الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنهُ يَوْمًا شدَّة فَمَاتَتْ وَابْنهَا لم يعلم بذلك فصودر وَحبس فَرَأى أمه فِي النّوم تَقول لَهُ استخرج من مَوضِع كَذَا مَا خبأته لَك لهَذَا الْيَوْم فانتبه وَتوجه إِلَى الْمحل الَّذِي عينته وحفره وَأخذ مَا فِيهِ من الدَّرَاهِم وتخلص ونظائر ذَلِك كَثِيرَة ثمَّ إِن النَّاس فِي الرُّؤْيَا أَقسَام مِنْهُم من لَا يرى رُؤْيا أصلا وَسبب ذَلِك بلادة نَفسه وَمِنْهُم من يرى وينسى وَمِنْهُم من يرى وَلَا يفهم وَمِنْهُم من يرى وَيفهم وَمِنْهُم من يتَمَنَّى رُؤْيَة ميته فَلَا يرَاهُ أَلا نَادرا فَإِن رَآهُ لم يُخبرهُ عَن حَاله وَإِن سَأَلَهُ لم يجبهُ لاشتغال الْمَيِّت عَنهُ بِمَا هُوَ فِيهِ من خير أَو شَرّ وَمِنْهُم من يرَاهُ ويخبره فَمن أحب أَن يرَاهُ يكثر الصَّدَقَة عَنهُ وَالْقِرَاءَة لَهُ ويواصله بِالدُّعَاءِ والترحم فيراه ويخبره
ذكر ذَلِك الْمَنَاوِيّ فِي شَرحه لمنظومة الشَّيْخ عمر بن الوردي
فصل
والرؤيا تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام الأول بشرى من الله تَعَالَى وَالثَّانِي تحزين من الشَّيْطَان وَالثَّالِث رُؤْيا الهمة وَهِي مَا يهم بِهِ الْإِنْسَان فِي الْيَقَظَة ويبيت مهما بِهِ فيراه فِي مَنَامه وَذَلِكَ كُله مَذْكُور فِي السّنة
قَالَ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا ثَلَاثَة فبشرى من الله وَحَدِيث النَّفس وتخويف من الشَّيْطَان
قَالَ بعض الْعلمَاء أَشَارَ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنه لَيْسَ كل مَا يرَاهُ النَّائِم صَحِيحا وَيجوز تَعْبِيره إِنَّمَا الصَّحِيح مَا جَاءَ بِهِ الْملك
قَالَ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الله والحلم من الشَّيْطَان فَإِذا رأى أحدكُم شَيْئا يكرههُ فليتفل عَن يسَاره ثَلَاثًا حِين يَسْتَيْقِظ ويتعوذ بِاللَّه من شَرها فَإِنَّهَا لَا تضره
قَالَ الْمَنَاوِيّ فِي شرح منظومة ابْن الوردي ثمَّ جَمِيع الْمرَائِي تَنْحَصِر فِي قسمَيْنِ الصادقة وَهِي رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَمن تَبِعَهُمْ من الصَّالِحين والأولياء وَقد تقع لغَيرهم منذرة وَهِي الَّتِي تنذر فِي الْيَقَظَة على وفْق مَا وَقعت فِي النّوم والأضغاث لَا تنذر بِشَيْء وَهِي أَنْوَاع الأول تلاعب
الشَّيْطَان ليحزن الرَّائِي كَأَن رأى أَن رَأسه قطع وَهُوَ يتبعهُ أَو وَاقع فِي هول وَلم يجد من ينجده وَنَحْو ذَلِك الثَّانِي أَن يرى بعض الْمَلَائِكَة يَأْمُرهُ بِمَعْصِيَة أَو بِشَيْء من المحالات الْعَقْلِيَّة الثَّالِث مَا تحدث بِهِ نَفسه فِي الْيَقَظَة أَو يرى مَا جرت بِهِ عَادَته فِي الْيَقَظَة أَو مَا يغلب على مزاجه
وَقَالَ أَيْضا نقلا عَن ابْن سينا الْفرق بَين الرُّؤْيَا والإضغاث أَن مَاله تَعْبِير يُسمى الرُّؤْيَا وَمَا لَا تَعْبِير لَهُ فأضغاث وَهُوَ مَا لَا يدل على شَيْء حَاصِل وَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يعبر والرؤيا تدل على مَا هُوَ كَائِن فِي الْمُسْتَقْبل والإضغاث على الْأُمُور الْحَاضِرَة كَأَن خَافَ شَيْئا فَرَآهُ فِي نَومه أَو جَائِع أَو عطشان رأى أَنه يَأْكُل أَو يشرب أَو ينَام وَهُوَ ممتلئ فَرَأى أَنه يقذف فَكل ذَلِك لَا يعبر لعدم دلَالَته على الكائنات فِي الْمُسْتَقْبل على الْحَاضِرَة والماضية وَكَذَا الْأُمُور النفسانية كخوف وَأمن ورجاء وحزن وسرور فَإِذا نَام مَعَ وَاحِد من هَذِه ورأه