المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كما كان يمتدحه دون إخوته بقوله: " يا ظنية بعد أبو شاته فساد - آل الجرباء في التاريخ والأدب

[ابن عقيل الظاهري]

الفصل: ‌كما كان يمتدحه دون إخوته بقوله: " يا ظنية بعد أبو شاته فساد

لَمْ تكن للحكومة العثمَانية على امتداد سلطانها ورقعة البلاد التي تديرها أية سيطرة تذكر على البادية، ففي كل هذا الحكم كنت ترى مثلاً عشائر شمر تنتقل في الجزيرة بين الخابور ودجلة والفرات، وكل مَا فعلته السلطات آنذاك أنها نصبت شيخين أحدهمَا " بداوة " يسير مع عشيرته وينتقل معها والاخر " مدينة " مركزه بين بغداد والَمْوصل، وبذلك يكون قريباً من السلطات ليستعينوا به على الإدارة البدوية، والأول ينتخب من الشيوخ الشجعان الكرمَاء الَمْوفقين بالغزو أمَا الاخر فيكون من أصحاب الَوْجاهة ولين العريكة، ولكن الشرط فيهمَا أن يكون كلا الشيخين من آل محمد لأنهم بيت الَمْشيخة، وبيت الَمْشيخة وقف على آل محمد، وهذا مَا فصلناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب. ومرد ذلك إلى أن معظم أهل الَمْوصل أهل بغداد يعرفون آل محمد شيوخ شمر الجربة وهم أولاد فرحان باشا. وكثيراً مَا كانت الحكومة العثمَانية تغضب عليهم، أو تهددهم. وقد حدث مرة كمَا نوهت في فصل آخر أن أحد الَوْلاة غضب على أحد الشيوخ وكتب إليه كتاباً مهدداً إياه، اختتمه بقول ابن الَوْردي:

جانبِ السلطانَ واحْذرْ بَطْشَهُ

لا تخاصمْ مَنْ إذا قَالَ فعلْ

فأجابه الشيخ مستعطفاً إياه، مردداً في ختام رسالته إليه قوله:

جانبِ السلطانَ واحْذرْ بَطْشَهُ

لا تخاصمْ مَنْ إذا شَدَّ رَحَلْ

والحكم العثمَاني لَمْ يقتصر على اتخاذ طريق الَمْشيخة وسيلة للسيطرة، بل إنه أنشأ قلاعاً للجند لتكون مركز قوة لفرض النفوذ تسير منها قوات كبيرة بين آونة وأُخرى، وهذا مَا حدث يوم سارت حملة كبيرة من تلك الأمَاكن على شمر حين عاث شيخها عبد الكريم الجربة فساداً في منطقة الَمْوصل، فألقت القبض عليه وشنقته على رأس جسر الَمْوصل، وقد عرف اعتداء شمر وشيخها بالَمْوصل آنذاك باسم " خراب عبد الكريم "، وذلك يرجع إلى مَا قبل مئة وثلاثين عامَا تقريباً، ولا بد أن نذكر في هذا الصدد أن الَمْوصل أصابها خراب على يد اثنين أحدهمَا عبد الكريم الجربة قديمَا، وثانيهمَا عبد الكريم قاسم حديثاً، وهمَا باسم واحد مع اختلاف اللقب، ورغم الَوْسائل التي اتبعها الحكم العثمَاني، بقيت عشائر شمر تغزو عشائر عنزة وعلى الأخص بالشامية ممَا سبب الفوضى والتعدي على القرى والطرق التي يمر عليها الغزو، والَمْعابر التي يعبر منها على نهر الفرات ومَا زلت أذكر أيام الطفولة في راوة تلك الغزوات الكثيرة وكيف كانت الرمَاح الطويلة تملأُ واديها، إذ كان البدو يتخذون الَمْعابر والَمْخاضات في راوة وجوارها مسرحاً لهم، ومَا زلت أذكر أسمَاء الرجال الشجعان الذين كان يتردد ذكرهم ممن كانوا يقودون الغزو ومَا كان بينهم من منافسة، ولا سيمَا من عائلة الَمْشيخة أمثال منيف ونايف ونواف أولاد جار الله والهادي بن العاص، الذين كانوا يتنافسون على الَمْشيخة في الجزيرة، حتى بلغ بهم الأمر حد الاقتتال واغتيال بعضهم بعضا، وكان الأباء آنذاك يشجعون أولادهم على تولي الَمْشيخة ويحثونهم عليها، لقد كان العاصي يردد لَوْلده الهادي:

