الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعذره في ذلك
(1)
أنه حُبِس لأجلها وامتُحن وأوذي في ذلك، فإن الفتوى بجعل الطلاق الثلاث بلفظ واحدٍ يقع طلقة واحدةً أمر مستنكر لدى جمهور العلماء، فضلًا عن طلاب العلم وعامة الناس، إذ هم يكادون يُطبقون على أنها تقع ثلاثًا لا واحدةً، فلا عجب إذا رأينا المؤلف يكرر الحديث عن هذا الموضوع، ويزيده في البسط والبيان ليظهر ما يعتقده دينًا وشرعًا، مؤيدًا له بشتى وجوه الأدلة من الكتاب والسنة والمعنى واللغة، مستفيدًا من كلام شيخه في مواضع مختلفة.
وهناك موضوعات أخرى مثل عشق الصور وأمراض القلوب وشفائها، تكلم عليها هنا وفي غيره من مؤلفاته، وفي كلٍّ منها ما ليس في الآخر، وهذه طريقته في جميع كتبه، فلا نتوسع بالحديث عنها.
*
أهميته:
خصّص المؤلف هذا الكتاب للتحذير من مصايد الشيطان ومكايده، وتناول كثيرًا من الأمراض القلبية والاعتقادات الفاسدة وضلالات الفرق والطوائف بالبحث والدراسة، وتوسَّع في معالجتها وردّ الشُّبه التي يتعلق بها رؤوس البدع والضلال. ويعتبر هذا الكتاب من أفضل الكتب التي أُلِّفت في بابه، ومن أهمّ مؤلفات ابن القيم رحمه الله، وقد أثنى عليه العلماء وتداولوه فيما بينهم، ونظموا في مدحه شعرًا وفضَّلُوه على غيره من الكتب في هذا الباب، وحثُّوا طالب العلم على قراءته واقتنائه، كما سيأتي ذكره في وصف النسخ. وقد قال العلامة محمود شكري الآلوسي في التعريف به: "هو كتاب
(1)
الكلام الآتي من المصدر السابق (ص 128).
مشهور من كتب السنة، أودعه مؤلفه رحمه الله مهمات المطالب، وأبطل به حبائل الشيطان ومصايده، ودسائسه ومكايده، فلا بِدْعَ أن نفرتْ منه جنوده، واضطربت منه أعوانه وأولياؤه، والله لا يصلح عمل المفسدين"
(1)
.
وقد سبق المؤلفَ إلى التأليف في هذا الباب العلامةُ ابن الجوزي بكتابه المشهور "تلبيس إبليس"، ولكن منهجه يختلف عن منهج "الإغاثة"، وإن اشتركا في بعض الموضوعات والمباحث. فقد قسَّم ابن الجوزي كتابه إلى ثلاثة عشر بابًا: الأربعة الأولى منها في الأمر بلزوم الجماعة، وذم البدع والمبتدعين، والتحذير من فتن إبليس ومكايده، وبيان معنى التلبيس والغرور. وبقية الأبواب في ذكر تلبيس إبليس في العقائد والديانات، وعلى العلماء في فنون العلم، وعلى الولاة والسلاطين، وعلى العبَّاد والزهّاد والصوفية، وعلى المتدينين، وعلى العوامّ. وختمه بذكر تلبيسه على الكلّ بتطويل الأمل.
وقد خصَّ الباب العاشر لذكر تلبيسه على الصوفية وأطال فيه بحيث أصبح أكثر من نصف الكتاب في الرد عليهم (ص 161 - 378 من الطبعة المنيرية).
أما "إغاثة اللهفان" فقد بدأه المؤلف بذكر أمراض القلوب وأدوائها وعلاجها، وتكلَّم عليها في اثني عشر بابًا من أصل ثلاثة عشر، وخصَّ الباب الأخير لذكر مكايد الشيطان التي يكيد بها بني آدم. وهذا الباب ــ الذي لأجله وضع الكتاب كما ذكر المؤلف ــ قسَّمه إلى فصول كثيرة، تناول فيها
(1)
غاية الأماني في الرد على النبهاني (2/ 5).
أنواعًا من المكايد العامة بالبحث والدراسة أولًا، ثم انتقل إلى تفصيل الكلام حول بعض المكايد التي تختص ببعض الطوائف والفرق، فتكلم على الوسوسة والموسوسين، والفتنة بالقبور وتعظيمها، والسماع والغناء بالآلات المحرمة، ومكيدة التحليل، ومبحث الطلاق الثلاث، والحيل وأنواعها، وعشق الصور، وعبادة الأصنام والكواكب والنار والملائكة، وضلال الثنوية والصابئة والدهرية والفلاسفة، وختم الكتاب بذكر تلاعب الشيطان بالنصارى واليهود.
ولم ينقل ابن القيم من كتاب ابن الجوزي إلَّا في مواضع معدودة (انظر ص 233، 297)، وكل منهما له منهج خاص وأسلوب يتميز به، وقد اهتم ابن الجوزي بذكر كثير من الأحاديث والآثار بالأسانيد، وردّ على الصوفية ردًّا مشبعًا، ومنها مذهبهم في السماع والغناء، ولم يتوسع في ذكر الفتنة بالقبور والرد على النصارى واليهود كما توسع فيها ابن القيم. وهكذا يكون كل منهما قد تناول ما ليس عند الآخر بأسلوبه المعروف.
ويتميز كتاب "الإغاثة" بأنه تناول أمراض القلوب وشفاءها، وهو موضوع محبب لدى ابن القيم، تطرق إليه في عدد من مؤلفاته. وتوسَّع كذلك في موضوع الوسوسة والموسوسين والتحليل والمحلِّلين، والحيل وأصحابها، وعشق الصور وغير ذلك بحيث أصبح كتابه مرجعًا مهمًّا لدراسة هذه الموضوعات، واعتمد عليه المؤلفون فيما بعد، ونقلوا عنه فقرات كثيرة، وقاموا باختصاره وتهذيبه وتقريبه، كما سيأتي ذكره إن شاء الله.