الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخلاق نبينا عليه السلام:
كان نبيّنا عليه السلام أشع الناس وأنجد الناس وأجود الناس، قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"كنا إذا احمرّ البأس ولقي الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتّقينا برسول الله عليه السلام"
(1)
، وكان صلى الله عليه وسلم أسخى الناس ما سُئل شيئاً قطّ فقال: لا، وكان عليه السلام أحلم الناس، وكان أشد حياء من العذارى في خدورهن لا يثبت بصره في وجه أحدٍ
(2)
، وكان عليه السلام لا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك محارم الله عز وجل، فيكون له منتقم، وكان عليه السلام إذا غضب في الله لم يقم لغضبه أحدًا، القريب والبعيد والقويّ والضعيف والدنيّ والشريف عنده في الحقّ سواء وما عاب طعامًا قطّ إن اشتهاه أكله وإلاّ تركه، وكان عليه السلام لا يأكل متكئًا ولا على خوان
(3)
ولا يمتنع من مباح
(4)
(1)
صحيح - أخرجه النسائي في "الكبرى"(8/ 34)(8585)، وابن الجعد في "مسنده"(ص/372)(2561)، وأحمد في "مسنده"(2/ 307)(1042)، والحارث في "مسنده"(2/ 874)(938)، والبزار في "مسنده"(2/ 299)(723)، وأبو يعلى في "مسنده"(1/ 258)(302)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 155)(2633) كلهم من طريق زهير بن معاوية، والحارث، وإسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي مطولا بنحوه، وأبو إسحاق هو السبيعي اختلط وسماع ثلاثتهم منه بعد الاختلاط إلا أن رواية ابن ابنه إسرائيل عنه في الصحيحين، وللحديث شاهد من حديث البراء في "صحيح مسلم (3/ 1401)(1776) مطولا بنحوه.
(2)
ذكره القاضي عياض في "الشفاء"(1/ 119) بدون إسناد فقال: "وروي عنه أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد"، ولم أقف عليه مسندا.
(3)
بكسر أوله وضمه وتخفيف الواو هو المائدة المعدة للأكل، وتكون من خشب وتكون تحته قوائم من كل جانب والأكل عليه من دأب المترفين لئلا يفتقر إلى التطأطؤ والانحناء.
(4)
ذكره الطبري في "خلاصة سيرة سيد البشر"(ص/95)، وليس مقصوده العموم الذي في العبارة فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أكل الضب، وترك التجفف من الماء بعد الاغتسال، ومقصود عبارته ما ذكره عقبه من قوله: " إن وجد تمرًا أكله، وإن وجد خبزًا أكله
…
" ..
إن وجد تمرًا أكله وإن وجد خبزًا أكله، وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بر أكله، وإن وجد خبز شعير أكله، وإن وجد لبنًا اكتفى به
(1)
، أكل البطيخ بالرطب، وكان عليه السلام يحبّ الحلوى والعسل، وقال أبو هريرة رضي الله عنه خرج رسول الله عليه السلام من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير
(2)
، وكان يأتي على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان له تسعة أبيات، وكان قوتهم التمر والماء، وكان عليه السلام يقبل الهديّة ويكافئ عليها ولا يأكل الصدقة [ق 6 / ب] ولا يتأنّق في مأكل ولا ملبس يأكل ما وجد، ويلبس ما وجد، ويخصف النعل ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويعود المرضى، وكان صلى الله عليه وسلم أشدّ الناس تواضعًا يجيب من دعاه من غنيّ أو فقير أو دنيّ أو شريف، يحبّ المساكين ويشهد جنائزهم، ويعود مرضاهم لا يحقّر فقيرًا لفقره، ولا بهاء
(3)
مَلِكًا لِمُلْكِهِ، ولا يتواضع لغنيّ لأجل غناه وكان عليه السلام يركب البعير، والفرس، والحمار، والبغل، ويردف خلفه عبده أو غيره ولا يدع أحدًا يمشي خلفه.
(1)
قال ابن حزم في " جوامع السيرة"(ص: 34): "وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به"، وقد روى الترمذي في "سننه"(5/ 506)(3455)، وأحمد في "مسنده"(3/ 439)(1978)، وغيرهما من طريق إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا علي بن زيد، عن عمر بن أبي حرملة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أطعمه الله الطعام فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن» وإسناده ضعيف فيه علي بن زيد ابن جدعان: ضعيف، وعمر بن أبي حرملة مجهول، ورواه ابن ماجه في "سننه" (2/ 1103) (3322) من طريق إسماعيل بن عياش قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس بنحوه، وهذا سند يصلح للمتابعات، والحديث حسن من مجموع الطريقين.
(2)
رواه البخاري في "صحيحه"(7/ 75)(5414)، ومسلم في "صحيحه"(7/ 75)(2976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.
(3)
كذا بالأصل، وعليه تحشية:"البهاء: الأنس"، وفي وقفت على هذه العبارة في غير موضع من كتب السيرة بلفظ:"ولا يهاب ملكا لملكه".
ويقول: خلوا ظهري للملائكة، ويلبس الصوف وينتعل المخصوف، وكان أحب اللباس إليه الحبرة وهي من برود اليمن فيها حمرة وبياض، وخاتمه من فضة وفصه منه، يلبسه في خنصره الأيمن وربما لبسه في الأيسر يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يأخذها واختار الآخرة عليها، وكان عليه السلام يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، أكثر الناس تبسمًا، وأحسنهم بشرًا، ومع ذلك أنه متواصل الأحزان
(1)
،
(1)
ضعيف – روى الترمذي في "الشمائل"(ص/134)(215)، والزبير بن بكار في "الأخبار الموفقيات"(ص/134)(215)، وابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص/27)(1)، ومحمد بن هارون في "صفة النبي"(ص/9)، والطبراني في "الكبير"(22/ 155)(414)، والآجري في "الشريعة"(3/ 1508)(1022)، والبيهقي في "الشعب"(3/ 24)(1362)، وغيرهم من طريق جميع بن عمر عن أبي عبد الله يزيد بن عمر عن ابن لأبي هالة – وسماه محمد بن هارون: عمر، وهو والد يزيد – عن الحسن بن علي عن هند بن ابي هالة مطولا به، وإسناده ضعيف فيه جميع بن عمر ضعيف رافضي، وأبو عبد الله وشيخه مجهولان، ورواه ابن شاذان في "مشيخته"(ص/45)(61)، والبيهقي في "الدلائل"(1/ 285) من طريق أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العقيقي عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبي محمد عن علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن الحسين، قال: قال الحسن بن علي: سألت خالي هند بن أبي هالة فذكره مطولا به، وإسناده ضعيف جدا فيه أبو محمد الحسن بن محمد متهم.
وقال ابن القيم في "المدارج"(1/ 502): "وأما حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان متواصل الأحزان فحديث لا يثبت، وفي إسناده من لا يعرف. وكيف يكون متواصل الأحزان، وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فمن أين يأتيه الحزن؟ بل كان دائم البشر، ضحوك السن، كما في صفته " الضحوك القتال " صلوات الله وسلامه عليه".
وعلى فرض ثبوته فيحمل على الحزن على أمور الآخرة دون أمور الدنيا، قال ملا القاري في "جمع الوسائل" (2/ 16):"قال شارح يمكن التوفيق بوجه آخر، وهو أنه متواصل الأحزان باطنا بسبب أمور الآخرة، وكان أكثر تبسما ظاهرا مع الناس تآلفا بهم وحاصله أن تواصل الأحزان لا ينافي كثرة تبسمه لأن الحزن من الكيفيات النفسانية) وقال تقي الدين ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" (16/ 221): "أما الحزن فليس المراد به الحزن الذي هو الألم على فوت مطلوب أو حصول مكروه فإن ذلك منهي عنه ولم يكن من حاله وإنما أراد به الاهتمام والتيقظ لما يستقبله من الأمور".
دائم الفكر، رقيق القلب، سريع الدمعة
(1)
، وكان عليه السلام يحبّ الطيب ويكره الروائح الكريهة يتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي بِشْرَه عن أحدٍ ولا يجفوا عليه، يرى اللعب المباح ولا ينكره، ويمزح ولا يقول لاحقًا، ويقبل معذرة المعتذر إليه له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس لا يمضي له وقت إلا في عمل لله عز وجل، وفيما لا بدّ له ولأهله منه ورعى عليه السلام الغنم، وقال: ما من نبي إلا وقد رعاها، وسئلت أم المؤمنين [ق 7 /أ] عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:"كان خلقه القرآن يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه"
(2)
.
(1)
قال ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 183): "وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ولكان كانت تدمع عيناه حتى تهملا ويسمع لصدره أزيز وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفا على أمته وشفقه عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمه له
…
وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وجعل ينفخ ويقول رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل ".
(2)
إسناده ضعيف بهذا التمام – أخرجه الطبراني في "الأوسط"(1/ 30)(72) من طريق أحمد بن إبراهيم قال: نا سليمان بن عبد الرحمن قال: نا الحسن بن يحيى الخشني قال: نا زيد بن واقد، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، . عن أبي الدرداء قال: سألت عائشة عن خلق، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرته، وهذا إسناد ضعيف فيه لحسن بن يحيى صدوق كثير الغلط، والحديث بدون الزيادة الأخيرة أخرجه مسلم في صحيحه" (1/ 512)(746) من حديث عائشة مطولا بنحوه.
وصح وثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كفّ رسول الله عليه السلام، ولقد خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي عن شيءٍ فعلته لم فعلت كذا وكذا"
(1)
. وكذا قد جمع الله عز وجل له كما قال الأخلاق ومحاسن الأفعال، وآتاه علم الأولين والآخرين وما فيه النجاة والفوز وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب ولا معلّم له من البشر نشأ في بلاد الجهل والصحاري آتاه الله ما لم يؤت أحدًا من العالمين، واختاره على الأولين والآخرين، فصلوات الله عليه وعلى جميع إخوانه من النبيّين والمرسلين وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين صلاة دائمة إلى يوم الدين، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، عليه تعرض الأشياء على خُلقه وسيرته وهديه، فما وافق فهو الحق وما خالف فهو الباطل، ألا فمتى وجدتم من علمائكم وعبادكم وغيرهم من المشايخ والفقراء من تشبه بأخلاق نبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وسيرتهم فيما يقولون ويفعلون لله عز وجل في مواعظهم وفي محاسنهم، فاعلموا أنه متبع صادق وإلا فمبتدع منافق مخالف البُعد عنهم والحذار الحذار منهم، وأقول شعراً:
اسلك طريق الصالحين [ومَنْ هُمُ]
…
مِنْ سادة العلماء والأخيار
واجهد لهم في الاتباع مجانبًا
…
مهما حييت مسالك الأغيار
وكن الحريص [ق 7 / ب] على سلوك طريقهم
…
وعلى مسير القوم بالسيار
كن ذاكرًا أعمالهم ومذكرًا
…
ومبكرًا فيهن بالإبكار
وإذا رأيت مخالفًا لطريقهم
…
فانكر عليه بمعظم الإنكار
وكن المحذر من قبيح فعاله
…
للمؤمنين النفع بالتذكار
واهجر لكل مذبذبٍ في بدعة
…
بمحبة الإبداع في الإسكار
(1)
صحيح - أخرجه الترمذي في "سننه"(3/ 436)(2015)، وقال:"حسن صحيح"، وأحمد في مسنده" (2/ 310) (13797)، وابن عساكر في "معجمه" (1/ 463)(557)، وغيرهم من طرق عن ثابت عن أنس بنحوه، وكلا طرفيه في الصحيح من حديث أنس.
عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم: أكثرتَ من الدعاء بالموت حتى خشيتُ أن يكون أشهى لك عند أوان نُزوله، فماذا مللت من أمّتك إمّا تعين صالحًا أو تقوم فاسدا. قال يا ابن عباس: إني قائل لك قولاً وهو إليك، قال: قلت لن يعدوني. فقال: كيف لا أحب فراقهم وفيهم ناس كلٌّ فاتح فاه للهوة
(1)
من الدنيا إمّا بحق لا ينوء به أو باطل لا يناله ولولا أني أسأل عنهم لهربت منهم فأصبحت الأرض مني بلاقع
(2)
، فمضيت لشأني وما قلت ما فعل الفاعلون
(3)
. وعن ابن المسيّب أنه قال: لما نزل عمر رضي الله عنه البطحاء جمع كومة من بطحاء فبسط عليها رداءه، ثم اضطجع ورفع يديه وقال: اللهم كبرت سنتي، ورقّ عظمي وضعفت قوّتي، وخشيت الانتشار من رعيتي فاقبضني إليك غير عاجز ولا مضيّع، ثم قدم مدينة فما انسلخ الشهر حتى مات رحمة الله عليه ورضوانه
(4)
.
(1)
قال ابن الأثير في "النهاية": " اللهوة بالضم: العطية، وجمعها: لهى. وقيل: هي أفضل العطاء وأجزله".
(2)
قال ابن الأثير: " البلاقع جمع بلقع وبلقعة وهي الأرض القفر التي لا شيء بها، يريد أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق. وقيل هو أن يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه من نعمه، وصفها بالجمع مبالغة".
(3)
إسناده ضعيف – أخرجه الخطابي في "العزلة"(ص/77) من طريق محمد بن علي قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال فذكره، وابن دريد، وهو محمد بن الحسن، قال الدارقطني: تكلموا فيه. كما أنه معضل فأين أبي عبيدة معمر بن المثني (توفي 208 هـ) من عمر.
(4)
حسن لغيره – أخرجه مالك في " الموطأ"(2/ 824)(10)، وابن أبي الدنيا في "مجابو الدعوة"(ص/29)(24)، وابن ا [ي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1/ 107)(90)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 98)(4513)، وغيرهم من طرق عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب بنحوه، وفي سماع سعيد من عمر خلاف، وقد روي الأثر من طرق أخرى عن عمر فرواه أحمد في "فضائل الصحابة"(1/ 398)(608) من طريق محمد بن عبد الله أبي عون عن عمر بنحوه مطولا، وهو منقطع بينهما، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(3/ 335) من طريق الحسن البصري عن عمر مختصرا بنحوه وهو منقطع أيضا، والأثر حسن بمجموع الطرق.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يخطب فقال: "اللهم إنني قد سئمتهم وسئموني ومللتهم وملوني، اللهم وأرحني منهم وأرحهم مني ما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم ووضع يده على لحيته"
(1)
الكريمة كرم الله وجهه
(2)
وحق لمن سلمت من الاغترار [ق 8 /أ] بالزخارف بصيرته وعمرت بالألطاف والمعارف سريرته
(3)
، وحسنت بين العلماء والزهاد سيرته أن يأنَّ مما يرى إلى مدبرة منتفجًا
(4)
ويجرأ مما يقاسي إلى مقدّره متوجّعًا يستروح مما يرى خامره
(5)
(1)
صحيح - أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(7/ 154)(18670) من طريق معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال: سمعت عليا يخطب فذكره مختصرا بنحوه. ورواته ثقات، ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1/ 137)(156)، (1/ 151)(184) من طريق علي بن الحسين بن الحسن الدرهمي، نا أمية بن خالد، نا شعبة، نا الأسود بن قيس، عن جندب، قال: ازدحموا على علي رضي الله عنه، حين وطئوا على رجله فقال فذكره مختصرا بنحوه. وإسناده صحيح.
(2)
قال ابن كثير في "تفسيره"(6/ 478): (وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي، رضي الله عنه، بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه" وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يساوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان بن عفان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين).
(3)
بالأصل: وسريرته.
(4)
قال الصاحب بن عباد في "لمحيط": مُنْتَفِجاً: أي مُسْرِعاً.
(5)
وفي الحاشية: أي خالطه ..
بالتنفس مقتديًا بتنفسه وتفرجه بزيني الخلفاء وشريفي الشرفاء وسيدي الغرباء ونجيبي النجباء وعالمي العلماء عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما رضاءً دائمًا دوام الأرض والسماء لما ذكرناه عنهما ولما برز علي رضي الله عنه إلى الجبانة مع كميل متنفسًا، وذلك ما روي عن كميل بن زياد النخعي رحمه الله قال: أخذ الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفّس ثم قال: يا كميل احفظ عني ما أقول لك: القلوب أوعية وخيرها أوعاها الناس ثلاثة: عالم ربّاني، ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤا إلى ركن شديد، العلم خير من المال، العلم يحرسُكَ وأنت تحرس المال، والعلم يزكوا على العمل والمال تُنْقِصُه النفقة، محبة العالم دين يُدَانُ بها في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله، مات خُزّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه، إنّ هاهنا - وأشار بيده إلى صدره علمًا - لو أصبت له حملة
(1)
بل أصبته لقنًا غير مأمون عليه يستعمل [ق 8 / ب] آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده، أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك، أو منهوم باللذات، سلس القياد للشهوات، أو مغرى بجمع المال والادخار، بما يكون عليه بعد موته وبال، ليسا من دعاة
(2)
الدين، أقربُ شبهاً بهم الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم بحجة الله؛ لكيلا تبطل حجج الله وتبيانه، أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله أجرًا، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدّونها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، بهم هجم العلم على حقيقة الأمر، فاستهلوا ما استوعر
(3)
(1)
بالأصل: جملة، وما أثبتناه هو الموافق لما في كتب التخريج.
(2)
بالأصل: عادة، والصواب ما أثبتناه.
(3)
أي ما عدَّوه أو وجدوه وعِرًا، يصعب فهمه عليهم ..
منه المترفون، وآنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحلّ الأعلى، أولئك خلفاء الله
(1)
في بلاده، والدعاة إلى دينه، هاه هاه شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله العظيم لي ولك، إذا شئت فقُم"
(2)
. هذا حديث خرّجته من كتاب صفة الغرباء لأبي نعيم الحافظ الأصبهاني رواه بإسناده، وقال: فإذا كان زين الخلفاء وشريف الشرفاء، وولي الأولياء وصفي الأصفياء رضوان الله عليه في وقته وزمانه
(3)
يشكوا ويضج
(4)
ويشتاق ويعج
(5)
ويحنّ ويأنّ إلى رؤية من فقدهم من الأصحاب والخلاّن والأنّاس والأقران، واستوحش وملّ ممن شاهد من الطغاة والعميان، ويشتبه حال متّبعه وحاضريه [ق 9 /أ] لاستعمالهم آلة الدين للدنيا وتواثبهم إلى اللذات وتتابعهم للشهوات بالأنعام السائمة، والذئاب الهائمة مع اقتباسهم من ضيائه واستباقهم إلى إيحائه وإيمائه، فكيف حال جهال زماننا الذين فارقوا العلم واتّخذوه شغلاً وضلالاً ورأوه ثقلاً وملالا فهؤلاء من سمة المحقّقين وأحوالهم أبعدُ ومن جفاة الجاهلين وأفعالهم أنتن وأنكد، فلا يغاث من ضجّ مما يرى، فإذا كان العابد الله
(6)
(1)
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"(1/ 152): "إن أريد بالإضافة إلى الله انه خليفة عنه فالصواب قول الطائفة المانعة منها وإن أريد بالإضافة أن الله استخلفه عن غيره ممن كان قبله فهذا لا يمتنع فيه الإضافة وحقيقتها خليفة الله الذي جعله الله خلفا عن غيره وبهذا يخرج الجواب عن قول أمير المؤمنين أولئك خلفاء الله في أرضه
…
".
(2)
إسناده ضعيف - أخرجه الأبهري في "فوائده"(ص/32)(16)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 79)، والشجري في "أماليه"(1/ 88)(333)، والسلفي في "الطيوريات"(2/ 607)(535) من طريق إسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السدي حدثنا عاصم بن حميد، أو رجل عن عاصم بن حميد الخياط عن ثابت بن أبي صفية أبي حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي بنحوه، وفيه الثمالي قال عنه الذهبي في "الكاشف":"ضعفوه"ن وقال عنه ابن حجر في "التقريب": "ضعيف رافضي"، وشيخه ابن جندب قال عنه الذهبي في "الميزان":"مجهول".
(3)
وفيه تقييد لكل ما ذكر من صفات لعلي رضي الله عنه.
(4)
قال ابن فارس: " قال أبو عبيد: أضج القوم إضجاجا، إذا جلبوا وصاحوا، فإذا جزعوا من شيء وغلبوا قيل: ضجوا
…
".
(5)
العج هو رفع الصوت.
(6)
بالأصل: "بن" والصواب حذفها ..
عبدالله بن غالب كان مع صحبته أعلام الصحابة كان في عصره على قومه زاريًا ومما يرى منهم إلى مولاه شاكيًا، وذلك
ما روي عن عبد الله بن غالب الحداني
(1)
رحمه الله أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إليك نشكو سفه أحلامنا ونقص علمنا واقترب آجالنا وذهاب الصالحين منّا"
(2)
. قال أبو نعيم رحمه لله: كان هذا عجيجة وضجيجة، وفي التابعين وفور ورحى الأحوال بالاستقامة تدور، والقلوب من بقايا نوافح الألطاف تفوح والنفوس على ما عدمت من المواد تنوخ
(3)
، فكيف والعقول ذاهبة، والحلوم عازبة، والعلوم راحلة، ونجومها الزهراء أفلة ومطية الأهواء وطية ومحجة الجهال وضيئة، والحق منه مدفوع والخير ممنوع، والسخيف بسخفه مائل، والعفيف عن عفّته مائل متّبع الحقّ مهان مقهور ومفارقة معان مكثور أعظم الناس من غشّهم وداهن، وأسلمهم من فارقهم وبائن المرائي فيهم متّبع مرموق، والمستمع فيهم موانق معشوق، [ق 9 / ب] الناصح لهم معاند مطرود، والموضح لهم منابذ مردود، وسيردّ الفريقان المورد، فتعلمون ويوفون أجورهم في المشهد فلا يظلمون، (وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). وروى أبو نعيم أن جارًا لجابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدمتُ من سفر فجاءني جابر فسلم عليَّ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر رضي الله عنه يبكي، ثم قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "إِن النَّاس دخلوا فِي دين اللَّه أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا"
(4)
.
(1)
بالأصل: الجذامي، وما أثبتناه هو الموافق لما في كتب التراجم.
(2)
صحيح – أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(2/ 257)، والمزي في "تهذيب الكمال"(15/ 421) من طريق عبد الله بن أبي زياد، عن سيار، قال: ثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار – ولم يذكره أبو نعيم -، قال: سمعت عبد الله بن غالب، يقول في دعائه، فذكره، وإسناد المزي صحيح.