الشَّيخْ مِثْلِكَ مَا يَنَامْ

يَسْعَى عَلى تَبْريْدَهَا

‌كمَا كان يمتدحه دون إخوته بقوله: " يا ظنية بعد أبو شاته فساد

". واستمر الحال بين العشائر البدوية يغزو بعضها بعضا، ويتقاضون بذلك تفاخرهم بعاداتهم التي جاء الإسلام قبل 1390 سنة فحاربها وندد بها واعتبرها عصبية جاهلية إلا أن ذلك لَمْ يلق أي أثر على البدو، فأنه يروى أن فرحان باشا مر يومَا بقرية تدعى " الَمْشاهدة " فرأى رجالها وقد امتلأت أجسامهم وضخمت قامَاتهم، فقال لهم: لَمْاذا لا تغزون؟ فقالَوْا له: لا نعرف، فقال لهم: اغزوا من هو أطقع منكم. وقال: أمَا في الشمَال في منطقة الَمْوصل، فقد ألف بيرق لشيخ شمر دهام الهادي إلا أن هذا البيرق لَمْ يكتب له النجاح، وبعد إنشاء الحكم الأهلي ألفت الحكومة بيرقاً في الشمَال لشيخ شمر الشيخ عقيل الياور وقد انتخب حديثاً، ولَمْ يقبل أن يكون بيرقة بإمرة ضابط بريطاني، فاختارت الحكومة مؤلف هذا الكتاب قائداً لهذا البيرق في 2021922.

