الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحتريّ والتّتميم:
ومن التتميم في الشعر قول البحتري في وصف الإبل التي براها السير والسّرى:
كالقسيّ المعطّفات بل الأسهم مبريّة بل الأوتار فقد شبه الإبل بالقسي المعطفات، وهو تشبيه جميل لما فيه من تنويه بالنحول، ولما في خلق الإبل من الحدب والانحناء. ثم جعلها مبرية على طريق الإضراب الذي يلمح الى الغلط، ثم ترقى في ذلك فجعلها كالأوتار. وهذا كله من أوابد البحتري التي أطلق عليها اسم «سلاسل الذهب» كما كان يسميها النقاد القدامى، على أني وقفت بعد ذلك على حديث للرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم فعلمت أن البحتري لم يبتكر هذه المعاني العميقة المصوغة في أجمل بيان، وأنه رمق سماء الحديث النبوي، وأنه أخذه أخذا يسبق أسهمه المبرية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لو صليتم لله حتى تعودوا كالقسيّ، وصمتم حتى تعودوا كالأوتار» . وهذا مما أخذ بنصه وفصه.
3-
وفي هذه الآية أيضا فنّ «الطاعة والعصيان» وقد أطلق هذه التسمية شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري عند ما نظر في شعر أبي الطيب المتنبي، وتحدث عنه في كتابه «معجز أحمد» ، يعني أحمد المتنبي فأتى على قوله:
يردّ يدا عن ثوبها وهو قادر
…
ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد
وقال: «أراد المتنبي الطّباق فعصاه وأطاعه الجناس فانه أراد أن يقول: يرد يدا عن ثوبها وهو مستيقظ، فعصاه ذلك لامتناع
دخوله في الوزن فقال وهو قادر لأن القادر مستيقظ وزيادة، ليكون بينها وبين القافية تجانس، فأطاعه الجناس المقلوب بين قادر وراقد، وعصته المطابقة بين راقد ومستيقظ» .
أقول: هذا ما ذكره أبو العلاء المعري، وليس في بيت المتنبي شيء من ذلك، ولو أراد أن يقول:«يردّ يدا عن ثوبها وهو ساهر» أو «متنبها» بحذف لفظة «وهو» لحصل له غرضه من الطباق ولم يعصه الوزن، وإنما مراده بيان العفاف من القادر لا من غيره، أي أنه مع قدرته عليها لا يبيح لنفسه مدّ يده الى إزارها، كما أنه إذا رأى خيالها في المنام امتنع عنه كما يمتنع عنه في اليقظة. يصف نفسه ببعد الهمة عن مغازلة النساء، إذن ففن الطاعة والعصيان الذي ابتدعه المعري ولم يوفق في التمثيل له أثبته علماء البيان ومثلوا له بقول ابن النبيه:
بيضاء حجّبها الواشون حين سرت
…
عني فلو لمحت صبغ الدجى لمحت
أراد أن يقول: فلو لمحت سواد الدجى، ليأتي نوع التدبيج بقوله بيضاء وسواد، فعصاه الوزن فقال:«صبغ الدجى» وهو مرادف للسواد، فصدق عليه أنه عصاه التدبيج وأطاعه فن الإرداف.
ومثله قول الأرّجانيّ:
كم رعت هذا الحي إما زائرا
…
فردا وإما سائرا في جحفل
أراد أن يقول: وإما محاربا، لتكون المقابلة بين زائر ومحارب، ولا شك أن الزائر يكون مسالما بين قوله «فردا» وقوله «في جحفل» فعصاه الوزن وأعطاه لجناس اللاحق بين زائر وسائر. أما في الآية