الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأبدا أولا وأقول:
الحمد لله الذي بصرنا بالحق وحبّبنا لإتباع القرآن، وما نزل معه من الحكمة والبيان وبغض إلينا قوما ينتمون إلى مذهب الشيطان في استماع الأغاني وصحبة المردان، وبغضّ إلينا أقرانهم أهل الأداء المقاييس
(1)
المعاندين لأهل الإيمان، ونحمد الله الذي بالقدم توحّد وبالعلم والقدرة تفرد، وبكتابه المنزل على نبيه المرسل تعبد، وجعله منار دينه وسراج توحيده وضياء برهانه أسفر به قناع الزور ودرس به معالم الفجور وأبطل به لهو الحديث، وخَسأ به من كان في الحق يعيث، أنفذ به من أحب من ملابسة الشبهة إلى الصراط المستقيم وجعل سبيلهم الأثر والاتباع؛ لينجيهم من أهوال اليوم العقيم وحماهم من الإحداث والابتداع ليكرمهم بالنعيم المقيم وكره إليهم اللهو والبطالة وأنقذهم من السخافة والجهالة وأكمل عليهم المنّة وأجزل عليهم النعيم بإتباعهم الكتاب والسنة.
...........
(2)
الذي نصب أعلام الرشاد وسلب التوفيق من أهل العناد، وصلى الله على أفضل العباد الهادي من أتبعه إلى سبيل الرشاد والمتبع أمر ربه عز وجل بحسن الانقياد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيه إلى يوم التناد صلاة دائمة بلا فناء ولا نفاذ.
أما بعد ..
(1)
هذه الكلمة بالأصل لم أستطع قراءتها.
(2)
كلمتان غير واضحتين بالأصل، والأقرب أنهما:" وأحمد الله".
فإنه لما كانت الهدايا تزرع الحب
(1)
وتضعفه وتولد الولاء [ق 3 /أ] وتُسعّفُه أحببت أن اذكر في كتابي هذا عن الأئمة السالفين وما نقلوا من الأخبار والآثار في ذم الغناء والرقص وصحبة أحداث المرد والنساء والإنكار على فاعليه؛ لينتفعوا به ويقصروا عن غيهم في الغناء واللعب موعظة ونصيحة وهدية مني إليهم من غَرَّ بهم ولم أجد هدية أنفس من الذكرى التي تنفع المؤمنين، والنصيحة التي قال رسول الله عليه السلام أنها الدين ألا وها أنا آتيكم بالهدايا السنية فاقبلوها ولا تردوها وقربوها ولا تبعدوها.
وأقول:
الناس يهدون على قدرهم
…
وإنما أهدي على قدري
(2)
يهدون ما يفنى وأهدي الذي
…
بقى مد الأيام من صدري
وقد سألت الله مستنصرا
…
فإنه القادر في نصري
وها أنا أشرع فيما أرى
…
مستعصما بالله في أمري
ومما حَذاني- أي: ساقني - على ذلك أيضا إحياء الشريعة وإظهار كلمة الحق واقتفاء آثار رسول الله عليه السلام ومن سلف بعده من الأئمة لئلا يعدل بهم إلى مهوى وبدعة؛ لأن هذه الطائفة الضالة غلت في حب الرقص واستماع الغناء وصحبة أحداث المرد والنساء حتى اعتقدوا ذلك ديانًة وأن الرحمة تنزل عليهم عند اللعب، والملائكة تحفّ بهم حال الطرب، وكل هذا من المحدثات ومن البدع والضلالة، ومن الأمور العظام، المنكرات التي يجب على فاعلها التوبة إلى الله عز وجل،
(1)
يشير إلى ما رواه البخاري في "الأدب المفرد"(1/ 208)(594)، وأبو يعلى في "مسنده"(11/ 9)(6148)، والدولابي في "الكنى"(2/ 466)(842) ن تمام في "فوائده"(2/ 220)(1577)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 280)، وغيرهم من طريق ضمام بن إسماعيل، عن موسى بن وردان المصري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تهادوا تحابوا» وإسناده محتمل للتحسين وخاصة وأن له شواهد تقوى معناه.
(2)
وهذا ثناء منه رحمه الله على نفسه ..