ص: 43

وقال: أمَا في الجزيرة التي يحكمها عشائر شمر، فقد اعتمدوا على الشيخ دهام الجربة رئيس عشائر شمر بالشمَال في الجزيرة وفي جوار الَمْوصل، وبواسطته وواسطة شيخ عنزة أصبحت مدرعات الإنكليز تجوب الجزيرة والشامية في كل وقت بأمَان تام حتى إن سير هذه الَمْدرعات علَمْ في الأرض التي تسير فيها، وصار البدو وكل من يقطع البادية يرى طرق الَمْدرعات واضحاً ولا سيمَا في أيام الربيع حينمَا تخضر الأرض، إلا مواطئ عجلاتها فلا تخضر، ولهذا يظهر للَمْشاهد كأنها سكة حديد، وقد عينوا لكل بيرق من هذه البيارق الَمْؤلفة من مئتي هجان قائداً بريطانياً، يعاونه ضباط من رؤساء العشائر كمَا هو في بيرق الدليم. وإن البيرق الذي ألف في الجزيرة عند الشيخ دهام قد أخفق في مهمته فأُلغي قبل تأسيس الحكومة العراقية. ولَمْا رأس الأمير فيصل، اتجه إلى تعيين الشيخ عقيل الياور ابن عم الشيخ دهام شيخاً لَمْشايخ شمر، وتأليف بيرق له، لسمعته الحسنة بين العشائر وبين الَوْطنيين لأنه كان مساعداً للثوار، فأمر أحد ضباط الثورة العراقية في الحجاز وسورية وهو السيد تحسين علي باستصحاب الشيخ عقيل الياور إلى بغداد، فذهب إليه في مضارب شمر وصحبه إلى بغداد، وبعد مداولات ومذكرات قررت الحكومة العراقية تعيينه شيخاً لَمْشايخ شمر، وقد علَمْت أن تلك الَمْداولات والَمْشاورات كانت جارية بين البلاط ودائرة الَمْندوب السامي البريطاني، إذ كان البلاط يريد أن يكون الشيخ عقيل الياور هو الشيخ ودائرة الَمْندوب السامي تريد دهام حفيد العاصي أن يكون شيخاً باعتبار أن الَمْشيخة كانت ومَا زالت في بيت العاصي، وتجاه هذه الَمْطالعة تمسك الَمْلك فيصل برأيه باعتبار أن الشيخ العاصي كان نازلاً في موقع رميلان داخل الأراضي التركية، وأنه لا يمَانع من إعطاء حفيد العاصي الَمْشيخة إذا ترك جده العاصي منزله ونزل الأراضي العراقية، ولَمْا طلب ذلك من دهام فعجز عن إقناع جده من النزول في الأراضي العراقية، اضطر الَمْندوب السامي إلى الاتفاق مع الَمْلك فيصل على تعين الشيخ عقيل الياور شيخاً لَمْشايخ شمر وتأليف بيرق له من مئتي هجان، كمَا تقرر تعين الكابت لَوْدر البريطاني قائداً لهذا البيرق الذي عرف باسم الهجانة الشمَالية وقد علَمْت أخيراً أن الشيخ عقيلا الياور لَمْا علَمْ بتعين الكابت لَوْدر لهذا البيرق، طلب من البلاط ومن وزارة الداخلية عدم تأليف هذه القوة، لأنه لا يوافق أن تكون بين عشائر شمر قوة يقودها ضابط بريطاني وبعد مذكرات ومداولات بين البلاط ووزارة الداخلية تقرر أن يعين ضابط عراقي لقيادة هذه القوة بدلاً من الضابط البريطاني، ووقع الاختيار على كاتب هذه السطور ليكون قائداً لهذه القوة وجرى تعييني معاوناً لشرطة الهجانة في الَمْوصل في 2021922. وكانت الجزيرة تحت سيطرة رؤساء شمر الجربة، وهذه السيطرة ممتد إلى قرى الَمْوصل الَمْتصلة بالجزيرة، وتشمل جميع من يسير بالجزيرة من قوافل تجارية بضمنها الأغنام التي يأخذها التجار إلى سورية وغيرها من عروض التجارة مهمَا كان نوعها، إلا أن هذه السيطرة لا تصل إلى حد النهب وأخذ الَمْال، وإنمَا تمر الأموال بأمَان إذا دفع عنها الرسوم التي يقررها رؤساء شمر إلى أصحابها الَمْختصين وهذه الرسوم معروفة بالجزيرة وبين عشائرها ومن يسلك طريق الجزيرة باسم " الخوة " وهكذا كان رؤساء شمر الجربة ناشرين سيطرتهم عندمَا ألفت الهجانة. فشيوخ شمر آل محمد كل واحد منهم يعد شيخاً، وإن كانوا يحترمون ويطيعون الشيخ الذي تعينه الحكومة، فمنذ زمن غير قليل والَمْشيخة في بيت العاصي عم عقيل الياور ويلقبون أهل هذا البيت بالجزعة على اسم أمهم، وأمَا عجيل وأبوه فيعرفان باسم الدرة اسم أمهم أيضاً حيث كانت عشائر شمر ولا سيمَا الخرصة منهم تميل إلى العاصي، أمَا عشائر عبدة ولا سيمَا الذين نزحوا من نجد إلى العراق بعد سقوط إمَارة آل الرشيد منهم، فيميلَوْن إلى الشيخ الجديد الشيخ عقيل الياور، ولَمْا نصب الشيخ عقيل شيخاً كان العاصي نازلا في موقع رميلان داخل الحدود التركية بجوار نصيبين. كانت عشائر شمر كلها متفائلة من هذا الحدث الجديد، والشيء الذي عدوه حدثاً جديداً هو تأليف هجانة في مضارب الشيخ مع مخصصات ضخمة لَمْ يألفوها، لأنهم كانوا قانعين بالرسوم التي يأخذونها باسم الخوة، وهم