(3)
أي تقيم، وانظر معجم مقاييس اللغة مادة (تنخ).
(4)
إسناده ضعيف – أخرجه أحمد في "مسنده"(32/ 47)(14696) وابن بطة في "الإبانة"(1/ 300)(137)، وأبو عمرو الداني في "الفتن"(4/ 826)(420) من طريق الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني جار لجابر بن عبد الله، فذكره، وفيه جهالة جار جابر.
وروى البخاري في صحيحه أن أم الدرداء، قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضبا، فقلت: ما أغضبك؟ قال: «والله ما أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا»
(1)
، وروي أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال:"لو أن رجلا كان يعلم الإسلام وأهمه، ثم تفقده اليوم ما عرف منه شيئا"
(2)
. عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "ذهب صفو الدنيا ولم يبق إلا الكدر فالموت اليوم تحفة لكل مسلم"
(3)
.
(1)
رواه البخاري في "صحيحه"(1/ 131)(650).
(2)
إسناده ضعيف – أخرجه أبو داود في "الزهد"(ص/205)(221)، وابن وضاح في "البدع"(ص/130)(181)، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 183)(18) من طريق جرير بن عبدالحميد عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن عن أبي الدرداء به، وفيه عنعنة الأعمش وهو مدلس، كما أنه منقطع بين سالم وأبي الدرداء كما قال أبو حاتم.
(3)
إسناده ضعيف - رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 102)(34516)، وأحمد في "الزهد"(ص/130)(861)، وأبو داود في "الزهد" والطبراني في "الكبير"(9/ 154)(8774)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 131) من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن ابن مسعود به، وفيه يزيد ضعيف ورواه ابن بطة في"الإبانة"(1/ 187)(23) بسنده فيه من لم اعرف كما ان ظاهره أن فيه سقطا عن المسعودي عن زبيد عن أبي وائل عن ابن مسعود به، وروى البخاري في "صحيحه"(4/ 51)(2964) عن ابن مسعود مطولا وفيه قوله " الذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب، صفوه وبقي كدره" فهذا الطريق شاهد لصدره.
وروى البخاري في صحيحه أن أنس بن مالك خادم نبيّنا عليه السلام وصاحبه قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر وإن كنا لنعدها على عهد النبي عليه السلام من الموبقات"
(1)
ورواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري
(2)
، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال:"ما من شيء كنت أعرفه على عهد رسول الله عليه السلام إلا أصبحت له منكرا، إلا أني أرى شهادتكم هذه ثابتة. فقيل: يا أبا حمزة فالصلاة؟ قال: [ق 10 /أ] قد فعل فيها ما رأيتم"
(3)
. وفي لفظ: أن ثابت البناني رضي الله عنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ما أعرف شيئًا ممّا كنتُ أعهده على عهد رسول الله عليه السلام غير شهادة أن لا إله إلا [الله]. فقلت له: يرحمك فالصلاة؟ قال: أليس قد صنعتم في الصلاة ما أرى
(4)
.
(1)
رواه البخاري في "صحيحه"(8/ 103)(6492).
(2)
إسناده حسن - أخرجه أحمد في "مسنده"(17/ 25)(10995)، وأبو داود في "الزهد"(ص/301)(349)، وابن أبي الدنيا في "التوبة"(ص/97)(111)، والخلال في "السنة"(4/ 109)(1285) من طريق عباد بن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد به وإسناده حسن من أجل عباد بن راشد.
(3)
صحيح - أخرجه ابن عدي في "الكامل"(8/ 97)، وابن بطة في "الإبانة"(2/ 573)(718) من طريق أبي إبراهيم الترجماني، حدثنا حماد بن زيد عن معلى بن زياد عن ثابت، عن أنس به، ونقل ابن عدي عن ابن معين أن معلي لا يكتب حديثه، وتعقبه وقال:" وهو عندي لا بأس به"، والحديث رواه البخاري في "صحيحه"(1/ 112)(529) بنحوه مختصرا، ولفظه قال أنس، قال:" ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ".
(4)
صحيح - أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 531)(1512)، وابن الجعد في "مسنده"(ص/451)(3076)، وأحمد في "مسنده"(21/ 344)(13860)، وابن وضاح في "البدع"(ص/126)(179)، وأبو يعلى في "مسنده"(6/ 74)(3330) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس مطولا بنحوه، وإسناده صحيح رواته ثقات.
وروي أنّ الزّهري قال: دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يرحمك الله؟ فقال: "ما أعرف شيئًا مما كنا عليه إلا هذه الصلاة، وقد ضيّعت"
(1)
. وروي أنّ عبد الله بن بسر رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه السلام قيل له: كيف حالنا من حال من كان قبلنا؟ قال: سبحان اللهّ لو نُشروا من القبور ما عرفوكم إلا أن يجدوكم قياما تصلّون"
(2)
. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ذهب الناس وبقي النسناس. فقيل: وما النسناس؟ فقال: يشبهون الناس وليسوا بناس"
(3)
. ولقد أحس القائل:
ذهب الناس واستقلّوا وصرنا
…
خلفاء في أراذل النسناس
في أناس تراهم العين ناسا
…
فإذا حصلوا فليسوا بناس
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه كان يقول: "
وما الناس بالناس الذين أعهدهم
…
ولا الدار بالدار التي كنت أعرفها"
(4)
(1)
صحيح – أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(4/ 237)(2229)، وابن بطة في "الإبانة"(2/ 573)(719)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم"(2/ 1221)(2399)، والبيهقي في "الشعب"(4/ 480)(2845) من طريق عثمان بن أبي رواد عن الزهري عن أنس بنحوه، وإسناده صحيح رواته ثقات.
(2)
صحيح – أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 80)، والطبراني في "الأوسط"(1/ 151)(473)، وابن بطة في "الإبانة" من طريق صفوان بن عمرو عن يزيد بن خمير عن عبدالله بن بسر به، ورواته ثقات.
(3)
إسناده ضعيف – أخرجه أبو داود في "الزهد"(ص/253)(283)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(ص/147)(305)، وابن الأعرابي في "معجمه"(2/ 854)(1767) من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبي هريرة رضي الله عنه به، وفيه ابن جريج مدلس وقد عنعنه.
(4)
لم أقف عليه من قول أنس، وإنما أخرج ابن أبي الدنيا في "الأهوال"(ص/176)(217)، وفي "القبور"(ص/83)(73) عن عبدالرحمن بن صالح عن أبي بكر بن عياش عن ابن عباس مطولا بنحوه وإسناده ضعيف معضل بين ابن عياش وابن عباس، وأخرجه ابن بطة في "الإبانة"(2/ 574)(721) من طريق محمد بن السائب الكلبي عن باذام أبي صالح عن ابن عباس بنحوه، وإسناده ضعيف جدا فيه الكلبي متهم بالكذب، وباذام ضعيف يرسل.
ألا فاعتبروا قول أصحاب النبي عليه السلام في زمانهم فلا شك ولا مرية أنهم لو أدركوا أهل زماننا هذا لقالوا إنهم بمنزلة قوم بدلوا دينهم وارتدوا على أدبارهم وجحدوا ما جاء به بنيهم سوى المتمسكين بما في الكتاب والسنة المتبعين بما كان عليه الرسول عليه السلام وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
فصل
وروي أن الحسن البصري رضي الله عنه قيل له أخبرنا عن صفة [ق 10 / ب] أصحاب رسول الله عليه السلام، فبكى، ثم قال: "ظهرت عليهم علامات الخير في السيماء
(1)
والسمت والصدق، وحسنت ملابسهم بالاقتصاد وممشاهم
(2)
بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، وطيب مطعمهم ومشربهم بالطيّب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربّهم، وانقيادهم للحق فيما أحبّوا وكرهوا وإعطاؤهم الحق من أنفسهم للعدو والصديق، وتحفظهم في المنطق مخافة الوزر، ومسارعتهم بأنفسهم رجاء الأجر والاجتهاد"
(3)
. قال الشعبي رضي الله عنه: "ما بكيت من زمان إلا بكيت عليه"
(4)
ألا فاعتبروا قول الشعبي في زمانه ومات سنة أربع ومائة، وأنشدوا في المعنى:
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلما
…
صرتُ في غيره بكيت عليه
(5)
(1)
قال المناوي في " التعاريف": "السيماء: صيغة مبالغة من السمة والوسم، وهي العلامة الخفية".
(2)
بالأصل: ومماشهم.
(3)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو الفضل البغدادي في "حديث الزهري"(ص/580)(630)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 149) من طريق يحيى بن سعيد العطار عن يزيد بن عطاء عن علقمة بن مرثد مطولا بنحوه، وفيه يحيى بن سعيد ضعيف، وشيخه يزيد لين الحديث.
(4)
إسناده ضعيف جدا - أخرجه ابن الأعرابي في "معجمه"(2/ 812)(1663)، وأبو عيم في "الحلية"(4/ 323)، وأبو عمر الداني في "الفتن"(3/ 520)(215) من طريق سعدان بن نصر المخرمي، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، قال: حدثنا مالك بن مغول، عن الشعبي به وابن أبن قال عنه في "التقريب":"متروك وكذبه ابن معين وغيره".
(5)
ونسب هذا البيت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وروي أنه لما ظهرت المقالات بالكوفة ذكر ذلك لإبراهيم النخعي رحمة الله عليه فقال: "أولئك
(1)
رقَّقُوا قولاً
(2)
واخترعوا دينا من قبل أنفسهم ليس من كتاب الله عز وجل، ولا من سنة رسول الله عليه السلام، فإياك وإيّاهم"
(3)
. وقال: "وددتُ أني لم أكن تكلمت وإن زمانًا صرت فيه فقيه الكوفة زمان سوء"
(4)
ألا فهذا قول إبراهيم النخعي وهو من كبار علماء الدين وأئمة المسلمين مات سنة ست وتسعين، وهذا قول في جماعة من فقهاء زمانه [ق 11 /أ] أنهم اخترعوا دينًا من قبل أنفسهم وبدّلوا دين محمد صلى الله عليه وسلم فكيف به لو أدرك وعاظ زماننا، وقصاصهم وكثير من فقهائهم فيما هم فيه من إتباعهم الجهال والسفهاء الضلال، وما يفتون بلا علم، وما يظهرون من الحوادث والبدع والأهواء وسب الصحابة رضوان الله عليهم ولعنهم تدينًا وتقربًا إلى الله عز وجل. والله المستعان.
(1)
كذا بالأصل، وفي جميع النسخ: أوّه، وهي كلمة معناها التحزن، وتقال عند الشكاية والتوجع.
(2)
أي حسنوه.
(3)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(4/ 223)، والهروي في "ذم الكلام"(5/ 54)(841) من طريق سليمان بن أحمد حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد الحمال الأصبهاني حدثنا إسماعيل بن يزيد القطان حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا شهاب بن خراش عن أبي حمزة الأعور بنحوه، وفيه أبو حمزة قال عنه في "الكاشف":"ضعفوه"، وقال ابن حجر في "التقريب ":"ضعيف".
(4)
إسناده ضعيف - أخرجه الدارمي في "سننه"(1/ 282)(202)، وابن أبي الدنيا في "الإشراف"(ص/270)(351)، والدولابي في "الكنى والأسماء"(2/ 490) 0887)، وابن صر في "فوائده"(ص/108)(118)، وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 223) من طريق محمد بن طلحة بن مصرف، عن ميمون أبي حمزة به، وفيه بو حمزة قال عنه الذهبي في "الكاشف":"ضعفوه"، وقال عنه ابن حجر:"ضعيف".
وروي عن الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه ورضي الله عنه أن شيخه ربيعة الذي بكى يومًا بكاءً شديدًا، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: "لا ولكنه استفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم". قال ربيعة: ولبعض من بقي هاهنا أحق بالسحن من السراق"
(1)
، فرحم الله ربيعة. فهذا قوله وهو من العلماء والتابعين
مات سنة ست وثلاثين ومائة، فكيف به لو أدرك كثيرًا من فقهاء زماننا هذا؟ وما يفتون بغير علم. والله المستعان.
(1)
إسناده ضعيف – أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 1225)(2410) من طريق عبد الله بن وهب، قال: حدثني مالك، قال: أخبرني رجل " أنه دخل على ربيعة فذكره، وفيه جهالة شيخ مالك.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " قدمت عليَّ امرأة من أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول الله –عليه السلام بعد موته حداثة ذلك، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به
(1)
،
(1)
وتفصيل قصتها كما في جاء في رواية اللالكائي (كان لي زوج فغاب عني فدخلت علي عجوز فشكوت ذلك إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتي، فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما، وركبت الآخر، فلم يك كشيء حتى دفعنا ببابل، فإذا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر، فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي، فأبيت وقلت: لا ، فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت ففزعت، ولم تفعل، فرجعت إليهما فقالا: أفعلت؟ فقلت: نعم، فقالا: هل رأيت شيئا؟ ، قلت: لم أر شيئا، فقالا: لم تفعلي، فارجعي إلى بلادك، ولا تكفري، فأردت وأبيت، فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت فاقشعر جلدي، فرجعت إليهما، فقلت: قد فعلت، فقالا: ما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئا، فقالا: كذبت ، لم تفعلي ، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري، فإنك على رأس أمرك، فأردت وأبيت، فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت فبلت فيه، فرأيت فارسا مقنعا بحديد خرج مني، حتى ذهب إلى السماء، وغاب عني، حتى ما أراه فجئتهما، فقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ قلت: رأيت فارسا مقنعا بحديد خرج مني، فذهب في السماء، حتى ما أراه، فقالا: صدقت ذلك إيمانك خرج منك اذهبي، فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئا، وما قالا لي شيئا، فقلت: بلى؛ لن تريدي شيئا إلا كان ، خذي هذا القمح فابذري، فبذرت فقلت: اطلعي، فطلع، فقلت: أحقلي فأحقلت، ثم قلت: أفركي ففركت، ثم قلت: أيبسي، فيبست، ثم قلت: اطحني فطحنت، ثم قلت: اخبزي فتخبزت، فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان، سقط في يدي، وندمت والله يا أم المؤمنين، فما فعلت شيئا، ولا أفعله أبدا
…
) ..
قالت: ورأيتها [ق 11 / ب] تبكي حين لم تجد رسول الله – عليه السلام – حيا يشفيها عن ذلك فكانت تبكي حتى أرحمها، فسألت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حداثة وفاة رسول الله عليه السلام وهم يومئذ متوافرون فما دروا ما يقولون لها وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا علم له به إلا أنه قد قال لها ابن عباس رضي الله عنهما أو بعض من كان عنده: لو كان أبواك حيين أو أحدهما قال هشام: فلو جاءتنا اليوم في زماننا أفتيناها بالضمان قال ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وكان هشام يقول أنهم أهل ورع وخشية الله عز وجل وبعدًا من التكليف والجرأة على الله عز وجل، ثم يقول هشام: لكنها لو جاءنا مثلها اليوم لوجدت نوكى
(1)
أهل حمق، فيتكلفون بغير علم – وفي لفظ قال لو جاءت زماننا لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير علم-"
(2)
. هذا حديث أخرجه الحافظ أبو القاسم الطبري في سننه، وخرجته من حديث عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ألا فاعتبروا ما قال هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وكان من العلماء التابعين مات سنة خمس وأربعين ومائة، وهذا قوله في علماء زمانه من خمسمائة سنة وأكثر، فكيف لو أدرك [ق 12 /أ] نوكا أهل حمق وجهل وتكلّفٍ من أهل زماننا يفتون بغير علم. الله المستعان.
(1)
وفي الحاشية: النوك: .............. ، ويقال: النوك الحمق، والنواكة بالفتح الحماقة.
(2)
إسناده صحيح، ومتنه غريب – أخرجه الطبري في "تفسيره"(2/ 439)(1695)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 194)(1022)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 171)(7262)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد"(7/ 1289)(2279)، والبيهقي في "الكبرى"(8/ 235) من طريق الربيع بن سليمان، قال: نا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مطولا بنحوه، وإسناد الحاكم ظاهر الانقطاع حيث أنه قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، وبينهما مفاوز، وقال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (2/ 315):(رواها ابن جرير في " تفسيره " بإسناد حسن عن عائشة، ولكن المرأة مجهولة فلا يوثق بخبرها، وقد قال ابن كثير: " إنه أثر غريب وسياق عجيب ").
وروي أن يوسف بن أسباط رحمة الله عليه كتب إلى بعض أصحابه: "أكتر لي منزلاً ولا تكتره بين القراء، فإنني أتخوف أن أقول تفاحة. فيقول لفاحة
(1)
، وإذا لم أُجبهم إلى ذلك ذهبوا وتهيئوا لي بيتًا، وهيئوا فيه طنبورًا وغلامًا وخمرًا ودعوني ولم أعلم، ثم دعوا الناس وقالوا: تعالوا انظروا ما مع يوسف بن أسباط"
(2)
ألا فاعتبروا خوف يوسف بن أسباط من قراء زمانه فما عسى أن تسمعوا من قراء زمانكم بعد موت يوسف. وروي عن مالك رضي الله عنه أنه قال: في قراء زمانه مثل قراء الزمان كمثل رجل نصب فخًّا ونصبَ فيه بُرة، فجاء عصفور فوقع قريبًا منه، فقال: ما غيبك في هذا التراب؟ قال: التواضع. فقال: مما أنحنيت؟ قال: من طول العبادة. فقال: نعم الجار أنت، فلما كان المساء، وغابت الشمس دنا العصفور وأخذ البرة فخنقه النفخ، فقال العصفور: إن كان العبّاد يخنقون خنقك فلا خير في العباد [ق 12 / ب] اليوم"
(3)
إلا فهذا قول ابن مالك بن دينار رحمه الله وبه من كبار علماء التابعين وزهّادهم وعبّادهم، مات سنة خمس وعشرين ومائة، وهذا قول فيهم، فماذا عسى أن يكون حال قوم نبزوا بالقراء وبالعباد والزهاد والشيوخ والفقراء، وليسوا منهم في شيء في زمانٍ بعد موت مالك بخمس وعشرين وخمسمائة سنة وأكثر. والله المستعان. وروي أن إبراهيم رضي الله عنه مرّ بالأوزاعي رحمه الله وحوله الناس، فقال: "على هذا عهدت الناس كأنك معلم وحوله الصبيان، والله لو أن هذه الحلقة على أبي هريرة
(1)
بالأصل: تفاحة، والتصويب من كتاب العزلة.
(2)
إسناده ضعيف – أخرجه الخطابي في "العزلة"(ص/88) بسد فيه مجهول.
(3)
إسناده ضعيف – أخرجه أبو الشيخ في "الأمثال"(ص 414)(368)، والخطابي في "العزلة"((ص/88)، والبيهقي في "الشعب" (9/ 214) (6556) من طريق إبراهين بن إسحاق الطالقاني عن أبي حفص البصري – ووقع عند الخطابي: أبي جعفر – عن مالك بن دينار به، وضعف محقق "الشعب" إسناده وأعله بأبي حفص، ورجح أنه عمر بن حفص ضعفه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم.
رضي الله عنه لعجز عنهم"، فقام الأوزاعي وترك الناس
(1)
، ومات إبراهيم سنة واثنين وستين ومائة، وهذا قوله في أهل زمانه في مثل الأوزاعي ومن حوله فكيف لو أدرك رؤساء الجهّال من أهل زماننا ومن حولهم. الله المستعان. عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: جلسنا إلى عبيد الله بن عمر رضي الله عنهما وأحطنا به، فنظر إلينا وقال:"شئتم العلم، وذهبتم بنوره، لو أدركني وإيّاكم عُمرَ لأوجعنا ضربًا، فما أنا أهل أن أحدث، ولا أنتم أهل أن تحدثوا [ق 13 /أ] وما مثلي ومثلكم إلا كما قال الأول افتضحوا فاصطلحوا"
(2)
ألا فاعتبروا قول عبيد الله بن عمر من العلماء التابعين، وهذا قوله في طلاب العلم والأحاديث في زمانه، فكيف بجهّالٍ من أهل زماننا بِنُزُوا
(3)
بالعلماء والمشايخ والفقهاء، وليسوا منهم في شيء، مات سنة [سبع وأربعين ومئة]
(4)
.
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن منده في "مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/42)(36) بسند فيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف.
(2)
صحيح - أخرجه أحمد في "العلل"((2/ 5)(1362)، والدارمي في "سننه"(1/ 471)(601)، وابن أبي خيثمة في "تاريخه"(2/ 348)(3298) من طرق عن سفيان بنحوه.
(3)
نَزْوًا ونُزُوًّا ونَزَوانًا: وثب. وانظر المعجم الوسيط مادة (ن ز ا).
(4)
ساقطة من الأصل.
وروي عن يونس بن عبيد رضي الله عنه أنه قال: "يوشك لعينك أن ترى ما لم ترَ، ويوشك لأذنك أن تسمع ما لم تسمع، ولا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما دونها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط"
(1)
، وقال:"ليس شيء أعزّ من اثنين درهم طيّب ورجل يعمل عمل سنة"
(2)
، وقال:"من إذا تعرض عليه السنة فيقبلها لغريب، وأغرب منه الذي يعرضها عليه". وفي لفظ قال: "أصبح من إذا عُرف السنة عرفها غريباً وأغرب منه من يَعرفها"
(3)
ألا فاعتبروا قول يونس وهو من كبار علماء التابعين مات سنة [تسع وثلاثين ومئة]
(4)
. الله المستعان.
وروي عن خير التابعين أويس بن أنيس القرني رضي الله عنه أنه قال لهِرم بن حيّان رحمة الله عليه: "الوحدة أحبّ إليّ لأنني كثير الغم ما دمت مع هؤلاء الناس حيًّا، فلا تسأل عني ولا تطلبني"
(5)
، وإنّ أهله ظنّوا أنه [ق 13 / ب] مجنون فبنوا له بيتًا على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنة والسنتان لا يَرون له وجهًا، وكان طعامه ما يلتفظ من النوى، فإذا أمسى أباعه لإفطاره، وإن أصاب حشفة حبسها لإفطاره، وكان يلتقط الخرق من المزابل للباسه.
(1)
إسناده صحيح إلى يونس - أخرجه ابن بطة في الإبانة" (1/ 182) (17)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 22)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (17/ 99) من طريق حماد بن زيد عن يونس به.
(2)
إسناده صحيح - أخرجه ابن الجعد في "مسده"(ص/204)(1342)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 17)، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(1/ 299)(489) من طريق سعيد بن عامر عن أسماء بن عبيد عن يونس بن عبيد مطولا به، وإسناده صحيح.
