المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أيها المذنب! الحذر .. الحذر - احذر سوء الخاتمة

[أزهري أحمد محمود]

الفصل: ‌ أيها المذنب! الحذر .. الحذر

قال حاتم الأصم: «من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار، فهو مغتر، فلا يأمن الشقاء! الأول: خطر يوم الميثاق، حين قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي! فلا يعلم في أي الفريقين كان! والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث، فنودي الملك بالشقاوة والسعادة، ولا يدري: أمن الأشقياء هو أم من السعداء؟ ! والثالث: ذكر هول المطلع، ولا يدري أيبشر برضا الله أو بسخطه؟ ! والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري: أي الطريقين يسلك به؟ ! » .

وكان سهل بن عبد الله يقول: «خوف الصديقين من سوء الخاتمة؛ عند كل خطرة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى، إذ قال:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60].

وعن عطاء الخفاف، قال:«ما لقيت الثوري إلا باكيًا! فقلت: ما شأنك؟ ! قال: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًا» !

أيها المذنب! تلك هي سوء الخاتمة! وقد رأيت كيف حدها لك العارفون .. فأين منزلك منها؟ ! تراك من أهل الوجل والخوف منها .. أم من الآمنين؟ ! فيا للخسران إن كنت من الفريق الثاني! وكيف يأمن من سلك طريقًا يؤدي إلى سوء الخاتمة؟ !

*‌

‌ أيها المذنب! الحذر .. الحذر

! !

قال ابن المبارك: «إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال: ذنب قد مضى لا يدرى ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ماذا

ص: 6

فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعلة واستدراج، وضلالة قد زينت له فيراها هدى، ومن زيغ القلب ساعة ساعةً، أسرع من طرفة عين قد يسلب دينه، وهو لا يشعر! ».

أيها المذنب! ترى أنك ستنجو وقد سلكت طريق المعاصي .. وعكفت على المساخط؟ !

فاحذر أخذة على غرة .. لا تفيق منها إلا بين يدي ملائكة غلاظ شداد!

كان الحسن البصري يقول في موعظته: «المبادرة المبادرة! فإنما هي الأنفاس لو حبست، انقطعت عنكم أعمالكم التي تقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر إلى نفسه، وبكى على عدد ذنوبه. ثم قرأ هذه الآية:{إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84].

وإن شئت - أيها المسكين - ذكرت لك طرفًا من أخبار الصالحين .. الذين جمعوا بين الطاعة، والخوف من سوء الخاتمة! لعل ذلك يرد قلبك الآبق عن الطاعات .. ويوقظك قبل فوات الأوان!

* عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ ! قال: أبكاني خبر السماء، أين يذهب بي، إلى الجنة أو إلى النار؟ ! فقلت: أبشر بالجنة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يقول: «سيدا أهل الجنة أبو بكر وعمر» فقال: أشاهد أنت يا علي لي بالجنة؟ ! قلت: نعم، وأنت يا حسن فاشهد على أبيك رسول الله أن عمر من أهل الجنة»!

ص: 7

* وعن محمد بن قيس: أن رجلاً من أهل المدينة نزل به الموت، فجزع، فقيل له: أتجزع؟ ! فقال: ولم لا أجزع؟ ! فوالله إن كان رسول أمير المدينة ليأتيني فأفزع لذلك، فكيف برسول رب العالمين؟ !

* وبكى بعضهم عند الموت، فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت الله يقول لقوم: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فأنا أنتظر ما ترون، والله ما أدري ما يبدو لي!

* وقال بعضهم: «لو كانت الشهادة على باب الدار، والموت على الإسلام عند باب الحجرة؛ لاخترت الموت على الإسلام، لأني لا أدري ما يعرض لقلبي بين باب الحجرة وباب الدار! » .

* وكان سفيان الثوري يبكي، ويقول:«أخاف أن أُسلب الإيمان عند الموت! » .

* وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته، ويقول:«يا رب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك! » .

أيها المذنب! عظ نفسك! إذا كان هذا حال الصالحين .. وفيهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. المبشر بالجنة .. والذي يفرق الشيطان من ظله! أليس حريًّا بك - أيها المذنب أن يطول جزعك .. وتسكب الدموع مدرارًا!

أحسنت ظنَّك بالأيام إذ حسُنت

ولم تَخَف سوء ما يأتي به القدرُ

ص: 8