ص: 44

متمسكون بها أشد التمسك، ويقول قائلهم " قطع الخشوم ولا قطع الرسوم " ولهذا نرى روحاً جديدة دبت فيهم وفي البادية ونشاطاً غير اعتيادي لأنهم سارعوا إلى الدخول في الهجانة والتعاون مع الشيخ الجديد. كيف لا يدب النشاط فيهم بهذا الحدث الجديد، وهم لَمْ يشاهدوا موظفاً أو ضابطاً؟ وإنمَا هم لا يعرفون أكبر من درجة عريف، حتى أن عبد العزيز الفرحان والد الشيخ عقيل لَمْا زار مدير الشرطة السيد تحسين علي، قال له عند توديعه شاكراً إياه " الله يرقيك ويسويك شاويش! " فقال:" خلف الله عليك! ". إن لكل شيخ من شيوخ شمر الجربة جمَاعة من العبيد يعتمد عليها كقوة مسلحة، ومن الجملة الشيخ عقيل الياور، كان عنده جمَاعة من العبيد جيدة بل ممتازة يعتمد عليها لا باستعمَال القوة فقط، بل بالَمْلَمْات أيضاً، وقد اختبرتهم فوجدت كثيراً منهم أصحاب رأي صائب، وكان الشيخ يعاملهم معاملة حسنة، ويسميهم بآل، وبني، وهم يقابلَوْنه بالاحترام والإخلاص، ومَا برحت أتذكر أن أكثرهم ينتمون إلى ثلاث أُسر: سكون بها أشد التمسك، ويقول قائلهم " قطع الخشوم ولا قطع الرسوم " ولهذا نرى روحاً جديدة دبت فيهم وفي البادية ونشاطاً غير اعتيادي لأنهم سارعوا إلى الدخول في الهجانة والتعاون مع الشيخ الجديد. كيف لا يدب النشاط فيهم بهذا الحدث الجديد، وهم لَمْ يشاهدوا موظفاً أو ضابطاً؟ وإنمَا هم لا يعرفون أكبر من درجة عريف، حتى أن عبد العزيز الفرحان والد الشيخ عقيل لَمْا زار مدير الشرطة السيد تحسين علي، قال له عند توديعه شاكراً إياه " الله يرقيك ويسويك شاويش! " فقال:" خلف الله عليك! ". إن لكل شيخ من شيوخ شمر الجربة جمَاعة من العبيد يعتمد عليها كقوة مسلحة، ومن الجملة الشيخ عقيل الياور، كان عنده جمَاعة من العبيد جيدة بل ممتازة يعتمد عليها لا باستعمَال القوة فقط، بل بالَمْلَمْات أيضاً، وقد اختبرتهم فوجدت كثيراً منهم أصحاب رأي صائب، وكان الشيخ يعاملهم معاملة حسنة، ويسميهم بآل، وبني، وهم يقابلَوْنه بالاحترام والإخلاص، ومَا برحت أتذكر أن أكثرهم ينتمون إلى ثلاث أُسر: 1 - آل عويد، وهم يعاونونه في إدارة الَمْضيف والاستشارة التي تخص ذلك.

2 -

آل وريدة، وهم يعاونونه في الَمْراسلة.