(3)
صحيح - أخرجه الآجري في "الشريعة"(5/ 2550)(2059)، واللالكائي في "شرح الاعتقاد"(1/ 64)(22) من طريق أبي أسامة عن مهدي بن ميمون عن يونس بنحوه، ورواته ثقات.
(4)
غير مذكورة بالأصل.
(5)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(6/ 207)، وأحمد في "الزهد"(ص/279)(2014)، وابن أبي الدنيا في "العزلة"(ص/78)(206) مختصرا، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/ 448) من طريق سيف بن هارون البرجمي عن منصور عن مسلم بن سابور قال: حدثني شيخ من بني حرام عن هرم بن حيان العبدي مطولا بنحوه، وفيه سيف بن هارون: قال في "التقريب": " ضعيف أفحش ابن حبان القول فيه"، وفيه جهالة الراوي عن هرم.
وروي أن معاوية
(1)
بن قرة رحمه الله قال: "أدركت سبعين رجلاً من أصحاب محمد عليه السلام لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئًا مما أنتم عليه إلا الأذان"
(2)
.
وروى الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: "إذا رأيتم اليوم شيئًا مستويًا فتعجّبوا". وقال: "لو صليت مائة مسجد ما رأيت أهل مسجد واحد يقيمون الصلاة على ما جاء عن النبي عليه السلام وصحابته رضوان الله عليهم، ومات أحمد رحمه الله سنة إحدى وأربعين ومائتين، وهذا قاله في أهل زمانه، فكيف لو أدرك أهل زماننا، وما عسى أن يقول فيهم. الله المستعان. ألا فما ذكرناه وما نذكره بعد من أقوال الصحابة والتابعين يدل على أن المنافين والزنادقة من أهل زماننا له ذكر وصية عند الناس بالتديّن والصلاح، وكثير من المؤمنين عندهم مجانين وبين ظهرانيهم مطرودين [ق 14 /أ] محقورون أذلاء أذلّ من اليهود والنصارى، ولتمسكهم بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
(1)
بالأصل: معمر، وهو خطأ.
(2)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(2/ 299)، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(59/ 269) عن أبيه عن إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: ثنا عيسى بن خالد، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن تمام بن نجيح، عن معاوية بن قرة به، وفيه تمام قال عنه الذهبي في "الكاشف"، وابن حجر في "التقريب":"ضعيف".
وروى سليمان الخطابي في كتاب "حفظ اللسان" أن طاووسًا رضي الله عنه قال: "إذا تمّت سنة ثلاث وثلاثين ومائة ظهرت شياطين سبعة من جزائر البحور، وتهيئوا بهيئة العلماء، فأحلّوا الحرام وحرموا الحلال، فلا تأخذوا العلم إلا ممّن تعرفون أو يعرف لكم"
(1)
ألا فاعتبروا قول طاووس وهو من كبار العلماء التابعين الذين جمعوا بين العلم والعمل، مات سنة ستّ ومائة قبل أن تجيء ثلاث وثلاثون ومائة بسبع سنة، فكيف بنا بعد اثنين وخمسمائة؟ قلت: فكيف بنا في زماننا اليوم ونحن في سنة أربع وخمسين وسبع مائة، وهذا قوله في شياطين تهيئوا في هيئة العلماء، فكيف بجهّال زماننا اتبعوا شياطينًا تهيئوا بهيئة الجهّال وضلالتهم أعظم من ضلالة شياطين تهيئوا بهيئة العلماء يتكلمون بكلام يردّون على رسول الله عليه السلام ما جاء به عن الله عز وجل، ويكفرّون الناس [ق 14 / ب] ويوهمونهم أنّهم يتكلمون في علم الحقائق والمكاشفات وأقوام آخرون يتكلمون بالعلم وليسوا من العلماء، بل من المحدّثين ومن رؤساء الجهّال. الله المستعان.
ما أكثر ما حشوا كتبهم من الكذب على الله تعالى وعلى رسوله عليه السلام وعلى أئمة المسلمين وعلمائهم ألا وأنه لا يخفى حالهم على أصحاب الحديث ما فعلوا وما افتروا على الله، وعلى رسوله وعلى أئمة المسلمين وعلمائهم.
(1)
لم أقف عليه من كلام طاوس – وإنما أخرج ابن عدي في "لكامل"(5/ 133)، وابن بطة في "الإبانة" (6/ 147) (423) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/ 157) من طريق بقية بن الوليد عن الصباح بن مجالد عن عطية العوفي عن أبي سعيد مرفوعا:«إذا كان سنة خمس وثلاثين ومئة خرجت مردة الشياطين، كان حبسهم سليمان بن داود عليه السلام في جزائر البحور، فيذهب تسعة أعشارهم إلى العراق يجادلونهم بمشتبه القرآن، وعشر بالشام» ، وإسناده ضعيف قال ابن حجر في الميزان:" صباح" بن مجالد شيخ لبقية لا يدرى من هو والخبر باطل، وأورده بن الجوزي في الموضوعات"، وفيه أيضا: بقية مدلس ويسوي فلابد وأن يصرح بالسماع حتى نهاية السند، وعطية العوفي مدلس، وقد عنعنه.
وروى قتيبة بن سعيد بإسناده إلى ابن أبي ليلى أنه قال: "سيأتي على الناس زمان يقال له زمان الذئاب، فمن لم يكن في ذلك الزمان كلبًا أكلوه"
(1)
. قال قتيبة: هو هذا الزمان. ومات قتيبة سنة [سنة أربعين ومئتين]
(2)
ولقد أحسن القائل:
إذا كان الزمان زمان سوء
…
وكان الناس أشباه الذئاب
فكن كلبًا على من كان ذئبًا
…
فإنّ الذئب ينفى بالكلاب
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه الخطابي في "العزلة"(ص/69) بإسناد فيه من لم أعرفهم.
(2)
غير مذكورة بالأصل.
وروى الإمام الحافظ [عبد الله أحمد]
(1)
بن بطة
(2)
رضي الله عنه ما ذكرناه من قول الصحابة ثم قال: هذا يا إخواني رحمنا الله وإياكم [قول]
(3)
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن بُسر وأنس بن مالك وأبو الدّرداء وابن عبّاس رضوان الله عليهم ومن تركت وأكثر [ق 15 /أ] ممّن ذكرتُ، فيا ليت شعري كيف حال المؤمن في هذا الزمان وأيّ عيش له مع أهله وهو لو عاد عليلاً لعاين عنده وفي منزله وما أعدّ له أهله للعلّة والمرض من صنُوف البدع ومخالفة السنّة والمضاهاة للفُرس والروم وأهل الجاهليّة ما لا يجوز له معه عيادة المرضى، وكذلك إن شهد أملاك رجل مسلم، وكذلك إن شهد وليمة رجل مسلم، وكذلك إن خرج يريد الحجّ عاين في هذا المواطن ما يكربُهُ ويكرثه ويسوؤه في نفسه وفي المسلمين ويغمّه، فإذا كانت مطالب الحقّ قد صارت مقابح فماذا عسى أن يكن أفعالهم في الأمور التي تطوي عنهم ذكرها إنا لله وأنا إليه راجعون.
(1)
كذا بالأصل، هو خطأ كما هو واضح من ترجمته في التعليق التالي.
(2)
هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أبو عبد الله العكبريّ، المعروف بابن بطة: عالم بالحديث، فقيه من كبار الحنابلة. من أهل عكبرا مولدا ووفاة رحل إلى مكة والثغور والبصرة وغيرها في طلب الحديث، ثم لزم بيته أربعين سنة، فصنف كتبه وهي تزيد على مئة، منها: السنن، المناسك، الإمام ضامن الإبانة، الإنكار على من قضى بكتب الصحف الأولى، الإنكار على من أخذ القرآن من المصحف، والإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، توفي عام: سبع وثمانين وثلاثمائة. وله ترجمة في طبقات الحنابلة (2/ 146)، سير أعلام النبلاء (12/ 464)(3598)، الأعلام (4/ 197)، معجم المؤلفين (6/ 245).
(3)
ساقطة من الأصل، استدركتها من الإبانة.
ما أعظم مصائب المسلمين في الدين وقلّ في ذلك المفكّرون ولو أن رجلاً عاقلاً أنعم النظر في الإسلام وأهله لعلم أن أمور النّاس كلّها تمضي على سنن أهل الكتابين وطريقتهم وسنة كسرى وقيصر وعلى ما كان عليه أهل الجاهلية، فما من طبقة من الناس ولا صنف منهم إلاّ وهم في سائر أمورهم مخالفون لشرائع الإسلام وسنة [ق 15 / ب] الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ومضاهون فيما يفعلون أهل الكتابين والجاهلية، فإن من صرف بصره إلى السلطنة وأهلها وحاشيتها ومن لاذ بها من حكّامها وعمّالها وجد الأمر فيهم بالضدّ مما أمروا به ونصبوا له في أفعالهم وأحكامهم وزيّهم ولباسهم، وكذلك هو في سائر الناس من التجار والسوقة وأبناء الدنيا وطالبيها من الزّراع والصنّاع والأجراء والفقهاء والعلماء إلا من عصمه الله عز وجل ومتى فكرت في ذلك وجدت الأمر كما أخبرتك في المصائب والأفراح والزّيّ واللباس والآنية والأبنية والمساكن والخدّام والمراكب والولائم والأعراس والمجالس والفرش والمآكل والمشارب وكلّ ذلك يجري بخلاف الكتاب والسنة بالضّدّ ممّا أمر به وندب إليه المؤمنون، وكذلك من باع واشترى وملك واقتنى وآجر واستأجر وزرع وزارع، فمن طلب السلامة لدينه في وقتنا هذا مع الناس عدمها ومن أحبّ أن يلتمس معيشته حكم الكتاب والسنة فقدها وكثر خصماؤه وأعداؤه ومخالفوه ومبغضوه فيها. الله المستعان فما أشد [ق 16 /أ] تعذّر السلامة في هذا الزمان فطرقات الحقّ خالية مقفّرة موحّشة لعدم سالكيها قد اندفنت محاجّها وتهدّمت صواياها وأعلامها، وفقد أدلاؤها، وقد وقفت شياطين الإنس والجنّ
على فجاجها وسبلها تتخطّف الناس عنها. الله المستعان فليس يعرف هذا الأمر ويهمّه إلا رجل عاقل مميّز قد أدّبه العلم، وشرح الله صدره للإسلام، فهو على نور من ربّه فقد كثر المغترّون بتمويهاتها وتباهى الزائغون الجاهلون بلبسة حليّها، فأصبحنا وقد أصابنا ما أصاب الأمم الخالية قبلنا، وحلّ بنا الذي حذرنا منه نبيّنا صلى الله عليه وسلم من الفرقة والاختلاف وترك الجماعة والائتلاف وواقع أكثرنا الذي عنه نهينا، وترك الجمهور منّا ما به أمرنا، فخلعت لبسة الإسلام، ونزعت حليته الإيمان، وانكشف الغطاء، وبرح الخفاء، وعبدت الأهواء واستعملت الآراء، وقامت سوق الفتن، وانتشر أعلامها وظهرت الرّدة، وانكشف قناعها، وقدّحت زناد الزندقة، فاضطرمت نيرانها، وخلف محمد عليه السلام [في أمته]
(1)
بأقبح الخلف، [ق 16 / ب] وعظمت البليّة، واشتدّت الرزية، وظهر المبتدعون، وتنطع
(2)
المتنطعون، وانتشرت البدع، ومات الورع، وهتكت سجف المشاينة، وشهرت سيوف المخاشنة بعد أن كان أمرهم هينًا وحدّهم ليّنا، وذلك حتى كان
(3)
أمر الأمة مجتمعا والقلوب متألفة، والأئمة عادلة، والسلطان قاهرًا، والحق ظاهرًا، فانقلب وانعكس الزمان، وانفرد كل قوم ببدعتهم، وحربت الأحزاب، وخولف الكتاب، واتخذوا أهل الإلحاد رؤساء وأربابًا، وتحولت البدعة إلى أهل الاتفاق، وتهّور في الغشاوة العامة
(4)
(1)
ساقطة من الأصل، استدركتها من الإبانة.
(2)
قال الخليل الفراهيدي في "العين": " النِّطَعُ ما يُتَّخَذُ من الأَدَمِ، وتصحيحه: كَسْرُ النّون وفتحُ الطّاء، يجمع على أنطاع. والنطع مثل فِخْذ وفَخْذ: ما ظهر من الغار الأعلى، وهي الجلدةُ الملتصقةُ بعَظْمِ الخُلَيْقاء، وفيها آثارٌ كالتّحزيز، ويُجْمَعُ على نُطُوع، ومنهم من يقول للأسفل والأعلى: نِطْعان".
(3)
بالأصل: " حين" والتصويب من الإبانة.
(4)
وفي الإبانة: " وتهوك في العسرة العامة" ..
وأهل الأسواق، ونعق إبليس اللعين بأوليائه نعقة، فأجابوه من كل ناحية مطاوعين، وأقبلوا نحوه من كل قاصية مسرعين، فألبسوا شيعًا، وتميّزا قطعًا، وشمتوا بنا أهل الأديان السالفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله عز وجل، وصدفهم عن الحق، وميلهم إلى الباطل، وإيثارهم هواهم، ولله عز وجل عقوبات في خلقه عند ترك أمره ومخالفة رسوله، واشتغلت نيران البدع في الدين [ق 17 / أ] وصاروا إلى سبيل المخالفين المعاندين؛ فأصابهم ما أصاب من كان قبلهم من الأمم الماضية، وصرنا من أهل العصر الذين وردت فيهم الأخبار، ورويت فيهم الآثار، ألا فهذا هو قول الإمام أبي عبد الله بن بطة رضي الله عنه من خمسمائة سنة فيهم. الله المستعان.
قال الحافظ أبو نعيم: وقد صار المتمسكون في زماننا بالسمت الأهدى، والحظ الأوفى، أغرب الغرباء، وأبعد البعداء؛ لأن الناس أصبحوا على طبقات ثلاث: متحلّ بالعلم يسوق به، اتخذ العلم مكسبًا ينحط في الأهواء، جامعًا بذلك الأسواء والأدواء. وآخر مرتكسًا في ضلالته، منتكسًا في بدعته، أصبح إليها داعيًا، وعن قبول الحق ناهيًا، لا يرى الحق إلا في وفاقه، ولا الباطل إلا في خلافه وشقاقه. وثالث بجهله راضيًا لاهيًا، وعن حظّه ماضيًا ساهيًا بالتكاثر لهجًا وبارًا، وبالتفاخر بهجًا لا يعرف معروفًا، ولا يعين ملهوفا رخصت عليه أديانهم، فخفت من الأعمال ميزانهم، وسقطت [ق 17 /ب] عند المحققين أوزانهم، فهم كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"همج رعاع أتباع كل ناعق"
(1)
. يَرفُصُون مع كل زاعق ويُنساقون لكل سائق، إذا دارت رحى الظالمين والجائرين صالوا بصولتهم
(2)
، فإذا أقبلت راية المضلين المبطئين، غالوا إلى ضلالتهم، فدينهم التحوّل والانتقال، ودنياهم التطاول والاعتدال، وكيف لا يعزّ المحققون وهم من بين الناس مقدّمون وعن مصاحبة الأشرار يميّزون، وبالأخيار منهم يرحلون؟ قلت: كما روي عن مرداس الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال: "يذهب الصالحون الأول فالأول حتى لا يبقى إلا حفالة كحفالة التمر والشعير، لا يعبأ الله بهم"
(3)
. وعن مسلمة
(4)
الفهري رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأوَّلُ فَالأوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ أَوِ الشَّعِيرِ، لا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ عز وجل بهم"
(5)
قوله عليه السلام حفالة التمر والشعير يعني رذالته وما لا خير فيه منه.
(1)
جزء من وصية علي رضي الله عنه لكميل بن زياد وقد سبق بيان ضعف إسنادها.
(2)
وفي الحاشية: الصول والصولة جمل. . . - كلمة غير واضحة - يقال: صال يصول صولاً، وصولة إذا حمل وتوجه].
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(8/ 92)(6434) بنحوه، وقال عقبه:«يقال حفالة وحثالة» .
(4)
بالأصل: " مسعود"، وهو خطأ.
(5)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن الصفار في "الأربعون من مسانيد المشايخ العشرين"(ص/ 309) بإسناد فيه جبارة بن المغلس، قال عنه الذهبي في "الكاشف" وابن حجر في "التقريب":"ضعيف"، وشيخه شريك القاضي: صدوق يخطئ كثيرا.
يقول كما لا يؤكل ما تبقى من حفالة التمر والشعير لا يصحب من يبقى من الناس في آخر الزمان كما جاء في الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال: "إذا تقارب الزمان [ق 18 / أ] انتقى الموت خيار أمتي كما ينتقى أحدكم خيار الرطب من الطبق"
(1)
المعنى تقارب زمان القيمة يقصد بالموت الخيار من أمّته عليه السلام؛ ليعجل بهم إلى أجرهم وينجون من الشر والمحن والآفات والفتن التي بين يدي الساعة، ولما صحّ عن النبي عليه السلام "أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس"
(2)
. وروي [عن] عائشة رضي الله عنها: "أن النبي عليه السلام قال: "لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى" فقلت: وكيف ذلك؟ قد قال الله عز وجل: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فقال عليه السلام: " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم". أخرجه مسلم في الصحيح
(3)
.
(1)
ضعيف جدا - أخرجة الرامهرمزي في "أمثال الحديث"(ص؟ 126)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 299)(1404، 1405) من طريق أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن الحارث الهمداني، عن عمار بن محمد، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة به، وفيه يحيى بن عبيد الله قال عنه الذهبي في "الكاشف":"ضعفوه وتركه القطان بآخرة"، وقال ابن حجر:" متروك وأفحش الحاكم فرماه بالوضع"، وقال ابن حجر عن أبيه:"مقبول" يعني عند المتابعة وإلا فلين.
(2)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(4/ 2268)(2949) من حديث عبد الله رضي الله عنه به.
(3)
صحيح مسلم (4/ 2230)(2907) بنحوه.
وأخرج الحديث الآخر في الصحيح أنس عن النبي عليه السلام قال: "لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله"
(1)
. وفائدة الحديث: أن يتحرّى العبد فعل كل خير؛ ليكون من أهل الخير، فيقبض عليه، وأن لا يكره الموت عند حضوره إيثارًا للنجاة من شر آخر الزمان، والموت على الإيمان، إلا أن ابتداء هذه الفتن والبلايا والابتداع والضلال كان دخولها في الإسلام [ق 18 /ب] من حين قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونجا من ذلك كل أصحاب رسول الله عليه السلام، وطهّرهم الله عز وجل من هذه الأحوال القبيحة، وهلك وضل بذلك خلق كثير ممن جاءوا بعد الصحابة رضوان الله عليهم وهم الذين يخالفون كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، ولا يرضون بإتباعهما كما جاء وسيتحسنون حوادث وبدع مات الصحابة على السكوت عنها. فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"من يحدثنا عن الفتنة. وفي لفظٍ: قال: أيكم يعقّل عن رسول الله عليه السلام الأيّام التي بين يدي الساعة. وفي رواية أخرى: قال: من يحدثنا عن حديث النبي عليه السلام في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا. فقال ائت؟ قال: يا أمير المؤمنين فتنة الرجل في أهله وما له يكفّرها الصوم والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: لست عن هذا أسألك؛ إنما أسألك عن الفتنة التي قبل الساعة تموج موجان البحر؟ قال يا أمير المؤمنين بينك وبينها باب مغلق. فقال عمر رضي الله عنه: أخبرني عن الباب يكسر كسرًا ويفتح فتحًا؟ ! قال: بل يكسر كسرًا [ق 19 / أ] فقال عمر رضي الله عنه: إذًا لا يغلق إلى يوم القيامة. وفي لفظ قال: فوضع عمر رضي الله عنه يده على رأسه وقال: ويحيك! إنه إذا كسر لا يُغلق إلى يوم القيامة. قال حذيفة: أجل وسئل حذيفة عن الباب من هو؟ فقال: عمر رضوان الله عليه"
(2)
. وروي عن بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "كَانَ عُمَرُ حَائِطًا حَصِينًا عَلَى الإِسْلامِ، يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فلما قتل عمر رضي الله عنه انْثَلَمَ
(3)
(1)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 131)(148).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 111)(525)، ومسلم في "صحيحه"(1/ 128)(144) من حديث حديفو رضي الله عنه بنحوه.
(3)
وفي الحاشية: انهدم ..
الْحَائِطُ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَلا يَدْخُلُونَ فيه"
(1)
. وفي لفظ "أن عمر رضي الله عنه كان حائطا كثيفا يدخله المسلمون ولا يخرجون منه، فمات عمر فانثلم الحائط فهم منه يخرجون ولا يدخلون". وفي لفظ آخر: قال: "عمر رضي الله عنه كان حصنا حصينًا على الإِسلام، يدخل النَّاس فيه ولا يخرجون منه. قال: فأصبح الحسن قد انثلم فالناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه". وممّا يؤيد ذلك ما فعل المنافقون بعثمان بن عفان رضي الله عنه.
فصل
ألا فاستمعوا الآن ما روي عن نبيّكم عليه السلام في صفة المؤمنين وأخلاقه
(2)
، إن كنتم من أمته لتعرضوا بها صفة مشايخكم وفقهائكم وما هم عليه، فإن وافق ما قال من [ق 19 /ب] صفة المؤمن وأخلاقه وإلا فالقوم زنادقة ملحدون دجالون كذابون آكلون الدنيا بالدين ضالون مضلون.
(1)
صحيح - أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 354)، وأحمد في "فضائل الصحابة"(1/ 270)(356)، والطبراني في "الكبير"(9/ 160)(8801)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 100)(4522) من طرق عن ابن مسعود بنحوه.
(2)
كذا بالأصل، وفيه زيادة:"من" قبل كلمة وأخلاقه.