ألا وهذه الطائفة من الذين أخبرنا الله عز وجل بحالهم في قوله تعالى [ق 3 / ب]: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]؛ لأنهم محجوبون عن طريق الإنابة والهداية، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13] ألا وهذه الصفات كلها موجودة في هذه الطائفة أصلحها الله عز وجل وقرأت كتاب أن في بعض كتب الله القديمة: (ابن آدم خلقتك فلا تلعب)
(1)
ألا وهذا لعب ولهو وإن لم يكن حراما، وقيل في قوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] فإن جاءوا بأعمال ظنوها حسنات فإذا هي سيئات ألا وكذا فعلت هذه الطائفة ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم يكرهون زيادة أشياء من أنواع أفعال الخير لم يكونوا يستعملونها وينهون الناس عن فعلها فكيف بزيادة اللهو واللعب والبدع والحوادث التي هي شر الأمور، وروي أن الأمام أحمد بن الحسين بن محمد الرازي
(2)
(1)
لم أقف عليه، وقال تقي الدين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/ 52):(حديث إسرائيلي)، وقال الشيخ العثيمين في "فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة" (3/ 63): هذا الحديث غير صحيح.
(2)
هو الإمام المحدث الحافظ الواعظ، أبو حاتم؛ أحمد بن الحسن بن محمد، الرازي البزاز أبوهن الملقب بخاموش. له رحلة ومعرفة وشهرة. من علماء السنة، وكان شيخ أهل الري في زمانه.
روي عن: أَبِي عبد الله الحسين بْن عليّ القطّان، وأحمد بن محمد بن إبراهيم المَرْوَزِيّ الفقيه، والحسين بن محمد المهلبي، والحافظ ابن مَنْدَهْ، وخلْق. روى عنه أبو منصور حجر بن المظفّر، وأبو بكر عبد الله بن الحسين التُّوَبيّ.
وحكاية شيخ الإسلام معه مشهورة لما قبض عليه بعض الجفاة، وحمله إلى أبي حاتم، وقال: إن هذا ذكر له مذهبا ما سمعت به، قال: هو حنبلي. فقال: دعه ويلك! من لم يكن حنبليا، فليس بمسلم. وترجمته في "تاريخ الإسلام"(9/ 484)، و "سير أعلام النبلاء"(13/ 251)
رحمه الله تعالى قال: كلّما أحدث بعد نزول هذه الآية يعني بعد قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] فهو فضل وزيادة وبدعة، قال أبو محمد الدشتي
(1)
رضي الله عنه وقد قال رسول الله عليه السلام: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"
(2)
(1)
هو عم المؤلف، وكان له اهتمام خاص بابن أخيه. وهو محمود بن أبي القاسم إسفنديار بن بدران بن أيان، الزاهد،
العالم، أبو محمد الآنمي الدشتي الإربلي. سمع الكثير من جعفر الهمداني، وأبي الحسن ابن المقير، وأبي القاسم ابن رواحة، والضياء المقدسي، وابن خليل، وابن يعيش، وطبقتهم، وعني بالحديث، ونسخ الأجزاء، وخطه رديء، معروف. وكان قانعا، متعففا، صبورا على الفقر. وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، داعية إلى السنة مجانبا للبدعة، يبالغ في الرد على نفاة الصفات الخبرية. وينال منهم سبا وتبديعا، وهم يرمونه بالتجسيم. وكان بريئا من ذلك رحمه الله،
توفي سنة 665 هـ وله تعاليق وتواليف منها: كتاب إثبات الحد، وكتاب في طرق حديث الأطيط، وكتاب في النهي عن الرقص والسماع، وجزء في الأمر بإخفاء الذكر، وترجمته في " النجوم الزاهرة (7/ 323)، التوضيح لابن ناصر (1/ 124)، حاشية الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 90)، تاريخ الإسلام (15/ 121) وغيرها.
(2)
هذا طرف من حديث جابر بنحوه في خطبة الحاجة الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به.
وقد رواه عن جعفر بهذا الإسناد كل من عبد الوهاب بن عبد الحميد وسليمان بن بلال ويحيى بن سليم ومصعب بن سلامة ووهيب ويحيى بن سعيد وأبو موسى إسحاق بن موسى دون ذكر زيادة: (وكل ضلالة في النار).
ورواه عنه سفيان، وهو الثوري - كما جاء مصرحا به في رواية ابن بطة في الإبانة - بذكر الزيادة، ولكنه اختلف عليه فيها فرواها عن سفيان ابن المبارك ووكيع.
