الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والغثاء: ما يحمله السيل من الورق والعيدان البالية التي لا ينتفع بها، بعدا:
أي هلاكا.
الإيضاح
(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ. فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، أَفَلا تَتَّقُونَ؟) أي ثم أوجدنا من بعد مهلك قوم نوح قوما آخرين وهم عاد، فأرسلنا فيهم رسولا منهم، وهو هود عليه السلام داعيا لهم قائلا: يا قوم اعبدوا الله وأطيعوه دون الأوثان والأصنام، فإن العبادة لا تنبغى إلا له، ولا تصلح لسواه، أفلا تخافون عقابه بعبادتكم غيره من وثن أو صنم؟
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) أي وقال أشراف قومه الذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا بالبعث والحساب، وقد وسعنا عليهم فى الحياة الدنيا بما بسطنا لهم من الرزق حتى بطروا وعتوا وكفروا بربهم: ما هود إلا بشر مثلكم لا ميزة له عنكم، فهو يأكل مما تأكلون، ويشرب مما تشربون، ومرادهم بذلك توهين أمره، وتحقير شأنه.
(وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) أي ولئن أطعتم بشرا مثلكم فاتبعتموه وقبلتم ما يقول: إنكم إذا لمغبونون حظوظكم من الشرف والرفعة فى الدنيا.
ثم بينوا سبب إنكارهم لاتباعه، واستبعادهم وقوع ما يدعيه بقولهم:
(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) أي أيعدكم أنكم مخرجون من قبوركم أحياء كما كنتم أولا إذا متم وكنتم ترابا فى القبور بعد أن تذهب لحومكم وتبقى عظامكم.
(هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) أي بعد ما توعدون أيها القوم من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما تخرجون من قبوركم للبعث والحساب ثم الجزاء على ما تعملون
ثم أكدوا هذا الإنكار بقولهم:
(إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) أي ما حياة إلا هذه حياة فى الدنيا، تموت الأحياء منا فلا تحيا، ويحدث آخرون منا ويولدون، وما نحن مبعوثين بعد الموت، إنما مثلنا مثل الزرع يحصد هذا وينبت ذاك والخلاصة- إنه يموت منا من هو موجود، وينشأ آخرون بعدهم.
وبعد أن كان أمرهم معه مقصورا على الاستبعاد فحسب، جاهروا بتكذيبه فيما يدعى فقالوا:
(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) أي ما هود إلا رجل يختلق الكذب على الله، فتارة يقول: مالكم من إله غير الله خالق السموات والأرض وأخرى يقول: إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون، وما نحن بمصدقيه فيما يدّعى ويزعم من التوحيد والبعث.
ولما يئس هود من إيمانهم بعد ذكر هذه المقالة «وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ» فزع إلى ربه (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) أي قال بعد أن يئس من إيمانهم وقد سلك فى دعوتهم كل مسلك، متضرعا إلى ربه: رب انصرني عليهم وانتقم لى منهم بتكذيبهم إياى فيما دعوتهم إليه من الحق وإصرارهم على الباطل.
فأجابه ربه إلى ما سأل.
(قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) أي قال تعالى مجيبا دعاءه: ليصيرنّ مكذبوك بعد زمن قليل نادمين على ما فعلوا، وستحل بهم نقمتنا، ولا ينفعهم الندم حينئذ.
ثم أخبر أنه أنجز وعيده فيهم فقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) أي فسلطنا عليهم نقمتنا فأخذهم العذاب الذي لا قبل لهم به، وقد كانوا لمثله مستحقين، بسبب كفرهم وتكذيبهم برسوله، فجعلناهم كغثاء السيل، لاغناء فيهم، ولا فائدة ترجى منهم.