وروى الحافظ أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني
(1)
في كتاب الترغيب والترهيب بإسناده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معاذ: إن المؤمن قَيَّدَهُ القرآن عن كثير من هوي نفسه وشهواته، وحال بينه وبين أن يهلك فيما يهوى بإذن الله عز وجل، يا معاذ: إن المؤمن لا يأمن روعه، ولا يسكن قلبه، ولا يطمئن من اضطرابه، يخلف جسر جهنم، يا معاذ: إن المؤمن يتوقع الموت صباحًا ومساءًا، يا معاذ إن المؤمن يعلم أن عليه رقباء على سمعه وبصره ولسانه ورجليه ويديه وبطنه وفرجه حتى اللمحة
(2)
ببصره وفتات الطينة بأصابعه، وكحل عينيه، وجميع سعيه، فالتقوى رقيبه، والقرآن دليله، والخوف محجته
(3)
، والشوق مطيته، والوجل شعاره، والصلاة كهفه، [ق 20 / أ] والصوم جنته، والصدقة فكاكه
(4)
،
(1)
هو إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة: من أعلام الحفاظ. كان إماما في التفسير والحديث واللغة. وهو من شيوخ السمعاني في الحديث. من كتبه (الجامع) في التفسير، ثلاثون مجلدة، و (الإيضاح) في التفسير، أربع مجلدات، وتفسيران آخران، وتفسير بالفارسية، عدة مجلدات، و (دلائل النبوة) و (التذكرة) نحو 30 جزءا، و (سير السلف) في تراجم الصحابة والتابعين، و (الترغيب والترهيب) و (شرح الصحيحين) و (الحجة في بيان المحجة)، و (إعراب القرآن)، و (المبعث والمغازي)، وغيرها، ولد عام (457)، وتوفي عام (535) وترجمته في: تذكرة الحفاظ (4/ 50)(1075)، الوافي بالوفيات (9/ 127)، طبقات الشافعية (1/ 591)، الأعلام (1/ 323)، وغيرها.
(2)
وفي الحاشية: اللمحة: نظر واحد.
(3)
وفي الحاشية: المحجة بالفتحات وتشديد الجيم: طريق واسع.
(4)
قال ابن سيده في "المحكم": (الفك: انفراج الْمنْكب عَن مفصله استرخاء وضعفا)، وعبارته قريبة جدا من عبارة المؤلف في الحاشية إلا أن تتمتها مبتورة بالصورة التي معي من المخطوط ..
والصدق وزيره، والحياء أميره، وربه من وراء ذلك بالمرصاد، يا معاذ: إني أحب لك ما أحب لنفسي، وقد أنهيت إليك ما أنهى إلي جبريل، عليه السلام، فلا أعرفك غداً توافيني يوم القيامة وآخر سعد بما آتاك الله أسعد منك"
(1)
.
(1)
ضعيف – أخرجه الطبراني في "الأوسط"(8/ 176)(8317)، وفي "مسند الشاميين"(4/ 355)(3540)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 26)، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(2/ 105)(1250) من طرق عن ضعيفة عن عبدالرحمن بن غنم عن معاذ مطولا ومختصرا بنحوه، ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(10/ 3427)(19270)، وأبو نعيم في "الحلية"(10/ 31) من طريق أحمد بن أبي الحواري ، نا يونس الحذاء ، عن أبي حمزة ، عن معاذ بن جبل بنحوه، وقال ابن كثير في "تفسيره":(وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا جدا -وفي إسناده نظر وفي صحته، فذكره .. ثم قال: قال ابن أبي حاتم: يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان، وأبو حمزة عن معاذ مرسل). والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "الضعيفة"(5685).
وروي عن سويد بن الحرث رضي الله عنه قال: وَفَدْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ قَوْمِي فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَكَلَّمْنَاهُ أَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ سَمْتِنَا وَزِيِّنَا فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ؟ » قُلْنَا: مُؤْمِنِينَ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ؟ » قُلْنَا: خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً: خَمْسٌ مِنْهَا أَمَرَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا، وَخَمْسٌ مِنْهَا أَمَرَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نَعْمَلَ بِهَا، وَخَمْسٌ مِنْهَا تَخَلَّقْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنَحْنُ عَلَيْهَا الآنَ إِلَّا أَنْ تكرهها
(1)
منَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَمَا الْخَمْسُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ رُسُلِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا؟ » قُلْنَا: أَمَرَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ: «فَمَا الْخَمْسُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ رُسُلِي أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا؟ » فَقُلْنَا: أَمَرَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نَقُولَ جَمِيعًا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، [ق 20 /ب] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَنَحُجَّ الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَنَصُومَ رَمَضَانَ، فَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَمَا الْخَمْسُ الَّتِي تَخَلَّقْتُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ » فَقُلْنَا: الشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالصِّدْقُ فِي مَوَاطِنِ اللِّقَاءِ، وَالرِّضَى بِمواقع الْقَضَاءِ، وَتَرْكُ الشَّمَاتَةِ إِذَا حَلَّتِ المَصَائِبِ بِالأَعْدَاءِ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«أدباء عُلَمَاءُ فقهاء كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ لخصال ما أشرفها وأنبلها وأعظم عند الله عز وجل ثوابها» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَأَنَا أُوصِيكُمْ بِخَمْس خِصَالٍ لِتَكْمل عِشْرِينَ خَصْلَةً". فقلنا: أوصينا يا رسول الله.
(1)
بالأصل: " تكرهيها ".
فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَلا تَجْمَعُوا مَا لا تَأْكُلُونَ وَلا تَبْنُوا مَا لا تَسْكُنُونَ وَلا تَنَافَسُوا فِي شَيْءٍ غَدًا عَنْهُ تَزُولُونَ، وَارْغَبُوا فِيمَا عَلَيْهِ تُقْدِمُونَ وفيه تجاوزن، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَعَلَيْهِ تُعْرَضُونَ»
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف – أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 279)، والبيهقي في "الزهد الكبير"(ص/353)(970) من طريق أحمد بن أبي الحواري، يقول: سمعت أبا سليمان الداراني، يقول: حدثني شيخ بساحل دمشق يقال له علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي، حدثني أبي، - ولم يذكره البيهقي - عن جدي سويد بن الحارث بنحوه، وقال الذهبي في "الميزان" في ترجمة علقمة بن يزيد:"لا يعرف. وأتى بخبر منكر فلا يحتج به".
وروي أبو الفرج بن الجوزي رضي الله عنه بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ الْأَصْفِيَاءَ [ق 21 / أ] الْأَخْفِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ الشَّعِثَةَ رُءُوسُهُمُ الْمُغْبَرَّةَ وُجُوهُهُمُ الْخَمِصَةَ بُطُونُهُمْ الَّذِينَ إِذَا اسْتَأْذَنُوا عَلَى الْأُمَرَاءِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ وَإِنْ خَطَبُوا الْمُتَنَعِّمَاتِ لَمْ يُنْكَحُوا وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْقَدُوا وَإِنْ طَلَعُوا لَمْ يُفْرَحْ بِطَلْعَتِهِمْ وَإِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا وَإِنْ مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ لَنَا بِرَجُلٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «ذَاكَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ» قَالُوا: وَمَا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ؟ قَالَ: "أَشْهَلُ
(1)
ذُو صُهُوبَةٍ
(2)
بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ آدَمُ شَدِيدُ الْأَدَمَةِ ضَارِبٌ بِذَقْنِهِ إِلَى صَدْرِهِ رَامٍ بِذَقْنِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَاضِعٍ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ يَتْلُو الْقُرْآنَ يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ ذُو طِمرينِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ
(3)
(1)
الشُّهْلة: حُمْرة فِي سَوادِ العَين، ويقال: رجل أشْهَلُ وَامْرَأَة شَهْلاءُ. وانظر: تهذيب اللغة مادة (ه ش ل)، وجمهرة اللغة مادة (ش ل ه).
(2)
(الصَّهَبُ) وَالصُّهْبَةُ وَالصُّهُوبَةُ حُمْرَةٌ فِي شَعَرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَهِيَ إذَا كَانَ فِي الظَّاهِرِ حُمْرَةٌ وَفِي الْبَاطِنِ اسْوِدَادٌ. وانظر المغرب مادة (ص ه ب).
(3)
قال المطرزي في "المغرب" مادة (ط م ر): ((الطِّمْرُ) الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَالْجَمْعُ أَطْمَارٌ وَيُقَالُ مَا وَبِهْتُ لَهُ وَمَا أَبَهْتُ لَهُ أَيْ مَا فَطِنَتْ لَهُ وَمَعْنَى لَا يُؤْبَهُ لَهُ لِذِلَّتِهِ وَلَا يُبَالَى بِهِ لِحَقَارَتِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ فِي دِينِهِ وَالْخُضُوعِ لِرَبِّهِ بِحَيْثُ إذَا دَعَاهُ اسْتَجَابَ دُعَاءَهُ) ..
مُتَّزِرٌ بِإِزَارِ صُوفٍ وَرِدَاءِ صُوفٍ مَجْهُولٌ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ مَعْرُوفٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ أَلَا وَإِنَّ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ لُمْعَةٌ بَيْضَاءُ أَلَا وَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ لِلْعِبَادِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ وَيقَالُ لِأُوَيْسٍ: قِفْ وَاشْفَعْ فَيُشَفِّعُهُ اللهُ عز وجل فِي مِثْلِ عَدَدِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ يَا عُمَرُ وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ إِذَا أَنْتُمَا لَقِيتُمَاهُ وَاطْلُبَا مِنْهُ الدُّعَاءِ وَاسْأَلا أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكُمَا [ق 21 / ب] اللهُ قال: فَكَانَا يَطْلُبَانِهِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ السَّنَةِ الَّتِي فِيهَا عُمَرُ قَامَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَهْلَ الْحَجِيجِ مِنْ الْيَمَنِ أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ فَقَامَ شَيْخٌ كَبِيرٌ طَوِيلُ اللِّحْيَةِ فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَا أُوَيْسٌ، وَلَكِنِ ابْنُ أَخٍ لِي يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَهُوَ أَخْمَلُ ذِكْرًا، وَأَقَلُّ مَالًا وَأَهْوَنُ أَمْرًا مِنْ أَنْ نَرْفَعَهُ إِلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَيَرْعَى إِبِلَنَا حَقِيرًا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَعَمَّى عَلَيْهِ عُمَرُ كَأَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ وَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَخِيكَ هَذَا أَبِحَرَمِنَا هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَأَيْنَ يُصَابُ؟ فَقَالَ: بِأَرَاكِ عَرَفَاتٍ قَالَ: فَرَكِبَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما سِرَاعًا إِلَى عَرَفَاتٍ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ وَالْإِبِلُ تَرْعَى حَوْلَهُ فَشَدَّا حِمَارَيْهِمَا ثُمَّ أَقْبَلَا إِلَيْهِ وَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ فَأَوْجَزَ أُوَيْسٌ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْكُمَا السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: رَاعِي إِبِلٍ وَأَجِيرُ قَوْمٍ قَالَا: لَسْنَا نَسْأَلُكَ عَنِ الرِّعَايَةِ وَلَا عَنِ الْإِجَارَةِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ، قَالَا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلُّهُمْ عَبِيدُ اللهِ عز وجل فَمَا اسْمُكَ الَّذِي سَمَّتْكَ أُمُّكَ؟ قَالَ: يَا هَذَانِ مَا تُرِيدَانِ مِنِّي؟ قَالَا: صِفُ لَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ وَقَدْ عَرَفْنَا الصُّهُوبَةَ الشُّهُولَةَ وَأَخْبَرَنَا أَنُّ تَحْتَ مَنْكِبِكَ الْأَيْسَرِ عَلامَة بَيْضَاءَ [ق 22 /أ] فَأَوْضِحْهَا لَنَا فَإِنْ كَانَتْ بِكَ فَأَنْتَ هُوَ فَأَوْضَحَ مَنْكِبَهُ فَإِذَا اللُّمْعَةُ فَابْتَدَرَاهُ يُقَبِّلَانِهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَغْفِرِ اللهُ لَكَ قَالَ: مَا أَخُصُّ بِاسْتِغْفَارِي نَفْسِي وَلَا أَحَدًا مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَلَكِنَّ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، يَا هَذَانِ قَدْ شَهَرَ اللهُ عز وجل لَكُمَا حَالِي وَعَرَّفَكُمَا أَمْرِي فَمَنْ أَنْتُمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَمَّا هَذَا فَعُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا أَنا فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاسْتَوَى أُوَيْسٌ قَائِمًا وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَأَنْتَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ فَجَزَاكُمَا اللهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرًا قَالَا: وَأَنْتَ جَزَاكَ اللهُ عَنْ نَفْسِكِ خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: مَكَانَكَ رَحِمَكَ اللهُ حَتَّى أَدْخَلَ مَكَّةَ وَآتِيَكَ بِنَفَقَةٍ مِنْ عَطَائِي وَفَضَلِ كِسْوَةٍ مِنْ ثِيَابِي هَذَا الْمَكَانُ مِيعَادٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا مِيعَادَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ لَا أَرَاكَ بَعْدَ الْيَوْمِ تَعْرِفُنِي، مَا أَصْنَعُ بِالنَّفَقَةِ؟ مَا أَصْنَعُ بِالْكِسْوَةَ؟ هَذِي ثِيَابِي صَحِيحَانِ أَمَا تَرَانِي لم أخزهما أَمَا تَرَى نَعْلَيَّ مَخْصُوفَتَانِ مَتَى تَرَانِي أُبْلِيهُمَا؟ أَمَا تَرَانِي إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ مِنْ رِعَايَتِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ مَتَى تَرَانِي آكُلُهُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَ يَدَيَّ وَيَدَيْكَ عَقَبَةً كَئُودًا يَقْطَعُهُمَا إِلَّا كُل ضَامِرٌ مَهْزُولٌ مُخِفٌّ فَأَخِفَّ رَحِمَكَ اللهُ فَلَمَّا [ق 22 / ب] َمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ ضَرَبَ بِدُرَّتِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا لَيْتَ أُمَّ عُمَرَ لَمْ تَلِدْهُ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ عَاقِرًا لَمْ تُعَالِجْ حَمْلَهَا أَلَا مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا وَلَهَا؟ ثُمَّ
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خُذْ أَنْتَ هَاهُنَا حَتَّى
آخُذَ أَنَا هَاهُنَا، فَوَلَّى عُمَرُ نَاحِيَةَ مَكَّةَ وَسَاقَ أُوَيْسٌ إِبِلَهُ"
(1)
.
وروى أن رجلاً سمع أويس القرني رضي الله عنه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة أو عارية، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس في بيتي من الرياش إلا ما على ظهري"
(2)
.
(1)
منكر جدا - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(2/ 80) ومن طريقه الرافعي في "أخبار قزوين"(1/ 91) من طريق حامد بن محمود، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا الوليد بن إسماعيل الحراني، ثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد، حدثني مجالد بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله، عن الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة رضي الله عنه به، وقال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (6276):(وهذا إسناد ضعيف مظلم منقطع؛ الضحاك بن مزاحم، قال الحافظ العلائي في "مراسيله " (ص 243) وقد ذكر الضحاك هذا: "وقال أبو حاتم: لم يدرك أبا هريرة ولا أبا سعيد رضي الله عنهم. وقال ابن حبان: أما رواياته عن أبي هريرة، وابن عباس وجميع من روى عنه، ففي ذلك كله نظر".قلت: والسند إليه لا يصح؛ فيه ثلاثة ليس لهم ذكر في شيء من كتب التراجم التي عندي، وهم: الوليد بن إسماعيل، ومحمد بن إبراهيم، ونوفل بن عبد الله؛ فلم يترجمهم البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان، ولا الذين جاءوا من بعدهم، اللهم! إلا الأول منهم؛ فقد ذكره المزي في شيوخ سلمة بن شبيب
…
قال الحافظ الذهبي وقد ساق من هذا الحديث بعضه في كتابه "السير"(4/ 27 - 28): " وهذا سياق منكر، لعله موضوع ". وقد أورد ابن الجوزي في وموضوعاته " (2/ 43 - 44) من رواية ابن حبان، وهذا في "الضعفاء" (2/ 297 - 298) من طريق محمد بن أيوب عن مالك عن نافع عن ابن عمر
…
).
(2)
حسن لغيره - أخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 458)(5722)، وعنه البيهقي في "الشعب"(2/ 383)(896) من طريق أبي العباس قاسم بن القاسم السياري، بمرو، ثنا عبد الله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا سفيان الثوري قال: " كان لأويس فذكره بنحوه، فيه عبدالله بن علي وهو الغزال لم أجد له ترجمة، كما أنه منقطع بين الثوري، وأويس.
ورواه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(1/ 492)(887) من طريق عبد الرزاق بن عبد الكريم وعبد الله بن محمد أبو طاهر الكيال، قالا: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي، ثنا محمد بن يعقوب بن يوسف، ثنا محمد بن سنان، ثنا أبو عاصم النبيل عن النجم بن فرقد بنحوه، محمد بن سنان: ضعيف.
ورواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق"(9/ 445): من طريق أبي القاسم الشحامي أنا أبو نصر عبد الرحمن بن علي أنا يحيى بن إسماعيل أنا عبدالله بن محمد حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا وكيع حدثنا سفيان حدثني قيس بن يسير بن عمرو عن أبيه أن أويس القرني عري مرة فكساه أبي فقبل. قال: وكان أويس يقول فذكره بنحوه. وقيس بن يسير لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال، ولدعائه طرق أخرى تصلح بمجموعها للاعتبار، إلا أن في النفس من قوله شيء فإنه يعتذر ويتبرأ إلى الله مما هو ليس مكلفا به.
قال: "وعلى ظهره خرقة قد تردى بها". قال: "فأتاه رجل فقال له: كيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ قال: أصبحت أحب الله وأمسيت أحمد الله عز وجل وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظنّ أن لا يمسى، وإذا أمسى ظنّ أن لا يصبح، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحًا، وإنّ حق الله في مال المسلم لم يدع له في ماله ذهبًا ولا فضة، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقًا بأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون على ذلك أعوانًا من الفاسقين حتى والله لقد رموني بالعظام وأيم الله إني لأدع أن أقوم فيهم لله عز وجل [ق 23 /أ] بحقه، ثم أخذ الطريق" خرجتها من كتاب "صفة أهل الصفوة"
(1)
لابن الجوزي رحمة الله عليه ألا أيها، فما ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من صفة المؤمنين، وما ذكرناه من صفة أويس رضي الله عنه ومن صفات الصحابة والصالحين من بعدهم، فأعرضوا ذلك على صفات مشايخكم وفقرائكم، وعلى سريتهم وطريقتهم وآدابهم، فإن وافق وإلا فقهم زنادقة.
فصل
وروى الحسن البصري رضي الله عنه قال: "قلب المؤمن من وراء لسانه إذا همّ بشيء تدبّره، فإن كان خيرًا
تكلم به وأبداه، وإن كان غير ذلك سكت عنه وأخفاه، وقلب المنافق على طرف لسانه إذا همّ بشيء تكلم به وأبداه"
(2)
. وقال الحسن: "ما تكلمت ولا مشيت ولا نظرت قطّ إلا تفكّرت هو ليّ أو عليّ"
(3)
. وحكى أن إبراهيم أدهم رحمة الله عليه رأى رجلاً يتكلم بكلام الدنيا فوقف عليه وقال: "كلامك هذا ترجو به الثواب؟ قال: لا. قال: فتأمن عليه العقاب. قال: لا. قال: فما تصنع بكلام لا ترجو عليه ثوابًا ولا تأمن عليه عقابًا عليك بذكر الله عز وجل إن أردت السلامة"
(4)
، ولقد أحسن القائل
(5)
:
أيّها الجاهل الذي ضل يسعيٍ
…
في اكتساب الذّنوب سعيًا قبيحًا [ق 23 / ب]
اغتنم ركعتين في ظلمة الليـ
…
ل إذا كنت فارغًا مستريحًا
وإذا ما هممت بالنطق في الباط
…
ل فاجعل مكانه تسبيحًا
لا تطيلنّ في كلامك سهوًا
…
والزم الصمت كي تكون نصوحًا
فالتزام السكون خير من النطـ
…
ق ولو كنت في الكلام فصيحًا
ألا فعليك بذكر الله عز وجل، فإن بذكر الله تطمئن القلوب.
(1)
صفة الصفوة (2/ 30).
(2)
صحيح - رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 186)(35190) بسند رواته ثقات.
(3)
لم أقف عليه.
(4)
إسناد ضعيف - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 16) فقال: حدثت عن أبي طالب بن سوادة ثم ساق إسناده، وذكره بنحوه، وفيه جهالة شيخه.
(5)
أخرج ابن أبي الدنيا في "الصمت"(ص/289)(655)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب"(7/ 99)(4732) عن أبي حفص مولى بني هاشم، عن أبي زيد محمد بن حسان، قال: سمعت ابن المبارك، يقول: "
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله
…
إذا كنت فارغا مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في الباطل
…
فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من خوض
…
وإن كنت في الحديث فصيحا"
وإسناده ضعيف، قال ابن حبان عن أبي جعفر " لا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ"، وقال ابن حجر عن شيخه:"صدوق لين الحديث". ورواه البيهقي عقبه بسند فيه عبدالله بن عبدالوهاب الخوارزمي، وقال عنه بن حبان:"في حديثه نكارة"، وفيه جماعة لم أعرفهم، وله أسانيد أخرى بنحوه عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 459 - 461)، وعند الخطيب في "اقتضاء العلم العمل"(ص/ 105)(180) تشهد أن له أصلا.
وروى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: "من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه"
(1)
. وروي أنّ العوام بن حوشب رضي الله عنه قال: "ما رأيت إبراهيم التيمي رافعًا رأسه إلى السماء في صلاة ولا غيرها ولا سمعته يخوض في شيء من أمر الدنيا"
(2)
، وقال إبراهيم التيمي:"المؤمن إذا أراد أن يتكلم نَظَره، فإن كان كلامه له تكلم، وإن كان عليه أمسك، والفاجر إنّما لسانه رِسْلًا رِسْلًا"
(3)
، وفي كتاب الاستقامة لأبي عاصم النسائي بإسناده أن حسان بن عطية قال:"عثرت دابّة بصاحبها فقال تعس. فقال صاحب اليمين ما هي بحسنة فاكتبها، وقال صاحب الشمال: ما هي بسيئةٍ فاكتبها، فأوحى الله عز وجل يا صاحب الشمال ما ترك صاحب اليمين فاكتب -يعني اكتب عليه سيئة-"
(4)
(1)
صحيح - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 157) من طريق عبدالرزاق عن وهيب بن الورد عن عمر به، ورواته ثقات إلا ما يخشى من الانقطاع بين وهيب وعمر، وللحديث شواهد ضعيفة بنحوه مطولا عند الدارمي، وابن أبي الدنيا في "الصمت"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" وغيرها تقويه ما إذا كان منقطعا.
(2)
حسن لغيره دون ذكر آخره - أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت"(ص/218)(415) بندرواته ثقات إلا أن فيع=ه عنعنة هشيم، وكان كير التدليس، ورواه أبو نعيم في "الحلية" (4/ 213) بإسناد ضعيف فيه حفص الواسطى قال عنه في "التقريب":"ضعيف" فذكر أوله فقط.
