الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
الإحسان إلى المحتاج منهم بالصدقة والصلة:
قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1) . وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت:«قدمت عليَّ أمي، وهي مشركة في عهد قريشٍ إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنّ أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: " نعم، صليها» (2) . ، وأنزل الله تعالى فيها:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} الآية (3) .
(1) سورة الممتحنة ، الآية 8.
(2)
رواه البخاري في صحيحه - كتاب الأدب - باب صلة المرأة أمها ولها زوج 10 / 413 برقم 5979.
(3)
ينظر: الدر المنثور 8 / 130- 131 ، حيث عزاه لابن المنذر وغيره.
قال النوويّ: " وفي هذا دليل لجواز صلة الأقارب الكفار ، والإحسان إليهم، وجواز الهدية إلى الكفار"(2) . والمشركون بمكة كانوا أهل حربٍ.
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الجمعة - باب يلبس أحسن ما يجد 2 / 373 ، ومسلم في صحيحه - كتاب اللباس - باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة إلخ 14 / 37- 38.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 14 / 39.
ومن الإحسان: الإحسان إلى الحربِي الأسير، قال تعالى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (1) . ، قال قتادة:" لقد أمر الله بالأسارى أن يحسن إليهم، وإنهم يومئذ لمشركون "(2) . ، وقال الحسن:" كان الأسارى مشركين يوم نزلت هذه الآية "(3) . ، وقال الطبريّ:" هو الحربي من أهل دار الحرب ، يؤخذ قهرًا بالغلبة، أو من أهل القبلة يؤخذ فيحبس بحقّ "(4) .
وأختم هذا المبحث بالبيان الذي صدر من هيئة كبار العلماء تجاه ما حصل في مدينة الرياض وغيرها من تفجيرات أزهقت الأرواح وروعت الآمنين وأتلفت الممتلكات.
فتوى هيئة كبار العلماء:
(1) سورة الإنسان ، الآيتان 8 - 9.
(2)
ذكره السيوطي في الدر المنثور 8 / 371 ، وعزاه لعبد بن حميد.
(3)
ذكره السيوطي في الدر المنثور 8 / 371 ، وعزاه لابن مردويه وغيره.
(4)
جامع البيان 23 / 543 - 544.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، أما بعد، فإن مجلس هيئة كبار العلماء في جلسته الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الأربعاء 13 / 3 / 1424هـ استعرض حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء يوم الاثنين 11 / 3 / 1424هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع وإصابات لكثير من الناس من المسلمين وغيرهم. ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة ، والأنفس المعصومة في دين الإسلام إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام ، يقول الله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} .
ويقول سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} . . . . الآية قال مجاهد رحمه الله:" في الإثم " ، وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث ، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة» متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» . ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: " ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ".
كل هذه الأدلة وغيرها كثير تدل على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب ، إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية ، فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق ، يقول أسامة بن زيد رضي الله عنهما:«بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة ، فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله ، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله!! قلت: كان متعوذا ، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» . متفق عليه وهذا لفظ البخاري. وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء ، فهذا رجل مشرك وهم مجاهدون في ساحة القتال لما ظفروا به وتمكنوا منه نطق بالتوحيد ، فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله ، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله ، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين ، وعظيم جرم من يتعرض لها.
وكما أن دماء المسلمين محرمة، فإن أموالهم محرمة محترمة، بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» أخرجه مسلم ، وهذا الكلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم عرفة ، وأخرج البخاري ومسلم نحوه في خطبة يوم النحر.
وبما سبق يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق ، ومن الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» أخرجه البخاري.
ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له ، ومن قتله فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لم يرح رائحة الجنة» . وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين ، ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة ، يقول النبي:«المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم» . ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلا مشركا عام الفتح وأراد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال:«قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» . أخرجه البخاري ومسلم.
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ، ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله.
إذا تبين هذا فإن ما وقع في مدينة الرياض من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره دين الإسلام ، وتحريمه جاء من وجوه:
1 -
أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها.
2 -
أن فيه قتلا للأنفس المعصومة في شريعة الإسلام.
3 -
أن هذا من الإفساد في الأرض.
4 -
أن فيه إتلافا للأموال المعصومة.
وإن مجلس هيئة كبار العلماء إذ يبين حكم هذا الأمر ليحذر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات ، ويحذرهم من مكائد الشيطان ، فإنه لا يزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك ، إما بالغلو بالدين ، وإما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله ، والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر من العبد ، لأن كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه. وما قام به من نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم ، خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم ، خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم ، خالدا مخلدا فيها أبدا» . وهو في البخاري بنحوه.
ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية اليوم تعاني تسلط الأعداء عليها من كل جانب ، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام وإذلالهم ، واستغلال خيراتهم ، فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرا لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الجرم.
كما أنه يجب العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة ، وفق فهم سلف الأمة ، وذلك في المدارس والجامعات وفي المساجد ووسائل الإعلام ، كما أنه تجب العناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي على الحق ، فإن الحاجة بل الضرورة داعية إليه الآن أكثر من أي وقت مضى ، وعلى شباب المسلمين إحسان الظن بعلمائهم والتلقي عنهم ، وليعلموا أن مما يسعى إليه أعداء الدين الوقيعة بين شباب الأمة وعلمائها ، وبينهم وبين حكامهم ، حتى تضعف شوكتهم وتسهل السيطرة عليهم، فالواجب التنبه لهذا.
وقى الله الجميع كيد الأعداء ، وعلى المسلمين تقوى الله في السر والعلن والتوبة الصادقة الناصحة من جميع الذنوب ، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. نسأل الله أن يصلح حال المسلمين ، ويجنب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء: رئيس المجلس عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، صالح بن محمد اللحيدان، عبد الله بن سليمان المنيع، عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، د. صالح بن فوزان الفوزان، حسن بن جعفر العتمي، محمد ابن عبد الله السبيل، د. عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، محمد بن سليمان البدر، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، محمد بن زيد آل سليمان، د. بكر بن عبد الله أبو زيد (لم يحضر لمرضه) ، د. عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان (لم يحضر) ، د. صالح بن عبد الله بن حميد، د. أحمد بن علي سير المباركي، د. عبد الله بن علي الركبان، د. عبد الله بن محمد المطلق.