فأما ابن المبارك فزاد (وكل ضلالة في النار) عند النسائي، ابن خزيمة، والبيهقي، وابن بطة في الإبانة، وغيرهم.
وأما وكيع فاختلفت الرواية عنه فروى عنه عن سفيان أبو بكر ابن أبي شيبة، وعثمان وسالم بن جنادة:
فأما أبي بكر بن أبي شيبة فاختلف عليه فيها فرواه عنه مسلم في صحيحه بدون ذكر الزيادة، ورواها عنه أبو نعيم في المستخرج من طريق الفريابي، وعبيد بن غنام عنه بذكر الزيادة.
وأما عثمان وسالم بن جنادة فرواها عنه بذكر الزيادة عند أبي نعيم في المستخرج.
والخلاصة أن سفيان ذكر هذه الزيادة مع ثبوت الخلاف عنه فيها فرواها عنه ابن المبارك بلا اختلاف، ورواها عنه وكيع مع الاختلاف فمرة يذكرها، وأخرى لا.
وسفيان لم ينفرد بذكر هذه الزيادة فقد تابعه محمد بن منصور الزعفراني عن جعفر به بذكر الزيادة عند ابن بطة في الإبانة (2/ 85) حديث رقم (1491) ومحمد بن منصور هذا قال عنه ابن بطة: وكان ثقة.
وعليه فلا وجه لرد هذه الزيادة وإعلالها بالشذوذ؛ لعدم انفراد سفيان بها، فقد تابعه الزعفراني عند ابن بطة كما سبق بيانه، ويؤيد ثبوت هذه الزيادة وخطأ الحكم عليها بالشذوذ أمران:
الأول: أم هذه الزيادة بيانية غير مخالفة فالبدع محصورة في المحرم، والمكروه كراهة تحريمية، وهو مما يستوجب النار فلا يكون على هذا المعنى خروج البدع المكروهة تنزيهاً من البدع مخالفة بل تكون زيادة بيانية مقبولة.
الثاني: أن هذه الزيادة قد وردت من وجوه أخرى، وإن كانت بعضها لا يخلو من مقال إلا أنها بمجموعها تصلح للاحتجاج، وتدل على حفظ سفيان لهذه الزيادة، وهي:
1 -
ما رواه ابن عساكر في تاريخه، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان أنا أبو الفرج الحسين بن علي بن عبيد الله الطناجيري سنة سبع وثلاثين وأربعمائة أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين نا عبيد الله بن عثمان العثماني نا عبد الأعلى بن حماد النرسينا عثمان بن عمرنا عكرمة نا عوف نا عبد الرحمن قال دخلت مسجد دمشق فإذا رجل من أصحاب النبي يحدثهم قال: قال رسول الله: " إياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة تصير إلى النار ". وهذا إسناد حسن فليس من رواته متهم إلا أنني لم أميز عكرمة، وأظنه عكرمة بن عمار العجلي. وقال عنه ابن حجر: صدوق يهم.
2 -
ما رواه الطبراني من طريق عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب القرظي عن بن عباس وعن القاسم بن محمد عن عائشة قالا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا أصوات كدوي النحل قراءة القرآن فقال: "إن الإسلام يشيع ثم تكون له فترة فمن كانت فترته إلى غلو وبدعة فأولئك أهل النار " وهذا إسناد ضعيف فيه عيسى بن ميمون قال عنه في التقريب: ضعيف، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع.
3 -
ما رواه أبو حاتم الخزاعي في جزئه، والدارقطني في الأفراد والقزويني في أخبار قزوين عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً:" أصحاب البدع كلاب النار".والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع.
4 -
وردت هذه الزيادة من قول عمر رضي الله عنه عند ابن وضاح بسند حسن.
5 -
ووردت أيضاً من قول ابن مسعود بإسنادين فيهما مقال، الأول: عند الطبراني بسنده عن عبد الله قال: "إنما هما اثنتان الهدي والكلام وأصدق الحديث كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، وفيه إبراهيم الهجري، قال عنه الذهبي في الكاشف: ضعيف، وقال عنه ابن حجر في التقريب: لين الحديث.