(3)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت"(ص/85)(88) بإسناد فيه شيخه علي بن أبي مريم لم أقف على ترجمته.
(4)
إسناده معضل- أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(ص/358)(1013)، وابن وهب في "جامعه"(ص/567)(463)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(7/ 218)(34580)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 76)، والبيهقي في "الشعب"(7/ 160)(4818) من طريق الأوزاعي عن حسان به ورواته ثقات، إلا أن مثله لا يقال بالرأي فهو معضل بين حسان والنبي صلى الله عليه وسلم ..
وقال النسائي [ق 24 /أ] حدّثنا يعلى قال: دخلنا على محمد بن سوقة، فقال: ألا أحدثكم بحديث لعلّ الله ينفعكم به فإنه قد نفعنا، قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح: يا ابن أخي إنّ من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى يقرؤونه، وأمرٍ بمعروفٍ أو نهي عن منكر، وإن تنطق في حاجتك في معيشتك التي لا بدّ لكل منها أتنكرون أن عليكم حافظين كرامًا كاتبين، وعن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد، أما يستحيي أحدكم إن نشرت عليه صحيفته التي أملأ صدر نهاره وأكثر ما فيها ليس من أمر دينه، ولا دنياه"
(1)
. بالله العجب من عقول أقوامٍ يعتقدون صلاح قومٍ يضيّعون أوقاتهم في استماع الأغاني والشبابات وفي الرقص وصحبته أحداث المرد وفي غير ذلك من البطالات ممّا ليس من أمر دينهم، ولا دنياهم، فما هذه أفعال الصالحين الزهاد، ولا فعل من يخاف يوم التناد، وإنما ذلك من قلّة علمهم، وقلّة علم محبيهم والمحسنين إليهم، وقد قال أهل الحقيقة: إن إبليس اللعين إنما يتمكن من الإنسان على قدر قلّة علمه، فكلما قل علم الإنسان كثر تمكن إبليس منه، وكلما [ق 24 / ب] كثر علم الإنسان قلّ تمكنه كما روي في الأثر عن سيّد البشر صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"خِيَارُ أُمَّتِي عُلَمَاؤُهَا وَخِيَارُ عُلَمَائِهَا حُلمَاؤُهَا"
(2)
.
(1)
إسناده صحيح إلى عطاء – أخرجه ابن ابي شيبة في "المصنف"(7/ 217)(35469)، وهناد بن السري في "الزهد"(2/ 536)، وابن ابي الدنيا في "الصمت"(ص/81)(781)، وابو نعيم في "الحلية"(3/ 314)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7/ 97)(4728) من طريق يعلي بن عبيد عن محمد بن سوقة عن عطاء به، ورواته ثقات.
(2)
باطل – أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 188)، والشجري في "أماليه"(1/ 70)(250) من طريق سهل بن بحر عن محمد بن إسحاق، عن ابن مبارك، عن سفيان الثوري، عن أبي الزناد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة مطولا بنحوه، وفيه محمد بن إسحاق السلمي، قال عنه ابن حجر في "اللسان":(فيه جهالة وأتى بخبر باطل متنه: فذكره، ساقه الخطيب في التاريخ وقال: إن محمد بن إسحاق أحد المجهولين وإن حديثه منكر). والحديث قال عنه الشيخ الألباني في "الضعيفة"(367): "باطل" .. ورواه القضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 241)(1276) من طريق محمد بن إسماعيل الفرغاني، أبنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهري، ثنا أحمد بن خليل القومسي، ثنا نوح بن حبيب، ثنا ابن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مطولا بنحوه، وفيه أحمد بن خليل كذبه أبو حاتم وغيره.
أمته صلى الله عليه وسلم خيار الأمم؛ لقوله تعالى ذكره: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [آل عمران: 110]، وهم المؤمنون، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن خيار هذه الأمّة علماؤها، فالعلماء منهم خيار الخيار؛ لفضائل العلم، كما قال الله عز وجل:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [المجادلة: 11] أي على سائر الخلق، {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] بمقدار تزايده عندهم وارتفاعهم فيه على من دونهم في العلم، وذاك أن خير علمهم في دين الله عز وجل يعود عليهم وعلى غيرهم وفضيلة كل عالمٍ وعلو درجته بعلمه على قدر معلومه، فإن شرف العلم إلى أن ينتهي العلم بالله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم:"أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ"، ثم ذكر علامته فقال:"وَأَشَدَّكُمْ لَهُ خَشْيَةً"
(1)
، ثم أخبر عن تفاوت العلماء في كمال الخير، فقال صلى الله عليه وسلم:"وخيار علماؤها حلماؤها"
(2)
،
(1)
صحيح - أخرجه أحمد في "مسنده"(41/ 396)(24911) بإسناد صحيح عن عائشة ولفظه عن عائشة قالت: أن ناسا كانوا يتعبدون عبادة شديدة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:" والله، إني لأعلمكم بالله عز وجل، وأخشاكم له "
…
الحديث، ، وأصله في الصحيح مختصرا وفيه قصة صلاة التراويح.
(2)
سبق تخريجه آنفا ..
وإن الحليم هو المتثبت ذو الأناة الذي لا يستفزه الغضب، ولا تغلبه عجلة الطبع، أي تزعجه عزة العلم فالحلم إذًا جمال العالم وكماله، ولذلك [ق 25 /أ] مدح الله تعالى به إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75]، وهذه صفة العالم بالله تعالى وعظمته المنتهية ودرجة الإحسان، ومن دون هذا علماء الشرع في تنوعهم وغالب الاسم ينصرف إلى العلماء بالأحكام ومعرفة الحلال والحرام فخيارهم حكماؤهم، وإنما افتقر كمال خيرهم إلى الحلم؛ لأن هذا النوع من العلم آلاته من اللغة والنحو وغيرهما قد ينشأ به من النفس كبر، كما روي في الأثر:"إن للعلم طغيانًا كطغيان المال"
(1)
. قلت: وذلك أن صاحب المال يرى حاجة الفقر إلى ماله واستغنائه به واستقلاله عند غيره، فيطغيه كبرًا كما قال الله عز وجل أن {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7] أي في باطنه وظاهره، وكذلك من حوى العلم بالأحكام والمعرفة بالاجتهاد في علم الحلال والحرام يحتاج إلى علمه السلطان والعام، ويرى استقلَالُه وغناءه عن النظراء والأقران، فربما نسي بذلك رؤية منة المنعم عليه المنان فينشأ من طبعه ونفسه العجب والغية
(2)
فيتكبر وهو الطغيان، وهذه شرور تذهب بهجة العلم
(3)
فيحتاج إلى الحلم والأناة لئلا يعسف بطلبه علمه ويجفوا على أصحابه [ق 25 / ب] وتلامذته ويتيه
(4)
ويتكبر على مستفتيه بمراجعته. كما روي أن إنسانًا دخل علي فقيه فاستفتاه في مسألة وأجاب فراجعه في الجواب فنهاه وقال: مثلي لا يراجع في فتواه.
(1)
ضعيف – أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(ص/19)(56)، ومن طريقه: ابن خيثمة في "العلم"(ص/26)(103) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 55) عن عن رباح بن زيد، عن رجل، عن وهب بن منبه به وإسناده ضعيف فيه جهالة شيخ رياح، وأخرجه أحمد في "الزهد"(ص/301)(2179)، والحربي في "غريبه"(2/ 642) من طريق إبراهيم بن خالد ، عن رباح ، عن عبد الملك بن خُسْك: سمعت وهبا ، فذكره، وعبدالملك، قال عنه هشام بن يوسف: فيه ضعف. وذكره ابن عَدِي في الكامل وقال: له أحاديث عامتها لا يتابع عليها.
(2)
قال ابن دريد في "جمهرة اللغة": "الغَيّة: ضدّ الرِّشدة".
(3)
في الحاشية: "أي حسن العلم ".
(4)
قال ابن فارس في "معجم اللغة" باب التاء والياء وما يثلثهما: " التيهُ: الكبرُ".
فخرج من عنده وكتب إليه بهذين البيتين يقول:
قُلْتُ لِلْمُعْجَبِ لَمَّا
…
قَالَ مِثْلِي لَا يُرَاجَعْ
يَا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالمَخْـ
…
ـرَجِ لِمَ لَا تتواضع
(1)
فهذا عالم بما عنده لكنه يصير بهذه الأخلاق الطبيعية التي لم يهذبها بالرياضة وعلم الخشية من شرار العلماء حتى أنه ربما ضنَّ
(2)
بعلمه فيبتلى ببذله لأهل الدنيا وصحبة السلاطين للحشمة
(3)
والجاه؛ لإدراك المنى، فليس من خيار العلماء، فإذا ضم الحلم إلى العلم تكامل خيره، فتزايد جماله، فاستنار علمه. كما روي:"ما ضمّ شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم"
(4)
(1)
ذكر ابن حجر في "الأمالي المطلقة"(ص/97)(99) بسنده عن الخرائطي أنه أنشد هذين البيتين لمنصور الفقيه.
(2)
بالأصل: " ظنَّ ".
(3)
في الحاشية: "الحشمة بالكسر: الهيبة، والحرمة، والاستحياء".
(4)
ضعيف جدا - رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 504)(805) من طريق حسين بن مبارك، نا إسماعيل بن عياش، حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل مرفوعا مطولا بنحوه، وفيه حسين بن مبارك قال عنه ابن عدي:" حدث بأسانيد ومتون منكرة عن أهل الشام"، وفيه أيضا انقطاع بين خالد ومعاذ. ورواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(1/ 224) من طريق محمد بن أحمد بن يزيد، ثنا النضر بن هشام، ثنا إبراهيم بن حيان بن حكيم بن حنظلة، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده مرفوعا بنحوه. قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (3170):"وهذا إسناد موضوع؛ آفته إبراهيم بن حيان، ضعفه ابن عدي في "الكامل"، وساق له حديثين آخرين، وأشار إلى غيرهما وقال: "عامتها موضوعة". ومن فوقه لا يعرفون".
ورواه الطبراني في "الأوسط"(5/ 120)(4846)، وفي "الصغير" (2/ 21) (707) من طريق عبدالوهاب بن رواحة قال: نا أبو كريب قال: نا حفص بن بشر قال: نا حسن بن حسين بن زيد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي مرفوعا بنحوه، وفيه مجاهيل.
إلا أن هذ القول صح من قول عطاء عند الدارمي وغيره.
فصار من خيار العلماء لعموم خيره وفوائد علمه للأقصى والأدنى، فيشكر نعمة الله عليه أولاً بالتواضع لله عز وجل على ما أولاه. كما روي في حق العالم أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لربّه عز وجل
(1)
، ثم بالرفق بالخلق والتأني في الأمور حتى يصير الحلم له سجيّة وخلفًا وحينئذٍ يعدّ في الحلماء، فإن بدرت منه في وقت بادرة فلا [ق 26 /أ] فلا يتغير ببهاء
(2)
الحلم. والله أعلم. ولمثل هذا العالم جاء في سياق هذا الحديث بعد قوله حلماء: "إلا وإن الله تعالى [يغفر]
(3)
للعالم سبعين ذنبًا قبل أن يغفر للجاهل ذنبًا واحدًا، وإن العالم الرحيم يجيء يوم القيامة يضيء وجهه كما يضيء الكوكب الدري في الدنيا"
(4)
وهو غريب من طريق ابن المبارك عن الثوري عن أبي الزناد عن الأعرابي عن أبي هريرة رضوان الله عليهم. والعلم هو ما قال الله عز وجل وما قال رسول الله عليه السلام وما جاء عنهما ومعرفة سيرة الصحابة وأقاويلهم ومعرفة فتاواهم وما كانوا عليه وليس ما عند أهل الحوادث والبدع الذين هم رؤساء الجهال علم، ولا معرفة بل ذلك جهل وضلال وغرور منهم وتزيين الشيطان لهم من سواء أعمالهم.
(1)
صحيح من قول أيوب - أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(7؟ 240)(35684)، والدينوري في "المجالسة"(7/ 135)(3032)، والجوهري في "مسند الموطأ"(ص/277)(295)، والبيهي في "الشعب"(3/ 303)(1716)، وفي "المدخل" (1/ 324) (509) من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال:" ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله عز وجل". وإسناده صحيح.
(2)
في الحاشية: "أي الأُنس".
(3)
غير مذكورة بالأصل، والتصويب من روايات الحديث.
(4)
سبق خريجه وهو تتمة الحديث الذي ذكره المؤلف بلفظ " خِيَارُ أُمَّتِي عُلَمَاؤُهَا وَخِيَارُ عُلَمَائِهَا حُلمَاؤُهَا".
وروي عن النبي عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها: "يا عائشة سدي مجاري الشيطان بالجوع"
(1)
. وروي عنه عليه السلام أنه قال: «مَا مَلَأَ الْإِنْسَانُ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ» وتمامه حَسْبُ ابْنِ [آدم]
(2)
لقمات تُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتهُ نَفْسُهُ فَثُلْثٌ لِلْطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلْشَّرابِ، وَثُلُثٌ لِلْنَّفَسِ"
(3)
. اعلم أن هذا ذم الشبع والنهي عن كثرة الأكل للطعام لما فيه من المضار [ق 26 / ب] والاستقامة البدنية من التخمة والأدواء
(4)
بالشر المنوط بامتلاء البطن، فمن ذلك التوسع في المأكل، وقل أن تسلم الكثرة من حرام، أو شبهة، ثم إن سلم طال عليه الحساب، ثم ينشأ منه حب الدنيا وقسوة القلب وظلمته بالشهوات والمنى وتسلط الشيطان على الباطن باتساع مجاري الطعام، ثم الكسل والفتور عن الطاعات وكثرة النوم.
(1)
لا أصل له - لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما ذكره الغزالي في "الإحياء" كزيادة في حديث صفية رضي الله عنها"إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع"، ولم أقف علي هذه ازيادة في شيء من كتب السنة.
(2)
غير مذكورة بالأصل.
(3)
صحيح - أخرجه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال"(ص/ 103)(350)، والطبراني في "الكبير"(20/ 279)(662) من طريق حبيب بن عبيد عن المقدام مختصرا بنحوه، وإسناده صحيح، وله طرق أخرى ضعيفة تشهد له ومنها: ما رواه الترمذي في "سننه"(4/ 590)(2380)، وقال: حسن صحيح، والنسائي في "الكبرى"(6/ 268)(6738)، وابن المبارك في "الزهد"(1/ 213)(603)، وأحمد في "مسنده"(28/ 422)(17186)، وابن حبان في "صحيحه"(2/ 449)(674) والطبراني في "الكبير"(20/ 272)(644)، وغيرهم من طريق يحيى بن جابر الطائي عن المقدام به واختلف في سماع يحيى من المقدام، وهو متابع فقد أخرج البيهقي في "الشعب"(7/ 447)(5262) من طريق عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده به، وصالح قال عنه في "التقريب":"لين"، ورواه بن ماجه في "سننه"(2/ 1111)(3349) من طريق محمد بن حرب عن أمه عن أمها عن المقدام به، وأم محمد مجهولة.
(4)
أي الأمراض.
وعن عيسى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شبع شبعة دخل فيه سبع آفات: لا يقدر على حفظ العلم والحكمة، ولا يجد حلاوة العبادة والرابع يقل خوفه والخامس تقل شفقته على الناس والسادس يزداد شهوة نفسه وبصره وجوارحه والسابع يدور الجائع حول المساجد والمصاحف، ويدور أهل الشبع حول الكنف والمزابل"
(1)
.
وعن لقمان الحكيم
(2)
عليه السلام قال: "إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخربت الحكمة ووقفت الأعضاء عن العبادة"
(3)
. وعنه عليه السلام: "مما يوجب المقت من الله عز وجل الأكل من غير جوع"
(4)
، ألا ولعمري
(5)
(1)
لم أقف عليه، وإنما ذكره العزالي في "الإحياء"(3/ 87) من قول أبي سليمان الداراني مختصرا بنحوه.
(2)
قال ابن كثير في "تفسيره"(6/ 333): (اختلف السلف في لقمان، عليه السلام: هل كان نبيا، أو عبدا صالحا من غير نبوة؟ على قولين، الأكثرون على الثاني
…
).
(3)
لم أقف عليه مسندا، وإنما ذكره القاضي عياض في "الشفا"(1/ 86) بدون إسناد.
(4)
موضوع - أخرجه الشجري في "أماليه"(1/ 276)(937) من طريق إسماعيل بن موسى العطار، قال: حدثنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر، قال: حدثنا ابن سمعان، عن مكحول، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال:" ثلاث فيهن المقت من الله عز وجل: الضحك من غير عجب، والأكل من غير جوع، ونوم النهار من غير قيام الليل " وفيه: إسحاق بن بشر كذبه ابن المديني، والدارقطني وغيرهما، وابن سمعان قال عنه في "التقريب":"متروك، اتهمه بالكذب أبو داود و غيره" كما أن مكحولا لم يسمع من معاذ.
(5)
قال الزبيدي في "تاج العروس": "العُمْرُ بالفَتْح وبالضّمّ وبضَمَّتَيْن: الحَيَاةُ، يقالُ: قد طَال عَمْرُه وعُمْرُه، لُغَتَان فَصِيحَتان. فإِذا أَقْسَمُوا فَقَالُوا: لَعَمْرُكَ، فَتَحُوا لَا غير".
وفي حاشية المخطوط: العمر بفتح العين، وضمها، وسكون الميم، وبالضمتين: بقى معنا سنين.
إنما يمكن الشيطان من أقوام من أهل زماننا نبذوا بالعلماء وبالعباد وليسوا منهم في شيء لعدم العلم، وأنهم ما جالسوا أهل العلم ولا [ق 27 /أ] ولا شمّوا ريحهم وهم كما قال أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي رحمة الله عليه سهروا فما ناموا لتدبير الناموس وسعوا في صحة أبدانهم ولا جالينيوس وأنهم في التهافت على جمع الأحجار زباب طعم وفراش نارٍ يتشبهون بالعباد، وليسوا منهم وقد سمعوا وصاياهم ولم يحفظوا عنهم ولكثرة أكلهم وشبعهم من الألوان المختلفة التي جرى منها الشيطان إلى قلوبهم فاسدها واستحوذ عليها
(1)
، ولأجل جهلهم وامتلائهم من الشهوات التي غفلت قلوبهم عن الله عز وجل وأقبلت بها إلى الحوادث والمكروهات كالرقص واستماع الغناء والشبابات وكل ذلك من عدم العلم وكثرة الجهل وقلة المروءة، وذهاب الخوف من الله عز وجل، فبالله العجب من حب الناس لهم وتعظيمهم إياهم، وميلهم إليهم، وما هم إلا كما أقول؟
أقول لطالبٍ بالافتقار
…
من الناس: التعظم بالوقار
يروه بهيبة، قد وقّروه
…
ويخشى بينهم للاحتقار
أحب مكانه فيهم وجيهًا
…
مداهنته لهم بالاعتبار
تجمل بالثياب ولا تبالي
…
فإن العين قبل الإخبار [ق 27 / ب]
فلو لبس الحمار ثيابٍ خزٍ
…
لقال الناس: يا لك من حمار
وكما روي أن الحسن البصري قال: "إن قومًا جعلوا خشوعهم في لباسهم وكبرهم في صدورهم، وشهروا أنفسهم بلباس الصوف حتى أن لابس الصوف أشدّ كبرًا من صاحب المطرف بمطرفه"
(2)
، وقال غيره: ولكنهم يترفعون فيه حتى يكون إسرافًا أدق من القطن والكتّان وأكثر ثمنًا، وهي الدنيا كلما رُفعَتْ وضعها الله عز وجل.
وروي أن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: "الزهد عندنا قصر الأمل لا أكل الغليظ ولا لبس العباء"
(3)
.
(1)
في الحاشية: الاستحواذ الغالب.
(2)
صحيح -أخرجه الدينوري في "المجالسة"(7/ 133)(3030) بإسناد صحيح عن الحسن به.
(3)
صحيح – أخرجه ابن أبي الدنيا في "الزهد"(ص/63)(109)، وابن الأعرابي في "الزهد"(ص؟ 30)(8)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 386) من طريق وكيع عن الثوري به، وإسناده صحيح.
وروي أن محمد بن موسى الجرجاني رحمة الله عليه قال: سألت محمد بن كعب الصنعاني مِن الزهاد الذين لا يتزودون ولا يتنعلون ولا يلبسون الخفاف؟ فقال: سألتني عن أولاد الشيطان ولم تسألني عن الزهاد. قلت: فأي شيء الزهد؟ قال: التمسك بالسنة والتشبه بأصحاب رسول الله عليه السلام
(1)
.
قال الحافظ الدشتي رحمة الله عليه: وكان شعار
(2)
عيسى صلى الله عليه وسلم: الصوف
(3)
وبقي في رهبانه إلى اليوم والزنادقة في زماننا لبسوا الصوف شعارهم، وكان الصوفيّة ظنوا أن هذا الاسم من الصوف [ق 28 /أ] فاستشعروه اعتقادًا واستشعروه ملبسًا.
قال قائلهم شعرا:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
…
فيه فظنوه مشتقًا من الصوف
ولست أبيح هذا الاسم غير فتى
…
صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
(4)
ولستُ أمنحُ هذا الاسمَ غيرَ فتىً
…
صافي فصوفِيَ حتَّى لُقَّبَ الصُّوفي
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن الجوزي في"تلبيس إبليس"(ص/ 269) بسند فيه عبد الله بن الأزهر مجهول الحال.
(2)
وفي الحاشية: الشعار بالكسر ما يلي الجسد من الثياب والعلامة كما يقال: شعار القوم في الحرب أي علامتهم.
(3)
غاية ما وقفت عليه ما أخرجه الدينوري في "المجالسة"(3/ 266)(902) عن محمد بن يونس البصري، نا الحسن بن علي الخلال، نا المعتمر بن سليمان التيمي؛ قال: خرج عيسى صلى الله عليه وسلم على أصحابه وعليه جبة من صوف وكساء وتبان
…
الحديث، وأين المعتمر من عيسى عليه السلام فالحديث منقطع.
(4)
هذان البيتان ببعض التصرف لأبي الفتح البستي، وهو: علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن محمد بن عبد العزيز البستي. ولد في بست (قرب سجستان) وإليها ينسب، وكان من كتاب الدولة السامانية في خراسان وارتفعت مكانته عند الأمير سبكتكين. وخدم ابنه يمين الدولة السلطان محمود بن سبكتكين ثم أخرجه هذا إلى ما وراء النهر فمات غريباً في بلدة (أوزجند) ببخارى سنة 400 هـ. له (ديوان شعر - ط) صغير، فيه بعض شعره، وفي كتب الأدب كثير من نظمه غير مدون. وهو صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها: زيادة المرء في دنياه نقصان.
