الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الصلاة
يستحب أن يقوم إليها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة إن كان الإمام في المسجد وإلا إذا رآه، قيل للإمام أحمد قبل التكبير تقول شيئا؟ قال: لا، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا عن أحد من أصحابه، ثم يسوي الإمام الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب.
ويسن تكميل الصف الأول فالأول وتراص المأمومين وسد خلل الصفوف ويمنة كل صف أفضل، وقرب الأفضل من الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليلني منكم أولو الأحلام والنهى"1. وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، ثم يقول وهو قائم مع القدرة: "الله أكبر" لا يجزئه غيرها، والحكمة في افتتاحها بذلك ليستحضر عظمة من يقوم بين يديه فيخشع. فإن مد همزة الله أو أكبر أو قال: إكبار لم تنعقد، والأخرس يحرم بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيرهما.
ويسن جهر الإمام بالتكبير لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر الإمام فكبروا" 2 وبالتسميع لقوله: "وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد"3.
1 مسلم: الصلاة (432)، والنسائي: الإمامة (807 ،812)، وأبو داود: الصلاة (674)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (976) ، وأحمد (4/122)، والدارمي: الصلاة (1266) .
2 البخاري: الأذان (722 ،734)، ومسلم: الصلاة (415)، والنسائي: الافتتاح (921 ،922)، وأبو داود: الصلاة (603)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (846 ،1239) ، وأحمد (2/314 ،2/341 ،2/376 ،2/411 ،2/420 ،2/438 ،2/440 ،2/475)، والدارمي: الصلاة (1311) .
3 البخاري: الأذان (689)، ومسلم: الصلاة (411)، والترمذي: الصلاة (361)، والنسائي: الإمامة (794 ،832) والتطبيق (1061)، وأبو داود: الصلاة (601)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (876 ،1238)، ومالك: النداء للصلاة (306)، والدارمي: الصلاة (1256 ،1310) .
ويسر مأموم ومنفرد ويرفع يديه ممدودتي الأصابع مضمومة، ويستقبل ببطونهما القبلة إلى حذو منكبيه إن لم يكن عذر، ويرفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية، ثم يقبض كوعه الأيسر بكفه الأيمن ويجعلها تحت سرته ومعناه ذل بين يدي ربه (. ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة إلا في التشهد فينظر إلى سبابته.
ثم يستفتح سرا فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك) ومعنى سبحانك اللهم أي أنزهك التنزيه اللائق بجلالك يا الله. وقوله وبحمدك، قيل: معناه أجمع لك بين التسبيح والحمد. (وتبارك اسمك) أي البركة تتال بذكرك. (وتعالى جدك) أي جلت عظمتك. (ولا إله غيرك) أي لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا الله. ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد.
ثم يتعوذ سرا فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكيفما تعوذ من الوارد فحسن. ثم يبسمل سرا، وليست من الفاتحة ولا غيرها، بل آية من القرآن قبلها وبين كل سورتين سوى براءة والأنفال. ويسن كتابتها أوائل الكتب كما كتبها سليمان عليه السلام، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. وتذكر في ابتداء جميع الأفعال؛ وهي تطرد الشيطان. قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه.
ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة، وهي ركن في كل ركعة كما في الحديث:"لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب". وتسمى أم القرآن لأن فيها الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القدر. فالآيتان الأوليان يدلان على الإلهيات، و (ومالك يوم الدين) يدل على المعاد. (إياك نعبد وإياك نستعين) يدل على الأمر والنهي والتوكل وإخلاص ذلك كله لله، وفيها التنبيه على طريق الحق وأهله والمقتدى بهم، والتنبيه على طريق الغي والضلال.
ويستحب أن يقف عند
كل آية لقراءته صلى الله عليه وسلم. وهي أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية فيه آية الكرسي وفيها إحدى عشرة تشديدة. ويكره الإفراط في التشديد والإفراط في المد، فإذا فرغ قال: آمين بعد سكتة لطيفة، ليعلم أنها ليست من القرآن، ومعناها: اللهم استجب، يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهرية، ويستحب سكوت الإمام بعدها في صلاة جهرية لحديث سمرة. ويلزم الجاهل تعلمها فإن لم يفعل مع القدرة لم تصح صلاته، ومن لم يحسن شيئا منها ولا من غيرها من القرآن لزمه أن يقول:"سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع" 1 رواه أبو داود والترمذي.