ورواه المروزي في السنة من طريق عبد الله بن مردا عن ابن مسعود قال: " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، وفيه عنعنة الأعمش، وهو مدلس، وأيضاً عبد الله بن مرداس مجهول الحال، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة "
(1)
، وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه:"أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم [ق 4 /أ] وترك البدع وكل بدعة ضلالة وترك المراء والجدال والخصومات في الدين وترك كلما أحدثه المحدثون والسنة عندنا أثر رسول الله عليه السلام والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن وليست السنة قياس ولا تضرب بها الأمثال ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هي الإتباع وترك الهوى"
(2)
. وقال الجنيد
(3)
رضي الله عنه
(4)
:
(1)
إسناده صحيح - أخرجه المروزي في "السنة"(ص/29)(82)، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 339)(205)، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(1/ 104)(126)، والبيهقي في "المدخل"(ص/180)(191)، وغيرهم من طريق هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما به، ورواته ثقات، والأثر صحيح.
(2)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(1/ 175)(317)، وأبو يعلى في "طبقات الحنابلة"(1/ 241)، وغيرهما من طريق عثمان بن أحمد بن عبد الله بن بريد الدقيقي عن أبي محمد الحسن بن عبد الوهاب أبي العنبر عن أبي جعفر محمد بن سليمان - ووقع عند أبي يعلى: سليمان بن محمد - المنقري عن عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: فذكره مطولا به.
(3)
هو الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخزاز ويقال القواريري، أصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد، وسمع بها الحديث، ولقي العلماء، ودرس الفقه على أبي ثور، وصحب جماعة من الصالحين، واشتهر منهم بصحبة الحارث المحاسبي، وسري السقطي. ثم اشتغل بالعبادة ولازمها حتى علت سنه، وصار شيخ وقته، وفريد عصره في علم الأحوال والكلام على لسان الصوفية، وطريقة الوعظ. وله أخبار مشهورة، توفي سنة سبع وتسعين ومائتين، له رسائل منها ما كتبه إلى بعض إخوانه، ومنها ما هو في التوحيد والألوهية، والغناء، ومسائل أخرى. وترجمته في: سير أعلام النبلاء (14/ 66)(34)، طبقات الشافعية (2/ 260)(60)، تاريخ الإسلام (6/ 924)(146)، الأعلام للزركلي (2/ 141)، وغيرها.
(4)
قال النووي في " الأذكار"(ص: 118): "يُستحبّ الترضّي والترحّم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعبَّاد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله، ونحو ذلك
…
" ..
الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر رسول الله عليه السلام ولزم طريقته، فإن أبواب الخيرات كلها مفتوحة عليه، وقال أبو علي بن الحسن بن علي الجرجاني رحمة الله عليه: أصح الطرق وأعمرها وأبعدها من الشبهات إتباع السنة قولاً وفعلاً وعزمًا وعقدًا؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]، فقيل له: كيف الطريق لاتباع السنة؟ قال: بمجانبة البدع وإتباع ما اجتمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام والتباعد من مجالسة الكلام وأهله، ولزوم طريقة الاقتداء بذلك إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] ألا فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مُحْدَثًا فَعَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ"
(1)
.
(1)
حسن لغيره - أخرجه المروزي في "السنة"(ص/29)(80) من طريق عيسى بن يونس، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 329)) (180) من طريق جرير، كلاهما عن الأعمش عن جامع بن شداد عن أبي الشعثاء سليم بن أسود عن ابن مسعود بنحوه، وهذا إسناد صحيح رواته ثقات، إلا أن الأعمش مدلس وقد عنعنه.
ورواه النسائي في "جزئه"(ص/59)(21) من طريق أبي معاوية، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 330)(183) من طريق أبي عوانة - كلاهما - عن الأعمش عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود بنحوه، وهذا إسناد صحيح رواته ثقات، إلا أن الأعمش قد عنعنه.
ورواه عن الأعمش حفص بن غياث عند الدارمي في "سننه"(1/ 270)(174)، ولكنه أرسله فقال: عن ابن مسعود بنحوه، قال حفص:"كنت أسند عن حبيب، عن أبي عبد الرحمن، ثم دخلني منه شك ".
والأعمش لم ينفرد به فقد روى وكيع في "الزهد"(ص/591)(316)، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 330)(182) من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن ابن مسعود بنحوه، ورواته ثقات إلا أن حبيبا مدلس، والإسناد منقطع بين عمارة وابن مسعود، والأثر يتقوى من هذا الطريق وطريق الأعمش.
