الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) أي إن جميع من سبقك من الرسل كانوا يأكلون الطعام للتغذى به، ويمشون فى الأسواق للتكسب والتجارة، ولم يقل أحد إن ذلك نقص لهم يغضّ من كرامتهم ويزرى بهم، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم فى هذا، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة، وخصائصهم السامية، وآدابهم العالية، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات، وباهر المعجزات، مما يستدلّ به كل ذى لب سليم وبصيرة نافذة على صدق ما جاءوا به من عند ربهم- فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل، إذ يأكل ويمشى فى الأسواق، وليس هذا بذم له ولا مطعن فى صدق رسالته كما تزعمون.
ونحو الآية قوله تعالى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» وقوله: «وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ» .
ثم سلى رسوله على قولهم: «أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» بقوله.
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ؟) أي وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، فجعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرا وحرمناه من لذات الحياة ونعيمها، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنى، والملك بصبره على ما أوتيه الرسول من الكرامة، وكيف يكون رضى كل منهم بما أعطى وقسم له، وطاعته ربه على حرمانه مما أعطى سواه- ومن جرّاء هذا لم أعط محمدا الدنيا وجعلته بمشى فى الأسواق يطلب المعاش، لأبتليكم وأختبر طاعتكم وإجابتكم إياه إلى ما دعاكم إليه وهو لم يرج منكم عرضا من أعراض الدنيا، ولو أعطيتها إياه لسارع كثير منكم إلى اتباعه، طمعا فى أن ينال شيئا من دنياه.
والخلاصة- لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلى حتى لا يخالفوا لفعلت، لكنى أردت أن أبتلى العباد بهم، وأبتليهم بالعباد، فينالهم منهم الأذى، ويناصبوهم العداء، فاصبروا على البلاء، فقد علمتم ما وعد الله به الصابرين.
(وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي وربك أيها الرسول بصير بمن يجزع، وبمن يصبر على ما امتحن به من المحن، ويجازى كلا بما يستحق من عقاب أو ثواب.
روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انظروا إلى أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هم فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» .
اللهم اجعلنا من الصابرين على أذى السفهاء، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وارزقنا من لدنك قناعة وغنى نربأ بهما عما فى أيدى الناس، وثبت أقدامنا فى فهم كتابك، وبلغنا ما نرجوه من إرشاد عبادك بما نقدّم لهم من نور يهتدون به إلى صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وصل ربنا على محمد وآله.
ثم تفسير هذا الجزء بحلوان من أرباض القاهرة قاعدة الديار المصرية، لثلاث خلون من صفر سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، ولله الحمد أولا وآخرا.