آخر
(1)
:
تَصَوَّفَ وازْدَهَى بِالصُّوفِ جَهْلًا
…
وَبَعْضُ النَّاسِ يَلْبَسُهُ مَجَانَة
(2)
يُرِيك مَهَانَةً ويُجِنُ كِبْرًا
…
وَلَيْسَ الْكِبْرُ مِنْ شَأْنِنا مَجَانَة
(3)
تَصَوَّف [كي] يُقَالَ لَهُ أَمِينٌ
…
ومَا مُعين تَصَوّفه الْأَمَانَهْ
(4)
وَلَكِنْ قد أَرَادَ بِه معاشا
…
وشعبدة المُشَعْبِد
(5)
والكهانة
(6)
وَلَمْ يُرِدْ الْإِلَهَ بِه وَلَكِنْ
…
أَرَادَ بِه الطَّرِيقَ إلَى الْخِيَانَهْ
وقال آخر
(7)
:
ليس التصوّف لبس الصوف ترقعه
…
ولا بكاؤك إن غنى المغنّونا
ولا صياحًا ولا رقصًا ولا طربًا
…
ولا تَغاش كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر
…
وتتبع الحقّ والقرآن والدينا
وأن تُرى لله خاشعاً بكيئًا
…
على ذنوبك مهما عشت محزونًا
ولا تكن محدثًا في ديننا حدثًا
…
بعدًا لمن أظهر الأحداث المغنّونا
وقال آخر:
لبستَ الصوف مرقوعًا، وقلتا
…
أنا الصوفي ليس كما نقلتا
وما التصوف لبس الصوف، لكن
…
زان لك الهوى ما قد زعمتا
(1)
وهي لمحمود الوراق، وهو: محمود بن حسن الوراق أبو الحسن. شاعر عباسي مشهور من شعراء القرنين الثاني والثالث المرموقين، وقد ذكر أنه كان مولى لبني زهرة وهو شاعر من بغداد لذلك علق به لقب البغدادي. وأكثر شعره في المواعظ والحكم وقد اشتهر بلقبين أحدها الوراق والآخر النخاس فأما الوراق فهو الناسخ بالأجرة ولعلها مهنة عمل بها. وأما اللقب الآخر النخاس فقد جاء من المهنة كذلك قال البغدادي: وقد كان نخاساً يبيع الرقيق وكان له رقيق. توفي عام 220 هـ.
(2)
وفي الحاشية: المجان بالفتح، وتشديد الجيم: بلا بدل.
(3)
كذا بالأصل، والصواب في الشطر الثاني: وَلَيْسَ الْكِبْرُ مِنْ شَكلِ المَهانة
(4)
كذا بالأصل والأقرب أن يقال:
تصنع كي يقال له أمين
…
وما معنى التصنع للأمانة
(5)
أي: الهازِيء.
(6)
وفي الحاشية: الكهانة يعني كاهن، وجمع كهان وكهنة.
(7)
وهي لأبي عبد الله محمد بن الحسن ابن الطوبي الكاتب صاحب ديوان الإنشاء، عالم بالرسائل، جامع للفضائل، أربى في النحو على نفطويه. وفي الطب على ابن ماسويه، وكلامه في نهاية الفصاحة، وشعره في غاية الملاحة. وله "مقامات" تزري "بمقامات البديع" وإخوانيات كأنها زهر الربيع، مع خط كالطرز المعلمة، والبرود المثمنة. وكان الشعر طوع عنانه، وخديم جنانه. انظر " الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة".
فما الصوفي [ق 28 / ب] ......................................
(1)
واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوًا، وأتموا الأغراض والسلام
(2)
.
وعن بلال بن سعد رحمه الله قال: "أدركت قومًا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض، فإذا جاء الليل كانوا رهبانًا"
(3)
.
ألا فاعتبروا أخلاق مشايخكم وفقرائكم وصوفية زمانكم بالنبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا أو بالفراعنة والجبابرة ألا فقد روي أن أبا حمزة الخرساني رحمة الله عليه قال: "الصوفي الصادق معناه الشيخ الصادق، وعلامة الفقير الصادق أن يذل بعد العز ويفتقر بعد الغنى، ويخمل بعد الظهور، والصوفي الكاذب معناه الشيخ الكاذب، والفقير الكاذب علامته أن يعز بعد الذلّ ويستغني بعد الفقر، ويظهر بعد الخمول"
(4)
.
(1)
سقط في الأصل، وذلك أن الناسخ كان يكتب في آخر الوجه الأول من الصفحة بداية الوجه الثاني، وكتب في آخر الوجه الأول من هذه الصفحة:"الصوفي" وبدأ الوجه الثاني بقوله: "واقطعوا" فظهر السقط. ولعل تتمة البيت:
فما الصوفي إلا من تصفى
…
من الأيام ويحك لو عقلتا
(2)
صحيح - هذا طرف من رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما، فقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 170)(24869)، وأبو يعلي في "مسنده"(1/ 189)(213)، والطحاوي في "معاني الآثار"(4/ 275)(6865)، والبيهقي في "الكبرى"(10/ 25)، وغيرهم من طريق أبي عثمان قال: كتب عمر إلى أبي موسى: «أن اقطعوا الركب، وانزوا على الخيل نزوا، وألقوا الخفاف، واتخذوا النعال، وألقوا السراويلات، وائتزروا وارموا الأغراض، وعليكم باللبسة المعدية، وإياكم، وهدي العجم، فإن شر الهدي، هدي العجم» وصححه الشيخ حسين أسد وغيره واللفظ لابن أبي شيبة.
(3)
صحيح - أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(ص/47)(144)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(6/ 303)(26326)، والنسائي في "الكبرى"(10/ 406)(11855)، والمخلص في "المخلصيات"(3/ 331)(2640) وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 224)، وغيرهم من طريق الأوزاعي عن بلال به، وإسناده صحيح.
(4)
ذكر هذا الأثر القشيري في "الرسالة القشيرية"(2/ 441) مختصرا بنحوه ونسبه لأبي حمزة البغدادي.
فصل
ألا فقد روي أن داود الطائي
(1)
رحمه الله وهو شيخ من المشايخ كان يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز، فقيل له: أما تشتهي الخبز؟ فقال: بين مضع الخبز وشرب الفتيت قراءة خمس آيات
(2)
- وفي رواية سبعين تسبيحة
(3)
-.
(1)
هو داود بن نصير الطائي، أبو سليمان: من أئمة المتصوفين. كان في أيام المهدي العباسي. أصله من خراسان، ومولده بالكوفة. رحل إلى بغداد، فأخذ عن أبي حنيفة وغيره، وعاد الى الكوفة، فاعتزل الناس، ولزم العبادة إلى أن مات فيها. قال أحد معاصريه: لو كان داود في الأمم الماضية لقص الله تعالى شيئا من خبره. وله أخبار مع أمراء عصره وعلمائه، توفي عام 165 هـ، وانظر الأعلام للزركلي (2/ 335).
(2)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 350)، والبيهقي في "لشعب"(7/ 473)(5302)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 349) من طريق علي بن حرب عن إسماعيل بن زبان به، ولفظه:"خمسين آية" وابن زبان لم يرو عنه غير ابن حرب، ولم يوثقه غير ابن حبان فهو مجهول الحال.
(3)
لم أقف عليها.
وروي أن يزيد بن هارون رحمة الله عليه وهو شيخ من مشايخ الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه وكان [ق 29 /أ] إذا صلى العشاء الآخرة لم يزل قائمًا بذلك الوضوء حتى يصلي الغدوة نيفَا وأربعين سنة
(1)
. وروي أن أبا بكر الشبلي
(2)
رضي الله عنه كان يكتحل في بدايته بالملح لسهر عينه سبع سنين
(3)
. وروي أن جماعة دخلوا على أبي بكر النهشلي رحمة الله عليه في نزعه وهو يومئ بالصلاة، فقيل له على هذه الحال، فقال أبادر طيّ الصحيفة
(4)
. وروي أن رجلاً قال لعامر بن قيس
(5)
: قف أكلمك، فقال: فامسك الشمس وأطال قوم الجلوس عند معروف الكرخي رحمه الله تعالى، فقال: ما تريدون أن تقوموا أن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها
(6)
.
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(16/ 493)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/46) من طريق أبي الحسن محمد بن الحسين بن حمدون القاضي ببعقوبا، قال: أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ، قال: حدثنا محمد بن مخلد، قال: سمعت محمد بن العباس، يقول: سمعت عاصم بن علي به، ومحمد بن الحسين بن حمدون مجهول الحال.
(2)
اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه ونسبه، فقيل (دلف بن جعفر) وقيل (جحدر بن دلف) و (دلف ابن جعترة) و (دلف بن جعونة) و (جعفر ابن يونس). ناسك. كان في مبدإ أمره واليا في دنباوند (من نواحي رستاق الريّ) وولي الحجابة للموفق العباسيّ، وكان أبوه حاجب الحجاب، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح. له شعر جيد، سلك به مسالك المتصوفة. أصله من خراسان، ونسبته الى قرية (شبلة) من قرى ما وراء النهر، ومولده بسر من رأى عام 247 هـ، ووفاته ببغداد عام 334 هـ. وللدكتور كامل مصطفى الشيبي (ديوان أبي بكر الشبلي) جمع فيه ما وجد من شعره. وانظر الأعلام للزركلي (2/ 341).
(3)
ذكره بنحوه القشيري في "الرسالة القشيرية (2/ 561) بدون إسناد.
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "المحتضرين"(ص/ 202)، وفي الزهد" (ص/ 46) (61)، والختلي في "الديباج" (ص/64) (123)، والبيهقي في "الشعب" (4/ 542) (2985)، والذهبي في "تاريخ الإسلام" (4/ 556)، وغيرهم من طرق عن أبي بكر النهشلي بنحوه.
(5)
كذا بالأصل، وقد ذكر ابن الجوزي هذه القصة بدون إسناد في "صيد الخاطر"(ص/492)، وفي "حفظ العمر"(ص/45)، وسماه عامر بن عبد قيس.
(6)
ذكره ابن الجوزي في "الموضعين السابقين بنحوه بدون إسناد.
وروي أن أبا بكر العطّار رحمه الله قال: حضرت الجنيد رضي الله عنه عند الموت، فكان يصلي قاعدًا ويثني رجله إذا أراد أن يركع
ويسجد، فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجله فثقلت عليه حركتها، وكانتا رجلاه قد تورّمتا فقال له قائل: ما هذا؟ قال: هذه نعمة الله أكبر، فلما فرغ من صلاته قال الجريريّ: لو اضطجعت؟ فقال: يا أبا محمد هذا وقت يؤخذ منه
(1)
. وروي أن معروفًا الكرخي رحمه الله كان ينزل من مسجده إلى الشط [ق 29 / ب] فيتيمم، فقيل له: يا أبا محفوظ هو ذا توضأ فيقول: وما علمي لعلي لا أبلغ إلى الماء حتى أموت
(2)
. وروي أن محمد بن أبي توبة رحمه الله قال: أقام معروف الكرخي الصلاة، ثم قال لي: تقدم. فقلت: إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها. فقال معروف: وأنت تحدّث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل، فإنه يمنع من خير العمل
(3)
. وروي أن معروفًا قال: أترى المؤمن يشرب من الماء حتى يروي
(4)
. وروي أن أيوب بن وهب العطار رحمة الله عليه قال: كنت أرى بشر بن الحرث إذا انصرف من المسجد الجامع يرى الناس يشيرون إليه بأيديهم، فإذا خلا يقول: اللهم إنك قد شهرتني وما شهرت عبدًا لك ولا حاجة
(5)
.
(1)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(10/ 281)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/46) من طريق أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي بكر العطار به.
(2)
روى أبو نعيم في "الحلية"(8/ 364) عن أحمد الدورقي، قال: قعد معروف الكرخي على شط الدجلة فتيمم فقيل له: الماء قريب منك فقال: «لعلي لا أعيش حتى أبلغه» .
(3)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 361)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/58) من طريق محمد بن أبي توبة به.
(4)
لم أقف عليه.
(5)
رواه البيهقي في "الزهد الكبير"(1/ 99)(147) من طريق سمعت محمد بن يوسف الجوهري يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: «اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا، لتفضحني في الآخرة، فاسلبه عني» .
قال: وكان بشر إذا حدث في الناس حديثًا يغمّهم أقبل على نفسه يقول: ما يؤتي هذا الناس إلا من قبلك
(1)
. وروي أن بشرًا قال: إذا رأيتني أحب أن يجالسني غنيّ فاعلم أني قد بليتُ
(2)
. وقال بشر: يأتي على الناس زمان لا تقرّ فيه عين حكيم، ويأتي على الناس زمان يكون الدولة للحمقاء على الأكياس
(3)
. وروي أن روميّة جارة أمّ بشرٍ قالت: كنت أسمع بشرًا يقول: الموت يا موت، فقيل: يا أبا نصر ألا تنام؟ [ق 30 /أ] فقال: وكيف ينام من يخاف البيات؟
(4)
وأقول شعرًا:
أخوف ونوم إن ذا لعجيب
…
ثكلتك من قلب فأنت كذوب
وهل من رُقادٍ للمروع قلبه
…
وأخشاه من خوف الحساب تذوب
أما وجلال الله لو كنت صادقًا
…
لما كان للإغماض فيك نصيب
أما تستحي يا نفس من خالق الورى
…
إذا نُشرت عليك يومًا ذنوب
وقمت إذا كان الحساب مناقشًا
…
بقبح فقال لست عنه أتوب
وما حيلتي أن أخذوني بزلتي
…
ليوم عبوس القمطرين عصيب
وكانت شهودي عند ذاك جوارحي
…
ونفسي على نفسي عليّ رقيب
وروي أن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: إذا رأيت الليل مقبلاً فرحت وقلت: أخلو بريي ولا أرى الناس، فإذا نظرت الصبح استرجعت وبكيته
(5)
كراهية اللقاء الناس أو يجيئني من يشغلني عن ربي عز وجل
(6)
وأقول شعرا:
هذى فعال الصالحين وقد مضَوا
…
أهل الصلاح من الذين تقدموا
كانوا يصومون النهار وليلهم
…
في
(7)
القيام لربّهم يتخدّموا
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، ويوضح معناه ما أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(2/ 351) عن سعيد بن عاصم، قال: كان قاص يجلس قريبا من مسجد محمد بن واسع فقال يوما وهو يوبخ جلساءه: ما لي أرى القلوب لا تخشع ولا أرى العيون لا تدمع وما لي لا أرى الجلود لا تقشعر؟ فقال محمد بن واسع: «يا عبد الله ما لي أرى القوم أتوا إثما من قبلك؟ إن الذكر إذا خرج من القلب وقع على القلب»
(2)
لم أقف عليه، وأخرج السلفي في "الطيوريات" (3/ 1083) (1002) عن بشر بن الحارث أنه قال:((إذا رأيت القارئ يستوي بباب غنى فهو ممقوت)).
(3)
أخرجه إسماعيل الأصبهاني في "سير السلف الصالحين"(ص/1082).
(4)
لم أقف عليه.
(5)
بالأصل كلمة غير واضحة، والأنسب للسياق ما ذكرته.
(6)
ذكره الغزالي في "الإحياء"(2/ 227) بدون إسناد.
(7)
كذا بالأصل والأليق بالوزن (رهن).
كانـ[ـوا] بخدمة ربهم لا يفتروا
…
ومشيّد
(1)
عصيان المهيمن
(2)
هدموا
إذا رأيت مخالفين فعالهم
…
فاعلم يقينًا في الجزاء يتندّموا [ق 30 / ب]
والمقتدين بهم غنوا بغنائهم
…
ومخالفيهم في جزاءهم أعدموا
فصل
وروي أن بنت الفتح الموصلي عريَتْ فقيل لفتحٍ: ألا تطلب من يَكسوها؟ قال: لا دَعها حتى يرى الله عز وجل عريها وصبري عليها. قال: وكان فتح إذا كان ليالي البرد والشتاء جمع عياله وقال عليهم بكسائه، ثم يقول: اللهم أفقرتني وأفقرت عيالي بأي وسيلة توسلتها إليك، وإنما تفعل ذلك بأوليائك وأحبابك، فهل أنا منهم حتى أفرح
(3)
. وروي أن ذا النون المصريّ رحمة الله عليه قال: قال بعض العلماء: ما أخلص لله عز وجل أحد إلا أحب أن يكون في جبّ لا يعرف
(4)
. وأقول شعرا:
وليّ الله بين الناس مخفي
…
ولا يهوى ولي الله شهره
يودّ بأنهم لا يعرفوه
…
... ولا يرضى بما أعطيه جهره
تراه يسر ما أعطيه فيهم
…
ويجعل ربه في الناس ظهره
يفر بدنيه عن كل حي
…
ليجهل بين خلق الله ذكره
ويعبد ربّه سرًا وجهرًا
…
ويخفي عن جميع الناس أمره
(1)
في الحاشية: المشيد بالتشديد: الطول.
(2)
في الحاشية: المهيمن بالضم وكسر الميم الثانية: صادق، وحافظ وحاضر وقيل: القائم بأمور الخلق.
(3)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 292)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 378) من طريق مر بن أحمد بن شاهين، ثنا العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري، ثنا عمي القاسم ، حدثني أبو بكر بن عفان، قال: سمعت بشر بن الحارث، يقول: بلغني أن بنتا فذكره، وفيه جهالة المبلغ لبشر.
(4)
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(9/ 198)(6508)، وفي "الزهد الكبير"(1/ 97)(139).
وروي أن عبد الله بن هارون رحمه الله قال: لو أصبتُ من يبغضني علي الحقيقة في الله عز وجل لأوجبت على نفسي محبّته
(1)
. [ق 31 /أ] وروي أن حذيفة بن قتادة المرعشي رحمه الله قال: قال لي أخ من إخواني: إني لأدري الرجل محبًّا لي حريصًا عليّ، فأستصغره حيث لم يستصغرني
(2)
. وروي أن أبا جعفر الرقي رحمه الله قال: كتب إليّ يوسف بن أسباط مسائل، فكتبت إليه جوابها: أما ما ذكرت أن يكون العبد عارفًا بالله تعالى وعارفًا بنفسه، فالعارف بالله المطيع لله عز وجل والعارف بنفسه الذي يخاف من حسناته أن لا تقبل منه، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] أي خائفة {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} قال: قال يعطون ما أعطوا وهم يخافون أن لا يقبل منهم
(3)
. وروي عن عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنهما قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال:"يا بنت الصّدّيق هم الذين يصومون ويفرقون أن لا يقبل منهم ويصلّون ويفرقون أن لا تقبل منهم ويتصدّقون ويفرقون أن لا يتقبل منهم"
(4)
.
(1)
أخرجه الكلابي في "أحاديثه" مخطوط، من طريق عبد الله عن ميسرة بن أنس بنحوه.
(2)
لم أقف عليه.
(3)
أخرجه الدينوري في "المجالسة"(4/ 296)(1456)، وأبو نعيم في الحلية" (8/ 240) من طريق عبد الله بن عبدالغفار الكرماني ، عن جعفر الرقي به.
(4)
إسناده ضعيف - أخرجه الترمذي في "سنه"(5/ 327)(3175)، وابن ماجه في "سننه"(2/ 1404)(4198)، وأحمد في "مسنده"(42/ 156)(25263)، وغيرهم من طريق مالك بن مغول عن عبدالرحمن بن سعيد عن عائشة بنحوه، وهو منقطع بين عبدالرحمن عائشة. وخالف مالكا: عمرو بنن قيس فروي الطبري في "تفسيره"(19/ 47)، والطبراني في "الأوسط"(4/ 198)(3965) من طريق عمرو بن قيس عن عبدالرحمن عن أبي حازم عن أبي هريرة أن عائشة فذكره بنحوه، وقال الدارقطني في "العلل" أن رواية عبد الرحمن مرسلا، عن عائشة، هي المحفوظة.
وورد الحديث من طريق أخرى ضعيفة فرواه أبو يعلى في "مسنده"(8/ 315)(4917)، والطبري في "تفسيره"(19/ 47) من طريق ليث بن أبي سليم عن مغيث - ولم يذكره أبو يعلى - عن رجل عن عائشة بنحوه، وليث ضعيف، وفيه جهالة الراوي عنه، ورواه الطبري أيضا فزاد مع ليث: هشيم عن العوام بن حوشب عن عائشة به، وهشيم مدلس قد عنعنه، كما أنه منقطع بين العوام وعائشة.
وقال المفسرون: كانوا إذا عملوا من أعمال البرّ شيئا يرون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله عز وجل
(1)
. [ق 31 / ب] وروي أن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: أبْصر ابنُ الحُّر رجلاً قد خرج من الحمام، فقال: أين كنت؟ قال: في الحمام. فقال له: ذهبت طائفة من عمرك في الحمام وذلك لغير فائدة
(2)
.
ألا فكيف تعتقدوا صلاح قوم أذهبوا أعمارهم في الرقص واستماع الأغاني والشبابات بحضرة أحداث المرد بعد إملاء بطونهم من ألوان الطعام من صدقات الناس وأوساخهم.
(1)
صحيح عن الحسن - أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(ص/6)(15)، ووكيع في "الزهد"(ص/390)(153)، وأحمد في "الزهد"(ص/ 230)(1638)، والبيهقي في "الشعب"(2/ 214)(748) من طريق أبي الأشهب عن الحسن بنحوه.
(2)
لم أقف عليه.