وروى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في تفقه ليس فيه تفهم، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر"
(1)
(1)
حسن لغيره موقوفا، منكر مرفوعا - أخرجه أبو داود في "الزهد"(ص/115)(104)، والآجري في "أخلاق العلماء"(ص/72)، وابن بشران في "أماليه"(ص/383)(882)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 77)، والخطيب في"الفقيه والمتفقه"(2/ 339) من طريق زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي مطولا بنحوه، وهذا إسناد ضعيف فيه أبو إسحاق السبيعي، مدلس، وقد عنعنه، وهو أيضا اختلط، وقد ذكر الشيخ حسين أسد أن زيادا متأخر السماع من أبي إسحاق.
ورواه أيضا الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 338) من طريق الصباح بن يحيى المزني ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي مطولا بنحوه، والأقرب ندي أن الحارث هو بن عبدالله الأعور، وقال عنه في "التقريب":"في حديثه ضعف، كذبه الشعبي في رأيه" كما أن فيه عنعنة أبي إسحاق.
ورواه: زهير في "العلم"(ص/33)(143) والدارمي في "سننه"(1/ 338 - 339)(305، 306)، وابن الضريس في "فضائل القرآن"(ص/94)(69)، وابن بطة في "الإبانة"(2/ 753)(1050)، من طريق ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد عن علي مطولا بنحوه، وفيه ليث وهو صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك، كما أن الإسناد منقطع بين يحيى وعلي، والأثر يتقوى من الطريقين السابقين.
تنبيه:
ورد الأثر مرفوعا عند ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 811)(1510)، وغيره من طريق عقبة بن نافع، عن إسحاق بن أسيد، عن أبي مالك، وأبي إسحاق، عن علي بن أبي طالب مرفوعا مطولا بنحوه وقال ابن عبد البر:" " لا يأتي هذا الحديث مرفوعا إلا من هذا الوجه، وأكثرهم يوقفونه على علي رضي الله عنه"، وقال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (734) بعد أن حكم عليه بالنكارة وحكي كلام ابن عبدالبر السابق: (وهو الأشبه - أي الحكم عليه بالوقف - فإن هذا الإسناد المرفوع فيه علتان: الأولى: إسحق بن أسيد وهو أبو محمد المروزي نزيل مصر، قال الحافظ: " فيه ضعف ". والأخرى: عقبة بن نافع فإنه مجهول، أورده ابن أبي حاتم (3/ 1 / 317) برواية ابن وهب فقط عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا).
ألا من لم يعرف العلم لم ينفعه كثرة العمل؛ لأن العمل بلا علم يضرّ ولا ينفع وإفساد العامل بلا علم أكثر من إصلاحه كما صح وثبت أن رسول الله عليه السلام قال" (عمل قليل في سنَّتي خير من عمل كثير [ق 4 / ب] في بدعة)
(1)
،
(1)
ضعيف -
ورد مرفوعا عن الحسن من عدة طرق ومنها:
ما أخرجه المروزي في "السنة"(ص/30)(88)، وابن بطة في الإبانة" (1/ 357)(244) من طريق عوف عن الحسن مرفوعا به، وهذا إسناد مرسل ضعيف.
وما رواه ابن حرب في "البر والصلة"(ص/170)(332) عن الفضل بن موسى، والقضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 239)(1270) عن أبي الأشعث - كلاهما - عن حزم بن أبي حزم القطعي عن الحسن مرفوعا به، وحزم قال عنه ابن حجر:"صدوق يهم"، والإسناد مرسل.
وما رواه ابن بطة في "الإبانة"(1/ 315)(151) عن الحسن مرفوعا به، وفيه موسى بن سهل الوشاء ضعيف.
وما رواه معمر في "جامعه"(11/ 29)(20568) من طريق زيد عن الحسن مرفوعا به، وقال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (7/ 249):(وزيد هذا لم أعرفه، ويحتمل أنه الذي روى عنه حماد بن زيد، قال الحافظ: "مقبول").
وما رواه العدني في "الإيمان"(1/ 116)(50) من طريق سفيان عن عمرو بن عبيد عن الحسن مرفوعا به، وعمرو بن عبيد المعتزلي المشهور متهم.
ورواه البيهقي في "الشعب"(12/ 80)(9078) من قول الحسن، وقال محقق الشعب:"فيه من لم أجد ترجمه". وعليه فالأثر لا يصح مرفوعا ولا مقطوعا.