ثم يقرأ البسملة سرا، ثم يقرأ سورة كاملة ويجزي آية، إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة، فإن كان في غير الصلاة فإن شاء جهر بالبسملة وإن شاء أسر، وتكون السورة في الفجر من طوال المفصل، وأوله (ق) لقول أوس:"سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثا، وخمسا وسبعا وتسعا، وإحدى عشرة وثلاث عشرة" وحزب المفصل واحد، ويكره أن يقرأ في الفجر من قصاره من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما.
ويقرأ في المغرب من قصاره ويقرأ فيها بعض الأحيان من طواله لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف. ويقرأ في البواقي من أوساطه إن لم يكن عذر وإلا قرأ بأقصر منه. ولا بأس بجهر امرأة في الجهرية إذا لم يسمعها أجنبي. والمتنفل في الليل يراعي المصلحة، فإن كان قريبا منه من يتأذى بجهره أسر، وإن كان ممن يستمع له جهر، وإن أسر في جهر وجهر في سر، بنى على قراءته. وترتيب الآيات واجب لأنه بالنص، وترتيب السور بالاجتهاد
1 سنن الترمذي: كتاب الصلاة (302) .
لا بالنص في قول جمهور العلماء فتجوز قراءة هذه، قبل هذه ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها. وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي، والإدغام الكبير لأبي عمرو. ثم يرفع يديه كرفعه الأول بعد فراغه من القراءة وبعد أن يثبت قليلا حتى يرجع إليه نفسه، ولا يصل قراءته بتكبير الركوع، ويكبر فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقما كل يد ركبة، ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله لا يرفعه ولا يخفضه، لحديث عائشة، ويجافي مرفقيه عن جنبيه لحديث أبي حميد، ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم لحديث حذيفة رواه مسلم، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر، وكذا حكم سبحان ربي الأعلى في السجود.
ولا يقرأ في الركوع والسجود لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ثم يرفع رأسه ويرفع يديه كرفعه الأول قائلا إمام ومنفرد: "سمع الله لمن حمده" وجوبا، ومعنى سمع: استجاب. فإذا استتم قائما قال: "ربنا ولك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد" وإن شاء زاد: "أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وله أن يقول غيره مما ورد. وإن شاء قال: "اللهم ربنا لك الحمد" بلا واو لوروده في حديث أبي سعيد وغيره.
فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع فهو مدرك للركعة. ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه فيضع ركبته ثم يديه ثم وجهه، ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض، ويكون على أطراف أصابع رجليه موجها أطرافها إلى القبلة؛ والسجود على هذه الأعضاء السبعة ركن، ويستحب مباشرة المصلى ببطون كفيه وضم أصابعهما موجهة إلى القبلة غير مقبوضة، رافعا مرفقيه.
وتكره الصلاة في مكان شديد الحر أو شديد البرد لأنه يذهب الخشوع، ويسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه ورجليه.
ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وبنصب اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، باسطا يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ويقول:"رب اغفر لي" ولا بأس بالزيادة لقول ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقنى وعافني" 1 رواه أبو داود.
ثم يسجد الثانية كالأولى، وإن شاء دعا فيه لقوله صلى الله عليه وسلم "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" 2 رواه مسلم، وله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده:"اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره"3.
ثم يرفع رأسه مكبرا قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه لحديث وائل، إلا أن يشق لكبر أو مرض أو ضعف. ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح ولو لم يأت به في الأولى، ثم يجلس للتشهد مفترشا جاعلا يديه على فخذيه، باسطا أصابع يسراه مضمومة مستقبلا بها القبلة، قابضا من يمناه الخنصر والبنصر، محلقا إبهامه مع وسطاه.
ثم يتشهد سرا، ويشير بسبابته اليمنى في تشهده إشارة إلى التوحيد، ويشير بها عند دعائه في صلاة وغيرها، لقول ابن الزبير:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها" 4 رواه أبو داود. فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها
1 الترمذي: الصلاة (284)، وأبو داود: الصلاة (850)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (898) ، وأحمد (1/315) .
2 مسلم: الصلاة (479)، والنسائي: التطبيق (1045 ،1120)، وأبو داود: الصلاة (876) ، وأحمد (1/219)، والدارمي: الصلاة (1325 ،1326) .
3 مسلم: الصلاة (483)، وأبو داود: الصلاة (878) .
4 مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (579)، والنسائي: السهو (1270)، وأبو داود: الصلاة (988 ،989) ، وأحمد (4/3)، والدارمي: الصلاة (1338) .
النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأي تشهد تشهده مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز، والأولى تخفيفه وعدم الزيادة عليه وهذا التشهد الأول.
ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ويجوز أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مما ورد. وآل محمد أهل بيته وقوله:"التحيات" أي جميع التحيات لله تعالى استحقاقا وملكا، "والصلوات" الدعوات "والطيبات" الأعمال الصالحة، فهو سبحانه يُحَيَّى ولا يُسَلَّم عليه لأن السلام دعاء.
وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفردا إذا لم يكثر ولم تتخذ شعارا لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض. وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة، وتتأكد تأكدا كثيرا عند ذكره، وفي يوم الجمعة وليلتها. ويسن أن يقول:"اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال" وإن دعا بغير ذلك مما ورد فحسن. لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه" 1 ما لم يشق على المأموم.
ويجوز الدعاء لشخص معين لفعله صلى الله عليه وسلم في دعائه للمستضعفين بمكة، ثم يسلم وهو جالس، مبتدئا عن يمينه قائلا. "السلام عليكم ورحمة الله" وعن يساره كذلك. والالتفات سنة، ويكون عن يساره أكثر بحيث يرى خده. ويجهر إمام بالتسليمة الأولى فقط ويسرهما غيره، ويسن حذفه وهو عدم تطويله أي لا يمد به صوته، وينوي
1 البخاري: الأذان (835)، ومسلم: الصلاة (402)، والنسائي: التطبيق (1163) والسهو (1298)، وأبو داود: الصلاة (968) ، وأحمد (1/382 ،1/413 ،1/427 ،1/431 ،1/437)، والدارمي: الصلاة (1340) .
به الخروج من الصلاة، وينوي أيضا السلام على الحفظة وعلى الحاضرين.
وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض مكبرا على صدور قدميه إذا فرغ من التشهد الأول، ويأتي بما بقى من صلاته كما سبق، إلا أنه لا يجهر ولا يقرا شيئا بعد الفاتحة، فإن فعل لم يكره.
ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه، ويجعل إليته على الأرض، فيأتي بالتشهد الأول، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بالدعاء، ثم يسلم. وينحرف الإمام إلى المأمومين على يمينه أو على شماله، ولا يطيل الإمام الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة. ولا ينصرف المأموم قبله لقوله صلى الله عليه وسلم:"إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بانصراف"1. فإن صلى معهم نساء انصرف النساء وثبت الرجال قليلا لئلا يدركوا من انصرف منهن.
ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة فيقول: استغفر الله – ثلاثا، ثم يقول:"اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
ثم يسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثا وثلاثين، ويقول تمام المائة:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحدا من الناس: "اللهم أجرني من النار" سبع مرات. والإسرار بالدعاء أفضل، وكذا بالدعاء المأثور، ويكون بتأدب وخشوع وحضور قلب ورغبة ورهبة لحديث:
1 مسلم: الصلاة (426)، والنسائي: السهو (1363)، وأبو داود: الصلاة (624) ، وأحمد (3/102 ،3/154 ،3/217 ،3/240 ،3/290)، والدارمي: الصلاة (1317) .
"لا يستجاب الدعاء من قلب غافل" ويتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ويتحرى أوقات الإجابة، وهي ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلاة المكتوبة، وآخر ساعة يوم الجمعة. وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستحب لي. ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمن عليه، ويكره رفع الصوت.
ويكره في الصلاة التفات يسير، ورد بصره إلى السماء، وصلاته إلى صورة منصوبة أو إلى وجه آدمي، واستقبال نار ولو سراجا، وافتراش ذراعيه في السجود. ولا يدخل فيها وهو حاقن أو حاقب أو بحضرة طعام يشتهيه، بل يؤخرها ولو فاتته الجماعة. ويكره مس الحصى، وتشبيك أصابعه، واعتماده على يديه في جلوس، ولمس لحيته، وعقص شعره، وكف ثوبه. وإن تثاءب كظم ما استطاع، فإن غلبه وضع يده في فمه. ويكره تسوية التراب بلا عذر. ويرد المار بين يديه ولو بدفعه، آدميا كان المار أو غيره، فرضا كانت الصلاة أو نفلا؛ فإن أبى فله قتاله ولو مشى يسيرا.
ويحرم المرور بين المصلِّي وبين سترته وبين يديه إن لم يكن له سترة، وله قتل حية وعقرب وقملة، وتعديل ثوب وعمامة، وحمل شيء ووضعه. وله إشارة بيد ووجه وعين لحاجة.
