المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لو تأملتم لعلمتم أن ما جاءكم به هو فخركم فكيف - تفسير المراغي - جـ ١٨

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 16]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : آية 17]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 18 الى 20]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 21 الى 22]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 30]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 44]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 45 الى 49]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : آية 50]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 51 الى 56]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 61]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : آية 62]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 63 الى 77]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 80]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 81 الى 83]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 90]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 91 الى 92]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 93 الى 100]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 101 الى 111]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 112 الى 118]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌خلاصة ما تضمنته السورة من الحكم والأحكام والآداب

- ‌سورة النور

- ‌[سورة النور (24) : آية 1]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 2]

- ‌عقوبة الزنا الدنيوية

- ‌عقوبة المحصنين

- ‌عقوبة غير المحصنين

- ‌طريق إثبات الزنا

- ‌عقوبة الزنا الأخروية

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 3]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 6 الى 10]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 22]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 23 الى 25]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 26]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 35]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 36 الى 38]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 40]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌ الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 41 الى 42]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 43 الى 44]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 45]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 46]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 54]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 55]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 56 الى 57]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : آية 61]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مجمل ما حوته السورة الكريمة من الأغراض والمقاصد

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 2]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 3]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 4 الى 6]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 19]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفرقان (25) : آية 20]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: لو تأملتم لعلمتم أن ما جاءكم به هو فخركم فكيف

لو تأملتم لعلمتم أن ما جاءكم به هو فخركم فكيف تعرضون عنه؟ وهل تظنون أنه يسألكم أجرا على هدايتكم وإرشادكم، فما عند الله خير مما عندكم وهو خير الرازقين.

فها هو ذا قد تبين الرشد من الغىّ، واستبان أن ما تدعوهم إليه هو الحق الذي لا محيص منه، وأن الذين لا يؤمنون به عادلون عن طريق الحق، وقد بلغوا حدا من التمرد والعناد لا يرجى معه صلاح، فلو أنهم ردّوا فى الآخرة إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، لشدة لجاجهم وتدسيتهم لأنفسهم.

ولقد قتلنا سراتهم بالسيف يوم بدر، فما خضعوا ولا انقادوا لربهم، ولا ردهم ذلك عما كانوا فيه، بل استمروا فى غيهم وضلالهم كما قال «فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا» .

فإذا جاءتهم الساعة بغتة، وأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون، أيسوا من كل خير، وانقطع رجاؤهم من كل راحة وسعادة.

‌الإيضاح

(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) أي بل قلوب المشركين فى غفلة عن هدى القرآن والاسترشاد بما جاء به، مما فيه سعادة الناس فى دينهم ودنياهم، فلو قرءوه وتدبروه لرأوا أنه كتاب ينطق بالصدق، وأنه يقضى بأن أعمال المرء مهما دقّت فهو محاسب عليها، وإن ربك لا يظلم أحدا من عباده.

ثم ذكر جنايات أخرى لهم فوق جنايتهم السابقة فقال:

(وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ) أي إن لهم أعمالا أخرى أسوأ من ذلك، فقد أغرقوا فى الشرك والمعاصي، واتخذوا هذا الكتاب هزوا، وجعلوه سمرهم فى البيت الحرام يقولون فيه ما هو منه براء، يقولون إن هو إلا سحر مفترى، وما هو إلا أساطير الأولين، وما هو إلا كلام شاعر، ويتقوّلون على من أرسل به، فيزعمون أنه رجل به جنّة، وأنه قد تعلمه من غيره من أهل الكتاب، وانغمسوا فى عبادة

ص: 38

الأوثان والأصنام، ولقد تراهم إذا جاء البرهان الساطع أعرضوا عنه وقالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.

(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي حتى إذا حلّ بهم بأسنا يوم القيامة، وحاق بهم سوء العذاب، صاحوا صيحة منكرة وقالوا: وا غوثاه، ووا سوء منقلباه، لشدة ما يروه من الكرب والهول، ولا سيما مترفوهم الذي انقلب أمرهم من النعيم إلى العذاب الأليم، وندموا حين لا ينفع الندم:

ندم البغاة ولات ساعة مندم

والبغي مرتع مبتغيه وخيم

ثم أبان أن الصريخ والعويل لا يجديهم نفعا فقال:

(لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي قلنا لهم: هيهات هيهات، قد فات ما فات، الآن لا يجديكم البكاء والعويل، فهذا وقت الجزاء على ما كسبت أيديكم وقد حقّت عليكم كلمة ربكم، ولا مغيث من أمره، ولا ناصر يحول بينكم وبين بأسه.