وورد الحديث مرفوعا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "الضعيفة"(7/ 248): (أخرجه الرافعي في "تاريخه" (1/ 257) من طريق يحيى بن عبيد الله بن موهب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته يحيى هذا؛ قال الحافظ في "التقريب": "متروك، وأفحش الحاكم فرماه بالوضع". وأبوه قريب منه، فقد قال فيه الإمام أحمد:"أحاديثه مناكير، لا يعرف").
ومن حديث ابن مسعود.
قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" رفعه الديلمي (2/ 289) من طريق علي بن محمد المنجوري، عن أبان بن يزيد، عن قتادة، عن ابن مسعود رفعه.
والمنجوري هذا؛ ضعفه الدارقطني. وقال الخليلي في "الإرشاد": "ثقة يخالف في بعض حديثه" وفيه أيضا انقطاع بين قتادة وابن مسعود.
العمل المشار إليه عمل عبادة، وذكر وطاعة كالقليل منه في صورته وعدده إذا عمل في ظل الاقتداء برسول الله عليه السلام ومتابعة سنته كثير بل خير من عمل كثير في معناه ببركة قدوته صلى الله عليه وسلم، فأما السنة فقد قال الأزهري
(1)
: هي الطريقة، ومنه قوله عز وجل:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران: 137] أي أهل سنن وطرائق. قال ابن عرفة
(2)
: المعنى أن السنة مضت فيهم بالعقوبة حين عاندوا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قلت: والسنة في كلام العرب الطريقة والصورة.
قال الشاعر:
نريك سنته وجه لا خفاء به
أي صورة وجه.
(1)
هو: محمد بن احمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح بن الأزهر بن نوح بن حاتم الأزهري الهروي، الشافعي (أبو منصور) أديب، لغوي.
ولد في هراة بخراسان سنة 282 هـ، وعني بالفقه أولا، ثم غلب عليه علم العربية، فرحل في طلبه وقصد القبائل وتوسع في أخبارهم، وتوفي في بهراة في ربيع الآخر سنة 370 هـ. من تصانيفه الكثيرة: تهذيب اللغة في اكثر من عشر مجلدات، التقريب في التفسير، الزاهر في غرائب الالفاظ، علل القراءات، وكتاب في اخبار يزيد بن معاوية. وترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى (3/ 63)(108)، تاريخ الإسلام (8/ 325)(375)، الأعلام للزركلي (5/ 113)، ومعجم المؤلفين (8/ 230).
(2)
هو محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي يكنى أبا عبد الله، الفقيه المالكي- إمام تونس وعالمها، وخطيبها في عصره كان متبحرا في الفقه والأصول وفي الكلام والنحو والتفسير والحديث والعربية والنحو والمعاني والبيان والفرائض والحساب والقراءات تولى إمامة جامع الزيتونة وكان الخطيب فيه، ثم عين للفتيا فيه. ومن أهم مصنفاته: المبسوط، المختصر الكبير، الحدود في التعريفات الفقهية، الطرق الواضحة في عمل الناصحة، المختصر الشامل، مختصر فرائض الحوفي، مختصر في المنطق تفسير القرآن، وغيرها، ولد في تونس سنة 716 هـ، وتوفي أيضاً بها سنة 803 هـ، وترجمته في: الديباج المذهب (ص/ 337)، شجرة النور الزكية (ص/ 227)، الضوء اللامع (9/ 240)، الأعلام (7/ 272).
وقال العلماء: السنة ما رسم ليقتدى به، فأما المعنى فهو العمل القليل في ذاته بالإضافة إلى ما هو أكثر منه إذا عمل في سنة الدين والإسلام على طريقة متابعة المصطفى عليه السلام وصورة ما رسمه خير الأنام فهو خير من عمل كثير صورته وعدد في بدعة بمخالفة سنته، فهو نعم الأنام وسنته عليه السلام نوعان أحدهما في الباطن وهو الإخلاص لله عز وجل كما قال النبي عليه السلام:(يا معاذ إذا خلص يكفيك قليل من العمل)
(1)
الثاني في الظاهر وهو جريان العمل في العلم بمتابعة سنته عليه السلام ومتابعة الأمر كما قال عليه السلام: (قليل العمل مع العلم كثير وكثير العمل مع الجهل قليل)
(2)
.
