الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسيب، الحفيظ، الحق، الحكم، الحكيم
19 -
الحسيب1:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: "الحسيب: هو العليم بعباده، كافي المتوكلين، المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق اعمالهم وجليلها2.
والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل، وبالفضل، وبمعنى الكافي عبده همومه، وغمومه، وأخص من ذلك أنه الحسيب للمتوكلين {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 3 أي كافيه أمور دينه ودنياه4.
والحسيب أيضاً هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير، وشر، ويحاسبهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 5 أي كافيك وكافي أتباعك، فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به في متابعة الرسول ظاهراً وباطناً، وقيامه بعبودية الله تعالى"6.
20 -
الحفيظ7:
قال رحمه الله تعالى: "الحفيظ: الذي حفظ ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات.
ولطف بهم في الحركات، والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم وجزاءها8. والحفيظ يتضمن معنيين:
1 ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} (النساء: 6).
2 التفسير (5/ 625).
3 الطلاق (3).
4 توضيح الكافية الشافية (ص126و 127).
5 الأنفال (64).
6 الحق الواضح المبين (ص78).
7 لم أقف على دليل يدل على اسميته لله تعالى وإنما ورد بصيغة الصفة كما قال تعالى: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} (سبأ: 21).
8 التفسير (5/ 625).
أحدهما: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير، وشر، وطاعة، ومعصية، فإن علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها، وباطنها وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ووكل بالعباد ملائكة كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها، وباطنها، وكتابتها في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي في أيدي الملائكة، وعلمه بمقاديرها، وكمالها، ونقصها، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله، وعدله.
والمعني الثاني: من معنيي الحفيظ: أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون وحفظه لخلقه نوعان عام وخاص: حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظ بنيتها، وتمشي إلى هدايته، وإلى مصالحها بإرشاده، وهدايته العامة التي قال عنها:{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} 1 أي هدى كل مخلوق إلى ما قدر له وقضى له من ضروراته وحاجاته، كالهداية للمأكل، والمشرب، والمنكح، والسعي في أسباب ذلك، وكدفعه عنهم أصناف المكاره، والمضار، وهذا يشترك فيه البر، والفاجر بل الحيوانات، وغيرها، فهو الذي يحفظ السماوات، والأرض أن تزولا، ويحفظ الخلائق بنعمه، وقد وكل بالآدمي حفظة من الملائكة الكرام يحفظونه من أمر الله، أي يدفعون عنه كل ما يضره مما هو بصدد أن يضره لولا حفظ الله.
والنوع الثاني: حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم، بحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشبه، والفتن، والشهوات فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس فينصرهم
1 طه (50).
عليهم ويدفع عنهم كيدهم، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} 1 وهذا عام في دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه، وفي الحديث:"إحفظ الله يحفظك" 2 أي احفظ أوامره بالامتثال ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعديها، يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله"3.
21 -
الحق4:
قال رحمه الله تعالى:"الحق: في ذاته، وصفاته، فهو واجب الوجود كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به.
فهو الذي لم يزل، ولا يزال بالجلال، والجمال، والكمال، موصوفاً.
ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً.
فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسوله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له هي الحق، وكل شيء إليه فهو حق {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 5 {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 6 {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} 7 {وَقُلْ
1 الحج (38).
2 أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 263) والترمذي (4/ 667) كتاب صفة القيامة وقال: حديث حسن صحيح، وصححه أحمد شاكر في المسند (3/ 2671) وصححه الألباني في المشكاة (3/ 1459).
3 الحق الواضح المبين (ص59 إلى 61) وتوضيح الكافية الشافية (ص122).
4 ودليل هذا الاسم قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (الحج: 62).
5 الحج (62).
6 الكهف (29).
7 يونس (32).
جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} 1"2.
22 -
الحكم: (الحكم3، العدل)
قال رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا، والآخرة بعدله، وقسطه فلايظلم مثقال ذرة، ولا يحمل أحداً وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه.
وهو العدل في تدبيره، وتقديره {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 56.
والحكم العدل الذي إليه الحكم في كل شيء فيحكم تعالى بشرعه، ويبين لعباده جميع الطرق التي يحكم بها بين المتخاصمين، ويفصل بين المتنازعين، من الطرق العادلة الحكيمة، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويحكم فيها بأحكام القضاء، والقدر، فيجري عليهم منها ما تقتضيه حكمته ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ويقضي بينهم يوم الجزاء، والحساب، فيقضي بينهم بالحق، ويحمده الخلائق على حكمه حتى من قضى عليهم بالعذاب يعترفون له بالعدل، وأنه لم يظلمهم مثقال ذرة"7.
