المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الضحى: صدرُ النهار حين ترتفع الشمس. سجى: سكن. ما ودّعك - تيسير التفسير للقطان - جـ ٣

[إبراهيم القطان]

الفصل: ‌ ‌الضحى: صدرُ النهار حين ترتفع الشمس. سجى: سكن. ما ودّعك

‌الضحى:

صدرُ النهار حين ترتفع الشمس. سجى: سكن. ما ودّعك ربك: ما تركك. وما قلَى: ما أَبغضك. ضالا فهدى: لم تكن تعلم شيئا عن الشرائع فهداك الى خير منهج. عائلاً: فقيرا. لا تقهَر: لا تذلَّه بل ارأف به. فلا تنهر: لا تزجره، بل ترفّق به.

نزلت هذه السورة الكريمةُ حاملةً أجملَ بشرى للرسول الكريم، ملقيةً في نفسه الطمأنينة، معدِّدة ما أنعمَ الله به عليه. وقد اقسم سبحانه بآيتين عظيمتين من آياتِه في هذا الكون العجيب: ضحى النهارِ وصدرِه، والليلِ وسكونِه - انه ما ترككَ أيها الرسول، وما أبغضَك.

{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى}

ولَلدارُ الآخرة وما فيها من نعيم خيرٌ لك من هذه الحياة الدنيا، ولَعاقبةُ أمرك ونهايتُه خيرٌ من بدايته. وقد حقّق الله له نصره.

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى}

وهذه بشرى أخرى بأن الله تعالى سيُعطيه من خَيْرَيِ الدنيا والآخرة. وقد أعطاه حتى رَضِيَ، إن وعدَه الحق.

ثم بعدَ أن وعدَه بهذا الوعدِ الجميل ذَكَّره بنِعمه عليه فقال تعالى:

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى}

ألم تكن يتيماً يا محمد فآواك، إذ كَفَلَكَ جدُّك عبدُ المطلب. ثم عمُّك أبو طالب الّذي ظلَّ يرعاك ويدافِع عنك طوال حياته. ووجدك حائراً لا تُقْنِعُك هذه المعتقداتُ التي حولك فهداكَ الى خيرِ دينٍ وأحسنِ منهاج. وكنت فقيراً لا مالَ لك فأغناك الله بما ربحتَ من التجارة، وما وهبتْه لك خديجةُ من مالها، حتى سَكنَتْ نفسُك ورضيت.

وبعد أن عدّد هذه النعمَ عليه، وصّاه بوصايا كلُّها خيرٌ ورحمة فقال تعالى:

{فَأَمَّا اليتيم فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السآئل فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

وهذه الوصايا توجيهٌ كريم من الله تعالى لرسولِه وللمسلمين من بعدِه إلى رعاية اليتيم وكفالتِه، والى كِفاية كلِّ سائل، وإلى التحدُّثِ بنعمة الله الكبرى عليه. . ومن أعظَمِها الهدايةُ لهذا الدين القويم. وهذا توجيهٌ من الله بأن نتحلّى بالأخلاق العالية، وان نكون لطفاءَ لَيِّنين مع الناس، ونبتعدَ عن الغِلظَة والفظاظة التي يتّصف بها كثيرٌ مِمَّن يَدَّعون التديُّن.

اللهم اهدِنا سواء السبيل، واجعلنا ممن يقتفون آثارَ الرسول الكريم ويتبعون سُننه وأخلاقَه.

ص: 438

العسر: الفقر، والضعف، والشدة. فانصَب: فاتعب.

لقد شرحنا لك صَدرك يا محمد بما أودَعْنا فيه من الهُدى والحكمة والإيمان، وخفّفنا عنك ما أثقلَ ظَهرك من أعباءِ الدعوة، حتى تبلّغَها ونفسُك مطمئنّة راضية، ونوّهنا باسمِك وأعلينا مقامك، وجعلنا اسمَك مقروناً باسمي أنا الله، لا أُذْكَر إلا ذُكِرْتَ معي على لسانِ كل مؤمن «لا اله إلا الله، محمدٌ رسول الله» . وليس بعد هذا رفع، وليس وراء هذه منزلة، فالرسول يُذكر في الشهادة والأذان والإقامة والتشهُّد والخُطَب وغيرِ ذلك. .

وبعد أن عدّد الله بعض نِعمه على رسوله الكريم، تلطّف به وآنسَه وطمأنَه بأن اليُسْرَ لا يفارقُه أبدا. فقال:{فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً}

تلك بعضُ نِعمنا عليك، فكن على ثقةٍ من لُطفه تعالى، بأن الفَرَجَ سيأتي بعد الضيق، فلا تحزنْ ولا تَضْجَر. وفي الحديث:«لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَين» أخرجه الحاكم والبيهقي.

{فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب وإلى رَبِّكَ فارغب}

فاذا فَرَغْتَ من أمرِ الدعوة، وانتهيتَ من أمورِ الدنيا - فاجتهدْ في العبادة وأتعِب نفسَك فيها، وإلى ربك وحدَه فاتّجه. . فإنّك ستجدُ يُسراً مع كلِّ عسر.

ص: 439