كان المعنى الواحد أحد المعنيين، أما إذا لم يكن فهو قسيمه، وفي العمل به دفع لأحد محتملي اللفظ بمجرد كونه الآخر أكثر فائدة وهو لا يوجب هذا، فأما إذا كان المعنى الواحد، أحدهما، أي أحد المعنيين من المحل الآخر فيعمل به أي بالمعنى الواحد على كل حال، ولا يتجه فيه خلاف، لأنه إن كان هو تمام المراد باللفظ فلا إشكال، وإلا فهو أحد المرادين فلا مانع من العمل ويقف الآخر فإنه محل النظر.