1 الإسراء (81).
2 التفسير (5/ 631 و632).
3 ودليل هذا الإسم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو الحكم وإليه الحكم".
أخرجه أبو داود (5/ 240) كتاب الأدب باب في تغيير الاسم القبيح، والنسائي كتاب القضاء حديث (5389) باب إذا حكموا رجلاً فقضى بينهم، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 936) حديث (4145).
4 لم أقف على دليل صحيح يدل على إسميته لله تعالى والله أعلم.
5 هود (56).
6 التفسير (5/ 627).
7 توضيح الكافية الشافية (ص127) والحق الواضح المبين (ص80).
23 -
الحكيم1:
قال رحمه الله تعالى: "الحكيم هو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي أحسن كل شيء خلقه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 2.
فلا يخلق شيئاً عبثا، ولا يشرع شيئاً سدى، الذي له الحكم في الأولى، والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده في شرعه، وفي قدره، وجزائه.
والحكمة: وضع الأشياء مواضعها، وتنزيلها منازلها3.
والحكيم: الموصوف بكمال الحكمة، وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم، والإطلاع على مبادئ الأمور، وعواقبها، واسع الحمد تام القدرة غزير الرحمة، فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه، وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.
وحكمته نوعان:
أحدهما: الحكمة في خلقه فإنه خلق الخلق بالحق، ومشتملاً على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام، ورتبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات، وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته، وهيئته، فلا يرى أحد في خلقه خللاً، ولا نقصاً، ولا فطوراً، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن، والانتظام، والإتقان لم يقدروا، وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك
1 ودليل هذا الاسم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 28).
2 المائدة (50).
3 التفسير (5/ 621).
وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه، ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن، والإتقان.
وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته، وكمال صفاته، وتتبع حكمه في الخلق، والأمر.
وقد تحدى عباده، وأمرهم أن ينظروا، ويكرروا النظر، والتأمل هل يجدون في خلقه خللاً أو نقصاً، وأنه لابد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته.
النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره، فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب وأرسل الرسل ليعرفه العباد، ويعبدوه، فأي حكمة أجل من هذا، وأي فضل، وكرم أعظم من هذا، فإن معرفته تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، واخلاص العمل له وحده، وشكره، والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق.
وأجل الفضائل لمن منَّ الله عليه بها، وأكمل سعادة، وسروراً للقلوب، والأرواح، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية، والنعيم الدائم.
فلو لم يكن في أمره، وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات، ولأجلها خلقت الخليقة، وحق الجزاء، وخلقت الجنة، والنار، لكانت كافية شافية.
هذا وقد اشتمل شرعه، ودينه على كل خير، فأخباره تملأ القلوب علماً، ويقيناً، وإيماناً، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب، ويزول انحرافها، وتثمر كل خلق جميل، وعمل صالح، وهدى، ورشد، وأوامره، ونواهيه محتوية على عناية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته
خالصة أو راجحة ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب، والأخلاق، والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل، فإن أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين أصوله، وفروعه، وجميع ما يهدي، ويرشد إليه كانت أحوالهم في غاية الاستقامة، والصلاح، ولما انحرفوا عنه، وتركوا كثيراً من هداه، ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم.
وكذلك انظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة، والحضارة، والمدنية مبلغاً هائلاً، ولكن لما كانت خالية من روح الدين، ورحمته، وعدله كان ضررها أعظم من نفعها، وشرها أكبر من خيرها، وعجز علماؤها، وحكماؤها، وساساتها عن تلافي الشرور الناشئة عنها، ولن يقدروا على ذلك ماداموا على حالهم، ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين، والقرآن أكبر البراهين على صدقه، وصدق ما جاء به لكونه محكماً كاملاً لا يحصل إلا به، وبالجملة، فالحكيم متعلقاته المخلوقات، والشرائع، وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية.
والفرق بين أحكام القدر، وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده، وكونه وقدره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه، والعبد المربوب لا يخلو منهما أو من أحدهما، فمن فعل منهم ما يحبه الله، ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري، فإن ما فعله واقع بقضاء الله، وقدره، ولم يوجد فيه الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله، ويرضاه.