ولا يكره السلام على المصلي وله رده بالإشارة ويفتح على أمامه إذا أُرتج عليه أو غلط، وإن نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة. وإن بدره بصاق أو مخاط وهو في المسجد بصق في ثوبه وفي غير المسجد عن يساره، ويكره أن يبصق قدامه أو عن يمينه.
وتكره صلاة غير مأموم إلى غير سترة ولو لم يخش مارا، من جدار أو شيء شاخص كحربة أو غير ذلك مثل آخرة الرحل، ويسن أن يدنو منها
لقوله: صلى الله عليه وسلم "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ويدن منها" 1 وينحرف عنها يسيرا لفعله صلى الله عليه وسلم. وإن تعذر خط خطا، وإذا مر من ورائها شيء لم يكره، فإن لم يكن سترة أو مر بينه وبينها امرأة أو كلب أو حمار بطلت صلاته.
وله قراءة في المصحف والسؤال عند آية الرحمة والتعوذ عند آية العذاب.
والقيام ركن في الفرض لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 2 إلا العاجز أو عريان أو خائف أو مأموم خلف إمام الحي العاجز عنه. وإن أدرك الإمام في الركوع فبقدر التحريمة.
وتكبيرة الإحرام ركن، وكذا قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد، وكذا الركوع لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 3 وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلا دخل المسجد فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه. قال له: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلّ. فعلها ثلاثا. فقال: والذي بعثك بالحق نبيا لا أحسن غير هذا فعلمني. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حق تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا. ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" رواه الجماعة. فدل على أن المسمى في هذا الحديث لا يسقط بحال؛ إذ لو سقطت لسقطت عن هذا الأعرابي الجاهل.
1 البخاري: الصلاة (509) وبدء الخلق (3275)، ومسلم: الصلاة (505)، والنسائي: القبلة (757) والقسامة (4862)، وأبو داود: الصلاة (697 ،699 ،700)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (954) ، وأحمد (3/34 ،3/43 ،3/49 ،3/57 ،3/63)، ومالك: النداء للصلاة (364)، والدارمي: الصلاة (1411) .
2 سورة البقرة آية: 238.
3 سورة الحج آية: 77.
والطمأنينة في هذه الأفعال ركن لما تقدم. "ورأى حذيفة رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال له: ما صليت، ولو مت لمت على غير فطرة الله التي فطر عليها محمدا صلى الله عليه وسلم".
والتشهد الأخير ركن لقول ابن مسعود: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا التحيات لله" 1 رواه النسائي، ورواته ثقات.
والواجبات التي تسقط سهوا (ثمانية) : التكبيرة غير الأولى، والتسميع للإمام والمنفرد، والتحميد للكل، وتسبيح ركوع وسجود، وقول "رب اغفر لي"، والتشهد الأول والجلوس له، وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال.
فسنن الأقوال سبع عشرة: الاستفتاح والتعوذ والبسملة والتأمين وقراءة السورة في الأوليين وفي صلاة الفجر والجمعة والعيد والتطوع كله والجهر والإخفات وقول "ملء السماء والأرض إلى آخره"، وما زاد على المرة في تسبيح ركوع وسجود وقول "رب اغفر لي" والتعوذ في التشهد الأخير والصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم والبركة عليه وعليهم. وسوى ذلك فسنن أفعال مثل كون الأصابع مضمومة مبسوطة مستقبلا بها القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه، وحطهما عقب ذلك، وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته، والنظر إلى موضع سجوده، وتفريقه بين قدميه، في قيامه ومراوحته بينهما، وترتيل القراءة، والتخفيف للإمام، وكون الأولى أطول من الثانية، وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في الركوع، ومد ظهره مستويا، وجعل رأسه حياله، ووضع ركبتيه قبل يديه في سجوده، ورفع يديه قبلهما في
1 النسائي: السهو (1277)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، وأحمد (1/382 ،1/427)، والدارمي: الصلاة (1340) .
القيام، وتمكين جبهته وأنفه من الأرض، ومجافاة عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، وإقامة قدميه وجعل بطون أصابعهما إلى الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة الأصابع إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة إلى القبلة، ومباشرة المصلى بيديه وجبهته وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه معتمدا بيديه على فخذيه، والافتراش في الجلوس بين السجدتين والتشهد، والتورك في الثاني، ووضع يديه على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة بين السجدتين وفي التشهد، وقبض الخنصر والبنصر من اليمنى وتحليق إبهامها مع الوسطى والإشارة بسبابتها، والالتفات يمينا وشمالا في تسليمه، وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات.
