الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أراد مروان أن يسيء إلى عبد الرحمن، وأن يتَّهمه بأنه عاقٌ لوالديه، وأن الله قد أنزل فيه قرآناً، ذمه لموقفه من والديه، واستشهد على اتهامه يآية الأحقاف. ولكن عائشة رضي الله عنها وقفت حارسةً على معاني الآيات، حريصةً على حسن الفهم لها، فردَّت على مروان كلامه واستشهاده بالآية، وبينت أنها لم تنزل في شقيقها عبد الرحمن.
وتستوقفنا في هذه القصة عدة أمور:
منها: موقف عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، وجرأته في الجهر بالحق، وإعلان الموقف، وإنكار الباطل.
ومنها: موقف مروان وشرطته، وهو موقف لطيف يدل على احترامهم لعائشة رضي الله عنها، حيث لم يتابعوا عبد الرحمن في بيت عائشة، بل كفوا عنه، احتراماً لأم المؤمنين، ولبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نتذكر هذا الموقف اللطيف عنهم، عندما نضعه بجانب مواقف الظالمين والمعتدين من الدعاة إلى الله، واستخدامهم لكل الوسائل في حربهم، وإلقائهم القوانين والأعراف والعهود والقيم والمشاعر جانباً، بحيث لا يراعون فيهم إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، ولا عهداً ولا قرابة.
10 - بين ابن عباس وبعض الصحابة في معنى سورة النصر
روى البخاري والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لِمَ تُدخلُ هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ علمتم.
فدعاه ذات يوم فأدخله معهم. قال ابن عباس: فما رُئيت أنه دعاني يوماً إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح} ، فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره، إذا جاء نصرنا، وفَتَح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً.
فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أَجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له. فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .
فقال عمر: ما أعلم إلا ما تقول.
إن ابن عباس من خلال هذه الحادثة، يتعمق النظر في السورة، ولا يقف عند ظاهر ألفاظها، ولم يكتف بالمعنى الظاهري، الذي يدركه كل من نظر فيها.
إنها تنعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، إن عمره في هذه الدنيا مرهونٌ برسالته، ووقفٌ على دعوته. وطالما أن رسالته قد تمَّت، وأن دعوته قد انتصرت، وأنه جاء نصر الله والفتح، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فقد انتهت مهمته ورسالته عليه السلام، وبانتهائها ينتهي عمره صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة.
وقد وافق عمرُ ابنَ عباس على هذا الاستنتاج اللطيف من الآية، واعتمد كلامه حولها بقوله:" ما أعلم منها إلا ما تقول ".
وصدق القائل بشأن الوقوف على المعاني في التفسير: إنها مثل الصيد، وإن المفسرين مثل الصيادين. فمنهم من يصيد عن قُرب، ومنهم من يصيد عن بُعد، ومنهم من يصيد العادي، ومنهم من يصيد الثمين.