المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رحلة الضياغم من الجنوب إلى الشمال - آل الجرباء في التاريخ والأدب

[ابن عقيل الظاهري]

الفصل: ‌رحلة الضياغم من الجنوب إلى الشمال

3 -

سبب دخول عَبْدَةَ في جنب أنهم من ذرية ضيغم بن معاوية بن الحارث وحده منبه بن يزيد بن حرب أحد الأخوة الذين شملتهم التسمية بجنب. قال ابن حزم: ولد يزيد بن حرب بن عُلَةَ بن جَلْدِ ابن مَالك " مذحج ": منبه والحارث، والغلي، وسنحان، وهفان، وشِمران، تحالف هؤلاء الستة على ولد أخيهم صُدَاء ابن يزيد، فسموا جَنْباً، مع بني عمهم بني سعد العشيرة بن مَالك بن عُلَةَ بن جلد بن مَالك، وهو مذحج. ونقل العزاوي عن كتاب " مجمع الأنساب " أن عَبْدَةَ من شمر. قال أبو عبد الرحمن: ونص ابن مغيرة يوافق نص السلطان عمر بن يوسف بن رسول. وقد جاء في هذا النص أن آل ضيغم كانوا إلى آخر القرن السابع - وهو عصر ابن رسول - لا يزالَوْن في الجنوب في بلاد مذحج، ونسبهم إلى جنب، وذكر وجهاً آخر في نسبتهم إلى عنز بن وائل من نزار، وأنهم دخلَوْا في جنبٍ لأن أُمهم عبيدة بنت مهلهل تزوجها روح بن مدرك. ولا ريب أن الَمْعروف الآن بين عَبْدَةَ انتسابهم إلى ضيغم، وعلى ذلك شواهد من الشعر العامي. وقد أفادني شيخي علامة الجزيرة حمد الجاسر - حفظه الله - أن شارل هوبر نقل عن عبيد بن علي بن رشيد خبر انتقال أجداده من الجنوب إلى الجبلين بمَا يشبه قصة انتقال طيء من وادي طَرِيْبٍ في الجنوب إلى الجبلين. فهذا يعني تسليم آل رشيد بأنهم آل ضيغم. وقد نقلت الليدي آن بلنت عن محمد بن رشيد أن شمراً الذين في الجزيرة وشمراً أتباعه يعدون أنفسهم أقرباء قرابة رحم وقال: إن دمَاء خيولنا واحدة. قال أبو عبد الرحمن: وثمة رأي طريف ينسب الجربان إلى آل فضل وهو مَا جاء في كتاب " كنز الأنساب " نقلا عن مجلة " لغة العرب " البغدادية بعنوان بنو تغلب العدنانية. ثم إنني سألت بعد ذلك أحد الشيوخ الكبار وهو الشيخ مجول الجرباء، رئيس عشاير شمر عن تغلب وهل لها بقية موجودة في الديار الشمَالية فلَمْ يذكر لي من ذلك شيئاً، بل تعذر عليه تعيين البطن معتذراً عن ذلك بتغير الأسمَاء عليه، ولَمْ ينف بالَمْرة وجود بقية منهم، فلَمْا ذكرت له الفضول طابت نفسه، وارتاح لهذا الاسم كثيراً، وكأنه كان نائمَا فاستيقظ ثم قال: إنه قريب من الصواب، ثم فكر هنيهة وقال: بل هو الصواب عينه، وعد لي منهم مطلق وبُنَيَّةَ الجرباء، رؤساء شمر أي الجد الأول الَمْؤسس لإمَارة شمر في جبل طيء، وكان ذلك في حين نبوغ أول رجالها الَمْشهورين بهذا الاسم. وذكر بعد ذلك أشياء تدل على صدق قوله، ثم قال: الفضول اندمجوا في القبائل، وتشتتوا في البلاد، وأورد أدلة عديدة على تأييد كلامه هذا. وقال أبو عبد الرحمن: هذه إفادة انتسختها من أوراق شيخي حمد الجاسر ثم راجعت مجلة " لغة العرب " فوجدت كاتب هذا البحث الأستاذ سليمَان الدخيل رحمه الله. يذكر أن سالَمْا الجرباء جد مطلق وبُنَيَّةَ الجرباء. قال أبو عبد الرحمن: ويا ليت الدخيل أورد هذه الأدلة العديدة؟! وعلى أي حال فهذا العاصي أحد مشايخ آل الجرباء يلَمْح إلى أصل رحلتهم بهذا البيت من إحدى أُحْدِيَّاتِه على الخيل:

ترْ لَابِتِكْ غَوْشَ الْيِمَنْ

مَا هُم مجمَّعْ مِنْ بَلَدْ

‌رحلة الضياغم من الجنوب إلى الشمَال

ولرحلة الضياغم من الجنوب إلى الجبلين شواهد من مَاثور العامة، ومن نصوص الَمْؤرخين كنص ابن رسول. وعن هذه الَمْرحلة قال الدكتور العثيمين مَا موجزه: كانت عشيرة عَبْدَةَ تسكن إحدى جهات جنوب الجزيرة، ثم هاجرت حتى حلت بجبل شمر، وهذه الهجرة منذ أكثر منذ أربعة قرون. وكان أُمراءُ الجبل قبل هجرة عَبْدَةَ من قبيلة زُبيد، فتغلبت عَبْدَةَ عليهم حتى أجلَوْهم،،وآخر زعمَائهم بَهِيْجُ، وفي ذلك يقول أحد شعراء شمر فيمَا بعد:

قَبْلك بَهِيْجِ حَدَّروه السَّنَاعِيْس

من عِقْدِةَ اللِّي مَا يْحَدَّرْ قَنَاهَا

ص: 13

قال أبو عبد الرحمن: يفهم من هذا النص أن رحيل عَبْدَةَ من الجنوب إلى جبل طيء في الشمَال كان في حدود القرن العاشر وهكذا يفهم من نص للشيخ العبودي سيأتي. ويفهم من نص لابن حاتم - سيأتي - أن رحيلهم في منتصف القرن التاسع. ولَوْ استطعنا أن نصل نسب عرار بن شهوان بن صيغم بضيغم بن منيف الذي ذكره ابن رسول لاستطعنا تحديد التاريخ لرحيلهم بشكل أدق. ولَوْ افترضنا أن عراراً هو عرار بن شهوان بن منصور بن ضيغم بن منيف لكان رحيلهم في أول القرن الثامن الهجري تقريباً، لأن ابن رسول الَمْتوفي سنة 694 ذكر أن ذرية منيف ابن ضيغم لا تزال في الجنوب وعلى ضوء ذلك نجعل عصر كل فرد من سلسلة النسب منذ عرار إلى منيف ثلاثين عامَا ونضم الناتج إلى سبعة قرون توفى ابن رسول في نهايتها. وعن رحيلهم ذكر الشيخ سعد بن جُنَيْدِل قصيدةً لفارس ابن شهوان الضيغمي، ذكر أنه رسم طريق ارتحال قبيلته من بلادهم إلى نجد، ورتب منازل طريقهم ترتيباً دقيقا قال فيها يذكر الْقُوَيْع:

وْلَيْلٍ في السِّرْدَاحْ لاعَلّهَ الْحَيَا

هشِيْمِه وَقِّاف وْحَمْضِهْ بَادْ

وْوَطَّيْتهَا وَادي الْقُوَيْع تَعمِّدْ

تَمَنَّيْتهَا لَوْلا الْهَيَامِ بْلادْ

ولَيْلٍ بَالْحَدْبَا لَاعِمِرْ جَالْهَا

شَدَّوْا وْخَلَوْا في الَمْرَاحْ سُوَادْ

وقال في موضع آخر: وقال شاعر من الضياغم وهو يرسم طريق هجرتهم:

ليل في الْقِمْرا ولَيْلٍ في الرَّكَا

ولَيْلٍ في حَزْمَ الْحَصَاةِ شْدَادْ

ولَيْلَةْ وَرَدْنَا مَاسَل وْمِوَيْسِلْ

وْجِيْهَ الَمْغَارِفْ كِنِّهِنّ جْدَاد

ثم ذكر بعد هذين البيتين ثلاثة الأبيات الآنفة الذكر وذكر في موضع آخر أنهمَا لفارس بنم شهوان الضيغمي وقد مر به قومه في طريق هجرتهم إلى شمَال نجد. وذكر شيخنا حمد الجاسر مؤلفاً حديثاُ - ولَمْ يذكر اسمه ولا اسم مؤلفه - تحدث عن نجائب من الخيل تدعى الُّهْمَ الشهوانيات. قال الشيخ حمد: جاء في هذا الَمْؤلف: شهوان عبيدة أي من قحطان وسميت باسم راعيها شهوان أبو عرار أخو راشد عم عمير. ثم قال: وأورد أخباراً عن هذه الخيل وشعراً لشهوان أبو عرار جاء فيه:

لَنا مَنْزل مَا بَيْنَ الافْلاج والْحَسَا

ومَا بَيْنَ صنْعا والسّليل وحود

إلى حَوْدَرُوا يَبْغُونَ الَاسْعَار بالقرى

حَدَرْنَا على مِثْلَ الْغمَامَ السوْدْ

كبار الشُّوادِي مَيرنَا منْ زْرُوْعها

غَرَايْرٍ بلا حَطَبْ ولا وُقوْد

إالى حافها سبع الخلا بات جايع

بباطنها مثل النسور لبود

تمنيب من حطمَات الليالي لعلنا

ندرك بعض يا أبو ربيع حمود

ان صار مَالك من دراعيك نجده

فشر بك باعضاد الرجال يكود

وقال الشيخ حمد: إنه أورد أشهاراً لعرار بن شهوان وأخباراً تتعلق بخيله. وذكر الشيخ محمد العبودي معركة بين آل ضيغم وسلطان مَارد، قتل فيها حُميدان بن راشد بن ضيغم، ابن عم عرار ابن شهوان، وسلطان مَارد معاً. وقال في ذلك عمير بن راشد قصيدة مطلعها:

تَهَيَّا لْنَا عِنْدَ أبْرَقَ السَّيْحْ عَرْكَةْ

تَمَنَّى بْهَا حضارَ الرجال غيَابْ

وحدد عصر هذا الشعر بأنه بعد عصر الشاعر جرير بحوالي تسعة قرون. ويذكر الأستاذ عبد الله بن خالد الحاتم أن عرار بن شهوان آل ضيغم جد آل رشيد أُمراء حائل وأنه عاش سنة 850هـ. وذكر له قصيدة يتشوق فيها إلى نجد، ويفهم منها أن ابن عمه عمير بن راشد موجود بنجد، فممَا ورد من هذه القصيدة قوله:

يقول عرارٍ قول من ضَلّ مُوْقِف

عَلى الدار يَرْثِي بالدموعَ الذِّرَايف

قَلِيْلَ الجداَ منْ دِمْنِه هدّ رَسْمَهْ

مَزاعِيج هُوْجَ الذَّارْيَاتَ الْعواصِفْ

لَكِنّي بْها مَا ريْتْ خِيمْ ظلايلْ

مَحَتْهَا صروفٍ للْعَوادِي قَرَايف

إلى أن قال:

فَلَا وَاعَلَا لَوْلَا التَّمَنِّي سمَاجهْ

أَوْقَف بنَجْد آمن غير خايف

ص: 14