ولا يخفى ما فى ذلك من التهويل الشديد لذلك اليوم وأنه لا تجدى فيه ضراعة ولا استغاثة، ولا ينفع فيه ولىّ ولا نصير.

ثم ذكر سببا آخر يبين أن البكاء والصراخ لا ينفع شيئا فقال:

(قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي دعوا الصراخ فإنه لا يمنعكم منا، واتركوا النصير فإنه لا ينفعكم عندنا، فقد ركبتم شططا، وجاءتكم الآيات والنذر فأعرضتم عن سماعها، فضلا عن تصديقها والعمل بها، وكنتم كمن ينكص على عقبيه مولّيا القهقرى، نافرا مما يسمع ويرى.

ثم ذكر سببا ثالثا يدعو إلى التنكيل بهم والتشديد فى عذابهم فقال:

(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) أي تعرضون عن الإيمان، مستعظمين بالبيت الحرام، تقولون نحن أهل حرمه وخدّام بيته، فلا يظهر علينا أحد، ولا نخاف أحدا، وتسمرون حوله وتتخذون القرآن سلواكم، والطعن فيه هجّيراكم، تهذون فتقولون:

هو سحر، هو شعر، هو كهانة إلى آخر ما يحلولكم أن تتقوّلوه.

ص: 39

والخلاصة- إنكم كنتم عن سماع آياتي معرضين، مستعظمين بأنكم خدام البيت وجيرانه، فلا تضلمون، وتهذون فى أمر القرآن وتقولون فيه ما ليس فيه مسحة من الحق، ولا جانب من الصواب.

ثم أنّبهم على ما فعلوا وبيّن أن إقدامهم عليه لا بد أن يكون لأحد أسباب أربعة فقال:

(1)

(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) أي إنهم لم يتدبروا القرآن فيعلموا ما خصّ به من فصاحة وبلاغة، وقد كان لديهم فسحة من الوقت، تمكنهم من التدبر فيه ومعرفة أنه الحق من ربهم، وأنه مبرأ من التناقض وسائر العيوب التي تعترى الكلام- إلى ما فيه من حجج دامغة، وبراهين ساطعة، إلى ما فيه من فضائل الآداب، وسامى الأخلاق، إلى ما فيه من تشريع إن هم اتبعوه كانوا سادة البشر، واتبعهم الأسود والأحمر، كما كان لمن اتبعه من السابقين الأولين من المؤمنين.

(2)

(أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) أي أم اعتقدوا أن مجىء الرسل أمر لم تسبق به السنن من قبلهم، فاستبعدوا وقوعه، لكنهم قد عرفوا بالتواتر أن الرسل كانت تترى وتظهر على أيديهم المعجزات، فهلّا كان ذلك داعيا لهم إلى التصديق بهذا الرسول الذي جاء بذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.

(3)

(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي أم أنهم لم يعرفوا رسولهم بأمانته وصدقه وجميل خصاله قبل أن يدّعى النبوّة؟ كلا، إنهم لقد عرفوه بكل فضيلة، وشهر لديهم باسم (الأمين) فكيف ينكرون رسالته، ولقد قال جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه للنجاشى: إن الله بعث فينا رسولا نعرف نسبه، ونعرف صدقه وأمانته، وكذلك قال أبو سفيان لملك الروم حين سأله وأصحابه عن نسبه، وصدقه وأمانته، وقد كانوا بعد كفارا لم يسلموا.

(4)

(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) أي أم إن به جنونا فلا يدرى ما يقول، مع أنهم يعلمون أنه أرجح الناس عقلا وأثقبهم ذهنا وأوفرهم رزانة.

ص: 40

وبعد أن عدد سبحانه هذه الوجوه، ونبّه إلى فسادها، بيّن وجه الحق فى عدم إيمانهم فقال:

(بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) أي إن ما جاءهم به هو الحق الذي لا محيص منه، فما هو إلا توحيد الله، وما شرعه لعباده مما فيه سعادة البشر، لكن أكثرهم جبلوا على الزيغ والانحراف عن الحق، لما ران على قلوبهم من ظلمات الشرك والإسراف فى الآثام والمعاصي، ومن ثم فهم لا يفقهون الحق ولا تستسيغه نفوسهم فهم له كارهون.

