الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: أنواع القرب المهداة إلى أموات المسلمين
تصل إليهم إذا أهدى ثوابها الحي إلى الميت المسلم؛ لما تقدم من الأدلة على ذلك، وسأذكر في هذا المبحث أقوال العلماء مع بعض ما استدلوا به على النحو الآتي:
أولاً: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:
((وأيُّ قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، إن شاء الله، أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات فلا أعلم فيه خلافاً، إذا كانت الواجبات مما تدخله النيابة، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (1)، وقال الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (2)، ودعا النبي
(1) سورة الحشر، الآية:10.
(2)
سورة محمد، الآية:19.
- صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات (1)، وللميت الذي صلَّى عليه في حديث عوف بن مالك (2)، ولكل ميت صلَّى عليه، ولذي النجادين حين دفنه (3)،شرع الله ذلك لكل من صلَّى على ميت، وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت، فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال:((نعم)) رواه أبو داود (4)، وروي ذلك عن سعد بن عبادة رضي الله عنه (5)، وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:((أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟)) قالت: نعم، قال: ((فدين الله أحق
(1) مسلم، كتاب الجنائز، بابٌ في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، برقم 920.
(2)
مسلم، بابٌ في الدعاء للميت في الصلاة عليه، برقم 963.
(3)
المغني لابن قدامة، 3/ 521.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة، برقم 1388، ومسلم، كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، برقم 1004.
(5)
أخرجه البخاري، برقم 2756، وأبو داود، برقم 2882، وقد تقدم تخريجه.
أن يُقضى)) (1) وقال للذي سأله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: ((نعم)) (2)، وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القُرب؛ لأن الصوم، والحج، والدعاء، والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها
…
وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص: ((لو كان أبوك مسلماً فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك)) (3). وهذا عام في حج التطوع وغيره؛ ولأنه عمل برٍّ وطاعةٍ، فوصل نفعه وثوابه، كالصدقة، والصيام، والحج الواجب
…
)) (4)، ثم ردَّ الإمام ابن قدمة رحمه الله
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري برقم 1854، ومسلم، برقم 1334 وقد تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم 1953، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 1148.
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في وصية الحربي يسلم وليه أيلزمه أن ينفذها، برقم 2883، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 3161.
(4)
المغني لابن قدامة، 3/ 521 - 522، وانظر: الشرح الكبير، 6/ 257 - 265، والكافي، 2/ 82.
على من قال: لا يصل إلى الميت إلا الواجب، والصدقة، والدعاء، والاستغفار، وبيَّن أن المسلمين يهدون الثواب إلى أمواتهم من غير نكير؛ ولأن الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:((إنَّ الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه)) (1)، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة؛ ولأن الموصل لثواب ما سلموه، قادر على إيصال ثواب ما منعوه، والآية مخصوصة بما سلموه {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلَاّ مَا سَعَى} وما اختلفنا فيه في معناه فنقيسه عليه (2)، وقال: ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة
…
)) فإنما يدل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله فلا دلالة فيه
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم 1304، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 924.
(2)
المغني، 3/ 522 بتصرف.