الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.
أما بعد
فنقدم للقراء الكرام كتابنا الرابع من هذه السلسلة التي خصصناها للقرآن وموضوعاته ومصطلحاته، وعلومه وكنوزه:" من كنوز القرآن ".
وقد اخترنا أن يكون موضوع هذا الكتاب هو تصحيح أفهام بعض المسلمين لآياتٍ من القرآن، فهموها فهماً خاطئاً، وفسروها تفسيراً مرفوضاً، واستدلوا بها على أشياء خاطئة باطلة، واستخرجوا منها دلالات غير مقبولة، فحرَّفوا بذلك معانيها، وعطَّلوا وظيفتها، وجعلنا عنوان الكتاب " تصويبات في فهم بعض الآيات".
القرآن الكريم كتاب هداية، وهو روحٌ وحياة، وهو نورٌ وضياء، وهو شفاءٌ ودواء، وهو دستورٌ ومنهاج، إنه كتاب العقيدة والِإيمان، وكتاب العبادة والطاعة، وكتاب الفقه والأحكام، وكتاب الدعوة والحركة، وكتاب الجهاد والمواجهة.
إنه كتاب المسلمين الأول والأخير، إنه دستورهم ومنهاجهم وقائدهم
ورائدهم، وإن له مهمةً عمليةً حركيةً واقعيةً في حياة المسلمين، وهو قادرٌ بإذن الله على أدائها وتحقيقها، إذا أقبل المسلمون عليه بصدقٍ وجدِّيةٍ وعزيمة، وتربوا عليه بإخلاصٍ ومجاهدة، وتحركوا به بثباتٍ ووعي، وجاهدوا الجاهلية به بجرأةٍ وشجاعة، لقد أقبل الصحابة الكرام عليه هذا الإقبال، فأدَّى مهمته خير أداء.
وآيات القرآن الكريم تعرض حقائق منوعة، وتقرر بدهيات مختلفة، وتقدم مفاهيم قرآنية أصيلة صادقة. ما أكثر المفاهيم القرآنية التي تقدمها الآيات، وما أصدقها وأوفاها وأشملها وأعظمها.
وقد ظهرت في هذا الزمان ظواهر غريبةٌ في حياة المسلمين وبلادهم، حيث انتشر الجهل في طبقاتٍ من المسلمين، وهو عميقٌ مُطْبِقٌ مركب، الجهل بالإسلام وتشريعاته، وبالقرآن ومفاهيمه ومبادئه وحقائقه. كثيرٌ من المسلمين يجهلون معاني آيات القرآن ولا يعرفون الدلالات الصائبة التي تؤخذ منها، فإذا فسرْتَ لهم آية أو آيات، وعرضتَ عليهم مفاهيمها ودلالاتها استغربوا مما يسمعون، وانقسموا ما بين مصدقٍ وهو مصفق، ومكذبٍ وهو معرض.
ويا ليت بعض هؤلاء اكتفوا بعدم معرفتهم بمعاني الآيات، وطلبوا تفسيرها بهمَّةٍ وموضوعيةٍ وأصالة، إذن لاستفادوا وأفادوا. لكنهم حملوا جهلهم بالقرآن ومفاهيمه، واتجهوا صوب آياته، يفسرونها على أمزجتهم وأهوائهم وميولهم وثقافاتهم. فجاء تفسيرهم لها وعَرْضهم لمفاهيمها وبيانهم لمعانيها، ثمرة جهلهم المركب، ومزاجيتهم المرفوضة.
كم سمعنا، وقرأنا، ونُقل لنا، من كلام هؤلاء حول الآيات، وتحريفهم لمعانيها، وتغييرهم لمفاهيمها، واستنتاجهم الباطل منها.
ولقد ساءنا - عَلِمَ الله - هذا التهجم على كتاب الله، والقول فيه بدون
علمٍ ولا معرفةٍ ولا اتزان، والتطاول على مفاهيمه وحقائقه، وسوء الاستشهاد والاستنباط من آياته.
كم من معاني القرآن أصبحت خافية في هذا الزمان، وكم من حقائق القرآن أصبحت غائمة، وكم من مفاهيم القرآن أصبحت مشوَّشة محرَّفة.
لذلك خصصنا هذا الكتاب لتطاول بعضهم على كتاب الله، وتشويههم لمفاهيمه، وهدفنا منه هو أن نصوِّب لهؤلاء - ولمن يتأثر بهم - فهمهم للآيات، ونصحح لهم تفسيرهم لها، ونبين لهم المعاني الحقيقية التي توحي بها.
بدأنا الكتاب بإشاراتٍ سريعةٍ إلى: وجوب تدبُّر القرآن، وكونه مُيَسرٌ للفهم والتدبر، والتحذير من القول في تفسيره بغير علم، وأقسام القرآن من حيث تفسيره.
وتحدثنا عن أهم العلوم التي يحتاجها الناظر في القرآن والمتدبر لآياته، وأهم الآداب التي تلزمه مراعاتها أثناء ذلك. كما تحدثنا عن المعوقات التي تعيق الناظر في القرآن عن حسن فهمه وتدبره، والوقوف على معانيه ومفاهيمه وحقائقه.