فصل
وروي أن عبد الرحمن بن مهدي رحمة الله عليه قال: ما عاشرتُ من الناس رجلاً أرقّ من سفيان الثوري، وكنت أرمقه
(1)
في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوبًا ينادي النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات
(2)
. قال عبدالله بن عمر الكوفي رحمه الله: سمعت [أبا]
(3)
أسامة يقول: اشتكى سفيان الثوري رحمه الله فذهبت بمائه في قارورة إلى الدِّيرَانِيَّ فنظر إليه وقال: بول من هذا؟ ينبغي أن يكون هذا بول راهب هذا رجل قد فتت الخوف كبده، ما لهذا دواء
(4)
. عن يحيى بن أيوب
(5)
قال: سمعت عليّ بن ثابت يقول: "لو أن معك فلسَين تريد أن تتصدّق بهما، ثم رأيت سفيان الثوري [ق 32 /أ] وأنت لا تعرفه لظننت أنك لا تمتنع من أن تضعهما في يده"
(6)
، "وما رأيت سفيان في صدر مجلس قط كان يقعد إلى جانب الحائط ويجمع بين ركبتيه، ورأيت سفيان في طريق مكّة فقوّمت كل شيء عليه حتى نعليه درهم وأربعة دوانيق"
(7)
. وقال أبو بكر المروزي: قلت لأبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: الثوريّ لأي شيء خرج إلى اليمن؟ قال: خرج للتجارة وللقاء معمَر. قلت: قالوا كان له مائة دينار! قال: أمّا سبعون فصحيحة
(8)
. قال أبو بكر الخلال رحمه الله: أخبرني يحيى بن طالب الأنطاكي: إن المسيّب بن واضح قال: قال لي يوسف
(9)
بن أسباط: "مات سفيان الثوريّ وخلف مائتي دينار.
(1)
في الحاشية: أي نظرته.
(2)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 60)، والخطابي في "تاريخ بغداد"(9/ 158) عن ابن مهدي بنحوه.
(3)
زيادة من مسند ابن الجعد غير مذكورة بالأصل.
(4)
صحيح - أخرجه من الطريق المذكور ابن الجعد في "مسنده"(ص/272)(1805) وإسناده صحيح.
(5)
بالأصل: " يحيى بن معاذ عن أيوب" والتصويب من شعب الإيمان.
(6)
إسناده حسن - أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(8/ 272)(5812) بإسناد حس فيه علي بن ثابت قال عنه في التقريب: "صدوق ربما وهم".
(7)
إسناده حسن - أخرجه ابن الجعد في "مسنده"(ص/267)(1770)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 378)، والبيهقي في "المدخل"(1/ 339)(556) من طريق يحيى بن إسماعيل المقابري عن علي بن ثابت بنحوه، وإسناده حسن كسابقه.
(8)
صحيح - أخرجه أحمد في "الورع" رواية المروزي (ص/25)(77)، وأبو بكر الخلال في "الحث على التجارة"(ص/47)(17) أن المروزي سأل أحمد فذكره، وإسناده صحيح.
(9)
بالأصل: "أبي يوسف" وهو خطأ.
قلت له: من أين له مائتي دينار وهو كان زاهد العلماء؟ قال: كان يضع الشيء بعد الشيء مع إخوانه فبورك له فيه، قال: وكان سفيان الثوري يقول: ما كانت الْقُوَّةُ منذ بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أنفع لأهلها منها في هذا الزمان"
(1)
. وقال سفيان الثوري رحمه الله: "لأن أموت وأخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحبّ إليّ من أن أحتاج إلى أحد"
(2)
[ق 32 / ب] وروي أن إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه قال: "ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام أفرّ بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن يراني يقول موسوس، ومن يراني يقول: حمال. وقال: لم ينبل عندنا من نبل بالحجّ ولا بالجهاد، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه - يعني الرغيفين- من حله"
(3)
ألا فيتأسي المتأسي بهدي هؤلاء السادة لا برؤساء الجهّال وقائديهم إلى النار.
فصل
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: الخوف يمنعني عن أكل الطعام والشراب، فما أشتهيه. قال بشر بن الحرث رحمه الله: إذا ذكرت الموت هان عليّ كل شيء. وقال فضيل بن عياض رحمه الله: إذا ذكرت الموت تصدّعت مرارتي. وقال: "وإني لأتمنى المرض. قيل له: ولم ذلك؟ قال: لئلا تجب عليّ الصلاة في الجماعة؟ قيل له: ولم ذلك؟ قال: لأن لا أرى الناس" ألا فاعتبروا قول فضيل بن عياض في زمانه، ومات سنة سبع وثمانين ومائة في أوّل المحرّم، وقيل في عاشوراء وأقول شعرا:
أما والله لو علم الأنام
…
لِمَا خُلقوا لَمَا غفلوا وناموا
لقد خلقوا لِما لَوْ أَبْصَرتْه
…
عيون قلوبهم ساحوا وهاموا
ممات ثم قبر [ثم][ق 33 /أ] حشر
…
وأهوال به منها يضاموا
ليوم الحشر قد عملت رجال
…
فصلوا من مخافته وصاموا
وأهل زماننا يقظى نيام
…
على الغافلات قاموا استقاموا
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو بكر الخلال في "الحث على التجارة"(ص/48)(18) بهذا الإسناد، والمسيب بن واضح ضعفه الدارقطني وغيره. وابن أسباط: وثقه ابن معين وقال عنه أبو حاتم: "لا يحتج به".
(2)
أخرجه الكلابي في "أحاديثه"(ص/31)(29)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 381)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 723)(1221).
(3)
أخرجه الدينوري في "المجالسة"(2/ 166)(289)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 369)، والسلفي في "الطيوريات" (2/ 333) (282) من طريق عبد الصمد بن يزيد مردويه قال: سمعت شقيق بن إبراهيم البلخي فذكره.
عن يوسف بن الحسن رحمه الله قال: لقي رجل رجلاً فقال له: يا هذا إنني أراك قد تغير لونك ونحل جسمك، فمم هو؟ قال الآخر: وإني لأرى ذا بك فمم هو؟ قال: أصبحت منذ ثلاثة أيام صائمًا، فلمّا أتيت بإفطار عرضَت له هذه الآية {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} إلى قوله:{عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 17]، فلما لم أستطع العشاء فأصبحت صائمًا، ففعلت ذلك ثلاثًا وأنا صائم
(1)
. عن خليد بن حسان الهجري قال: "أصبح الحسن صائمًا فأتي بعشاء فعرضت له هذه الآية: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل: 12، 13]، فقلصت يده وقال: ارفعوه. فقلنا: يا أبا سعيد تَهلُكَ تَضْعَفُ، فأصبح اليوم الثاني والثالث صائمًا، فذهب ابنه إلى يحيى البكاء وثابت البناني ويزيد الضبي، فقال: أدركوا أبي فإنه هالك، فلم يزالوا به حتى سقوه شربة من سويق"
(2)
. حدثنا الحسن بن موسى قال: سمعت معمَّرًا يذكر عن أبيه أنه كان يأتي عطاء السلمي فيدعوا [ق 33 / ب] لكي يلتمس بركة عطاء أن يؤمن علي دعائه، قال: وكان قد امتنع من الطعام من الخوف إنما يحسوا الشيء من السويق وغيره
(3)
. قال: دخل عبيد
(4)
الله بن الوليد التيمي على حبابة التيمية، فقدَّمَت إليه خبزِ أو سمنًا وعسلاً، قال: يا حبابة مخافتي أن يكون بعد هذا الضريع فمازال يبكي وتبكي حتّى قام ولم يأكل
(5)
. حدثنا سفيان قال: شوى نافع بن جبي دجاجةً، فلما وُضعَت بين يديه جاء مسكين، فقال ارفعوها إليه، فرفعت إليه، فقيل له: ما أردتَ بها؟ قال: أردتُ ما [هو]
(6)
خير منها
(7)
.
(1)
ذكره ابن رجب في "التخويف من النار"(ص/155).
(2)
إسناده ضعيف - أخرجه أحمد في "الزهد"(ص/ 230)(1640)، والشجري في "ترتيب الأمالي الخميسية" (2/ 38) (1496) من طريق صالح المزي عن خليد بن حسان - ووقع عند أحمد: عن عن خليد عن صالح بن حسان - به، وصالح المزي قال عنه في "التقريب":"ضعيف".
(3)
لم أقف عليه.
(4)
بالأصل عبد، والتصويب من "التخويف من النار".
(5)
ذكره ابن رجب في "التخويف من النار"(ص/157).
(6)
ليست مذكورة بالأصل والتصويب من "تاريخ دمشق".
(7)
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(61/ 407).
حدثنا سوار بن عبد الله قال: "كنّا مع عمرو بن درهم في بعض السواحل، وكان لا يأكل إلا من السحر إلى السحر، فجئناه بطعام، فلمّا رفع اللقمة إلى فيه سمع بعض المتهجدين وهو يقرأ هذه الآية {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 43 - 46]، فعشي عليه وسقطت اللقمة من يده ولم يفق إلى بعد طلوع الفجر، فمكث كذلك سبعًا لا يأكل شيئًا كلما قرب إليه الطعام عرضت له الآية، فيقوم ولا يأكل شيئًا، فاجتمع أصحابه فقالوا: سبحان الله تقتل نفسك فلم يزالوا به حتى أصاب شيئًا"
(1)
. حدثنا مسلم العباداني
(2)
[ق 34 /أ] أنه قال: قدم علينا مرة: صالح المري وعبد الواحد بن زيد [وعتبة الغلام] وسلمة الأسواري، فنزلوا على الساحل فهيأت ذات ليلةٍ طعامًا ودعوتهم إليه، فجاءوا إليه، فلما وضعت الطعام إذا قائل يقول:
وَتُلْهِيكَ عَنْ دَارِ الْخُلُودِ مَطَاعِمٌ
…
وَلَذَّةُ نَفْسٍ غَيُّهَا غَيْرُ نَافِعِ
(3)
قال: فصاح عتبة صيحةً وسقط مغشيًا عليه، وبكى القوم فرفعنا الطعام وما ذاقوا والله منه لقمةً
(4)
. حدثنا إبراهيم بن أبي سنان العابد قال: قدمت بعض السواحل مرابطًا، فقيل: إنّ هاهنا رجل لا يطعم إلا من الجمعة للجمعة. قلت: فأيّ شيء طعامه إذا طعمه قالوا: تسع تمرات وكفّ من شعير يعجنها جميعًا بالماء، ثم يأكل فهو إلى الجمعة، وقد كان يصوم النهار، فإذا كان الليل أفطر فرأى في منامه رؤيا هالته، فأخذ في الجدّ والاجتهاد. قلت: وما رأى؟ قال: آتاه آتٍ في منامه فقال شعرا:
تجوع فإن الجوع يورث أهله
…
موارد خير [و] الدهر دائم
ولا تك ذا بطن رغيب وشهوة
…
فتصبح في الدنيا وعقلك هائم
(1)
ذكره ابن رجب في "التخويف من النار"(ص/157).
(2)
بالأصل: "العباد"، والتصويب من "الحلية".
(3)
وكان البيت بالأصل هكذا:
ويلهيك عن الخلود
…
ولذات نفس غيها غير نافع
والتصويب من الحلية.
(4)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو نعيم في الحلية" (6/ 160) من طريق عبد الله بن محمد بن سفيان، قال: حدثت عن محمد، حدثني روح بن سلمة الوراق، حدثني مسلم العباداني، وفيه جهالة شيخ عبد الله بن محمد.
وتصبح في شغل [عن] الدين متشاغلاً
…
للأكل في الدنيا تعيش البهائم"
(1)
ألا فتدبّروا صفات هؤلاء
(2)
السادة، وتشبّهوا بهم، فمن تشبه بقوم فهو منهم
(3)
ومن أحب قومًا حشر
(4)
معهم.
(5)
[ق 34 / ب]
(1)
ذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2/ 457) وقال في أوله: العباس بن يوسف الشكلي قال: دخلت الإسكندرية فسألت: هل بها أحد من الزهاد؟ فقالوا: فتى
…
فذكره بنحوه.
(2)
بالأصل " هذه هؤلاء ".
(3)
حسن لغيره - أخرج أبو داود في "سننه"(4/ 44)(4031)، وأحمد في "مسنده"(9/ 123)(5114)، (9/ 126)(5115)، وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: حدثني حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر مطولا، وفيه:" ومن تشبه بقوم فهو منهم "، وابن ثوبان مختلف فيه، وتابعه الوليد بن مسلم عند الطحاوي في "المشكل"(1/ 312)(231) والوليد يدلس ويسوي، والحديث أعله الشيخ الأرناؤوط في "هامش المسند"، وموضع الشاهد منه يتقوى بحديث حذيفة عند البزار (1/ 86 - كشف)(142)، وقال الشيخ الأرناؤوط:(وقد وقفه بعضهم على حذيفة. وأورده الهيثمي في "المجمع"10/ 271 ونسبه إلى الطبراني في "الأوسط"فقط، وقال: فيه علي بن غراب (وهو عند البزار أيضا)، وقد وثقه غير واحد، وضعفه بعضهم، وبقية رجاله ثقات).
(4)
بالأصل: "فهو حشر".
(5)
أخرج ابن عدي في "الكامل"(1/ 392)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 405)(2978) من طريق الحسن بن يزيد الجصاص، حدثنا إسماعيل بن يحيى، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب قوما على أعمالهم، حشر يوم القيامة في زمرتهم فحوسب بحسابهم، وإن لم يعمل أعمالهم"، والحديث قال عنه الشيخ الألباني في "الضعيفة" (4536):"موضوع بهذا اللفظ"، وأما حديث «المرء مع من أحب» فهو متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
فصل
وروي أن عبد الرحمن بن زيد رحمة الله عليه قال: "وصف أهل الجنة بالبكاء والحزن والوجل والخوف ووصف أهل النار بالضحك والسرور والتفكّه حتى يعلم أن حُلْوَاتِ
(1)
الدنيا مرارات الآخرة، ومرارات الدنيا حُلْوَاتِ الآخرة"
(2)
. ألا فمن رأيتم فيه وصف أهل الجنة فأحبّوه لله عز وجل، ومن رأيتم فيه وصف أهل النار فأبغضوه لله عز وجل، ولا تحسنوا إليه خصوصًا إذا كان يشار إليه بالصلاح، فإنه زنديق ملعون
(3)
. وروي أن علقمة بن مرثد قال في سيرة الحسن البصري رحمه الله: "ما رأيت أحدًا من الناس أطول حزنًا منه ما كنَّا نراه إلا حديث عهد بمصيبة". ثم قال الحسن: "نضحك ولا تدري لعلّ الله تعالى [قد] أطلع [على]
(4)
بعض أعمال لنا فقال لا أقبل منكم شيئًا"
(5)
. وروي أن ناسًا من أهل دمشق أتوا أبا مسلم الخولاني رحمه الله في منزله غازيًا أرض الروم، فوجدوه قد حفر في فسطاط جوبة، ووضع في الجوبة نطعًا، وأفرغ فيه الماء، فهو ينطل فيه
(6)
و [هو]
(7)
صائم، فقال له النفر: ما يحملك على الصيام وأنت مسافر وقد رخّص لك في الفطر في السفر؟ قال: لو حضر قتال [ق 35 /أ] لأفطرت وتقوّيتُ للقتال، إن الخيل لا تجري [إلى]
(8)
الغايات وهي بدنٍ إنما تجري ومع ضمر إن بين يدي الساعة أيام
(9)
لها نعمل
(10)
. وروي أن عامر بن [عبد]
(11)
(1)
بالأصل في الموضعين: " حلاوات" والتصويب من "الهم والحزن" لابن أبي الدنيا.
(2)
صحيح - أخرجه ابن أبي الدنيا في "الهم والحزن"(ص/87)(138) بسند رواته ثقات عن عبد الرحمن بن زيد إلا أن عبدالرحمن نفسه ضعيف.
(3)
وهذه مبالغة منه رحمه الله والأولى أنه لا يقصد الحصر في الصفات التي ذكرت في الأثر بل ولا في غيرهما من الصفات الظاهرة التي قد لا يستلزم أن يوصف فاعلها بهذين الوصفين، وأن نسوي بينه وبين من يكذب بالقرآن ويشكك فيه، ويجحد الصانع والمعاد ونحو ذلك.
(4)
زيادتان من السير.
(5)
ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/ 585).
(6)
أي يصبه فيه يسيرا، وفي صفة الصفوة:" يتصلق فيه " أي: يتلوى، ويتقلب.
(7)
زيادة من صفوة الصفوة.
(8)
زيادة من صفوة الصفوة.
(9)
وفي صفة الصفوة: " إن بين أيدينا أياماً".
(10)
ذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2/ 370).
(11)
سقطت من الأصل ..
قيس رحمه الله كان إذا صلّى الصبح تنحى في ناحية المسجد، وقال: من أُقرئه فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا طلعت الشمس وأمكنت الصلاة قام يصلي [إلى] إن ينتصف النهار، ثم يرجع إلى منزله، فإذا زالت الشمس أتى المسجد فيصلي حتى يصلّي العصر، فإذا صلى العصر تنحى إلى ناحية المسجد وقال: من أقرئه فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا غابت الشمس وصلى المغرب لا يزال يصلي حتى يصلي العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى منزله فيتناول أحد رغيفيه فيأكله، ثم يهجع
(1)
هجعة خفيفة، ثم يقوم، فإذا كان وقت
(1)
في الأصل "يهج"، وفي "الزهد" لأحمد:"يضطجع". .
السحر تناول رغيفه الآخر فأكله وشرب عليه شربة من الماء، ثم يخرج إلى المسجد
(1)
.
وروي أن منصور بن زادان رحمه الله كان يعمل هذا ويفضله بخصلة لا يبيت كل ليلة حتى يبلّ عمامته بدموعه، ثم يضعها
(2)
.
وعن ثابت البناني رضي الله عنه أنه قال: "ما في المسجد سارية إلا وقد ختمتُ القرآن عندها وبكيت عندها"
(3)
. [ق 35 / ب]
وروي عن ابنه محمد رحمهما الله أنه قال: "ذهبت ألقن أبي وهو في النزع، فقلت له: يا أبه قل (لا إله إلا الله) فقال: يا بني كف عني؟ فإني في الوِرْد السادس أو السابع"
(4)
.
وروي أن حجير بن الربيع رحمه الله كان يصلي حتى ما يأتي فراشه إلا زحفًا وما يعدّوه من أعبدهم
(5)
. وروي أن الشافعي رحمه الله كان يقرأ في كلّ شهر ثلاثين ختمة، وفي كل شهر رمضان ستين ختمة
(6)
.
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه أحمد في "الزهد" (ص/1829 (12449 بسند فيه عنعنة الحسن البصري وهو دلس.
(2)
إسناده ضعيف - ذكره أحمد في "الزهد" عقب الأثر السابق، فقال: قال خلف: وحدثني بعض أصحابنا، فذكره، وفيه جهالة شيوخ خلف.
(3)
إسناده حسن - أخرجه ابن الجعد في "مسنده"(1/ 211)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 321) من طريق علي بن مسلم، قال: ثنا سيار بن حاتم، قال: ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت به، وسنده حسن فيه سيار بن حاتم، قال عنه ابن حجر:"صدوق له أوهام".
(4)
إسناده حسن - أخرجه ابن الجعد في "مسنده"(1/ 212)(1398)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 322) من طريق سيار عن جعفر عن محمد بن ثابت به، وإسناده كسابقه.
(5)
إسناده ضعيف - أخرجه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف"، وابن الجوزي في "حفظ العمر" من طريق هلال بن حق به وهلال قال عنه في "التقريب":"مقبول" يعني عند المتتابعة وإلا فلين، وهو لم يوثقه غير ابن حبان فالإسناد ضعيف.
(6)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 134)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 61)، وغيرهما.
وروي أن عبد العزيز قال: قلت لعمر بن هانئ رحمهما الله: "أرى لسانك لا يفتر عن ذكر الله عز وجل! فكم تسبّح كل يوم؟ قال: مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع"
(1)
. عن محمد بن فضيل أنه قال: رأيت ابن طارق
(2)
رحمه الله في الطواف قد انفرج له أهل الطواف وعليه نعلاه مطرقتان
(3)
فحرّزوا طوافه في ذلك الزمان فإذا هو يطوف في اليوم والليلة عشر فراسخ
(4)
. عن معاذة العدوية أو رابعة العدوية رحمهما الله أنها كانت إذا جاء النهار قالت: "هذا يومي الذي أموت فيه، فما تنام حتى يمسي، وإذا جاء الليل قالت: هذه ليلتي التي أموت فيها، فما تنام حتى تصبح، وإذا جاء البرد لبست الثياب الرقاق حتى يمنعها البرد من النوم"
(5)
. عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما [ق 36 /أ]"أنه خرج في بعض المدينة هو وأصحاب له فوضعوا سفرة لهم، فمرّ بهم راعٍ فقال له ابن عمر: هلم! قال: إني صائم. فقال: في مثل هذا اليوم الصائف وأنت في مثل هذه الشعب! قال: والله إني أبادر الأيام الخالية"
(6)
.
(1)
إسناده صحيح - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(5/ 157)، والبيهقي في "الشعب"(2/ 185)(707) من طريق إسحاق بن موسى الأنصاري، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت لعمير بن هانئ به، ورواته ثقات والوليد وإن كان يدلس ويسوى إلا أنه صرح بالتحديث بينه وبين شيخه كما أن بين شيخه وابن هانئ التصريح باللقيا فانتفت شبهة تسويته.
(2)
كذا بالحلية، بالأصل "طارقًا".
(3)
قال الزبيدي في "تاج العروس": (طارَق بيْنَ نعْلَيْن: إِذا خَصَفَ إحْداهُما على الأخْرَى. وَقَالَ الأصْمَعيّ: طارَقَ الرجلُ نعْلَيْه: إِذا أطْبَق نعْلاً على نعْلٍ، فخُرِزَتا، وَهُوَ الطِّرّاق. ونعْلٌ مُطارَقَةٌ: مخْصوفةٌ).
(4)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(5/ 82).
(5)
أخرجه أحمد في "الزهد"(ص/170)(1156)، وهناد بن السري في "الزهد"(ص/291)(511)، وابن أبي الدنيا في "التهجد"(ص/179)(81) من طريق محمد بن فضيل عن أبيه عن معاذة به، وإسناده صحيح.
(6)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(31/ 132)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/42) من طريق محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي حدثني عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به، وفيه محمد بن يزيد قال عنه في "التقريب":"مقبول" يعني عند المتابعة وإلا فلين، فالإسناد ضعيف.
وقد روي عن روح بن زنباع رضي الله عنه أنه نزل منزلاً، فإذا هو براعٍ قال: هلمّ! فقال: إني صائم. قال: أفي هذا الحرّ؟ قال: أفأدّع أيّامي تذهب باطلاً؟ فقال روح:
لقد ضننت بأيّامك يا راع
…
حين جاد بها روح بن زنباع
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه ابن أبي الدنيا في " قصر الأمل"(ص/128)(188)، والدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(1/ 446)(134)، والبيهقي في "الشعب"(5/ 426)(3663) من طريق علي بن الحسن بن شقيق، عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن سالم - وليس بالقداح -؛ قال: نزل روح بن زنباع منزلا فذكره، ولم أعرف سعيد بن سالم.