وإنما نسب هذا الحكم للأكثر، لأن فيهم من ترك الإيمان أنفة من توبيخ قومه أن يقولوا: ترك دين آبائه، لا كراهة للحق، كما أثر عن أبى طالب من قوله:

فو الله لولا أن أجىء بسبّة

تجرّ على أشياخنا فى القبائل

إذا لا تبعناه على كل حالة

من الدهر جدّا غير قول التخاذل

ثم بين سبحانه أن اتباع الهوى يؤدى إلى الفساد العظيم فقال:

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) أي ولو سلك القرآن طريقهم، بأن جاء مؤيدا للشرك بالله، واتخاذ الولد، (تعالى الله عن ذلك) وزيّن الآثام واجتراح السيئات، لاختل نظام العالم كما جاء فى قوله:«لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» ولو أباح الظلم وترك العدل لوقع الناس فى هرج ومرج، ولوقع أمر الجماعات فى اضطراب وفساد، والمشاهد فى الأمم التي يفشو فيها التخاذل والذلة والمسكنة يئول أمرها إلى الزوال، ولو أباح العدوان واغتصاب الأموال وأن يكون الضعيف فريسة للقوى، لما استتبّ أمن ولا ساد نظام، وحال العرب قبل الإسلام شاهد صدق على ذلك.

ولو أباح الزنا لفسدت الأنساب وما عرف والد ولده، فلا تتكوّن الأسر، ولا يكون من يعول الأبناء، ولا يبحث لهم عن رزق، فيكونون شرّدا فى الطرقات لا مأوى لهم، ولا عائل يقوم بشئونهم، وأكبر برهان على هذا ما هو حادث فى أوروبا الآن من

ص: 41

وجود نسل بازدواج غير شرعى مما تئنّ منه الأمم والجماعات إلى نحو أولئك مما سبق ذكره من قبل وفصّلناه تفصيلا.

وبعد أن أنبّههم على كراهتهم للحق، شنّع عليهم لإعراضهم عما فيه الخير لهم، وهو يخالف ما جبلت عليه النفوس من الرغبة فى ذلك فقال:

(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) أي بل جئناهم بالقرآن الذي فيه فخرهم وشرفهم فأعرضوا عنه، ونكصوا على أعقابهم، وازدروا به وجعلوه هزوا وسخرية، وما كان لهم من الخير أن يفعلوا ذلك.

ونحو الآية قوله: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» .

ثم نفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم ما ربما صدّهم عن دعوته، وهو طلبه المال منهم أجرا لنصحه وإرشاده فقال:

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) أي أم يزعمون انك طلبت منهم أجرا على تبليغ الرسالة، فلأجل هذا لا يؤمنون.

والمراد- إنك لا تسألهم أجرا، فإن ما رزقك الله فى الدنيا والعقبى خير من ذلك، لسعته ودوامه وعدم تحمل منّة فيه، ولأنك تحتسب أجره عند الله لا عندهم.

ونحو الآية قوله: «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» وقوله: «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» وقوله: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» .

(وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) توكيد لما قبله، إذ من يكون خير الرازقين يكون رزقه خيرا من رزق غيره.

وبعد أن فنّد آراءهم أتبعها ببيان صحة ما جاء به الرسول وأنه الحق الذي لا معدل عنه فقال:

(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي وإنك لتدعو هؤلاء المشركين من

ص: 42

قومك إلى ذلك الدين القيم الذي تشهد العقول السليمة باستقامته، وبعده عن الضلال والهوى والاعوجاج والزيغ.

وخلاصة ما سبق ما قاله صاحب الكشاف: قد ألزمهم الحجة فى هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم- بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره، وحاله مخبور سره وعلنه، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم، وأنه لم يعرض له حتى يدّعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل، ولم يجعل ذلك سلّما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم، مع إبراز المكنون من أدوائهم، وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل، واستهتارهم بدين الآباء الضّلال من غير برهان، وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق، وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيّرة، وكراهتهم للحق، وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر اه.

ثم بين أن الذين ينكرون البعث هم فى ضلال مبين فقال:

(وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) أي وإن الذين لا يصدقون بالبعث بعد الموت، وبقيام الساعة ومجازاة الله عباده فى الآخرة- عادلون عن محجة الحق، وعن قصد السبيل، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده، ونصب الأدلة عليه.

(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي إنهم بلغوا فى التمرد والعناد حدا لا يرجى معه صلاح لهم، فلو أنهم ردوا فى الآخرة إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، لشدة لجاجهم وتدسيتهم لأنفسهم.

(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) أي ولقد قتلنا سراتهم بالسيف يوم بدر، فما خضعوا لربهم ولا انقادوا لأمره ونهيه ولا تذللوا ولا ردهم ذلك عما كانوا فيه، بل استمروا فى غيهم وضلالهم.

ونحو الآية قوله: «فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا» .

ثم أبان عاقبة أمرهم وما يكون من حالهم إذا جاءت الساعة فقال:

ص: 43