بِعَيْنِه لَا يعبر وَسبب رُؤْيَة الأضغاث من الْأَسْبَاب الجسمانية اثْنَان إِمَّا خلاء وَهُوَ يحْتَاج إِلَى شَيْء فَيرى اجتلابه وَإِمَّا امتلاء أَي يَسْتَغْنِي عَن شَيْء فَيرى اجتنابه وَالسَّبَب البقائي أَيْضا فِيهِ اثْنَان إِمَّا خوف من شَيْء أَو رَجَاء لَهُ فعلى الْمعبر السُّؤَال عَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع إِن كَانَ ممتلئا أَو خَالِيا خاويا أَو خَائفًا أَو راجيا فَإِن لم يكن لرؤياه سَبَب من هَذِه علم أَن رُؤْيَاهُ أضغاث وَيَنْبَغِي أَن لَا تقص الرُّؤْيَا إِلَّا على عَالم بأصول التَّعْبِير وقوانينه مجرب فِي الْإِصَابَة حَلِيم ذِي تأن وتدبر وَأَن لَا يقصها الرَّائِي إِلَّا على من يُحِبهُ وَالْأَفْضَل أَن تقص الرُّؤْيَا وتعبر فِي أول النَّهَار وَأَن لَا تعبر فِي
أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت طُلُوع الشَّمْس وَوقت غُرُوبهَا وَإِذا جن اللَّيْل وَوقت الزَّوَال وَينْدب للمعبر إِذا أَتَاهُ من يسْأَله عَن رُؤْيَاهُ أَن يبْدَأ كَلَامه بِخَير فَيَقُول للسَّائِل خيرا تَلقاهُ وشرا توقاه أذكر رُؤْيَاك فَإِذا قصها قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه الطاهرين قد دلّت رُؤْيَاك على كَذَا وَلَا يشرع فِي الْجَواب حَتَّى يَسْتَوْفِي السُّؤَال بِتَمَامِهِ ويطيل التَّأَمُّل والتدبر وَلَا يعجل وَلَا يعبر حَتَّى يعلم من الرَّائِي واسْمه وَهل هُوَ ذكر أَو أُنْثَى طِفْل أَو بَالغ حر شرِيف أَو وضيع وحرفته فَإِن احتملت الرُّؤْيَا تعبيرين يُخرجهَا على مَا هُوَ أليف وموافق بالرائي وَإِذا ظهر لَهُ من الرُّؤْيَا عَورَة لكَون الرَّائِي مكبا على معصة كتم ذَلِك وَلَا يذكرهُ لَهُ بل يَأْمُرهُ بالتقوى ويعظه وَإِن دلّت على حُصُول غم أَو كرب أَو مُصِيبَة كتم ذَلِك أَيْضا ويأمره بِالصَّدَقَةِ وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمعبر ذَا حذافة وفطنة صَدُوقًا فِي كَلَامه حسنا فِي أَفعاله مشتهرا بالديانة والصيانة وانما يُمَيّز بَين رُؤْيَة كل أحد بِحَسب حَاله وَمَا يَلِيق بِهِ ويناسبه وَلَا يُسَاوِي النَّاس فِي مَا يرونه وَيعْتَبر فِي تَعْبِيره على مَا يظْهر لَهُ من آيَات الْقُرْآن وَمن حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا نَقله المتقدمون فِي كتبهمْ وَإِذا أصَاب فِي تَعْبِيره فَلَا يعجب بِنَفسِهِ بل يشْكر الله الَّذِي هداه ووفقه لإصابة الصَّوَاب وَإِذا اجْتمع فِي الرُّؤْيَا مَا يدل على خير وعَلى شَرّ فَإِن الْمعبر يغلب الْأَرْجَح والأقوى مِنْهُمَا وَيحكم بِهِ ثمَّ إِذا علمت الرُّؤْيَا وفهمت من أَولهَا إِلَى آخرهَا فتأويلها سهل وَإِن علم بَعْضهَا وأشكل الْبَعْض فيعبر مَا علم ويفحص عَن الْبَاقِي بَعْضًا فبعضا فَإِن صَارَت أبعاضها مفهومة فَذَلِك وَإِن لم تفهم كلهَا نظر فِي الْمُنَاسبَة بَين أَجْزَائِهَا فَإِن كَانَ لَهَا مُنَاسبَة اسْتدلَّ لتِلْك الْمُنَاسبَة من بَعْضهَا
الْبَعْض ويدقق النّظر فِي استنباط تَأْوِيلهَا فَإِن كَانَت الرُّؤْيَا غَرِيبَة نادرة لم يَقع مثلهَا فَلَا يتجاسر وَلَا يُبَادر فِي تعبيرها بل يتَوَقَّف فِيهَا حَتَّى تظهر عَاقبَتهَا وَالله الْمُوفق وَقد اقتصرنا فِي هَذِه الْمُقدمَة على بعض المهم مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا الْعلم وَمن أَرَادَ الْمَزِيد من ذَلِك فَعَلَيهِ بشرح الْمَنَاوِيّ على الألفية الوردية وَالله أعلم
الصُّورَة الأولى
الصُّورَة الثَّانِيَة