وروي أن منصور بن المعتمر رحمه الله أربعين سنة قام ليلها وصام نهارها، وكان يبكي فتقول أمّه: يا بُنيّ أقتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعتُ بنفسي، فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس.
(1)
وروي أن أبا بشر قال: "كانت جارة لمنصور المعتمر رحمه الله وكانت لها بنتان لا تصعدان السطح إلا بعد ما ينام الناس، فقالت احديهما: يا أماه ما فعلتُ القائمة التي كانت أراها في سطح فلان. قالت: يا بنت ما كانت تلك قائمة إنما كان منصورًا يحيي الليل كله في ركعة واحدة ولا يسجد"
(2)
. وروي أن أبا بكر بن عياش رحمه الله لما حضرته [ق 36 / ب] الوفاة بكتْ أخته فقال: "لا تبكي وأشار إلى زاوية في البيت فقد ختم أخوك في تلك الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة"
(3)
. وروي أن مسروق رحمه الله حج فما نام إلا ساجدًا
(4)
، وحج الأسود رحمه الله ثمانين حجة وعمرة، وكان الأسود يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر لونه ويصفر، وكان علقمة يقول له: كم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جدّ
(5)
.
(1)
أخرجه ابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/43)، والذهبي في "تاريخ الإسلام"(3/ 741)، وغيرهما.
(2)
أخرجه ابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/ 44).
(3)
أخرجه ابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/44)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 304).
(4)
صحيح - أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(ص 347)(975)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 148)(34866)، وأحمد في "الزهد"(ص/282)(2030)، والبيهقي في "المدخل"(ص/ 330)(532)، وغيرهم من طريق شعبة عن إبي إسحاق به، ، وأبو إسحاق مدلس، واختلط، إلا أن رواية شعبة عنه تدل على السماع قال شعبة:((كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة))، قال الحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين":((فهذه قاعدة جيّدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها جاءت من طريق شعبة دلّت على السماع، ولو كانت معنعنة)) وقد اختلط أبو إسحاق بآخره، لكن رواية شعبة عنه قبل الاختلاط.
(5)
إسناده حسن - أخرجه أحمد في "الزهد"(ص/ 281)، ، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 103)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/ 47) من طريق حجاج عن محمد بن طلحة عن عبدالرحمن بن ثروان به، وحجاج هو المصيصي ثقة، وابن طلحة قال عنه في "التقريب":"صدوق له أوهام".
وروي عن عطاء بن السائب قال: كان مرة
(1)
يصلي
(2)
في كل يوم وليلة ألف ركعة، فلما ثقل وبدن صلى أربعمائة ركعة، وكنت أنظر إلى مباركه كأنها مبارك الإبل
(3)
. وروي أن أصبغ بن زيد
(4)
رحمه الله قال: كان أويس القرني رحمه الله إذا أمسى قال: هذه ليلة الركوع والسجود، فيركع ويسجد حتى يصبح
(5)
. وروي عن محمد بن إسحاق رحمه الله أنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد حاجًّا، فاعتلّت إحدى قدمَيه، فقام يصلي حتى أصبح على قدم واحدة، وصلى الصبح بوضوء العشاء وقدم علينا ليث بن
(1)
هو: مرة بن شراحيل الهمدانى البكيلى، أبو إسماعيل الكوفى، المعروف بمرة الطيب و مرة الخير (لقب بذلك لعبادته)، من كبار التابعين، توفي عام 76 هـ وقيل بعد ذلك.
(2)
وقد تحرف في الأصل إلى: " في بدو أمره أنه كان " فجعلها حكاية عن فعل عطاء.
(3)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(4/ 162).
(4)
بالأصل يزيد، والتصويب من كتب التخريج.
(5)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(2/ 87)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/48)، وغيرهما.
أبي سليم، فصنع مثله
(1)
. وروي عن معتمر بن سليمان رحمه الله أنه [حدث عن أبيه أنه]
(2)
مكث أربعين سنة يصوم يومًا ويفطر يومًا ويصلي الصبح بوضوء العشاء
(3)
. [ق 37 /أ] وبلغنا عن رقبة بن مصقلة رحمة الله عليه أنه قال: رأيت ربّ العزة سبحانه وتعالى في المنام فقال: يا رقبة! وعزتي وجلالي لأكرمنّ مثوى سليمان التيمي فإنه صلى أربعين سنة الغداة على طهر العتمة
(4)
. وروي أن عبد الواحد رحمه الله صلى الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة
(5)
. وروي أن كهمسا رحمه الله كان يصلي ألف ركعة في اليوم والليل، فإذا فرغ قال لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء! فوالله ما رضيتك لله تعالى ساعةً قطّ
(6)
. وأقول:
هذي عبادات الذين تقدَموا
…
من سادة كان الصلاح شعارهم،
هذي عبادتهم وهذي جهدهم
…
في دينهم ما يستقرّ قرارهم
فاسلك سبيلهم يا طالبًا
…
متطلّبًا متتبعًا آثارهم
وإذا رأيت مخالفين فعالهم
…
فيما أضلّ هلاكهم ودمارهم
فاحكم عليهم بالضلالة والعمى
…
قطعًا يقينًا لا شكَّ بوارهم
(7)
يا من غدا متتبعًا آثارهم
…
طوبا [لـ]ـأنك في لحوقك جارهم
في جنة الفردوس غدًا مسكنهم
…
طوبى لهم دار المقامة دارهم
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "التهجد"(ص/ 198)(107)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/ 48)، وغيرهما.
(2)
زيادة من كتب التخريج.
(3)
صحيح - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(3/ 28)، والبيهقي في "الشعب"(4/ 530)(2950)، وابن الجوزي في "حفظ العمر" وغيرهم من طريق محمد بن عبد الأعلى، قال: سمعت معتمر بن سليمان يقول: مكث أبي، فذكره، ورواته ثقات.
(4)
إسناده صحيح - أخرجه ابن حبان في "الثقات"(4/ 301)، والبيهقي في "الشعب"(4/ 531)(2952)، والذهبي في "السير"(6/ 324)، وغيرهم من طريق جرير الضبي عن رقبة به، وبعضهم يذكر آخره، وبعضهم لا يذكره، ورواته ثقات.
(5)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 163)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/51)، وغيرهما عن عبد الواحد بن زيد.
(6)
إسناده ضعيف - أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 211)، وابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/52) من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني الهيثم بن معاوية، عن شيخ من أصحابه به وإسناده ضعيف فيه جهالة شيخ الهيثم.
(7)
وفي الحاشية: البوار الهلاك.
ألا فيتأسى المتأسي بهؤلاء السادة الأبرار والقادة الأخيار من المشايخ والفقراء وأهل العلم والعبادات والكرامات [ق 37 / ب] وبالأولياء لا بالمنافقين المخالفين الغوغاء أهل الزيغ والضلالة الظلماء الذين لهم صيت وذكر عند الملوك والسلاطين والأمراء والأغنياء، وعند العامة الذين هم أهل الجهل والعمى والخلاف للعلماء الذين مقتهم آلة الأرض والسماء. والعامة اسم مشتق من العمى ما رضي الله عز وجل أن يشبه بالأنعام حتى قال عز من قائل:{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44].
فصل
وروي أن محمد بن عبد العزيز العبّاسي رحمة الله عليه قال: مضيت يومًا في صحبة خالي إلى عثمان بن عيسى الباقلاء، فتلقيناه خارجًا من المسجد إلى داره، فإذا هو شيخ كبير، فقال له خالي: أدع الله لي! قال: يا أبا عبد الله شغلتني انظر ما تظنه فيّ فاجعله فيك، وأدع الله لي! قلت له أنا: بالله أدع الله لي! فقال: رفق الله بك، فاستزدته، فقال: الزمان يذهب والصحائف تختم، وعثمان بن عيسى رحمه الله كان دائم الذكر، وكان يقول: إذا كان وقت غروب الشمس أحسست بروحي كأنها تخرج لاشتغاله في تلك الساعة بالإفطار عن الذكر
(1)
. وروي أن نفرًا من القراء
(2)
دخلوا على زجلة العابدة رحمهم الله، فكلّموها في الرفق [ق 38 /أ] بنفسها، فقالت: ما لي [و]
(3)
الرفق بها إنما هي أيّام مبادرة، فمن فاته اليوم شيئًا لم يدركه غدًا، والله يا أخواتاه لأصليّن له مهما أقلتني جوارحي ولأصومنّ له أيّام حياتي ولأبكين ما حملت الماء عيناي، ثم قالت أيّكم يكون له عبد يأمره بأمر فيحبّ أن يقصّر فيه
(4)
. وأقول شعرا:
يا سادة وسط الحُشاشة
(5)
خيموا
…
رفقا
(6)
فديتم بالكئيب فديتم
وسقيتم ورعيتم
(7)
ووقيتم
…
وكفيتم وحميتم وهديتم
أبعدتم غَبِيّ
(8)
لبعد سيرتي
…
ما القرب منها أو أراكم عدتم
أفسدتم نظري عليّ فلا أرى
…
من بعدكم حسنًا بما غبتم
فدعوا ملامي ليس يجمل أن ترى
…
عين الرضا والسخط أحسن منكم
فلئن نظرت إلى جمال سواكم
…
فالذنب لي لا تجرعوا إن ملتم
ها قد رضيتُ بحكمكم ما تحكموا
…
أو تبعثُ في شرع الهواء ما قلتم
لا تحسبوا إني أحول عن الذي
…
ما بيننا يا ساداتي لو حلتم
حاشا وكلا أن يخون دمامكم
…
عبدًا محبًا جرتم وعدلتم
(1)
أخرجه ابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/54).
(2)
بالأصل: " الفقراء" والتصويب من كتب التخريج.
(3)
غير مذكورة بالأصل.
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس"(ص/131)(135).
(5)
وفي الحاشية: "الحشاشة بالضم بقية روح في المريض، أو الجريح".
(6)
وقد رسمت بالأصل: "رفقاء"، وهو تحريف.
(7)
وفي الحاشية: "الرعي بالفتح: الجلوس والإبصار".
(8)
وفي الحاشية: الغبي فعيل بمعنى فاعل وهو قليل الفطنة".
ألا فاعتبروا بقوم كانوا هذه حالهم وهذه سيرتهم واجتهادهم كيف يحل لقائل يقول أنهم كانوا يرقصون ويستمعون إلى الغناء والطرب والشبابات بحضرة أحداث المرد المغنين، ألا ومن استبصر [ق 38 / ب] من أبناء الملوك فرأى عيب الدنيا ونقص كمالها وفنائها وسرعة انتقالها ووشيك رحلتها وزوالها إبراهيم بن أدهم بن منصور من أبناء الملوك خراسان من كورة بلخ، ولما زهد في الدنيا عن ثمانين سريرًا قال إبراهيم بن بشار: سألت إبراهيم بن أدهم رحمه الله كيف كان بدأُ أمرك حتى صرتَ إلى هذا؟ فقال: غير هذا أولى بك. فقلت: يرحمك الله لعل الله أن ينفعني به يومًا. ثم سألت ثانية فقال: ويحك اشتغل بالله عز وجل، ثم سألت ثالثة فقلت: إن رأيت يرحمك الله أن تخبرني لعل الله تعالى ينفعني به! قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكنتُ من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي وكلبي معي، وأنا أطرد ذئبًا أو أرنبًا، فحركتُ فرسي نحوه وراءه، فسمعت نداء من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خُلقت، ولا بهذا أُمرت، فوفقت أنظر يمنةً ويسرةً فلم أر أحدًا، فقلت في نفسي: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي فسمعت نداءً أعلى من الأول وهو يقول: يا إبراهيم ما لهذا خُلقت ولا بهذا أمرت، فوقفتُ مقشعِّرًا انظر يمنةً ويسرةً فلم أر أحدًا [ق 39 /أ] فقلت: لعن الله الشيطان، ثم حركت فرسي فسمعت من قربوس
(1)
سَرْجي: يا إبراهيم ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت وقلت: هيهات جاءني النذير من ربّ العالمين، والله لا عَصيتُ ربي ما عصمني بعد يومي هذا، فتوجّهت إلى أهلي وخلفتُ فرسي وجئت إلى بعض رعاة أبي فأخذت جُّبّة وكساء وألقيتُ إليه ثيابي، ولم أزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى العراق، فعملت به أيَّامًا فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: عليك بالشام، فانصرفتُ إلى مدينة يقال لها المنصورة
(2)
(1)
الجزء المرتفع المقوس من السرج، وهما قربوسان.
(2)
بالأصل: " المنصورية"، والتصويب من كتب التخريج ..
وهي المصيصة، فعملت أيَّامًا، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت أيضًا بعض المشايخ فقال لي: إن أردت الحلال فعليك بطرسوس فإنّ المباحات فيها والعمل كثير، قال: فدخلتُها، فبينما أنا قاعد على باب البحر؛ إذ جاءني رجل فاكتراني انظر له بستانًا، فتوجهت معه فكنت في البستان أيامًا كثيرة، فلما كان في بعض الأيّام إذ أتى بخادم قد أظل ومعه أصحاب له، ولو علمتُ أنّ البستان للخادم أي للجندي ما نظرته [ق 39 / ب] فقعد في مجلسه، ثم قال: يا ناظورنا! فأجبتُهُ. قال: اذهب فأتنا بأكبر رمّان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته به فأخذ الخادم الرّمَّان وكسر رمّانةً، فوجدها حامضة، فقال: يا ناظورنا ما أنت منذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورمّاننا لا تعرف الحلو من الحامض. قلت: والله ما أكلتُ من فاكهتكم، ولا أعرف الحلو من الحامض. قال: فغمز الخادم أصحابَه وقال: ألا تعجبون من هذا! ثم قال: لو كنت إبراهيم بن أدهم ما
(1)
زاد على هذا، فلمّا كان من الغد حدث الناس بالصفة في المسجد، فجاء الناس عنقًا إلى البستان، فلمَّا رأيت كثرة الناس اختفيت والناس داخلون وأنا هارب عنهم" وكان إبراهيم رحمه الله يأكل من عمل يديه مثل الحصاد، وعمل البساتين والعمل في الطين وشبه ذلك، وكان يومًا يحفظ كرمًا فمرّ جنديّ فقال: أعطنا من هذا العنب. قال: ما أمرني بذلك صاحبه، فأخذ يضربه بالسّوط فطأطأ رأسه وقال: اضرب رأسًا طال ما عصى الله عز وجل، فأعجز الرجل ومضى وتركه
(2)
. ألا فهل رأيتم من مشايخكم وفقرائكم الذين تزعمون أنّهم من الأولياء والزّهاد؟ [ق 40 /أ] وأنّهم من الصالحين العباد؟ وأنهم من أهل المكاشفات والكرامات مَن ضُرب رأسه يقول مثل ما قال إبراهيم بن أدهم. وقال سهل بن إبراهيم رحمهما الله إبراهيم بن أدهم رحمهما الله فمرضتُ، فأنفق عليّ جميع نفقته، فاشتهيتُ شهوةً فباع حماره، وأنفق عليّ ثمنه، فلمّا تماثلتُ قلت: يا إبراهيم أين الحمار؟ قال: بعناه. قلتُ: على ما أركب؟ قال: يا أخي على عنقي، فحملني ثلاث منازل رحمهما الله
(3)
.
(1)
بالأصل: "وما".
(2)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 368)، وغيره مختصرا، وذكره الطرطوشي في "سراج الملوك"(ص/11) مطولا.
(3)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 381)، وغيره.
هذا ما نقلته من كتاب محمد بن الوليد الفهري
(1)
. وروي أن يونس بن سليمان البلخي رحمه الله قال: كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله من الأشراف كثير المال والخدم، فخرج يومًا إلى الصيد مع الغلمان والخدم والموكب والجنائب والبزاة، فبينما في عمله ذلك أخذ براية وكلاب للصيد وهو على فرسه تركض به إذا هو بصوت من فوقه يا إبراهيم ما هذا العبث؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] اتق الله وعليك بالزاد ليوم الفاقة. قال: فنزل عن فرسه
ورفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة
(2)
. وروي عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه كان إذا سئل عن العلم جاء بالأدب
(3)
. وقال الإمام [ق 40 / ب] أبو حنيفة رضي الله عنه: "يا إبراهيم! إنّك رزقتَ
(4)
من العبادة شيئًا صالحًا فليكن العلم من بالك، فإنه رأس العبادة، وبه قوام الدين"
(5)
. وقيل لإبراهيم: ألا تحدّث فقد كان أصحابك محدّثون؟ فقال: كان همّي هدي العلماء وآدابهم
(6)
. وروي أن إبراهيم بن أدهم دخل على أبي جعفر المنصور فقال له أبو جعفر: ما عملُك؟ قال إبراهيم:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
…
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
(1)
هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري، المالكي، المعروف بالطرطوشي، ويعرف بابن أبي رندقة (أبو بكر) فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد سنة 451 هـ تقريبا، ونشأ في طرطوشة بالأندلس، ورحل إلى المشرق فدخل بغداد والبصرة، وسكن الشام، ونزل بيت المقدس، وأخذ عن جماعة، وتوفي بالإسكندرية في جمادى الأولى سنة 520 هـ. من تصانيفه: سراج الملوك، الدعاء، الحوادث والبدع، مختصر تفسير الثعالبي، وشرح رسالة ابن أبي زيد، وغيرها وترجمته في: بغية الملتمس (ص/135)، وفيات الأعيان (4/ 262)، الديباج المذهب (2/ 244)، معجم المؤلفين (12/ 96)، وغيرها.
(2)
أخرجه ابن منده في"مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/18)(2)، وغيره.
(3)
أخرجه ابن منده في"مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/19)(3)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 27)، وغيرهما.
(4)
بالأصل: زقتَ.
(5)
أخرجه ابن منده في "مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/47)(46).
(6)
أخرجه ابن منده في"مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/48)(46)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 27).
فقال له: اخرج عنِّي. فخرج وهو يقول: خذْ عن الناس جانبًا، واجعل الله صاحبًا
(1)
. وروي أن رجلاً أتى إبراهيم بن أدهم فقال له: أنت إبراهيم؟ قال: نعم. فقال له: من أين معيشتك؟ قال:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
…
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
(2)
.
وروي أن إبراهيم بن أدهم كان في سفر ومعه ثلاثة نفر، لدخلوا مسجدًا وكانت ليلة باردة ولم يكن لذلك المسجد باب تسُدٌّه، فلما كان وقت النوم ناموا وقام إبراهيم على الباب إلى الصباح فقالوا له: لم لا نمت؟
(3)
قال: خشيت أن يغشاكم البرد فقمت مكان الباب
(4)
، فهؤلاء لو كانوا من أهل الإسلام لكان قدوتهم هؤلاء المذكورون، وأقول شعرا:[ق 41 /أ]
أيُّها المرء إنَّ دنياك بحر
…
قد طمسا موجُه فلا تقربنّها
أصبح الراغبون فيها حيارى
…
والحذار الحذار يا طالبنَّها
وسبيل النجاة فيها بيّن
…
وهو أخذ الكفاف والقوت منها
بينما المرء مغرم في هواها
…
لاهيًا في نعيمها يسلبنَّها
فاجتنبها ولا تكن من بنيها
…
إنّما الفوز في انتزاحِك عنها
(1)
أخرجه ابن منده في"مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/48)(48)، وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 10)، وغيرهما.
(2)
أخرجه الدينوري في "المجالسة"(5/ 146)(1961)، وابن منده في "مسند إبراهيم بن أدهم"(ص/49)(49) وغيرهما.
(3)
كذا بالأصل، وفي التبصرة:" لَمْ تَنَمْ؟ ".
(4)
ذكره ابن الجوزي في "التبصرة"(2/ 279).
وقرأت في المختصر من كتاب الحسن بن عبد الله العسكري
(1)
رحمه الله أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله كان يستقي الماء بصورٍ للناس بالأجرة فإذا مرّ به جيش إلى مصر قطع الحبل لئلا يسقيهم، وكان يضربون رأسه ويستدلّون الطريق فيتخارس عليهم ولا يدل لهم
(2)
. قلت: وكان يفعل ذلك لئلا يكون من أعوان الظلمة، فكيف بأقوام يأكلون طعامهم ويطلبون منهم الدنيا بالدّين ويصادقونهم، فويل لهم ولمن زعم أنهم صالحون ولا يعتقد أنهم مفسدون فاسقون ما أسوء حالهم وأقوى ضلالهم، وما أبعدهم من أهل الحقّ وأبغضهم إليه، عافانا الله وإيَّاكم يا أخوتي مما ابتلى به خصومنا من القفازين أهل الحوادث في الدين. ألا فهؤلاء الجهّال هلا اتبعوا هؤلاء العبّاد من الشيوخ والفقراء فيما صحّ عنهم [ق 41 /ب] من إتباعهم للكتاب والسنة، ويتركوا ما قيل عن بعضهم من الشبهات مع أنّه لا يصحّ عن أحد من علماء الإسلام ولا عن عبّادهم وما ذكرناه من أخلاق المتقدّمين وآدابهم وسيرهم كله يدل على ضلالة قوم من أهل زماننا نبذوا بهم زورًا وبهتانًا واسمًا دون رسم؛ لأنهم خالفوا السلف الصالح عقدًا وقولاً وفعلاً. ألا فما ذكرناه من سيرتهم وطريقتهم ومجاهداتهم وغير ذلك من أفعالهم وأحوالهم وأقوالهم يقمع النفوس عن الرقص واستماع الغناء والشبابات، ويخمل الطباع عن النظر إلى المرد وغيرهم، ويقطع شهوات النفوس عن كل ما يؤذي القلوب ويفند عن علاّم الغيوب. ألا فاعتبروا وتدبّروا هذه القاعدة وليتأسى المتأسي منكم بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان رحمة الله عليهم أجمعين، عصمنا الله وإيّاكم من الفتن والبدع ما ظهر وما بطن وسلك بنا وبكم طريق الجدّ والورع، وأعاننا وإياكم على هول
(3)
المطلع
(4)
، وأعطانا وإيَّاكم الأمان يوم الفزع، إنه برٌّ رءوف رحيم.
(1)
أشار بروكلمن إلى وجود مختصر من كتاب الفروق لأبي هلال اختصره أحد تلامذة العسكري بعنوان "اللمع في الفروق" نشر في بولاق، وهو كتاب مجهول المؤلف يقع في خمس وثلاثين صفحة لا يعتمد الترتيب أو التبويب، إنما هو كما قال صاحبه "شذرة علقها من كتاب الفروق لأبي هلال العسكري".
(2)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(7/ 379).
(3)
في الحاشية: " الهول: المخافة".
(4)
في الحاشية: "المطلع: موضع طلوع".