وأما سجود السهو فقال أحمد: يحفظ فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من الثنتين فلم يتشهد. قال الخطابي: المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة يعني حديثي ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة. وسجود السهو يشرع للزيادة والنقص وشك في فرض ونفل، إلا أن يكثر فيصير كوسواس فيطرحه. وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة، فمتى زاد من جنس الصلاة قياما أو ركوعا أو سجودا أو قعودا عمدا بطلت، وسهوا يسجد له لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين" 1 رواه مسلم. ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، وإن زاد ركعة قطع متى ذكر، وبنى على فعله قبلها، ولا يتشهد إن كان قد تشهد، ثم سجد وسلم. ولا يعتد بالركعة الزائدة مسبوق، ولا يدخل معه من علم أنها زائدة، وإن كان إماما أو منفردا فنبهه ثقتان لزمه الرجوع
1 البخاري: الصلاة (401 ،404) والجمعة (1226) والأيمان والنذور (6671) وأخبار الآحاد (7249)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (572)، والترمذي: الصلاة (392 ،393)، والنسائي: السهو (1240 ،1241 ،1242 ،1243 ،1244 ،1245 ،1246 ،1254 ،1255 ،1256 ،1257 ،1258 ،1259)، وأبو داود: الصلاة (1019 ،1020 ،1022)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1203 ،1205 ،1211 ،1212 ،1218) ، وأحمد (1/376 ،1/379 ،1/409 ،1/419 ،1/420 ،1/424 ،1/428 ،1/429 ،1/438 ،1/443 ،1/448 ،1/455 ،1/456 ،1/463 ،1/465)، والدارمي: الصلاة (1498) .
ولا يرجع إن نبهه واحد إلا أن يتيقن صوابه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين.
ولا يبطل الصلاة عمل يسير كفتحه صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة وحمله أمامة ووضعها. وإن أتى بقول مشروع في الصلاة في غير موضعه كالقراءة في القعود والتشهد في القيام، لم تبطل به.
وينبغي السجود لسهوه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين" 1، وإن سلم قبل إتمامها عمدا بطلت. وإن كان سهوا ثم ذكر قريبا أتمها ولو خرج من المسجد أو تكلم يسيرا لمصلحتها، وإن تكلم سهوا أو نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة من غير القرآن لم تبطل، وإن قهقه بطلت إجماعا، لا إن تبسم.
وإن نسي ركنا غير التحريمة فذكره في قراءة الركعة التي بعدها بطلت التي تركه منها وصارت الأخرى عوضا عنها، ولا يعيد الافتتاح قاله أحمد، وإن ذكره قبل الشروع في القراءة عاد فأتى به وبما بعده، وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائما، لحديث المغيرة رواه أبو داود، ويلزم المأموم متابعته ويسقط عنه التشهد ويسجد للسهو.
ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين، ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه، ولو أدرك الإمام راكعا وشك هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة، وإذا بنى على اليقين أتى بما بقي، ويأتي به المأموم بعد سلام إمامه ويسجد للسهو، وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ولو لم يتم التشهد ثم يتمه بعد سجوده.
ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه
1 البخاري: الصلاة (401 ،404) والجمعة (1226) والأيمان والنذور (6671) وأخبار الآحاد (7249)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (572)، والترمذي: الصلاة (392 ،393)، والنسائي: السهو (1240 ،1241 ،1242 ،1243 ،1244 ،1245 ،1246 ،1254 ،1255 ،1256 ،1257 ،1258 ،1259)، وأبو داود: الصلاة (1019 ،1020 ،1022)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1203 ،1205 ،1211 ،1212 ،1218) ، وأحمد (1/376 ،1/379 ،1/409 ،1/419 ،1/420 ،1/424 ،1/428 ،1/429 ،1/438 ،1/443 ،1/448 ،1/455 ،1/456 ،1/463 ،1/465)، والدارمي: الصلاة (1498) .
سهوا ولسهوه معه وفيما انفرد به، ومحله قبل السلام إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر لحديث عمران وذي اليدين، وإلا في ما إذا بنى على غالب ظنه إن قلنا به فيسجد ندبا بعد السلام، لحديث علي وابن مسعود، وإن نسيه قبل السلام أو بعده أتى به ما لم يطل الفصل، وسجود السهو وما يقول فيه وبعد رفعه كسجود الصلاة.