وانتقلنا بعد ذلك إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، باعتباره أميناً على حسن الفهم للقرآن، وموضِّحاً للصحابة ما غمض عليهم من معانيه، ومصوِّباً له بعض أخطاءٍ وقعوا فيها - بدون قصد - مقدِّماً المعاني الصحيحة لها، وأوردنا ستة نماذج من تصويباته في ذلك، كما نقلتها كتب الحديث.
ثم وقفنا مع صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام، باعتبارهم أُمناء على حسن فهم القرآن، وأوردنا اثني عشر مثالاً لتصويباتهم في معاني الآيات، أو تصحيحاتهم لأخطاء وقع بها آخرون، وهم ينظرون في الآيات.
وكان هدفنا من إيراد هذه الأمثلة من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، أن نُبين وجوب التصحيح والتصويب لكل فهمٍ خاطئٍ للقرآن، وتفسيرٍ مرفوضٍ لآياته، والرد على كل من قام بذلك، والإنكار عل كل من فعله.
وخصصنا باقي الكتاب لتصحيح تفسير بعض المسلمين المعاصرين لآياتٍ من القرآن، ولتصويب فهمهم لها، واستدلالهم بها، واستشهادهم منها.
لقد أوردنا ثلاثين آية ضلت أفهام بعضهم فيها، بحيث لم يفهموها فهماً صائباً، ولم يفسِّروها تفسيراً سليماً، فشوهوا مفاهيمها، وحرَّفوا معانيها، وضيَّعوا حقائقها، وأبطلوا دلالاتها، وخرجوا منها بعكس ما ألقته وقررته وأوحت به.
وكانت موضوعات هذه الآيات مختلفة، ومفاهيمها متنوعة. فمنها آياتٌ في الإيمان والعقيدة، ومنها آياتٌ في الجهاد والمجاهدة، ومنها آياتٌ في الدعوة والعمل والحركة، ومنها آياتٌ في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتاريخ والأحوال الشخصية.
ويجمع بين هذه الآيات: أنها كلها لها أبعادٌ واقعية، ومفاهيم حياتية، وقيمٌ مُعاشة، نعيشها في عصرنا عملياً.
وحتى يكون فهمنا عن هذه الآيات صائباً، وتفسيرنا لها صحيحاً، وتصويبنا لكلام الآخرين عنها مقبولاً، اعتمدنا منهجاً محقِّقاً لكل هذا - بإذن الله -:
1 -
وقفنا أمام هذه الآيات وقفةً متجردة، ودخلنا عالمها بدون مقرراتٍ سابقة، وتلقينا منها مفاهيمها وحقائقها ومقرراتها.
2 -
أَطَلْنا النظر في الآيات، والوقفة أمامها، لتلقِّي ما تلقيه وتوحي به، وفعلنا ذلك من أجل دقة النظر وصحة الاستنتاج.
3 -
حرصنا أن ننظر في آياتٍ أخرى بنفس موضوع الآية التي نقف أمامها، وجعلناها أمامنا بجانبها، واستخرجنا الدلالات من الآيات مجتمعة، وقدَّمنا مفاهيمها متكاملة، وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن الذي هو واجب على كل ناظرٍ في آياته.
4 -
اعتمدنا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الآية - إن وُجد - كما اعتمدنا أقوالاً للصحابة والتابعين في معناها كذلك.
5 -
نظرنا في أقوال مفسِّرين سابقين للآية، وأوردنا بعض كلامهم أحياناً، ليظهر لنا وللآخرين خطأ الأفهام المغلوطة للآية، ومخالفتها لكلام العلماء والثقات والمفسرين السابقين.
6 -
قررنا الفهم الذي نقضناه، والتفسير الذي رددناه، قررناه بصورةٍ أمينةٍ ودقيقةٍ وصحيحة، ولم نتقوَّل على أصحابه، ولم ننسب لهم ما لم يقولوه. واعتمدنا في هذا على ما قرأناه، أو سمعناه، أو نقله لنا ثقاتٌ صادقون.
ولم نذكر القائلين بأعيانهم أو أسمائهم، حتى لا يكون اتهاماً للأشخاص، أو تجريحاً للأفراد، وحتى لا يتحول تصويبنا إلى خلافاتٍ شخصية، ولأنه لا يعنينا القائل، بل يعنينا القول ذاته، وإذا تم إبطال القول، حققنا الهدف وقمنا بالواجب إن شاء الله.
فهذه التصويبات نقدمها للقراء الكرام، وقد نُتبعها بكتابٍ آخر، نقدِّم فيه مجموعاتٍ أخرى من التصويبات، وقد نوسِّع هذا الكتاب نفسه في طبعة تالية، فنضيف له آياتٍ حُرِّفت معانيها، ومفاهيم شوهت صورتها.
ونرجو الله أن يكون تصحيحنا صحيحاً، وتصويبنا صائباً، وكلامنا مقبولاً، وتفسيرنا صادقاً. ونسأل الله أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور
صدورنا، وذهاب همومنا، وجلاء أحزاننا، وأن يعلِّمنا منه ما جهلنا، ويذكَرنا منه ما نُسِّينا، وأن يجعله حجة وشافعاً لنا يوم القيامة.
وصلى الله على سيدنا محمد.
صويلح: الاثنين 1/ 4 / 1407 هـ
1/ 12 / 1986 م
الدكتور
صلاح عبد الفتاح الخالدي