ص: 45

3 -

آل جفال، وهم مشهورون بالدلالة، أي معرفة الأراضي والطرق. وأشهر رجل رأيته فيهم ذياب الجفال، وقد استصحبته في بعض الأسفار، فقال لي: تريد طريقاً سهلاً أسيرك فيه؟ أو ذا شجر أو ذا رضم " حجر "؟ وعلى كل حال فهؤلاء العبيد كانوا قوته الأصلية. ولَمْا ألفت قوة الهجانة، كان هؤلاء العبيد يبلغون مسلحا وقد أصبحوا من ضمن قوة الهجانة. وبعد إكمَال تأليف القوة، أصبحت الجزيرة دار أمَان، والغزو قضى عليه قضاء تامَا، وكانت قوة الهجانة من الَوْجهة الادارية والانضباطية والتدريبية والتجهيز والتسليح بإمرة قائد الهجانة معاون مدير الشرطة ومعرفته، وأَمَا قبض الرواتب وتوزيعها فكانت بمعرفة الشيخ عقيل الياور، وتعد هذه القوة " معاونية هجانة " تابعة لَمْدير شرطة لَوْاء الَمْوصل، إلا أَن مركزها الدائم في الَمْنزل الذي ينزل فيه شيخ مشايخ شمر، وكان الَمْركز عند تأُليفها في الَمْوقع الَمْسمى " اخضيروات " قرب قرية الإبراهيمية التابعة لقضاء تلعفر، وكان الشيخ وقوته يتنقلَوْن من مكان إلى آخر مَابين هذا الَمْوقع الأَثري الَمْشهور الَمْعروف باسم " الحضر " بالجزيرة، ولَمْا أَلفت القوة الَمْركزية في الحضر، أَصبح مقر الهجانة ومشيخة شمر في الحضر، إِلى أَن نقلت منها إِلى معاونية شرطة قضاء الَمْوصل. كان شيخ مشايخ شمر عقيل الياور طويل القامة حسن الخلقة والخلق محبوباً حسن السمعة قبل أَن يصير شيخاً وكان موفقاً حين مَا كان يقود الغزو، وكان حسن التصرف بتوزيع الغنائم، فهذه أكسبته بين العشائر ولا سيمَا بين شمر السمعة الحسنة، أمَا حظه، فكمَا ظهر كان موفقاً لَمْا كان يقود الغزو، وظهر بتوفيق احسن عندمَا صار شيخاً حيث تتراكم الشكاوي من تعديات شمر على قرى الَمْوصل والَمْستطرقين لدى " القائم مقامين " ولا سيمَا قائمي تلعفر وسنجار، وعند متصرف الَمْوصل والَمْفتش الإداري البريطاني، حتى يؤول الأمر إلى مراجعة الَوْزارة في بغداد، وتصدر أوامر بتوقيف دفع مخصصات الشيخ الذي يسافر بعد ذلك إلى الَمْوصل ويواجه الَمْتصرف والَمْفتش الإداري، وينتج من وراء هذه الَمْواجهة إلغاء أوامر توقيف دفع الَمْخصصات، وطبعاً هذا يدل على لباقته وحسن تصرفه بالحديث وحظوته، وهكذا كان موفقاً طوال حياته رحمه الله وهو أُمي لا يقرأ ولا يكتب، اجتهد حتى تعلَمْ أن يوقع توقيعه بيده كتابة. البدو وإن كانوا في باديتهم بعيدين عن الَمْدن والحضارة، يفهمون وضع الحكومة والحكام ونفوذ الإنكليز في سياسة العراق، وهذا الشيخ عقيل الياور الذي رفض أن يكون قائد بيرقه ضابطاً بريطانياً، اعتقد البدو أنه لَوْ لَمْ يوافق الإنكليز لَمْا صار شيخاً، كمَا يظهر ذلك من قصيدة شاعر البدو الَمْعروف بابن دوخي التي مدح فيها عقيلا الياور عندمَا صار شيخاً، وقال في مدحه له في مطلع القصيدة:

تَوْنِي لَقَيْت الغَيْهَبي

ليثٍ تِقَفَّى سرْبتِهْ

يَا دهام يَا وَرْنَا عَقِيْلْ

مِنْ لَنْدَنْ جَتْنَا رِتْبته

وقال الراوي عن فرحان: ولا بأس من أن أُورد هنا قصة طريفة عن فرحان باشا الجد الأعلى لشيوخ شمر الجربة الحاليين، تدلنا على مَا لعادة الغزو من رسوخ في نفوس البدو في الجيل القريب تقول الرواية إن فرحان باشا ذهب في أحد الأيام إلى قرية الَمْشاهدة القريبة من الكاظمية " من ضواحي بغداد " فرأى سكانها ضخام الأجسام، فسألهم: هل تغزون؟ فقالَوْا: لا، فإننا لا نستطيع أن نغزو، ولَمْ نتخذ الغزو صنعة، فقال لهم: أغزوا من هم أطقع منكم، أي أضعف منكم. وقال حمد الشرابي يمدح آل الجربا في الجزيرة:

ابُوْي قَبْلِي نَازْلٍ لِهْ بْمَرْجَه

وَانَا نِصيْتِ مهدمِيْن الْجْمُوْع

ووجدت في كراسات الشيخ منديل هذه القصيدة لَمْنوخ الغويري يخاطب السويط ويدافع عن آل الجرباء وزعيمها بُنَيَّةَ، بمناسبة إبل أُخذت من الجربان:

يَاَرَاكبْ حرٍّ تطارخ ايديّهْ

من نسل فْرحَةْ عَدْلَ الأَيْدي حْوارَهْ

كنه إِلى انْحَا معْ خطاة الثَّنيَّة

سَيْلٍ تحدر معْ شفا راس قارهْ

ملفاكْ مَانعْ زَبْن رَاعَ الرّذيَّهْ

الشايب اللِّي كلِّ شيْبِهْ خيَارَهْ

ص: 46