(1)
ضعيف - أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(4/ 1099)(6162)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 341)(7844)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 244)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(9/ 174 - 175)(6443، 6444)، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(1/ 113)(99) كلهم من طريق عبدالله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبيدالله بن زحر عن خالد بن أبي عمران - ووقع عن الحاكم والبيهقي في طريق الوليد بن عمران، ولم أعرفه، ولعله خطأ من بعض النساخ - عن عمرو بن مرة عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن:«أخلص دينك يكفك القليل من العمل» ، وإسناده ضعيف فيه ابن زحر مختلف فيه، وهو أقرب إلى الضعف، وعمرو بن مرة اختلف في تعيينه هل هو الكوفي من صغار التابعين، أم هو الجهني الصحابي، قال البيهقي في "الشعب":(وعمرو بن مرة هذا هو الجهمي، كذا قال شيخنا أبو عبد الله: إنما أراد عمرو بن مرة الذي له صحبة)، وقال في موضع آخر:(هذا هو الكوفي الذي ليست له صحبة، ولا أدرك معاذا فيكون الحديث مرسلا)، ولم يتبين لي تعيينه فيتوقف فيه.
(2)
ضعيف جدا - أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 121)(1015) من طريق أبي علي، صالح بن إبراهيم بن رشدين إجازة، أبنا أحمد بن عبد الله الصفار، ثنا الحسن بن سعيد بن مرزوق، ثنا يحيى بن صالح، ثنا أبو مهدي، عن أبي الزاهرية، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا مطولا به. وفيه أبو مهدي وهو سعيد بن سنان قال عنه في "التقريب":"متروك رماه الدارقطني وغيره بالوضع" .. ورواه القضاعي عقبه من طريق بقية عن حدير مولى السمط بن ثابت عن أبي الزاهرية مطولا به ولم يذكر ابن مسعود، وحدير مولى السمط ذكره ابن أبي حاتم، والبخاري، ولم يذكرا فيه حرجا ولا تعديلا، فهو مجهول، كما أن الحديث مرسل.
ورواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 202)(214) من طريق مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، عن عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا مطولا بنحوه، وقال ابن حبان:" عباد بن عبد الصمد، عن أنس نسخة أكثرها موضوعة".
وروي أن رجلاً قام بعد صلاة العصر يتنفل في مسجد المدينة، فقال له سعيد بن المسيب رحمة الله عليه: لا تصل. فقال الرجل: أيعاقبني الله على الصلاة؟ فقال له سعيد: بل يعاقبك أو يعاتبك على مخالفة السنة في الصلاة
(1)
، فصار قليل العمل بمتابعة السنة خيرًا من كثيره بقبول [ق 5 /أ] الله عز وجل له، وتضعيف أجره وهو خير من الكثير في بدعة رادّة إياه وذهاب أجره كما قال النبي عليه السلام:"كل ما ليس عليه أمرنا فهو ردّ"
(2)
. أي على عامله لمكان بدعته، وكما قال عليه السلام في صفة الخوارج: (سيكون
(3)
أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية)
(4)
وفيه: (يقرؤن القرآن لا تبلغ قراءتهم آذانهم) - أي لا ترفع في خزائن القبول، بل تردّ عليهم لمكان بدعتهم في شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفائدة الحديث الحثّ على متابعة السنة في صالح الأعمال؛ ليعلو قدرها، ويكثر خيرها، وتجنّب البدعة والاختراع في سائر الأحوال لثنّها
(5)
وسوء عاقبتها والله أعلم. وكما قال ضرار بن عمرو
(6)
رضي الله عنه: (إن قومًا تركوا العلم ومجالسة أهل العلم واتخذوا محاريب فصلّوا وصاموا حتى يبس جلدهم على عظمه، ثم خالفوا السنة
(1)
حسن - أخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 381) من طريق عطاف بن خالد ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، أن سعيد بن المسيب بنحوه، وإسناده حسن.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه"(3/ 52)(4755)، والدارمي في "مسنده"(1/ 404)(450)، والبيهقي في "سننه"(2/ 654) من طريق أبي رباح، عن ابن المسيب بنحوه، ،وأبو رباح هو عبدالله بن رباح ثقة.
(2)
روى البخاري في "صحيحه"(3/ 184)(2697)، ومسلم في "صحيحه"(3/ 1343)(1718) من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد» .
(3)
وفي الحاشية: "أي يخرجون".
(4)
رواه البخاري في "صحيحه"(4/ 200)(3610)، ومسلم في "صحيحه"(2/ 744)(1064) من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد بنحوه مطولا.
(5)
كذا بالأصل.
(6)
هذا الأثر نسب لابن سيرين كما سيأتي إسناده.
فهلكوا ألا والذي لا إله غيره ما عمل عامل قطّ على جهل إلا كان ما يفسده أكثر مما يصلح)
(1)
، فقد روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال:"من أم قوما بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلح"
(2)
. ولقد أحسن القائل:
عبادة عابدٍ في غير علم
…
كبنيان القصور على التراب
العمل بلا علم يكون له دليل
…
كقرطاس تراه بلا كتاب
ومن يكثر دعاه بغير زهد
…
كرمي النبل في جوف الطناب
(3)
ومن طلب العلوم بغير فهم
…
كمن رام التعلّق بالسحاب
ومن طلب التعبد منه جهلاً
…
فلا طمع له في الاقترابُ
قال بعض الحكماء: وكيف يكون متقياً من لا يدري ما يُتقى. وروي أنّ سليمان بن عبد الله [ق 5 / ب] الملك رحمه الله مشى إلى طاووس اليماني رضي الله عنه يسأله أن يدعو له دعوة، فلما دخل على طاووس لم يقم له ولا عني به ولا هاله أمره، فلما انصرف قيل لطاووس رضي الله عنه: مشى إليك أمير المؤمنين فلم تقم ولا تلو عليه،
قال: أردت أن يعلم أنّ لله عز وجل رجالاً يزهدون فيما أوتي من حطام الدنيا، وليس مطلوبهم إلا لله عز وجل، فلا يرجون سواه، ولا يخافون إلا إيّاه
(4)
.
ألا فهذه سيرة المشايخ والفقراء من العلماء والعباد وبضدّ ذلك سيرة المنافقين والمرائين المعاندين الآكلين الدنيا بالدين، وقيل: من استغنى بالله أحوج الله الناس إليه. وقرأت في كتاب
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(3/ 98)(2151) من طريق الحسن بن الصباح، حدثنا عبدالرحمن المحاربي، عن بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن ابن سيرين به، وفيه بكر بن خنيس قال عنه الذهبي في "الكاشف":"واه"، وقال ابن حجر في "التقريب":"صدوق له أغلاط"، وضرار بن عمرو قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن عدي: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ذاهب الحديث.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ.
(3)
قال العدوي: الطِّناب: السير الذي يُربط في رأس وتر القوس.
(4)
ذكره مختصرا ابن خلكان في وفيات الأعيان (2/ 424) بدون إسناد. وروى أبو نعيم في "الحلية"(4/ 16) عن أبي حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عمر بن شبة، ثنا أبو عاصم، قال: زعم لي سفيان قال: جاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاوس فلم يلتفت إليه فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه، قال:«أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون فيما في يديه» وإسناده ضعيف فيه أبو حامد بن جبلة مجهول.
أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إني أحبك وأريد أصحبك. فقال: "بشرط إن رأيتني قد ملت قوّمني فبقي عنده ثلاثة أيام، ولم يقل له شيئًا، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أخي لك عند ثلاثة أيام لم تأمرني بأمر وعمر يعلم أنه لا يمضي عليه يوم إلا أخطأ فيه، فاذهب عنّي لا تغويني
(1)
" فرضي الله عن أمير المؤمنين عمر فإنه قد بين في هذا معنى الأخوة والصحبة ألا فبهدى رسول الله عليه السلام وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين فاهتدوا وبهم فاقتدوا بسنتهم فاكتفوا ولآثارهم فاقتفوا إن أردتم أن تربحوا ولا تخسروا وتجبروا ولا تكسروا. وأقول شعرا:
من كان يرغب في النجاة فماله
…
غير اتباع الهاشمي محمدًا
ذاك السبيل المستقيم وغيره
…
سبل الضلالة والغواية والردى
فاتبع كتاب الله والسنن التي
…
صحّت، فذلك الهدي طول المدى
ودع [ق 6 /أ] الجدال بكم وكيف فأنه
…
باب يردّ ذوي البصيرة أرمدا
فالدين ما قال النبي وصحبه
…
فإذا اقتديت بهم فنعم المقتدى
لا تتّبع في الدين كلّ مذبذب
…
حيران لا يدري الصحاب من العدا
قد خالف المختار في مسنونه
…
وصحابه فعدى الهدى، ثم اعتدا
(1)
لم أقف عليه.